تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,652 |
تعداد مقالات | 13,415 |
تعداد مشاهده مقاله | 30,338,533 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,096,008 |
مقارنة أسلوبية في القرآن الكريم ودورها في جمالية الآيات سورة الإنسان وعبس نموذجاً | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
دوره 15، شماره 29، دی 2023، صفحه 51-68 اصل مقاله (1.45 M) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2023.136661.1448 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
سودابه مظفري* 1؛ سمیه مدیری2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1أستاذة مشاركة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الخوارزمي، طهران، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2طالبة الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الخوارزمي، طهران، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
طريقة تجميع الكلمات في الجملة لها تأثير كبير على النقل الصحيح للمفاهيم إلى الجمهور؛ فلذلك أنشأ أخصّاء البلاغة فرعاً يدرس هذا الأمر يسمّى بالأسلوبية، والتي من خلال دراسة أسلوب كتابة المؤلّف، تساعد على اكتشاف غرضه الرئيس من كتابة عمل معيّن؛ ومضافاً إلى ذلك، فإنّها تكشف عن جوانب الجمال فيه، ودور استخدام الأساليب المختلفة، والمتنوّعة في إنشائه. وقد كان هذا الاتجاه محور اهتمام العديد من الباحثين في العقود الأخيرة. هذه الدراسة تهدف إلى المقارنة الأسلوبية بين الآيات المختارة من السورتين الإنسان، وعبس، والتي تكون حول غزارة العطاء، والكراهة، والاشمئزاز، خلال المنهج الوصفي ـ التحلیلي، مستمدّة من المنهج الإحصائي. تدلّ نتائج البحث على أنّ أهمّ الأساليب المستخدمة في الآيات المختارة من السورتين، هو الأسلوب الخبري، والأسلوب الإنشائي، وأسلوب النفي، والتركيب الوصفي، وعمليّة الربط والتكرار، وأسلوب التقديم والتأخير، وأسلوب الحذف، والطباق والتقابل. ووصل البحث إلی أن الأسلوب الخبري هو الأكثر حضوراً في كلتا السورتين، کما تم توظيف الجمل الفعلية في هذا الأسلوب أكثر بالنسبة للجمل الاسمية، والفعل الماضي هو الأكثر استعمالاً (56%) في سورة الإنسان، والفعل المضارع هو الأكثر حضوراً (64%) في سورة عبس. وتعود كثرة استخدام الفعل الماضي في سورة الإنسان إلى أنّ محتوى هذه السورة يدور حول المكافأة، والجزاء القطعي لعمل الأبرار، والذي لا شكّ في إعطائه، فيشجّع الجمهور للقيام بذلك، وكثرة استخدام الفعل المضارع في سورة عبس تدلّ على أنّه إذا بخل الإنسان في الزمن الحاضر، أو المستقبل سيعامَل معه مثله، ویؤدّي إلی غضب اللّٰه ونقمته؛ فضلاً عن ذلك، تنوّع الأساليب في سورة الإنسان يلفت انتباه الجمهور إلى هذه الواقعة المهمّة، ونتائجها المذهلة. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأسلوبية؛ الجمالية؛ القرآن الكريم؛ سورة الإنسان؛ سورة عبس | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إن طريقة تجميع الكلمات، وإنشاء جملة مناسبة لها دور كبير في فهم المحتوى المطلوب بشكل أفض؛ لذلك في السنوات الأخيرة، قد اهتمّ الباحثون، ولاسیما البلاغيون منهم بدراسة أسلوب النصوص، وتحليله من زوايا مختلفة. «إنّ الأسلوب هو طريقة خلق الفكرة، وإبرازها في الصورة اللفظية المناسبة» (الزيات، 1945م، ص 62). والأسلوبية «تعرّف بالبحث عن الأسس الموضوعية لإرساء علم الأسلوب» (المسدي، 1956م، ص 34). ظهر مصطلح الأسلوبية لأول مرّة في القرن التاسع عشر، واستخدم على نطاق واسع في أوائل القرن العشرين. وترتبط نشأته بالتطوّر الذي في مستوی الدراسات اللغوية، وإقامة المدرسة اللغوية ﻟفرديناند دي سوسور (فضل، 1998م، ص 12). ووفقا لآراء سيمبسون[1] (1993م)، ووردانك[2] (2002م)، تتعامل الأسلوبية مع تحليل النصوص الأدبية، وتفسيرها من خلال التحليل اللغوي (نورهاسليندا، 2016م، ص 1163). إنّما الأسلوبية تتحدّد في ثلاثة مجالات: أ. «الأسلوبية النظرية[3]: تهدف إلى إرساء القواعد النظرية التي ينطلق منها الناقد الأسلوبي في تحليل النصّ. ب. الأسلوبية التطبيقية[4]: هي تعرية النص الأدبيّ، وإظهار خصائصه، وسماته من حيث إنّه شكل فني يبغي المنشئ عن طريقة التأثير، والإقناع، ومدخلها في التطبيق هو لغة الأثر الأدبي. ج. الأسلوبية المقارنة[5]: إنّما تكون المقارنة في لغة واحدة، وتقتضي حضور نصّين فأكثر، ولا بدّ من وجود عنصر، أو عناصر اشتراك بين النصوص المقارنة، كالاشتراك في المؤلّف مع اختلاف الموضوع، أو الغرض، أو جنس الكتابة» (خليل وزيدي، 2015م، ص 270). يتطرّق هذا البحث إلى الأسلوبية المقارنة في القرآن الكريم؛ فلذلك تمّ اختيار سورتي الإنسان وعبس. سورة الإنسان مدنيّة، وسورة عبس مكية. والمحور المشترك لهذه المقارنة هو نزول آيات من اللّٰه (المتكلّم الواحد) حول الاهتمام بحاجات الآخرين، والمحور الافتراق هو غزارة العطاء في سورة الإنسان (الآیات 5 إلی 22)، والكراهة، والاشمئزاز في سورة عبس (الآیات 1 إلی 10)؛ لذلك، ستتمّ دراسة كيفية استخدام الأساليب المختلفة للتعبير عن الغرض الأصلي من الآيات المحدّدة للسورتين، ودورها في جمالية كلام اللّٰه تعالى. 1ـ1. أسئلة البحث یحاول البحث الإجابة عن الأسئلة التالیة: ـ ما أهمّ الأساليب المستخدمة في الآيات 5 إلى 22 من سورة الإنسان؟ ـ ما أهمّ الأساليب المستخدمة في الآيات 1 إلى 10 من سورة عبس؟ ـ أيّ أسلوب هو الأكثر حضوراً في الآيات المختارة من هاتين السورتين؟ ـ ما العلاقة بين كيفيّة استخدام الأساليب المستخدمة في السورتين، والغرض الأصلي من نزول الآيات؟ ـ ما کیفیة استخدام الأساليب المتنوعة لخلق الجمال في آيات السورتين، وازدیاد الأثر لكلامه؟ 1ـ2. خلفیة البحث في مجال دراسة جمالية أسلوب القرآن الكريم، قد تمّت أبحاث قيمة، نشير إلی أهمها: تطرق عبد الواسط بهادرزهى ملك آبادى وآخرون (1400ھ.ش)، إلى دراسة أسلوبية في سورة الجاثية، واستنتجوا أنّ الأصوات والكلمات التي تكررت في السورة، أنشأت موسيقى رائعة، وأن ميزات الأسلوبية تتبلور على مستوى التركيب، في التقديم والتأخير، والتعريف والتنكير، والاستفهام، والحذف، وتكرار الجملات، وأنّ القرآن يستخدم أغراضاً أسلوبية لتزيين أسلوبه، وإعجاز بيانه. ولقد سلط احمد محمدى نژاد پاشاکى وآخرون (1399ھ.ش)، الضوء على جماليات كلمة "إذا" في القرآن نحواً، وبلاغة، واستنتجوا أنّ "إذا" قد استخدمت أكثر في الأمور القطعية، وكذلك تمّ استبدال كلمة "إذا" بكلمات أخرى، نحو: "إذ" و"متى"، ممّا يغيّر معناها، وجماليّاتها. وتناول عمر رحمن الأركي (2012م)، جماليّة الأسلوب القرآني الكامنة في صور الحذف، ومن أهمّ نتائجه هو أنّ صورتي "الاكتفاء"، و"الاحتباك" من أكثر صور الحذف، وصورة "الاختزال" من أكثر الصور تنوعاً في القرآن الكريم. وتطرق نصر اللّٰه شاملي وحسنعليان (1432ھ)، إلى دراسة أسلوبية في سورة "ص"، واستنتجا أنّ هناك توازناً مقصوداً في إيقاع السورة، كما أنّ التكرار هو من العناصر الهامّة في زيادة هذا الإيقاع الجميل للسورة، بالإضافة إلى تناسق هذه الأصوات، وأنّ ألفاظ السورة تميّزت بالدقّة في الاختيار، وقوّة التأثير في المتلقي، وأنّ التناسق الفني قد برز بين الصور المختلفة ـ البلاغيّة منها والواقعية ـ بصورة واضحة. وقد قامت پرستو قياسوند وطاهري نيا (1388ھ.ش)، بدراسة التكرار في قصّة موسى وفرعون في القرآن الكريم، بغية الكشف عمّا يمتاز به القرآن الكريم من مواصفات تميّز القصص الإلهية من القصص البشرية. وإلى جانب ذلك، قام بعض الباحثين بدراسة جمالية الأسلوب في بعض الأدعية، والكتب المقدّسة، منها: تطرقت فاطمه پرچگانی وسمیه مديری (1401ھ.ش)، إلى جماليّة أساليب الخطبة رقم 155 من نهج البلاغة، وتوصّلتا إلى أنّ الأسلوب الأكثر استخداماً في هذه الخطبة هو الأسلوب الخبريّ، وكثرة وفورها توافق مع الغرض الأصلي من إيراد الخطبة، وأنّ الإمام (g) باستخدام أسلوب الاستفهام یزيد قدرة كلامه في لفت أنظار المخاطب لبديع خلق اللّٰه، بالإضافة إلى إظهار شدّة الاندهاش عن عظمة القدرة على الرؤية في الليل، والعجز عنها في النهار، وكذلك قد استخدم الإمام حرفي النفي "لا" و"لم"، وفقاً للمواقف، والحالات التي كان ينوي وصفها. قد اهتم حسن خرقانى (1400ھ.ش)، إلى دراسة الجمالية ومظاهرها في دعاء "الجوشن الكبير"، وتوصّل إلى أنّ هناك صياغة جميلة لهذا الدعاء، والصفات الإلهيّة فيها متلائم بعضها البعض. ولقد تطرقت مرضيه كلكين نما وآخرون (1441ھ)، إلى جمالية التكرار في دعاء "العرفة" من الصحيفة السجادية، واستنتجوا أنّ التكرار قد استخدم لتحقيق أغراض بلاغيّة كثيرة كتأكيد المعنى، أو الترغيب فيه، أو التلذّذ، والاستعذاب المكرّر. وفيما يتعلّق بسورة "الإنسان"، و"عبس"، قد تمّ إجراء البحوث التالية: على اصغر يارى اصطهباناتى وحميده كامكار مقدم (1395ھ.ش)، لقد درسا الأسلوب النحوي في سورة "الإنسان" (القواعد النحويّة، التمييز النحوي، التوازن النحوي)، وتوصّلا إلى أنّ استخدام بعض السمات النحويّة في هذه السورة أدّت إلی الجمالیة، ومنها: التقديم والتأخير، والتوازن النحوي لبعض الآيات؛ فضلاً إلی ذلك، فإنّ نوع الأفعال المستخدمة في هذه السورة زادها بعداً دلالياً. تطرق عمر بن عبد العزيز المحمود (1436ھ)، إلى جماليّات التركيب والإيقاع في سورة "عبس"، واستنتج أنّ هذه السورة حافلة بأنواع الفنون الإيقاعية التي تتميّز بالجرس الجميل، والنغم المؤنس، واستخدمت الفواصل في أجمل مكان، وأدقّ موضوع، وأضافت إليه قيماً دلالية، وإيقاعية زادت من جمالياته، وسبّبت في التأكيد على موضوعه، وتقوية فكرته الرئيسة. وقد قام محمد جرفى وعباد محمديان (1393ھ.ش)، بدراسة أسلوبيّة الخطاب في سورة "عبس" على ضوء نظريّة ميشل فوكو، واستنتجا أنّ أسلوب المنفصل، والترغيب ـ لهما تحذير، وإقناع كبير ـ قد تمّ استخدامهما بأفضل طريقة ممكنة في آيات هذه السورة، لأفضل تأثير على الجمهور. لذلك، لم يتمّ حتّى الآن أيّ بحث في مقارنة أسلوب السورتين المختارة لهذا البحث، أي سورة الإنسان وعبس، ودراسة كيفية تلاؤم الأساليب المستخدمة، ومعاني السورتين المكية والمدنية، ودورها في جماليّة الآيات.
2ـ1. الأسلوب لغة واصطلاحاً قال ابن منظور: يقال للسّطر من النخيل أسلوب، وكلّ طريق ممتدّ فهو أسلوب، قال والأسلوب الطريق، والوجه، والمذهب، يقال: أنتم في أسلوب سوء، ويجمع أساليب، والأسلوب الطريق تأخذ فيه، والأسلوب الفنّ، يقال أخذ فلان أساليب من القول، أي: أفانين منه، وإنّ أنفه لأسلوب إذا كان متكبّراً. فالأسلوب من زاوية هذا الطرح لفظ استعمل في غير ما وضع له أصلاً من قبيل المجاز، فانتقل مفهومه عن المدلول المادّي الذي يوازي سطر النخیل، أو الطریق إلى معناه المعنوي المتعلّق بأساليب القول، وأفانينه (1994م، ج 1، ص 178). وقد جاء في أساس البلاغة: «سلكت أسلوب فلان: طريقته؛ وكلامه على أساليب حسنة؛ ومن المجاز: سلبه فؤاده، وعقله، واستلبه، وهو مستلب العقل؛ وشجرة سليب: أخذ ورقها، وثمرها، وشجر سلب؛ وناقة سلوب: أخذ ولدها، ونوق سلائب؛ ويقال للمتكبّر: أنفه في أسلوب إذالم يلتفت يمنة، ولا يسرة» (1419ھ، ج 1، ص 468). «اشتقّت كلمة "استايل[6]" من الشكل اللاتيني "استايلوس[7]"، والذي يعني "إبرة الطبع"، أي مثقب يستخدم في الكتابة، وهو استخدام الكاتب لأدوات تعبيرية من أجل غايات أدبيّة، ويتميز في النتيجة من القواعد التي تحدّد معنی الأشكال، وثوابها» (الأبطح، 1994م، ص 17). والأسلوب في الاصطلاح الأدبي يعني طريقة خاصّة في استخدام اللغة يتميّز بها كاتب، أو شاعر، أو جماعة أدبيّة، أو حقبة زمنية، أو جنس أدبي (المسدي، 1956م، ص 40)؛ وأمّا في اصطلاح البلاغيين، فهو «طريقة اختيار الألفاظ، وتأليفها للتعبير بها عن المعاني قصد الإيضاح، والتأثير، أو هو العبارات اللفظية المنسقة لأداء المعاني، فأسلوب القرآن هو طريقته التي انفرد بها في تأليف کلامه، واختيار ألفاظه» (الزرقاني، ١٤٠٨ھ، ج 2، ص 199). ويری بيیر جيرو[8] أنّ الأسلوب: «طريقة للتعبير عن الفكر بواسطة اللغة» (ناظم، 2002م، ص 20). 2ـ2. الأسلوبية «الأسلوبية هي منهج نقدي لساني تقوم على دراسة النصّ الأدبي دراسة لغويّة لاستخلاص أهمّ العناصر المكوّنة لأدبية الأدب؛ إذ تجعل منطلقها الأساس النص الأدبي؛ أي أنّ الأسلوبية تنطلق من النص لتصبّ في النص، أو كما يقال قراءة النصّ ذاته» (خليل وزيدي، 2015م، ص 266). «مصطلح الأسلوبية يتجاوز مصطلح الأسلوب، وإن كان مجالها يظلّ في دائرته، وهي في الوقت ذاته تفتح لها مجالات أرحب وأفسح؛ فمنها دراسة الإمكانات اللغوية التي تولد تأثيرات جماليّة، ودراسة الركائز التي يعتمد عليها هذا التأثير الجمالي» (عيد، 1993م، ص 21). إنّما المهمة الأساسية للأسلوبية هي فحص نوع اختيار الكلمات، وسبب تفضيل خيار على الآخر (فتوحی، 1390ھ.ش، ص 39). ويقول جفری فینش[9] إن الأسلوبية هي أحد مجالات علم اللغة الحديث التي تحلّل الأساليب الأدبيّة (2000م، ص 189؛ باغيرزاد، 2019م، ص 41). وهناك اختلاف بين علم اللغة، والأسلوبيّة، لأنّ «علم اللغة هو الذي يدرس ما يقال، في حين أنّ الأسلوبيّة هي التي تدرس كيفيّة ما يقال، مستخدمة الوصف، والتحليل في آن واحد» (عبد المطلب، 1994م، ص 186). 2-3. الجمالية لغة واصطلاحاً الجمال لغة مصدر الجميل، والفعل جمل (ابن منظور، 2003م، ج 2، ص 20)، جاء في المعجم الوسيط: «جمل جمالاً: حسن خلقه، وحسن خلقه، فهو جميل وجمله: حسنه وزينه. ويقال في الدعاء: جمل اللّٰه عليك: جعلك اللّٰه جميلاً حسناً» (مصطفى وآخرون، 1387ھ.ش، ج 1، ص 136)؛ وأمّا مصطلح "الجماليّة" فهو معادل لمصطلح "استطيقا"[10]، وترجمة للكلمة «استیتیکوس[11]» اليونانية (لطرش، 2017م، ص 14). وعرّف جبور عبد النور الجمال بقوله: هو ما يثير فينا إحساساً بالانتظام، والتناغم، والكمال، وقد يكون ذلك في مشهد من مشاهد الطبيعة، أو في أثر فني من صنع الإنسان، وإننا لنعجز على تحديد واضح لماهيّة الجمال، لأنّه في واقعه إحساس داخلي يولد فينا أثراً تتلاقی فيه عناصر متعدّدة، ومتنوّعة، ومختلفة باختلاف الأذواق؛ ومعرفة الجمال ليست خاضعة للعقل، ومعاييره، بل هي اكتناه انفعالي (1984م، ص 85). ويميّزها باركر[12] عن العلوم الأخرى قائلا: «هو كشف الخصائص النوعية للفنّ الجميل، تحديد العلاقة بين الفنّ، والمظاهر الحضارية الأخرى كالعلم، والصناعة، والأخلاق، والفلسفة، والدين» (إسماعيل، 1992م، ص 17). 2ـ4. سورة الإنسان هذه السورة مدنية، عدد آياتها 31، وترتيبها في القرآن الکریم 76، سمّیت بأسماء عديدة، أشهرها: "الإنسان"، و"الدهر"، و"هل أتى". ومع ذلك، هناك اختلاف بين العلماء والمفسّرين في كون كلّ آيات هذه السورة مكية، أو مدنية؛ ولكنّ أغلبهم يعتقدون أنّ الآيات 5 إلى 22، والتي تمّ اختيارها للبحث الحالي نزلت في المدينة.
2ـ5. سورة عبس هذه السورة مكية، عدد آياتها 42، وترتيبها في القرآن الکریم 80، ولها أسماء أخرى، نحو: "الصاخّة"، و"السفرة"، وسورة "الأعمی"، وسورة "ابنأم مکتوم". وتقع في الجزء الثلاثين.
في سورتی الإنسان وعبس أساليب متنوّعة، لها تأثير كبير على جمال كلام البارئ ـ جلّ جلاله ـ تؤدّي إلی التأثير على الجمهور؛ وفي هذا القسم، نشير إلى أهمّ الأسالیب في السورتین: 3ـ1. الأسلوب الخبري إنّ أحد الأساليب الأكثر استخداماً في المحادثات، والتعبير عن الأحداث هو الأسلوب الخبري، والذي يتعيّن علينا استخدامه للتعبير عمّا حدث. وهناك تعاریف متعدّدة للخبر، والقاسم المشترك بينها هو أنّ الخبر عبارة عن الكلام الذي يحتمل الصدق، والكذب (السكاكي، 1407ھ، ص 164؛ مطلوب، د.ت، ص 464؛ عباس ، 1405ھ، ص 103؛ هاشمى، 1383ھ.ش، ص 92)، ويرى بعض العلماء أنّ الخبر هو «ما يتوقّف تحقّق مدلوله على النطق به» (المراغي، د.ت، ص 45). وقد قسّم النحويون الجملة الخبرية إلى نوعين: ـ الجملة الاسمية: وهي ما تركبت من المبتدأ والخبر، وتفيد بأصل وضعها ثبوت شيء لشيء ليس غير بدون نظر إلى تجدّد، ولا استمرار (هاشمى، 1383ھ.ش، ص 120)؛ ـ الجملة الفعلية: وهي ما تركبت من الفعل، والفاعل، أو من الفعل، ونائب الفاعل، وهی موضوعة لإفادة التجدّد، والحدوث في زمن معيّن مع الاختصار (المصدر نفسه، ص 119). الجدول التالي يظهر نسبة تواتر الجمل الاسمية، والجمل الفعلية في السورتين:
الجدول 1: تواتر الجمل الاسمية، والفعلية في سورة الإنسان
الجدول 2: تواتر الجمل الاسميّة، والفعليّة في سورة عبس
وفقاً للجدولين 1 و 2، في السورتين کلتیهما، فإنّ عدد تواتر الجمل الفعلية أكثر بكثير من عدد تواتر الجمل الاسمية، وهذه النسبة في سورة الإنسان (80٪)، وفي سورة عبس (70٪). إنّما الاسم أعمّ، وأثبت في الدلالة من الفعل؛ لأنّ الأخير يقيّد بأحد الأزمنة الثلاثة مع إفادة التجدّد؛ ولكن الإفادة بالاسم لا تقتضي التقيد بالزمن، والتجدّد، لما كانت الجمل الاسمية تضفي على النصّ صفة الثبوت، والدوام (الخطيب القزويني، 2011م، ج 2، ص 148؛ متقى زاده وآخرون، 1396ھ.ش، ص 32). وتدل الجملة الفعلية على الحدوث، والتجدّد (الخطيب القزويني، 2008م، ص 99)، فغلبة استخدامها في الآيات المدروسة في هذا البحث ترجّح كفّة الحركة فيها، وتزيد من ديناميكية كلام اللّٰه ـ تعالى ـ وتلعب دوراً هامّا في التأثير على عقل، ونفس مخاطب هذه الآيات. وأمّا الفعل ـ كما يشير أبو حيان ـ فيدلّ على الحدث بلفظه، وعلى الزمن بصيغته (السيوطي، 1998م، ص 19)، وهناك أربعة أنواع للجملة الفعلية حسب زمانها: 3ـ1ـ1. الفعل الماضي الدلالة الزمنية للفعل الماضي جاءت لتدلّ علی أصل وضعه بصيغته الصرفية، وليس هناك دلالات زمنية محوّلة عن هذه الصيغة؛ «لأنّ اللفظ الماضي ليس موضوعاً للحدث الكائن فيما مضی من الزمان، بل بكلّ ماض من الزمان، أو المكان، نحو: مضی في الأرض» (الأستراباذي، 1975م، ج 1، ص 39 ـ 40)، وعرّف ابن جني الفعل الماضي بأنّه: ما قرن به الماضي من الأزمنة، نحو قولك: قام أمس (2010م، ص 108)، و لفظ "أمس" في كلامه يدلّ علی الزمن الماضي بتّاً. قد استخدم اللّٰه تبارك وتعالى، الأفعال الماضية في السورتين؛ وبسبب دلالة الفعل الماضي علی الحدث، فهو يدلّ علی انقطاع الزمن في الحال؛ لأنّه دلّ علی حدث شيء قبل زمن التكلّم (البستي، 1984م، ج 1، ص 592)، ولا تغيير له، نحو: ـ سورة الإنسان: «فَوَقَاهُمُ اللّٰه شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورا ! وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراª ﴿الإنسان 76: 11 ـ 12﴾. ـ سورة عبس: «عَبَسَ وَتَوَلَّى ! أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَىª ﴿عبس 80: 1-2﴾، و«أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىª ﴿عبس 80: 5﴾. لکن الفعل الماضي يدلّ أحياناً علی الزمن المستقبل علی خلاف الأصل؛ فیقول حامد عبد القادر: «إنّ هذه اللغة الحافلة بالعجائب، والأسرار تفوّق اللغات الحيّة في استعمال الماضي لأغراض أخری، وفي مقدّمة هذه الأغراض أنّ الماضي يستعمل لما سيقع في المستقبل، أي أنّه يحلّ محلّ المضارع إذا دلّ السياق علی ذلك» (1958م، ج 10، ص 70). هناك عدّة عوامل تحوّل الفعل الماضي إلی الاستقبال، نحو: "ما" المصدرية الظرفية، و"قد"، و"كلّما"، و"حيث"، وأدوات الشرط، و"لو". نجد في هاتين السورتين الأفعال الماضية الدالة علی المستقبل، نحو: ـ سورة الإنسان: «.... إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيراª ﴿الإنسان 76: 19-۲۰﴾؛ فإدخال "إذا" على فعل "رأيت" يدلّ على أنّ هذه الرؤية لم تحدث بعد، کما لا تدلّ علی حدوثه مرّة واحدة، بل هی أمر مستمرّ، وفي كلّ مرّة تنظر إليها تجدها بنفس الأوصاف المذكورة. ـ سورة عبس: «أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىª ﴿عبس 80: 5﴾، «وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَىª ﴿عبس 80: ۸﴾؛ دخول "من" الشرطیة على الفعلين "اسْتَغْنَى" و"جَاءَكَ"، يؤدّي إلى تحويل دلالتهما من الماضي إلى المستقبل. فضلاً إلى ذلك، عندما يستخدم الفعل الماضي للتعبير عن أمر قطعي لا بدّ من وقوعه، فإنّه يدلّ على الزمن المستقبل، كما یقول الخطيب القزويني: «التعبير عن المستقبل بلفظ المضى تنبيهاً على تحقّق وقوعه، وأنّ ما هو للوقوع كالواقع» (بوخلخال، 1987م، ج 1، ص 55)، وهناك مصاديق لهذه الحالة في سورة الإنسان، نحو: «إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراª ﴿الإنسان 76: 5﴾، و«وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاª ﴿الإنسان 76: ۱۷﴾. ففي هاتين الآيتين، أخذ اللّٰه يصف شراب الأبرار الذي لا یختصّ بأمر وقع في الزمن الماضي، بل الحقيقة أنّ هذا الشراب قد اختلط بالكافور، والزنجبيل اختلاطاً عندما يدخل الأبرار الجنّة، ويشربون من هذا الشراب، يتذوقون بالتأكيد هذا الطعم. وكذلك في الآيات التالیة من سورة الإنسان: «فَوَقَاهُمُ اللّٰه شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ! وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراª ﴿الإنسان 76: 11 ـ ۱۲﴾. «عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُوراª ﴿الإنسان 76: ۲۱﴾. من الواضح أنّ الوقاية من شرّ ذلك اليوم، والتلقية، والجزاء، والحلية، والسقاية أمور سوف تتحقّق في المستقبل؛ ولكنّ اللّٰه عبّر عنها بالزمن الماضي دلالة على قطعية وقوعها، بل وکأنّها لقد وقعت. فلا توجد مصاديق لهذه الحالة في سورة عبس. والجدول التالي يظهر عدد تواتر الحالات المختلفة للفعل الماضي في السورتين: الجدول 3: تواتر الفعل الماضي في السورتين
3ـ1ـ2. الفعل المضارع الأصل في الفعل المضارع أنّه يدل علی وقوع فعل في الحال، أو الاستقبال؛ نماذج منه في سورة الإنسان، نحو: «إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًاª ﴿الإنسان 76: 5﴾، و«مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًاª ﴿الإنسان 76: ۱۳﴾، و«وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاª ﴿الإنسان 76: 15﴾، و«وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًاª ﴿الإنسان 76: 17﴾، واستخدام الفعل المضارع في هذه الآيات للدلالة على استمرار الشرب، والرؤية، والطواف، والسقاية في الجنّة، وعدم انقطاع هذه النعمات للأبرار. 3ـ1ـ3. فعل الأمر معنى الأمر طلب فعل شيء، ولا يسمّى أمراً إلا إن كان صادراً ممن هو أعلى درجة إلى من هو أقلّ منه. وله صيغتان: صيغة فعل الأمر الصريح، وصيغة "لام الطلب" الجازمة المختصة بالدخول على المضارع (حسن، 1974م، ج 4، ص 366). 3ـ1ـ4. فعل النهي النهي في اللغة خلاف الأمر، وهو طلب الامتناع عن الشيء (ابن منظور، 1992م، ص 343)، ومعناه طلب الكفّ عن شيء. وأداته واحدة هي: "اللاء الطلبية"، وتسمّى "اللاء الناهية"، إن كان النهي صادراً من أعلى لأدنى؛ فإن كان من أدنى لأعلى سمّيت: "اللاء الدعائيّة"، وإن كان من مساو إلى نظيره سمّيت "اللاء التي للالتماس" (حسن، 1974م، ج 4، ص 367). لا أثر من استخدام صیغتی الأمر، والنهی في السورتين الإنسان، وعبس؛ لأنّهما مختصتان لوصف الأبرار والغافلین عن الفقراء والمحتاجين، ولا تشملان على أمور فیها طلب من اللّٰه تعالى إلی عباده لأداء فعل، أو تركه، بل تشرحان لنا كيفيّة سلوكهم، وعاقبة أمرهم، ويترك الأمر للمخاطب ليقرّر أن يعمل وفق سلوك أيّ من هذين الفريقين؛ أي الأبرار، والغافلين عن الفقراء. ويظهر الجدول التالي عدد تواتر الأفعال الموجودة في السورتین من حيث الزمن:
الجدول 4: تواتر الأفعال في سورة الإنسان
الجدول 5: تواتر الأفعال في سورة عبس
3- 2. أسلوب الإنشاء الإنشاء لغة الإيجاد، واصطلاحاً كلام لا يحتمل صدقاً، ولا كذباً لذاته (هاشمى، 1383ھ.ش، ص 125)؛ وبعبارة أخرى، هو «الكلام الذي يتوقّف تحقّق مدلوله على النطق به» (المراغي، د.ت، ص 45)، وينقسم إلى نوعين: ـ الإنشاء غير الطلبي: هو ما لا يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب، ويكون بصيغ المدح والذمّ، وصيغ العقود، والقسم، والتعجب، والرجاء، وكذا يكون برُبّ، ولعلّ، وكم الخبرية (هاشمى، 1383ھ.ش، ص 126)؛ ـ الإنشاء الطلبي: هو الذي يستدعي مطلوباً غير حاصل في اعتقاد المتكلّم وقت الطلب، وأنواعه خمسة: الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والنداء (المصدر نفسه، ص 127 ـ 128). لا يوجد أيّ نوع من أنواع الإنشاء في سورة الإنسان؛ وأما في سورة عبس، فلا يوجد الإنشاء سوى الاستفهام ـ من أنواع الإنشاء الطلبي ـ وهو «طلب معرفة شيء مجهول حقّاً للمتكلّم، أم إنكارياً أم توبيخياً» (حسن، 1974م، ج 4، ص 368)، نحو: «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ! أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَىª (عبس 80: 3 ـ 4)، و«وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىª ﴿عبس 80: ۷﴾. ففي الآيتين الثالثة والسابعة، استخدام حرف الاستفهام "ما" يدلّ على الإنكار، والآية الرابعة معطوفة على الآية الثالثة، وتقديرها هو: "وما يدريك لعلّه يذّكّر فتنفعه الذكرى"، بمعنى أنّ تزكيته، وتذكيره لا يسبّبان مشقّة فيك.
3ـ3. أسلوب النفي إنما النفي هو ردّ الشيء أو جحده؛ فهو في الاصطلاح سلب معنى الجملة بإحدى أدوات النفي (ابن يعيش، 2001م، ص 85 ـ 86)، وضدّه الإثبات (يعقوب وعاصي، 1987م، ج 1، ص 40). التقييد بالنفي يكون لسلب النسبة على وجه مخصوص ممّا تفيده أحرف النفي السبعة، وهي: "لا، ما، لات، إن، لن، لم و لمّا". ﻓ"لا" للنفي مطلقاً، و"ما"، و"إن"، و"لات" لنفي الجمل الاسمية في زمن الحال، و"لن" لنفي الاستقبال، و"لم"، و"لمّا" لنفي المضي (هاشمى، 1383ھ.ش، ص 303). في اللغة العربية، يستخدم أسلوب النفي لإنكار عمل، أو قول ما، أو لنقض حجّة، أو فكرة، أو موضوع معيّن. لا توجد أحرف النفي في هاتين السورتين إلّا "لا" النافية، وهي "لا" التي تسبق الفعل، وتفيد نفي حدوثه (ابن هشام الأنصاري، 1979م، ص 233)، وقد استخدم اللّٰه تعالى هذه الأداة في السورتين، نحو: ـ في سوره الإنسان: «إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّٰه لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًاª ﴿الإنسان 76: 9﴾، و«مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًاª ﴿الإنسان 76: ۱۳﴾. ـ وفي سوره عبس: «وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىª ﴿عبس 80: 7﴾. في هذه الآيات، استخدام "لا" يدلّ على عدم إرادة الجزاء، والشكر، وكذلك عدم رؤية الشمس، والزمهرير بشكل مطلق، وبدون أيّ شروط في زمن الحال، والاستقبال. الجدول 6: تواتر أداة النفي "لا" في السورتين
3ـ4. التركيب النعتي النعت (أو الصفة، أو الوصف) تابع يكمل متبوعه، أو سببيّ المتبوع، بمعنى جديد يناسب السياق، ويحقّق الغرض، وينقسم باعتبار لفظه إلى مفرد، وجملة، وشبه جملة (حسن، 1974م، ج 3، ص 434 ـ 458). إنّما لا يوجد أيّ نوع من الأنواع الثلاثة للنعت في سورة عبس، ولكنّه يوجد بجميع أشكالها في سورة الإنسان، نحو: ـ النعت المفرد: «إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًاª ﴿الإنسان 76: 10﴾، و«وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ! وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ! عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًاª ﴿الإنسان 76: 19 ـ ۲۱﴾. ـ النعت الجملة (الجملة الوصفية): «إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللّٰه يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ! يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًاª ﴿الإنسان 76: 5 ـ 7﴾، و«يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا ! قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ! وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا ! عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا *وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًاª ﴿الإنسان 76: 15 ـ 19﴾. ـ شبه الجملة: شبه الجملة (الظرف، والجار والمجرور) يصلح أن يكون نعتاً بشرطين: أوّلهما: أن يكون تامّاً، أي مفيداً. وإفادته تكون بالإضافة، أو بتقييده بعدد، أو غيره من القيود التي تجعله يحقّق غرضاً معنويّاً جديداً؛ وثانيها: أن يكون المنعوت نكرة محضة (المصدر نفسه، ص 476). إنّما يوجد في سورة الإنسان مصاديق لهذا القسم من النعت، نحو: «ويُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا ! قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًاª ﴿الإنسان 76: 15 ـ 16)، و«عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًاª ﴿الإنسان 76: ۲۱﴾. وفي بعض آياتها، نشاهد نوعين من أنواع النعت، نحو: ـ شبه الجملة، والجملة: «يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا ! قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًاª ﴿الإنسان 76: 15 ـ 16). ـ المفرد، والجملة: «وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًاª ﴿الإنسان 76: ۱۹﴾. ـ المفرد، وشبه الجملة: «عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًاª ﴿الإنسان 76: ۲۱﴾. والجدول التالي يظهر عدد تواتر التركيب النعتي في الآيات المدروسة من السورتين:
الجدول 7: تواتر التركيب النعتي في السورتين
3ـ5. عملية الربط والتكرار العطف تابع يتوسّط بينه، وبين متبوعه حرف من الحروف العشرة يسمّى: "حرف العطف"، ويؤدّي معنى خاصّاً (حسن، 1974م، ص 555 ـ 556)، والتكرار في الاصطلاح البلاغي عبارة عن «تكرار الكلمة، أو اللفظة أكثر من مرّة في سياق واحد لنكتة» (ابن معصوم المدني، 1414ھ، ج 5، ص 135)، وقد ورد في معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب: التكرار الإتيان بعناصر متماثلة في مواضيع مختلفة من العمل الفني؛ والتكرار هو أساس الإيقاع بجميع صوره (1484ھ، ص 117 ـ 118). وهناك عشرة أحرف للعطف: واو، فاء، ثمّ، حتّى، أم، أو، إمّا، لكن، لا وبل. إنّما لا تحقّق بلاغة الوصل في الجملة إلّا بالواو العاطفة فقط دون بقيّة حروف العاطفة؛ لأنّ الواو هي الأداة التي تخفى الحاجة إليها، ويحتاج العطف بها إلى لطف في الفهم، ودقّة في الإدراك؛ إذ لا تفيد إلّا مجرّد الربط، وتشريك ما بعدها لما قبلها في الحكم. بخلاف العطف بغير الواو، فيفيد مع التشريك معاني أخرى؛ كالترتيب مع التعقيب في الفاء (هاشمى، 1383ھ.ش، ص 355). في الحقيقة، الغرض من عطف الجمل ربط بعضها ببعض، وإظهار التماسك بينها، وأنّ المتكلّم لم يقطع الجمل، وإنّما أراد اتّصالها ببعضها. من بين الحروف العاطفة، تكرار حرفي "واو"، و"فاء" في سورة الإنسان مشهود لأغراض شتّى، منها: 1. ربط الأساليب الخبرية، نحو: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴿الإنسان 76: 7﴾؛ 2. ربط التراكيب النعتيّة، نحو: «عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًاª ﴿الإنسان 76: 21)؛ 3. ربط أسلوب النفي، نحو: «إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّٰه لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًاª ﴿الإنسان 76: ۹﴾. و قد كرّرت أحرف "واو"، "فاء" و"أو" في سورة عبس: 1. لربط الأساليب الخبرية، نحو: «عَبَسَ وَتَوَلَّىª ﴿عبس 80: ۱﴾؛ 2. لربط أسلوب الاستفهام، نحو: «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ! أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَىª ﴿عبس 80: 3 ـ 4﴾. أما ظاهرة التكرار في مجال الأدب، فهي من الظواهر الأسلوبية البلاغية المهمة التي تسترعي انتباه السامعين؛ بذلك قد أعارها البلاغيّون، والأسلوبيون عناية فائقة، وحاولوا أن يكشفوا الستار عن جماليّاتها في النصوص؛ للتكرار فوائد كثيرة، منها تقوية أدبيّة الكلام، والتأثير في نفوس المخاطبين (الزركشي، د.ت، ج3، ص 11؛ كلكلين نما وآخرون، 1399ھ.ش، ص 4). فإنّما اللّٰه تعالى باستخدام هذا الأسلوب في وصف الأبرار في سورة الإنسان، وكيفيّة عدم إجابة حاجات الفقير في سورة عبس، زاد من تأثير كلامه على المخاطب، وقوّى أدبيته إلى جانب خلق الجمالية في أسلوب آياته؛ إضافة على ذلك، في سورة الإنسان قد تكرّرت كلمة "إنّ" للدلالة على التأكيد، نحو: «إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًاª ﴿الإنسان 76: 5﴾، و«إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًاª ﴿الإنسان 76: ۱۰﴾؛ ولكن لا يوجد تكرار كلمة خاصّة في سورة عبس. والجدول التالي يظهر عدد تواتر الحروف الرابطة، والعاطفة، وحرف تأكيد "إنّ":
الجدول 8: عدد تواتر الحروف الرابطة، والعاطفة، وحرف تأكيد "إنّ" في السورتين
3ـ6. أسلوب التقدیم والتأخیر مرتبة المسند إليه التقديم؛ لأنّ مدلوله هو الذي يخطر أوّلاً في الذهن لأنّه المحكوم عليه، والمحكوم عليه سابق للحكم طبعاً، فاستحقّ التقديم وضعاً (هاشمى، 1383ھ.ش، ج 1، ص 247)، ويؤخّر المسند إليه إن اقتضى المقام تقديم المسند، ولا نلتمس دواعي للتقديم والتأخير، إلّا إذا كان الاستعمال يبيح كليهما (المصدر نفسه، ص 257). إنّما تقديم ما هو حقّه التأخير، والخروج عن الأصل قد يسبّب الجمالية للكلام. وهناك بعض دواع لهذا التقديم، نحو في سورة الإنسان: التشويق إلى المتأخّر: «وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًاª ﴿الإنسان 76: 14)، أو تقديم القيد (الجار والمجرور) على بعض أركان الجملة، نحو: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًاª ﴿الإنسان 76: ۸﴾، و«وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًاª ﴿الإنسان 76: ۱۲﴾. في هذه الآيات، قد تمّ تقديم الجار والمجرور على مفعول الجملة للتأكيد على أهمّيّة الفعلین "الإطعام"، و"الجزاء"؛ لأنّ هذه الأفعال لم تحدث في الظروف العادية، على سبيل المثال، لم يتمّ إطعام الفقير في وضع يكون لديهم طعام آخر يمكنهم الاستفادة منه؛ لكنّهم أعطوه للفقير في غاية حاجتهم إليه. وكذلك، في الآية 16 من سورة الإنسان، كان صبرهم في مواجهة الصعوبات، والمصاعب عظيماً، ومستحقّاً للثناء حتّی أنّ اللّٰه قدّمه ـ أي سبب الجزاء ـ على نوع الجزاء، وهي جنّته الأبدية. وفي سورة عبس، نشاهد تقديم الجار والمجرور للتخصيص، نحو: «فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّىª ﴿عبس 80: 6﴾، و«فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّىª ﴿عبس 80: ۱۰﴾. فالتقديم والتأخير، إضافة إلى أنّ قد أدّی إلی خلق أسلوب خاصّ، ومتنوّع في الآيات المذكورة، قد أعطى كلام اللّٰه جمالاً خاصّاً، ممّا يجذب انتباه الجمهور، ويؤثّر في أعماق روحه. الجدول 9: عدد تواتر أسلوب التقديم والتأخير في السورتين
3ـ7. أسلوب الحذف الحذف اصطلاحاً ـ کما ذکره کریستال في معجمه معادلاً ﻟ"اليبسيس"[13]، یطلق علی خلوّ جملة لاحقة من عنصر تدلّ عليه قرينة في الجمل السابقة (فرج، 2007م، ص 87)، وهو خلاف الأصل لمجرّد الاختصار، والاحتراز عن العبث بناء على وجود قرينة تدلّ على المحذوف (هاشمى، 1383ھ.ش، ص 207 ـ 208)؛ ولكن في بعض الأحيان، علاوة على الاختصار، هناك دواع أخرى لحذف بعض العناصر، والأركان من الجمل. وعلى سبيل المثال، قد حذفت عبارات، وكلمات من بعض آيات السورتين لغرائض شتّی، نحو: ـ العلم الواضح بالمحذوف: «إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ [خمراً] مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًاª ﴿الإنسان 76: 5﴾، و«أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىª [بما لديه؛ أي: اكتفى بما لديه] ª﴿عبس 80: 5﴾، و«وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى [إليك لقضاء حاجته؛ أي: قام، أو حاول؛ أو سعى في طلب حاجته] ! وَهُوَ يَخْشَى (من اللّٰه) ª﴿عبس 80: 8 ـ ۹﴾. ـ ظهورها بدلالة القرائن عليها: «[يَشْرَبُون أو يعطون] عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللّٰه يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًاª ﴿الإنسان 76: 6﴾. «وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا ! [وَيُسْقَوْنَ] عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًاª ﴿الإنسان 76: 17 ـ 18﴾. ـ المحافظة على السجع، والوزن؛ على سبيل المثال، في سورة عبس: «عَبَسَ وَتَوَلَّى [عنه] ª﴿عبس 80: ۱﴾، و«وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى [نفسه] ª(عبس 80: 3﴾، و«وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى [نفسه] ª﴿عبس 80: ۷﴾. وبهذه الطريقة خلق اللّٰه جمالاً وأسلوباً خاصّاً في كلامه. والجدول التالي يظهر عدد تواتر هذا الأسلوب في السورتين: الجدول 10: تواتر أسلوب الحذف في السورتين
3ـ8. التضاد (الطباق) والتقابل الطباق في اللغة "التوافق"، و"طابقت بين الشیئین إذ جعلتهما علی حذو واحد" (ابن منظور، 1992م، مادّة طبق)، وفي الاصطلاح هو الجمع بين لفظين متقابلين في المعنى قد يكونان اسمين، أو حرفين، أو مختلفين، فيكون تقابل المعنيين، وتخالفهما ممّا يزيد الكلام حسناً، وطرافة (هاشمى، 1383ھ.ش، ص 247 ـ 249)، ولها أسماء أخرى، نحو: "المطابقة"، و"التطبيق"، و"التضاد"، و"التكافؤ". في سورة الإنسان، قد استخدم هذا الأسلوب في عدّة آيات، نحو: «إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ! فَوَقَاهُمُ اللّٰه شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًاª ﴿الإنسان 76: 10 ـ 11﴾، و«مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ! وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًاª ﴿الإنسان 76: 13 ـ 14﴾. في هذه الآيات، هناك الطباق بين "عَبُوس، ونَضْرَة، وسُرُور"، وكذلك بين "شَمْس، وزَمْهَرِير، وظِلَال". وكذلك في آيات سورة عبس، نحو: «عَبَسَ وَتَوَلَّىª ﴿عبس 80: ۱﴾، و«فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّىª ﴿عبس 80: 6﴾، و«فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّىª ﴿عبس 80: 10﴾، هناك الطباق بين "تَوَلَّى، وتَصَدَّى، وتَلَهَّى". وفي الحقيقة، استخدام الكلمات المضادّة في الجملة له غرض بلاغي، لأنّ سماع شيء ما قد يتبادر إلى الذهن نقيضه، "وبضدّها تتبيّن الأشياء"، وبالتالي فهو يعتبر وسيلة لربط المعاني، ونقل الأفكار (همایی، 1389ھ.ش، ص 178). فاستخدام الكلمات المضادّة في السورتين كان لغرض إحضار المعاني المتضادّة في ذهن المخاطب ليدرك المضامين المقصودة بشكل أحسن؛ وهذا الأمر يزيد على تأثير كلام اللّٰه تعالى في نفوس المخاطب، ويعطي نصّ الآيات جمالاً خاصّاً. والمقابلة هي أن يؤتى بمعنيين متوافقين، أو معان متوافقة، ثمّ يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب (هاشمى، 1383ھ.ش، ص 250). ولا توجد المقابلة في سورة الإنسان؛ ولكنّها موجودة في بعض الآيات من سورة عبس، نحو: «أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ! فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّىª ﴿عبس 80: 5 ـ 6﴾، و«وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَىª ﴿عبس 80: 8﴾، و«فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّىª ﴿عبس 80: 10﴾. فهناك المقابلة بين الآيتين 5 و6، والآيتين 8 و10؛ وبما أنّ قيمة الطباق والمقابلة تتجلّى في الجمع بين الأضداد، فأدّى استخدام هذا الأسلوب إلى جعل المحتوى والمضامين المقصودة أكثر وضوحاً، والآيات أكثر جمالاً.
الجدول 11: تواتر أدوات الطباق والمقابلة في السورتين
الخاتمة يظهر الجدول التالي تواتر الأساليب المختلفة المستخدمة في سورتی الإنسان، وعبس:
الجدول 12: عدد تواتر الأساليب المختلفة في السورتين
الشكل 1: الرسم البياني لتواتر الأساليب المختلفة في السورتين
فوفقاً للجدول 12، إنّ أهمّ الأساليب المستخدمة في الآيات المختارة من السورتين الإنسان وعبس، هو الأسلوب الخبريّ، وأسلوب الإنشاء، وأسلوب النفي، والتركيب النعتي، وعمليّة الربط والتكرار، وأسلوب التقديم والتأخير، وأسلوب الحذف، والطباق والتقابل؛ وفي كلتا السورتين الأسلوب الخبريّ هو الأكثر حضوراً، وفیه ـ أي في الأسلوب الخبري ـ قد استخدمت الجمل الفعلية أكثر بالنسبة للجمل الاسمية؛ ومن بين أنواعه من حيث الزمن، الفعل الماضي هو الأكثر حضوراً (56%) في سورة الإنسان، والفعل المضارع هو الأكثر حضوراً (64%) في سورة عبس. ولم يتمّ استخدام أفعال الأمر، والنهي في كلتا السورتين، وهذا يتناسب مع مضامينهما التي تصف الأبرار، والأشخاص العبوس، وكيفيّة عملهم. وتعود كثرة استخدام الفعل الماضي في سورة الإنسان إلى أن محتوى هذه السورة يدور حول المكافأة، والجزاء القطعي لعمل الأبرار، والذي لا شكّ في إعطائه، وبهذه الطريقة ينبّه، ويشجّع الجمهور للقيام بذلك؛ وكثرة استخدام الفعل المضارع في سورة عبس يصوّر القصة في ذهن المخاطب بطريقة کأنّها تحدث في زمن الحال؛ ويمكن الاستنتاج أنّه إذا بخل شخص، ورفض العطاء، ومساعدة الفقراء، والمحتاجين، في زمن الحاضر، أو المستقبل، سيكون له مثل هذا المصير، وبالتأكيد، يسبّب في غضب اللّٰه، وعدم رضاه. في الحقيقة، حكاية البخل، وطريقة إعراض الشخص عن السائل قد ذكرت في آيات سورة عبس كنموذج لعمل البخلاء، وطريقة تصرّفهم، والتي يمكن أن نجد لها مصاديق أيضاً في الوقت الحالي، وربّما في المستقبل. وإنّما اللّٰه تعالى باستخدام المزيد من الفعل المضارع، يحذر من أنّ سلوكهم دائماً سيؤدّي إلى هذه النهاية. ووفقاً للسطر الأخير من الجدول 12، فإنّ عدد الأساليب المستخدمة في سورة الإنسان (109) يقرب من ضعف عدد الأساليب المستخدمة في سورة عبس (47)، وهذا يرجع إلى أنّ اللّٰه قد استخدم أساليب مختلفة لوصف عمل الأبرار الجميل للغاية، وكذلك لوصف الظروف التي ضحوا فيها، وقدّموا الطعام الوحيد الذي كان لديهم للفقراء، نحو: استخدام التضاد والتقابل، واستخدام التراكيب النعتية بجميع أنواعها، بما فيها النعت المفرد، وشبه الجملة، والجملة الوصفي؛ وبتقديم ما هو حقّه التأخير فقد لفت انتباه الجمهور إلى هذه الواقعة المهمّة، ونتائجها المذهلة، وكيفيّة حياتهم في الجنّة.
[1]. Simpson [2]. Verdonk [3]. Theoretical Stylistics [4]. Applied Stylistics [5]. Comparative Stylistics
[6]. Style [7]. Stilus [8]. Pierre Giraud [9]. Geoffrey Finch [10]. Aesthetica [11]. Aesthetikos [12]. Parker [13]. Ellipsis | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أ. العربية *القرآن الکریم الأبطح، جلال. (1994م). الأسلوبية. ط 2. حلب: مركز الإنماء الحضاري. ابن جني الموصلي، أبو الفتح عثمان. (2010م). اللمع في العربية. تحقیق فائز فارس. الكويت: دار الكتب الثقافية. ابن معصوم المدني، علي بن نظام الدين. (1968م). أنوار الربيع في أنواع البديع. تحقيق شاكر هادي شكر. النجف: النعمان. ابن منظور، جمال الدین محمد. (2003م). لسان العرب. القاهرة: دار الحدیث. ابن يعيش، أبو البقاء موفق الدين. (2001م). شرح المفصّل للزمخشري. بيروت: دار الكتب العلمية. ابن هشام الأنصاري، أبو محمد جمال الدین. (1979م). مغني اللبيب عن كتب الأعاريب. بيروت: دار الفكر. الأرکي، عمر رحمن حميد. (2012م). «جمالية الأسلوب القرآني الكامنة في صور الحذف». مجلة جامعة تكريت للعلوم. ع 9. ص 36 ـ 55. الأستراباذي، رضي الدين محمد بن الحسن. (1975م). شرح الرضي على الكافية. طهران: مؤسّسة الصادق. إسماعيل، عز الدين. (1992م). الأسس الجمالية في النقد العربي: عرض وتفسير ومقارنة. القاهرة: دار الفكر العربي. پرچگانى، فاطمه؛ وسميه مديرى. (1401ھ.ش). «جماليّة أساليب الخطبة رقم 155 من نهج البلاغة: وصف بديع خلقة الخفّاش». دراسات الأدب الإسلامي. ع 3. البستي، علي بن سليمان. (1984م). كشف المشكل في النحو. تحقيق هادي عطيّة. بغداد: مطبعة الإرشاد. بوخلخال، عبد اللّٰه. (1987م). التعبير الزمني عند النحاة العرب. الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية. بهادرزهى ملك آبادى، عبد الباسط؛ حميد احمديان، وسميه حسنعليان. (1400ھ.ش). «دراسة أسلوبية في سورة الجاثية». بحوث في اللغة العربية. ع 25. ص 59 ـ 74. حسن، عباس. (1974م). النحو الوافي. ط 3. مصر: دار المعارف. الخطيب القزويني، جلال الدین محمد بن عبد الرحمن. (2011م). الإيضاح في العلوم البلاغية. تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي. ط 3. بيروت: دار الجيل. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . (2008م). تلخيص المفتاح في المعاني والبيان والبديع. بيروت: المكتبة المصرية. خلیل، محمد أبوذر؛ و سید عمّار حیدر زیدي. (2015م). «الأسلوبیة وعلم اللغة العام»، Pakistan Journal of Islamic Research. ع 15. الزرقاني، محمد عبد العظيم. (١٤٠٨ھ). مناهل العرفان. بيروت: دار الفكر. الزركشي، محمد بن عبد اللّٰه. (د.ت). البرهان في علوم القرآن. تحقيق أبو الفضل إبراهيم. بيروت: دار إحياء الكتب العربية. الزمخشري، جار اللّٰه محمود بن عمرو. (1419ھ). أساس البلاغة، بيروت: دار الكتب العلمية. الزيات، أحمد حسن. (1945م). دفاع عن البلاغة. القاهرة: دار الرسالة للطباعة والنشر والإعلام. السكاكي، أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر. (1407ھ). مفتاح العلوم. تعليق نعيم زرزور. ط 2. بیروت: دار الكتب العلمية. السيوطي، جلال الدین عبد الرحمن بن أبي بكر. (1998م). الاقتراح. تحقيق محمدحسن الشافعي. بيروت: دار الكتب العلمية. شاملى، نصر اللّٰه؛ وسميه حسنعليان. (1432ھ). «دراسة أسلوبية في سورة "ص"». آفاق الحضارة الإسلامية. ع 1. ص 61 ـ 84. عباس، فضل حسن. (1405ھ). البلاغة فنونها وأفنانها (علم المعاني). ط 6. عمان: دار الفرقان. عبد القادر، حامد. (1958م). «معاني الماضي والمضارع في القرآن الكريم». مجلة مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة. ع 10. ص 65 ـ 72. عبد المطلب، محمد. (1994م). البلاغة والأسلوبية. القاهرة: دار نوبار. عبد النور، جبور. (1984م). المعجم الأدبي. بيروت: دار العلم للملايين. عيد، رجاء. (1993م). البحث الأسلوبي معاصرة. الإسكندرية: تراث منشأة المعارف. فرج، حسام أحمد. (2007م). نظريّة علم النص. القاهرة: مكتبة الآداب. فضل، صلاح. (1998م). علم الأسلوب: مبادئه وإجرائاته. القاهرة: دار الشروق. قياسوند، پرستو؛ وعلی باقر طاهرى نيا. (1388ھ.ش). «دراسة التكرار في قصّة موسى وفرعون في القرآن الكريم». التراث الأدبي. ع 5. ص 117 ـ 132. كلكلين نما، مرضيه؛ نصر اللّٰه شاملى، وسميه حسنعليان. (1441ھ). «جماليّة التكرار في الصحيفة السجّاديّة تركيزاً على دعاء العرفة». بحوث في اللغة العربية. ع 22. ص 1 ـ 12. لطرش، نوال. (2017م). جماليّات الأسلوب الإنشائي الطلبي في القرآن الكريم: سورة المؤمنون نموذجا. مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر في اللغة والأدب العربي. جامعة محمد الصديق بن يحي جيجل. متقى زاده، عیسی؛ فرامرز میرزایى، و یعقوب آقاعلیپور. (1396ھ.ش). «جمالیة بنية الأساليب النحويّة في قصّة "النمور في اليوم العاشر" لزكريا تامر». الجمعية الإيرانية للغة العربية وآدابها. ع ٤٢. ص 21 ـ 42. المحمود، عمر بن عبد العزيز. (1436ھ). «جماليّات التركيب والإيقاع في سورة عبس». مجلة العلوم العربية. ع 35. ص 229 ـ 368. المراغي، أحمد مصطفى. (د.ت). علوم البلاغة. ط 5. المكتبة المحمودية. المسدي، عبد السلام. (1956م). الأسلوبية والأسلوب. ط5. مصر: مكتبة النهضة المصرية. مصطفى، إبراهيم، وآخرون. (1387ھ.ش). المعجم الوسیط. بيروت: دار إحیاء التراث العربي. مطلوب، أحمد. (د.ت). معجم المصطلحات البلاغية وتطورها. ط 2. بیروت: مكتبة لبنان. ناظم، حسن. (2002م). البني الأسلوبية: دراسة في أنشودة المطر للسيّاب. المغرب: الدار البيضاء. وهبة، مجدي؛ وکامل المهندس. (1984م). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب. بيروت: مكتبة لبنان. يعقوب، إميل بديع؛ وميشال عاصي. (1987م). المعجم المفصل في اللغة والأدب. بيروت: دار العلم للملايين. ب. الفارسية جرفی، محمد؛ و عباد محمدیان. (1393ھ.ش). «بررسی سوره عبس از دیدگاه سبک شناسی گفتمانی میشل فوکو». پژوهش های ادبی ـ قرآنی. ش 2. ص 1 ـ 12. خرقانی، حسن. (1400ھ.ش). «زیباییشناسی دعای جوشن کبیر». تحقیقات علوم قرآن و حدیث. ش 2. ص 85 ـ 121. فتوحى، محمود. (1390ھ.ش). سبک شناسی: نظریه ها، رویکردها و روش ها. تهران: سخن. محمدىنژاد پاشاکى، احمد؛ نجمه محيايى؛ و فرهاد محمدىنژاد. (1399ھ.ش). «زیبایی شناسی نحوی بلاغی "إذا" در قرآن کریم». پژوهشنامه معارف قرآنی. ش 42. ص 139 ـ 156. هاشمی، احمد. (1383ھ.ش). جواهر البلاغه. ترجمه و شرح حسن عرفان. قم: بلاغت. همایی، جلالالدین. (1389ھ.ش). فنون بلاغت و صناعت ادبی. تهران: اهورا. يارى اصطهباناتى، علیاصغر؛ و حمیده کامکار مقدم. (1395ھ.ش). «بررسی سبکشناسی نحوی در سوره الإنسان». پژوهشهای زبان شناختی قرآن. ش 2. ص 121 ـ 140.
ج. اللاتینية باغيرزاد Bagirzade, Z.M. (2019) .»Rhetoric, Linguistics and Stylistics«. Russian Linguistic Bulletin. 3(19). pp. 41- 43. فينش Finch, G. (2000). Linguistic Terms and Concepts. New York: Palgrave. نورهاسليندا Norhaslinda, H. (2016). »Controversies in Stylistics: Leading to the Culmination of New Approaches«. Pertanika J.Soc. Sci & Hum. 24(3). 1163 - 1175. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 584 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 359 |