
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,724 |
تعداد مقالات | 14,101 |
تعداد مشاهده مقاله | 34,261,551 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,710,897 |
دراسة التوازي النحوي في رسالة المعاش والمعاد للجاحظ علی أساس نظرية ديبوغراند ودرسلر | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
دوره 17، شماره 32، تیر 2025، صفحه 133-150 اصل مقاله (770.63 K) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2024.142591.1544 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
خديجه زارعي1؛ حسين چراغي وش* 2؛ سید اسماعیل قاسمی موسوی3 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1حاصلة على الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة لرستان، خرم آباد، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة بوعلي سينا، همدان، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
3أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة لرستان، خرم آباد، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إنّ الاتساق في النص من المفاهيم الهامة التي رسمها علماء النص، كعنصر من عناصر النصانية. ومن آليات الاتساق المعجمي قواعد عامة، كقواعد النحو والتكرار في الجملة بجانب التضام، والتكرار كآلية هامة في إحداث الاتساق في النص. وقد قسّمه لغويو النص إلی أنواع مختلفة، مثل الترادف، والشمول الدلالي، وشبه التکرار، والتکرار النحوي. ويعدّ ديبوغراند ودرسلر من العلماء الذين اهتموا بالتكرار درساً ونظرية. فهما لا يريان المفردات تختص بالتکرار فحسب، بل إنّ هنالك تكراراً في جزء من النصّ أو في الشكل النحوي، يسمى توازياً نحوياً أيضاً. وينقسم التوازي إلي التوازي التام، والتوازي الناقص، وشبه التوازي، والتوازي الربطي. فبه، تُخلق في النص موسيقى بجانب الاتساق والانسجام. ثمّ إنّ رسائل الجاحظ تعدّ من النصوص الهامة في تاريخ الأدب العربي، وخاصة رسالة المعاش والمعاد، والتي لم تلفت الانتباه الذي يليق بها. فهي بمثابة كُتيّب إرشادي ذي نص أدبي متسق ومنسجم موضوعه السياسة والحكومة. فقد قام هذا البحث بدراسة دور التوازي النحوي في اتساق رسالة المعاش والمعاد للجاحظ بمنهجية وصفية ـ تحليلية، وباستخدام المعلومات الإحصائية، وتشير أهم نتائجه أن للتوازي النحوي، خاصة التوازي التام، دوراً محورياً في اتساق الرسالة، کما أنّ العبارات المتوازنة في نصّ الرسالة لها تواز صرفي وبلاغي، كما أنّ للتوازي الصوتي، بجانب التوازي النحوي، دورا في الاتساق النصي، وكذلك له دور موسيقي وجمالي و.... | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ديبوغراند ودرسلر؛ الجاحظ؛ التوازي النحوي؛ التوازي التام؛ رسالة المعاش والمعاد | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
. المقدمة يعتبر علم لسانيات النص من المباحث الجديدة في العلوم اللسانية. وفي هذا المبحث، يسعى العلماء إلى تحديد ما يميز النص عن مجموعة من الجمل غير المترابطة أو اللانص؛ بعبارة أخرى، فإن لسانيات النص تهدف إلى تقديم معايير، يمكن من خلالها التمييز بين نص وآخر. ومن العلماء الذين بذلوا جهوداً كثيرة في هذا السياق، وقدموا معايير موضوعية، للتمييز بين النص المنسجم والمتسق وبين مجموعة من جمل متشتتة، هما روبرت ديبوغراند وولفغانغ أولريخ دريسلر[1]. فهما يعرفان سبعة معايير للنصانية: السبك، والالتحام، والقصدية، والقبول، ورعایة الموقف، والتناصّ والإعلامیة أو الإخباریة. وبما أنّ السبك يتعلق بالمستوي المعجمي للاتساق، فإنّهما يعرّفان آليات تسبب الاتساق المعجمي أو الشكلي للنصوص، مثل: التكرار، وإعادة اللفظ، والتعریف، واتحاد المرجع، والإضمار بعد الذکر، والإضمار قبل الذکر، والإضمار لمرجع متصیّد والحذف. والاتساق النحوي تسفر عنه عدة آليات، منها التوازي التركيبي أو النحوي؛ ولكن الباحثين وعلماء النصانيات يهتمّون في هذا النوع من التكرار، بتكرار المباني. وبما أنّ التكرار النحوي في بعض من النصوص العربية القديمة آلة لإحداث الموسيقى والاتساق والانسجام، فهذا التوازي من شأنه أن يكون معياراً نقدياً مناسباً لتحليل البنية النصية. فبهذا الإطار الذي يقدّمانه، يمكن تقييم النصوص من حيث معايير الاتساق والانسجام. ومن النصوص القديمة القيمة في الأدب العربي، يمكننا أن نشير إلى رسالة المعاش والمعاد، للجاحظ. فرسالة المعاش والمعاد موجهة إلی محمد بن أبي دؤاد قاضي ببغداد، بین سنتي 233 ـ 237ﻫ. فنظراً لحداثة سنّه، قد حاول الجاحظ أن يساعده، ویرشده إلى الطريق الصواب، بعدة رسائل، منها رسالة المعاش والمعاد (الجاحظ، 1964م، ص 91 ـ 134). وبما أن نموذج ديبوغراند ودريسلر يقدّم لنا معايير، يمكن بها تقييم النصوص، فهذه الدراسة تسعى بمنهج وصفي ـ تحليلي، أن يبحث عن الاتساق والانسجام في هذه الرسالة، وخاصة عن معايير الاتساق المعجمي فيها. 1ـ1. أسئلة البحث ـ ما دور آليات السبك في التماسك النصي لرسالة المعاش والمعاد؟ ـ ما دور التوازن النحوي في انسجام رسالة المعاش والمعاد؟ 1ـ2. خلیفة البحث تُعتبر لسانیات النص إحدی الفروع الناشئة للسانیات، حيث قد استرعت انتباهاً كبيراً في السنوات الأخيرة، وأُجريت فيها دراسات قيمة ومن وجهات نظر مختلفة باللغتين الفارسية والعربية في هذا المجال. ومن هذه الأعمال القیمة في دراسة لسانیات النصّ ، يمكن الإشارة إلی ما یلي: قد عالج فؤاد فياض شتیات (2018م)، في مقاله المعنون بتشکیلات الإیقاع واتساق نصّ المدیح الجاهلي: مدح بشر بن أبي خازم لأوس الطائي نموذجاً، دور التوازن أو الإیقاع واستمراریة نصّ المدائح الجاهلیة وكمثال مدح بشر بن أبی خازم لأوس بن حارث بن الطائي، ویسعی أن يكشف الستار عن العلاقة القائمة بين الإیقاع والموسیقی الخارجیة بأدوات، كالوزن، والإیقاع اللفظي، والتکرار، والتشابهات بين الهیکل الدلالي والتفکیر. كذلك، عالج عباس إقبالي وبتول قرباني (1440ﻫ)، في مقالتهما المعنونة بانسجام الأصوات، الموسیقی في خطبة الجهاد لنهجالبلاغة ودورها في التعبیر الکلامي، عنصر الموسیقی في تماسك هذه الخطبة. وقد أظهرت نتائج البحث أنّ العناصر الموسیقية في هذه الخطبة کثیرة، ومنها أنواع السجع، والتکرار، وأن التوازن النحوي قد تم استخدامه لتأکید الکلام وإحداث التماسك بین المفردات والعبارات. كما قد تطرقت آمنة جاهمي (2012 ـ 2011م)، في أطروحتها آلیات الانسجام النصي في خطب مختارة من مستدرك نهج البلاغة لهادي کاشف الغطاء، إلى دراسة التوازن ودوره في تماسك النص، وقسّمت التوازن إلی نوعین: التام والناقص، ودرست دور کلّ منهما في التماسك، واستنتجت أنّ دور التوازن التامّ أکثر في تماسك النصّ من التوازن الناقص، كما أنّها قد عالجت في مقال (2017م)، عنوانه الاتساق النصي في رسالة الحاسد والمحسود، آليات الاتساق والنصانية في بتركيز على الإحالة، والوصل، والحذف، والتكرار، والتوازي. وأشار سعيد سلمان الهاشمي وحسين نعيم حریجة (2020م)، في مقال العلاقات الدلالية في آیات السلم والحرب في القرآن الکریم: دراسة في ضوء لسانیات النص، إلی التوازن کإحدی عناصر الانسجام والتماسك النصيين. وقد عالجت أمل سلمان حسّان (2017م)، في كتابها المعنون بالأسالیب البدیعیة من منظور اللسانیات النصیة: خطاب عبد اللّٰه بن المقفع أنموذجاً، أسس النظریة للتوازن وأقسامها وخطاب ابن المقفع، واستنتجت أنّ الأنواع المختلفة للتوازن، ومنها: التوازن الناقص، والتامّ، وكذلك التوازن في الجمل المختلفة الاسمیة منها والفعلیة وشبه الجملة، كلها توجد في نصّ ابن المقفع. ولهذا الأمر دور هامّ في تماسك نص ابن المقفع. کما عالجت نعيمة سعدية (2009م)، في مقالها الاتساق النصي في التراث العربي، مفاهيم الاتساق النصي في كتابات القدماء من البلاغيين والنحويين العرب، وما اصطلح عليه هؤلاء القدماء بـ"النظم". لقد تطرق مصطفى صلاح قطب (1997م)، في كتابه دراسة لغوية لصور التماسك النصي في لغتى الجاحظ والزيات، بنظرة تقابلية إلى دراسة آليات التماسك في النصين. وقد درس نعيم السيد ومحمد الشريدة (2021م)، في دراستهما المعنونة بالمعايير النصية في البنية اللغوية عند الجاحظ في البخلاء، كتاب البخلاء، للكشف عن تجلي المعايير النصية في بنية الجاحظ اللغوية، وقد حاولا مقارنة بين معايير علم النص والبلاغة العربية. لكن رغم هذه الأبحاث القيّمة في مجال التوازن النحوي ضمن دراسات لسانیات النص، تبدو الحاجة ملحة للقيام بأبحاث مختلفة في هذا المجال، كما أنّ مؤلفي هذه الصفحات لم يعثروا على دراسة، تدرس التوازن النحوي ودوره في استمراریة أعمال الجاحظ. فنظراً لأهمية رسالة المعاش والمعاد ودور التوازن النحوي فيها، تنوي هذه الدراسة القيام بمناقشة دور التوازن النحوي کعنصر من عناصر استمراریة النصّ من منطلق نظریة ديبوغراند ودريسلر.
قد عدّ ديبوغراند ودريسلر معاییر نصیة سبعة، تکسی النص کساء النصیة، وهي: السبك، والالتحام، والقصدية، ورعایة الموقف، والقبول، والتناص، والإعلامية. ـ السبك[2]: أو التضام أو الاتساق، وهو کیفیة ربط العناصر اللغویة علی مستوی البنیة السطحیة، حیث یؤدي السابق منها إلی اللاحق (1992م، ص 71). ـ الالتحام[3]: ويسمى كذلك التقارن، أو الانسجام أو الترابط الفكري، ومعناه الطریقة التي یتم بها ربط التراکیب علی مستوی البنیة العمیقة للنصّ، والتي ربما لا تظهر علی مستوی السطح (المصدر نفسه، ص 120). ـ القصدية [4]: یعني أنّ النصّ حدث لغوي مخطّط له، ولیس رصفاً اعتباطیاً للجمل والکلمات، وأنَّه بنیة لغویة متسقة ومنسجمة، بقصد لتحقیق غرض معین. ـ القبول[5]: یتضمن موقف المرسل إلیه أو متلقي النصّ، إزاء کون صورة ما، صورة للغة، وینبغی لها أن تکون مستحسنة ومن حیث النصّ متسقة ومنسجمة (المصدر نفسه، ص 152 ـ 155). ـ رعایة الموقف[6]: أو مراعاة السیاق أو المقام، وینقسم إلی السیاق الغوي والسیاق غیر الغوي. فالأخیر یُحیل إلی خارج النصّ، ویشمل السیاق الثقافي والدیني والاجتماعي التي أسهمت في تکوین النصّ (المصدر نفسه، ص 209). ـ التناصّ[7]: ویتضمن العلاقات بین نصّ ما وبين نصوص أخری سابقة أو معاصرة له (المصدر نفسه، ص 233). ـ الإعلامیة أو الإخباریة[8]: من الطبيعي أن يتضمن کل نصّ قدراً من المعلومات؛ ولكن طبیعة هذه معلومات قد تختلف باختلاف نوع النص (المصدر نفسه، ص 184)؛ وكذلك لتعريف ملخص لجميع هذه العناصر، راجع: (ديبوغراند، 1998م، ص 103 ـ 104). 2ـ1. الاتساق يشتمل علی إجراءت، تتجسم بها عناصر السطح[9]، علی صورة وقائع، يؤدي السابق منها إلی اللاحق[10]، بحیث یتحقق لها الترابط. ووسائل التضامّ تشتمل علی هیئة نحویة، مثل المرکبات، والتراکیب، والجمل، وعلی أمور، مثل التکرار، والألفاظ الکنائیة، وأدوات الإحالة المشترکة، والحذف، والروابط (حسان، 1998م، ص 103). ويمكن مشاهدة السبك بكثرة في التراث النقدي والبلاغي عند العرب (لیندة، 2009م، ص 27). فیقول الجاحظ: «أجود الشعر ما رأیته متلاحم الأجزاء سهل المخارج. فتعلم بذلك أنّه قد أفرغ إفراغاً واحداً وسبك سبكاً واحداً» (1975م، ص 67). الاتساق عند ديبوغراند نوعان: صوتي، ومعجمي. الاتساق الصوتي يمكن أن توجَد بآليات، مثل السجع، والجناس، والتوازي، والصناعات البديعية اللفظية الأخرى؛ وأما الاتساق المعجمي، فيقع في التكرار والتضام. والتكرار نفسه يشمل آليات التكرار المباشر، والتكرار الجزئي، والاشتراك، والترادف والكلمة العامة (ديبوغراند ودريسلر، 1992م، ص 70 ـ 92). 2ـ2. وسائل الاتساق عند ديبوغراند ودريسلر ـ إعادة اللفظ: وهي التکرار الفعلي للعبارات. ویمکن للعناصر المعادة أن تکون هي بنفسها أو مختلفة الإحالة باختلاف مدی المحتوی المفهومي. ـ التعریف: هو المدی الذي یُفترض عنده إمکان التعرّف علی طبیعة عالم النصّ بالنسبة لتعبیر ما في نقطة بعینها، ثم استعادة هذه الطبیعة. ـ اتحاد المرجع: هو استعمال العبارات السطحیة المختلفة الدالة علی أمر واحد في عالم النصّ. ـ الإضمار بعد الذکر: هو نوع من الإحالة المشترکة، ویأتي فیه الضمیر. وفي الحقیقة مرجع في النصّ السطحي. ـ الإضمار قبل الذکر: هو نوع من الإحالة المشترکة، یأتي فیه الضمیر قبل مرجعه في النص السطحي. ـ الإضمار لمرجع متصید: وهو الإتیان بالضمير، للدلالة علی أمر غیر مذکور في النصّ مطلقاً، غیر أنّه یمکن إطلاق سیاق الموقف علیه. ـ الحذف: وهو استبعاد العبارات السطحیة التي یمکن لمحتواها المفهومي، أن يحضر في الذهن أو أن یُوسّع أو أن یُعدل بواسطة العبارات الناقصة. ـ الربط: هو أن یتضمن وسائل متعددة لربط المتوالیات السطحیة بعضها ببعض بطریقة، تسمح للإشارة إلی العلاقات بین مجموعات من معرفة العالم المفهومي للنصّ، کالجمع بینها وبین استبدال البعض بالبعض والتقابل والسببیة (المصدر نفسه، ص 70 ـ 83). تقدم لنا هذه الوسائل عدة صور للإسهام في الکفاءة، منها: ضغط البنیة السطحیة، وحذف العناصر السطحیة، وإبقاء العناصر التي یراد توسیعها، أو تطویرها، أو تعدیلها، أو رفضها، والإشارة إلی المعلومة أو إلی التمیز أو إلی الهوية، والتوازن المناسب بین التکرار والاختلاف في البنیة السطحیة علی حسب ما تتطلبه البنیة الإعلامیة. 2ـ3. التکرار عند ديبوغراند ودريسلر التکرار مصطلحاً بمعنى ورود المفهوم نفسه مرّتين في نصّ ما؛ لکن دون وجوب كون اللفظ مكرراً بعینه. تُعدّ إعادة اللفظ في البنية السطحیة التي تتَّحد مفاهيمها وإحالاتها من الأمور المعتادة في الکلام المرتجل في مقابل المواقف الشکلیة (المصدر نفسه، ص 72). ومن وجهة نظر ديبوغراند ودريسلر، أن التكرار أو الإعادة هو استخدام العناصر أو الأنماط من أنواع أخرى، تشتمل علی تكرار الجزء، وهو يشبه صنعة الاشتقاق في البلاغة واستخدام الكلمات القریبة جنباً إلی جنب. تتکرر نماذج متماثلة في البنية السطحية مع العبارات المختلفة في التوازن النحوي. کذلك، یشیر ديبوغراند ودريسلر إلی التکرار الهیکلي والموضوعي وأثره على النص، بجانب التكرار المعجمي، ويعتبران أنواعاً من الحذف جزءاً من التكرار أيضاً. فتكرار بعض العبارات البنيوية الفوقية يسمى الحذف بالقرینة (المصدر نفسه، ص 45). ومن وجهة نظرهما، فإنّ البنية السطحیة في النصوص ليست مکتملة غالباً، بعکس ما قد یبدو في تقدیر الناظر، وفي النظریات اللغویة التي تضع حدوداً واضحة للصواب النحوي أو المنطقي بحکم ضرورة نظرها إلی عبارات، بوصفها مشتملة علی الحذف، بحسب ما یقتضي مبدأ حسن السبك. ویتطلب الإیغال في الحذف جهداً أکبر لربط نموذج العالم التقدیري للنصّ بعضه ببعض في الوقت الذي یقتطع من البنیة السطحیة بشدة (ديبوغراند، 1998م، ص 345). ومن الآليات النصية التي تلاحظ في خلق الاتساق في النصوص، يمكن أن نشير إلي التوازي النحوي الذي يعدّ تكراراً في بنية النص والمعنى. 2ـ4. التوازي النحوي یُعتبر من أهم الوسائل التي تسهم في اتساق النصّ وتماسکه، من خلال ما یحدثه من تکرار لنظم الجمل. فهو إعادة تکرار الوزن، والجرس، والصوت، دون إعادة اللفظ ذاته مشکلاً بذلك نغمة معیّنة بین الجمل المکونة للنصّ (ديبوغراند ودريسلر، 1992م، ص 45 و57). فظاهرة التوازي موجودة في الأنماط التعبیریة العربیة الشعریة والنثریة علی حدء سواء. وكان العرب القدماء من البلاغیین والنقاد، علی وعي تام بالتوازي، حيث لم یقتصروا علی النمط التعبیري المألوف فحسب، وإنما اجتازوه إلی الأنماط التعبیریة الأخری التي اصطُلح علی تسمیتها بالأنماط الانحرافیة أو الانحیازیة (جاهمي، 2011 ـ 2012م، ص 76). 2ـ5. وظائف التوازي من وجهة نظر بوغراند ودريسلر، فإنّ المکون النحوي للصیاغة، له واجبان هامان: 1ـ وضع العناصر النحویة حال أدائها في حالة ترتیب أو تهویش عند الفهم؛ 2ـ بناء التکافلات النحویة بین العناصر السطحیة، کما تظهر في الزمان الحقیقي؛ ولهذا السبب، نجد المکّون یقوم علی الترابط، أکثر مما یقوم علی التقطیع، وهو یُصاغ علی صورة، یمکن بها أن یُعطی النحو والمعنی والأحداث تمثیلاً متوازناً (ديبوغراند، 1998م، ص 125؛ ديبوغراند ودريسلر، 1992م، ص 73). یؤکد علماء اللغة على أنّه ینبغي أن یقرّ العقل بالارتباط بین معاني عناصرها، قیاساً علی ما استقر في الفکر الإنسانی من علاقات الارتباط المنطقي بین المعاني في الکون، حتى تکون للجملة مقبولیة دلالية. فهنالك، نواجه قضیة علاقات بین معاني الکلمات، وتجاذبها وتنافرها، قضیة تحقق الانسجام أو انعدامه بین المعاني. فأحد شروط قبول المعنى في اللسانیات، هو أن ینشئ العقل علاقة منطقية بين المعاني وعناصرها، بناءً على ما تُعرف بالعلاقة المنطقية في الوجود وفي تفکیر البشر. والتجاذب والتنافر بينهما قضیة، تحقق التماسك أو عدم التماسك لهذه المعاني. فالمقبولية الدلالیة مدينة دائماً للكشف عن العلاقات الدلالية بين الشؤون المتباينة والمضادة أحيانا. وبواسطة اکتشاف عمق هذه العلاقات خلال القرائن الأسلوبیة واللفظية، یمکن الحصول علی هيكلها الداخلي. لذلك، فالاهتمام بالعلاقات الإیقاعیة والتناسقية بين الجمل یقودنا إلى مستوى عمقي من الكلام خلف مستواه الظاهري، واكتشاف العلاقات الداخلية للمفردات في كل نصّ، من شأنه أن يساعد درجة تماسك طبقاتها الداخلية. ويمكن القول أنّ الغرض من استخدام الجمل الإیقاعیة ليس فقط التواصل على المستوى الظاهري أو الجانب الجمالي فحسب، وإنّما الغرض هو الاهتمام بالطبقات الداخلية وجوانبها الدلالية أیضاً (حمیدة، 1997م، ص 77). كما أنّ تقسیم الکلام والتصریفات النحویة بحاجة إلی الکشف عن الترکیب المفهومي ـ العلائقي لعالم النص. فعندما تتعدد الافتراضات حول ترکیب عالم النصّ أو تتلاءم، یصبح تحلیل النصّ أکثر شمولاً (ديبوغراند، 1998م، ص 217 ـ 218).
3ـ1. التوازي التام التوازي النحوي التام هو تشابه جملتين أو عدة جمل من حيث البنية النحوية تشابهاً کاملاً. وفيما يلي، بعض النماذج للتوازي التامّ من رسالة المعاش والمعاد. «وَقَد مکَّنَ اللّٰه لَكَ أَسبابَ المَقدُرَةَ، ومَکنَّكَ لِیَبلُوَ خُبرَكَ، ویَختَبِرَ شُکرَكَ، ویُحصيَ سَعيَكَ ویکتبَ أَثرك، ثم یُوفّىك أجرَكَ ویأخُذَكَ بِما اجترَحَت یدُكَ أَو یَعفوَ» (1964م، ص 100) ففي هذه العبارات، هناك توازٍ صرفي ونحوي وبلاغي بين "ليبلو خبرك"، و"يختبر شکرك"، و"يحصی سعيك"، و"يکتبَ أثرَك". وقد أدّی هذا التکرار في الترتيب النحوي إلی تکرار الأصوات في العبارات المذکورة، وبالتالي، أحدث موسيقیً في النصّ. فکلّ هذه الکلمات قد استُعملت في بنیة نحوية وبلاغية مشابهة. وتعود الضمائر کلّها إلی محمد بن أبي دؤاد، وتدور عبارة "مکّنك" المحذوفة دوراً هامّاً في انسجام هذه الجمل. فبمجرد خطورها بالبال، يدرك المتلقّي أنّه هناك توازٍ بين هذه الجمل، کما يکون لتکرار هذه العبارة المحذوفة دورٌ جليّ في انسجام هذه الفقرة؛ إذ يدلّ تکرارها علی أنّ هذه العبارات کلّها حول موضوع واحد ومعنى واحد. فالتوازي يُعدّ توازياً تامّاً. وكمثال آخر لهذا القسم من التوازي، يُذكر كلام الجاحظ: «فلّما کانت هذه في طباعهم، أنشأ لهم في الأرض أرزاقهم، وجعل في ذلك ملاذ جمیع حواسهم، فتعلقت به قلوبهم وتطلعت إلیه أنفسهم» (المصدر نفسه، ص 103). فاستخدم الجاحظ "طباعهم"، و"أنشأ لهم"، و"أرزاقهم"، و"حواسهم"، و"قلوبهم"، و"أنفسهم"، حتى يلائم بين العبارات ملاءمة منطقية. فکل ما جاء بعد "طباعهم"، سببه كون طباعهم بهذا الشكل، والکلمة نفسها ترتبط بعنوان النصّ وفحواه. والنصّ يتحدث عن فطرة الإنسان، وهذا الأمر أدّی إلی خلق اتساق أکثر في هذه الفقرة من الرسالة، کما أنّ الميزة المعنوية المشترکة بين هذه الکلمات المضادة هي حنين الإنسان إلی فطرته الأولى. الجدول المرقم (1)
«فعلم اللّٰه أنَّهُم لا یَتَعاطَفونَ ولا یَتَواصَلون ولا یَنقادُون إلاَّ بالتِّأدیبِ، وأنَّ التَّأدیب لیسَ إلاَّ بالأمر والنَّهي، {أن الأمر والنَّهي} غیر ناجِعَینِ فیهم إلاَّ بالتِّرغیبِ والتَّرهیبِ اللَّذَینِ فیهم وفي طباعِهِم» (المصدر نفسه، ص 104). ففي كلام الجاحظ، هناك تواز مفرد بين "لا يتواصلون" و"لا ينقادون"، أي بين الألفاظ المذکورة في جملة واحدة. کما أنّ التوازي النحوي قد رافق التوازي الصرفي والبلاغي، مما قد أدّی إلی خلق الوزن والموسيقی في العبارات المذکورة. کما وفّر علیه إعادة ذکر "أنّهم". وبهذه الطريقة، اجتنب التکرار المخلّ وأوجز، کما ازداد الاتساق الموسيقي في النصّ، وخلق توازٍ مفرد وتامّ بنفس الوقت؛ إذ جاءت العبارات بصورة متوالية في تراکيب نحوية متشابهة، ما يُعدّ توازياً مفرداً، کما أن الضمائر في العبارات المتوازية مرجعها واحد، مما أدّی إلی الاتساق والتناسب قبل العبارة وبعدها. الجدول المرقم (2)
«فالرَّغبة والرَّهبة أصلا کلَّ تدبیر وعلیهما مدار كلّ سیاسة، عظُمت أو صغُرت، فأجعلهما مثالك الذي تحتذي علیه وركنك الذي تستند إلیه» (المصدر نفسه، ص 105). فقد خلقَ الجاحظ التوازي المعنوي بين العبارات بالجانب الصرفي والنحوي والبلاغي منه، مما قد أدّی إلی الاتساق والتلاؤم بين العبارات المذکورة في الجدول المرقم (2). وبهذا، قد أقام صلة معنوية بين العبارات. وقد جاءت العبارة الثانية في نفس البنية النحوية لبيان الأولی. الجدول المرقم (3)
«ثمَّ مبيَّن لك كيف تفترق بهم الحالات وتفاوت بهم المنازل ...، وكيف دواعي قلوبِ الناس ما منها یمتنعون عنه، وما منها لایمتنعون عنه، وما أسباب نوازع شهواتهم؟ وما الشيء الذي يُحتال لقلوبهم به حتّى تُستَمال، وحتّی تؤنس بعد الوحشة وتسکن بعد النفار» (المصدر نفسه، ص 97). في توضيح أهدافه لتأليف هذه الرسالة لمحمد بن ابي دؤاد، يكرِّر صوراً نحوية وبلاغية. فهنالك توازٍ نحوي ومعنوي بين "تفترق بهم الحالات" وبين "تفاوت بهم المنازل"، وكذلك بين "تؤنس بعد الوحشة" وبين "تسكن بعد النّفار". وكلتا العبارتان تشتملان علی توازٍ تام صرفيا، ونحوياً وبلاغياً، کما تُوجد صلة معنوية دالة علی السؤال والجواب في النصّ، وهذا ما أسفر عن ازدیاد الموسيقی والجمال والاتساق في الکلام، كما لعبت العلاقة الدلالیة دوراً هاماً بجانب الموسیقی والایقاع في هذه العبارة، واستعمل الکاتب أشكالا لغوية ونحوية مختلفة للدلالة علی أمر واحد. الجدول المرقم (4)
«ثم جعل أکثر طاعته فیما تَستقل النفوس، أکثر معصیته فیما تلذّ؛ لذلك قال النبی (|) : "حُفَّت الجنة بالمکاره والنار بالشهوات"، ویخبر أنَّ الطریق إلی الجنة احتمال المکاره والطریق إلی النار اتباع الشهوات» (المصدر نفسه، ص 105). لعب تکرار الأصوات والموسيقی بين العبارات دوراً هامّاً في خلق الصلة والانسجام في هذه الفقرة من الرسالة. نری هذا التوازي في جميع الجمل المذکورة، إمّا فيما نقل الکاتب من کلام الرسول (|)، أو فيما قال بنفسه. ومن الجدير بالذکر، أنّ أکثر العبارات قد بدأت بفعلٍ محذوف بجانب التوازي الموجود بينها وبين العبارات الأخری، وهذا الأمرُ يعتبر أسلوباً، يخصّ به الجاحظ، حيث استخدمه في کثيرٍ من فقرات رسالته. زد علی هذا، أنّ جميع العوامل المؤثّرة في انسجام النصّ، وهي الأصوات، والإرجاعات وغيرهما، قد مُزجَت بصورة جميلة، حيث تكشف عن قدرة الکاتب في السيطرة التامة علی الموضوع، کما تُظهر ابتعاد النصّ عن التوتر والتفرّق. الجدول المرقم (5)
الجدول المرقم (6)
«حَكَّمت وكيل اللّٰه عندكَ ـ وهو عقلُكَ ـ على هواك، وألقيت إليه أزمّة أمركَ، فسلك بك الطریق السَّلامة، أسلمك إلی العاقبة المحمودة، وبلغ بكَ من نیل اللَّذات أکثر مما بلغوا ونال بك من الشَّهوات أکثر مما نالوا، وصرّفك من صنوف النعم أکثر مما تصرفوَّا ...» (المصدر نفسه، ص 92). ففي هذه العبارات توازٍ تامّ صرفياً ونحوياً. وهذا الأمر لعبَ دوراً هاماً في انسجام هذا القسم من الرسالة، کما خلق موسيقی في الکلام. فلا يوجد تکرار صوتي بين الجمل المتشابهة فحسب، بل قد تکرر الموسيقی بين عدة جمل أيضاً. فإنّ هذا التسلسل والترتيب المنطقيين بين الجمل المتوازية يُعدّ من أسباب انسجام النص. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنّ تقابل العبارات والصلة المعنوية بالمشاکلة بينها من أسباب النقل الأفضل للمفاهيم وأغراض الکاتب. فالعبارات السطحیة المختلفة في العبارات المختلفة التي بینها التسلسل والترتيب المنطقي، استُعملت للدلالة علی أمر واحد في النص. الجدول المرقم (7)
3ـ2. التوازي الربطي هذا النوع من التوازي مشابهة الوزن بين ترکیبين، واحد منهما سبب للآخر؛ أو بعبارة أخري هو مشابهة جملتين تركيباً ووزناً بينهما علاقة سببية. «واعلم أن الحکم في الآخرة هو الحکمُ في الدُّنیا: مِیزانُ قِسط وحکمُ عدل وقد قال اللّٰه تعالی: «فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ! ومَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْª (الأعراف 7: 8 ـ 9).» (1964م، ص 101). فهنا، یوجد توازٍ صرفي، ونحوي وبلاغي بين عبارتي "الحکم في الآخرة" و"الحکمُ في الدُّنیا"، وكذلك عبارتي "میزانُ قسط" و"حکمُ عدل"؛ والآية الكريمة وجملة "الحکم في الدنیا" هي سبب لجملة "هو الحکم في الآخرة". والبنیة النحوية للعبارة كما يلي: المبتدأ + الجار و المجرور + ضمير الفصل + المبتدأ + الخبر+ الجار و المجرور (الحکم في الآخرة هو الحکمُ في الدُّنیا). فالخبر هنا سبب للمبتدأ. التوازي النحوي يوجد في جمل رسالة المعاش والمعاد، بشکل تسلسل وترتيب منطقيين. كما أسلفنا في الجملة الأولی، فنرى توازن المبتدأ + الخبر؛ وفي الجملة الثانية نرى توازي الصفة والموصوف. کذلك نری توازياً نحوياً في الآيات التي استشهد الجاحظ بها. من ناحية أخرى. فالجاحظ يستخدم جميع عناصر التماسك، منها استخدام المضادات، والمرادفات، والتوازي الصرفي، والنحوي والبلاغي. وهذا ما يستشهد على براعته وإبداعه في إنشاء نصّ متماسك وبعيد عن الرکاکة.
الجدول المرقم (8)
«واعلم أنَّ الذی تُعامِل به صدیقَک هو ضدُّ ما تعامل به عدوَّك، فالصدیقُ وجهُ معاملتِه المسالمةُ والعدوَّ وجهُ معاملتِه المداراة والمواربة» (المصدر نفسه، ص 118). نلاحظ أنّه یوجد توازن نحوي بین العبارات والهيكل النحوي للعبارات ما يلي: في الجملة الأولی: "اعلم" فعل أمر، وفاعله ضمیر مستتر تقديره "أنت"، "الذي" اسم "أنَّ"، و"تعامل" فعل، وفاعله ضمیر مستتر، تقديره "أنت"، و"به" جار ومجرور، و"صدیق" مفعول به، و"ك" مضاف إلیه، و"هو" ضمیر الفصل، و"ضدُّ" خبر "أنّ"؛ وفي الجملة الثانیة: "تعامل" فعل وفاعله ضمیر مستتر تقديره "أنت"، و"به" جار ومجرور، و"عدوّ" مفعول به، و"ك " مضاف إلیه؛ وفي الجملة الثالثة: "فاء" حرف عطف، و"الصدیق" مبتدأ أول، و"وجه" مبتدأ ثان، و"معاملته" مضاف إلیه، و"المسالمة" خبر لـ"وجه"، وجملة "وجه معاملته المسالمة" خبر لـ"الصدیق"؛ وفي الجملة الرابعة: "العدو" مبتدأ أول، و"وجه" مبتدأ ثان، و"معاملته" مضاف إلیه، و"المدارة" خبر لـ"وجه" ، و"واو" حرف عطف، و"المواربة" معطوف علی "المدارة"، وجملة "وجه معاملته المدارة والمواربة" خبر لـ"العدوّ". هذه هي طریقة التعامل مع العدو، وقد ربط المؤلف مستخدماً ضمیر الفصل "هو"، العبارات المذكورة معاً. وکذلك التوازن الناقص في القسم الثاني للعبارات (غیر التام). وهذا الأمر إحدی المیزات الأسلوبیة للجاحظ في كتابة الرسالة. فهو يستخدم في البدایة عبارتين أو عدة من العبارات لها هيكل متماثل، ثم اثنين أو عدة عبارات أخرى، يكون توازنها النحوي متماثلاً وقریباً لبعضها البعض، ویجعل التوازن مع بعضها. 3ـ3. التوازي الناقص إنّه قد شوهد في دراسة نصّ رسالة المعاش والمعاد، نوعان من التوازي الناقص: التوازي الناقص مع إضافة كلمة، والتوازي الناقص من حيث الهیکل النحوي. وفيما یلي، إیضاح لکل منهما مع أمثلة من نصّ الرسالة. 3ـ3ـ1. التوازي الناقص مع إضافة كلمة كمثال للتوازي الناقص، يمكن أن نشير إلى قول الجاحظ: «واعلم أنَّ الذی تُعامل به صديقكَ، هو ضدُّ تعامل به عدوَّك. فالصَّدیقُ وجهُ معاملته المسالمةُ والعدوُ وجهُ معاملته المدارةُ والمواربةُ؛ هما ضدان یتنافیان، یُفسد هذا ما أصلحه ذلك، فكلَّما نقضت في أحد البَابَین زاد في صاحبه. إن قلیلُ فقلیلٌ، وإن کثیرٌ فکثیرٌ» (المصدر نفسه، ص 118). فبین العبارات المذکورة، یوجد توازٍ صرفي، ونحوي، وبلاغي؛ وفي عبارات القسم الثاني، تستخدم كلمات، تتعارض مع بعضها البعض؛ وکذلك، تكرار الكلمات المضادة في الجمل المختلفة، وأیضاً التكرار الموضوعي للكلمات والتوازي النحوي بينها، يلعب دوراً هاماً وفاعلاً في هذه الفقرة. فهناك توازٍ ناقص بین العبارات. فقد استُخدمت کلمة "المواربة" بشکل مرادف ولاستکمال المعنی وتأکیده، ووَردت معطوفة على ما قبلها. والعلاقة الدلالية الإضافية التي أضیفت فيها كلمة بغرض استكمال وتأكيد معنى العبارة السابقة هي إحدی العناصر الجمالیة في هذه الفقرة. «ورأيتُ كثيراً من واضعي الآداب قبلي، قد عهدوا إلى الغابرين بعدهم في الآداب عُهُوداً قاربوا فيها الحقَّ، وأحسنوا فيها الدلالة، إلاَّ أنِّي رأیتُ أکثر ما رَسموا من ذلك فروعاً لم یبیِّنوا عللَها، وصفاتٍ حسنةً لم یکشفوا أسبابها، وأموراً محمودةً لم یدلُّوا علی أصولها» (المصدر نفسه، ص 96). فكلمة "فروعاً" هنا مفعول به لـ"رسموا"، وكلمتا "صفات" و"أموراً" مفعولان بهما لفعلي "رسموا" المحذوفين. لذلك، فمن خلال تقدير هذا الفعل المحذوف في ذهن المخاطب ونظراً للبنیة النحوية بين الجمل المذكورة، یمکن استیعاب التوازن بينها. والبنیة النحوية للجمل في هذا القسم كما يلي: الفعل + الفاعل + مفعول به + لم الجازمة + فعل مجزوم + الفاعل + المفعول به + المضاف إلیه؛ وجملة "لم یبیِّنوا عللَها" صفة لـ"فروعاً". لقد استخدم الجاحظ الصفتين (إحداها بالشکل المفرد والأخری بشكل الجملة)، والثانية، والثالثة لإیضاح المعنى. فهنا، التوازي بين العبارات من النوع الناقص، مما یسبب تكرار الموسيقى بين الجمل المذكورة. كذلك، فالعلاقة بين هاتين العبارتین هي العلاقة الدلالية الإضافية. وفي إحدی العبارات، قد استُخدمت كلمة أو عبارة لاستكمال معنى الجملة السابقة. الجدول المرقم (9)
3ـ4. شبه التوازي هو نوع آخر من التوازي الناقص، نرى فيه تکرار الأصوات، دون استخدامها في بنیتين نحویتين متشابهتين. ومن أمثلته: «و اعلم أن إجراءك الأمور مجاریَها واستعمالك الأشیاء علی وجوهها یجمع لك ألفة القلوب فیعاملك کلُّ من عامَلك بمودّةٍ أو أخذ أو إعطاء» (المصدر نفسه، ص 96). ففي هذا القسم من رسالة الجاحظ، أقيم توازٍ ناقص بین عبارتي "أعلم أن إجراءك الأمور مجاریها" و"استعمالك الأشیاء علی وجوهها"، كما قام التكرار الموسيقي کعنصر فاعل في جمال النصّ بدور هام في العبارتين. وعلى الرغم من أنّ الجمل في هذا القسم لم تُستخدم في بنتين نحویتين متماثلتين، لکن الاستمراریة والتماسك بينهما واضحان. فهنا، العبارة كلها مع "أن" مصدر مؤوّل، وهو مفعول به لفعل "اعلم"؛ وفي العبارة الثانیة، لم يُكرّر "اعلم أنّ" بسبب مراعاة مبدأ الإیجاز. فالهيكل النحوي في هذا القسم كما يلي: في العبارة الأولی: الفعل + أنَّ + اسم أنَّ + خبر أنَّ والجملة مصدر مؤول، مفعول به لفعل "اعلم"؛ وفي العبارة الثانیة: (الفعل المحذوف اعلم + أنَّ) + اسم أنَّ + خبر أنَّ والجملة مصدر مؤول والمفعول به لفعل "اعلم" المحذوف بسبب القرینة اللفظیة. کذلك، تتم العبارة الثانية معطوفة على العبارة الأولى مع حرف العطف "واو". كما هو واضح، أنه لا یتم استخدام الجمل في البنیة النحویة، دون أي تماثل؛ لكن ترتيبها أن المخاطب يشعر بالموسيقى الناتجة عن تكرار بعض الأصوات عند قراءة الجملة الثانية. هنا، عنصر الحذف وتكرار الموسيقى بين العبارات هما السبب لاستمرارية النصّ وتماسكه. إن مدى تردد أقسام التوازن في أقسام الرسالة قد ورد في الجدول التالي: الجدول المرقم (10)
الرسم البياني المرقم (1)
الخاتمة كان الجاحظ من عباقرة عصره، وكذلك من أشهر الكتاب في الأدب العربي القديم. فهو بعبقريته قد راعى قواعد، وضعها علم لغة النص الذي هو علم معاصر. فبدراسة النظريات الجديدة، يمكننا الكشف عن الأسباب التي تجعل بعضاً من النصوص خالدة دون غيرها، وكذلك تمكّننا هذه النظريات على إلقاء نظرة جديدة على التراث الأدبي القديم والسعي وراء فهمها بصورة أفضل والكشف عن سر نجاحها. ففي هذه الدراسة، تمت دراسة نص رسالة المعاش والمعاد، كأحد من النصوص الأدبية التقليدية في اللغة العربية، ووصلت إلى النتائج التالية: تكشف المعلومات التي عثرت عليها هذه الدراسة، عن أنه قد أُقيم التوازي النحوي في الأقسام المختلفة لنصّ رسالة المعاش والمعاد، وهذا الأمر قد أحدث موسيقی في الکلام واتساقاً بين الفقرات المختلفة لهذه الرسالة. إن الجاحظ قد أوجد جمالاً مضاعفاً في نصّ الرسالة بإحداث التوازي الکامل بين العبارات، بحيث يمكن أن نعدّ هذا النثر نثراً له موسيقی، وتکراراً للعبارات المتوازية في کل فقرة بالتوازن النحوي يزيد من هذا الموسيقى. وهذا قد جعل نثر الجاحظ يشبه نظاماً أو نظماً موزوناً، وجعله نصاً جميلاً ومتسقاً مفردةً، وعبارةً وجملةً. وفي المضمار نفسه، قد کانت نسبة التوازي الکامل أکثر من الناقص بين الجملات. فقد تم تعيين 77 مثالا من التوازي الكامل من إجمالي 88 مثالاً، وأقل نسبة كانت للتوازي الربطي الذي واجه باحثو المقال الحالي مثالين له في نص الرسالة. في هذه الرسالة، هناك تواز صرفي وبلاغي بجانب التوازي النحوي، ما يشهد على براعة استخدام الجاحظ وبلاغته وحسن دقته في اختيار الجملات المتلائمة مع ما يقصده. من أهم وظائف التوازي النحوي في الرسالة، يمکن الإشارة إلی الموسیقی، والتأکيد علی موضوع هام، وكذلك إقامة العلاقة بين الجملات السابقة واللاحقة. فإنّ بعض الجملات المتوازية في نصّ الرسالة تُعدّ سبباً للجمل التالية، ويكون لهذه العلاقة العلية دور في اتساق النصّ وتماسکه. وفي کل فقرة، نشاهد علاقة منطقية أو مسلسلة أو بين عدد من الجمل، قد خلق الجاحظ اتساقا وتماسکا أکبر بين أجزاء النصّ عن طريق تکرار لموسيقي والأصوات المختلفة. كما أنّ تکرار العبارات المتوازنة التي تحمل التوازي النحوي في کل سطر، قد أدت الی خلق نثر منتظم وموزون، وأنتجت جمالاً وانسجاماً في النص. ثمّ إنّ التکرار الذي یحدث بخطور الکلمة أو العبارة المحذوفة في ذهن المخاطب، يسفر عن توازٍ تام بين فقرات النصّ المختلفة، وكذلك يدل علی العلاقة والإتصال والانسجام بين هذه المفردات والعبارات. يُشاهد أنّ التوازي الصرفي والبلاغي، إلی جانب الترادف، والتماثل، والتعادل في الجمل، قد استخدم في الرسالة، كإحدي الأدوات الاتساقية التي ساعدت بالوقت نفسه في خلق الجمال والاتساق في النص. وبجانب التوازي النحوي الموجود بين جملات الرسالة، هناك أقسام للعلاقات المفاهيمية والدلالية بين الکلمات والعبارات. لعنصر الحذف دور هام جداً في اتساق هذه الرسالة، وهذا الأمر هو سبب تحدي ذهن المخاطب؛ بعبارة أخری؛ يکشف المخاطب عن العبارات المحذوفة ببحث ذهني، ويصل إلی التوازي الموجود بين العبارات، کما أن تکرار الموسيقی له دور هام هنا في اتساق النص.
[1] . Robert de Beaugrande & Wolfgang Ulrich dressler [2]. Cohesion [3]. Coherence [4]. Intention [5]. Acceptabilite [6]. Situation [7]. Intertextualite [8]. Informativite [9]. Surface [10]. Progressive-Occurrannce | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
* القرآن الكريم. أ ـ العربية إقبالي، عباس؛ وبتول قرباني. (1440ﻫ). «انسجام أصوات الموسیقی في خطبة الجهاد في نهج البلاغة ودورها في التعبیر الکلامي». دراسات حدیثة في نهج البلاغة. ع 1. ص 27 ـ 38. الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر. (1957م). الحیوان. تحقیق وشرح عبد السلام محمد هارون. بیروت: شرکة مکتبة ومطبعة مصطفی البابي الحلبي وأولاده مصر. ــــــــــــــــــــــــــــــــــ . (1964م). رسائل الجاحظ. تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون. القاهرة: مكتبة الخانجي. جاهمي، آمنة. (2017م). «آليات الاتساق النصي في رسالة الحاسد والمحسود للجاحظ». حوليات جامعة قالمة للعلوم الاجتماعية والإنسانية. ج 11. ع 1. ص 303 ـ 327. ـــــــــــــ . (2011 ـ 2012م). آلیات الانسجام النصي في آلیات الانسجام النصي في خطب مختارة من مستدرك نهج البلاغة للهادي کاشف الغطاء. رسالة الماجستير. کلیة الآداب والعلوم الإنسانیة والاجتماعیة. جامعة باجي مختار. حمیدة، مصطفی. (1997م). نظام الارتباط والربط في ترکیب الجملة العربیة. القاهرة: الشرکة المصریة العالمية للنشر، لونجمان. دیبوغراند، روبرت. (1998م). کتاب نصّ الخطاب الإجراء. ترجمة تمام حسان. القاهرة: علم الکتب. ـــــــــــــــــــ؛ وولفانغ دريسلر. (1992م). مدخل إلى علم لغة النص. ترجمة إلهام أبو غزالة وعلي خليل حمد. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. سعدية، نعيمة. (2009م). «الاتساق النصي في التراث العربي». مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية. ع 5. ص 1 ـ 31. سلمان حسّان، أمل. (2017م). الأسالیب البدیعة من منظور اللسانیات النصیة خطاب عبد اللّٰه ابن المقفع أنموذجا. دمشق: تموز للطباعة والنشر. سلمان الهاشمي، سعيد؛ وحسين نعيم حريجة. (2020م). «العلاقات الدلالية في آيات السلم والحرب في القرآن الكريم: دراسة في ضوء لسانيات النص». جامعة واسط مجلة كلية التربية. ع 41. ج 2. ص 81 ـ 100. السيد، نعيم؛ ومحمد الشريدة. (2021م). «المعايير النصية في البنية اللغوية عند الجاحظ في البخلاء». مجلة جامعة النجاح للأبحاث (العلوم الإنسانية). ج 35 (10). ص 1653 ـ 1690. شتیات، فؤاد فیاض. (2018م).«تشکیلات الإیقاع واتساق نصّ المدیح الجاهلي: مدح بشر بن أبي خازم لأوس الطائي نموذجا». مجلة آداب الکوفة. ع 39. ص 292 ـ 259. صلاح قطب، مصطفى. (1997م). دراسة لغوية لصور التماسك النصي في لغتي الجاحظ والزيات. بيروت: دار البلاغة للتوزيع والنشر. قیاس، لیندة. (2009م). لسانیات النص النظریة والتطبیق: مقامات الهمداني أنموذجا. القاهرة: مکتبة الآداب. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 8 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 5 |