تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,674 |
تعداد مقالات | 13,669 |
تعداد مشاهده مقاله | 31,673,481 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,510,328 |
إستراتيجيات الإقناع اللغوي في خطابات النبي () السياسية | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 8، دوره 16، شماره 31، دی 2024، صفحه 101-116 اصل مقاله (1.04 M) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2024.140116.1494 | ||
نویسندگان | ||
هوشنگ آقایی انارمرزی* 1؛ روح الله صیادی نجاد2؛ مصطفي کمالجو3؛ جواد محمدزاده3 | ||
1أستاذ محاضر في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة مازندران، بابلسر، إيران | ||
2أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة كاشان، كاشان، إيران | ||
3أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة مازندران، بابلسر، إيران | ||
چکیده | ||
الإقناع هو التقنية اللغوية الهادفة مع الآليات والإستراتيجيات التواصلية، من أجل تنظيم سلوك معين في عملية الخطاب؛ لذلك يسعی المتحدث إلی تغيير معتقدات الآخرين وسلوكهم باستخدام الإستراتيجيات اللغوية، باعتبارها أحد أهم مكونات القوة الناعمة، ويمکنه أن يحقق أهدافاً محددة، ويعيد إنتاج الأسلوب الکلامي المثالي من خلال اختيار أنماط التواصل المتنوعة وأساليب الکلام المدوّنة. فبما أنّ الإقناع يتوجه خطابياً من مرسِل إلی مرسَل إليه، ويکون قصد المرسِل هو التأثير علی المرسَل إليه عقلياً وعاطفياً ليسوقه إلی قبول رأيه أو معتقده في شيء ما، فيقوم علی الحجة والبرهان من أجل إسکاته بحججه. لقد سعی هذا البحث علی ضوء المنهج الوصفي ـ التحليلي، إلی دراسة جوانب کفاءة النبي (|) التداولية والبلاغية، وشرح الاستخدام المهيمن للغته السياسية، وفق سياق الموقف، مما يساعد في حل الأزمات السياسية والمشاكل الاجتماعية الراهنة. تدل نتائج البحث علی أنّ بنی اللغة السياسية للرسول الكريم في شكل الآليات اللفظية والبلاغية والقياسية، بالإضافة إلى فن التصوير، کانت لها وظيفة إقناعية سهّلت عملية إقناع المخاطبين وتوجيههم وهدايتهم في عملية الخطاب. | ||
کلیدواژهها | ||
الإقناع؛ اللغة؛ السياسة؛ التناص؛ الآليات اللفظية والبلاغية | ||
اصل مقاله | ||
منذ فترة طويلة، أنّ مواجهة المخاطبين ذوي الأيديولوجيات المختلفة بحاجة إلى الإتقان في المهارات اللغوية، والتي ينبغي بلورتها في شكل الإستراتيجيات التواصلية، لکي تتحول مقاومة المخاطبين وتمردهم إلى طاعة وإقناع؛ لذلك إنّ اللغة بالإضافة إلى قدرتها على التواصل وخلق الجمال، هي أداة تسعى إلى إقناع المخاطب ومفاجأته بآلية جدلية واحتجاجية. لقد کان النبي (|) واجه العديد من التحديات في تقويض معتقدات الناس وعاداتهم؛ لهذا السبب، استخدم إستراتيجيات مختلفة لإقناع المخاطبين وتوجيههم، ومن أهمها التأثير في المخاطبين. في علم اللغة المعاصر، أنّ الجانب الوظيفي للغة له نطاق واسع، حيث يعتبر جانبها الحجاجي شرطاً أساسياً في عملية الخطاب. إنّ الاهتمام بمسألة الإستراتيجيات اللغوية التي يختارها المتحدث لجذب المخاطب وإقناعه، يعدّ من أهم الإستراتيجيات الرئيسة في اللسانيات التطبيقية أو علم اللغة التطبيقي وأحد الأهداف المهمة لهذا البحث. بما أنّ الخطبة من أبرز الوسائل التواصلية للنبي (|) أو الآخرين، فهي مليئة بالحجج التي يتم التعبير عنها بمقاربات سياسية واجتماعية وثقافية. نظراً للنطاق الواسع من الإستراتيجيات اللغوية، فإنّ هذا البحث علی ضوء المنهج الوصفي ـ التحليلي، وبالتركيز على المصادر الببليوغرافية، بالإضافة إلى التعبير عن الجوانب الجمالية للغة وبعدها التصويري، يناقش فقط قدراتها المعجمية والبلاغية والبديعية والقياس المنطقي، ويقوم بدراسة وظيفتها الإقناعية في المجالات السياسية والاجتماعية، ولو کان تفسير شمولية شخصية النبي (|) اللغوية والإعجازية بالعلم البشري والفهم الإنساني أمراً غير كامل؛ ولكنها تعتبر طريقة وحيدة بالنسبة لنا لمطابقة أقواله وأفعاله. فبناءً علی ما تقدّم، يسعی هذا البحث إلی الإجابة عن الأسئلة التالية: ـ ما الآليات اللغوية التي استخدمها النبي (|) لإقناع المخاطبين؟ ـ كيف يتأثر الإقناع السياسي للنبي (|) بقدرة اللغة البلاغية؟ ـ كيف يستخدم النبي (|) المشترکات النصية للإقناع في التواصلات المتجاوزة للحدود الوطنية؟ 1ـ1. خلفية البحث هناك کتب وأبحاث تم تأليفها حول موضوع الإقناع، منها دراسات عالجت الجوانب الشكلية والظاهرية لكلام النبي (|)، کإعجاز القرآن والبلاغة النبوية، لمصطفی صادق الرافعي، وکتاب الأدب النبوي، لمحمد عبد العزیز الخولي، حيث شرح بعض الأحاديث النبوية من حيث اللغة والمعجم، ومنها رسالات وبحوث عن خطابات النبي (|) وأقواله التي يتم ذکرها حسب التسلسل الزمني: رسالة تحت عنوان تجليات الحجاج في الخطاب النبوي: دراسة في وسائل الإقناع الأربعون النووية، لهشام فروم سنة 2009م. لم يتناول الکاتب إلا الجوانب المقنعة من الكلام النبوي في أربعين حديثاً، حيث إنّ ترکيزه موقوف علی الأفعال الکلامية. أطروحة بعنوان الخطاب النبوي فی ضوء اللسانیات الاجتماعیة، لعريب محمد علي عيد سنة 2011م. في تناول الخطاب النبوي، اهتمت الباحثة بالسياق اللغوي النبوي إلی جانب سياق المقام، وخلصت إلی أنّ خطاب الرسول (|) قد حقّق وظائف ثلاثاً، فهو خطاب معبّر ومؤصّل ومؤثّر. بحث موسوم بالحجاج في الخطبة النبویة، لجمعان عبد الکریم الغامدي سنة 2013م. لقد قام الکاتب بدراسة خطابات النبي (|) في المقولات الحجاجية الثلاث: الإيتوس، الباتوس، اللوغوس. بحث موسوم ببررسی منظورشناسانه برهانهای بلاغی در گفتمان پیامبر (= دراسة تداولية للحجج البلاغية في خطاب النبي) لروح اللّٰه صیادي نژاد سنة 1396ﻫ.ش. فقد قام الباحث في هذا البحث بدراسة الفنون البلاغية، منها: الاستعارة، والتشبيه، والمجاز، وعالج العلاقات الإقناعية تحت المقولات الحجاجية الثلاث: الإيتوس، الباتوس، اللوغوس. بحث موسوم بواکاوی زبانی سیاسی پیامبر اعظم (= دراسة لغة النبي الأعظم السياسية)، لهوشنگ آقایی، وروح اللّٰه صیادي نژاد ومحسن سيفي 1401ﻫ.ش. لقد قام الباحث في هذا البحث بدراسة اللغة والعناصر النقدية للغة السياسية في خطابات النبي (|) وأقواله دراسة تداولية، وهو بحث فريد من نوعه. أمّا في هذا البحث، فسعينا إلی الاهتمام بإبداعية البحث ومعالجة المؤشرات والعناصر البلاغية واللفظية التي لها مبدأ تداولي، فمن ثَمَّ دوّنت ونظّمت بنية البحث عليه.
2ـ1. الإقناع[1] یرجع أصل الإقناع حسب كتاب المنجد في اللغة العربیة المعاصرة، إلى "ق،ن، ع"، قنِعَ قناعةً: رضي بما أعطي وقبله. قنوع: جمع قنع ذو القناعة معتدل في لذات الحواس، مقنع: له قوة تقنع، ومن شأنه أن یحمل على الإقناع والموافقة (نعمة وآخرون، د.ت، ص 1188). تكاد المعاجم العربية تجمع في تعريفها للإقناع على ما جاء في لسان العرب: إِنّ القُنُوعَ يكون بمعنى الرِّضا، والقانِعُ بمعنى الراضي. وفي الحديث: فأَكَلَ وأَطْعَمَ القانِعَ والمُعْتَرَّ؛ هو من القُنُوعِ الرضا باليسير من العَطاء. وقد قَنِعَ، بالكسر، يَقْنَعُ قُنُوعاً وقَناعةً إِذا رَضِيَ، وقَنَعَ، بالفتح، يَقْنَعُ قُنُوعاً إِذا سأَل. وفي الحديث: القَناعةُ كَنْزٌ لا يَنْفَدُ؛ لأَنّ الإِنْفاقَ منها لا يَنْقَطِع، كلَّما تعذر عليه شيء من أُمورِ الدنيا قَنِعَ بما دُونَه ورَضِيَ. وفي الحديث: عَزَّ مَن قَنِعَ وذَلَّ مَن طَمِعَ، لأَنَّ القانِعَ لا يُذِلُّه الطَّلَبُ فلا يزال عزيزا ... أقنعَ يُقْنِع، إقناعًا، فهو مُقْنِع، والمفعول مُقْنَع: أقنعه بالحُجَّة والدَّليل جعله يطمئنُّ ويسلِّم بما أراده له وأَقْنَعَني كذا، أَي أَرْضاني (1990م، ج 2، ص 218). ویتضح من معنى الكلمة في اللغة، أنها تقترب من معنى الرضا والقبول والاطمئنان والمیل والرغبة، وتبتعد كل البعد عن القهر والضغط والإجبار (برغوث، 2005م، ص 5). وإذا رجعنا أصلها في اللغة العربیة، نجدها تقابل كلمة Persuasion ذات الأصل اللاتیني، وتتكون من مقطعین per بمعنى عاطفي أو انفعالي، وsuasion بمعنى یحث، أي أنها تجعل شخصا ما یعتقد أو یفعل شيء ما خلال البحث العاطفي أو العقلي (مصباح، 2005م، ص 16). ومن خلال ما سبق من تعاريف اللغة للإقناع، نستنتج منها بأنه المقتنع بكل ما قيل له من الأقوال والأفعال، من دون تردد أو رفض أو شك. أمّا اصطلاحاً، فهو عملية تهدف إلى تغيير موقف أو سلوك شخص أو مجموعة تجاه حدث معين أو فكرة أو شيء ما، لأيّ شخص أو أشخاص آخرين، ويتم ذلك باستخدام كلمات مكتوبة أو منطوقة لنقل المعلومات، والمشاعر، إما للاستدلال، أو لمزيج منها (قاسم، 2018م، ص 182)، أو هو «الاتصال الهادف إلى التأثیر المقصود على الاتجاهات وسلوكیات مجموعات معینة من الجماهیر، ویكون التأثیر مرتبطاً بالاختیار» (شعبان، 2007م، ص 18). فمن الأهداف التي يرمي المرسل إلی تحقیقها من خلال خطابه، إقناع المرسل إلیه بما يراه، أي إحداث تغییر في الموقف الفکري أو العاطفي لديه (الشهري، 2004م، ص 444). يشکّل الإقناع إستراتيجية خطابية، يسعی من خلالها المرسل تبليغ أفکاره للمرسل إليه. وهذه الإستراتيجية ضرورية في الخطاب؛ لأنّ التبليغ والبيان وحصول المراد لا يتمّ إلا بالإقناع. فبما أنّه يتوجه خطابياً من مرسل إلی متلقٍّ، بحيث يکون مقصد المرسل التأثير عقلياً وعاطفياً علی المتلقّي لحمله علی تبنّي رأي ما أو معتقد ما أو تغيير رأيه أو معتقده في شيء ما، فيقوم الإقناع علی الحجة والبرهان من أجل الإفحام، ولا يقوم علی القسر والإکراه (حاقّة، 2022م، ص 11). لأجل ذلك، يعد الإقناع مطية القدماء والمحدثين خلفاءً وسلاطين رُؤساء ومرءوسين علماء ومتعلمين، فلا يقتصر على فئة معينة، يعمدون إليه بغية إقناع الآخر بأفضلية خيار ما من بين جملة الخيارات المُتاحةِ له. ولكي يكون للخطاب الإقناعي أثر، لا بُدّ للمرسِل أن يكون على معرفة مسبقةٍ بخصائص المرسَل إليه النفسية والفكرية … وموقفه منه، هذه المعرفة التي تسهم في اختيار حجج تنسجم وخصوصية الذات المتلقية، فلا تساق الحجج إلا على أقدار الأفهام (عماريش، 2021م، ص 420). 2ـ2. اللغة إن الاهتمام باللغة وعملية الخطاب أمر قديم، وليس وقفاً علی الزمن المعاصر الذي خصصت له أبحاث عديدة عبر التاريخ؛ لأنّ "الخطاب" يلعب دور التمهيد والإقناع وتوجيه أي مواجهة. نجزم القول بأن تفسير القضايا الاجتماعية والسياسية يتم من خلال اللغة. أينما کانت السياسة، فهناك اللغة. يتم شرح القضايا الاجتماعية من خلال اللغة، وليس هناك حدث مهم يتجاوز نطاق اللغة وقوتها. اللغة هي أفضل مثال على سلطان الآلة اللغوية في مجال الخطاب السياسي، فحيثما توجد السياسة، ستكون اللغة حاضرة بقوة أيضاً، وتكون لديهما علاقة متسقة مع بعضهما لبعضٍ (المسدي، 2008م، ص 169). تعتبر اللغة مؤسسة اجتماعية، وهذا يعني أن أفراد المجتمع يستخدمونها من أجل التواصل ومعرفة نوايا ومقاصد بعضهم البعض؛ لأنّ مهمة اللغة هي التواصل والتفاهم. إنّ اللغة هي إحدى وسائل التواصل بين البشر، ومن خلالها يتم تجربة التجارب الإنسانية في كل مجتمع بطريقة مختلفة مقارنة بمجتمع آخر (باقري، 1374ﻫ.ش، ص 15). يقول ابن جنی، الناقد واللغوي في القرن الثالث للهجري، في تعريف اللغة: «اللغة أصوات یعبّر بها قومٌ عن أغراضهم» (1429ﻫ، ج 1، ص 33). ينقسم هذا التعريف إلی ثلاثة أقسام: الأول: اللغة هي أداة للتعبیر؛ والثاني: هي متعلقة بقوم أو جماعة[2]؛ والثالث: أنّ وظيفتها التعبير عن الأغراض الاجتماعية. ومن المؤكد أن دراسة اللغة وتحقيقها يجب أن يتم في سياقها الاجتماعي، ولا يمكن دراسة اللغة دون مراعاة الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية. لا شك أنّ اللغة ليست مجرد أداة لنقل المعنى، بل إنّ من أهم مميزاتها هو التأثير في المتلقي. کما يقول جون ميشيل آدم: «عندما نتکلّم، نحاول أن نشرك الآخرين في آرائنا وأفکارنا من جهة، ونجعلهم أن يتبعوا هذه الأفكار من جهة أخری» (نوري مصعب، 2004م، ص 48). من ثَمَّ، فإنّ الحجاج ناتج عن اللغة، وكانت هناك علاقة وثيقة بين الفن واللغة منذ القدم، وكان الإغريقيون أول من استخدم فن البلاغة في الاحتجاجات؛ لأنّ البلاغة باعتبارها فناً قولياً في التصوير، لها دور مؤثر في إقناع المتلقّي، حيث إنّ الحجاج والبلاغة بوصفهما عنصرين متلازمين يؤثران في إحساس المتلقّي وتفکیره؛ لذلك، يجب أن تكون الحجج اللفظية متسقة وأدوات الاستدلال، لکي تتمكن من التعبير عن حقيقة ما. يتم هذا التواصل بأساليب وأدوات وتقنيات، ويستطيع المتحدث من خلال استخدام فن البلاغة وقوة التصوير، إلى جانب عناصر أخرى غير بلاغية، مثل المنطق واللغة، يثبت الحق وينفي الباطل (المغامسي، 2015م، ص 39). 2ـ3. السياسة اللغوية إن السياسة لها العديد من الحقول الدلالية، وإنّ تداعي معنى كلمة السياسة في ثقافة العالم اللغوية يشكل تحدياً صعباً، لما لها من معان اصطلاحية وضمنية كثيرة. السياسي هو من يقوم بوظيفة سياسية، والرجل السياسي رجل مهتم بشؤون بلاد أو مدينة ما، ووجوده ضروري لتدبیر شؤون المجتمع، وإن واجهنا في تفسير المعاني الضمنية لهذه اللفظة العديد من التعابیر السلبية؛ لأنّ انعکاسها في أذهان الناس يلازم الکراهية والاشمئزاز. يعتقد ماکس اتکینسون[3] أنّ السياسيين في الأعمال السياسية يسعون إلی إثبات صحة دعاويهم، مستخدمين الحيل[4]، لکي تنتهي إلی إقناع الجمهور، وغالباً ما يلجأون إلی الأکاذیب والمزيفات في شرح الأهداف السياسية، من أجل الوصول إلى السلطة، مما يسبب الإحباط وعدم الثقة في الناس (بیرد، 1398ﻫ.ش، ص 61). السياسة واللغة قرينتان متلازمتان، حيثما رأيت الواحدة بدا لك الأخری. يری المفکّر واللغوي التونسي، عبد السلام المسدّي أن «السياسة هي السلطة الحاضرة، واللغة هي السلطة الغائبة، والذين يصوغون الأحلام الإنسانية يرون أنّ العالم کان يکون أسعد، لو أنّ السياسة قلصت من حضورها في وعي أصحابها، واللغة قلصت من غيابها عن جمهور الناس المحکومين بالسياسة» (2008م، ص 170). يعتقد جرابر[5] «أنّ أوّل وظيفة اللغة هي نشر المعلومات، حيث إنّ الناشطين السياسيين يسعون إلی نشر المعلومات مباشرة أو ضمنياً، وإنّ واجب متلقّي الرسالة هو تلقّي هذه العلوم والمعلومات وفهمها بشکل صحيح» (المصدر نفسه، ص 169). فكان يستفيد النبي (|) في قيادته السياسية والاجتماعية من الشوری والعقل الجماعي، وكان يكثر من التعامل اللغوي مع أقاربه وأصحابه؛ لأنّ هذا الأمر كان يسبب التقارب والتآزر في خلق الخطاب. کان اهتمام النبي (|) بالتشاور ووجود الشعور المشترك في تنفيذ عمل ما، أکثر من مجرد تنفيذه؛ لذلك، في الأمور الدينية والتعرف عليها وقضايا المجتمع المهمة، کان يستشير الآخرين، وكان يطلب آراءهم لفهم الأمر وتنفيذه، لکي يصل إلی السلوك اللغوي المقبول فيما بينهم من خلال النهج التشاوري والتفكير المشترك مع الجمهور ويقنع المستمعين ويرشدهم.
الإقناع قديم قدم خلق الإنسان عبر التاريخ، حيثما كان إنسان في العالم، تم استخدام الإقناع أيضاً، علىالرغم من أنّ أساليبه وطرقه تغيرت وتبدلت بسبب التقنيات والتقدم، لکي تؤثّر في سلوك الآخرين وأفعالهم ومعتقداتهم. بعبارة أخرى، الإقناع يعني تغيير سلوك الآخرين في أمر يدفع المخاطب إلى السعي والتفكير (رهبر، 1391ﻫ.ش، ص 128). في حقل البلاغة العربية، حاول الجاحظ في کتاب البيان والتبيين أن يدوّن الاحتجاج البلاغي للخطابات والعلوم، لکي يمهد الطريق لإقناع المخاطب وتسلیمه. ينبني محور الاحتجاج اللغوي في خطاب الجاحظ علی الآليات الکلامية وغير الکلامية. أهم نقطة في احتجاج الجاحظ الکلامي هو مراعاة مقتضی حال المخاطب؛ لأنّها هي أول أداة البلاغة الکلامية للإقناع وجمع الأسباب. يعتقد الجاحظ أنّ الخطيب يجب أن يكون رابط الجأش، وساكن الجوارح، وقليل الحظ، ومتخير اللفظ، لا يكلم سيد الأمر بكلام الأمة ولا الملوك بكلام السوق. وقد اهتم الجاحظ بالعناصر الحجاجية، وأوردها في كتبه: 1ـ مقتضيات المقام وما تشمله من أحوال الخطيب؛ 2ـ الخطيب وكفاءته اللغوية وهيئته وصفاته الخلقية وما يحس عليه وما يقبح. لقد ألّف الجاحظ کتابه الموسوم بالمقاييس والسنن والتبيين، ردّاً لآراء المعارضين وتهمة الزنادقة، حيث رفض كتب الزنادقة؛ لأنّ كتبهم لا تقوم على البيان والتبيين، وإنما هي قائمة على الديانة وتعظيم الملة (2003م، ج 1، ص 71). 3ـ1. الآليات الکلامیة في خطابات النبي (|) السياسية 3ـ1ـ1. التناص[6] يعتبر التَّنَاص أو التعالق النصي، أحد عناصر الإقناع في النصوص الدينية والإسلامية، وهو قديم قدم التاريخ. نظرية تقاطع النصوص وتداخلها ثم الحوار والتفاعل فيما بينها من النظريات التي کان قد اهتمّ بها الباحثون الکثر، ومنهم جينيت[7]، وبارت[8]، وکریستيفا[9]، ودریدا[10]. کان التناص کرمز لخلود نصوص الأدباء وکلام الخطباء. وإنّ الخطابات الدينية لها علاقة وثيقة بالنص[11] والآيات القرآنية؛ لذلك فإن الخطباء والكتاب يستخدمون الآيات القرآنية والأحاديث في خطاباتهم بأناقة، حيث يؤدّي إلی تهييج مشاعر المخاطبين وعواطفهم، ويمهد الطريق للتأمل والتفکّر. من أهم عناصر النجاح في هذا الفن هو معرفة آيات القرآن والإشراف علی مضامينه ومفاهيمه حتى يتمكن المتحدث من استخدامها بمهارة وفنية في خطاباته (حیدري، 1392ﻫ.ش، ص 58). الهدف من التناص هو اكتشاف علامات وتأثيرات النصوص الأخرى على النص المقروء من أجل دراسة العلاقات بين النص الموجود والنص الغائب (صلاحي مقدم، 1392ﻫ.ش، ص 12). إليکم الانتباه بهذه المنطوقة: بسم اللّٰه الرحمن الرحیم، مِن محمدٍ رسولِ اللّٰه، إلی النجّاشِی الأَصحم ملك الحبشةِ. سلِّم أنتَ، فإنِّی أحمدُ إلیك اللّٰه المَلِك، القدُّوس، السَّلام، المؤمِن، المُهیمن« وأشهدُ أنَّ عیسی بنَ مریمَ روحُ اللّٰه وکلِمَتُهُ، ألقاها إلی مریمَ البتولِ، الطیِّبَةِ الحصینَةِ، فَحملَت بِعیسی، فَخَلَقهُ اللّٰه مِن روحِهِ ونفخِهِ) (حمیداللّٰه، 1375ﻫ.ش، ص 145). في خطاب سياسي مشترك مع ملك الحبشة، النجاشي، يبدأ النبي (|) عملية التناص باستخدام النصوص الغائبة والنصوص الحاضرة، ويخاطبه بالاستناد إلى الآيات القرآنية، ويقدم أدلة قوية ومثبتة ليحتج مع مخاطبه الخاص بحجة منطقية مستمدة من الوحي لکي يقنعه؛ لذلك، من خلال توظيف إستراتيجيات لغوية مختلفة، بما في ذلك التوجيهية والتضامنية والتلميحية، يذكّر المخاطب بقوة كلماته وتأثيرها، ليمهد الطريق لإقناعه وتوجيهه. من السمات المميزة لاحتجاجات النبي (|) هي الشفافية والصدق في خلق الخطاب الذي لا يصاحبه خلافات وصراعات لفظية، والغرض منه ليس التغلب على الآخرين. في كثير من الأحيان، يكون مخاطب النبي من المؤمنين والمسلمين الذين يتضح لهم أنّ احتجاجات النبي لم تكن شخصية وعنادية، بل كان الغرض منها التعبير عن الحقيقة وترسيخ المعتقدات والقيم في أذهانهم. 3ـ1ـ2. التکرار للتكرار وظائف مختلفة في خلق الخطاب، منها تفهيم المتلقي، وإيضاح المضمون، واكتشاف البنى اللغوية وإنتاجها، وترسيخ الأمر، والتعبير عن المعنى وإثباته. من أبرز الأساليب اللغوية للاستدلال اللفظي والاحتجاج قدرتها على الإقناع، مما يسهل إرضاء المتلقي في مجال خلق الخطاب. من المؤکّد أنّ التكرار ليس مجرد إعادة انعكاس لعبارة وموضوع، دون هدف يسبب الملل والإزعاج؛ ولكنه آلية لإعادة إنتاج البنية اللغوية من أجل إحداث التماسك والنمو الدلالي (العبد، 2005م، ص 223). «لَمَّا نَزَلَ رسول اللّٰه (|) بمَكةَ واطمَأنَّ الناس، خَرَجَ حتى جاء إلى البَيت، فطافَ به سَبعًا على راحِلَتِه، يَستَلِمُ الرُّكنَ بمِحجَنٍ في يَدِه، فلَمَّا قَضى طَوافَه، دَعا عُثمانَ بنَ طَلحة، فأخَذَ منه مِفتاح الكَعبة، ففُتِحتْ له، فدَخَلَها، فوَجَدَ فيها حَمامةً مِن عِيدانٍ فكَسَرَها بيَدِه، ثم طَرَحَها، ثم جَلَسَ رَسولُ اللّٰه ـ صلَّى اللّٰه عليه وسلَّم ـ في المَسجِدِ، فقامَ إليه علِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ومِفتاح الكَعبة في يَدِه، فقال: يا رَسول اللّٰه، اجمَعْ لنا الحِجابةَ مع السِّقايةِ، صلَّى اللّٰه عليكَ، فقالَ رَسولُ اللّٰه ـ صلَّى اللّٰه عليه وسلَّمَ ـ: أينَ عُثمانُ بنُ طَلحةَ؟ فدُعيَ له، فقال له: هاكَ مِفتاحكَ يا عُثمان، اليَومُ يَومُ وفاءٍ وبِرٍّ» (ابن هشام، 1936م، ج 2، ص 412). وقد صرح النبي (|) مراراً وتكراراً قائلاً: "أُعطي سدانة الكعبة وسقاية الحاج الصفة الرسمية کما في السابق". من خلال تكرار وإعادة سرد مسألة سدانة الكعبة، يذكر النبي الحجاج الکلامي للجمهور، ويقنع الجميع بأنّ حق سدانة الکعبة وسقاية الحاج يعود إلى عثمان بن طلحة، وبالسلوك الإقناعي يتسبب في أن تکون سدانة الكعبة المشرفة والحجابة وفتح الكعبة وإغلاقها، حقاً لبني طلحة، كما يجب على الآخرين إطاعة هذه الأوامر. ومن خلال جهاد التبيين السياسي، فإنه يمهّد السبيل لتوجيه الجمهور وهدايتهم، ويدير ظهور الاختلافات الثقافية والسياسية بإستراتيجية لفظية على شكل التكرار اللغوي (المصدر نفسه، ج 2، ص 362). 3ـ1ـ3. الأدوات اللغوية في الإقناع يتم الإقناع والحجاج اللفظي بأدوات لغوية، مثل أفعال الأمر، والنهي، والأدوات الاستفهامية، لکي يؤدّي إلی توجيه المخاطب وهدايته. 3ـ1ـ3ـ1. الاستفهام من أبرز الوظائف الجانبية للاستفهام هي جوانبه الإقناعية والتوجيهية؛ لأنّه يخلق مساحة تفاعلية بين المتکلم والمخاطب. في الواقع، أنّ تحليل الاستفهام في شكل الخطاب الاحتجاجي يجب أن يعتمد على تفسير القضية على أساس قيمتها الجدلية، وهذا يعني أنّ هذا النوع من الأسئلة له افتراضات ضمنية تحوله إلى سؤال جدلي. في حادثة بين الأنصار الذين کانوا يعتبرون أنفسهم أفضل على قريش، «خرجَ رسولُ اللّٰه صلَّى اللّٰه علَيهِ وسلَّمَ، فقامَ فيهِم خطيبًا، فحمِدَ اللّٰه وأثنَى علَيهِ بما هوَ أهلُه، ثمَّ قالَ: يا معشرَ الأنصارِ، ألَم أجدکم أذلاء، فأعزکم اللّٰه بي؟ قالوا: بلَى! ثمّ قال رسول اللّٰه: ألم أجدكم ضُلالاً فهداكم اللّٰه بي؟ قالوا: بلی، يا رسول اللّٰه! قالَ رسولُ اللّٰه: ألا تجيبونَ يا معشرَ الأنصار؟ قالوا: وما نقولُ يا رسولَ اللّٰه وبماذا نُجيبُكَ؟ المَنُّ للّٰه ورسولِهِ. قالَ: واللّٰه لَو شِئتُم لقُلتُم فصدَقتُم وصُدِّقتُم: جئتَنا طريدًا، فآوَيناكَ، وعائلًا فآسَيناكَ، وخائفًا فأمَّنَّاكَ، ومَخذولًا فنصَرناكَ» (المصدر نفسه، ج 2، ص 498). وهكذا ظل الرسول الكريم يحصي صفاتهم الجميلة، حتى جثا الجميع على ركبهم، فقالوا: المنُّ للّٰه ورسولِهِ. فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم. من ثَمّ، بتعبير بليغ ومنصف في حضور المهاجرين والأنصار، عبّر النبي ضمناً عن قيم کل من الطرفين واعتبرهم جناحين له. في هذا الخطاب، كان الأنصار مقتنعين بأنّ نصرة النبي ومساعدته كانت ذات قيمة كبيرة، لدرجة أنّهم يجب أن يحملوا لقب الأنصار كالشارة ويفخروا به (سبحاني، 1385ﻫ.ش، ص 126). إنّ النبي (|) في حرکة سياسية مناسبة وبقوته علی السؤال والإجابة، أقنع المخاطبين بأنّ أعمالهم يجب أن تکون علی الصدق؛ لذلك نال الأنصار إلی إقناع سلوكي في هذا النقاش، وثبتوا على تدينهم. 3ـ1ـ3ـ2. الأمر من الوظائف المجازية لفعل الأمر هو أسلوبه الاحتجاجي والإقناعي، حيث إنّ هذا الأسلوب من خلال دعوة المخاطبين إلى العمل، يقنعهم ويجعلهم مقتنعين بالسلوك المعياري. في غضون فتح مكة، حدثت منطوقة بين النبي وأبي سفيان، ولما همّ المسلمون بدخول مكة، قرأ سعد بن عبادة، أحد أمراء الخزرج وکبارها، هذا الرجز: «اليومَ يَوْمُ المَلْحَمَةِ، اليومَ تُسْتَحَلُّ الكَعْبَةُ» (ابن هشام، 1936م، ج 2، ص 407). فحمل أبو سفيان، کبیر مكة، هذا الخبر إلى النبي (|)، وسأله: هل تنوي سفك دماء قومك (أهل مکة)؟ بينما أنت رجل المحبة وحسن الخلق وعطوف على أقاربك؟ فقال النبي هذه الجملة رداً على ذلك الرجز: يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز اللّٰه قريشاً، فأخذ رسول اللّٰه اللواء من سعد، وأعطاه ابنه قيساً. علی الرغم من أنّ العادة عند العرب في الفتح والانتصارات كانت الانتقام والإعدام والسبي حسب عاداتهم وتقاليدهم؛ لكن النبي (|) من خلال التفاعل السياسي والخطاب الاحتجاجي حرر أهل مكة جميعاً، وعفا عنهم، إلا عشرة أشخاص. لقد استخدم النبي (|) في هذا الفعل السياسي قوة فعل الأمر استخداماً لغوياً لإقناع المخاطبين، وقام بتصحيح سلوك الشخص المخطئ بالسلوك اللغوي المناسب حتى يقتنع المخاطبون بالتفاعل الصحيح (الطبري، 1967م، ص 56). في المعاملات والحروب، كان النبي (|) يهتمّ بمراعاة المعايير الإنسانية والأخلاقية من أجل إقناع المخاطب وتوجيهه؛ لهذا السبب، كانت أفعاله العسكرية بعيدة عن الانتقام، ومبنية على الأخلاق والحجج اللفظية؛ لذلك، وبأقل قدر من العنف، ينجح في فتح البلاد، لکي يسهل إقناع المخاطبين وتوجيههم. 3ـ1ـ3ـ3. النهي في العلوم البلاغية، النهي حقيقة تخرج عنها إلی المجاز في بعض المواضع، وبحسب سياق النص توضع في مقام الإقناع، وباعتباره إستراتيجية لغوية تمهّد السبيل لتوجيه المتلقي وهدايته. في السرية التي لم يحضر فيه النبي، جعل النبي (|) الإمام علي (7) قائداً فيها. قال أمير المؤمنين الإمام علي (7): «بعثني رسول اللّٰه (|) إلى اليمن وقال لي: يا عليُّ، لا تُقاتِلَنَّ أحَدا حتّى تَدعُوَهُ، وأيمُ اللّٰه لَأن يَهدي اللّٰه على يَدَيكَ رجُلاً خَيرٌ لَكَ مِمّا طَلَعَت علَيهِ الشَّمسُ وغَرَبَت» (واقدي، 1369ﻫ.ش، ص 826 ـ 827). في هذه المنطوقة، يمنع النبي (|) مخاطبه الخاص من أن يبدأ الحرب مع العدو، مستخدماً الوظيفة الإقناعية لفعل النهي "لا تقاتلنَّ"، وفي فعل سياسي يقنعه بأنّ الإسلام ليس دين الحرب، بل إنّ غایته هي توجيه المخاطبين.
3ـ1ـ4. الآليات البلاغیة في خلق الإقناع البلاغة فن تصويري[12]، تزيد من القدرة على إيصال الرسالة ذات الأغراض الإقناعية، حتى يتمكن المخاطب المثقّف من الوصول إلی رسالة المرسِل بطريقة ضمنية وغير مباشرة. الکفاءة البلاغية هي التقنيات التواصلية التي لها القدرة على الاحتجاج، بالإضافة إلى خلق الجمال؛ لأنّ البلاغة من وجهة نظر بيرلمان في الغرب، وطه عبد الرحمن في الشرق، صور مجازية تسبب ظهور الحجة في الكلام وتعزيزها في بناء الخطاب (عزّوزي، 2014م، ص 43 ـ 59). 3ـ1ـ4ـ1. الاستعارة[13] نظراً إلى الدور البارز الذي تلعبه الاستعارة في الخطابات اللغوية المعاصرة، باعتبارها أسمی المحسنات، فإنها تکون أسلوباً کلامياً بارزاً يتجاوز عن غيره من الأساليب البلاغية الأخرى؛ لأنّ المخاطب يواجه رموزاً لفظية جديدة أثناء قراءة النصوص، وهي باعتبارها نوعاً منزاحاً من الاستخدام المجازی للكلمات في عملية التواصل. فإنها تعتبر واحدة من أكثر الإستراتيجيات الحجاجية تأثيراً (کالر، 1390ﻫ.ش، ص 332). إنّ الاستعارة هي أحد الجوانب المجازية للغة الأكثر استخدامًا؛ ولهذا السبب، يجب على المرسَل إليه المشاركة عقليًا في فك رموز النصوص المجازية مع المرسِل من أجل فهم عالم جديد في استنباط المفاهيم (المصدر نفسه، ص 354). يعتقد الجرجاني أنّ الاستعارة هي نقل العبارة عن موضع استعمالها في أصل اللغة إلى غيره، وهي غالباً ما في المعنی الاحتجاجي، أي إقناع المتلقّي (الجرجاني، 1999م، ص 27). للاستعارة العديد من الأدوار، بما في ذلك عملية سد الفجوات في الحجة؛ لذلك يتم استخدام الاستعارة من أجل استقرار النص وثباته لتثبيت المعارف الموجودة لدى المتلقّي. وفي اللقاء المباشر مع معاني الكلمات، يتمتع بالحركية الذهنية والتخيلية، ويصل بفضل المعاني الجديدة إلى الإبداع العقلي والفكري ويرافق ويتزامن مع المتحدث في النص. إنّ خطابات النبي البلاغية تحظى بامتياز جوامع الكلام؛ أي أنّه بكلمات قليلة ينقل معاني كثيرة، مما يؤدي إلى تطور النطاق الدلالي. في غزوة حنين، عندما اندلعت الحرب، قال النبي: «الآنَ حَمَیَ الوطیسُ» (ابن الأثیر، 1959م، ص 97)، وأعرض عن عبارة "اشتدت الحربُ" والتي تعتبر عبارة مألوفة. الوطيس يعني تنور من حديد، وبه شبه حر الحرب. وقال النبي |)) في حنين: «الآن حمي الوطيس، وهي كلمة لم تسمع إلا منه، وهو من فصيح الكلام عبر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق» (ابن منظور، 1990م، ج 14، ص 320). وفي ساحة المعركة، يقنع النبي أذهان المخاطبين بأنّ الحملة السياسية مع الأعداء قد وصلت إلى ذروة الشدة والصعوبة من خلال تصوير التهاب حرب حنين ذهنياً. 3ـ1ـ4ـ2. الکناية[14] القيمة التداولية للکناية في بنيتها الفنية هي خلق تفاعلات منطقية واحتجاجية تسبب تقريبًا دلاليًا بين المرسِل والمرسَل إليه. نظراً لمكانة النبي (|) الذي کان معروفاً عند الجميع في البلاغة والفصاحة، وهو كان أفصح العرب، على أنّه لا يتكلف القول، ولا يقصد إلى تزيينه، ولا يبغي إليه وسيلة من وسائل الصنعة، ولا يجاوز به مقدار الإبلاغ في المعنى الذي يريده، فإنّه يستفيد من فن الجمالية في الکلام، وبسلوكه اللفظي، يوفر الإقناع الفكري للمتلقّي، ويمهّد السبيل لإقناعه ورضاه (الرافعي، 1990م، ص 316). بعد فتح مكة، اغتسل النبي في منزله بعد استراحة قليلة، ودخل المسجد الحرام بالقرب من الكعبة، وهو علی راحلته، واستلم الحجر الأسود، وقال: "اللّٰه أكبر"، فقال أصحابه: "اللّٰه أكبر" أيضا. كان حول الکعبة ثلاثمائة وستون صنماً، ولما مرّ بکل صنم، جعل يكسرها بعصاه، وهو يردد قول اللّٰه تعالى: «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاًª (الإسراء 17: 81) (ابن هشام، 1936م، ج 2، ص 417). والمعنى: استقر وشاع الحق، (وهو عبادة اللّٰه تعالی) الذي يدعو إليه النبي وانقضى الباطل، (وهو عبادة الشيطان) الذي كان النبي (|) ينهى عنه. في رسالة سياسية مصممة بالعبارة الکنائية، يسعى النبي إلى إقناع الجمهور بأنّه على حق في سلوكه اللفظي، وأنّ تصرفات المعارضين هي جهد عقيم. 3ـ1ـ4ـ2. الأمثال[15] الأمثال هي کلام قل عدد حروفه، وكثر عدد معانيه، وجل عن الصنعة، ونُزِّه عن التكلف، وهي تضيف إلى جاذبية الکلام، وتشجع المتلقّي إلی السماع. کما أشار إليها القرآن الکريم في هذه الآية الکريمة: «لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا ٱلقُرآنَ عَلَىٰ جَبَل لَرَأَیتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعا مِنْ خَشْيَةِ اللّٰه وَتِلكَ الأَمْثال نَضربُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم یَتَفَكَّرُونَª (الحشر 59: 21). وهذا مثل ساقه اللّٰه تعالى، كما دل عليه قوله "وتلك الأمثال" إلخ. وقد ضرب هذا مثلا لقسوة الذين نسوا اللّٰه وانتفاء تأثرهم بقوارع القرآن، والمعنى: لو كان الجبل في موضع هؤلاء الذين نسوا اللّٰه وأعرضوا عن فهم القرآن ولم يتعظوا بمواعظه، لاتعظ الجبل وتصدع صخره وتربه من شدة تأثره بخشية اللّٰه. وضرب التصدع مثلاً لشدة الانفعال والتأثر؛ لأنّ منتهى تأثر الأجسام الصلبة أن تنشق وتتصدع؛ إذ لا يحصل ذلك لها بسهولة. يستخدم الخطباء قدرة الأمثال على التواصل لتقريب هدف المتحدث إلى عقل المستمع، وتعميم القضية، وتجسيد الأمور المجرّدة، وتقريب المراد للعقل وتصويره بصورة المحسوس. فإنّ الأمثال تصور المعاني بصورة الأشخاص؛ لأنّها أثبت في الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواس، ومن ثَمّ كان الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالشاهد. يستفيد المرسِل من الأمثال لتقرير کلامه بشکل احتجاجي، ولتوضيح أدلته من أجل إقناع متلقّيه وبمساعدة الأمثال يصور المعاني التجريدية، ويجسّدها بصورة الأشخاص، لکي يسهّل أمر التعليم ويجعله أکثر حسياً؛ لذلك فالمرسِل بواسطة تجسيد الأمور التجريدية يساعد على تنمية العقليات وتعميق الوعي وتثبيته في أفكار المتلقّي (فتوحي، 1384ﻫ.ش، ص 171). للأمثال دور بارز وحاسم في حقل الأدب واللغة، ولها حضور فريد في مجالات متعددة، کالمجتمع والثقافة والسياسة، لدرجة أنّه من دونها تصبح قوة نقل اللغة ضعيفة أو غامضة؛ لأنّها عامل من عوامل تقوية اللغة. في النصوص الدينية، بما فيها القرآن وخطب المعصومين، يكون للأمثال دور بارز وحضور جدي في خطاباتها؛ ولذلك فإنّ فهمها يفتح أفقاً جديداً أمام المتلقّي (صفوي، 1377ﻫ.ش، ص 293). لقد روي أنّ أبا عزة الجمحي، شاعر المشركين، أسره المسلمون في غزوة بدر، فاستغفر النبي (|)، فعفا عنه النبي وأطلق سراحه. مرة أخرى شارك جمحي الشاعر في غزوة أحد ضد المسلمين، وأسره المسلمون من جديد، فطلب من النبي (|) أن يعفو عنه ويطلق سراحه مرة أخرى، فاستخدم النبي في تصوير الجو السياسي قدرة الأمثال في الإقناع قائلاً: «لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحْرٍ واحد مرَّتینِ» (السیوطي، 1401ﻫ، ص 51). والمعنی أنّ المؤمن عليه أن يکون فطنا كيسا لئلا يقع في مكروه بعد وقوعه فيه مرة قبلها. وهذا من جوامع كلمِهِ التي لم يسبق إليها، أراد به تنبيه المؤمن على عدم عوده لمحل حصول مضرة سبقت له فيه. نلاحظ أن النبي يستخدم قوة الأمثال من أجل تجسيد العمل الذي قام به عزة الجمحي وترسيخ الرسالة في أذهان المخاطبين مباشرة وإيصال معناه إليهم بجاذبية هادفة وإقناعهم، ويقنع المخاطب بآلية متكررة وشعبية، وهي أنّ العفو له إطار وأهداف تربوية، وإذا تجاوز الحد، فيسيء الجاهل الظن به؛ لذلك عندما يتخلّی عن إعادة عفو المجرم، يسعی من خلاله إلی إقناع المخاطب، حيث يكون ذلك مناسباً مع التدابير اللغوية في سياق الموقف. 3ـ1ـ4ـ3. المجاز[16] الأصل في الکلام هو الحقيقة والمجاز، کأنّه فرع منه ولا يعدل عن هذا الأصل إلا لغرض (ابن الأثیر، 1911م، ص 89). إنّ لهجة الكلام وأساليب الخطاب المختلفة لها تأثيرها في تحديد السياسات وأنواع التفاعلات. يستخدم النبي، بالإضافة إلى الاستدلال في أساليبه وسلوكه، الجاذبية اللفظية أيضا، ويستعين بفن البلاغة بشكل مقنع في خطبه؛ لذلك، بالإضافة إلى المساومة والدعاية عن طريق الأساليب المبتکرة، يحاول إقناع المخاطب أيضاً. كان النبي (|) يُربّي أصحابه على عزّة النفس والرفعة والاستغناء عن الناس وعدم طلب الحوائج من أحد، ويتحدث عن أهمية الصدقة وعدم استجداء المسلم للآخرين في خطاب غير مباشر: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَی» (الفيض الکاشاني، 1406ﻫ، ج 26، ص 162). اليد العليا: هي مجاز عن اليد المعطية، والسفلى: هي الآخذة، يعني: أنّ المعطي أعلى من الآخذ؛ لأنّ الآخذ يرى نفسه دون المعطي، والمعطي يرى نفسه فوق الآخذ؛ ولهذا تجد الآخذ يخضع للمعطي أكثر من خضوع المعطي للآخذ. فاليد العليا هي المعطية، واليد السفلى هي الآخذة. تؤکّد هذه العبارة المجازية بشکل غير مباشر في فضل البذل والإنفاق في وجوه الخير وذَمِّ السؤال وفيها الندب إلى التَعَففِ عن المسألة والحض على معالي الأمور وترك دَنِيئها، وتشير إلی أنّ العفة من صفات المؤمن الصالح وفيها الحث على الاستعفاف والاستغناء؛ لأنّ دين الإسلام ينبني علی الإنسانية وکرم الأخلاق، ويمنع المخاطبين من الذل. فالتّعفف عن المسألة والتّرفُّع عن سؤال النّاس مطلبٌ شرعيٌّ يؤكّده ويوضّحه النبي (|) باستخدام الوظيفة المجازية الجزئية لکلمة "اليد". من المؤکّد إذا قمنا بالموازنة بين التعبير لو جاء مصرحاً بـ«المُتصدِّقُ خیرٌ مِنَ السائِلِ»، والتعبير المجازي، فتبيّن قيمة التعبير المجازي والمبالغة التي يحققها، مما لا نجده في التعبير الحقيقي الصريح. ولمّا کانت اللغة العادية التي لا تتعدّی الشيء المحسوس، عاجزة عن نقل الحالات النفسية الغامضة، لجأ النبي (|) إلی المجاز لما فيه من طاقة إيحائية في التعبير عنها. 3ـ1ـ5. البدیع[17] حسب العرف، فن البديع هو من الفنون التي تستخدم في تزيين الكلام وتحسينه بنوع من التنميق؛ لكن في بعض المواقف، يخرج هذا الفن من ساحة وضعه، وهو زخرفة الكلمات وتجميل مظاهر العبارات، إلى الساحة الأكبر، مثل الإقناع والاحتجاج، مما يوفر الرضا والتوجيه للمخاطب؛ ولذلك فإنّ فن البديع، بما يتجاوز أسلوبه المألوف المعتاد، قد حظي باهتمام الخطباء والمتحدثين، ومن خلال الدخول في مجالات جديدة مثل الموازنة والتفريع، يتجلى في ساحة الاستدلال والاحتجاج. 3ـ1ـ5ـ1. الموازنة[18] الموازنة أسلوب خطابي کثر استخدامه في خطب النبي (|)، وهو بالإضافة إلى الوظيفة الموسيقية، بسبب تجانس الكلمات[19]، يحسن القدرة العملية لهذا الفن على مستويات الإقناع (حمودي، 2012م، ص 109 ـ 118). هناك رواية عن النبي عن الأهمية السياسية والثقافية للقرآن: «مَن جَعَلَهُ أمامَهُ، قادَهُ إلَى الجَنَّةِ؛ ومَن جَعَلَهُ خَلفَهُ، ساقَهُ إلَى النارِ» (المجلسي، 1404ﻫ، ج 1، ص 2). إلى جانب التأثير الحسي، يتحول فن الموازنة إلى الاحتجاج في مجال الجدال والحجة لتجميل ظواهر الکلام، ويستخدم الاستدلالات السياسية والثقافية المزخرفة بالفن وجراحة التجميل لإرضاء الجمهور وتوجيهه؛ لذلك فإنّ فن الموازنة، بالإضافة إلى خلق الشعور بالجمال، يميل إلی مجال أكثر أهمية ويقدم حججا سياسية وعقلانية، ويستشهد بأدلة قوية وحجج فريدة لإثبات شيء ما. يذکر النبي (|) باستخدام فن الموازنة وتجميل مظهر الكلمات للجمهور، حجة سياسية وثقافية، بحيث مع وظيفة فن الموازنة، بالإضافة إلى تزيين مظهر الكلمات، ينتبه إلى تأثير قوته الإقناعية، وبذكر الحجج المنطقية، يمهّد الطريق لإقناع المخاطبين وتوجيههم، ألا وهو الحثّ علی اتباع القرآن وحفظه واتخاذه قائداً، والتحذير من معارضة القرآن والصّد عنه. 3ـ1ـ5ـ2. التفریع[20] التفريع أو تقسيم الكل إلى أجزائه، وهو: «أن يذكر المرسل حجته في أول الأمر، ثم يعود إلى تفنيدها وتعداد أجزائها، فكل جزء منها بمثابة دليل على دعواه» (الشهري، 2004م، ص 494). قال رسول اللّٰه (|) في أحد خطاباته: «بني الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا اللّٰه، وأنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وحجِّ البيتِ، وصومِ رمضانَ» (المجلسي، 1404ﻫ، ج 1، ص 7). کما نری أنّ النبي (|) في البداية، شرح الإسلام على أساس أمر کلي، ثم عرض أجزاءه، حيث طرح موضوعاً کلياً يعتبر رکناً أساسياً للإسلام، ثمّ ينقسم هذا الرکن الکلي إلى أجزاء أصغر، ويتم التعبير عن فروعها بالحجة اللفظية لتوفير الإقناع البلاغي للجمهور بفن لفظي مزين بالحجة السياسية والثقافية والاحتجاج اللغوي؛ لذلك، يخطط النبي الإقناع بخطاب مستمد من فن التفريع، حتى يقتنع المخاطب الخاص بالهداية والتوجيه. 3ـ1ـ5ـ3. الآليات المنطقية في الإقناع إنّ القياس المنطقي[21] يعد من أهم الآليات المنطقية التي تقوم علی الخطابات الحجاجية، ونعني بالوسائل المنطقية الآليات والتقنيات المنطقية التي تؤسس بنية الحجاج في الخطاب، أي جملة الأساليب التي تعتمد قوانين المنطق من مقدمة کبری ومقدمة صغری والنتيجة والتي تهدف في الخطاب إلی إقناع المتلقّي بما طرح عليه من أفکار. بالإضافة إلى تجميل خطابه، يستخدم النبي القدرة المنطقية لهذه المحسنة البديعية للمساعدة في العملية الحجاجية وتعزيز قوة الإقناع لدى المتلقّي. في القياس التالي، نرى المنطق الذي يعد أحد أهم أنواع الحجج والخطابات البرهانية. وبكلمات واضحة وغير غامضة، أقام النبي (|) صلة عميقة وعامة بين مقدمات البحث ونتائجه، لکي يعترف المتلقّي، بالإضافة إلى قبول المقدمات، بنتائجها أيضاً؛ لذلك، فهو يستخدم قوة القياس ولغة المنطق لتوجيه الآخرين، حيث يجعلهم يقتنعون بالفکرة المطروحة؛ لأن الغرض من القياس هو نقل الحقائق إلى الجمهور من خلال قوة الكلمات والاحتجاج (السبعاوي، 2001م، ص 226). يقول النبي (|) في عبارة قياسية: «دَعُونِي ما تَرَكْتُكُمْ، إنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ علَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عن شيءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وإذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ» (المجلسي، 1404ﻫ، ج 4، ص 1441). وفي هذا الحديث: النهي عن الاختلاف وکثرة الأسئلة من غير ضرورة؛ لأنّه توعّد عليه بالهلاك؛ والوعيد علی الشيء دليل علی کونه کبيرا، والاختلاف المذموم ما يؤدّي إلی کفر أو بدعة. وفيه الأمر بطاعة الرسول (|)، والتمسّك بسنته، والعمل بأقواله وأفعاله وتقريراته، والوقوف عندها أمراً ونهياً. يمکن تصور القياس المنطقي المتکامل الأرکان في هذا الحديث الشريف علی النحو الآتي: المقدمة الکبری: عدم اتباع الرسول في أمره ونيته، فيه الهلاك؛ المقدمة الصغری: كثرة السؤال والاختلاف على الأنبياء، فيه الهلاك؛ النتیجة المنطقية: كثرة السؤال والاختلاف على الأنبياء، ليس من اتباع الرسول. نلمح القوة الحجاجية لهذا القياس المنطقي من خلال طرح المقدمة الکبری والصغری والنتيجة المنطقية في تأثيره في نفس المتلقّي، فيسير باقتناع راسخ بأنّ عدم اتباع عن أوامر الأنبياء يؤدّي إلی الضلال والهلاك الذي يصيب كل فاسد. فهذا القياس يتضمن حجة قوية تدعم قول النبي (|)، بمعنی أنّه هناك تسلسل منطقي بين الأقوال يؤدّي إلی شد انتباه المتلقّي نحو الفکرة المطروحة. من المؤكد أنّ للاحتجاج والإقناع معايير وتقنيات مختلفة، والتي من خلال مراعاة هذه المعايير والمبادئ المتمحورة حول العقل والفكر، ستوفر الأساس للتفاهم المتبادل، وستسهل فهم المتلقّي ومشاركته. النمو في خلق الخطاب يتم من خلال الحجج والمجادلات بين أطراف الخطاب؛ لأنّ الاستشهاد بالحجج اللفظية شرط أساسي في إستراتيجية الإقناع، فهو أسلوب يختلف عن إستراتيجيات الخطاب الأخرى؛ لأنّ الغرض من کل هذا إقناع المرسَل إليه والتأثير فيه بتلك الحجج، فهو أكثر شمولا من الإستراتيجيات اللغوية الأخرى، بحيث يشمل نطاقها البالغين والشباب والأطفال، ولها تأثيرات تعليمية أكثر من الإستراتيجيات اللغوية الأخرى، ويكون تأثيرها على متلقي الرسالة أعمق؛ لذلك، في الأمور التي لا تخضع للإجماع، يتم استخدام إستراتيجية الإقناع، بحيث يحصل متلقي الرسالة على صورة صحيحة للخطاب، ويحميه من التأويل الخاطئ.
الخاتمة بناء علی منهج البحث في الإطارين النظري والتحليلي، تتضح النتائج التالية: نظراً لأهمية الإقناع وتأثيره على المتلقّي، استخدم النبي (|) هذا الفن التواصلي أكثر من الإستراتيجيات التواصلية الأخرى في الخطب والخطابات السياسية؛ لأنّه يحظى بمزيد من القبول والاستحسان العام، وأساليبه التواصلية باطنية، وله اتصال وثيق بضمير المتلقّي وطبيعته، ويزيد من طول الخطابات وخلودها، ولن تكون النتيجة الناتجة عنه مصحوبة بالشكوك. من أجل نشر الدين وشرح الرسالة السياسية، ووفقا لظروف مختلفة، يستخدم النبي (|)، بوصفه أستاذاً بلامنازع في اللغة، أدوات اللغة والفنون التواصلية، کالبلاغة والمنطق على النحو الأمثل في الإقناع، لکي يتسيّر توجيه المتلقّي وهدايته؛ لذلك، توصل السياسيون اليوم إلى نتيجة، مفادها أنّه من أجل الإقناع في الساحات السياسية والثقافية، ينبغي الاستفادة من الکفاءة اللغوية، وفقاً لأذواق المتلقّي ورغباته. إنّ أهم إستراتيجية الإسلام هي مراعاة مبدأ الوسطية والاعتدال في صنع السياسات؛ لذلك، في الحجة الإقناعية، بالإضافة إلى القدرة البلاغية التي تستهدف عواطف المستمعين ومشاعرهم، استخدم النبي القدرة التناصية استخداماً سياسياً ومنطقياً، لکي يوقظ أفكار مخاطبيه الخواص. من خلال اتخاذ الإستراتيجيات التواصلية الخاصة مثل فن الإقناع، نجح النبي (|) في حل العقد الاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع المستهدف، ومن خلال رسم الآليات اللغوية على شكل القدرات المعجمية والبلاغية والمنطقية، تمکن من إقناع المتلقّي والتحکم فيه وهدايته. ينبني منهج آليات النبي (|) التواصلية علی التعبير الواضح والبسيط، وإن استخدم بحسب سياق الموقف، تعبيرات إيحائية على شكل الاستعارة والکناية والتشبيه في الخطابات السياسية؛ لأنّ استخدام مثل هذه التعابير يهذّب عقول المتلقّي الخاص، ويزيد من رغبته في خلق الخطاب، ويعمق تأثير الکلام، فبالتالي يقدم أفكار الشخص الجاهزة للمتحدث، ويسهّل عملية الإقناع.
[1]. Persuation [2]. Community [3]. Max Atkinson [4]. Claptrap [5]. Grabar [6]. Intertextuality [7]. Gérard Genette [8]. Roland Barthes [9]. Julia Kristeva [10]. Jacques Derrida [11]. Text [12]. Image [13]. Metaphor [14]. Irony [15]. Proverb [16]. Figure [17]. Embelishment [18]. Parallelism [19]. Homogeneity [20]. Extraction [21]. Sylloguim | ||
مراجع | ||
* القرآن الكريم. أ. العربية ابن الأثیر، ضیاء الدین نصر اللّٰه بن محمد. (1911م). المثل السائر. تقديم وتعليق أحمد الحوفي وبدوي طبانة. القاهره: نهضه مصر. ابن جنّي، أبو الفتح عثمان. (1429ﻫ). الخصائص. تحقیق عبد اللطیف الهنداوي. بیروت: دار الکتب العلمیة. ابن منظور، جمال الدین محمد بن مكرم. (1995م). لسان العرب. بيروت: دار صادر. ابن هشام، أبو محمد عبدالملك بن هشام. (1936م). السیرة النبوية. تحقیق مصطفی السقاء وإبراهیم الأبیاري. بیروت: دار المعرفة. برغوث، علي. (2005م). الاتصال الإقناعي. فلسطين: جامعة الأقصى للنشر والتوزیع. الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر. (2003م). البیان والتبیین. تحشية موفق شهاب الدین. بیروت: دار الکتب العلمیة. الجرجاني، أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن. (1999م). أسرار البلاغة. تحقيق محمد الفاضلي. ط 2. بيروت: المكتبة العصرية. حاقّة، عبد الکريم. (2022م). «آليات الإقناع في القرآن الکريم: دراسة لنماذج لغوية وبلاغية مختارة». مجلة الشهاب. ع 1. ص 9 ـ 30. حمودي، محمد. (2012م). «الحجاج وإستراتيجية الإقناع عند طه عبد الرحمن: مقاربة أبستمولوجية» مجلة حوليات التراث. ع 12. ص 127 ـ 138. الرافعي، مصطفی صادق. (1990م). إعجاز القرآن والبلاغة النبویة. بیروت: دار الکتاب العربي. السبعاوي، طه. (2001م). أسالیب الإقناع من المنظور الإسلامي. بیروت: دار الكتب العلمية. السیوطي، جلاالدین عبد الرحمن بن أبي بكر. (1401ﻫ). الجامع الصغیر فی احادیث البشیر النذیر. بیروت: دار الفكر. شعبان، خيضر. (2007م). الإعلام والاتصال. الجزيرة: دار اللسان العربي للترجمة والنشر والتألیف. الشهري، عبد الهادي بن ظافر. (2004م). إستراتيجيات الخطاب مقاربة لغوية تداولي. بيروت: دار الكتاب الجديد المتحدة. الطبري، أبو جعفر محمد بن جریر. (1967م). التفسیر الطبري. تحقیق محمد أبو الفضل إبراهیم. ط 2. بیروت: دار التراث. العبد، محمد. (2005م). النص والخطاب والاتصال. القاهرة: الأكاديمية الحديثة للكتاب الجامعية. عزّوزی، البشیر. (2014م). حجاجیة الاستعارةِ في الشعر العربي: دیوان المتنیي أنموذجا. رسالة الماجستير. جامعة دکلی محنَّد اولحاج ـ البویرة. علي عید، عریب محمد. (2011م). الخطاب النبوي فی ضوء اللسانيات الاجتماعية. أطروحةالدكتوراه. الجامعة الأردنية. عمان. عماريش، فاطمة. (2021م). «إستراتيجية الإقناع في الخطاب اللغوي، المفهوم والآليات». مجلة الضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها. ع 4. ص 413 ـ 438. الغامدي، عبد الکريم جمعان. (2013م). «الحِجَاج في الخطبة النبويَّة». مجلة جامعة أم القری. ع 10. ص 273 ـ 352. فروم، هشام. (2009م). تجليات الحجاج في الخطاب النبوي دراسة في وسائل الإقناع الأربعون النووية. رسالة الماجستير. جامعة الحاج لخضرباتنه. قاسم، رفيق حمود ناجي. (2018م). «الإقناع في القرآن الكريم الأنبياء عليهم السلام أنموذج». دراسات ترکية. ع 17. ص 176 ـ 203. المجلسي، محمد باقر. (1403ﻫ). بحار الأنوار. بیروت: مؤسسة الوفاء. المسدّي، عبد السلام. (2008م). اللغة والسیاسة. تونس: مجلّة الثقافات. مصباح، عامر. (2005م). الإقناع الاجتماعي. الجزيرة: دیوان المطبو عات الجامعیة للنشر والتوزیع. المغامسي، آمال يوسف. (2015م). الحجاج في الحدیث النبوي: دراسة تداولیة. الجزيرة: دار المتوسط للنشر. نعمة، أنطوان؛ وآخرون. (د.ت). المنجد في اللغة العربیة المعاصرة. بيروت: دار المشرق للنشر والتوزیع. نوري مصعب، محمود عزاوي. (2004م). خطب الرسول الکریم محمد (ص): دراسة توثیقیة تحلیلية. رسالة الماجستير. جامعة بغداد. کلیة التربیة. قسم اللغة العربیة.
ب. الفارسية آقايى، هوشنگ؛ روحاللّٰه صیادینژاد، و محسن سیفی. (1401ﻫ.ش). «واکاوی زبان سیاسی پیامبر اعظم (ص)». مجله پژوهشهای سیاست اسلامی. ش 21. ص 123 ـ 150. باقری، مهری. (1374ﻫ.ش). مقدمات زبانشناسی. چ 3. تبریز: قطره. بیرد، ایدریئن. (1389ﻫ.ش). زبان سیاست. ترجمه محمدرضا اصلانی. تهران: فرهنگ نشر نو. رهبر، محمد بتقی. (1391ﻫ.ش). پژوهشی در تبلیغ. قم: مؤسسه بوستان. حمیداللّٰه، محمد. (1375ﻫ.ش). نامهها و پیمانهای سیاسی حضرت محمد. ترجمه سیدمحمد حسینی. چ 3. تهران: سروش. حیدری، فاطمه؛ و بيتا دارایی. (1392ﻫ.ش). «بینامتنیت در شرق اثر شهریار مندنیپور». جستارهای ادبی دانشگاه تربیت مدرس. ش 2. ص 120 ـ 141. سبحانی، جعفر. (1385ﻫ.ش). فروغ ابدیّت. قم: بوستان کتاب. صفوی، کوروش. (1377ﻫ.ش). درآمدی بر معناشناسی. تهران: سوره مهر. صلاحی مقدم، سهیلاء؛ و اكرم امیری. (1392ﻫ.ش). «تأثیرپذیری امام خمینی (ره) و حزین لاهیجی از حافظ در موسیقی کناری (ردیف)، بر اساس نظریه ترامتنیت». همایش پژوهشهای زبان و ادبیات فارسی. ص 6 ـ 14. صيادىنژاد، روحاللّٰه. (1397ﻫ.ش). «بررسی منظورشناسانۀ برهانهای بلاغی در گفتمان پیامبر». پژوهشنامه نقد ادب عربی. ش 1. ص 149 ـ 182. فتوحی، محمود. (1384ﻫ.ش). «تمثیل، ماهیت، اقسام، کارکرد». مجله دانشکده ادبیات و علوم انسانی ـ دانشگاه خوارزمی. ش 49. ص 141 ـ 187. کالر، جاناتان. (1390ﻫ.ش). در جستجوی نشانهها. ترجمه لیلی صادقی. تهران: علم. نظری، علی؛ و نعمت عزیزی. (1393ﻫ.ش). بازتاب مضامین دینی در شعر برهان الدین عبوشی. قم: پویشگر. واقدی، محمد بن عمر. (1369ﻫ.ش). المغازی. ترجمه محمود مهدوی دامغانی. تهران: مرکز نشر دانشگاهی. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 115 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 41 |