تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,674 |
تعداد مقالات | 13,669 |
تعداد مشاهده مقاله | 31,672,917 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,510,202 |
التماسك النصي في قصيدة أرِحْ ركابك للشاعر محمد مهدي الجواهري | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 2، دوره 16، شماره 31، دی 2024، صفحه 1-20 اصل مقاله (1.13 M) | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2023.138313.1469 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
امير فرهنگ نيا* 1؛ مهدي حسن سكران المحمد2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة شهيد بهشتي، طهران، إيران | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2طالب الماجستير في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة شهيد بهشتي، طهران، إيران | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
تطوّرت الدراسات اللسانية والنقدية الحديثة مؤخراً، مما جعلت الاهتمام بلسانيات النص ضرورة ماسة في تشكيله وتفسيره. من هذا المنطلق، يبحث هذا المقال مكامن التماسك النصي ودلالاته، أي ترابط أجزاء قصيدة أرح ركابك، للشاعر محمد مهدي الجواهري حسيا أو معنويا؛ وذلك لأن شعره يعبر أصدق تعبير عن عواطفه التي يكتنفها الحب والولاء للوطن. وقد جاء ذلك الحب عن عقيدة صادقة وإذابة لذاته، من دون تكلف أو تصنّع، حيث لم يعبر عن العواطف فحسب، بل يعبر عن الفكر، والتعبير عن الفكر أهم من التعبير عن العواطف. ولما كان التماسك النصي أساساً في بناء البيت الشعري وصياغته في التعبير عن الأفكار، جاء الهدف من هذه الدراسة حيث التطبيقات العلمية والعملية على أبيات القصيدة، لتتضح فاعلية التماسك النصي وانسجامه في ترابط وتماسك تلك الأفكار، وذلك عبر توظيف أدواته التي أهمها وأشهرها الإحالة والحذف والتكرار وغيرها، ليتناول عناصر التماسك النصي ودلالاته في قصيدة أرِحْ ركابك، معتمداً على المنهج الوصفي ـ التحليلي. يحكي قسم من النتائج أن القصيدة كانت صورة حقيقية للوضع السائد في المجتمع العراقي، وأخذت أدوات التماسك النصي من الأدوات النحوية، كالإحالة، والاستبدال، والربط، والمعجمية، كالتكرار والتضام، حيّزاً كبيراً في القصيدة، حيث لعبت دوراً محورياً في وحدة النص الأدبي للقصيدة. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التماسك النصي؛ التكرار؛ الحذف؛ الجواهري؛ أرِحْ ركابك | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
تلعب لسانيات النص دوراً محورياً في القيام بوصف النص وتحليله والتواصل الذي يجري بين المرسل والمرسل إليه. «يعد التماسك النصي من الدراسات اللسانية التي يحتاجها الفرد في فهم النصوص الشعرية والنثرية؛ إذ يعتبر التماسك تعلق عناصر النص بعضها ببعض بوساطة أدوات شكلية أو علاقات دلالية، تسهم في الربط بين عناصر النص الداخلية والنص والبيئة المحيطة، من ناحية أخرى لتكون في النهاية رسالة يتلقاها متلقٍّ يتفاعل معها سلبا أو إيجابا» (فیصل، 2006م، ص 7). «وقف الدرس اللساني القديم عند حدود الجملة، فبين مكوناتها ومختلف القواعد التي تحكمها؛ وعلی ذلك قامت النظريات النحوية والاتجاهات اللسانية المختلفة؛ في حين أصبح التركيز على النصّ محور الاهتمام في بحث تحليل النص» (عطیة، 2018م، ص 269). ولما كان التماسك النصي محل اهتمام الباحثين في دراسة الشعر، جاءت هذه الدراسة للجواهري، حيث إنه يعتبر من أشهر شعراء العصر الحديث في العراق، وقد نظم العديد من القصائد التي عبّر فيها عن حبه وشوقه لوطنه الحبيب. من هذه القصائد هي أَرِحْ ركابكْ التي «ألقاها بعد سبع عجاف من أعوام الغربة المريرة، يقرر الجواهري العودة للبلاد من مدينة براغ متفائلاً بعهد جديد، كما هي حال الكثير من المتفائلين، ومن بينهم قوى وأحزاب سياسية وشخصيات وطنية استدرجتهم بغفلة شعارات العهد البعثي بعد تموز 1968» (الجصاني، 20/3/2013م). والقصيدة من فرائد الجواهري، وقد حاول أن تكون عصماء في محاورها وبنائها وموسيقاها، وهي الأولى أمام من أحبهم: نخباء، وأصدقاء، ومحبين. واختيار الجواهري لبحر وموسيقى وتفعيلات أرحْ ركابكْ، جاء مقصوداً، وجاءت الحاجة إلى دراسة آليات التماسك النصي ودلالاتها، لغرض التطبيق على الأبيات الشعرية في القصيدة، والكشف عن أدوات الترابط بين الأجزاء المكوّنة للنص ودورها في إيضاح المضامين للمتلقين. 1ـ1ـ أسئلة البحث يسعى المقال إلى الإجابة عن السؤالين التاليين: ـ ما دلالات آليات التماسك في قصيدة أرِحْ ركابك؟ ـ كيف استخدم الشاعر آليات التماسك النصي في قصيدة أرِحْ ركابك؟ 1ـ2. خلفية البحث هناك كثير من الدراسات تناولت آليات التماسك النصي في القصائد الشعرية. لعلّ من أبرزها ما يلي: مقالة آليات التماسك النصي في قصيدة المآب لإبراهيم ناجي، لحدة روابحية (2015م). لقد تناولت الباحثة مظاهر التماسك النصي بين الوحدات اللغوية المشكّلة لبنية النص الشعري عند إبراهيم ناجي؛ وذلك بتسليط الضوء على أدوات الاتساق من أجل اكتشاف معايير الترابط بين الأجزاء المشكّلة للنص ودورها في توضيح المعنى للمتلقي. ومقالة التماسك والاتساق النصي في قصيدة الورقة الاخيرة للشاعر (أمل دنقل)، لحنان إبراهيم العمايرة (2018م). قد سعت المقالة إلى الوقوف عند ملامح التماسك النصي والانسجام في هذه القصيدة، وتوصّلت إلى أن أثر هذا الاتساق تبين في تشكيل رؤيته الشعرية التي كانت تعبّر عن معاناته من آلام المرض والوحدة واليتم والفقر. ورسالة الماجستير بعنوان التماسك النصي في شعر خليل مطران نماذج مختارة، لفلة دربال (2014م). قد تناولت الباحثة فيها أهداف لسانيات النص ومفهومه والتماسك النصي وأهميتها، ثم الاتساق في شعر خليل مطران وأدواته، كالإحالة، والعطف، والحذف، والاستبدال، والتكرار، ثم الانسجام، وآلياته في شعر خليل مطران، كالسياق، وبنية الخطاب، والتغريض، والمناسبة، وتوصلت إلى أن هناك عدة عوامل أسهمت في التماسك الشكلي لشعر خليل مطران، كان أبرزها الإحالة بنوعيها القبلية والبعدية، فعملت على اتساق القصائد المختارة، وكان منها ما عمل على تماسك مقاطع أو أبيات معينة لوحدها. فيما يتعلق بشعر الجواهري، هناك دراسات كثيرة تناولت شعره. لعلّ من أبرزها ما يلي: مقالة کتاب أنماط الصراع السیاسي والتطور الإبداعي في شعر الجواهري، لجلال عبد اللّٰه خلف (2015م). لقد تناول الباحث العلاقة بین السیاسة الأدب وشعر الجواهري بین السیاسة والفن، وتطرق إلی شعر الجواهري في مراحل متنوعة، منها: الاحتلال، والانتداب، والاستقلال، والثورات، والانقلابات، وأخیراً تناول الخصائص الفنیة في شعره السیاسي، وتوصّل إلی أنّ نتیجةً لامتزاج تجربة الجواهري الذاتیة مع الواقع الموضوعي لأمته ومجتمعه. فقد استطاع في صوره الشعریة إعادة رؤیة الأشیاء الخارجیة علی وفق رؤی خاصة، من خلال صیاغة الصور الواقعیة، بما تترکه علیها أحاسیسه ومشاعره عبر خیاله المبدع الذي یؤدي الدور البارز في النشاط السیاسي. ومقالة الموسيقى الخارجية لعينية محمد مهدي الجواهري في رثاء الحسين عليه السلام، لأبي الحسن أمين مقدسي، وعدنان طهماسبي، وعبد الوحيد نويدي (2017م). فقد تناول الباحثون مظاهر البنية الموسيقية الخارجية المتمثلة بالوزن، والقافية، والزحافات، والعلل، والتدوير، والتضمين في عينية الجواهري. ومن أبرز النتائج هو أن الشاعر جمع بين التدوير والتضمين في القصيدة، وأن ظاهرة التضمين من عوامل تنويع إيقاع النهايات وأداة ذات تأثير في إخراج الإيقاع، مما يعتريه من نمطية. ومقالة محمد مهدي الجواهري 1899 ـ 1997 صنَّاجة الشعر وعملاقه بلا منازع، لفلك حصرية (2020م). فقد تناول الباحث مدرسة الجواهري الشعرية التي تكاد تكون فريدة في الأسلوب والمضمون والشكل، وما اتخذه من مواقف المجابهة والتحدي والتصدي والتنوير لحالات اجتماعية وظواهر ثقافية وسياسية، كان لها وقع في غاية التشدد والمصارحة، وما عاناه من الضيق في العيش والاعتقال والسجن والاغتراب. وفیما یتعلق بقصیدة أرِحْ ركابك، ثمة کتاب بعنوان لغة الشعر عند الجواهري لعلي ناصر غالب (2009م)، حیث یرکّز المؤلف في الفصل الثاني من الکتاب علی هذه القصیدة، وتنوّع المنادی فیها، وأنه کیف یتّخذ الشاعر منه رکیزة في بناء القصیدة، ثمّ یتحوّل بالنداء لخطاب من ظنَّهم سبباً في تشریده، ویتبیّن أن الشاعر یستعمل النداء وسیلة للخطاب، ویتخذ منه مرتکزاً یبني به قصیدته، ویمدّ في طولها جرّاء تنوع المنادی وصفاته. وکتاب الأدب والنصوص، لسمیر کاظم الخلیل وزملائه (2011م)، حیث قام المؤلفون بتحلیل هذه القصیدة والتعلیق النقدي لها، وتوصَّلوا إلی أنّ هذه القصیدة في المعاناة وحب الوطن والوقت نفسه درسٌ في الأخلاق والوطنیة. ومقالة أثر الغربة والاغتراب في شعر الجواهري، لرافد سالم سرحان شهاب (2013م)، حیث تناول الباحث في قسم من المقال هذه القصیدة ورأی الشاعرَ فیها رافعاً رایة النضال ضد أعداء الوطن والإنسان، وذلك من خلال رؤیته للنهر، وهو الشاهد الحاضر لما یجري لحیاة العراق من مآسٍ وأحداث دامیة، وتکثر فیها کلمات مشحونة بالتوتر والرفض والثورة وما یکون تعبیراً عما یجیش بداخل الشاعر من غضب ونقمة واحتقار للحکام المتسلطین علی الشعب العراقي، وتعکس رغبة الجواهري الملحاح في التعجیل بسقوط النظام من خلال التناقض الحاد بین دجلة الخیر والخصب وحوالیه البؤس والفقر والجوع.
ولد محمد مهدي الجواهري، شاعر العرب الأكبر، عام 1900م في «أسرة نجفية دينية وتراثية وشعرية هي التي ساهمت في صنع الجواهري. كان والده شاعرا، وشقيقه شاعرا، وابن عمته شاعرا، وكانت أسرته تعامله بقسوة فيما يتعلق بدراسة التراث وحفظه وإجادته. لم يحرق الجواهري الشاعر مراحله الشعرية، كما يفعل أغرار الشعراء اليوم، بل خطاها بخطى وئيدة متزنة مرتبطة لا بتطوره الشخصي فحسب، بل بتطور مجتمعه أيضا. يصل الجواهري عند ميلاد القصيدة إلى ذروة الانفعال والحساسية والطريف أنه يصل أيضا إلى قمة المرح» (الخير، 2010م، ص 17). إن النص الشعري عند الجواهري على صعيد الإيقاع قد اتكأ بشكل رئيس على المنظور الكلاسيكي في تشكيل بنيته الإطارية، وإن خرج على أعراف هذا المنظور بصورة نسبية في بعض الأحيان، غير أن مسألة التجديد والفرادة في الأداء ظهرت ضمن بنية التكوين التي شهدت حضور الذات الشاعرة في حركتها المعبرة، فاحتوت تجربته الشعرية نتيجة لذلك في عمومها قدرة فنية عالية جسدت انفعالات الشاعر وأحاسيسه عبر حركة الموسيقى داخل النص. فجاءت ألفاظه بسبب ذلك قوية في جرسها ومتنغمة في تركيبها تنمّ عن وعي عميق بأهمية لصوت في نقل ما يرمي الشاعر إيصاله إلى المتلقي من مشاعر وأحاسيس ضمن مجموعة تركيبة احتواها الإيقاع الخارجي والداخلي في آن (صالح، 2011م، ص 11 ـ 12). أما على صعيد لغة الشاعر، فقد أدت علاقاتها الجدلية مع بنية الإطار إلى اعتماد وسائل قللت من حدة هذه الجدلية، وأحدثت توافقا بين لغة النص من جانب وبنية الإطار من جانب آخر، وهذا ما قاد من ثم إلى حصول عملية تناسب بين المعنى والمبنى والوزن والقافية بحسب مقصدية الشاعر والدور الوظيف للغة في رحاب حيز التصوير وحيز الترميز (المصدر نفسه).
يكمن مفهوم التماسك[1] عند هالیدای[2] ورقیة حسن[3] في «الکیفیة التي تجعل وحدات النص مترابطة، وقد یکون ذلك الترابط نحوياً أو معجمياً أو صوتياً كما في النصوص الشفاهية» (حسن، 1986م، ص 3). یستعمل فان دایك[4] مفهوم الترابط للإشارة إلى علاقة بين الجمل، فيشرح عمليات الترابط بين المتتاليات النصية والتماسك الوظيفي بين الوحدات الكبيرة ودور القراءة والتأويل في تحديدهما على أسس دلالية ومنطقية. «فالعلاقات التي تقوم بين الجمل أو العبارات في متتاليات نصية، يمكن أن ترتكز على الدلالات، وهي العلاقات الداخلية، أو على الروابط بين العناصر المشار إليها أو المدلول عليها في الخارج، وهي علاقات الامتداد الخارجية» (فان دايك، 2001م، ص 227). اشتملت اللسانيات النصية على عناصر بناء قواعد منطقية ودلالية وتركيبية، من بينها علاقات التماسك، وأبنية التطابق، والتقابل، والتراكيب المحورية، والتنويعات التركيبية، وتوزيعاتها في النص إلى غير ذلك من الظواهر التركيبية التي تخرج عن دائرة الجملة المفردة المستقلة، والتي لا تجد لها تفسيرا دقيقا إلا من خلال وحدة النص الكلية (النوري، 2020م، ص 204). تدور الدلالة المعجمية لمفردة «التماسك» حول الاحتباس، والأخذ، والاعتصام بالشيء، والتعلق به، وحفظه، والمنع، والاعتدال، والصلابة، والارتباط. والنص يقوم على الترابط والتماسك، فيأخذ بعضه ويعتصم ببعض، ما يكسبه منعة وقوة وصلابة. فالتماسك يعني العلاقات والأدوات الشكلية والدلالية التي تسهم في الربط بين عناصر النص الداخلية، وبين النص والبيئة المحيطة من ناحية أخرى (الفقي، 2000م، ص ٩٦). إذا كانت البنية الكبرى للنص ذات طبيعة دلالية، وكانت متعلقة ومشروطة بمدى التماسك الكلّي للنص، فإن الذي يحدّد إطارها نتيجة لذلك هو المتلقّي؛ لأنّ مفهوم التماسك النصي ينتمي إلى مجال الفهم والتفسير الذي يضيفه القارئ على النص؛ ونتيجة لأنّ تأويل النص من جانب القارئ لا يعتمد فحسب على استرجاع البيانات الدلالية التي يتضمّنها هذا النصّ، بل يقتضي أيضا إدخال عناصر القراءة التي يملكها المتلقي داخل ما يسمّي بكفاءة النص أو إنجازه (فضل، 2004م، ص 310 ـ 311)؛ إذن، يتمخّض عن الربط بين عناصر النص والبيئة المحيطة بها رسالة تصل المتلقى ليتداركها ويستوعبها ويتخذ قرارها النهائي للتعامل معها سلباً أو إيجاباً، وفقاً للدلالات الواردة فيها.
للتماسك حضور ضروري في أي نص. وإذا خلا النص من أدوات التماسك، سواء أكانت شكلية أم دلالية، فإنه يصبح جملاً متراصة لا يربط بينها رابط، ويفتقر إلى وحدة النسيج، ويصبح النص جسدا بلا روح (صبحي، 2000م، ج 1، ص 35). فيما يلي، يتناول الباحثان أبرز عناصر التماسك النصي في قصيدة أرحْ ركابك. 4ـ1. الإحالة الإحالة عند النحاة واللغويين هي الانتقال من عنصر كنائي إلى مرجع يفسره ذلك أن الكنائيات كالضمائر والأسماء الموصولة وأسماء الإشارة، مبهمة من حيث دلالتها المعجمية، ولا يمكن التواصل بها، إلا إذا عرف مرجعها من داخل النص أو خارجه (بوزغاية، 2007م، ص 227). فهي علاقة معنوية بين ألفاظ معينة وما تشير إليه من أشياء أو معان أو مواقف، تدل عليها عبارات أخرى في السياق، أو ما يدل عليها المقام. وتلك الألفاظ المحلية تعطي معناها عن طريق قصد المتكلم، مثل الضمير، واسم الإشارة، واسم الموصول، ... إلخ، حيث تشير هذه الألفاظ إلى أشياء سابقة أو لاحقة، قصدت عن طريق أخرى أو عبارات أو مواقف لغوية أو غير لغوية (عفيفي، د.ت، ص 9). والإحالة بهذا المفهوم عنصر من عناصر التماسك النصي التي لا يكاد يخلو منها نص؛ لأن المتكلم يجنح دائماً للاختصار في كلامه، فيبتعد عن الإعادة والتكرار، ويحتاج إلى ربط الألفاظ والجمل والعبارات، وربط النص بعضه ببعض، وربطه بالسياق أو المقام، إن احتاج إلى ذلك. تنقسم الإحالة من حيث النوع إلى قسمين: 4ـ1ـ1. الإحالة المقامية )الخارجية) الإحالة المقامية (الخارجية) هي إحالة إلى خارج النص، أي الإحالة لغير المذكور مما هو موجود في المقام الخارجي كأن يحيل ضمير المتكلم المفرد إلى ذات صاحبه المتكلم، فيربط عنصر لغوي إحالي بعنصر إشاري غير لغوي هو ذات المتكلم، ويمكن أن يشير عنصر لغوي إلى المقام ذاته في تفاصيله أو مجملاً، فيمثل كائناً أو مرجعاً موجوداً مستقلاً بنفسه، فهو يمكن أن يحيل إليه المتكلم (الزنّاد، ١٩٩٣م، ص ١١٩). فإنّ الإحالة المقامية، أي الخارجية، لا تساعد في اتساق النصوص بطريقة مباشرة؛ ولكنها تسهم في إيجادها وتشكيلها؛ لأنه تربط اللغة بالسياق، وبالتالي فهي كالسلك الذي يجمع حبات العقد. فإذا انقطع هذا السلك، انفرطت حبات. فتكون هناك صعوبة في فهم النص. يربط هذا النوع من الإحالة اللغةَ بالعالم الخارجي، فتكون أكثر فاعلية وتأثيراً في المتلقي، وهي لا تفسر في ضوء النص وحده، بل في ضوء علاقتها بالعالم الخارجي، وهذا يستدعي العودة إلى ظروف إنتاج النص للوقف على القصد الحقيقي منه؛ لذا فإنّ اجتزاء النص عن ظروف إنتاجه لا يقدم تفسيراً وافياً للمراد منه، وهذا التفسير لا يتجاوز رؤية المفسر التي عكسها عليه والمعنى المعجمي لبنائه الشكلي (النوري، 2020م، ص 375). تعتمد هذه الإحالة على السياق ومقتضى الحال خارج حدود النص. إذا تأمل القارئ في قصيدة أرحْ ركابكْ، يجد ضمير المتكلم المتصل "ي" ورد 13 مرة في النص، وهو يمثل إحالة مقامية تحيل إلى الشاعر نفسه بصفته ذاتاً مرسلة للخطاب. كما يأتي ضمير المتكلم المنفصل "أنا" الذي جاء مستترا في عناصر اتساقية "أدَّعي"، و"أصطادهنَّ"، و"أقتادهُنَّ":
(1975م، ص 525). يأتي ضمير المتكلم بوصفه وسيلة للاستقواء وجلب الصفات القياسية لمصلحة المتكلم أو اللذات الشاعرة من جانب، ومن جانب آخر يأتي بوصفه معادلاً لتعرية النفس وكشف النوايا أمام القارئ، مما يجعله أشد تعلقاً وإليها أبعد تشوقاً (مرتاض، 1998م، ص 185). يرسم الشاعر في هذه الأبيات الشعرية، صورة أرق العشاق وعدم نومهم كلّ الليل أو بعضه قائلاً: إنه لا يتصوّر أن هذا الأرق يغنيهم من جوع؛ ولكنه في المصراع الثاني يحسد عليهم موجّهاً الخطاب إلى من يتحدث مع زميله ليلاً في الحيّ ومنادياً إياه، ويكشف عن ميله الشديد إلى هذا السهر. وفي البيت التالي، يعتبر ساعة السهر بالليل أحلى لحظات حياته في حال إحصائه للجميل اللطيف من عمره. وفي البيت الثالث، يقوم الشاعر بصيد فراشات تمثلت له، وهي في الواقع أحاسيسه وأخيلته في فترة الصبا، وهي بمثابة مصيدة تصيد الشاعر بالنور والحنان والحماية، وأخيراً يقود الشاعر هذه الفراشات (الأحاسيس) إلى الحرب تبرّماً وضيقاً؛ ولكن يزول ما بينه وبينها من خلاف. فقام الشاعر بتفسير وإيضاح هذه الضمائر المحيلة إلى ذاته (أحاسيسه وأخيلته)، وتظهر دلالة النص من خلالها، فتعدّ الضمائر أقوى العناصر التي تكوّن الإحالة المقامية، وشاركت في ربط النص بالمقام الخارجي له. 4ـ1ـ2. الإحالة النصية (الداخلية) تتمثل في إحالة لفظة إلى لفظة أخرى سابقة أو لاحقة داخل النص، أي إنها تركز على العلاقات اللغوية في النص ذاته، وقد تكون بين ضمير وكلمة، أو كلمة وكلمة، أو عبارة وكلمه (الفقي، 2000م، ص ١). تعني هذه الإحالة أنّ طرفيها كليهما في النص، وعلى المتلقي أن يتابع قراءة النص، ويبحث عن المحيل وما أحيل إليه، وتنقسم إلى الإحالة القبلية والبعدية.
4ـ1ـ2ـ1.الإحالة القبلية تسمى بالإحالة القبلية، وذلك حين يحيل عنصر الإحالة إلى عنصر لغوي متقدم. وسمّيت إحالة بالعودة؛ لأنها تعود على مفسّر أو عائد سبق التلفظ به، وفيها يجري تعويض لفظ المفسر الذي كان واجباً أن يظهر، حيث يرد المضمر، وربما كانت هذه الإحالة هي الأكثر شيوعاً في النصوص (زماش، 2015م، ص 30). وردت هذه الإحالة في قصيدة أرحْ ركابكْ، حيث يقول الشاعر:
(1975م، ص 522). هنا، يطلب الشاعر من الطير الذي يرمز إليه في الواقع أن يكون على حذر من عاصفة قوية دفعت النسر أن يثني ما بين خاصرته إلى الضلع الخلف، ولا يطير مخافة السقوط والهلاك. ويشمل البيت إحالة نصية قبلية بالضمير المخاطب الخاص بالمذكر "أنتَ" في فعل "خفِّضْ"، والذي تمّت إحالتها إلى ما سبق "أخا الطير". فالضمير "أنت" أحدث تماسكاً واتساقاً بين الجملتين، كما تجلّت هذه الإحالة بالضمير المتصل الخاص بالمفرد المخاطب "ك" في "جناحيك" الذي أحال إلى "أخا الطير"؛ إذن تمّ استعمال كلمة تشير إلى كلمة أخرى سابقة في النص. تجددت الإحالة النصية القبلية في البيت التالي، حيث يقول الشاعر:
(المصدر نفسه، ص324). يدعو الشاعر في هذا البيت قوى الخير وطلائع النضال أن تستجمع قواها، وتقوم باستئصالال البؤر الاستعمارية الإجرامية، بحيث لا تترك لها أثراً. يكثر الشاعر في هذا البيت من استخدام ضمير المخاطب، قياساً لما بقي من الضمائر ومنها المتكلم؛ وذلك ليمتاز نصه الشعري بالعموم من دون الخصوص، ويكون المخاطب أوسع حجماً في الحوار، كما أنه عاد ضمير "ي" في الأفعال المذكورة أعلاه إلى قوى الخير، وحقّق الشاعر بذلك إحالة نصية قبلية أسهمت في ربط الأبيات الشعرية للقصيدة. 4ـ1ـ2ـ2. الإحالة البعدية الإحالة البعدية هي استعمال لكلمة أو عبارة، تشير إلى كلمة أخرى أو عبارة أخرى، تستعمل لاحقا في النص أو المحادثة (الفقي، 2000م، ص ١). وعلى المتلقي أن يتأمل الموقف خارج النص ليحدد المرجع، سواء كان ضميرا أو اسما. ويحقق هذا النوع من الإحالة إبداعا وجمالاً في النص، لم يكن موجودا في حال ذكره سابقاً لأوانه. وردت هذه الإحالة في قصيدة أرحْ ركابك، حيث يقول الشاعر:
(المصدر نفسه، ص 318). ينادي الشاعر الوطن في الهذا البيت، ويشبهه بالعملاق الذي يدفع العواصف برأسه، في حين تكون رجلاه على لظى سقر كناية عما يعانيه ويكابده الوطن من تقلبات الدهر واستمرار المحن والشدائد. تجلت الإحالة البعدية في البيت عن طريق إحالة الضمير المنفصل "أنت" إلى المحال إليه "مارداً" الذي جاء بعده، ليحقق الربط بين الضمير والمرجع المتأخر عنه. ثمة نموذج آخر للإحالة البعدية يتجلى من خلال اسم الإشارة، حيث يقول الشاعر:
(المصدر نفسه، ص317). يتذكر الشاعر في هذا البيت ذكريات فترة طفولته وصباه، بحيث يتحدث عن شقائق النعمان التي تنتشر حتى اليوم، وهي بمثابة أوعية المسك هزّها المطر عند نزوله، وتفوح منها رائحة عطرة. تتجلى الإحالة النصية البعدية في هذا البيت من خلال إحالة اسم الإشارة "تلكم" إلى المشار إليه "شقائق" الذي جاء بعده، وهو عبارة عن «تي: اسم إشارة، مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، وقد حذفت الياء من "تي" للتقاء الساكنين، واللام للبعد» (سفرآغا، 1999م، ص 54)، "كُمْ" لخطاب جماعة الذكور. «فهم العنصر الإشاري ليس مبنياً على غيره من العناصر اللسانية بسبب ارتباطه بالحقل الإشاري ارتباطاً مباشراً، دون توسط أي عناصر إحالية أخرى، ويشمل العنصر الإشاري على لفظ دال على حدث أو ذات أو موقع ما في الزمان أو المكان وجزء من الملفوظ أو الملفوظ كاملاً. فالمشار إليه إذن لازم الورود (سابقاً أو لاحقاً)، ليجيز وجود المحيل، ويشكلان بنية الإحالة التي تقابل بينهما بصورة ظاهرة أو ضمنية، فيتأسس عليها ترابط النص وانسجامه» (بحيري، 2005م، ص 100 ـ 101). ثمة نموذج آخر لهذه الإحالة البعدية بالعنصر الإشاري في هذه القصيدة، حيث يقول الشاعر:
(المصدر نفسه، ص 316). يقسم الشاعر باللّٰه للتأكيد على صدق قوله عن أكمل خبر عنده يقوم فيه بمبادلة الربح بالضرر، وذلك ما يتعلق بصراع وشيك بين الخير والشر. تمثلت الإحالة البعدية عن طريق اسم الإشارة "ذاك" الذي يحدد ويبين العنصر الإحالي، وذلك بإزالة إبهامه وغموضه. وبناء عليه، يكون حضوره ضرورياً، إما متقدماً أو متأخراً، حتى تتمّ الإحالة إليه، فيلعب دوراً في تماسك النص وترابط أجزائه. 4ـ2. العناصر الإحالية هي قسم من الألفاظ لا تملك دلالة مستقلة، بل تعود على عنصر أو عناصر أخرى مذكورة في أجزاء أخرى من الخطاب. فشرط وجودها هو النص، وهي تقوم على مبدأ التماثل بين ما سبق ذكره في مقام ما وبين ما هو مذكور بعد ذلك في مقام آخر (الزنّاد، 1993م، ص 118). تقوم العناصر الإحالية بوظيفة إبراز المشار إليه وتعيينه من جهة وتعويضه من جهة أخرى. ولا تفهم هذه العناصر إلا إذا ارتبطت بالعنصر الإشاري الذي تعوضه، حيث يدرك المتلقي دلالتها باستحضار ذلك المشار إليه، سواء بما عُهد من معلومات بينه وبين المتكلم أو بوساطة إدراكها حسيّاً. أما بالنسبة للإدراك الحسي، فإنه يتم بواسطة الحواس، كالمشاهدة أو اللمس، أو الإشارة باليد، أو غير ذلك (النوري، 2020م، ص 363). تتحقق الإحالة عن طريق مجموعة من الروابط اللغوية، وهي الضمائر، وأسماء الإشارة، والموصول: 4ـ2ـ1.الضمير الضمير باعتبار الخصائص الدلالية اسم ناقص، يفتقر إلى اسم تام يفسره؛ إذ يقرض للضمير الذي يطابقه ما له من الخصائص الدلالية. وإذا كان الضمير من حيث الصورة الصوتية غير الاسم الظاهر، فإنهما يعدان دلالياً عنصرا واحدا، وتركيبياً متعاقبين على الموقع الواحد، ولا يتراكبان فيه إلا من جهة البدل، بحيث يكون الظاهر مفسراً للضمير، وهو باعتبار أصلي الإفادة والخفة، أقوى من الاسم الظاهر؛ إذ المقصود من وضع الضمير رفع الالتباس (الأوراغي، 2001م، ص 233). للضمائر دور هام في تحقيق التماسك النصي؛ إذ تنوب عن الأسماء والعبارات والجمل، وتعد عنصراً من عناصر الربط النحوي، فهي تربط أجزاء النص بعضها ببعض، فتحدث بذلك انسجاماً وتوازناً بين عناصره، فتسهم الضمائر في إزالة الغموض والإبهام عن العديد من الألفاظ والجمل، وتعد بمثابة الواسطة التي تربط بينها؛ إذ يعد الربط بالضمير بديلاً لإعادة الذكر أيسر من الاستعمال، وأدعى إلى الخفة والاختصار، بل إن الضمير إذا اتصل، فقد أضاف إلى الخفة والاختصار عنصراً ثالثاً، وهو الاقتصار (البطاشي، ٢٠٠٩م، ص ١٦٧). قد قسم علماء اللغة العربية الضمائر إلى قسمين أساسيين: ضمائر وجودية، مثل: أنا، نحن، هو، هي، هم، هن ... إلخ، وضمائر ملكية، مثل كتابي، كتابك، كتابهم، كتابه ... إلخ. تتقسم الضمائر الوجودية والملكية إلى ضمائر المتكلم والمخاطب والغائب، وغالباً ما تكون الإحالة مع هذه الضمائر خارجية مقامية، كاستعمال الضمائر التي تشير إلى المتكلم أو الكاتب أو الضمائر التي تشير إلى المخاطب (خطابي، 1991م، ص ١٨). وردت الإحالة الضميرية في هذه القصيدة خارجية وقبلية وبعدية؛ وبذلك حققت الضمائر التي في الجدول التماسك النصي الذي جعل الأبيات متماسكة مترابطة. وقد حقق الانتقال (العدول) أو الالتفات من ضمائر الخطاب، كما في "أرحْ" في قول الشاعر: "أرحْ ركابك من أيْن ومنْ عثرٍ"، إلى الضمير الغائب في "يحمل" في قول الشاعر:
(1975م، ص 311). فالفعل يحمل فيه ضميراً غائباً، وهذا يتحقق به الالتفات، وله قيمة دلالية وبلاغية، وظفها الشاعر في تكثيف المعنى، مما زاد البيت الشعري تماسكاً وقوة. 4ـ2ـ2. الاستبدال يفجّر الشاعر الإمكانات الدلالية للغة من خلال توظيفه أسلوب الاستبدال، مبرزا علاقات التجانس والمفارقة بين الأشياء، كما يخلق ـ من خلال هذا الأسلوب ـ كثيرا من الطاقات الإيقاعية الموحية (عبد الفتاح، 2017م، ص 53). يعدّ الاستبدال، شأنه في ذلك شأن الإحالة، علاقة اتساق سبكية، إلا أنه أي الاستبدال يختلف عنها في كونه علاقة تتم في المستوى النحوي ـ المعجمي بين كلمات أو عبارات بينما الإحالة علاقة معنوية تقع في المستوى الدلالي (خطابي، 1991م، ص 19). ويسمى التعبير الأول من التعبيرين (المنقول) المستبدل منه، والآخر الذي حل محله المستبدل به. وإذا وقع المستبدل منه والمستبدل به في مواقع نصية متوالية، فإنهما يقعان في علاقة استبدال نحوية بعضها ببعض، ويوجد في حالة الاستبدال النحوي بين المستبدل به والمستبدل منه مطابقة إحالية (فيهفُجر، 2004م، ص ٢٧ ـ ٢٨). قد يعتقد البعض أن عملية الاستبدال عملية صعبة؛ لذا قلّ من عالجها ضمن ما يعالج من أسباب التماسك النصي. يرى الألسنيون أن النظام الاستبدالي لا يمكن أن يكون عفوياً ولا اعتباطياً في الظاهرة اللغوية، وإنما تتميز كل لغة في بنواميس تحدد التصنيفات الممكنة فيها، والتصنيفات غير الممكنة، وتسعى الألسنية إلى تحسس تلك النواميس في كل لغة (المسدي، د.ت، ص ١٣٩ ـ ١٤٠). ينقسم الاستبدال إلى الاسمي، والفعلي، والقولي، كما يلي:
4ـ2ـ2ـ1. الاستبدال الاسمي تستبدل الكلمات (same ones one) في الاستبدال الاسمي من أسماء أخرى متقدمة عليها في النص نفسه، ويقابلها في العربية (الكلمات، واحد، واحدة، آخر، أخرى)، ويمكن أن يكون اسم الإشارة مستبدلاً لعنصر آخر متقدم عليه (خطابي، 1991م، ص 20). ورد هذا النوع من الاستبدال في قصيدة أرحْ ركابك:
(1975م، ص 314). يستعرض الشاعر في هذا البيت حالته النفسية، بحيث يشكو من ألم ناتج عن الشخص الذي يُعاني من ضيق في نفسه. عوض الشاعر الشكل البديل (الضمير المتصل) في "عاصاه" بالعناصر الاسمية المتمثلة في "داء من الضجر". ويعبر هذا الاستبدال الاسمي عن علاقة تتم في المستوى المعجمي بين المفردات، حيث يزيد ذلك من تماسك النص الشعري. يقول الشاعر في بيت آخر:
(المصدر نفسه، ص 314). شبّه الشاعر في المصراع الثاني "السهر" بالشيء الذي يُؤكل، فحذف المشبه به، وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية. فقد استبدل الشاعر كلمة "العشاق" بالضمير المتصل "هم" في يشبعهم، وهذا يدل على تماسك النص الشعري من خلال استبدال الاسم بالضمير المتصل. 4ـ2ـ2ـ2. الاستبدال الفعلي الاستبدال الفعلي هو أن يستبدل فعل محلّ فعل آخر متقدم عليه أو استبدال فعل بفعل آخر بالنص أو الاستعاضة عن ذكر الفعل بلفظة أخرى. كما يقول الجواهري في قصيدة أرحْ ركابك:
(المصدر نفسه، ص 318). فقد استبدل "أصطادهن" بـ"يصطادني" في عجز البيت، حيث إن المعنى يختلف. فالصياد في صدر البيت هو الشاعر، وفي عجزه، ضمير "هو" الغائب، ومرجعه "شرك" الذي يدل على ما تمّ صيده في المصراع الأول. وكذلك قول الشاعر:
(المصدر نفسه). استبدل الشاعر الفعل "أقتاد" بالفعل "يصْطَلن"، وذلك لأن هناك خلافاً في المعنى، حيث إن الفعل الأول "أقتاد" بمعنى يريد أن يأتي بهن إلى حرب، ولكن معناه في الفعل الثاني ينصبن له فخا، مما يجعل للاستبدال وقعا في تماسك النص، وذلك تجنبا للتكرار وجلبا للنفاسة وتفعيل معلومات مشتركة بين الفعل الأول والثاني.
4ـ2ـ2ـ3. الاستبدال القولي يحلّ الاستبدال القولي في عنصر لغوي محل عبارة داخل النص، ويشترط أن يتضمن العنصر المستبدل به محتوى العبارة المستبدل منها، أي إنه استبدال لجملة بكاملها، فتقع أولاً جملة الاستبدال، ثم تقع الكلمة المستبدلة خارج حدود الجملة، مثل: هذا، وتلك و... (خطابي، ١٩٩١م، ص ١٩). قد وقع الاستبدال القولي في قول الشاعر:
(1975م، ص 315). يرسم هذا البيت حدة القلق الذي انتاب الشاعر، وهو كان في غربة عن الوطن. فأشار باسم الإشارة "هذي" إلى صدر البيت: "تندسُّ في النَّشوات الحُمسِ عائذةً"، وهذا ما يجعل النص متماسكا. وكذلك قول الشاعر:
(المصدر نفسه). يذكر الشاعر الموت، عندما يعكّر صفو حياته، ويحول دون استمرار حالة هادئة، فيصور نفسه ومن معه في خضمّ معمعة، يكابدون فيها أقسى ما يأتي إلى المخيلة، فيستبدل باسم الإشارة "ذين" صدر البيت: "ينغِّص العيشَ أنَّ الموتَ يُدركه"، وهذا يدلّ على قوة التماسك النصي الذي حصل باستبدال صدر البيت باسم الإشارة "ذين". 4ـ2ـ3. الحذف الحذف ظاهرة لغوية عامة تشترك فيها اللغات الإنسانية، حيث يميل الناطقون إلى حذف بعض العناصر المكررة في الكلام أو حذف ما قد يمكن للسامع فهمه اعتماداً على القرائن المصاحبة، حالية كانت أو لفظية، كما قد يعتري الحذف بعض عناصر الكلمة الواحدة، فيسقط منها مقطع أو أكثر (حمودة، 1982م، ص 4). إن حالات الحذف كثيرة ومختلفة، منها الحذف لكثرة الكلام، وذلك لتجنب الإطالة. والحذف لوجود قرائن تدلّ على المحذوف والقطع للضرورة الشعرية، أو للتقيد بالقاعدة النحوية وغير ذلك. يشمل الحذف الكلمة المفردة، مثل المبتدأ أو الخبر، وحذف مفعول الفعل المتعدي لمفعولين، والجملة، نحو: جملة جواب الشرط، والحرف، والحركة الإعرابية، وما دون ذلك يعتبر إضماراً لا حذفاً. يمكن تفسير قلة حذف الأفعال بأنّ الشعر بطبيعته يتسم بالحركة، والفعل هو الدال عليها، أي التركيز على الحدث المستفاد من الفعل؛ ولذلك كان حذف الفاعل والمفعول ـ لا سيما إذا كان حذفه اقتصاراً ـ وبقاء الفعل. أمّا الاسم، فيدل على الثبوت والاستمرار. ولمّا كانت مواضع حذف الأسماء والأفعال متفوقة على مواضع حذف الحروف، فذلك راجع إلى أنّ الحروف تسهم بنصيب كبير في الربط، وهو الأمر الذي يؤدي إلى إحداث نوع من التماسك النصي في الجملة؛ ومن ثم في النص كله. أما عندما يسيطر الجانب النفسي على الشاعر، ولا يسعفه الوقت أو الفراغ، فإنه يستغني عن الرابط المادي، ويحذفه (تركي، 2011م، ص 135). ولمّا كان حذف الأفعال يوحي بالتركيز على ما تبقى من عناصر بعد الحذف، فإنه في حذف الأسماء قد يكون المحذوف هو مركز أو محور الاهتمام، كما هو الحال في حذف المبتدأ أو الخبر أو حذف الفاعل بصيانته عن الذكر تشريفاً له أو لعلم المخاطب به أو للإيهام ... إلخ. ولمّا کانت مواضع حذف الأسماء يكمن وراءها غرض مهمّ هو الاتساع في المعنى بالإيجاز والاختصار، كما في حذف المضاف وحذف الموصوف والفاعل وغير ذلك، فإنّ حذف الأفعال أيضا كمُن الإيجاز وراءه، كما في حذف فعل القول وحذف الفعل في سياق العطف (المصدر نفسه). وردت في قصيدة أرح ركابك، جملة من المحذوفات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول الشاعر:
(1975م، ص 311). يخاطب الشاعر في هذا البيت نقسه، ويتساءل هل هو امتطى ظهر ريح مزعزعة يتصورها عوضا عن سرر مريحة، أي هل اختار الحياة الحبلى بالأحداث والشدائد والمحن بدلاً من حياة في أريحية ورفاهية تامة. فحذف المبتدأ المؤخر "أنتَ"، وهذا ما يظهر جلياً بالتدقيق في العبارة المعطوف عليها في البيت السابق "أناشدٌ أنت / أم شابك أنت". وفي البيت التالي، يقول الشاعر:
(المصدر نفسه، ص 316). يطرح الشاعر في هذا البيت سؤالاً يسترعي انتباه القارئ، فيما يخصّ نوعية تفكير الشاعر في الموت. فإلامَ يرقبه ويعرف خير المعرفة بأنه لبالمرصاد لو كان فيه اعتزاز وفخر لكل من يتباهى ويتمدّح بالمناقب والمكارم. حُذف جواب (جزاء) الشرط من المصراع الثاني، باعتبار قرينة دلالية يتمّ استنباطها من المصراع الأول. يقول الشاعر في بيت آخر:
(المصدر نفسه، ص 322). يقسم الشاعر باللّٰه في هذا البيت فيما يخص الاحتفاظ بعزّه وشرفه وعدم بيعه مقابل هوان واحتقار شخص ذي سعة عيش ورفاهية وتنعّم ومن كان شديد المرح متكبّرا حتى وإن رُزق بالدنيا وما فيها بأكمله، حيث كان جواب الشرط محذوفا للاستغناء عنه بجواب القسم: "ما بِعتُ عزّي بذُلِّ المترَف البطِر"، كما أنه إذا اجتمع شرط وقسم حذف جواب المتأخّر منهما لدلالة جواب الأول عليه، ومن أمثلة حذف الحرف، ما ورد في البيت التالي:
(المصدر نفسه، ص 311). يخاطب الشاعر في هذا البيت نفسه، ويتطلّب أن يلين جانبه، ويكون متواضعاً، وفي الوقت نفسه صامداً لا تتزعزع عزيمته بعاصفة من الدواهي والمصائب، وهي من الصعوبة بمكان يثني طائر قوي كالنسر ما بين خاصرتيه إلى الضلع الخلف ولا يطير عند مواجهته لها. يأتي الفعل المضارع المجزوم في عجز البيت "لم يَطِر"، حيث إن الفعل المضارع يكون مرفوعاً بالضمة، إذا لم يسبقه ناصب أو جازم؛ ولكنه سبقته أداة الجزم "لم"، فيكون "يطرْ" مجزوما، وعلامة جزمه حذف حرف الياء، والأصل "يطير". فهذا الحذف يجعل النص متماسكاً. يقول الدسوقي في هذا المضمار: إن الشاعر يلجأ إلى إسقاط بعض عناصر البناء اللغوي، ليوفر لإبداعه حياةً في خيال المتلقي، وهو بذلك يقيم عرى للاتصال بين المتلقي والنص قوية حية، كما يمثل الحذف ـ لي مستوى العمل بصفة عامة ـ إحدى الوسائل التي يستعين بها المبدع لبناء تضافر أسلوبي يعمل على ترابط الدلالة المطرحة وتماسكها ويكون حينئذ الحذف بمثابة نقاط الالتقاء بين صاحب النص والمتلقي (2009م، ص 50). من نماذج هذا الحذف، المسند إليه، كما يقول الشاعر:
(المصدر نفسه، ص 315). يتصدر حذف المسند إليه عن طريق الاستئناف أكثر مظاهر حذف المسند إليه، والتقدير: "هذه سبع"، وتنحصر دلالة الحذف هنا في التعظيم والتفخيم، وهو بهذا الصنيع جعل المسند أول ما تتلقاه عين المتلقي، ليبين أن ذلك الذي قدّمه هو محور الحديث وأنه المعتنى به ليكون المذكور هو بؤرة الدلالة التي ينبني عليها البيت (الدسوقي، 2009م، ص 52). يشير هذا البيت إلى معاناة الشاعر طوال سبع سنوات قضاها خارج وطنه، والظروف القاسية هناك جعلت الشاعر يتوهم أنها سبعون سنة، بينما كان بوده مشاركة أبناء الشعر آلامهم وآمالهم، وتأتي الشكوى في هذا البيت بغية التعبير عن هذا الشعور بالمسؤولية أمام شعبه. 4ـ2ـ4. الوصل (الربط) يعدّ الوصل عنصراً من العناصر الأساسية التي تسهم في تحقيق ترابط النص وتجديد في الطريقة التي يترابط بها اللاحق مع السابق بشكل منتظم (خطابي، ١٩٩١م، ص ٢٣). ووظيفته تقوية الأسباب بين الجمل وجعل المتواليات مترابطة متماسكة باستخدام أدوات تظهر في فضاء النص. يمكن تحديد أشكال الوصل في القصيدة فيما يلي: الوصل الإضافي، أي مجموعة العلاقات بين المساحات السطحية أو بين الأشياء التي في هذه المساحات والصور التي تترابط بأنواع الربط المختلفة، يحسن أن تعد ذات نظام سطحي متشابه (بوجراند، ٢٠٠٧م، ص ٣٤٦). من بين أدوات الوصل الإضافي التي وظفها الجواهري، واكتفى بها، للحفاظ على تماسك النص في قصيدته: "الواو" الدالة على مطلق الجمع، ولا غرابة في هذا. فهي أصل حروف العطف وأم الباب لكثرة استعمالها من جهة، ولما تدخله من دلالات جديدة من جهة أخرى، ولما لها من أهمية بالغة في إحداث التماسك النصي، والاقتصار اللغوي. وقد تكررت الواو مرات كثيرة، وأسهمت في بناء النص، يربط عناصره بعضها ببعض مكوّنة شبكة مترابطة الأطراف. ومن نماذجها في القصيدة: الربط الثنائي بين كلمتين، مثل: "الناب"، و"الظفر"، في قول الشاعر:
(1975م، ص 315). فقد ربط الشاعر بين "الناب" و"الظفر"، بوساطة حرف الربط "الواو"، وهذا يزيد في تماسك النص الشعري. ثمة صورة أخرى للربط تتمثل في الجمل، كما يقول الشاعر:
(المصدر نفسه، ص 317). يستعرض الشاعر في هذا البيت ذكريات طفولته في طرق النجف ورملة الكوفة الناعمة. فقد ربط صدر البيت بعجزه بواسطة "الواو"، وهذا يزيد في تماسك النص الشعري وانسجامه. وقد يكون الربط بأداة العطف "أو"، كما قال الشاعر:
(المصدر نفسه). إن اجتماع شقائق النعمان بألوان البياض والسواد في هذا البيت إلى جانب ريش الطواويس، توحي بروعة وإحساس خارقين لدى الشاعر، عندما يستذكر ذكرياته، وذلك استنادا على القوة التي يتمتع بها زهر شقائق النعمان بما يحويه من ألوان مميزة. والشاعر من خلال هذه الصورة اللونية "بيضاء حمراء"، يقدم دلالات لها عمقها الانفعالي في رسم فضاء صوري عند المتلقي يسترعي انتباهه ويأخذه إلى أحلى فترات حيات الشاعر، وهو يحنّ إليها مغتربا، أي صباه ويفاعته. لقد ربطت "أو" بين "ريش الطواويس" وبين "مَوْشيةُ الحَبَر"، وهذا يدل على التماسك الذي يزيد من رصانة وقوة ومتانة أسلوب الشاعر. كما يكون الربط باداة العطف "أم"، حيث قال الشاعر:
(المصدر نفسه، ص 311). يخاطب الشاعر في هذا البيت، نفسه، ويتساءل هل أنت تطلب الموت وتسأل عنه، مثل من يقتل نفسه عمدا، ويصرّ على إنهاء حياته أو أدخلْتَ يدَك في يد القضاء والقدر، وأنت منخدع. وردت "أم" المعادلة المتصلة، لتربط بين الجملة الاستفهامية الأولى في صدر البيت وبين الجملة الثانية في عجز البيت، ويزيد هذا الربط في تماسك النص الشعري.
التماسك المعجمي، وسيلة لفظية من وسائل التماسك التي تقع بين مفردات النص، وعلى مستوى البنية السطحية فيه، تعمل على الالتحام بين أجزائه معجمياً في ضوء إحكام العلاقات الدلالية القريبة والبعيدة فيه؛ إذ يؤدي ذلك إلى تلازم الأحداث، وتعالقها من بداية النص حتى آخره، مما يحقق للنص نصّيته (الشاوش، 2001م، ص 142). وهو الترابط القائم بين المفردات داخل النص ترابطاً سياقياً ومعجمياً، وهو نوعان: ربط مباشر داخل النص، وربط غير مباشر (إيحائي) داخل النص وخارجه. ونشير إلى ناحية مهمة في التلاحم أو الترابط المعجمي، ألا وهي أن القدرة الوظيفية لكل من المستويين النحوي والدلالي تستند إلى المعجم، أو تضع على عاتقه تحقيق متطلبات كبرى، في مقدمتها وظيفة المحمول، والمدلول في عملية الاختيار. فالشاعر يختار أكثرها دلالة وإيجازاً في التعبير عن تجربته وصياغتها صياغة شعرية؛ لهذا فالدور الجمالي المنوط بالمعجم لا يقلُّ شأنا عن الدور المنوط بالنحو أو الدلالة (شرتح، 2017م، ص 32). يتحقق التماسك المعجمي بواسطة علاقتي التكرار والتضام: 5ـ1. التكرار يعد التكرار صورة من صور التناسق الجمالي بين الظواهر الموسيقية التي تسبغ على النص نوعا من الإيقاع الذي يعبر عن صدى نفس الشاعر وترجيعا لعاطفته ليغني به القصيدة، وليؤكد على الجانب الذي يراه مهما، ويستحق الإعادة والتكرار، فهو الإلحاح على جهة مهمة يعني بها الشاعر. ونقطة الإلحاح هذه تنبثق عن حالة الشاعر النفسية محاولا بها إظهار ما به من حزن وفرح، وهو تناوب لصيغ لغوية في سياق التعبير، ويمارس فيه الشاعر أثراً وظيفياً آخر متعلقاً بالتأثير في المتلقي مع القدرة على نقل المعنى الذي قصده الشاعر (العباد، 2012م، ص 133). يعد التكرار المعجمي مظهراً من مظاهر التماسك المعجمي، ويقتضي إعادة وحدة معجمية ظاهراً أو دلالياً أو بالاثنين معاً. وبهذا، يتحقق التماسك لأجزاء النص. من السمات الواضحة في بناء القصيدة عند الجواهري، أنه يعمد إلى تكرار بعض المفردات أو التراكيب، لتكون مفتاحاً إلى المقاطع الجديدة ووسيلة من وسائل الربط بين تلك المقاطع، حتى أن الشاعر يختار تلك الصيغة عنواناً للقصيدة (غالب، 2009م، ص 28). ومنه قول الشاعر:
(1975م، ص 314). إنّ تكرار "سامر الحي" في كلّ سطر كان بالزيادة. «وفي هذه الزيادة، ضمان لاستمرارية النص، وهو عنصر مولد للاسترسال النصي وتنويع دوالّه، ودفع بالقصيدة لتتحرك نحو السطر الشعري الأخير، وبه يحدث التتابع والصيرورة. وهذا النوع من التكرار يحيلنا على منطق الحكاية الشعبية التي تسترسل في البحث عن عناصرها، والتي تضمن لها الاستمرارية كحكاية ذيل القط المفقود، الذي يدفع بالحكاية إلى التكرار بالتنوع، لكي يستعيد ذيله يحتاج إلى حليب والحليب يحتاج إلى عشب ... إلخ» (يحياوي، 2008م، ص 302). شبّه الشاعر السهر بالشيء الذي يُؤكل. فحذف المشبه به، وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية. تمّ تكرار "يا سامر الحي" عدة مرات. ويدل هذا الأسلوب دلالة قاطعة على أن الشاعر في ضيق ومعاناة. فهو كمن يستنجد بالأحبة والخلان والسمار وبالوطن، مما يعطي لأبيات القصيدة تماسكا واضحا يبين قوة الأبيات الشعرية ومتانتها. يستخدم الجواهري هذا الأسلوب في أبيات أخری، كما يلي:
(1975م، ص 319 ـ 321). عندما يشكل الشاعر كلماته، فهو يستغلّ الخصائص الأخرى لها إلى جانب الخصائص الإشارية. فهو يولي قدرة الكلمات على التناسق اهتماماً ليخلق جملاً إيقاعية وإيحاءات سمعية في ارتباطها بكلمات أخرى، ويستغل في السبيل إلى ذلك التكرار (يحياوي، 2008م، ص 299).
وردت مناجاة"دجلة" بعد العودة من الغربة واستعادة لمناجاتها ومناغاتها، عندما كان الشاعر في منفاه وغربته. فالتكرار في هذه الأبيات أدّى وظائف دلالية محدّدة، وذلك بامتداد عناصر من بداية النص إلى نهايته، سواء كانت العناصر كلمة أو عبارة أو جملة أو فقرة، مما يزيد من التناسق في النص. 5ـ2. التضام علاقة التضام أو المصاحبة المعجمية[5]، هي ورود مفردات معاً على نحو مطرد، أو توارد زوج من الكلمات أو أكثر بالفعل أو بالقوة ترتبط بعلاقة معجمية غير التكرير. وقد تكون هذه المفردات رائزة لدرجة الترابط الذي هيمنت عليه مقصدية المتكلم وأوضاع المخاطب ومقتضيات الحال وجنس الخطاب؛ إذ غالبا ما يفرض إلحاح المتكلم على قضية ما أن تتداعى وحداته المعجمية (فجال، 2009م، ص 56). فهو الاجتماع، أي اجتماع الشيء مع الشيء، وهو لا يبتعد كثيراً عن دلالة التماسك والترابط بين الشيئين، وهو بهذا لا يبتعد كثيراً عن معناه في الاصطلاح اللساني الحديث؛ إذ عرفه اللسانيون بأنه ما استلزم عنصرين لغويين أو أكثر استلزاماً ضرورياً أو هو الترابط الأفقي الطبيعي ما بين الكلمات أو رفقة الكلمة أو جيرتها لكلمات أخرى في السياق الطبيعي نحو "أهلاً وسهلاً". وبهذا، فإن التضام وسيلة من وسائل تيسير طول الكلام (حمد، 2017م، ص 156). من أمثلة التضام في هذه القصيدة، يقول الشاعر:
(1975م، ص 315). يدل البيت على التضام في قول الشاعر وفي عجز البيت "يشكى من الطول أو يشكى من القصر"، حيث شبه الجواهري العمر بالليل، وهذا تشبيه مجمل، حيث أبقى على المشبه، وهو العمر، وأداة التشبيه الكاف، والمشبه به الليل؛ ولكنه حذف وجه الشبه. إذن تسير علاقة التضام في هذا البيت في اتجاه التقابل أو التباين بين "الطول / القِصر". وفي بيت آخر، يأتي الشاعر بتضام ذي علاقة التباين، حيث يقول:
(المصدر نفسه، ص 311). يشبّه الشاعر نفسه في هذا البيت بالطير الذي يكثر الورود في المياه المختلفة، ثم يصدر (يرجع) عنها، ويأنس بأعشاش كثيرة على أشجار عدة. فيكون اللفظان "وِرْدٍ / صَدَرٍ" متخالفين. وهكذا يتم الربط بين أجزاء الكلام، عند توارد زوج من الكلمات نظرا لارتباطهما بحكم العلاقة القائمة بينهما. ولعلّ من أبرز نماذج التضام في قصيدة أرحْ ركابك، هو البيت الذي يقول الشاعر فيه:
(المصدر نفسه، ص 313). يتمثل التضام في هذا البيت بعلاقة التباين، حيث يكون اللفظان: "قيظ" و"انثلاج" متخالفين. وفي الوقت نفسه، يتجلى التضام في ألفاظ "الشمس" / "القمر"، و"الليل" / "السحر"، بعلاقة التلازم الذكري. وهو معروف عند القدامى بمراعاة النظير، وهو أن تجمع في الكلام بين أمر وما يناسبه لا بالتضاد؛ لأن هناك بعض المتصاحبات لا يمكن ربطها دلالياً في ضوء العلاقات الدلالية داخل الحقل، وإنما هي مفردات إذا ذُكرت استدعت مصاحبها دون وجود رابط لها، إنما يحكمها الإلف والعادة والمنطق والإطار العام الذي يحيط بها عند الجماعة اللغوية (القزويني، 1403ﻫ، ص 488). ففي المثال السابق، ذكر "الشمس" يستدعي "القمر"، وذكر "الليل" يستدعي "السحر". «تقوم علاقة التضام على فكرة العلاقات الدلالية بين الألفاظ وما يربطها مع بعضها من توافق أو توارد أو تضاد، مما يفضي إلى شدة النص وربطه دلالياً وجذب أطرافه» (الداود، 1440ﻫ، ص 62)، كما أن كلمة "الشمس" في الشاهد الشعري أعلاه تكون من أكثر المفردات استخداماً في مصادر النور، ويتعامل معها الجواهري على أساس وظيفتها المعجمية، وأنها نجم مضيء تدور حوله الأرض؛ لكن "القمر" هو الذي يكشف الظلام ويطرده. فجاء الشاعر بصورة بصرية للقمر؛ إذ يدل ظهوره على الأنس والطمأنينة.
الخاتمة توصل المقال إلى نتائج منها: ـ كان الجواهري شاعراً عاش في غربة عن الوطن، مما جعله يزداد حنيناً وشوقاً إلى لقاء الأحبة والسمار، وأكثر من قول حرف النداء (الياء) مناديا سمار الحي وأماكن اللعب واللهو التي كان يمارسها في صغره على ضفاف نهر الفرات. استعمل الشاعر في قصيدة أرحْ ركابك، وسائل وأدوات إحالية مختلفة أسهمت في اتساق وحداته النصية وانتظام العناصر المكونة لها، فجعلت منها نسيجاً متماسك الوحدات والأطراف، وذلك يربط بنياته النصية بسابقتها أو لاحقتها أو يربطها بالمحيط الخارجي الذي قيلت فيه. ـ تكشف لغة قصيدة أرحْ ركابكْ عن أن الجواهري يمتلك التعبير وأدوات الترابط والتماسك النصي. ويتضح هذا جليّاً في تركيز الشاعر على أشكال الإحالة والاستبدال وأثرهما على المعاني الواردة في القصيدة، كما أن التماسك النصي يحيل القارئ إلى العلاقات المعنوية القائمة داخل النص، والتي تكوّن البنية الكلية له بغية إيصال رسالة النص إلى المتلقي. ـ إن الانسجام في اختيار الجواهري للمفردات في محلّها المناسب من صياغة الشعر، يتسبّب في تكوين قيمة جمالية في النص الشعري، وهو التماسك الذي تجلى في الإطار المعجمي والسياقي لقصيدة أرحْ ركابكْ، ما يؤدي إلى تفاعل القارئ مع مشهد الحنين إلى الوطن والعودة إليه، كما ترتّب على هذا التماسك، تفاعل العناصر النصية وظهور الترابط المعجمي والنحوي والدلالي في هذه القصيدة. ـ يعنى التماسك النصي المعجمي في قصيدة أرحْ ركابكْ، بدراسة الوحدة اللسانية وعلاقتها بغيرها من الوحدات اللسانية الأخرى في السياق الداخلي للنص، وذلك من خلال التكرار والتضام. كما أنّ الإحالة الداخلية والخارجية شغلت مساحة واسعة ودورا بارزا في تماسك القصيدة. فالشاعر يهدف من وراء الإحالة إلى إخبار القارئ بأنه يعظّم المُحال إليه، ويرفع قدره، ويتسبب في أن يفكر في الموقف خارج النص، عندما تكون الإحالة مقامية أو خارجية، ويتأملّه داخل النص، حينما تكون داخلية، وذلك بغية تحديد مرجعه. فأسهمت الإحالة بشقيها في الاستمرارية الدلالية في قصيدة أرحْ ركابكْ، وتربط اللغة بسياق المقام في النص الشعري. ـ شغل الوصل أو الربط حيزاً واسعاً في تماسك القصيدة لاسيما وقد تعددت أدواته، فهو تارة يربط كلمة بأخرى، وتارةً جملة بأخرى، كما أن الشاعر ركز على ضمائر الغائب والمخاطب في هذه القصيدة، للتعبير عن الفكرة الأساسية للنص، وما يترتب عليه من زيادة الترابط والتماسك؛ لكن بالنسبة إلى الحذف، فاستطاع الشاعر أن يضيف من خلاله أبعادا دلالية إلى الدلالة الأصلية. وتبين من خلال إمعان النظر في هذه القصيدة، أن حذف الحروف تفوق على حذف الأسماء والأفعال، كما أن الحذف لعب دوراً محورياً في تحقيق الاقتصاد اللغوي والربط بين البنية السطحية والبنية العميقة للنص الشعري. ـ استطاع الشاعر من خلال أسلوب التكرار، باعتباره أسلوباً لغوياً، يسهم في تجسيد الدلالة المتصلة بمسار تجربته الشعرية وظفه؛ لأنه مهم في تجسيد الدلالة، أن يعبر عن رؤاه الشعرية حول الواقع الاجتماعي والإنساني. فجاء تكراره ملائماً لتجربة القصيدة وواقعيتها إلى جانب تثبيت المعنى في ذهن المتلقي وتذكيره بالأفكار والأحداث والشخصيات الواردة في النص، كما أنه استخدم التضام في إطار توارد زوج من الكلمات مرتبطين بعلاقة ما بغية تعزيز تماسك النص وترابطه من حيث المعاني والنسيج اللغوي.
[2] .Halliday [3]. Ruqaiya Hasan [4]. Van Dyke [5]. Collocation | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أمين مقدسي، أبو الحسن؛ وعدنان طهماسبي، وعبد الوحيد نويدي. (2017م). «الموسيقى الخارجية لعينية محمد مهدي الجواهري في رثاء الحسين عليه السلام». مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية. ع 31. ص 118 ـ 128. الأوراغي، محمد. (2001م). الوسائط اللغوية: أفول اللسانيات الكلية. الرباط: دار الأمان للنشر والتوزيع. بحيري، سعيد حسن. (2005م). دراسات لغوية وتطبيقية في العلاقة بين البنية والدلالة. القاهرة: مكتبة الآداب. البطاشي، خليل بن ياسر. (2009م). الترابط النصي في ضوء التحليل اللساني للخطاب. عمان: دار جرير. بوزغاية، رزيق. (2006م). ورقات في لسانيات النص. باتنة: دار المثقف للنشر والتوزيع تركي، فايز صبحي عبد السلام. (2011م). الحذف التركيبي وعلاقته بالنَّظم والدلالة بين النظرية والتطبيق. بيروت: دار الكتب العلمية. الجواهري، محمد مهدي. (1975م). ديوان الجواهري. جمع وتحقيق إبراهيم السامرائي، ومهدي المخزومي، وعلي جواد الطاهر، ورشيد بكتاش. بغداد: مطبعة الأديب البغدادية. حصرية، فلك. (2020م). «محمد مهدي الجواهري 1899ـ 1997 صنَّاجة الشعر وعملاقه بلا منازع». الموقف الأدبي. ج 49. ع 591. ص 35 ـ 40. حمد، عبد اللّٰه خضر. (2017م). لسانيات النص القرآني: دراسة تطبيقية في الترابط النصي. بيروت: دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع. حمودة، طاهر سلیمان. (1982م). ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي. الإسکندریة: الدار الجامعیة. خطابي، محمد. (1991م). لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي. خلف، جلال عبد اللّٰه. (2015م). أنماط الصراع السیاسي والتطور الإبداعي في شعر الجواهري (1917 ـ 1963). عمان: دار غیداء للنشر والتوزیع. الخلیل، سمیر کاظم؛ وآخرون. (2011م). الأدب والنصوص للصف السادس العلمي. ط 3. بغددا: المدیریة العامة للمناهنج. المرکز التقني لأعمال ما قبل الطباعة التابع لوزارة التربیة. الخير، هاني. (2010م). موسوعة أعلام الشعر العربي الحديث. دمشق: دار مؤسسة رسلان للطباعة والنشر والتوزيع. الداود، أماني بنت عبد العزيز. (1440ﻫ). «التماسك النصي في القصص النبوي: حديث الأبرص والأقرع والأعمى نموذجا». الدراسات اللغوية. مج 21. ع 3. ص 5 ـ 74. دربال، فلة. (2014م). التماسك النصي في شعر خليل مطران نماذج مختارة. رسالة الماجستير. جامعة العربط بن مهيدي أم البواقي. کلیة الآداب واللغات. الدسوقي، عمر. (2009م). البنية اللغوية في النص الشعري: درس تطبيقي في ضوء علم الأسلوب. كفر الشيخ: العلم والإيمان للنشر والتوزيع. روابحية، حدة. (2015م). «آليات التماسك النصي في قصيدة المآب لإبراهيم ناجي». مجلة حوليات جامعة قالمة للغات والآداب، مج 9. ع 3. ص 189 ـ 208. زماش، مصطفى. (2015م). الإحالة في "ديوان الجزائر" لسليمان العيسي: دراسة نصية. رسالة الماجستير. جامعة محمد خيضر بسكرة. کلیة الآداب واللغات. الزنّاد، الأزهر. (1993م). نسيج النص، بحث فيما يكون به الملفوظ نصا. بيروت: المركز الثقافي العربي. سفرآغا، عمر توفيق. (1999م). المعجم في الإعراب. الدار البيضاء: دار المعرفة. الشاوش، محمد. (2001م). أصول تحليل الخطاب في النظرية النحوية العربية تأسيس نحو النص الجزء الأول. تونس: المؤسسة العربية للتوزيع. شرتح، عصام عبد السلام. (2017م). جمالية الخطاب الشعري عند بدوي الجبل. عمان: دار الخليج للصحافة والنشر. شهاب، راد سالم سرحان. (2013م). «أثر الغربة والاغتراب في شعر الجاوهري». التقني. مج 26. ع 6. ص 107 ـ 127. صالح، علي عزيز. (2011م). شعرية النص عند الجواهري (الإيقاع والمضمون واللغة). بيروت: دار الكتب العلمية. العباد، ميثم. (2012م). بنية التكرار في شعر محمد صابر عبيد، ضمن كتاب النافذة والريح، إضاءات في تجربة محمد صابر عبيد الإبداعية. إعداد وتقديم محمد صالح رشيد الحافظ. دمشق: تموز للطباعة والنشر والتوزيع. عبد الفتاح، كاميليا. (2017م). خصائص التشكيل الفني في القصيدة العربية المعاصرة: دراسة تحليلية في أساليب الأداء اللغوي وأنواع الصورة الشعرية وأنماط القناع. الإسكندرية: دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر. عطیة، لواء عبد الحسن. (2018م). «الحبْك في المقـامة البغداديّـة: دراسة تطبيقية في ضوء اللسانيات النـصـيـة». الباحث. مج 20. ع 1. ص 269 ـ 285. عفيفي، أحمد. (د.ت). الإحالة في نحو النص. القاهرة: كلية دار العلوم. جامعة القاهرة. العمايرة، حنان إبراهيم. (2018م). «التماسك والاتساق النصي في قصيدة الورقة الاخيرة للشاعر (أمل دنقل)». مجلة الجامعة الاسلامية للبحوث الإنسانية. مج 26. ع 2. ص 240 ـ 262. غالب، علي ناصر. (2009م). لغة الشعر عند الجواهري. عمان: دار الحامد للنشر والتوزيع. فان دايك، تون أ. (2001م). علم النص مدخل متداخل الاختصاصات. ترجمة وتعليق سعيد حسن بحيري. القاهرة: دار القاهرة للكتاب. فجال، أنس بن محمود. (2009م). الإحالة وأثرها في تماسك النص القرآني. أطروحة الدكتوراه. جامعة صنعاء. كلية اللغات. الفقي، صبحي إبراهيم. (2000م). علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: دراسة تطبيقية على السور المكية. القاهرة: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع. فیصل، محمد. (2006م). «التماسك النصي وعلاقته بالنص القرآني: دراسة نظرية في ضوء التراث النقدي والبلاغي». مجلة العلوم الإنسانية والدينية. مج 1. ع 2. ص 1 ـ 26. فيهفُجر، فولفانج هاينة مان ديتر. (2004م). مدخل إلي علم لغة النص. ترجمة سعيد حسن البحيري. القاهرة: مطبعة زهراء الشرق. القزويني، أبو عبد اللّٰه. (1403ﻫ). الإيضاح. تحقيق محمد عبد المنعم خفاجة. ط 5. بيروت: دار الكتاب اللبناني. مرتاض، عبد الملك. (1998م). نظرية الرواية. بيروت: عالم المعرفة. المسدي، عبد السلام. (د.ت). الأسلوب والأسلوبية. ط 3. بيروت: الدار العربية للكتاب. النوري، محمد جواد. (2020م). لسانيات النص وتحليل الخطاب. بيروت: دار الكتب العلمية.
ب. الإنجليزية حسن Hasan, Ruqaya. (1986). Gramatical cohesion in spoken and written English. London: university of London.
ج. المواقع الإلکترونیة الجصاني، رواء. (20/3/2013م). كفاه جيلان محمولاً على خطر ... حين أراد الجـواهـري أن يُريح ركابه!! https://www.akhbaar.org/home/2013/3/144070.html
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 100 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 65 |