تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,639 |
تعداد مقالات | 13,334 |
تعداد مشاهده مقاله | 29,924,696 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 11,971,314 |
تحليل الاستعارة الاتجاهية (فوق ـ تحت) في رواية فرانكشتاين في بغداد لأحمد السعداوي | |||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||
دوره 16، شماره 30، تیر 2024، صفحه 121-140 اصل مقاله (1.67 M) | |||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2024.140022.1493 | |||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||
امیر ایران پژوهی1؛ علي قهرماني* 2؛ عبدالاحد غیبی3؛ حسن اسماعيل زاده2 | |||||||||||||||
1طالب الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشهيد مدني بأذربيجان، تبريز، إيران | |||||||||||||||
2أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشهيد مدني بأذربيجان، تبريز، إيران | |||||||||||||||
3أستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشهيد مدني بأذربيجان، تبريز، إيران | |||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||
يعتبر علماء اللغة المعرفيون، مثل لايكوف وجونسون، الاستعارة ليس كحرفة أدبية؛ ولكن كأداة مناسبة لكيفية التفكير والإشارة إليها على أنها استعارة مفهومیة. من الأنواع المهمة من الاستعارة المفهومیة هي الاستعارة الاتجاهية، ولها دور مهم في نقل الدلالات الثقافیة والتعبير عن موضوعات مجردة في شكل أحاسيس وتجارب مادية. يتناول هذا المقال الاستعارة الاتجاهية (فوق ـ تحت) في رواية فرانكشتاين في بغداد، بطريقة وصفية ـ تحليلية. على الرغم من أن التخطيط (فوق ـ تحت) في الرواية، يستخدم في الغالب للتعبير عن الحالات الفيزيائية الطبيعية، إلا أن المؤلف في بعض الحالات يشير أيضا إلى نيته باستخدام التغريب والانزیاح واستخدام الاستعارات المضمونیة. في هذه الرواية، يتم استخدام استعارة اتجاهية (فوق) مع موضوع الهيمنة، والقوة، والصحة، والسعادة، والحياة، والجبر، والوفرة، والعقلانية، والإيمان، والفهم، والفرج، والأمل، والمكانة الاجتماعية الجيدة، والمعرفة، والدفء، والفخر. ومن ناحية أخرى، فقد ذكر المؤلف ضمن الاستعارات الاتجاهیة (تحت)، وهو ما يعني السيطرة، والضعف والعجز، والمرض، والحزن، وما إلى ذلك. وقد تصور المؤلف الحالة المادية لهذه المواضيع، ولإدخالها في ذهن المخاطب، استخدم كلمات، مثل "فوق"، و"علی"، و"تحت"، وأیضا الأفعال الماضية والمضارعة. استخدم المؤلف المواقع الفیزیائیة والجسدية للإنسان في العالم والتجارب الموضوعية له حتی یشیر إلی المیزات الثقافیة والفکریة ودلالاتها التي تحملها هذه الاستعارات. بعبارة أخری، فهو باستخدامه لهذه الاستعارات، أعطی الکلمات معاني جدیدة وجعل لبیانه قوة تمیزه عن سائر الکلام. | |||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||
الدلالات المعرفية؛ الاستعارة المفهومیة؛ الاستعارة الاتجاهية؛ أحمد السعداوي؛ فرانكشتاين في بغداد | |||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||
اللغة، باعتبارها سمة مميزة للإنسان عن الحيوان، تعتبر منذ زمن طويل موضوعا فكريا وفلسفيا، وكانت دائما محط اهتمام العلماء والباحثين؛ إذ إن الاهتمام بمعرفة اللغة أدى إلى تكوين معرفة لغوية لفحص اللغة بطريقة متخصصة وعلمية. ومن ناحية أخرى، «یری الباحثون في العلوم المعرفية أن للغة أهمية كبيرة، ويعتبرونها بابا للدخول إلى الذهن. ووفقا لهم، فإن اللغة هي واحدة من أعلى مظاهر العقل، الذي هو نتاج المعرفة وعملية معرفية في حد ذاتها؛ ولذلك فإن علم اللغة المعرفية، باعتباره المدرسة التي تعتبر أسلوب اللغة وتعلمها واستخدامها هو أفضل مرجع يمكن استخدامه لتفسير الإدراك الإنساني، له مكانة خاصة في العلوم المعرفية» (نورمحمدى، 1387ﻫ.ش، ص 2). ومن المواضيع التي اهتمّ الباحثون بها في العلوم المعرفية اهتماما خاصا، هو موضوع الاستعارة. «تأتي کلمة metaphor استعارة من الکلمة الیونانیة metaphora المشتقّة من meta التي تعني ove إلی الجانب الآخر، والفعل pherein أن یَحمل to carry. إنها تشیر إلی سلسلة من العملیات اللغویة التي عبرها تنتقل أو تتحوّل أوجه شيء ما إلی شيء آخر، وعلیه فإنّ الشيء الثاني یُتحدّث عنه، کما لو کان هو الشيء الأول» (هوکس، 2016م، ص 11). في الزمن الماضي، كانت الاستعارة تُستخدم فقط في أدب الشعر والنثر، والأعمال الأدبية كالتشبيه والتمثیل. عند النظر في النهج الجديد للاستعارات، يمكن إثبات أن مجال الاستعارة لا يقتصر على المسائل البلاغية، ويستخدم عدد کثیر منها في اللغة اليومية علی شکل يمكن القول إن نظامنا المفاهيمي اليومي له طبيعة استعاریة. وهذا يعني أنه يمكن إثبات أن لغتنا اليومية مليئة بالمفاهيم الاستعاریة. ومن المستحيل أن تجد متحدثًا لا يستخدم هذه المفاهيم في لغته. «لیست الاستعارة مظهراً من مظاهر لغة الشعر فحسب، بل أصبحت مظهراً واضحاً وظاهرة ملموسة في اللغة العادیة؛ والدلیل إلی ذلك شیوع الاستعارة بین النّاس في لغة الحیاة الیومیة، حیث نسمعها في کلام الناس، دون إدراك منهم أو قصد إلی ذلك؛ لذلك لم یقتصر الاهتمام بموضوع الاستعارة في الدراسات المعاصرة، سواء منها العربیة أو الغربیة علی تناول البلاغیین التقلیدین لها ونهجهم في دراستها، بل تعداهم إلی الفلاسفة وعلماء النفس وعلماء اللغة. فقد أنتج هؤلاء بحوثاً عمیقة في الاستعارة کل حسب حقله الذي یعمل فیه» (شبایك، 2005م، ص 3). «إن ثمة نوعا آخر من الاستعارة، وهو ما اصطلح علیه باسم الاستعارة المیتة، وهنا ینعدم شعور الإنسان بوجود الاستعارة، کقولنا "غرق أحمد في التفکیر"، فالفعل "غرق" استعارة میتة، ذلك أنه علی الرغم من معرفتنا أن التفکیر لیس بحرا، یمکن الغرق فیه، إلا أننا لا نتوقف کثیرا عنده ولا یدهشنا، کما هو شأن الاستعارات المبدعة؛ والسبب یکمن کما تری الرؤیة التقلیدیة في أن هذه الاستعارات شاعت بین الناس إلی أن بلغت حدا أصبح فیه الإنسان لا یشعر بوجودها أو بکونها استعارة» (الحراصي، 2002م، ص 18). «في النزعة الجديدة والمعاصرة، تعد الاستعارة أداة تستخدم على جميع مستويات اللغة خاصة المستويين البلاغي والأدبي وفي جميع جوانب الكلام تقريبا. تتجلی هذه الأهمية أكثر فأکثر مع المنهج المعرفي ونظرية الاستعارة المعاصرة. في النظرية المعاصرة، تم التأكيد على أن المفاهيم التجریدیة لها بنية استعاریة وقد لا تنكشف هذه الاستعارات على مستوى اللغة؛ لكنها تحكم المفاهيم على أية حال. والاستعارة بمعناها المعرفي تكون مساعدة على فهم المفاهيم المجردة» (امینی، 1394ﻫ.ش، ص 3).
«بقدر ما تشیع الاستعارة الجدیدة، بقدر ما یُعد وقوعها نادراً مقارنة مع الاستعارة العُرفیة التي تقع في معظم الجمل التي نتلفظها. إن نسقنا الاستعاري الیومي، الذي نستخدمه لنفهم مفاهیم شائعة شیوع الزمن والوضع والتغیر والسبب والغرض وسواها فعّال بصورة مستمرة، ومستخدم إلی أقصی حد في تأویل الاستخدامات الاستعاریة الجدیدة للغة. إن المشکل مع کل الأبحاث القدیمة حول الاستعارة الجدیدة هو أنها أغفلت تماماً الإسهام الأساسي الذي یلعقه النسق العُرفي» (لایکوف، 2014م، ص 67). «لقد دفعتنا العرفانیة إلی الخروج عن النمط الکلاسیکي في فهم الاستعارة کعملیة لغویة، تحوي عدداً من المحسنات اللفظیة؛ وما قاله الفلاسفة عنها، فقالت: إن الاستعارة عملیة مفهومیة، تقوم علی تصور الأشیاء ببناء صورة لها في الذهن؛ لذا سمیت النظریة المتطور عنها بنظریة المزج المفهومي أو نظریة الاستعارة المفهومیة» (أحمد، 2023م، ص 11). وفي مجال اللغويات المعرفية، عندما نبحث عن الاستعارة المضمونیة، لا بدّ لنا أن نهتمّ بأفکار مارك جونسون[1] الفيلسوف، وجورج لایكوف[2] اللغوي المعرفي. وقد غيّر هذان العالمان مفهوم الاستعارة من خلال تقديم مجموعة نظرياتهما في كتاب بعنوان الاستعارات التي نعيش بها؛ بينما اعتبرت الاستعارة عنصراً جمالياً في نظر الفلاسفة والمنطق والبلاغة. قد أثبت هذان العالمان أن الاستعارة لا تتعلق بالجزء الزخرفي من الکلام، بل هو عنصر لغوي وجزء من الإدراك والتفكير الإنساني الذي نعيشه مع مثل هذه الاستعارات (فتوحى، 1395ﻫ.ش، ص 324). رأی لايكوف وجونسون أن «المفاهيم التي تحكم تفكيرنا لا تشمل الأمور الفكرية فحسب، بل تشمل أيضا أفعالنا اليومية حتى تفاصيلها البسیطة. إن بنية التصورات والطريقة التي نتعامل ونتفاعل بها مع العالم والآخرین تتشكل من خلال هذه المفاهيم العقلية؛ لذلك يلعب نظامنا المفاهيمي دورا أساسيا في تحديد الحقائق اليومية. وإذا قبلنا حقيقة هذا الادعاء، فيجب علينا أن نقبل أن طريقة التفكير والتجارب وأفعالنا اليومية مرتبطة بالاستعارات» (هاشمى، 1389ﻫ.ش، ص 123). لقد قسم لايكوف وجونسون الاستعارة إلى ثلاثة أنواع: الاستعارات البنيوية، والأنطولوجیة، والاتجاهية. استنادا إلى موضوعات الدلالات المعرفية، يتناول هذا المقال الاستعارة الاتجاهية في رواية فرانكشتاين في بغداد، للكاتب أحمد السعداوي (1973م)، شاعر وروائي من عراق. ومن خلال دراسة الاستعارات الاتجاهية (فوق ـ تحت)، نهدف إلى فحص النص، من حیث هذا النوع من الاستعارات والتعمق في الموضوعات المجردة التي اتخذها المؤلف وجهة نظر مادية لها. فلهذا، تحاول هذه الدراسة الإجابة عن السؤالین التالیین: ـ ما المخططات المستخدمة في إطار الاستعارة الاتجاهیة (فوق ـ تحت) في روایة فرانکشتاین في بغداد؟ ـ هل يكون للمجتمع والثقافة والبیئة تأثیر علی أفکار المؤلّف في خلق هذه الاستعارات أم لا؟ 1ـ1. خلفیة البحثلقد تم إجراء العديد من الأبحاث حول الاستعارة الاتجاهية، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع هذا المقال. يمكن ذكر ما يلي:دراسة استعارههای جهتی قرآن با رویکرد شناختی (= الاستعارات الاتجاهیة للقرآن بمنهج معرفي دلالي)، لِعالية كرد زعفرانلو كمبوزيا وخديجة حاجيان منشور في مجلة نقد ادبى (1389ﻫ.ش). في هذه الدراسة، قد تم استكشاف القرآن الكريم من حيث الاستعارات الاتجاهية (فوق ـ تحت)، و(خلف ـ أمام)، و(يمين ـ يسار)، و(داخل ـ خارج)، و(هامش ـ مركز).أشار حسين ايمانيان وزهره نادرى في مقالتهما المعنونة باستعارههای جهتی نهج البلاغه از بعد شناختی (= استعارات نهج البلاغة الاتجاهية من البعد المعرفي)، التي نشرت في مجلة نهج البلاغة (1392ﻫ.ش)، إلى أن استعارات نهج البلاغة عادة ما تثير اتجاهات المركز والداخل والفوق، فكرة أو قيمة التفوق مقارنة بالاتجاهات الهامشیة والخارج والتحت، وتوصلا إلى أن النظر إلى استعارات نهج البلاغة يساعد القارئ على فهم غرض المتكلم وفكره. ومقالة بررسی استعارۀ جهتی واژۀ حیات در قرآن، بر اساس نظریۀ استعاره مفهومی (= دراسة الاستعارة الاتجاهية لكلمة الحياة في القرآن على أساس نظرية الاستعارة المفهومیة)، لحسين ذکائي وزميليه، منشورة في مجلة مطالعات قرآنی وفرهنگ اسلامی (1398ﻫ.ش)، حيث تأکّد المؤلفون من أنهم في القرآن الكريم قد وصلوا حول كلمة "الحياة" إلى الاستعارات الاتجاهیة (فوق، تحت وقريب)؛ ولكن لم یشاهدوا استخدام الاستعارة الاتجاهیة (بعید) بالنسبة لكلمة "الحياة". ومقالة ارزیابی فاصله روایی در رمان "فرانکشتاین في بغداد" احمد سعداوی (= تقييم المسافة السردیة في روایة فرانکشتاین في بغداد لأحمد سعداوي)، لمهین حاجىزاده وصدیقه حسینى، منشورة في فصلیّة لسان مبین (1398ﻫ.ش)، حيث أشار المؤلفان إلى أنّ هذه الروایة تعدّ واحدة من روایات العالم العربی البارزة التي نری فیها کلاما داخلیاً للشخصیات، وهو عبارة عن الکلام الحر غیر المباشر والحرکة العمودیة في الروایة؛ إذ يؤدّیان إلی تعمیق الشخصیات وعملیة هذه الروایة ويؤثّران علی المسافة بین السرد والحکایة. توصلت طاهره چال دره وزملاؤها في مقالهم المعنون بکارکرد ایدئولوژیك استعاره جهتی در دفتر شعری "معرکة بلا رایَة" اثر غازی القصیبی (= الوظيفة العقائدية للاستعارة الاتجاهية في ديوان شعر غازي القصيبي)، منشور في مجلة نقد ادبى عربى معاصر (1400ﻫ.ش)، أن الشاعر يستخدم الاستعارات الاتجاهية للتعبير عن مفاهيم، مثل الانحطاط الاجتماعي والتمجيد، والأهداف السياسية والاجتماعية خاصة القضايا المتعلقة بفئة المقاومة الفلسطينية، وأغراض أسلوبية أخرى، مثل الربط بين العناصر الشعرية وتكثيف الصورة البصرية واستقراء المفاهيم الرومانسية. ومقالة خوانش دیستوپیایی رمان فرانکشتاین في بغداد بر اساس اصلاحات مرتن بر دیدگاه کارکردگرایی ساختاری (= القراءة الدیستوبیة لروایة فرانکشتاین في بغداد علی أساس إصلاحات میرتون علی نظریة البنائیة الوظیفیة)، لفرهاد رجبى وزميليه، منشورة في فصلية نقد ادب معاصر عربی (1400ﻫ.ش)، حيث أشاروا إلى أنّ "الشسمه" أي الشخصیة الرّئیسة للروایة، رمز لنظام وظی في یهدف إلی إنشاء أیدولوجیة مثالیة لا یوجد فیها اغتیال وتحکم علی أساس العدالة للضحایا. فوفقا لانتقادات میرتون للوظیفة، تم فحص أسباب فشل المخطط الیوتوبیا لـ"الشسمه" وتحویلها إلی "الدیستوبیا". بحث آخر بعنوان إستراتیجیة أحمد السعداوي في روایة فرانکشتاین في بغداد علی ضوء منهج فیرکلاف، لعلى خالقى وعاطي عبیات، منشور في مجلة دراسات في السردانیة العربیة (2022م)، حيث یستنتج المؤلفان أنّ الوصف في بنیة نصّ الروایة یرکّز علی عنصر التکرار، وأن مستوی الشرح ینحصر في إیدئولوجیا التي تدور أحداث الروایة في إحدی أحیاء بغداد القدیمة بحيّ البتاون، ومن جهة التفسیر تلعب العاطفة في هذه الروایة دوراً إیجابیاً، حیث تحدث الوقائع المشمئزة من إنفجار أو سائر الحملات الإرهابیة. بحسب البحث الذي أجري في إطار الاستعارة المفهومیة خاصة الاستعارة الاتجاهية، لم يتم بحث في إطار موضوع الاستعارة الاتجاهية بالنسبة لرواية فرانكشتاين في بغداد للكاتب أحمد السعداوي. فلهذا، يمكن أن تكون الدراسة حول هذه القضية بمثابة نهج بحثي جديد لهذه الرواية.
2ـ1. الاستعارة المفهومیة في إطار نظرية الدلالات المعرفية تم اقتراح مصطلح الدلالات المعرفية لأول مرة من قبل لایکوف. فهو قدم نظرة أذهلها العديد من علماء الدلالة. وفقا لهذه النظرة، فإن المعرفة اللغوية ليست مستقلة عن التفكير والإدراك. تتعارض هذه النظرية مع آراء فلاسفة مثل فودور[3] وعلماء اللغة، مثل تشومسكي[4]. على عكس أشخاص، مثل فودور وتشومسكي، فإن فریقا يعتبرون السلوك اللغوي جزءًا من القدرات المعرفية البشرية التي تسمح للإنسان بالتعلم والتفكير والتحليل؛ لذلك، يمكن القول بأن الجوهر الأساسي لما يعتقده هذا الفريق من اللغويين، يكمن في القول بأن «المعرفة اللغوية هي جزء من المعرفة الإنسانية المشتركة» (صفوی، 1399ﻫ.ش، ص 363 ـ 364).على عكس اللغويين البنائيين، تتناول اللسانیات المعرفیة العلاقة بين لغة الإنسان وعقله وتجاربه الجسدية والاجتماعية. وعلی هذا الأساس، يدرسون دور دراسة اللغة في انعکاس أنماط التفكير وخصائص العقل البشري. اللسانیات المعرفية هي مدرسة للتفكير اللغوي متجذرة في العلوم المعرفية الجديدة (کاردوست، 1398ﻫ.ش، ص 8).أحد المواضيع التي تمت مناقشتها في علم اللغة المعرفي، هو موضوع "الاستعارة". في النظرة الأولى، يبدو أن أي بحث في موضوع الاستعارة ينتمي إلى مجال الأدب القديم فقط، ويعتبر البحث حوله متكررًا ورتيبًا. نظراً للمكانة المهمة والواسعة لموضوع الاستعارة؛ ومن ناحية أخرى، ظهور بعض المقاربات الجديدة حوله، يمكن القول إن الاستعارة لا تقتصر على الأدب القديم ونصوصه البلاغية والأدبية فقط، بل لها مكانة متعددة التخصصات. «تحدّى لايكوف وجونسون وجهة النظر التقليدية للاستعارة بالأسباب والأدلة التالية: الاستعارة هي سمة من سمات المفاهيم لا الكلمات؛ تُستخدم الاستعارة لفهم المفاهيم بشكل أفضل وليس لأغراض جمالیة فنیة فقط؛ الاستعارة لا تعتمد في الأسلوب على التشابه فقط؛ يستخدم عامة الناس الاستعارة، دون أي جهد في حياتهم اليومية ولا يقتصر على الأشخاص المميزين مثل الأدباء فقط؛ أن الاستعارة ليست مختصاً للزخرفية فقط، بل هي عملية حتمية للتفكير والاستدلال البشري؛ لقد أظهر لايكوف وجونسون بشكل مقنع أن الاستعارة لها حضور قوي في الفكر واللغة اليومية» (کوچش، 1399ﻫ.ش، ص 6). یقول جونسون: «لن أستعمل الاستعارة بمعناها التقلیدي، باعتبارها محسناً للکلام فقط. علی الأصح، سأحاول تعریفها باعتبارها مذهباً عامّاً وبنیة أساسیة للفهم الإنساني، بواسطتها نفهم عالمنا بشکل مجازي، وسأحاول أن أبرهن بأن الخیال هو قاعدة خطاطة الصورة، والقدرة التي تنظم تجربتنا ... إن غرضنا الأساسي هو تطویر نظریة بنائیة حول التخییل والفهم، حیث التأکید علی أن أجسادنا هي المفتاح الذي یربطنا بشکل مناسب مع المعنی والعقل» (وهابي، 2019م، ص 69). «و إذا عدنا إلی جورج لایکوف، فإننا نجده یحدّد طبیعة الاستعارة من هذا المنظور الجدید في النقاط التالیة: ـ الاستعارة هي الآلیة الرئیسة التي من خلالها نستوعب التصورات المجردة، ونؤدي التفکیر المجرد؛ ـ إن الکثیر من الموضوعات من أکثر الأمور المعاشة إلی النظریات العلمیة الأکثر صعوبة لا یمکن فهمها إلا عن طریق الاستعارة؛ ـ الاستعارة بطبیعتها تصوریة في جوهرها، ولیست لغویة؛ ـ اللغة الاستعاریة هي تَجَلٍّ سطحي للاستعارة التصوریة؛ ـ علی الرغم من أن جزءا کبیرا من نسقنا التصوري هو استعاري، إلا أن جزءا مهما منه هو غیر استعاري. والفهم الاستعاري یکون متجذرا في الفهم غیر الاستعاري؛ ـ تسمح لنا الاستعارة بأن نفهم الموضوع المجرد نسبیا وغیر المبنین بصفة ملازمة من خلال موضوع ملموس أکثر أو أعلی أو أقل بنیة» (بن دحمان، 2015م، ص 61). تحدت هذه النظرية وجهات النظر الكلاسيكية حول الاستعارة، وادعت أن مكانة الاستعارة لا تقتصر على الكلام الأدبي فحسب، بل على جمال الكلام أيضًا. فإن لها مكانًا في اللغة اليومية والنظام المفاهيمي للبشر، وتوضع في خدمة المعرفة. بعبارة أخری، يمتلك النظام الفكري البشري بنية مجازية غير قادرة على إيصال معناها للآخرين دونها. وعلی هذا الأساس، وبعد طرح وجهة النظر هذه، يفتح للاستعارة مجال واسع، وتُعدّ نمط شائع مشترك في حياة الإنسان، وتخرج من نطاق النصوص الأدبية والبلاغية (زرینفکر، 1392ﻫ.ش، ص 4). إن نسقنا التصوري لیس من الأشیاء التي نعیها بشکل عادي. إننا في جل التفاصیل التي نسلکها في حیاتنا الیومیة، نفکر ونتحرك بطریقة أقل أو أکثر آلیة، وذلك تبعا لمسارات سلوکیة لیس من السهل القبض علیها. وتشکل اللغة إحدی الطرق الموصلة إلی اکتشافها. وبما أن التواصل مؤسس علی نفس النسق التصوري الذي نستعمله في تفکیرنا وفي أنشطتنا، فإن اللغة تعد مصدرا مهما للبرهنة علی الکیفیة التي یشتغل بها هذا النسق (لایکوف وجونسون، 2009 م، ص 21). أساس العلاقة في الاستعارة المفهومیة هو بين وحدتين عضويتين أو مجموعتين على شكل تطابق واحد لواحد، وهو ما يسمى "الصورة". تنتمي هذه الصورة إلى حقلین: الأوّل حقل المبدأ الذي غالبا ما يكون مفهومیاً وموضوعيا وملموسا؛ والثاني الحقل الذي له مفاهيم مجردة وعقلية یسمى المقصد. علی هذا الأساس، تكون الصور الذهنیة بمثابة الهياكل الأساسية والتصميمات البصرية للعقل وأنماط الاتصال بين المفاهيم الموجودة في العقل البشري. فلهذا، أن اكتشافها سيكشف عن العديد من التعقيدات الدلالية، وسيسهل فهم العلاقة بين التعبيرات والظواهر (بهنام، 1389ﻫ.ش، ص 93). أهم مجالات حقل المبدأ هي: جسم الإنسان، والصحة والمرض، والحيوانات، والأجهزة والأدوات، والمباني، والنباتات، والألعاب والرياضة، والطبخ والطعام، والمال والمعاملات الاقتصادية، والقوى، والنور والظلام، والحرارة والبرد، والحركة والاتجاه. وأهمّ مجالات حقل المقصد هي: الشعور، والرغبة، والأخلاق، والفكر، والمجتمع، والدين، والسياسة، والاقتصاد، والعلاقات الإنسانية، والأحداث والأفعال، والتواصل، والوقت، والحياة والموت (کوچش، 1399ﻫ.ش، ص 50).وكما ذكرنا، تنقسم الاستعارة المفاهيمية، حسب مجالات المبدأ والمقصد المختلفة، إلى ثلاث فئات: الاستعارة البنيوية، والاستعارة الأنطولوجیة، والاستعارة الاتجاهية. وفي هذا المقال، سنشرح الاستعارة الاتجاهية.يتم تشكيل الاستعارات الاتجاهية في حقل المبدأ، بناءً على الاتجاهات الرئيسة، مثل "فوق ـ تحت"، و"داخل ـ خارج"، و"أمام ـ خلف"، و"عمق ـ سطح"، و"مركز ـ هامش". تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن هذه الاستعارات ليست اعتباطية وتأتي من تجاربنا الجسدية، إلا أنها يمكن أن تتغير اعتمادًا على الثقافات واللغات المختلفة (افراشی، 1397ﻫ.ش، ص 19). حتى بالمقارنة مع الاستعارات الأنطولوجیة، فإن الاستعارات الاتجاهية تخلق بنية مفاهيمية ذات أكثر محدودية لمفاهيم المقصد. وظيفتها المعرفية، بدلاً من ذلك، هي خلق التماسك والانسجام في مجموعة مفاهيم المقصد في نظامنا المفهومي (کوچش، 1399ﻫ.ش، ص 65 ـ 66).اللغة الاستعاریة لها نطاق واسع. يمكننا أن نرى تعبيرها في الكلمات والتعابير اليومية بمساعدة عنصرين من الفكر والخبرة. جميعنا نستخدم الجمل التالية عدة مرات يوميًا في كلماتنا: فلان صعد سلّم الترقية؛ وطارَ من الفرح؛ وارفع رأسك ولا تخجل من شيء وقس علی هذا. كما نرى فإن الفكر الإنساني يلعب دوراً واضحاً في التصورات الجديدة لخطابه اليومي. في الحقيقة أن الفكر الإنساني هو الذي استطاع أن يلبس العديد من الكلمات والعبارات التي فقدت لأسباب مختلفة إطارها العملي الواسع ملابس جديدة وواسعة وأحيي العديد من الاستعارات الميتة (ایمانیان ونادری، 1392ﻫ.ش، ص 79).أحد المبادئ الشائعة للاستعارة المفهومیة هو مجال الحركة والاتجاه. «إن الحركة، سواء كانت ذاتية الدفع أو غير ذلك، هي إحدى التجارب الإنسانية الأساسية. الحركة يمكن أن تغير الموقف، أو تكون ثابتة (مثل الاهتزاز). عندما تكون الحركة مصحوبة بتغيير في الموضع، فإنها ترتبط بالاتجاه: للأمام، للخلف، للفوق، وللتحت. يتم تصور الأشكال المختلفة للتغيير استعاریاً على أنها حركة تؤدي إلى تغيير المكان؛ مثل الأمثلة التالية: ـ حل المشكلة خطوة بخطوة؛ ـ التضخم آخذ في الارتفاع؛ ـ اقتصادنا آخذ في الارتفاع» (کوچش، 1399ﻫ.ش، ص 41). من أهمّ أشكال الاستعارة الاتجاهية استخدامًا في إطار الحركة والاتجاه هو التطبیق الاستعاري «فوق – تحت». بشكل عام، في هذا النوع من الكلام، يتم وضع مفاهيم، مثل النصر والهيمنة والوضع الاجتماعي الجيد والقوة وما إلى ذلك في إطار التطبیق )فوق(، ويتم وضع المفاهيم المقابلة لها في إطار التطبیق )تحت(. تحديد أولویة لتطبیق )فوق( بالنسبة التطبیق )تحت( یعتمد على الثقافات المختلفة. يشير كوبر[5] وروس[6] إلى هذا الموضوع تحت عنوان "التوجه «أنا أولا»"، وهما یعتقدان أن «الشخص المثال یشکل نقطة المرجع التصوریة، ویوجَّه عدد کبیر من التصورات في نسقنا التصوري بالنظر إلی مشابهتها أو عدم مشابهتها لخصائص هذا الشخص الطرازي. وبما أن الناس ینجزون سائر الوظائف التي یقومون بها نموذجیا في وضع (فوق ـ تحت)، وینظرون ویتحرکون إلی الأمام، ویقضون أغلب وقتهم ینجزون أنشطة، ویعتبرون أنفسهم جیدین، فإنه لدینا قاعدة تتحکم في تجربتنا تجعلنا ننظر إلی أنفسنا باعتبارنا فوق ولیس تحت، وأننا في الأمام ولیس في الوراء، وأننا فاعلون ولسنا سلبیین، وأننا جیدون ولسنا سیئین (لایکوف وجونسون، 2009 م، ص 138). بما أننا نسلك في کلامنا ترتیبا خطیا، فإننا نختار دائما الکلمات التي نرید وضعها في المقام الأول. فلو خُیّرنا بین الترتیب فوق ـ تحت والترتیب (تحت ـ فوق)، فإننا سنختار بشکل آلي الترتیب (فوق ـ تحت). إن التصور الموجّه بشکل أقرب إلی المتکلم الطرازي هو الفوق. وبما أن استعارة القرب أولا تشکل جزءا من نسقنا التصوري، فإننا نضع التصور الذي معناه أقرب إلینا (وهو فوق) في المقام الأول. فالترتیب (فوق ـ تحت)، أکثر انسجاما مع نسقنا التصوري من الترتیب (تحت ـ فوق) (المصدر نفسه، ص 139). لقد لخص ويليام نیغي[7] استعارات )فوق ـ تحت)، في العبارات التالیة: السعادة فوق، والشقاء تحت: ـ إنني في قمة السعادة ـ إنه یغوص في الشقاء الوعي فوق، واللاوعي تحت: ـ انهض من نومك ـ لقد سقط من التعب (المصدر نفسه، ص 34). الصحة والحياة فوق، المرض والموت تحت: ـ إنه في قمة العافیة وأوجها ـ لقد هوی من المرض الهیمنة والقوة فوق، والخضوع والضعف تحت: ـ إنه یمارس سلطته علیه ـ إنه تحت مراقبتي (المصدر نفسه، ص 34 ـ 35). الأكثر فوق، والأقل تحت: ـ لم یتوقف عدد الکتب المطبوعة کل سنة عن الارتفاع ـ لقد نزلت أرباحه هذه السنة النخبة فوق، والأغلبیة تحت: ـ له وضعیة راقیة الآن ـ إنه في أسفل السلم الاجتماعي (المصدر نفسه، ص 35 ـ 36). الجید فوق، والرديء تحت: ـ لقد وصلنا إلی النقطة الأکثر انخفاضا ـ لقد قامت بعمل من مستوی عالٍ الفضيلة فوق، والرذیلة تحت: ـ إنه ذو مشاعر راقیة ـ هذه الأمور تسقطني في عیون الناس (المصدر نفسه، ص 36). العقلاني فوق، والوجداني تحت:ـ سقط حدیثنا إلی مستوی الانفعال، ولکنني رفعته إلی مستوی عقلاني. جدیر بالذکر أن الاستعارات الاتجاهية التي تشكلت بناء على هذه التناقضات، قد تكون مختلفة في الثقافات المختلفة (المصدر نفسه، ص37).إن أول ما نرشحه من التصورات التي تُفهَم بشکل مباشر هي التصورات الفضائیة البسیطة مثل (فوق). فالتصور الفضائي لـ(فوق) نابع من تجربتنا الفضائیة. فنحن نملك أجسادا، ونقف منتصبین، وکل حرکة نقوم بها تتطلب في الغالب برنامجا حرکیا قد یغیر من اتجاهنا (فوق ـ تحت)، أو یحافظ علیه، أو یقتضیه، أو یأخذه بعین الاعتبار بشکل من الأشکال. فنشاطنا الفیزیائي المستمر في العالم قائم، حتی خلال نومنا، علی الاتجاه فوق ـ تحت الذي لیس واردا في نشاطنا الفیزیائي فحسب، بل إنه مرکزي فیه ومرکزیة هذا الاتجاه في برامجنا الحرکیة وفي فعلنا الیومي (المصدر نفسه، ص77). في كتاب الجسد في العقل، اقترح مارك جونسون أن تجربتنا الجسدية تؤدي إلى مخططات صورية ضمن النظام المفاهيمي. هذه المخططات، عندما نتفاعل مع العالم ونتحرك، يتم استخلاصها من تجاربنا الحسية الحركية. على سبيل المثال، نظراً لكون الإنسان يمشي منتصباً، ولأن رأسنا في الأعلى وأقدامنا في الأسفل، وبسبب وجود الجاذبية التي تجذب الأجسام غير المدعومة، فإن المحور الرأسي لجسم الإنسان يكون غير متماثل وظيفياً؛ وهذا يعني أن المحور الرأسي يوصف بعدم تناسق من أعلى إلى أسفل (اِوَنز وگرین، 1398ﻫ.ش، ص 238).2ـ2. الاستعارة الاتجاهية (فوق ـ تحت) في رواية فرانكشتاين في بغداد في هذا القسم من المقال، يتم استكشاف أهم التعبيرات والتمثيلات (فوق ـ تحت) في رواية فرانكشتاين في بغداد التي ولد مؤلفها في بيئة مليئة بالاستبداد. ومن الطبيعي أن تكون الحياة في مثل هذه الظروف مؤثرة في أفکاره وکتابته. له دواوین شعریة منها صورتي وأنا أحلم، ونجاة زائدة، وعید الأغنیات السیّئة والوثن الغازي، كما أصدر روايات بعنوان إنه يحلم أو يموت، والبلد الجميل، ورواية فرانكشتاين في بغداد التي حازت عام 2014 على الدرجة الأولی وجائزة البوكر العربية من بين 156 رواية عربية. تدور أحداث الروایة فرانکشتاین في بغداد في إحدی حارات بغداد القدیمة. یجمع هادي العتاك أشلاء الجثث، ویقوم بلصق هذه الأجزاء، ویصنع منها جثة کاملة، وتتحوّل هذه الجثة إلی وحش بشري عجیب لا ینال منه الرصاص هذا الوحش الذي یسمیه العتاك "الشسمه". هو کلما قتل مجرماً، خسر جزءاً من أجزاء جسده لا یتمکن من استعادته إلا بالحصول علی رقعة من جثة جدیدة. وفي هذا العالم الخیالي الذي یخطف الأنفاس، تلتقي إیلیشوا بالشسمه وتظنه ولدها دانیال المفقود قبل ربع قرن. یسرد هادي الحکایة علی زبائن مقهی عزیز المصري، فیضحکون منه، ثمّ یقوم محمود السوادي بنشر القصة في مجلة الحقیقة التي یعمل بها. فیقرأ العمید سرور مجید مدیر دائرة المتابعة والتعقیب حکایة الشسمه، ویستعین بالسحرة والمنجمین في بحث عن هذا المجرم. تستمر أحداث الروایة بمطاردة العمید سرور للشسمه في شوارع بغداد وأحیائها. في النهایة، یذهب العمید سرور الملاحق مع کبار المنجمین لإلقاء القبض علیه، إلا أنه یفشل؛ وذلك لحدوث انفجار کبیر أمام بیت العجوز إیلیشوا. یؤدي هذا الانفجار إلی تشوّه وجه هادي العتاك والذي یتم اعتقاله لاحقا باعتباره المجرم الذي لا اسم له (الشسمه) والذي تطارده السلطات ویطارده الجمیع. تسعى الروایة هذه إلى الإشارة إلى المعتدين الذين يسعون إلى تدمير هوية العراق الوطنية. وبطريقة ما، يعتبر فرانكنشتاين رمزا للمجتمع الفوضوي والقتل في العراق التي انهارت وفقدت هويته الأصلية. طوال الرواية، استخدم المؤلف استعارات مفهومیة مختلفة للحث على المفاهيم المجردة بأفضل شكل ممكن. ولكن ما يتم استكشافه في هذا المقال هو الإشارة إلى الاستعارات التي تتضمن استعارة اتجاهية (فوق ـ تحت). 2ـ2ـ1.(الهیمنة والقوة فوق / الخضوع والضعف تحت) قد استولی الارتباك والرعب علی سائقیها (سعداوي، 2013م، ص 11). الخوف هو أحد المفاهيم المجردة التي يصیب الإنسان أحيانًا في مواقف مختلفة. والحقيقة أن المؤلف يعبر عن هذه القضية باستخدام الاستعارة، ويزيد من جمال الکلام. يدل ظهور شعور الخوف في باطن الإنسان على هیمنة هذه القضية فیه. يتم تفسير هذه الهيمنة من خلال تعيين (فوق) واستخدام حرف الجر (علی). والحقيقة أن الرعب قد استولى على السائقين، فهذا يعني أن الإرهاب يكون في القمة ويسيطر على من هم في الأسفل. استثمر فرج الدلال أجواء الفوضی وغیاب الدولة، لیضع یده علی العدید من البیوت مجهولة المالك داخل المنطقة (المصدر نفسه، ص 19). وضع اليد على شيء، له إمّا معنى حقيقي وإمّا معنى مجازي. وضع اليد على البيت بمعنى مجازي، وهو في حد ذاته يعبر عن الهيمنة والسيطرة على شيء ما. كون المؤلف ذكر أن فرج دلال وضع يده على عدد من البيوت يدل على أن البيت تحت اليد وتوضع اليد عليه. ولذلك، فإن لليد هي الغلبة والنفوذ والبيت هو المهيمن. وقد ذكر المؤلف هذه المسألة في حالات أخرى أيضاً مع الفارق أنه لم يستخدم كلمة (يد):جعل استیلاءه علی البیوت المهجورة والمتروکة أمرا شرعیاً (المصدر نفسه، ص 20). إنّهم بالتأکید یریدون الاستیلاء علی بیوته (المصدر نفسه، ص 101).وفي مكان آخر، يشير المؤلف إلى تطبیق (الهیمنة والقوة فوق / الخضوع والضعف تحت)، ويستخدم كلمة (تحت) للتعبير عن هذه القضية. نعم، كونك تحت الهیمنة يعني أن الهیمنة قائمة والشخص الخاضع لتلك الهیمنة تابع ومطيع في الأسفل:إنّه یغار ... یرید أن تبقی تحت سیطرته (المصدر نفسه، ص 170). في الأمثلة المذکورة، يجد التطبیق المجازي جانبًا ماديًا باستخدام الكلمتين (علی) و(تحت). قد حاول المؤلف خلق تطابق بين مفهومي المبدأ والمقصد، ليصور بدقة الأحداث التي جرت خلال الرواية. في الواقع، يشير المؤلف إلى أن التواجد في القمة يؤدي إلى السیطرة، وبنفس القدر فإن أي شيء في الأسفل يسیطره الأشخاص المسیطرون. فلذا، فإن مفهوم الهيمنة هو مفهوم مجرد تماما، والتعبير عنه في الجسم المادي يشير إلى استخدامه في مجال الدلالات المعرفية. 2ـ2ـ2. (القوة فوق والضعف تحت) في رواية فرانكشتاين في بغداد، يتم تصوير القوة على أنها أعلى من الضعف. وقد أشار المؤلف إلى هذه القضية، بحيث تغلبت أمثلتها باستمرار على أمثلة الضعف. علی سبیل المثال، (أم سليم) تشير إلى وضع يد (القوة) اللّٰه على كتفي امرأة عجوز (إليشوا) وتتخيل القوة الإلهية فوق رأسها: ... وید الرحمن علی کتفها، أینما تحلّ أو تمضي (المصدر نفسه، ص 15). وفي مكان آخر، يشير المؤلف إلى (أبو أنمار)، وهو مهاجر من الجنوب، جاء إلى العاصمة في السبعينيات، وقبل ذلك كان تحت حماية النظام السابق. فالوجود تحت الحماية مفهوم مجرد؛ ولكن المؤلف يظهر (النظام السابق) في الأعلى بقوة و(أبو أنمار) في الأسفل بالضعف باستخدام حرف الجر (علی) الذي يشير إلى التعالي: کان یعتمد فیما سبق علی سطوة النظام (المصدر نفسه، ص 20). (أبو أنمار) ينزعج من تصرفات (فرج دلال) و(فرج دلال)، يقول له: توكل على اللّٰه، و(أبو أنمار) يمد يديه نحو السماء على شكل دعاء، وفي قلبه يريد أن يهلكه اللّٰه (فرج دلال). لماذا يمد (أبو أنمار) يديه نحو السماء؟ لأنه يشعر بالعجز؛ ولهذا هو في الأسفل، والقوة التي يمكن أن تنقذه من هذا العبث هي اللّٰه عز وجل الذي في الأعلى: انتبه أبو أنمار لکلامه، فرفع یدیه إلی السماء علی هیئة دعاء (المصدر نفسه، ص 21). أو في موقف آخر، یشیر مرة أخرى إلى مکانة اللّٰه العالیة ومکانة سفلی للعباد، فيصعد الضعيف العاجز بعد الموت إلى ذلك (الصديق الأعلى) الذي هو القوة المطلقة: مسکین ... لم یکن بحاجة إلا لدفعة صغیرة لکي یلتحق بالرفیق الأعلی (المصدر نفسه، ص 93). أو في جزء آخر من الرواية، يتم تصور المشكلة على أنها عقبة يجب القفز عليها لتمريرها. كون المشكلة كالعائق هو أحد من أنواع الاستعارات التقليدية؛ لكن الإشارة إلى القفز فوقها تشير إلى أن التغلب على المشكلة يعني أن نكون في القمة، وأن نتجاوز تلك المشكلة بطريقة ما؛ ولذلك، فإن المشكلة التي يمكن التغلب عليها تكون ضعيفة، ومن يتغلب عليها يكون لديه قوة.یری لايكوف أن )علی([8] عبارة عن تصميم تصوري يجمع بين الجهتین (أعلی)[9] و(عرض)[10]. يتم إنشاء السمات المميزة اعتمادًا على هذا المصمم التصوري، الذي يزود الکلام بهيكل النموذج الأولی الخاص بها (اِوَنز وگرین، 1398ﻫ.ش، ص 440). إلیك المصمم الصوري لـ(علی) الذي اقترحه لایکوف :
المصمم الصوري لـ(علی) (المصدر نفسه، ص 441)
2ـ2ـ3. (الصحة والعافية فوق / المرض والخمول تحت) تُستخدم الصحة والمرض أيضًا في الاستعارة الاتجاهية (فوق ـ تحت). علی سبیل المثال، نقول: ـ هو في ذروة الصحة والقوة؛ـ هو في السرير.کما یلاحظ، أن الصحة تظهر في القمة والأعلی، والمرض في الأسفل وحالة السقوط. إحدى هذه الحالات في الرواية هي القسم الذي يحدث فيه انفجار في المدينة، ويسقط هادي العتاك على الأرض بسبب هذا الانفجار. طالما كان واقفاً على قدميه كانت صحته سليمة، وعندما سقط على الأرض، كانت صحته في خطر:ارتطم بقوة علی اسفلت الشارع علی مسافة بعیدة عن مکان الانفجار (سعداوي، 2013م، ص 39).والنقطة المثيرة للاهتمام هي أن المؤلف يواصل الإشارة إلى أنه عندما يحدث مثل هذا الحادث، يقترب الناس من هادي العتاك، ويساعدونه على الوقوف؛ لأن النزول علامة الضعف؛ وفي المقابل، الوقوف مثال للصحة:ساعدوه علی النهوض بینما التراب والدخان یغطي المکان (المصدر نفسه، ص40). في هذا النطاق، لننتبه إلى بعض الأمثلة الأخرى: ولربما بعد نفاد طاقته الجسدیة، سیسقط علی الأرض هامداً (المصدر نفسه، ص40). کل جروحه هي بسبب ارتطامه بالأرض (المصدر نفسه). وطالما كان هادي العتاك بصحة جيدة، كان في القمة، وبمجرد أن فقد الطاقة، سقط على الأرض وظهر في الأسفل؛ لأن صحته کانت في خطر، بحيث تنشأ الجروح في جبهته وخده. تشير كلمات مثل (سیسقط) و(هامداً) و(ارتطام) بوضوح إلى هذه القضية:لکنه لم ینهض من فراشه، کان یشعر بصداع رهیب وظل متناوماً (المصدر نفسه، ص 49). ولا یبدو أنّه قادر علی النهوض والانتباه لأي شيء بسبب الألم الشدید في بطنه والدوار الذي سببه القيء الشدید الذي قلب أحشاءه منذ قلیل (المصدر نفسه، ص 219). الإصابة بالصداع والدوخة وآلام المعدة من الأمور التي تؤدي بالإنسان إلى المرض؛ ولذلك يخرج الإنسان عن حالة الثبات والقیام (أعلى) ويضطر إلى الراحة (أسفل). «نحن نعلم من تجاربنا اليومية أن الأشجار والحيوانات والأشخاص والأشياء مثل رفوف الكتب، والمنازل والمآذن، تؤدي دورها الخاص بشكل جيد، إذا كانت واقفة أو منتصبة فقط. إن الاستلقاء على الأرض، أو ما هو أسوأ من ذلك، هو إشارة واضحة إلى أن كائنا حيا أو جسما غير نشیط حاليا أو مصابا بجروح خطيرة» (اونگرر واشمیت، 1397ﻫ.ش، ص 231). وفي جزء آخر من الرواية، يشير المؤلف إلى خمول محمود في الفندق ويستخدم هذا الموضوع من خلال فعل (يغرق). نعم، لا يكون الخمول في التحت فقط، بل أحياناً تكون شدته عالية لدرجة أنه يمكن للمرء أن يتصور عمقاً له يدل على شدة انخفاضه: کان یغرق في کسله من جدید (سعداوي، 2013م، ص 181). 2ـ2ـ4. (السعادة فوق والحزن تحت) ونظرًا لوجود روابط منهجية بين العواطف مثل (الفرح) وتجاربنا الحسية الحركية مثل (الوقوف بشكل مستقيم)، فإن هذه العواطف والتجارب تشكل أساس المفاهيم الاستعاریة الاتجاهية مثل (الفرح عال). رغم أن تجربتنا العاطفیة أساسیة مثل تجربتنا الفضائیة الإدراکیة، فإن تجاربنا العاطفیة مرسومة بشکل أقل وضوحا ودقة بالقیاس إلی ما یمکن أن ننجزه بواسطة أجسادنا. وإذا کانت البنیة التصوریة الفضائیة المرسومة بدقة منبثقة من أنشطتنا الإدراکیة الحرکیة، فإنه لا تنبثق أي بنیة من هذا النوع من فعلنا في وحده. وبما أنه توجد تعالقات نسقیة بین عواطفنا (مثل السعادة) وتجاربنا الحسیة الإدراکیة (مثل وضعیة انتصاب الجسد)، فإن هذه التعالقات تشکل أساس تصوراتنا الاتجاهیة الاستعاریة (مثل السعادة فوق). فاستعارات کهاته تسمح لنا ببناء تصورات عواطفنا بأشکال محددة بوضوح، وربطها بتصورات أخری تتعلق برفاهنا الشامل (مثلا: الصحة، والحیاة، والهیمنة، ... إلخ) (لایکوف وجونسون، 2009 م، ص 78). ووفقا لعلماء الدلالة المعرفية، فإن بعض الاستخدامات الاستعاریة في اللغة مثل (طارت روحي) و(سقطت من الضحك) والتي تظهر مفهوم الفرح في الأعلى والحزن في الأسفل، تقودنا إلى أن هذه الفئة من الاستعارات تقوم على تجاربنا الجسدية؛ وما يفترض أن يكون (جيدًا) بطريقة أو بأخرى هو في الأعلى وما هو (سيء) هو في الأسفل (صفوى، 1399ﻫ.ش، ص 369).وفي هذا المجال، لننتبه إلى الأمثلة التالية في الرواية:امتلأت سماء بغداد بالإطلاقات الناریة علی إثر سماع الخبر (سعداوي، 2013م، ص 348). بدا سعیداً، وهو یرفع یدیه في الهواء مهللاً فرحاً (المصدر نفسه، ص 349). ومن أجل تصوير السعادة القصوى، يضع المؤلف الفرح في الأعلى؛ بحيث يتم إطلاق الرصاص نحو السماء وإلى الأعلى وتوضع الأيدي إلى الأعلى لإضفاء الفرح بشكل أفضل على المشاهد؛ لأن الفرح والبهجة مرتفعان، والحزن والتعاسة منخفضان.2ـ2ـ5. (الحياة فوق والموت تحت)الحالات التي لوحظت بالنسبة هذا المجال في الرواية، تشير في معظمها إلى مفهوم (الموت أسفل)؛ لكنها في الواقع تشير ضمنيًا إلى معنى (الحياة أعلی) أیضاً: خشي أن یسقط علی الأرضیة ویموت أو یغمي علیه (المصدر نفسه، ص 41). هذا قبري ...جسدي یرقد في الأسفل (المصدر نفسه، ص47). مع وجهة النظر لقول النبي (-): «النوم أخو الموت» (محمدى رى شهرى، 1386ﻫ.ش، ج12، ص 491)، من الممكن اعتبار النوم بمثابة الموت، والاستيقاظ بمثابة الحياة؛ الموضوع الذي ذكره السعداوي ويعبر عنه بعبارات مثل (الدخول في النوم) و(الغرق في النوم) و(النوم العميق) و(القفز من النوم):وغاص في النوم سریعاً (سعداوي، 2013م، ص 41). ... أثناء ما کان هادي العتاك یغرق في نوم عمیق تحت مروحة أم دانیال المطفأة (المصدر نفسه، ص 300). فزّ العمید سرور من نومته (المصدر نفسه، ص 300). 2ـ2ـ6. (الجبر فوق والتفویض تحت)استخدم السعداوي حرف الجر «علی» للتعبير عن (الجبر مرتفع) الذي يحمل معنى التعظيم ويعرب عن مقام الإكراه في العالي. الشخص الذي يجبر شخصًا ما على القيام بشيء ما، يُنظر إليه على أنه في الأعلی، والشخص الذي يُجبر على القيام بهذا العمل هو في الأسفل:لا یرغب هادي بالضغط علیه أو إخافته (المصدر نفسه، ص 35).و عليّ أن أتجاوز هذا الأمر حتی أقوم بواجبي ووظیفتي (المصدر نفسه، ص 185). تحامل علی نفسه وسحب قدمیه الملفوفتین بطبقات سمیکة من الشاش الطبي (المصدر نفسه، ص 333). جدير بالذكر أنه في المثالین الثاني والثالث، يكون المكرِه والمكرَه هو نفس الشخص، وهو في الحالة العليا (المُکرِه) وفي الحالة السفلى (المُکرَه) في نفس الوقت.2ـ2ـ7. (الکثرة فوق والقلّة تحت)الكمية عادة ما یُفهم علی هیئة الإتجاه. عندما نقول: «لقد ارتفع سعر الأرض»، فإننا نفهم مفهوم الكمية على شكل الاتجاه (المحور الرأسي)؛ والسبب في ذلك هو وجود نوع من الارتباط التجريبي بين الكمية والارتفاع. يعني أن الإنسان قد تعلم بالتجربة أنه كلما أضيف الشيء إلى كميته، ارتفع ارتفاعه. وفي الدراسات الاستعاریة، يظهر هذا التشبيه على أن «الأکثر أعلى» (زابلی زاده وموسوی، 1394ﻫ.ش، ص 60)، ولننتبه إلى أمثلة على ذلك في الرواية:وتفکّر بطعم فمها المُرّ وکتلة الظلام التي تکبس علی صدرها منذ الأیام (سعداوي، 2013م، ص 12).إن تراكم كتلة الظلام يعني أن الکثرة مرتفعة والقلّة منخفضة. الظلام شيء ليس له حالة مادية يمكن تصور تراكمها؛ ولكن من خلال التعبير عن مثل هذه الاستعارة، صور المؤلف شدة الظلام بشكل جميل. استخدم المؤلف أیضاً هذا التطبیق باستخدام كلمة (فوق) للتعبير عن تراكم الأجسام: الکثیر من الأجساد النائمة أو المتحاضنة والمکومة فوق بعضها علی الرصیف (المصدر نفسه، ص 28). 2ـ2ـ8. (العقلانية فوق والعاطفية تحت) لقد شاهد بیتها من الداخل لمرتین فقط ووقع في غرامه في الحال (المصدر نفسه، ص 20). إن الحب هو أمر عاطفي. والحقيقة أن المؤلف استخدم فعل (وقع) للتعبير عنه، ليدل على أنه يعتبر الحب مكاناً عميقاً يمكن أن يقع فيه. ومن الطبيعي أن السقوط يكون في الأسفل، وكلما كان الأسفل أعمق، كانت المشاعر فيه أكثر. 2ـ2ـ9. (الإيمان فوق والكفر تحت) ... حتی لتکاد تسقط في هاویة الضیاع والتخلي الکامل عن الإیمان (المصدر نفسه، ص 23). «وفقا لآراء العلوم المعرفية، الإيمان استعارة أیضا. في المنهج الموجه نحو الاستعارة، المعنى الحرفي للكلمة ليس مهمّاً، ولكن الكلمة التي تحمل مفهوما يتم فحصها في النص وفي العبارات المختلفة. تتمثل طريقة لايكوف وجونسون في عزل مصطلح معين وتقديمه على شكل استعارة. ومن المؤكد أن هذه الكلمات في كثير من الأحيان تكون مفاهيم مجردة، وفي تعريف النص الذي تقع فيه، تعطي لهذه المفاهيم معاني حسیة ـ حرکیة أو حسیة ـ مكانية يصنعها العقل البشري، دون وعي وبناء على ذلك. وتتشكل هذه العملية من خلال الأمرین العقل المجسد والتصنیف، بحیث يؤدي الأول منهما إلى التجربة الحسية والجسدية لذلك المفهوم» (قائمینیا، 1397ﻫ.ش، ص 88).وفق ما نشاهده في المثال الأخیر، أنّ المؤلف يتصور الكفر على أنه واد يسقط فيه الإنسان بسبب کفره. ولذلك فإن الإنسان المؤمن يكون في الأعلی، فعندما ینقص إيمانه، یسقط حتی یخلو من الإيمان ویقع في أدنى درجة. 2ـ2ـ10. (التفاهم فوق والاختلاف تحت) قال محمود کي یجعله یستأنف الحکایة منتظراً أن یقع في تناقض ما (سعداوي، 2013م، ص 27). الخلاف أمر مجرد، ووقوع الإنسان في التناقض يدلّ على أن التناقض له عمق، وهو یقع في الأسفل. وقد صور المؤلف هذا التدني من خلال الفعل المضارع (يقع) وحرف الجر (في). 2ـ2ـ11. (الفرج فوق والمشکل تحت) شعر بأنه یدور في حلقة مفرغة وأنه واقع في مأزق کبیر (المصدر نفسه، ص 48). وقد استخدم المؤلف في هذه العبارة من مشتقات لفعل (وقع) وحرف الجر (في) مع اختلاف أنه عبر عن کونه في مشکلة كالوقوع في ورطة. الإنسان في القمة ما دام هناك فسحة في عمله، وبمجرد أن يواجه التحدي أو المشکلة، يترك شأنه الرفیع ويسقط علی الأرض. 2ـ2ـ12. (الرجاء فوق واليأس تحت) القنوط یحفر في صدرها (المصدر نفسه، ص 77). إن الیأس هو شيء مجرد يأخذه المؤلف منه جسديا. وباستخدام الفعل المضارع (يحفر) وحرف الجر (في)، يشير إلى أن الیأس یحدث ثقبا في الصدر، ویميل إلى الأسفل؛ لذلك يمكن القول بأن الرجاء على العكس من الیأس له ميل تصاعدي. فإذا كان الإنسان راجیا، ارتفع، وإذا كان خائبا، انخفض. 2ـ2ـ13. (النخبة فوق والأغلبیة تحت) من الممکن أن تنتهي قصة محمود السوادي وحلمه بالصعود والارتقاء في مساره المهني بشکل سریع (المصدر نفسه، ص 87). لقد ارتقیت إلی مرحلة أعلی، کما في ألعاب الکومبیوتر (المصدر نفسه، ص 262). وفي المثالين السابقين، يعتبر الوضع الاجتماعي بمثابة حركة عرضية. فمهما أحرز الإنسان من تقدم، فإنه يصعد إلى أعلى السلم، وعندما يتراجع يتم دفعه إلى أسفل السلم. تعد الحالة الاجتماعية الجيدة أو السيئة مسألة مجردة؛ ولكن إذا نظرنا إليها نظرة مادية، ونفكر فيها على أن لها أعلى وأسفل، فإنها تمثل استعارة اتجاهية من نوع تطبیق (فوق ـ تحت). أو في المثال التالي، استخدم المؤلف مصطلح (الاختفاء عن الأنظار)، للتعبير عن فقدان المكانة والاحترام السابق: ولکني لا أستطیع تحمّل فکرة أنني سقطت من نظرك (المصدر نفسه، ص 343). 2ـ2ـ14. (العلم فوق والجهل تحت) طلبوا منه أن یراجع مرکز شرطة السعدون في حال حصوله علی معلومات حول هذه الجریمة أو عثوره علی شهود عیان (المصدر نفسه، ص 80). أسئلة یعرف أن الجواب علیها سیکون أمامه بعد ساعتین أو ثلاث (المصدر نفسه، ص 139). وفي المثالین الأخیرین، يستخدم المؤلف حرف الجر (علی) الذي يدل على الاستعلاء. کأن المعلومات والأسئلة تلة يجب تسلقها للوصول إليها؛ فعندما يجيب الإنسان على الأسئلة، فهو في الواقع فوقها. ولكن من ناحية أخرى، كلما قلت المعرفة، زادت صعوبة الإجابة على الأسئلة، فسيكون الإنسان في الأسفل، وتلك المجهولات العقلية ستكون في القمة. 2ـ2ـ15. (الحرارة فوق والبرودة تحت) یشعر أن مجرد المراقبة من فوق لما یجري تحت وطأة الحرارة یکفي لإضعاف رغبته بمغادرة الفندق هذا النهار (المصدر نفسه، ص 140). والتي غدت مزیجاً ممیزاً لأجواء الفندق من الداخل خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة (المصدر نفسه، ص 205). في المثالین الأخیرین، استخدم المؤلف كلمات، مثل (تحت)، و(ارتفاع)، تشير إلى أنّ الحرارة عالية والبرودة منخفضة، بينما الحرارة أو البرودة ليس لهما شكل مادي، بل أراد المؤلف منهما معنی (فوق ـ تحت). 2ـ2ـ16. (الکبر فوق والتواضع تحت) انحنی أمامه وقبّل یده (المصدر نفسه، ص 235). الانحناء أمام الإنسان وتقبيل يده هو غایة التواضع. علی سبیل المثال، يريد الإنسان أن يظهر أقصى درجات التواضع تجاه والديه، فينحني أمامهما، ويقبّل أيديهما وأرجلهما. وهذا الانحناء من أعلى إلى أسفل، يدل على أن الكبر مرتفع والتواضع منخفض. فكلما انحنی الإنسان أمام الآخرين، ظهر التواضع فيه. كما لوحظ، فإن المؤلف استخدم الاستعارة الاتجاهية (فوق ـ تحت) في مواقف مختلفة. ومن الطبيعي أن يلعب السياق والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها المؤلف، دورا كبيرا في خلق هذه الاستعارات. يشير لايكوف وجونسون في هذا السياق إلى ما يلي:ولیس من المفاجئ أن یؤثر الواقع الاجتماعی الذي تحدده ثقافة معینة في تصورها لواقعها الفیزیائي. فما هو واقعي لدی شخص ینتمي إلی ثقافة ما یعتبر نتاجا لواقعه الاجتماعي وللطریقة التي تجسد تجربته مع العالم الفیزیائي. وبما أن جزءا مهما من واقعنا الاجتماعي یُفهَم بطریقة استعاریة، وبما أن تصورنا للعالم الفیزیائي استعاري جزئیا، فإن الاستعارة تلعب دورا دالا في تحدید ما هو واقعي وحقیقي عندنا (2009م، ص 151). «فاللغة لیست مستقلة عن فهم الفرد وثقافته وتجربته ومشاعره وانفعالاته، إنها جزء من نمط تفکیره وتمثله للعالم الذي یسکنه. وهکذا یتم نقض مبدأ الصدق الموضوعي المطلق للعبارة اللغویة ودحضه. فالصدق نسبي وله علاقة بالاستعمال والفهم البشریین للغة والاختلاف الثقافي. ومن ثم، فالمعنی لا یمکن أن یوصف بالموضوعیة؛ لأنه لیس مستقلا عن الذات المدرکة وخلفیاتها الثقافیة والنفسیة» (لحویدق، 2015م، ص 261). «یمکن للاستعارات في الأدب أن تکون أکثر تعقیدا مهما اُوّلت. إنها تتطلّب تفکیرا عمیقا، فقد تتکرر قراءة الاستعارة عدة مرات قبل انتزاع معناها الحقیقي. هذا ما یجعل من الأدب متعة للقراءة، وهو یستخدم الاستعارة، فهي ما یضفي ألوانا علیه، وبالتالي تجعله جذابا أمام عین العقل» (بن دحمان، 2015م، ص 240). جدیر بالذکر أن موضوع الرواية لا يخلو من التأثير في خلق مثل هذه الاستعارات. ومن الطبيعي أن يكون فعالاً في أفكار المؤلف وتعبيره. إلیك جدول الاستعارات الاتجاهیة (فوق ـ تحت) في روایة فرانکشتاین في بغداد:
تستخدم الاستعارات في اللغة بما يتجاوز ما نراه في البلاغة التقليدية. ومن خلال النظر إليها وإلى المعاني غير المباشرة والرمزية للتعبيرات اللغوية، يمكن تحقيق فهم أعمق للنصوص. في هذا المجال، فإن رواية فرانكشتاين في بغداد، مليئة بالاستعارات المعرفية، وخاصة الاستعارات الاتجاهية. تناولنا في هذا المقال الحالات المتعلقة بالاستعارة الاتجاهية (فوق ـ تحت)، واستخرجت منه معان متنوعة وواسعة. على الرغم من أن التخطيط (فوق ـ تحت)، في الرواية، يستخدم في الغالب للتعبير عن الحالات الفيزيائية الطبيعية، إلا أن المؤلف في بعض الحالات يشير أيضا إلى نيته باستخدام التغريب والانزیاح واستخدام الاستعارات المضمونیة. في هذه الرواية، يتم استخدام استعارة اتجاهية (فوق) في موضوعات مختلفة. ومن خلال المواضيع التي يتم ذكرها بالاستعارات الاتجاهية (فوق ـ تحت)، نفهم بوضوح أنها كلها مواضيع مجردة، وقد تصور المؤلف لها حالة فيزيائية. فهذا الانتقال المعرفي للاستعارة جعل منها أداة تفصح عن کل هذه التصورات الاتجاهیة وعلاقتها بمعارف المؤلف. إن الاستعارات تعطي اهتماما أکثر للدلالات وتبصرات أعمق للنص الأدبي، وکشف الستار عن تلك الاستعارات القیمة المعرفیة التي نصل من خلالها إلی فهم الروایة. إن الاستعانة بالکلام الاستعاري یتمتع بقوة إدراکیة فائقة، إذا ما نقارنه بالکلام العادي. فما یکنزه ذهن أحمد سعداوي من تجارب إنسانیة مرتبطة بثقافته وبمحددات اتجاهیة یصوغها باستعارات اتجاهیّة، تعبر عن تلك التقافة. ولإدخالها في ذهن المخاطب، استخدم كلمات مثل "فوق"، و"على"، و"تحت"، وأیضا الأفعال الماضية والمضارعة. بعبارة أخری، فإن الاستعارة في حقل اللسانیة الإدراکیة لیست مجرد أداة لغویة لتجمیل الکلام وزخرفته، بل إنها وسیلة معرفیة حصیلة تفاعل المجالین الذهني ـ الحسي، حیث یتجلى بها کثیر من المعارف الموجودة في المجتمع، ویستند إلیها المتلقي في عملیة التأویل والفهم. والاستعارة في الحقل المعرفي توسّع مجال التأویل، فهي تنفتح علی تعدد المعاني وتوسیع فضاء الدلالات.
[1]. Mark Johnson [2]. George Lakoff [3]. Jerry Fodor [4]. Noam Chomsky [5]. William Cooper [6]. John R. Ross [7]. William E. Nagy [8]. Over [9]. Above [10]. Across | |||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||
أ. العربية أحمد، عطیة سلیمان. (2023م). نظریة الاستعارة العصبیة ما بعد العرفانیة والمزج المفهومي. القاهرة: مکتبة الآداب.بن دحمان، عمر. (2015م). نظریة الاستعارة التصوریة والخطاب الأدبي. القاهرة: رؤیة للنشر والتوزیع.الحرّاصي، عبد اللّٰه. (2002م). دراسات في الاستعارة المفهومیة. عمان: مؤسسه عمان للصحافه والأنباء والنشر والإعلان. خالقى، على؛ وعاطي عبیات. (2022م). «إستراتیجیة أحمد السعداوي في روایة "فرانکشتاین في بغداد" علی ضوء منهج فیرکلاف». مجلة دراسات في السردانیة العربیة. س 3. ع 6. ص 126 ـ 159.سعداوي، أحمد. (2013م). فرانکشتاین في بغداد. بیروت: الجمل.شبایك، عید محمد. (2005م). الاستعارة في الدرس المعاصر "وجهات نظر عربیة وغربیة". القاهرة: دار حراء للنشر.لایکوف، جورج؛ ومارك جونسون. (2009م). الاستعارات التي نحیا بها. ترجمة عبد المجید جحفة. الدار البیضاء: دار توبقال للنشر.ــــــــــــــــ . (2014م). النظریة المعاصرة للاستعارة. ترجمة طارق النعمان. الإسکندریة: مکتبة الإسکندریة.لحویدق، عبد العزیز. (2015م). نظریات الاستعارة في البلاغة الغربیة: من أرسطو إلی لایکوف ومارك جونسون. عمان: دار کنوز المعرفة للنشر والتوزیع.وهابي، عبد الرحیم. (2019م). الاستعارة في الروایة مقاربة في الأنساق والوظائف. الدوحة: دار کتارا للنشر.هوکس، تیرنس. (2016م). الاستعارة. ترجمة عمرو زکریا عبد اللّٰه. القاهرة: المرکز القومي للترجمة. ب. الفارسیة افراشی، آزیتا. (1397ﻫ.ش). استعاره و شناخت. تهران: پژوهشگاه علوم انسانی و مطالعات فرهنگی. امینی، حیدرعلی. (1394ﻫ.ش). بررسی استعارههای مفهومی در سورههای واقعه و نبأ. پایاننامۀ کارشناسی ارشد. دانشگاه فردوسی مشهد. اِوَنز، وی ویان وملانی گرین. (1398ﻫ.ش). زبانشناسی شناختی. ترجمۀ جهانشاه میرزابیگی. تهران: آگاه. اونگرر، فردریش؛ و هانس یورگ اشمیت. (1397ﻫ.ش). مقدمهای بر زبانشناسی شناختی. ترجمۀ جهانشاه میرزابیگی. تهران: آگاه. ایمانیان، حسین؛ و زهره نادری. (1392ﻫ.ش). «استعارههای جهتی نهج البلاغه از بعد شناختی». پژوهشنامه نهج البلاغه. س 1. ش 4. ص 73 ـ 92. بهنام، مینا. (1389ﻫ.ش). «استعارۀ مفهومی نور در دیوان شمس». نقد ادبی. س 3. ش 10. ص 91 ـ 114. چال دره، طاهره؛ سید، معصومه؛ و لیلا قاسمی حاجیآبادی. (1400ﻫ.ش). «کارکرد ایدئولوژیك استعاره جهتی در دفتر شعری معرکة بلا رایة اثر غازی القصیبی». نقد ادب معاصر عربی. ش 21. ص 247 ـ 269. حاجیزاده، مهین؛ و صدیقه حسینی. (1398ﻫ.ش). «ارزیابی فاصله روایی در رمان "فرانکشتاین في بغداد" احمد سعداوی». لسان مبین. س 10. ش 36. ص 1 ـ 17. ذکائی، حسین؛ مراد باقرزاده کسمانی، و لیلا اردبیلی. (1398ﻫ.ش). «بررسی استعاره جهتی واژه حیوة در قرآن، بر اساس نظریه استعاره مفهومی». مطالعات قرآنی و فرهنگ اسلامی. س 4. ش 2. ص 45 ـ 69. رجبی، فرهاد؛ سيد اسماعيل حسینی، و سارا اورجی لارسری. (1400ﻫ.ش). «خوانش دیستوپیایی رمان "فرانکشتاین في بغداد" بر اساس اصلاحات مرتن بر دیدگاه کارکردگرایی ساختاری». نقد ادب معاصر عربی. س 11. ش 23. ص 27 ـ 52. زابلی زاده، اردشیر؛ و سیده ندا موسوی. (1394 هـ.ش). «بررسی نقش استعاره در گفتمان خبری رسانهای بین المللی». مطالعات رسانههای نوین. س 1. ش 2. ص 57 ـ 85. زرینفکر، مژگان. (1392ﻫ.ش). استعارههای مفهومی در معارف بهاء ولد با تأکید بر استعارۀ رویشی. پایاننامۀ کارشناسی ارشد. دانشگاه فردوسی مشهد. صفوی، کورش. (1399ﻫ.ش). درآمدی بر معنیشناسی. تهران: سوره مهر. فتوحی، محمود. (1395ﻫ.ش). سبك شناسی: نظریهها، رویکردها، و روشها. تهران: سخن. قائمینیا، علیرضا. (1397ﻫ.ش). استعارههای مفهومی و فضاهای قرآن. تهران: انتشارات پژوهشگاه فرهنگ و اندیشه اسلامی. کاردوست، نسیم. (1398ﻫ.ش). تحلیل استعارههای مفهومی اشعار نوذر پرنگ. پایاننامۀ کارشناسی ارشد. دانشگاه آزاد اسلامی واحد تهران مرکزی. کرد زعفرانلو کامبوزیا، عالیه؛ و خدیجه حاجیان. (1389ﻫ.ش). «استعارههای جهتی قرآن با رویکرد شناختی». نقد ادبی. س 3. ش 9. ص 115 ـ 139 کوچش، زُلتن. (1399ﻫ.ش). مقدمهای کاربردی بر استعاره. ترجمۀ شیرین پور ابراهیم. تهران: سمت. محمدی ری شهری، محمد. (1386ﻫ.ش). میزان الحکمة. چ 7. قم: سازمان چاپ و نشر دار الحدیث. نورمحمدی، مهتاب. (1387ﻫ.ش). تحلیل مفهومی استعارههای نهج البلاغه: رویکرد زبانشناسی شناختی. پایاننامۀ کارشناسی ارشد. دانشگاه تربیت مدرس. هاشمی، زهره. (1389ﻫ.ش). «نظریۀ استعارۀ مفهومی از دیدگاه لیکاف وجانسون». ادب پژوهی. س 4. ش 12. ص 119 ـ 140. | |||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 49 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 53 |