تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,652 |
تعداد مقالات | 13,408 |
تعداد مشاهده مقاله | 30,253,421 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,089,892 |
دور المشاركين في النص عند ديبوجراند وتطبيقاته علی النص القرآني | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
دوره 15، شماره 29، دی 2023، صفحه 21-36 اصل مقاله (1.2 M) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2022.132553.1403 | ||
نویسندگان | ||
صغری بدری1؛ سيد حيدر فرع شيرازي* 2؛ رسول بلاوي2؛ محمدجواد پورعابد2؛ خداداد بحری3 | ||
1طالبة الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة خليج فارس، بوشهر، إيران | ||
2أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة خليج فارس، بوشهر، إيران | ||
3أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة خليج فارس، بوشهر، إيران | ||
چکیده | ||
كل نصٍّ له رسالة تقوم على جملةٍ من الأهداف والمقاصد التي يمكن أن تكون ظاهراً سطحياً أو ضمنيةً بعيدة المدى؛ وعندما يتمّ إرسالها إلى المتلقّي، تخضعأو الرد. المقبولية تتعلّق بموقف متلقّي النص وعلى حسب رأي ديبوجراند ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعياري الاتساق والانسجام؛ فعلى المرسِل أن ينسج نصه متماسكاً متّسقاً ليحقّق مقاصده ولکي يلفت انتباه المتلقّي للنص، بغية المشارکة في فك شفرات النصّ وللحكم علی مدی التزام النص بمعياري التماسك والاتساق؛ وبعبارة أخرى يكون مقبولاً عنده أو غير مقبول. القصدية نبعٌ من النظرية التداولية، ولقبول النص من جانب المتلقّي، يجب أن يراعى مقتضى الحال في الكلام أو النص إلى جانب صحته النحوية والدلالية؛ ولهذا يمكن أن نعدّها من الملامح التداولية. يتناول هذا البحث وصفاً لمعياري القصدية والمقبولية في ضوء آراء ديبوجراند محاولاً تحديد أبعادهما، مع تطبيقات لهذين المعيارين من القرآن الكريم. توصّلت هذه الدراسة إلى نتائج، منها: أنّ مقبولية النص القرآني عند المتلقّين تكون نتيجة لتحقّق الفهم، وأن تطبيق هذين المعيارين على النص القرآني يساعد على فهمه بشكلٍ أفضل، وإن لا يزد فهماً جديداً. | ||
کلیدواژهها | ||
القرآن الکريم؛ النص؛ ديبوجراند؛ القصدية؛ المقبولية؛ الاتساق والانسجام؛ التداولية | ||
اصل مقاله | ||
لقد اهتمّت اللسانيات في بدايتها بالجملة فقط، ثمّ تحوّل اهتمام اللسانیين إلى النص بسبب عدم كفاية الجملة لكل قضايا الوصف اللغوي وتفسير الجملة بالدقة. كان أصحاب المذاهب اللغوية السابقة يعتبرون الجملة أساس الوحدة اللغوية الكبرى. فتنبّه اللسانيون المحدثون إلى ضرورة تجاوز دراساتهم اللغوية إلى مستوى أكبر من الجملة، كما يُشعَر بالاحتياج إلى دراسة السياق لتفسير العملية الاتصالية؛ وهذا ما دفعهم إلى أنّ الجملة لا تكفي للاستجابة على الوحدة المعنوية على الأقلّ عن طريق التحليل اللساني في عملية التواصلية وعجزت هذه الدراسات عن وصف وتفسير متتاليات من الجمل المترابطة، كما لا تقدر الإحاطة بسياقات الاجتماعية والثقافية والتداولية وغيرها من السياقات، ففكّروا لتجاوز حدود الجملة، فدعا اللسانيون النصيون إلى انفتاح الدرس اللساني عند دراسة النصوص، فاهتمّوا بالسياق والدلالة لغياب هاتين الميزتين في لسانيات الجملة التي تقتصر على وصف السمات اللغوية. فمن هذا المنطلق، يرصد بحثنا بشكلٍ موجزٍ قضية من قضايا الدرس اللساني الحديث، وهي اللسانيات النصية والمعايير النصية التي وضعها روبرت ديبوجراند[1] بمساعدة زميله دريسلر[2]، والتي تعدّ أحدث مناهج نقدية في تحليل النصوص، ثمّ يتضمّن بشكلٍ أخصّ معيارين من هذه المعايير يتّصلان مباشرة بمستعملي النص، وهما القصدية والمقبولية. ودراستنا هذه تضمّ تطبيقاتٍ لآيات من القرآن الكريم. وكلّ هذه الجهود تكون على حسب آراء ديبوجراند النصية. ومنهجنا في هذا البحث يجمع بين الوصف والتحليل والتطبيق. الهدف الرئيس لهذا البحث يكون إيضاح عناصر القصدية والمقبولية من بين المعايير النصية وبيان أهميتهما في فهم النص القرآني. وفي هذا الشأن، يمكننا طرح السؤالين الآتيين: ـ کيف تؤثّر المعايير النصية على فهم أفضل لنص القرآن الکريم؟ ـ ما العلاقة بين القصدية ونية المرسِل ومقبوليتها عند المتلقي في فهم النص؟ 1ـ1. خلفية البحث نجد دراسات كثيرة تطرقت إلى موضوع لسانيات النص وتطبيقات لها في النص القرآني، فنشير إلى أكثر البحوث علاقة مع بحثنا: بشرى حمدي ووسن عبد الغني (2011م)، بحث لهما يحمل عنوان في مفهوم النص ومعايير نصية القرآن الكريم: دراسة نظرية؛ يتناول الباحثان تحديد مفهوم النص في الدراسات النقدية الحديثة، ثمّ يركّزان على أربعة معايير من المعايير السبعة لديبوجراند، وهي: الاتّساق، والانسجام، والقصدية، والمقامية في ضوء أنواع السياقات: السياق المقامي واللغوي والثقافي، وينصبان اهتمامهما في التركيز على هذه المعايير الأربعة حصراً؛ لأنّها عندهما أهمّ معايير لتحقّق نصية النص وأكثر مناسبة مع قدسية النص القرآني؛ وعلى الرغم من قواسمنا المشتركة في جزء صغير من الموضوع، لكن يختلف وجهة نظرهما عمّا نأتي بها في بحثنا. أحمد محمد عبد الراضي (2011م)، في كتاب له يحمل عنوان المعايير النصية في القرآن الكريم، يتناول دراسته في سبعة فصول، وهي: التضام (الاتّساق)، والربط الموضوعي (الانسجام)، والحذف، والإحالة، والتكرار، والتناص والسياق القرآني (الموقفية). ولم يردف بحثه المعايير التي أكّدها ديبوجراند بأكملها، فالتضام والانسجام والتناص والموقفية من المعايير النصية والحذف والإحالة والتكرار هي من وسائل الاتّساق في النص. فقد كان جلّ اهتمامه تطبيق هذه المعايير من خلال النص القرآني. ومن النتائج التي توصّل إليها الباحث هو أنّ النص القرآني نص متّسق، مترابط الأجزاء، فيكون كالكلمة الواحدة وكلّ كلمة وضعت في موضعها اللائق بها من النص، وكلّ هذه تكشف عن جانب مهمّ من جوانب إعجازه. منال زكي (2018م)، في رسالتها الدكتوراه تحمل عنوان معيارا القصدية والمقامية في علم النص وتطبيقاتهما في القصص القرآني: دراسة وصفية تحليلية، تناولت هذين المعيارين بمستوياتها المختلفة وأثرها في فهم القصة القرآني. وقد انتخبت الباحثة هذين المعيارين وتطبيقاتهما على القصص القرآني؛ لكنّنا انتخبنا معياري القصدية والمقبولية من حيث يتّصلان بمستعملي النص. نئ حنان مصطفى ومحمد إخوان بن عبد اللّٰه (2018م) في مقالة تحمل عنوان الإعلامية لدى روبرت دي بوجراند وتجلّياته في آيات القرآن الكريم: دراسة دلالية، تناولا موضوع الإعلامية فقط موكّدين على العناصر المتوقّعة مقابل عناصر غير متوقعة في الآيات المتشابهات والحروف المقطعة والإشارات العلمية، وتوصّلا إلى نتائج من وجهة نظر متلقي النص، وهي أنّ إعلامية القرآن تختلف من حيث المستوى؛ منها منخفضة ومنها مرتفعة. مع وجود دراسات كثيرة إلّا أنّه لم تتمّ دراسة تحمل في طيّاتها معياري القصدية والمقبولية في إطار نظريات ديبوجراند النصية، وبالتالي تطبيقهما في النص القرآني.
في منتصف القرن العشرين، بدأت اللسانيات بالتطور بشكل ملحوظ، فقد ظهرت مراجع غزيرة تهتمّ بشكل ملحوظ باللسانيات وخاصّة اللسانيات النصية. في الدراسات والأبحاث السابقة، كانت الجملة أقصى غاية اللسانيين المحدثين؛ لاعتقادهم بأنّ الجملة هي أكبر وحدة مستقلّة حتى ظهر من العلماء اللغويين من رفض اقتصار الدراسة على الجملة وسعى إلى دراسة الوحدة الممثّلة بجمل متتابعة، وهو العالم اللساني الأمريكي، هاريس[3]، فهو «في عام 1952 قدّم منهجاً لتحلیل الخطاب المترابط[4] سواء في حالة النطق[5] أو في حالة الکتابة[6]، واستخدم فیه إجراءات اللسانیات الوصفیة[7]، بهدف اکتشاف بنیة النص[8]؛ ولكي يتحقق هذا الهدف، رأی أنّه لا بدّ من تجاوز مشکلتین وقعت فیهما الدراسات اللغویة (الوصفية والسلوكية[9])، وهما{المشکلة الأولی}: قصر الدراسة علی الجمل، والعلاقات فیما بین أجزاء الجملة الواحدة؛ والثانیة: الفصل بین اللغة[10] والموقف الإجتماعي[11]؛ مما يحول دون الفهم الصحيح» (عبد الحميد، 1998م، ص 65). ففي الزمن الذي حصر البنيويون والتوليديون دراساتهم اللسانية في حدود الجملة، استطاع هاريس أن يتجاوز هذه الحدود في تحليله إلى مجال أوسع، وهو كان مجال الخطاب الذي كان مستوى لغويا أكبر من الجملة، فهو «نَقَل ما يتّصل عنده بالوسائل المنهجية لتحليل الجملة تحليلاً بنيوياً (التقطيع والتصنيف والتوزيع) إلى المستوى الجديد للنص {مستوى النص}، وحاول بواسطة إجراءات شكلية أن يصل إلى توصيف بنيوي للنصوص» (هانيه من وفيهفيجر، 1999م، ص 21). وحاول علماء النص من بعدها أن يتجاوزوا حدود الجملة سواء في الوصف أو التحليل إلى حدود أوسع. فهو كان ذلك العلم الذي يبحث عن المعنى العام (المعنى الكلي) أو المغزى. بعد ظهور كتاب هاريس، أصبحت لسانيات النص محوراً مركزياً في الدراسات اللغوية الحديثة، وأصبح تحليل الجمل في سياق النصوص أكثر شيوعا. فتنبّه بعض من اللسانيين إلى المشكلتين اللتين أشار إليهما هاريس، وإلى أهمية تجاوز الدراسة اللغوية مستوى الجملة إلى مستوى النص والربط بين اللغة والموقف الاجتماعي (عبد الحميد، 1998م، ص 66). فتطوّرت وتبلورت نظرية لسانيات النص مع فان دايك[12]، وقدّم نظرياته المختلفة حول دراسة النص ووصفها وتفسيرها، فأدخل في نظرياته عناصر مهمة تتعلّق بمستوى المنتج، ومستوى المتلقّي، واختلاف المعارف، والاهتمامات، وأشكال الاتصال، وعمليات التلقي، والتذكّر، والتماسك الجزئي، والتماسك الكلي للنص، وأشكال الانحراف، والتتابع الخطيّ للجمل، والعلاقات الداخلية بين المتتاليات الجملية، والترابط بين الأبنية الصغرى والأبنية الكبرى الكلية وطرق الفهم والتفسير (بحيري، 1997م، ص 83 ـ 84). استخدم فان دايك معايير لتحليل النص ترجع أغلبها إلى النحو التحويلي التوليدي. ففي معالجة الأشكال النحوية، استفاد من معايير الحذف والإضافة والترتيب (إعادة الترتيب) ...؛ وفي معالجة الأشكال الدلالية، استفاد من الاستبدال أو الإحلال، بالإضافة إلى المجاورة والإزدواج والتوازي والمشابهة وغير ذلك. ولا يقتصر على هذا، فهو دخل عملية التواصل والسياق وعناصر تداولية أخرى كثيرة )بحيري، 1997م، ص 220)؛ بعبارة أخرى، فهو أدخل على العناصر اللغوية مكونات نفسية ودلالية واتصالية وتداولية. وكلّ هذه النظريات سبّبت تجاوز حدود الوصف والتحليل إلى حدود وآفاق الفهم والتفسير. فهو لم يدع الدراسات النحوية السابقة. فمنهجه كان واسعاً لوصف أبنية النصية؛ لكنه ما استطاع أن يصيغ قواعد صريحة ونظرية كاملة لوصف أبنية النصية. فتتوبعت هذه الاهتمامات بدراسات وأبحاث العالم البريطاني هاليداي وزوجته رقية حسن، فرسخا مفاهيم علم لغة النص، ونشرا كتابهما الاتّساق في الإنجليزية[13] في سنة 1976م، وكان الكتاب تطبيقاً لمبدأ التماسك والاتساق في الإنجليزية. فيرى الباحثان أنّ أنواع الاتساق (الإحالة، والاستبدال، والحذف، والوصل والاتساق المعجمي) ضروريةٌ لخلق النص؛ ولكنّها غير كافية؛ لأنّه ينتمي إلى المكوّن النصي في النظام اللغوي؛ ولهذا يتطرّقان إلى العوامل المقامية التي تساهم في تحديد خاصية وجود النص، والتي ترتبط بالمجال والشكل والعلاقة (بلحوت، 2012م، ص 125 ـ 127). فمن بعدهما، تكاملت البحوث مع روبرت ديبوجراند[14] وولفجانج دريسلر[15] في الثمانيات. يعتقد روبرت ديبوجراند أنّ «الحدود التقليدية الضيقة للسانيات تتلاشى أمام التفاعل القوي بينها وبين العلوم ذات الصلة بها. فينبغي للسانيات إذا لم تتلاش بسبب عزلتها من حيث هي حقل للبحث، أن تصبح علماً محورياً للخطاب والاتّصال، كما تنبأ كثير من الباحثين اللامعين» (دي بوجراند، 1998م، ص 71)؛ فقاما بتطوير هذا الاتجاه اللغوي الحديث، كما قاما برسم إستراتيجيات لتحليل الخطاب في كتابهما مدخلٌ إلى علم لغة النص، الذي خصّصا فصولاً منه بالتفصيل لمعايير النصية السبعة، حيث أكّدا على خصيصة التواصلية للنص واشترطا لتوفير النصية سبعة معايير مجتمعة: ـ السبك[16]، أو الربط النحوي أو الاتّساق؛ ـ الالتحام[17]، أو التقارن أو الانسجام؛ ـ القصدية[18]؛ ـ التقبلية[19] أو المقبولية؛ ـ الموقفية[20] أو رعاية الموقف؛ ـ التناص[21]؛ ـ الإعلامية[22] (ديبوجراند، 1998م، ص103- 105). وهذه المعايير منها: أ. ما يتصل بالنص: الذي يقوم على معياري الاتّساق والالتحام (الانسجام)؛ ب. ما يتصل بمستعملي النص: يشمل مستعملي النص المرسل (المنتج) والمتلقّي، فيقوم هذا القسم على معياري القصدية والمقبولية؛ ج. ما يتصل بالسياق الخارجي للنص: الذي يقوم على معايير رعاية الموقف والإعلامية والتناص (لحلوحي، 2012م، ص 226). فتناولنا في هذا البحث القسم الثاني؛ يعني ما يتّصل بمستعملي النص، وهما: القصدية والمقبولية؛ لكن قبل معالجة هذين المعيارين، سنتناول مفهوم النص وإطاره في الدراسات الحديثة.
النص مازال يمثّل إشكالية معقدة وواسع النطاق عند الدارسين والمهتمين بهما وعند النقّاد؛ لأنّ اتّضاح دلالته كان أمراً صعباً بسبب تداخله مع مصطلحات أخرى يعرّفه ديبوجراند «بأنه تشكيلة لغوية ذات معنى تستهدف الاتصال ...، وليس من الضروري أن يتألف النص من الجمل وحدها، فقد يتكوّن النص من الجمل أو كلمات مفردة أو أية مجموعات لغوية تحقق أهداف الاتصال» (دي بوجراند ودريسلر، 1992م، ص 9). هذا يعني أن النص يمكن أن يكون كلمة أو جملة أو مجموعة من الجمل؛ لكن بشرط العلاقة فيما بينها. وبحسب تعريف هاليدي ورقية حسن، النص «هو كل متتالية من الجمل شريطة أن تكون بينها علاقات أو على الأصح أن تكون بين عناصر هذه الجمل علاقات» (خطابي، 1991م، ص 13)، وقد تبنّاه محمد خطابي. لكن تأكيدنا في الدراسة يكون على حسب آراء العالم اللغوي روبرت ديبوجراند الذي يرى أنّ النص حدث تواصلي. والنص عنده «قد يكون أكثر من كلمة واحدة، وقد يتألّف من عناصر ليس لها ما للجملة من الشرط؛ مثلا: علامات الطرق والإعلان والبرقيات ونحوها (دي بوجراند، 1998م، ص 97). خاصية النص في تعريفه هي الاكتمال وليس الطول أو عدد الجمل أو حجمٍ معينٍ من الكلمات (فضل، 1992م، ص 214). فعلى حسب تعريفه، قد تكون إشارات المرور مثل "قِف" نصاً في مقابل رواية ضخم في ثلاثمائة صفحة مثلا، فكل منهما يعتبره نصاً بغض النظر عن طوله أو حجمه. فمقولة التحديد ليست لها مكانة في تعريفه عن النص، كما يكون الحال في نظام اللغات الطبيعية التي تحتوي على أبنية تدخل فيها مقولة التحديد، مثل الكلمة والجملة بوضوحٍ ( فضل، 1992م، ص 216). 3ـ1. القصد أو القصدية وهو یتضمن موقف منشيء النص من کون صورة ما من صور اللغة قصد بها أن تکون نصاً یتمتع بالسبك والالتحام، وأن مثل هذا النص وسیلة من وسائل متابعة خطة معینة للوصول إلی غایة بعینها (دي بوجراند، 1998م، ص 103). فعلى حسب رأي دي بوجراند، النص وسيلة للوصول إلى غاية؛ ولتحقيق هذه الغاية، يشترط تحقق السبك والالتحام؛ «وقد يدلّ أكثر معاني هذا المصطلح مباشرة على أنّ منتج النص يقصد من أية تشكيلة لغوية ينتجها أن تكون نصاً متضاماً متقارناً» (دي بوجراند ودريسلر، 1992م، ص 152). يتعلّق هذا المعيار بالمتكلم أو المُرسِل وما ينطوي تحت كلامه من معانٍ ليوصلها إلى المتلقّي. ويبدو أنّه كان من الضروري الوقوف عند النص لفهم هدف الكاتب أو المرسِل؛ لأنّه من الأغراض التواصلية التي تشير إلى نيّة المرسِل. فكل كلامٍ مكتوب أو غير مكتوب يحتوي على غاية وهدف (القصدية)، فيمكن أن يكون القصد واضحا أو غير واضحا، ويمكن أن يتجاوز القصد إلى تلقي المعاني الكثيرة. لقد وضع البعض لتحقيق قصدية النص ثلاثة شروط، هي: الأول: وجود المنتج أو المبدع الذي يعدّ نصاً متماسكا مترابطا له، أهداف محددة ومقاصد معينة ورسالة موجهة؛ الثاني: إلى متلقٍّ يجيد فك شفرات النص ويحلل معانيه وصولاً إلى الأهداف الخفية غير المعلنة؛ الثالث: قناة تواصلية تربط منتج النص بمتلقّيه (البستاني والمختار، 2011م، ص 188 ـ 189). فكل حدث لغوي هدفه توصيل المعنى والمعارف للمتلقي. فمن هنا يمكن أن نقول: «القصدية جزءٌ من دلالة النص، وليس جزءاً من دلالة الكلمة؛ ولذا فإنّ أي نص يخلو من القصد لايرقى إلى مرتبة الخطاب، ومن ثمّ لا يقوى أن يحافظ على انسجامه الداخلي أو على منطقه الذاتي وسيفقد في النتيجة توجهه الإيصالي» (العياشي، 1996م، ص 66 ـ 67). والرأي الأصح هو أنّ لكل نص قصديةً، والنص بدون القصدية كشيءٍ مستحيل؛ والنصوص لها مراتب وأنواع: «فهناك نص يقوم الخطاب فيه على حد كبير من الجمل، وهناك نص يقوم الخطاب فيه على جملة واحدة، وهناك نص يقوم الخطاب فيه على لفظة مفردة؛ فالواجب لنا أن نفهم وندرك أنّ النص في كل مراتبه وأنواعه لا يقوم إلّا بقصد، وأنّ القصد لا يكون مدلولا إلّا مع النص» (المصدر نفسه، ص 67). فالكلمة الواحدة التي تكون جزءاً من النص لا تدل على القصدية، بل يجب أن تنظر إلى كلّ النص، ليدلّ على القصد. والبنيوية تقتصر عند حدود الكلمة؛ ومن ثمّ نرى الأنشطة اللغوية الرئيسة عند سوسير[23] ركزت على الكلمة، وهو يتحدث عن الدال والمدلول، وهما الجزءان الأساسيان للعلامة. وكان سوسير يعتبر اللغة نظاماً من العلامات، وتُعنى البنيوية بدراسة مكونات النص الشكلية وتقتصر نشاطاتهم الرئيسة على بناء اللغات من جهة الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية، فلا ترقى بحوثهم إلى مستوى تحليل قصدية المتكلّم (أو المرسِل). وإن كان فضل كثير لسوسير في مجال علم اللغة واللسانيات الجديدة؛ لكن اقتصرت بحوثه على هذه الحدود، ولم تصل إلى القصدية والنية؛ وفي الواقع لم تتجاوز إلى ماوراء الكلمة. كذلك التوليدية ما استطاعت أن تجيب القصدية والنية؛ لأنّها تأسست لدراسة النظام في إطار الجملة ودراسة الكلام، وما کانت للنص مكانةٌ في دراساتهم، فما أمكن لها أن تخطو خطوة نحو القصدية بهذا المعنى. في الواقع، القصدية نبعٌ من النظرية التداولية وتتّصل بها اتّصالاً مباشرا؛ لأنّ «التداولية تدرس استعمال اللغة في سياقات مقامية مختلفة، وتحاول التعرف على قصد المتكلم بما هو خارج عن البنية اللغوية التي لا يمكن الاستدلال على مقصود المتكلّم بالاعتماد عليها وحدها» (الحسن، 2014م، ص247 ـ 248)؛ بعبارة أخرى، «التداولية تختص بدراسة اللغة في الاستعمال[24] أو في التواصل[25]، فصناعة المعنى تتمثّل في تداول اللغة بين المتكلم والسامع في سياق محدّد» (القعطبي، 2016م، ص4 ـ 5). ترتكز التداولية في دراستها على الأفعال الكلامية، كما أنّه للسياق والمقام شرطان أساسيان في إنتاج الدلالة بين مستعملي اللغة. فنراها قد وجّهت انتباهها إلى اللغة المستعملة من قبل المرسِل (أو المتكلّم)، وتؤكّد على ارتباط المرسِل بالسياق الخارجي في تحديد المعنى الذي يقصده. فانّهم (التداوليين) يعتقدون «أنّ النص بمجرد أن يفصل عن مرسله ويفصل عن قصدية هذا المرسل، وعن شروطه الملموسة لإنتاجه وظروف تشكّله، فإنّه سيحلّق في فضاء فسيح من التأويلات والانطباعات والاحتمالات التي لا تنتهي عند حدود معينة» (إيكو، 2004م، ص 45). فخلاصة ما يقول التداولية هو أنّ القصد لا يتعلّق بالكلمات فقط، كما لا يتعلّق بالمرسِل أو المتلقّي وحدهما؛ بل تتمثّل في تداول اللغة بين المرسِل والمتلقّي في سياق محدّد. يقول الباحث أحمد حسن الحسن حول العلاقة بين التحليل التداولي للتراكيب بغية استكشاف المقاصد: «إن التحليل التداولي للتراكيب اللغوية وربطها بالمواقف الاجتماعية والثقافية والنفسية المحيطة بالمتكلّم وبخطابه الذي أنتجه ما هو إلّا محاولة لاستكشاف مقاصد المتكلّمين» (2014م، ص 251). 3ـ2. القصدية في القرآن والأبحاث القرآنية كما يبدو أنّ جانباً كبيرا من تفسير القرآن هو للتعبير عن النية أو القصد. والمفسّر يأتي بعد كلّ آية بشرحها وبيانها ليبلغ المتلقّي قصد المنتج (المتكلّم). تظهر نظرة موجزة على هذا المسعى أنّ مسألة فهم القرآن والقصد من كلام الحق ليست مسألة قديمة، بل مستمرّة من الماضي إلى الحاضر وسيستمرّ في المستقبل. ومن أولويات المفسّر هي أسباب النزول وسيرة النبوية؛ ولذلك لا يمكن الاعتماد على معنى الألفاظ في التفسير بعيداً عن سياقه وليس بصحيح. في الحقيقة، القرآن كتابٌ مفهوم، وعلى البشر أن يجتهدوا في فهمه وفق الآيات التي تشجّع الناس على التّأمل فيه: «كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّروا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِª (ص 38: 29). من الواضح أننا إذا اعتبرنا أنّ فهم القرآن يعتمد على توفير شروط خاصة، فإن عدم توفر هذه الشروط سيؤدّي إلى سوء الفهم والانحراف، كما يرى كثيرا طوال التاريخ من زمن نزوله حتّى الآن ولا يوجد مجال لرفضه. النقطة الأساسية هي أنّه رغم أن القرآن كلام وحيٍ ونصّه ثابتٌ؛ لكن القراءات والتأويلات متعددة بتعدد المفسرين والقرّاء أحياناً؛ القرآن نفسه يقسّم الآيات إلى المحكمات والمتشابهات: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْويلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّٰه وَالرَّاسِخونَ فِي الْعِلْمِ يَقولونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبابِª (آل عمران 3: 7). فهناك أقوال وتفسيرات لقوله تعالى في تقسيم الآيات إلى المحكمات والمتشابهات. يقول الطبرسي في مختصر مجمع البيان: قيل في المحكم والمتشابه أقوال أحدها: المحكم، ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن إليه ولا دلالة تدلّ على المراد به لوضوحه، نحو قوله تعالى: «إِنَّ اللّٰه لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاًª (يونس10: 44)، ونحو ذلك مما لا يحتاج في معرفة المراد إلى دليل ... والمتشابه، ما لا يعلم المراد بظاهره حتى يقترن به ما يدلّ على المراد منه لالتباسه، نحو «وَأَضَلَّهُ اللّٰه عَلى عِلْمٍª (الجاثية 45: 23)؛ وثانيها: أنّ المحكم: الناسخ، والمتشابه: المنسوخ؛ وثالثها: أن المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجهاً واحداً، والمتشابه ما يحتمل وجهين فصاعدا (1413ﻫ، ج 1، ص 196). ويروي الثعلبي قول البعض في المحكم والمتشابه: «المحكم: ما عرف العلماء تأويله، وفهموا معناه والمتشابه: ما ليس لأحد إلى علمه سبيل ممّا استأثر اللّٰه بعلمه، وذلك نحو الخبر عن وقت خروج الدجّال، ونزول عيسى (j)، وطلوع الشمس من مغربها، وقيام الساعة، وفناء الدنيا، ومحوها» (1422ﻫ، ج 3، ص 10). وعلى الرأي الغالب أنّ القصد من المحكمات «أي بيّنات مفصّلات أحكمت عبارتها من احتمال التأويل والاشتباه، كأنّه تعالى أحكمها فمَنعَ الخلقَ من التصرف فيها لظهورها ووضوح معناها» (صديق حسن خان، 1420ﻫ، ج 1، ص 424). والمتشابهات فيها «محتملات، لا يتضح مقصودها لإجمال أو مخالفة ظاهر» (قمي مشهدي، 1368ﻫ.ش، ج 3، ص 32)؛ ولتفسيرها وفهمها، يجب إحالتها إلى آيات المحكمات (مطهرى، 1423ﻫ، ج 1، ص 20)، كما أُشير أنّه في بعض آيات القرآن (آيات المحكمات) توجد الصراحة التي تمنع التصورات المختلفة؛ لكن لفهم القرآن في كليته وخاصة آيات المتشابهات، يجب الالتزام بالقراءة الكلية والرجوع إلى آيات المحكمات والرجوع إلى السياق؛ لأنّ القرآن يكمل بعضه بعضا، كما يشرح بعضه بعضاً آخر[26]، «ولا يغني بعضه عن بعض في سبر معانيه ومقاصده، حيثُ وَجب ربط أجزاء هذه النصوص المنسجمة بعضها ببعض، والجمع بين أطرافها وتتبع مواطن ورودها بالمقارنة والجمع، درأ لتوهم التعارض بين مكوناتها، وبياناً لمراد ومقصد صاحبها، وحفاظاً عليها من التضييع أو التبضيع» (البويسفي،09/02/2019). ولهذا فلا بدّ من مدارسة القرآن إلى جانب قراءته قراءة متدبّرة وواعية لفهم النص القرآني فهماً صحيحاً دقيقاً. والقصد من مدارسة القرآن هي «القراءة والفهم والتدبّر والتبين لسنن اللّٰه في الأنفس والآفاق، ومقومات الشهود الحضاري، ومعرفة الوصايا والأحكام وأنواع الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد وما إلى ذلك» (الغزالي، 2005م، ص 27). يعتبر بعض الباحثين في علوم القرآن أنّ القرآن كلّ مترابط، فيلتزمون الإلمام بالآيات كلّها للإتقان والوصول إلى الفهم الصحيح، ويعتبرون هذه الحقيقة أساساً لفهم القرآن، وإذا قمنا بفسير كلّ آية بشكل منفصل، لم نختر الطريق الصحيح (مطهرى، 1423ﻫ، ج 1، ص 19 ـ 20). كما يبدو أنّه يجب لفهم قصدية القرآن في الخطوة الأولى تفسير القرآن بالقرآن، وهو توضيح وتبيين لمقاصد القرآن بواسطة آيات أخرى، ثمّ القراءة والتدبر ومعرفة أسباب النزول، كما يجب الربط بين المفاهيم والمعاني المـأخوذة من القرآن الكريم على حسب ما يدلّ عليه القرآن لفظية أو معنوية؛ وكلّ هذا يكون بسبب أنّ القرآن مصدر أساسي لتلقّي العقيدة والأحكام عند كلّ المسلمين؛ لذلك نرى أنّ فهم دلالة النص القرآني متأثّر بثقافة المفسر (المتلقّي) والواقع الإجتماعي وروح العصر الذي يعيش فيه؛ فتؤثرّ هذه الأمور على المعاني التي يفهمها أو يستنتجها أو يستنبطها؛ لذلك يمكننا تقسيم مقاصد القرآن كغيره من النصوص إلى: أ. المقاصد المباشرة؛ ب. المقاصد الضمنية. أ. المقاصد المباشرة أو المقاصد الصريحة: تتضمّن دلالة واحدة، لا تحصل خلافا بين المتلقين، مرتبطةٌ مباشرة بالكلمات والجمل، أي بالسیاق اللغوي. إذا اعتبرنا القرآن كله نصاً مترابطا متماسكاً، فلا جرم له غاية أصلية وغايات فرعية، ومن ثمّ تحتوي على مقاصد متعددة (المقاصد التي تأتي من صميم الهدف الأصلي)، فتكون قصدية القرآن الأصلية هداية الإنسان: «ذلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فيهِ هُدَىً لِلْمًتّقينَª (البقرة 2: 2)، ودعوة الإنسان لعبادة اللّٰه والدخول في دينه، كما يبيّنه ابن جزي الغرناطي: «المقصود بالقرآن دعوة الخلق إلى عبادة اللّٰه وإلى الدخول في دينه، ثم إنّ هذا المقصد يقتضي أمرين، لا بدّ منها، وإليهما ترجع معاني القرآن كله: أحدهما بيان العبادة التي دعي الخلق إليها، والأخرى ذكر بواعث تبعثهم على الدخول فيها وتردّدهم إليها» (1416ﻫ، ج 1، ص 14). لكن النص القرآني لمكوّناته المختلفة مقاصد عديدة لا حصر لها؛ فعلى سبيل المثال القصص الواردة في القرآن متنوّعة تبعاً لتنوّع مقاصدها الرامية إلى أغراض متنوّعة كأخذ الموعظة والعبرة والاطلاع على أخبار الأمم السالفة وأخبار الأنبياء ومعجزاتهم وما إلى ذلك؛ ولكلّ قصّة وإن كرّرت، مقاصد مختلفة متنوعّة عمّا قبلها و«مثلما كان للقصص القرآني مقاصد، إنّ للحوار والخطاب والوصف [أيضاً] مقاصد معيّنه تجلّت في النص القرآني المعجز؛ وعلى وفق ذلك نجد القرآن الكريم يلحّ على الإبانه، أي إيضاح المقاصد التي يبغي من خلالها إقامة الحجة على الناس أجمعين» (سلمان، 1434ﻫ، ص 301(. وذلك الإلحاح للإبانة يكون أكثر ظهورا في كلّ الآيات التي تدعو الناس للتفكر والتفقه والتدبر في كلامه، نحو قوله تعالى: «كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّروا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبابِª (ص 38: 29)، ونحو «إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلونَª (يوسف 12: 2)، فيعبّر القرآن بصراحة عن مقاصد كثيرة، منها الهداية والبشارة والإنذار والدعوة إلى التفكّر و.... على حسب رأي دي بوجراند، تحقق القصدية ذو صلة وثيقة بتحقّق معياري الاتساق والانسجام. فإذا وفّر المنتج هذين المعيارين في نصه سيصل إلى مقاصده؛ فعلى سبيل المثال، يقول سيد قطب حول الاتّساق والانسجام في قصص القرآن ومشاهد القيامة وصور العذاب والنعيم وبالتالي الوصول إلى الغرض (القصدية): يوجد «التناسق المعنوي والنفسي بين القصص التي يعرضها القرآن والسياق الذي يعرضها فيه، وانسجام عرضها في هذا السياق مع الغرض الديني والمظهر النفسي سواء بسواء، ومثل القصص في هذا اللون من التناسق سائر ما يعرض من مشاهد القيامة، وصور النعيم والعذاب، والصور التي تساق في معرض الجدال، فهو يعرض منسجماً مع الوسط الذي يعرض فيه، ويؤدّي الغرض النفسي الذي يرمي إليه» (2004م، ص 89 ـ 90). فعلى حسب ما وصلنا إليه، القصدية تعني الوصول إلى الدلالة والفهم. «القصد أو القصدية تحدّد كيفية التعبير والغرض المتوخى، وهي البوصلة التي توجّه العناصر الأخرى وتجعلها تتضام وتتضافر وتتّجه إلى مقصد عام» (البستاني والمختار، 2011م، ص 189). فالقرآن وإن كانت له مقاصد كثيرة ومتعددة، إلا أن هذه المقاصد تتضام وتتّجه نحو مقصد رئيس. القرآن «هو النص المفتوح الذي يحمل بطياته رسائل مرسلة بعدّة أنواع، منها موجزة، ومنها مجملة، وأخرى مفصلة في بيانها؛ وهذا التنوع يكون لمناسبة تحولات العقلية الإنسانية زماناً ومكاناً عبر العصور، فهو المعجزة الباقية بكلّ تفاصيله حتى نهاية العالم وهدفه التمكين من إيصال الغايات والمقاصد الإلهية» (ثابت، 2020م، ص 251). فاليوم لا نكاد نجد دراسات في اللسانيات إلّا أن نشاهد شواهد من تطبيقات لها في القرآن الكريم يكون من وراءها هدفٌ، وهو إبراز جماليات النص القرآني وتحليل عناصره ومستوياته. فالمقاصد النصية قد تكون صريحة أو تكون متضمنة ـ غير صريحة ـ كما رُوي عن الرسول (2): «ما في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن» (معرفت، 1418ﻫ، ج 1، ص 21). ب. المقاصد الضمنية أو غير صريحة: المقاصد القرآنية الضمنية، مقاصد باطنية، غير مباشرة؛ فكلّ قصد في القرآن يستدعي ألفاظاً، كما يستدعي تركيباً معيّناً؛ ومن جهة أخرى تختلف النصوص القرآنية عن سائر النصوص من حيث خصائصها الدلالية والسياقية والتركيبية. وعند دراستها في ضوء نظريات اللسانيات النصية، تكشف مظاهر إعجازها بكل أنواعها أكثر فأكثر. ففي قوله تعالى عن لسان موسى (j) قد جاء: «فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثوا إِنِّي آنَسْتُ نارًاª (طه20: 10)، لفظة "آنسْتُ" من "أنَسَ"، بمعنى "أبْصرتُ" و"رأيْتُ"، «والإيناس: الإبصار البيّن الذي لا شبهة فيه» (ابن عاشور، 1420ﻫ، ج 16، ص 101)؛ والإنس «خلاف النفور، والإنسي: يقال لِمن كَثُر أنْسُهُ ولكلّ ما يُؤنس به» (الراغب الأصفهاني، 2009م، ج 1، ص 35)، وتكون لفظة "آنستُ" بمعنى «المشاهدة التي فيها المحبّة والسلام والطمأنينة» (قرائتى، 1383ﻫ.ش، ج 7، ص 48). المتلقّي الباحث أو المتلقّي الذي يجيد اللغة العربية وقصة النبي موسى (j) يدرك أنّ لفظة "آنسْتُ" ليس مجرد الإبصار، بل الإبصار الذي في ضمنه يكون معنى الطمأنينة والسلام والأُنس. والكلمات المستخدمة في النص ونوع ترتيب الجمل تؤثّر على التلقّي وفهم الغرض المستتر في النص، ومن ثمّ يظهر معناها الدلالي في سياق الكلام؛ ومن أمثلة ذلك أيضاً لفظة "خَتَمَ" و"طَبعَ" في قوله تعالى: «خَتَمَ اللّٰه عَلَىٰ قُلوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشاوَةٌª (البقرة 2: 7). يقول الراغب الأصفهاني: «الختم والطبع يقال على وجهين: مصدر ختَمْتُ وطَبَعْتُ، وهو تأثير الشيء كنقش الخاتم والطابع؛ والثاني: الأثر الحاصل عن النقش، ويتجوّز بذلك تارةً في الاستيثاق من الشيء، والمنع منها اعتباراً بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب» (2009م، ج 1، ص 190). فالختمُ في الآية مجازٌ، يقال للذين لا ينفذ قول الحق في قلوبهم ويعرضون عن الحقّ بسبب استكبارهم وتماديهم في الغيّ و«إشارةٌ إلى ما أجرى اللّٰه به العادة أنّ الإنسان، إذا تناهى في اعتقاد باطلٍ أو ارتكاب محظورٍ ولا يكون منه تلفّتٌ بوجهٍ إلى الحقّ يورثُهُ ذلك هيئة تُمَرِّنُهُ على استحسان المعاصي، وكأنّما يُخْتَم على قلبِهِ» (المصدر نفسه، ج 1، ص 190)، وإلى جانبه توظيف لفظة "طَبَع" في قوله تعالى: «أُولَٰئِكَ الَّذينَ طَبَعَ اللّٰه عَلَىٰ قُلوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلونَª (النحل 16: 108)، فيكون الطبع أيضاً «مستعار لمنع وصول الإيمان وأدلّته، على طريقة تشبيه المعقول بالمحسوس» (ابن عاشور، 1420ﻫ، ج 13، ص240)، فكلاهما بمعنى عدم ورود الحق في قلوبهم؛ لكن الطبع أعمّ من الختم: «الطبعُ أن تصوّر الشيء بصورةٍ ما كطبْع السكة وطبع الدراهم، وهو أعمّ من الخَتم وأخصّ من النقش» (الراغب الأصفهاني، 2009م، ج 2، ص 393)، وكذلك يقال: «طَبَعَ اللّٰه عَلَىٰ قُلوبِهِمْª بمعنى «دَنِسَهُ» (المصدر نفسه، ج 2، ص 393). فإنّ القلب هو محل الهدى والضلال، وإذا ختم عليه فلا ينفع سمع ولا بصر؛ فعلى المتلقي أن يقوم بربط المفردات القرآنية في سياقها الدلالي ليصل إلى المعنى الذي يجمع بين اللفظتين. فالقصدية في ضوء آراء روبرت دي بوجراند، لها تأثير في بنية النص وأسلوبه. فالكاتب أو المرسل يبني نصه على حسب قصده ونيّته، ولتحقيقه يستخدم خطة معينة ويستفيد من الوسائل اللغوية والأسلوب الملائم به ليستخرج نصاً متسقاً مترابطاً أولاً ويصل إلى قصده، وهو إيصال الرسالة الموجهة للمتلقي في المرتبة الثانية. 3ـ3. القبول أو المقبولية المقبولية يعني «قبول نص ورفض نصٍ آخر بناء على مجموعة من المعايير والقواعد والمرتكزات والأسس اللغوية واللسانية والنصية، كما كان الحال عند نوام تشومسكي الذي يميّز بين الجملة اللاحنة والجملة المقبولة؛ فالجملة الأولى عنده هي التي لا تحترم قواعد النحو أو الدلالة أو الصياغة التداولية، في حين تحترم الجملة الثانية القواعد التي سطرها التركيب أو علم الدلالة أو علم التداول» (حمداوي، 2015م، ص 161). يتعلّق هذا المعيار بموقف المتلقي عند سماع النص أو قراءته، «وهو يتضمّن موقف مستقبل النص إزاء كون صورة ما من صور اللغة ينبغي لها أن تكون مقبولة من حيث هي ذو سبك والتحام» (دي بوجراند، 1998م، ص 104). كما نرى حسب رأيه يرتبط هذا المعيار ارتباطاً وثيقاً بمعياري الاتساق والانسجام؛ و«أضف إلى ذلك أن النصوص السليمة والمقبولة هي التي تراعي أفق انتظار القارئ وتستجيب لرغباته القرائية والفنية والجمالية والشعورية واللاشعورية؛ علاوة على ذلك، لا بدّ أن يتميّز النص بالترابط وتسلسل الأحداث وتشابكها بطريقة متدرجة ومنطقية وسببية، وإلّا يكون مفتقداً لعنصر التسلسل؛ ممّا قد يسبّب في غموض الإرسالية وعدم قدرة التلقي على فهمها واستيعابها» (حمداوي، 2015م، ص 161). عامل القبول نسبي من قبل المتلقّي وكعامل القصدية يعود إلى مجال التداولية. وفي الواقع «المقبولية الوجه الآخر لقصدية المتكلّم، كما المخاطَب الوجه المقابل للمخاطِب، بل يصعب الفصل بين المقصدية عند المتكلّم ومقبولية التراكيب عند المخاطب» (الحسن، 2014م، ص 246). وطبعا على حسب رأي ديبوجراند، «للقبول أيضاً مدى من التغاضي في حالات تؤدّي فيها المواقف إلى ارتباك، أو حيث لا توجد شركة في الغايات بين المستقبل والمنتج» (دي بوجراند، 1998م، ص 104). أ. المقبولية في مستوى الكلمة القرآنية: كان العرب يُعرَف بأصحاب البيان وأرباب اللغة، فاهتزّ القرآن نفوسهم ومن أدبر عنه اتّهم الرسول (2) بالسحر والجنون و...، فدعاهم القرآن للتحدّي في مواضع عديدة، منها: «أَمْ يَقُولونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتوا بِسورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّٰه إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَª (يونس10: 38)، و«أَمْ يَقُولونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّٰه إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينª (هود 11: 13)، و«فَلْيَأْتوا بِحَديثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صادِقينَª (الطور 52: 34). فأعجز العرب والإنسانية جمعاء عن الإتيان بمثله، كما قال اللّٰه تعالى: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهيرًاª (الإسراء 17: 88)، ولمّا عجزوا أن يأتوا آيةً بمثلِه وتحيّروا فيه أسلموا. وكان من أهمّ الأدلة على مقبوليتهم للقرآن استعمالهم لآيات القرآن كشواهد لمؤلفاتهم في مباحث الصرف والنحو والبلاغة؛ لأنّهم فهموا أنّ القرآن الكريم معجز في لفظه وأسلوبه وبيانه وفي إخباره وإرشاده ومعجزٌ في معناه وكذلك في أثره على المخاطب. فمن هنا، نستطيع تقسيم المقبولية عند المتلقّين في المستويات التالية: تكون الكلمة القرآنية في ذروة من الفصاحة وتحمل في طياتها معاني كثيرة؛ فعلى سبيل المثال كلمة "كبْكبوا" في قوله تعالى: «فَكُبْكِبوا فِيها هُمْ وَالْغاوونَª (الشعراء 26: 94)، مرادفة لرمي بعضهم في الجحيم على بعض، وأيضاً طرح بعضهم على بعض منكبّين على وجوههم، وكذلك بمعنى جمعوا فيها (الطبري، 1412ﻫ، ج 19، ص 55). أوردها تعالى بلفظة "كبْكبوا"؛ لأنّ «معنى كُبْكِبُوا، [يكون] كبّوا فيها كبا بعد كبّ، فإنّ كبكبوا مضاعف كبّوا بالتكرير وتكرير اللفظ مفيد تكرير المعنى مثل: كفكف الدمع، ونظيره في الأسماء: جيش لملم، أي كثير، مبالغة في اللّم، وذلك لأنّ له فعلا مرادفاً له مشتملا على حروفه ولا تضعيف فيه فكان التضعيفُ في مرادفه لأجل الدلالة على الزيادة في معنى الفعل» (ابن عاشور، 1420ﻫ، ج 19، ص 161). فنرى لفظة "كبْكبوا" تُحدث تأثيراً أكثر في المتلقّي، حيث يستشعر عند قراءته «عنف العذاب الذي يصيب المجرمين حتّى أنّهم يدفعون دفعاً ويدعون دعا، فيتهاوون جماعة فوق جماعة» (شحاتة، 2001م، ص 80). والبحث عن حُسن استعمال الألفاظ في كتب التفاسير ومقارنتها بألفاظ أخرى المرادفة والاعتراف بوجود التناسق الداخلي بين الألفاظ ومعانيها ومقاصدها، دليل على مقبولية لفظة القرآنية عند المفسرين؛ بعبارة أخرى عندما يأتي كلام حسب مقتضى الأحوال، يصير مقبولا عند المتلقّي. ب. المقبولية في مستوى التراكيب: يندرج في طيات أساليب التراكيب التي استعملها القرآن كثير من المسائل النحويه والبلاغية، فتناسق الكلمات في كل جملة وتآلف الحروف فيها يأتي لتناسق دلالتها؛ فلا يجد المتلقّي في الجملة القرآنية كلمة أو حرفاً زائداً، ولا يجد التشتّت والتمزق في التراكيب القرآنية، بل هناك نظم في الكلم والألفاظ، حيث يقول الجرجاني: «ليس الغرض بنظم الكِلَم، أن توالت ألفاظها في النطق، بل أن تناسقت دلالتها وتلاقت معانيها، على الوجه الذي اقتضاه العقل» (2009م، ص 49). فتأتي كل لفظة بطريقة محكمة، في غاية الحُسن والجمال، فيجري كل تركيب في القرآن على نسق بديع، فأسلوبه فريدٌ لا يستطيع الإنسان أن يأتي بتعبير مثله، فيتحقّق بهذه التراكيب انسجام النص على صورة بديعة واتساقه. فيصبح الكلام مناسبا للمقام أو الحال الذي يلقى فيه الكلام؛ فهذا الأخير يجعل النص أو الكلام مقبولاً عند المتلقّي ومفهوما؛ فعلى سبيل المثال آية «إِنَّ الْمُتَّقينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍª (الدخان 44: 51)، يكون سياقها البشارة للمتقين، فهم يكونون في مأمن من الأذى وليس لديهم خوفٌ أو حزنٌ ولا يعانون من شيءٍ؛ والجملة الاسمية ووزن "فعيل" يدلّان على الثبوت والدوام والاستقراء. فأكّدت الآية هذه البشارة بالأداة "إنّ"، و«جاء الخبر "شبه الجملة"؛ لبيان صفة المقام بدلالة صيغة "فعيل" التي تدلّ على الأمن والطمأنينة؛ لذا كانت دلالة "إنّ" الدور الفاعل في نقل بنية التركيب من حالته الإثباتية المجردة إلى بنية أشدّ تأكيداً لتُلقي على سمع من ينكر ذلك» (جبار، 2009م، ص 88). فإتيان الكلام حسب مقتضى الحال يجعله مقبولاً عند المتلقّي أو القارئ، كما رأينا في الآية؛ والسياق الذي ترد فيه الآية مناسبٌ للمعنى المطلوب، وهذا يكون إلى جانب توجيه التركيب النحوي؛ لأنّ «توجيه التركيب النحوي يُعدّ وجها من وجوه القبول عند المتلقي» (الحسن ، 2014م، ص 249). ومثال آخر لقوله تعالى: «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفي الصُّدورُª (الغافر40: 19)؛ فالآية «وردت في سياق القدرة والإحاطة بخفايا النفوس» (جبار، 2009م، ص 65)، وتراد شمولية علم اللّٰه تعالى على ما تختلسها العيون من النظرات والإحاطة بما يضمره الإنسان في نفسه خيراً كان أو شرّاً. و«خائِنَةَ الْأَعْيُنِ، أي النظرة الخائنة للأعين وإسناد الخيانة إلى النظرة مجازٌ؛ لأنّ الخائن هو الناظر أو يعلم خائنة الأعين على أنّها مصدرٌ كالعافية كقوله تعالى ولا تزالُ تطلع على خائنةٍ منهم والخيانة مخالفة الحقّ بنقض العهد فى السرّ ونقيضها الأمانة؛ والمراد هنا استراق النظر إلى غير المحرم كفعل أهل الريب والنظرة الثانية إليه» (حقي برسوي، د.ت، ج 8، ص 170). فاستعمال فعل المضارع "يعلمُ" قد جاء لمرافقة سياق الجملة؛ لأنّ خيانة الأعين وإضمار الإنسان الأمورَ في نفسه شيءٌ يتكررّ حدوثه ويتجدّد، وهو غير دائم، و«المضارع المفيد للتجدد والتكرير لإفادة أنّ ذلك العلم متكررٌ متجدّد التعلق بمقتضى أحوال المعلومات المتنوعة والمتكاثرة، على نحو ما قرّر في قوله: «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِª» (ابن عاشور، 1420ﻫ، ج 12، ص 150). فنرى استعمال القرآن الكريم لبنية الكلمة في سياق الكلام استعمالاً في غاية الدقة والجمال، و«ينبغي أن يوضع كل تعبير في سياقه ليتبين الفرق بين استعمال وآخر» (السامرائي، 2019م، ص 47). فهذا السياق القرآني مع كثرة الخصائص اللغوية يدفع القارئ إلى التفاعل معه والمشاركة فيه، فيعدّ هذا التفاعل والمشاركة من مظاهر المقبولية، إلى جانب توجيه التركيب النحوي. ويجب الإشارة إلى أنّ «مقبولية التركيب النحوي لا تتوقف على المعاني المعجمية للمكوّنات والصحة النحوية والدلالية والمنطقية فقط، بل تعتمد على قدرتها في إحداث التواصل بين المتكلّم والمخاطب» (الحسن، 2014م، ص 261). والسبب هو أنّ «الحكم على استقامة التراكيب ينبني في كثير من الأحيان على الناحية الاتصالية لا النحوية ولا الدلالية» (المصدر نفسه، ص 261). ج. المقبولية في المستوى النصي: النص القرآني بنية محكمة البناء، فتوجد سلسلة من العلاقات التركيبية المحكمة بين مفرداته وجمله، فلا يكون هذا النص في قالب واحد، بل تنوّعت نصوصه في بنيته وسياقه؛ ففي قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لَا تُبْطِلوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللّٰه وَالْيَوْمِ الآخر فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبوا واللّٰه لَا يَهْدي الْقَوْمَ الْكَافِرينَª (البقرة 2: 264). قد أودع اللّٰه تعالى فيها الطاقات الإبداعية التي تأسر المتلقّي وتدفعه إلى المحاولة للكشف عنها. يقول ابن عاشور عنها: «أوسع اللّٰه تعالى هذا المقام بيانا وترغيبا وزجرا بأساليب مختلفة وتفنّنات بديعة، فنبّهنا بذلك إلى شدّة عناية الإسلام بالإنفاق في وجوه البرّ والمعونة» (1420ﻫ، ج 2، ص 516) يريد اللّٰه تعالى أن يبيّن للناس أنّ الصدقة التي تُبذل رياء، والذي يتبعها المنّ والأذى، لا تُثمر شيئاً ولا تبقى. فينتقل المعنى في صورة حسية متخيلة لتكون الآية صفحة مقابلة للصفحة التي صوّره في الآية السابقة: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰه كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللّٰه يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللّٰه وَاسِعٌ عَليمٌª (البقرة 2: 261). فيوجد التقسيم والتوزيع مع التقابل والتنسيق العجيب والتجسيم (سيد قطب، 2004م، ص 40 ـ 41 و78)، لدرجة أنّ بعض الباحثين في الدراسات القرآنية والبلاغية يرون أنّ «الأثر النفسي الذي تحدثه المعاني بطريق التمثيل أبلغ من الأثر النفسي لها، إذا جاءت مجردة، ممّا يؤدي إلى رفع نسبة المقبولية إلى أقصى حدٍّ» (القعطبي، 2016م، ص 18)؛ لذلك أحد معايير الحكم على النص بالقبول هو مدى ملاءمته للسياق الذي يرد فيه النص.
الخاتمة تجدر الإشارة إلى أبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة: ـ كلّ يحمل في طيّاته قصداً أو نيةً، قد يكون واضحا أو غير واضح. ـ وجود قناة تواصلية لارتباط منتج النص بمتلقّيه ضروري لتحقق القصدية، إضافة إلى وجود المنتج والمتلقّي. ـ ترتبط القصدية بالتداولية؛ وبعبارة أخرى القصدية مفهوم أساسي من مفاهيم اللسانيات التداولية، حيث تهتم التداولية بدراسة اللغة في الاستعمال، ومن ثمّ تكشف عن قصد المرسِل (أو المتكلّم) في السياق المحدد. ـ من الشروط الأساسية لقصدية النص عند ديبوجراند هو اتسامه بالاتساق من جهة، وأن يكون نصاً منسجماً من جهة ثانية، وكل هذا يصدق لمقبوليته عنده. ـ مراعاة الكلام لمقتضى الحال إلى جانب توجيه التركيب النحوي والتزامه بالقواعد اللغوية، تكون من مظاهر مقبولية النص، فترتبط المقبولية بمدى تلك المراعاة ارتباطاً وثيقاً. ـ من الآليات اللازمة للكشف عن مقاصد القرآن هي: معرفة اللغة العربية والنظرة إلى مقتضى الأحوال ومعرفة أسباب النزول وظروفها والتدبّر في دلالة ألفاظه وتراكيبه في السياق التي وردت فيها. ـ تطبيق هذين المعيارين على النص القرآن الذي يتمثّل في الوقوف على مدى بلاغتة وتماسك الآيات وجماليات الانسجام في عناصره المختلفة، يكون من المعطيات اللغوية؛ وهذا الأمر إلى جانب توجيهات اللغوية الصرفية، والنحوية...، والبحث في مراعاة مقتضى الحال، مما يساعد على فهم النص القرآني بشكل أفضل، وإن لايزد فهماً جديداً.
[1]. RoBERT DE BEAUGRANDE [2]. Wolfgang Dressler [3] .Harris [4] .Connected [5] .Speech [6] .Writing [7] .Descriptive Linguistics [8] .Structure of the Text [9] . السلوكية: هو الاتجاه الذي يقوم على مبادئ الفلسفة السلوكية التي ظهرت في بداية القرن العشرين، والتي لا تؤمن إلا بالسلوكات الظاهرة التي يمكن ملاحظتها وقياسها وإجراء التجارب عليها. [10] .Language [11] .Social Situation [12]. Twain Van Dyek [13] .Cohesion in English [14] .RoBERT DE Bogrand [15] .Wolfgang Dressler [16]. Cohesion [17] .Coherence [18] .Intentionality [19] .Acceptability [20] .Situationality [21] .Intertextuality [22] .Informativity [23]. Ferdinand de Saussure [24]. In Use [25] .In Interaction [26] . قول " القرآن يفسّر بعضه بعضاً" قولٌ معروف لا حاجة لتكراره ومرجعيته. | ||
مراجع | ||
* القرآن الكريم. ابن جزي الغرناطي، محمد بن أحمد. (1416ﻫ). التسهيل لعلوم التنزيل. بيروت: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم. ابن عاشور، محمد طاهر. (1420ﻫ). تفسير التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور. ط 30. بيروت: مؤسسة التاريخ العربي. إيكو، أمبرتو. (2004م). التأويل بين السيميائيات والتفكيكية. ترجمة وتقديم: سعيد بنكراد. ط 2. بيروت: المركز الثقافي العربي. بحيري، سعيد حسن. (1997م). علم لغة النص: المفاهيم والاتجاهات. القاهرة: دار نوبار للطباعة. البستاني، بشرى حمدي؛ ووسن عبد الغني المختار. (2011م). «في مفهوم النص ومعايير نصية القرآن الكريم: دراسة نظرية». أبحاث كلية التربية الأساسية. ع 1. ص 174 ـ 196. بلحوت، شريفة. (2012م). «طبيعة النص وعلاقته بسياق المقام: من منظور مايكل هاليداي ورقية حسن». الأثر. ص 119 ـ 129. ثابت، رنا ماجد. (2020م). «القصدية في اللغة العربية بين الدراسات القديمة والحديثة». مجلة كلية العلوم الإسلامية. ع 64. الثعلبى، أبو إسحاق أحمد بن محمد. (1422ﻫ). الكشف والبيان المعروف بتفسير الثعلبي. بيروت: دار إحياء التراث العربي. جبّار، علي ميران. (2009م). أنماط التركيب القرآني: دراسة في سور آل حم. رسالة الماجستير. جامعة الكوفة. كلية الآداب. الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن. (2009م). دلائل الإعجاز. التعليق: محمود محمد شاكر. الجدة: دار المدني. الحسن، أحمد حسن. (2014م). «الضوابط التداولية في مقبولية التركيب النحوي». مجلة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانية والاجتماعية. ع 2. ص 154 ـ 268. حقي برسوي، إسماعيل بن مصطفى. (د.ت). تفسير روح البيان. بيروت: دار الفكر. حمداوي، جميل. (2015م). محاضرات في لسانيات النص. القاهرة: شبكة الألوكة. خطابي، محمد. (1991م). لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب. بيروت: المركز الثقافي العربي. دي بوجراند، روبرت. (1998م). النص والخطاب والإجراء. ترجمة: تمّام حسّان. القاهرة: عالم الكتب. ـــــــــــــــــــــ؛ وولفغانغ دريسلر. (1992م). مدخل إلى علم لغة النص. ترجمة: إلهام أبو غزالة وعلي خليل حمد. نابلس: دار الكاتب. الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد. (2009م). المفردات في غريب القرآن. مكة المكرمة: مكتبة نزار مصطفى الباز. زكي، منال. (2018م). معيارا القصدية والمقامية في علم النص وتطبيقاتهما في القصص القرآني: دراسة وصفية تحليلية. رسالة الماجستير. جامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، كلية معاوف الوحي والعلوم الإنسانية. السامرائي، صالح فاضل. (2019م). من أسرار البيان القرآني. ط 2. دمشق: دار ابن الكثير. سلمان، طلال خليفة. (1434ﻫ). «السرد الوصفي القرآني: دراسة أسلوبية». تراث النجف. ع 2. ص 290 ـ 318. سيّد قطب. (2004م). التصوير الفني في القرآن. ط 17. القاهرة: دار الشروق. شحاتة، عبد اللّٰه. (2001م). علوم التفسير. القاهرة: دار الشروق. صديق حسن خان، محمد صديق. (1420ﻫ). فتح البيان في مقاصد القرآن. بيروت: دار الكتب العلمية. الطبري، محمد بن جرير. (1412ﻫ). جامع البيان فى تفسير القرآن. بيروت: دار المعرفة. عبد الراضي، أحمد محمد. (2011م). المعايير النصية في القرآن الكريم. القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية. عبد المجید، جمیل. (1998م). البدیع بین البلاغة العربیة ولسانیات النصیة. القاهرة: الهیئة المصریة العامة للکتاب. العياشي، منذر. (1996م). اللسانيات والدلالة (الكلمة). حلب: مركز الإنماط الحضاري. الغزالي، محمد. (2005م). كيف نتعامل مع النص القرآن؟. ط 7. القاهرة: نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع. فضل، صلاح. (1992م). بلاغة الخطاب وعلم النص. الكويت: عالم المعرفة. القعطبي، عبد الكريم محمد قاسم. (2016م). النصوص القرآنية بين قصدية المرسل ومقبولية المتلقي. اليمن: جامعة الملكة أروى. قمي مشهدي، محمد بن محمد رضا. (1368ﻫ.ش)، تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب. طهران: وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي. لحلوحي، فهيمة. (2012م). «علم النص: تحريات في دلالة النص وتداوله». الآداب واللغات. ع 10 و11. ص 207 ـ 234. مصطفى، نئ حنان؛ ومحمد إخوان بن عبد اللّٰه. (2018م)، «معيار الإعلامية لدى روبرت دي بوجراند و تجلياته في آيات القرآن الكريم: دراسة دلالية». الدراسات اللغوية والأدبية. ع 1. ج 9. ص 3 ـ 23. معرفت، محمد هادي. (1418ﻫ). التفسير والمفسرون في ثوبة القشيب. المشهد المقدّس: الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية. هاينه من، فولفجانج؛ وديتر فيهفيجر. (1999م). مدخل إلى علم اللغة النصي. ترجمة: فالح بن شبيب العجمي. الرياض: النشر العلمي والمطابع ملك سعود.
ب. الفارسية قرائتى، محسن. (1383ﻫ.ش). تفسير نور. ط 11. تهران: المركز الثقافي. مطهرى، مرتضى. (1423ﻫ). آشنايى با قرآن. تهران: بنياد علمى و فرهنگى شهيد مطهرى.
ج. المواقع الإلكترونية البويسفي، محمد. (2019م). «قراءة النص القرآني بين الشمولية والتجزيئ». https://www.aljazeera.net/blogs/2019/2/9/ | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 438 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 312 |