تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,682 |
تعداد مقالات | 13,762 |
تعداد مشاهده مقاله | 32,211,400 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,749,378 |
ابن الرومي في ميزان الدرس الأسلوبي وقفة دلالية عند مرثيته الدالية صرفا وموسيقی وترکيبا | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 9، دوره 14، شماره 27، دی 2022، صفحه 99-120 اصل مقاله (1.14 M) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2021.129191.1375 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسنده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مالک عبدي* | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة إيلام، إيلام، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إن الحديث عن ابن الرومي بشخصيته النادرة وعناصرها المتشابکة، شيء يصعب علی الدارسين، ولا سيما إذا أردنا أن نمعن النظر في جوانب شعره الإبداعية والدلالية. فإن نظرة فاحصة في شعر ابن الرومي تهدينا إلی مواضع الاستخدام الوظيفي الذي يتمتع به الشاعر في سرد حقائق فکرته، وتوعية المخاطبين بما يوحي به شعره من رموز دلالية. فإن موضوع هذه الدراسة يدور حول إحدی مراثيه التي طبقت شهرته الآفاق، بما فيها من دمج وتوليف بين العناصر الأسلوبية المکونة للنص الإبداعي، والعواطف المشحونة بالتوتر والارتباك اللذين جعلا الشاعر يـفيض لوعة علی فقد حبيبـه. تقوم هذه الدراسة علی أساس المنهج الوصفي ـ التحليلي، لنری من خلاله کيف تبينت إستراتيجيات الشاعر السردية في التوفيق بين الحزن المستفيض والمقومات الأسلوبية التي اعتمدها للتدليل علی تلك الحرقة المتأبدة. النتائج تقول لنا إن الشاعر کان ذا توفيق في تصوير هذا الحزن عبر الإمکانيات التعبيرية التي أتيحت له في حقول الصرف والموسيقی والترکيب؛ إذ تمکن من خلالها أن يختصر الطريق إلی الفهم ويجعل المعنی العصي جرعة مستساغة لدی المخاطب يرتشفها بسهولة؛ فقد کان للإبداعات الصرفية إسهام کبير في تفظيع المواقف، بحيث لا يقاسي کنهه إلا من فقد نجله، کما أن للإشارات والتلميحات الموسيقية دورا مميزا في تسيير نظام القصيدة ببطء، بحيث يحاذي حس الشاعر، والأبنية الترکيبية التي رکن إليها ابن الرومي تم تشييدها، بحيث تتوائم فيها البنية النصية تماما مع ثورة الحزن التي تستحوذ علی نفسية الشاعر؛ وبالجملة فإن الشاعر کلما اشتد جزعه، وجدنا المسار الأسلوبي المبرمج لديه يطاوعه تماما في مشواره الرثائي المفجع، من حيث شدة الذبذبات العاطفية ومدی تأقلمها مع المرکبة الدلالية التي اختيرت لها. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ابن الرومي؛ المرثية الدالية؛ الأسلوبية؛ الآليات الصرفية والموسيقية؛ التراکيب | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ابن الرومي هو أحد أبرز الشعراء في العصر العباسي، والذي اجتمعت له مواهب کثيرة في میدان الشعر، وتوفر له من الکنوز المعرفية والعبقرية النادرة ما جعله واحدا من أعاجيب دهره، من حيث النظم والطاقات الإبداعية فيه، وإن أصابه بعض الخمول والتجاهل وتنکر له بعض أصحاب التراجم الکبار کصاحب الأغاني وياقوت الحموي وابن الأنباري، وهذا مما جعل طبع ديوانِه متأخرا من بين سائر الدواوين التي في طبقته؛ إذ هو «کان خاملا، وکان خموله أظلم خمول يصاب به الأدباء؛ لأنه الخمول الذي يحفظ ذکر الأديب؛ ولکنه يخفي أجمل فضائله وأکبر مزاياه، وهذا هو الحيف الذي أصاب ابنالرومي» (العقاد، 2017م، ص 9). ومع هذا، فإنه في ظننا من أقدر شعراء هذه الحقبة قاطبة، وأبرزهم مکانة شعرية، بما أوتي من قريحة حادة جادة فيها إن لم يکن أقدرهم! فلو کان المتنبي مثلا بارعا في وصف المعارك والإنشادات القتالية وتصوير ساحة الوغی، وإذا کان أبوتمام ذا إجادة في ميدان التفکير وطرح المبادئ الفکرية علی منصة الشعر، ولئن کان لأبي نواس باع طويل في السردانية الخمرية والجهات الفنية التي تتصل بها، أو امتاز أبو العتاهية بريادته في ميدان الزهد وما توفر لديه من موهبات هذا الصعيد، واشتهر البحتري بما أوتي من ملکات الوصف الحسي المقتدر، فإن ابنالرومي ـ رغم أنه کان من أجناس غير عربية من ناحية أبويه کليهما ـ إلا أنه کان من المجيدين جدا في الحقول الإبداعية، وکان له قدرة فائقة في المنحدرات الشعرية المتعددة المناهج. فإذا قرأنا له مرثية، وجدناه قديرا في رسم ملامحها وسرد عاطفته فيها بشکل مستوف؛ ولو نظرنا في سخريته وهجائه الکاريکاتيري، لوجدناه فارسا لا يشق له غبار في مضمار التصوير الکاريکاتيري الهدام الذي لا يبقي شيئا من کيان مهجوه ولا يذر. ولو عرجنا علی مواضع من مديحه لاستبانت خطته القويمة في هذه المنصة التعبيرية، وظهرت متانته الأسلوبية فيها؛ ولو تصفحنا وصفه، لخيل إلينا أنه خلق وصافا جبلة، وما من قدرة علی الوصف، إلا وقد أوتي نصيبا منها! وهکذا فإن له يدا مقتدرة في الحقول الشعرية التي يخوضها. فهو کما يقول المرزباني «أشعر أهل زمانه، وأکثرهم شعرا، وأحسنهم أوصافا، وأبلغهم هجاء، وأوسعهم افتنانا في سائر أجناس الشعر وضروبه وقوافيه، يرکب من ذلك ما هو صعب متناوله علی غيره» (2005م، ص 289). ولعل المعنيين بدراسة شعره قد أهملوا کل هذه الإجادة والإبداع اللذين امتاز بهما شعره، ويبدو أن الذين أهملوه، وکان ذلك حنقا منهم عليه لا إصغارا لشأنه کما يقول المرزباني. والغالب عليه هو الهجاء؛ إذ هو الطابع الذي ينطبع عليه بکل ما أوتي من ممتلکاته السحرية، «وصار به حتی يقال: أهجی من ابن الرومي» (الفاخوري، 1981م، ص 780). وبالجملة فإنه «صاحب عبقرية تعبد الحياة، وتحيا مع الطبيعة، وتلتقط الصور والأشکال، وتشخص المعاني، وتقدم الجمال علی الخير، أو لا تحب الخير إلا لأنه لون من ألوان الجمال، ثم هي تنظر إلی الدنيا نظرتها إلی المعرض المنصوب للتملي والمتعة، لا نظرتها إلی الحصن المغلق أو الصومعة الموحشة ... ولا نعرف صفة أجمع لهذه الخصال کلها من صفة العبقرية اليونانية التي اتسمت بها في الجملة فنون الإغريق» (العقاد، 2017م، ص 214). وغالبا ما يشعر الإنسان بجفاف الروح وفظاظة الطبع لدی الشاعر الهجاء لما في الهجويات عموما من إسفاف وهجنة وسخافات في التعبير. فيبدو من الصعب أن يوفق هجّاء مطبوع في مقام الرثاء الذي يتطلب شيئا من المرونة والاسترخاء والتعاطف الجاد مع الأناسي وعناصر الکون والطبيعة جميعا؛ ولکن القدرات الفنة التي تجمعت لدی ابن الرومي، أتاحت له هذه الميزة النفسية المتعاکسة لإظهار الجودة الفنية في کلا الحقلين. فنری ـ کما يقول العقاد ـ أن العبقرية اليونانية والرهافة الأروبية التي هيأتها له القريحة الإفرنجية، فقد أکسبتـا روحه رونقا وطلاوة غريبة وأضفتا علی تجربته الشعرية التي عاشها في بيئة عربية صبغة تعبيرية فريدة، قلما يتمتع به شاعر غيره. وهذا ما نلمسه في أثواب شعره التي خرجت في قشابة منقطعة النظير، توحي بأنها نطفة أمشاج من روح عربية راسخة ورهافة أروبية کاشفة. فلو تقصينا مزاياه الفنية المتجمعة في شعره، لرأينا أن شعره عموما يمتاز بما يعقّب من مهارات في الإبداع، «بطول النفس مع المحافظة علی السلاسة عموما، واستيفاء المعنی وتقصي کل ما فيه، ودقة الإحساس بالمؤثرات الطبيعية، وأخيرا ميله إلی تشخيص ما لا يعقل» (المقدسي، 1989م، ص 298). ففد ارتأينا في هذه الدراسة أن نميل إلی مرثيته الدالية الشهيرة في فقد ولده الأوسط ميلة دلالية ـ أسلوبية، ونعرضها علی محکات الدرس الآلياتي، لنستکشف من خلالها ما اشتملت عليه کلماته من مهارات في الإبداع التوظيفي ومناهج السرد التعبيري. وإنما نقوم في هذا العرض الأسلوبي بدراسة شعره من منظور الدلالات التي توحي بها مرثيته في مجالات الصرف والصوت والتراکيب، ونقوم بتشفيف غوامض الأمر علی المتلقّي وما تشف عنه قصيدته من المعاني، بغرض توصيل المخاطب إلی مبتکرات النهج البياني الذي تمتاز به مرثيته، والتي تقوم بتسهيل ما عسر من المعنی علی المخاطب بشکل مباشر. 1ـ1. أسئلة البحث تهدف هذه الدراسة إلی الإجابة عن الأسئلة التالية: ـ هل استطاع الشاعر من خلال العينات الدلالية ـ التعبيرية التي استخدمها في قصيدته، أن يقوم بتوصيل مغزی فکرته إلی المخاطبين ويسهمهم تماما في وجدان حقائق حزنه وتألمه؟ ـ کيف کان تعاطي الشاعر لموضوع الفقد وآلامه من جانب، وطلب السکينة من جانب آخر في ظل الصراع الداخلي الذي يتحمله، وهل استطاع أن يوفق بين هاتين النقطتين المتباينتين في نفسيته من وجهة نظر التوظيفات الدلالية؟ ـ هل تتطابق الصورة النفسية المنشودة لدی الشاعر مع ما أتی به من آليات للتدليل علی تلك الصورة صوتيا وترکيبيا وموسيقيا؟ 1ـ2. خلفية البحث هناك دراسات بشأن قصائد ابنالرومي من منظور القراءات الفنية والمضمونية، ونستعرض ههنا طائفة منها مما تتوثق علاقتها بهذا البحث من منظور المنهجيات المتّبعة فيها: مقالة أعدها علىاصغر حبيبى بعنوان رثاء ابنالرومي بين الاتباع والابتداع قصيدة رثاء البصرة نموذجا، (2001م)؛ وقد حاول فيها المؤلف تسليط الضوء علی جوانب مختلفة من هذه القصيدة من حيث الموضوعية والأسلوبية والمنهجيات الفنية التي فيها. کما أعدت کبری روشنفکر ورحمت اللّٰه پاشازنوسى مقالة موسومة الطبيعة الحية في شعر ابنالرومي، (2006م)، وبحثا فيها أهم ملامح هذه الطبيعة من طير وحشرات وحيوانات داجنة وغير أليفة وغيرها. وهناك مقالة تحمل عنوان مظاهر الفکر في شعر ابنالرومي، حررتها مرضيه آباد (1435ﻫ)، وقد استعرضت فيها المؤلفة معالم التفکير عنده من خلال ممارساته الجدلية واستقصاء المعاني والواقعية والوحدة الموضوعية والنثرية والوضوح. کما أعدت المؤلفة نفسها مقالة بعنوان الموسيقی الداخلية في شعر ابنالرومي، (2005م)، وسعت فيها لإلقاء الضوء علی الجوانب الإبداعية التي ظهرت في شعر ابن الرومي من خلال استعانته بتقنيات الموسيقی الداخلية وتوظيفها. کما عثرنا علی مقالة تحمل عنوان بنية الإيقاع في شعر ابنالرومي: دراسة أسلوبية إحصائية، بقلم عمر وفيق صابر وأبو زيد سامي يوسف (2014م)؛ وقد أفرغا فيها الجهد للحصول علی إحصائيات أسلوبية رصينة تسجل للمخاطب مدی ألمعية الشاعر في رصد القضايا الصوتية والعروضية في شعره. و مقالة التوظيف الفني في سيميائية الألوان عند ابن الرومي، لمحمد خاقانى وداوود نجاتى (1393ﻫ.ش)، متناولين فيها أهم مظاهر شعرية الألوان عند ابن الرومي وتوظيفه لعناصر التلوين الأدبية في مرآة شعره. کما أن هناك رسالة جامعية تقدم بها فيصل سلمان مناحي الذهبي في الجامعة المستنصرية عام 2005م، وهي تحمل عنوان الصورة الفنية عند ابن الرومي، وقد بحث فيها طائفة من الصور البيانية التي يحويها ديوان ابن الرومي عامة. وقد وجدنا رسالة في جامعة الخرطوم موسومة ملامح الحياة الاجتماعية في العصر العباسي من خلال شعر ابنالرومي، بقلم هويدا الطريفي (2015م)؛ وهدفت بها الباحثة إلی تصوير المجتمع العباسي في عصره الثاني من خلال شعر ابنالرومي، وکذا الوقوف علی أسرار اللغة العربية ومعرفة خفاياها في ذلك العصر عبر دراسة شعره الاجتماعي. وأخيرا، عثرنا علی مقالة تحت عنوان دراسة وتحليل آراء العقاد حول أشعار ابنالرومي، لأبي الحسن امين مقدسى وسيمين غلامى (1394ﻫ.ش)؛ وتناول فيها المؤلفان أهم آراء عباس محمود العقاد عن ابنالرومي في کتابه الذي عوّلنا عليه، وهو من مصادر دراستنا هذه. ولکننا ومن خلال مشوارنا البحثي في المقالات والکتب والرسائل، لم نعثر علی مقالة مستوفية خاصة بدراسة شعر ابن الرومي تعکف علی تقصي الملامح الأسلوبية والمنهجيات الدلالية في مرثيته الدالية هذه من منظور آليات الصرف والموسيقی والتراکيب، وهذا ما يدفعنا نحو سد هذه الثغرة البحثية، فيما يتعلق بدراسة شعره في الرثاء دراسة استکشافية ـ أسلوبية؛ والمجال مفسوح أمام الباحثين والنقاد لإنجاز بحوث أخری بشأن القصيدة تکون أشدّ نسجا وحبکة وإحکاما مما قمنا به.
نجد للأسلوبية معاني متعددة في المصادر اللغوية الحديثة وكتب اللسانيات؛ ومن ضمن هذه التعاريف المتعددة المناهج، يسعنا أن نحصل علی مجموعة من کلمات العلماء من عرب ومستشرقين، کل منها يبرز طرفا من أبعاد الأسلوبية ويقوم بتحديد مفاهيمها الأساسية من جهة. فنری بوفن مثلا يقول: «الأسلوب هو الإنسان عينه، کما نری کلودال؛ إذ يقول في تعريفه: إن الأسلوب هو نغم شخصيته» (المسدي، 2005م، ص 68). ولا يخفی علی الناظر في أمر الأسلوبية أنها وثيقة الارتباط بالبلاغيات والدراسات النقدية واللغوية، کما أن لهذه المجالات تأثيرا مباشرا علی منهج الأسلوبيات عامة، وليس لأسلوب فني رائع إلا أن يکون له استمداد من مقومات العلوم الألسنية والنقدية الحديثة التي ظهرت علی ساحات الأدب. فيری الشايب «أن الأسلوب هو طريقة التفکير والتصوير والتعبير ... وأن أعم الصفات وأعمقها التي تميز الأسلوب الجيد، فيمکن إرجاعها إلی ثلاث صفات: الوضوح لقصد الإفهام، والقوة لقصد التأثير، والجمال لقصد الإمتاع والسرور» (الشايب، 1991م، ص 45 و185). فلا يلتبس علی أحد أن فاعلية الأسلوبية تکمن في نقل الأفکار والمفاهيم، مباشرة کانت أو غير مباشرة. وتحقيقا لهذا الغرض، فإن علی الشاعر الأسلوبي، والذي يطلق عليه في الإنجليزية "stylistician" » (عبد المطلب، 1994م، ص 185)، أن يصبغ أخيلته ومغزاه التعبيرية بصبغة الأسلوبية حتی لا يقع مخاطبوه في فخ التعقيد والغموض السردي الذي يخل بنظام التداولية والتخاطب. أما مهمة الأسلوبیة الرئيسة، فهي «الترکیز علی العناصر الجوهریة والداخلیة للعمل الفني وفي دراستها للنصوص تقوم أساسا علی تقنیات خاصة منه الاختیار والانزیاح. یقصد بالاختیار، اختیار الکاتب أو المبدع کلمات أو عبارات أو أسلوبا من الأسالیب دون الأسالیب الأخری، فمع أن اللغة تقدم إمکانیات هائلة للمبدع إلا أنه یختار منها ما یشاء» (شکري، 1988م، ص 68). فعلينا في سبيل إنجاز هذه المهمة أن نبحث عن جذور هذه الشخصية المتمثلة في غضون کلمات الشاعر، والتي ترسم لنا ماهية تعبيرية اکتملت لديه وبلغت حد النضاج عنده، ويستطيع عبرها أن يميز نفسه بسمته الشعرية الفريدة من بين سائر الذين يضاهونه في ميدان الشعر، ونستنتج منها أن هذا النص ـ ولو لم ندرك أن قائله من هو ـ يکون للشاعر الفلاني بما فیها من ميزات أسلوبية لا نعهدها إلا لدی هذا الشاعر الفريد الذي اشتهر بها بعينه؛ إذ «إن الأسلوب ظاهرة ذات تعلق بالقائل» (عبد اللّٰه، 1994م، ص 92). وأما ابن الرومي وبکل الامتيازات التي أحصيناها له في صعيد الشعر والملکات التعبيرية التي أوتيها، فيبدو أن شعره عموما متسم بسمات أسلوبية ملحوظة تکشف لنا عن قدرته الأدائية؛ وهذا ما نستشعر به في مرثيته التي عنيناها بالدرس الأسلوبي في هذا المقال علی وجه الخصوص، لنستبين من خلالها أهم مرتکزات الأداء الوظيفي التي اقتناها ابن الرومي لتنبيه مخاطبه إلی مواضع فکره البياني ـ الأسلوبي، والتي ارتسمت علی لوحات فنه الإبداعية صرفا وصوتا وبلاغة وترکيبا، وهذا بحاجة إلی شيء من الجد والجهد في إنماء المقاصد التي تطلع إليها الشاعر من خلال السبائك الذهنية التي اختارها، فأفرغ فيها ما تيسر له من أبنية اللغة والتراکيب التي تنم عن المعنی وتجعله ذات شفافيّة أکبر لدی متلقيه. والذي نحن بصدده في هذه الدراسة هو التمعن في کلمات مرثيته وسبر أغوار معانيها التي لا تدرك بالملاحظة البسيطة، وإنما نريد أن نجد لها طريقا إلی اللباب الذي يخفی علی الذين يزاولون إنتاجه هذا بإلقاء نظرة عاجلة لا ظليلة ولا تغني من اللهب، بل علينا عبر هذه المعالجة أن نجتاز السطوح إلی ما وراء کواليس الألفاظ من الدلالات الرقيقة؛ وهذه الميزة في الحقيقة «هي التي تکسب العمل الفني قوته ومقدرته علی الحياة، بل صلاحيته للخلود، وهو قائم علی التأمل والتمعن الذي يمضي إلی ما وراء الظواهر المدرکة بالملاحظة ويذهب إلی اللباب» (الخولي، 1947م، ص 55). 2ـ1. المستوی الصوتي والمراد بالمستوی الصوتي وما يتبعه من دلالات هو «ملاحظة الجانب الصوتي الذي قد يؤثر علی المعنی، مثل وضع صوت مکان آخر، ومثل النبر والتنغيم ...» (عمر، 1988م، ص 14). فالإيقاع هو أحد أهم الرکائز الدلالية التي تساهم في تشکيل المعنی بشکل مباشر، واستقصاء المحاور الصوتية التي تکون سلّما إلی المعنی، مما نتتبع أثرها في هذا المنحی التحليلي من الدراسة. وبديهي أن هذه المؤشرات الصوتية تبرز نفسها من خلال منهجيات توليدية مختلفة من طبيعة الأصوات، وجرس الألفاظ المتباين، والموسيقی بصنوفها المختلفة داخلية وخارجية، والأنساق التوظيفية الهادفة لاجتلاب القوافي و...، وکذا أي ملمح صوتي آخر تکون به صبغة تصويرية بارزة. فالدلالة الصوتية «تتحقق في نطاق مجموع أصوات الکلمة المفردة وتسمی بالعناصر الصوتية الرئيسية ... وتتحقق کذلك من مجموع تأليف کلمات الجملة وطريقة أدائها الصوتي ومظاهر الأداء وتسمی بالعناصر الصوتية الثانوية» (عکاشة، 2011م، ص 17 ـ 18). وهنا، نستعرض بعض الملامح الصوتية المثيرة للاهتمام في قصيدة الشاعر. 2ـ1ـ1. قافية الدال المکسورة ودلالتها الصوتية ـ التشکيلية في القصيد نری الشاعر في قصیدته هذه قد بادر إلی استخدام حرف الدال کروي لقوافي قصيدته، وقد عمد إلی صیاغتها مصحوبة بحرکة الکسر، ولکل منهما دلالات مباشرة صوتا وإيقاعا. فإذا أردنا أن نبحث عن جذور معاني الدال، فنقول «إنه حرف یدل علی التصلب والتغیر المتوزع، کما أنه، ووفقا لخصائصه الحسية والشعورية ونظرا لطبيعتها الصوتية، يعد من الحروف اللمسية التي تدل علی معاني الشدة والفعالية الماديتين» (السليم، 2019م، ص 81 ـ 83). وقد ارتبطت الکسرة في کثير من اللغات القديمة «بدلالة التقليل والنقصان» (عبد الجلیل، 2006م، ص90)؛ والدال کذلك «تفيد المماطلة والطول» (عکاشة، 2001م، ص 22)؛ فنری التوافق الصوتي ظاهرا بین هذا الحرف المختار والمعاني المجلوبة له عند الشاعر؛ إذ إنه يتلهف علی فقد عزيز، وهو يعيش في غاية الحالة الانکسارية والتهشم، وقد أخذت قواه الحسية في النقصان والانکماش، حسبما يصرح به من خلال قصیدته، والحديث عن مدی الفاجعة التي ألمت به بعد هذا الحزن المستطيل. فالحزن يتريث عنده ويسير في أرجاء روحه ببطء، فإنه يتغير حاله وتتوزع هذه المأساة الجارحة في أرجاء کيانه، کما أن هذه المعاني مستفادة کلها من حرف الدال الذي تم الحديث عنه آنفا. کما لا ننسی أن أهم ميزة صوتية تمتاز بها الدال هي صفة القلقلة، والقلقلة هي «صوت زائد يحدث في مخرج الحرف بعد ضغط المخرج وحصول الحرف فيه بذلك المخرج ...، فيحصل تحريك مخرج الحرف وتحريك صوته ...، ويشترط عند الجمهور في إطلاق اسم القلقلة علی ذلك الصوت الزائد کونُه قويا جهريا ...؛ ولذا خصوا القلقلة بحروف اجتمعت فيها الشدة والجهر ...، فيقوی الصوت الحادث أثناء نطقها لانفتاح المخرج دفعة، وهي حروف خمسة يجمعها قولك: "قطب جد" ...، وتجب المبالغة في القلقلة حتی يسمع غيرك نبرة قوية عالية، بحيث تشبه الحرکة ...» (الجريسي، 2003م، ص 54 ـ 56). والملاحظ أن أهم دلالة تحمله القلقلة في ذاتها هي الجهر والشدة والقوة. ولا يخفی علی ذي اللب أن ألم فقدان الولد هو أفدح مصيبة تشل حرکة روح الإنسان. وقد ظهرت هذه المصيبة عند الشاعر في أشد حالاتها بمؤازرة الإيقاع الشديد والقوي والمجهور الذي تنتجه الدال عبر الميزة المتقلقلة المضطربة التي توحي بديناميکية کبيرة في نوسان الحزن، فيتم بها الشاعر خواتيم أبياته، فکأن الکارثة تتقلقل بين أطباق قلبه، فيستفز مشاعره ولا يکاد يسعه أن يکاتمه الآخرين. وأما الکسرة کذلك فقد لعبت دورها الفونيمي ـ التشکيلي في بنية القصيدة؛ إذ إنها ـ ونظرا لطبيعتها الصوتية ـ حرکة تقع وسطا بين الفتحة والضمة، وإنها تکفي لإنشائها عضلة واحدة، من حيث الطاقة الصوتية الاستهلاکية المولدة لها؛ وعلی ذلك «فإنها متسمة بالضعف والفتور بالنسبة لسائر الحرکات؛ لأن الناطق يصرف طاقة صوتية وعضلية أقل في تحصيلها بالمقارنة إلی بقية الصوائت» (الرازي، 1985م، ج 1، ص 54). وأهم من ذلك أن هذه الحرکة قد توحي بشيء من الانکسار والخسران والتقلص، وقد يکون سبب تسميتها بالکسر منظورا به إلی هذه الناحية الدلالية من إيحاءاتها؛ إذ إن الكسرة «تفيد بدلالتها الانكسار والضعف، خلافا للضمة التي تفيد القوة والانتصار» (حماني، 2002م، ص 55). قد يقول العلماء السابقون في شرح سمات الکسرة الإيحائية: «إنها تدل علی التأثر الذي يجعل الفاعل من طرف العالم الخارجي، فالکسر والخزل والخسر کلها بمعنی حصول الشيء للفاعل المقلوب والمقصور ... والفعل المکسور العين [کذلك] يدل علی کل ما يجعل الفاعل بدون إرادة منه حقيقة أو مجازا» (ابن جني، 1954م، ج 1، ص 30). فالشاعر مسلوب الإرادة، وهو مغلوب علی أمره وأصبح يقلّب کفيه علی ما فرّط في جنب ولده المفقود، وقد أحاط به الضعف واستحوذ عليه فرط التلاشي؛ وبذلك لا يکون إلا متأثرا منکسرا مأسورا بين يدي الشدائد التي حلت، والکسر يکشف عن سر هذا القلب المفجوع، بالتضافر مع طاقاته الحرکية والدلالية التي ينتجها بحسب طبيعته. فالتلاؤم الصوتي الملحوظ بين جرس الدال وإيحاء الکسرة محصّل تماما للتعبير عما يکابده المرء الموجوع جراء هذا الفقد. وأخيرا، فإن الياء الناتجة عن إشباع الکسرة في أواخر کل الفقر تکسب النص امتدادا صوتيا مضاعفا لما لأحرف المد من تمطيط واستطالة في الصوت قد لا توفيهما الحرکات القصيرة، فالکسرة المهتدية إلی الياء الممدودة «وعلاقة هذا المد بنفسية الشاعر في إطالة الحركة وامتداد الصوت يساعد على إخراج الزفرات والآهات الداخلية» (حماني، 2002م، ص 55). 2ـ1ـ2. الاستعانة ببحر الطويل کمرکبة آلية متأقلمة مع ظروف التعبير الشعوري لا شك أن للعروض والموسيقی الخارجية أثر بالغ في تأدية المعنی، ولاسيما وإن اقترن مجهود الشاعر التعبيري ببحر عروضي مناسب يؤاتي المفاهيم المدروسة التي يرومها منسبکة في قوالب بنائه الشعري. ومعلوم «أن الإحساس بالهندسة الموسيقية للقصيدة يساعد المتلقي علی الولوج إلی أعماق النص والإحساس المباشر به» (غيث، 2017م، ص 7)؛ ولذلك فإن للعروض أبوابا مفتحة أمام الشاعر والمتلقي لتکون مسربا رئيسا إلی وجدان الشعر والإلمام بمفاهيمة الأساسية کوسيلة ملهمة تميز بين رديء المعنی وجيده، بحيث تکون ميزانا يرتفع بالمعنی ـ إن کان ملائما له ـ إلی ما لا تدرك غايته من الرشد والاستقامة التعبيرية. وهناك کما يقول العلماء: «صلة تجمع بين العروض وبين الموسيقی بصفة عامة، وهذه الصلة تتمثل في الجانب الصوتي» (عتيق، 1987م، ص 12)؛ فعلی الشاعر الملهم أن لا يدع الشعر المتناسق الأرکان جانبا، وعليه کذلك أن يبرز مقدرته في التأليف بين المغزی الشعرية والموسيقی المستدعاة لها. فلو أردنا أن نعرج علی ما قاله ابن الرومي في مرثيته هذه والبحر العروضي الذي اختاره لها، لقلنا إنه ناجح تماما في اختيار العروض والموسيقی، کما کان ناجحا قبله في انتقاء القافية ورنينها. ويمکننا کذلك دراسة أبعاده الموسيقية ـ العروضية من ناحيتين: أولاهما اختيار البحر الطويل ومناسبته عموما للمقام؛ والثانية کيفية الزحافات والعلل المستخدمة في ثنايا تفاعيله. فبحر الطويل أطول البحور نفسا وأنسبها للمضامين التي تقتضي الحزن وتعقب التأوهات الممتدة لما لها من طول في ترکيب تفاعيله ومقاطعها، وسمي کذلك طويلا؛ «لأنه طال بتمام أجزائه فلم يستعمل مجزوءا ولا مشطورا ولا منهوکا» (بن حسن بن عثمان، 2004م، ص 43)؛ فقد أغرم به الشعراء قديمًا وحديثا فنظموا فيه وازدادوا به کلَفًا، والشاعر ههنا يُعاني من توجّعات صادقة وحسٍّ متلبّد بالغيوم، فليس له إلا أن يری أنفاسه منبجسة من مخرج البحر الطويل الذي يتيح له أن يسترسل فيه متعنّيًا، ويُطيل البکاء فيصبّ جام اندثاره في سبائک تفعيلاته. وأما بالنسبة للتفعيلات التي فيها، فإن في هذه القصيدة المؤلفة من 41 بيتا تکرار تفعيلة "فعولن" 164 مرة، کما وردت تفعيلة "مفاعيلن" 164 مرة کذلك. ومعلوم أن "مفاعيلن" تنتهي بثلاثة مقاطع طويلة، أي ثلاثة أسباب خفيفة (ـ ـ ـ)، وهذا يزيده طولا ويمهّده لاستقبال المضمون الرثائي. وأما النکتة الهامة التي في قصيدة الشاعر، فهو أنه قد انزاح في موضع العروض، والقصد بالعروض ههنا هي التفعيلة الأخيرة من الشطر الأول والتي يقابلها الضرب في الشطر الثاني، حيث يجب أن تکون "مفاعيلن" في عروض هذا البحر مقبوضة بالضرورة حسبما تقره کتب العروض، اللهم إلا إذا کان البيت مصرعًا (المصدر نفسه، ص 43؛ والهاشمي، 1991م، ص 32)؛ ولکنه عدل عن هذا النمط المفروض واخترق أجواء الضرورة الوزنية وجاء بعروضه صحيحة في البيت الأول؛ لأنه لا يستطيب التفعيلة المقصورة، ولا يريد أن ينقصه شيء من الاستطالة الصوتية التي توفرها له مقاطع العروض؛ ولذلك جاء بها غير مقبوضة وقد تخطی فيها الإلزام العروضي لئلا يتخطی مشاعره التي تطلبت منه مجالا مفسوحا للتنفس المديد. کما أنه جاء بکل تفعيلاته الأخيرة في کل الأشطر صحيحة، کذلك ليختتم الأبيات بطول في السبك الأدائي المسترخي. 2ـ1ـ3. سعة دلالية متساوقة الأبعاد في تعبير تراکمي موح في البيت الثاني من هذه القصيدة الرثائية، نواجه شطرا ادخر فيه الشاعر کميّةً هائلة من المخزون الدلالي الذي یسترعي الانتباه، وذلك من خلال استخدام لفظتين متشابهتين توحيان بأنماط شتی من ابتکارات الدلالة والبلاغة. فالبيت:
(2002م، ص 400). والمقصود به الشطر الثاني علی وجه التحديد، حيث إن الشاعر جاء فيه بکلمتي "المهدي والمهدی"، وفيهما الاستعارة، وبينهما تضاد عکسي، وهما متجانسان جناس تحريف، أي جناسا محرفا. فاستعار الشاعر فعل الإهداء لإيداع جثمان ولده في التراب بجامع التقديم وغياب المحصول في کل، رغم أن هذا العمل هو فعل ثقيل ومبادرة مضنية، إلا أن الشاعر يقر بوعد اللّٰه في قبض الأرواح ونقلها إلی الدار الآخرة؛ وعلی ذلك، فاستبشر بفعل الإهداء ـ رغم کل مصيبته ـ لئلا يتوهم القارئ أنه يقوم بمواراة ولده في التراب قهرا أو إکراها أو ضغينة، بل إقرارا وتسليما واستبشارا بآفاق مستقبلية توحي بالرضا والفرج؛ لأن الإنسان عادة ما يهدي النفائس والکرائم من المال والمطايا والأشياء، وقد يقوم بفعل الإهداء جذلان محبورا، وأنه يقوم بسوق الهدايا إلی محبوبيه؛ فارتکز الشاعر علی فعل الإهداء بدل الإيداع أو المواراة أو الإقبار؛ لينص بوجه خفي علی مدی نفاسة هذا الغلام الزکي الذي يراد هديته! وأما الجناس الذي فيه، فهو جناس التحريف، کما قلنا. وقد جاء استخدام هذا الضرب من الجناس متواکبا تماما مع المحصول الدلالي الغائي الذي يسعی وراءه الشاعر؛ إذ إن الموت قد أفجعه، وکأن المنية قد حرّفت الولد الفقيد عن مواضعه التي يتحدث عنها الشاعر خلال قصيدته، من مهده الذي کان يوضع ويوطّأ له، والملاعب التي کان يمشي فيها سادرا، وزوایا البيت التي کان يجول فيها ببسمة و...؛ وعلی ذلك، فکأن الشاعر يتمنی أن لو کانت الآجال أمهلته حتی لا تنحرف عنه رؤية صبيه. وبهذا، فقد يشتکي الشاعر عناصر التضليل والتحريف اللذين سبّبها له الموت بهذا القدر المفاجئ. فالجناس يعکس حقائق الملمة في صورة محرفة لدی الشاعر. والطباق هو آخر ميزة میّز بها الشاعر شطره. وفي ظني أن الطباق الموجود بين هذين اللفظين ـ وإن کان من ضرب التضاد العکسي أو المتعاکس[1]، حسبما تسميه کتب اللغة والدلالة ـ (عمر، 1988م، ص 103)، إلا أنه يحمل بين طياته نوعا محسوسا من التعامل والتحاب والتصافي بين طرفي التضاد بدل التعارض؛ لأن طرفي التضاد هنا ليسا علی درجة من التعاکس والتقابل مع بعض، کما يشعر به الناس عموما عند سماع طرفين يقعان في دورة متضادة، «فيتصورون في أحدهما معنی إيجابيا وفي الآخر معنى سلبيا» (ليونز، 1977م، ص 27)، بل إنهما ههنا طرفان مندمجان بعضهما في بعض، وقد يکون الأول هو الآخر علی وجه الالتحام والتماسك. فإن التضاد المتعاکس هو ما يطلق عليه أهل المنطق «"التضايُف"، والمتضايفان عندهم لا يتصور أحدهما بدون الآخر، بل لا يوجد أحد طرفي التعاکس من دون حضور الآخر» (بدوي، 1977م، ص 66). فالطباق ههنا في رأینا وفاق ووئام، وقد لا يشعر القارئ أثناء قراءته لهذا البيت بشيء من التقابل أو التعارض، أو حتی لا يلمس ملامح الطرفية أو الثنائية الضدية التي ينبني عليها أسس کل تضاد. هذا، وإن لم نحسبه من النوع الاتجاهي للطباق، وقد لا يستبعد أن يکون ما قصد إليه الشاعر ههنا هو الضرب الاتجاهي للتضاد بدل المتعاکس؛ لأن في الضرب الاتجاهي «علاقة بين مجموعة من الثنائيات التي تقع في اتجاهات متغايرة، کأعلی وأسفل و...» (عمر، 1988م، ص 103 ـ 104). فالشاعر يواري صبيّه في التراب، وهو علی وجه الأرض، فيودع جثمانه في ضنك المضجع الذي يقع تحت الأرض. وعلی هذه القراءة، فقد يکون الأب واقفا في الجهة العليا، والمولود في الناحية السفلی؛ وأما إذا نظرنا إلی حقيقة الإقرار بالموت الذي تتکون رؤیته عند الشاعر، فنری الوالد في الاتجاه الأسفل، وهو الدنيا، والولد الفقيد هو بالاتجاه الأعلی؛ إذ هو راحل إلی المحل الأرفع وموضع النعيم في الآخرة. وبهذه النظرة، فقد يمکن للقارئ أن ينظر إلی طرفي هذه الثنائية الضدية بمنظار الوتيرة الحاسمة التي يکون کل من طرفيها دافعا ومدفوعا في آن واحد! ولا يتسنی لكثير من الشعراء أن يحدثوا مثل هذا الخلل التقابلي الطارئ في نظام التضاد الذي يأبی إلا أن يکون له وجهان متعارضان في کل الدورات التقابليّة التي يتعارف عليها الناس. 2ـ1ـ4. دلالة التنوين والتنکير في تهويل الصورة نرى، في بيتين من الأبيات الأخيرة من القصيدة، تحسّر الشاعر علی ما فاته من إمکانية تقبيل ولده وعناقه وضمه إلی صدره ضمّة لا صدور له عنها. فنری في تصوير هذا المشهد إمکانيات تعبيرية قوية في تفظيع الصورة في مرآی المخاطبين، وذلك عبر التدليل الصوتي والبلاغي الذي يتيحه لنا التنوين الذي ظهر في سبعة ألفاظ من کلمات هذين البيتين. فيقول الشاعر فيهما:
(2002م، ص 401). فنلاحظ أن الشاعر جاء بکلمات "نظرة، وقُبلة، ومذاق، وضمّة، وشمّة، وملعب ومهد"، نکرات، وکان له أن يصرح بها معارف؛ ولکنه عدل عن ذلك لسببين: أولهما الميزة الصوتية التي ينتجها نطق النون عند الانتهاء من التنوين؛ والثاني دلالة التنکير ـ الذي فضلا عن معاني التعظيم والتهويل والتفخيم التي أحصيت له في کتب البلاغة (الخطيب القزويني، 2003م، ص 49 ـ 51) ـ، قد تدلّ علی انفساح واتساع في البعد الزمني ويأتي معه بدلالات في عمق الاستطالة الزمنية التي تسير عليه أحداث الکارثة. فيقول علي شلق: «إن الذي نعنيه هو مقدار دلالة التنوين على الزمانية، وذلك هو المدى الذي تعطيه الفكرة إذا نوّنت، فالنفس تذهب في فهمها إلى مدى بعيد له جانب من الشمول، وانفساح في التقدير» (2006م، ص 146). فالفکرة قد يصحبها الاسترخاء الزمني، إذ کانت منونة؛ وفي فهمنا أن هذه الرؤية الزمنية مأخوذة بعين الاعتبار لدی الشاعر في هذه المساحة التعبيرية من کلامه، وقد أوحی إليه الخطب أن يکون غارقا في حزنه المستطيل، ولعل التنوين المختوم بصوت النون بصورة متوالية هو الذي يزيد من بشاعة هذا الموقف المنکود. فالنون «هو من الحروف الصامتة، المستفلة، المرققة، والهواء مع صوت النون يخرج حرا طليقا، وقد يری بعض علماء العربية أن صوت النون متوسط بين الشدة والرخاوة» (فياض، 1998م، ص 110). وکذلك نجد «أن النون أداة لغوية مستقلة تضاف إلی العبارات في مواضع متفرّقة منها لدلالات معينة ...، وقد عني المتقدمون بتبيان بعض الجوانب التي يستشف منها إحساس عدد منهم بدلالة خاصة للنون في خواتم الألفاظ لا يشارکها في تأديتها غيرها ...؛ وقد ذهب الدکتور أحمد کشك في بيان قيمة التنوين الصوتية في أواخر الکلمات إلی أن التنوين يؤدي في الکلمات الداخلية للجملة العربية سکتات سريعة خفيفة محتاج أشد الحاجة إليها، لانبناء الجملة العربية علی نحو مقبول نطقا» (الغامدي، 2005م، ص 68 ـ 69). بناء علی هذا، فإننا نظن ظنا أن هذه النونات المتکررة المتعاقبة التي يضطر القارئ لقراءتها أثناء البيت، وهي تنقسم إلی النونات الناتجة عن صوت التنوين، وکذلك سائر النونات التي تتوافر في البيتين، وقد يصل مجموعها إلی 14 نونا، تثير حالة من الشجن الموحي في قلب السامع، وقد يحمله علی المواساة ومشاطرة العزاء مع صاحب الغم؛ وکلما تدور النون في فلك الأفواه ويتکرر جرسها، تتکرر معها جدة الأحداث ويعاد تشکيل الصورة المأساوية التي غرق فيها الشاعر. ولسنا نحن ندعي للنون أو نختلق لها مثل هذه الدلالات ـ بلا حجة ولا إسناد ـ بل إن الکتب اللسانية القديمة والحديثة تقرّر ذلك المدی الاستيعابي المعبر للنون وسعتها الصوتية ـ التشکيلية التي تتولد منها هذه الظواهر التعبيرية. فقد نجد وضوح التأکيد في اقتران النون بمشاعر الحزن والوجد والهيام ...، «وقد أثبتت دراسات نعيم علوية في کثير من الألفاظ النونية كـ"حنين وعنين، وأنين، ورنين، وهنين و..." وما يتفرع منها من دلالات، أنها يوحي جلها بالأصوات المعبرة عن ألم الجسد أو النفس، وإن کانت تفيد من بعض الوجوه معاني الطرب أيضا» (علوية، 1986م، ص 121 ـ 141). فالشاعر قد شمله البلاء، فألبس شخصه ثوب الألم المتصاعد وتحدّث للمتلقي عن فوران هذا الشجن المتلظي بتوالي النونات الناتجة عن هذا التنکير، والتنکير يزيد الصورة عمقا وضراعة. فکيف لا يقرع الشاعر أجراس النون علی هيکلية المقطع فيصبغ تشکيلته بصبغتها الصوتية، وکيف لا نعبأ بحزن الشاعر الذي مثَّل نفسه في قالب الأصوات النونية الملتهبة الغنّاء؟! هذا إلی جانب سائر النونات التي انتثرت علی أرجاء القصيدة ويبلغ عددها 136 نونا، وإذا ما ضممنا إليها النونات الناتجة عن تمام التنوين من خلال القصيدة، وهي 31 نونا، فإنها ترينا 167 نونا ملفوظا بها! وهذا عدد هائل جدا بالنسبة لسائر حروف الهجاء التي استخدمت في القصيدة؛ والنون بوحدها من هذا الجانب تحتل المرکز الثاني من بين جميع الحروف الموجودة في النص، من حيث وفرة التکرار، وهذه الميزة تعطي لغالبية القصيدة رنينا نونيا مؤثرا. 2ـ2. دلالة التراکيب (المستوی السياقي) ومن شأن هذا المستوی أن يدرس فيه کل ما يرتبط بالجانب الاتساقي والنظم التأليفي الذي يعتري الکلام، والأسس التحويلية المتراکبة التي تنبني عليها أبنية الجمل والتراکيب بنية الحصول علی قدَر أوفی من المعنی الذي يصطنعه التجاور الوظيفي ـ المعلوماتي بين عناصر الکلام ومکوناته. ولا يرتاب أحد في «أن البحث عن دلالة الکلمة لا بد أن يجري من خلال الترکيب والسياق الذي ترد فيه، حيث ترتبط الکلمة بغيرها من الکلمات مما يمنح کلا منها قيمة تعبيرية جديدة، ويفرض عليها قيما دلالية بحيث يتحدد کل منها بدلالة قارّة دون سائر الدلالات التي يمکن لهذه الکلمة أو تلك أن تحملها أو تؤديها ...؛ ولهذا يؤکّد الدلاليون ضرورة البحث في دلالة الکلمة داخل السياق» (نهر، 2007م، ص 236). وهذا ما يقره العلماء القدامی من قبل، حيث اعتقدوا «أن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة، ولا من حيث هي کلم مفردة، وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملائمة معنی اللفظة لمعنی يليها» (الجرجاني، 2001م، ص 55). وکما يقول ابن الأثير في تحديد نفس القيمة الدلالية عبر هذا التجاور الکلمي: «إن تفاوت التفاضل يقع في تراکيب الألفاظ أکثر مما يقع في مفرداتها» (1998م، ج 1، ص 151). وهذا ما نتفق عليه، بل يتفق عليه القدامی والمعاصرون من تقرير وجه الحصول علی دلالات الکلمات من خلال ترکيبها وإخضاعها لوتيرة الأنساق الدلالية المتراکبة لتزويد المخاطب بثروة لغوية راقية يتبعها رقي في المعنی. فقد يؤسس الترکيب برمته معنی لا يفي به کل من أجزائها المکوّنة علی حدة، وهذا ما نستتبعه في عرضنا الأسلوبي لتراکيب هذه القصيدة الرثائية. 2ـ2ـ1. تسييق المعاني النفسيّة من خلال التراکيب التي تنسبك في المسار النفسي المعنی النفسي ـ کما يعلم الجميع ـ هو أحد ضروب المعنی التي أحصاها علماء اللغة والدلاليون في مصنفاتهم، وهو يشير إلی «ما يتضمنه اللفظ من دلالات عند الفرد، وهو بذلك معنی فردي ذاتي ...، وقد يدخل تحته المعنی العاطفي الذي يبرز مباشرة أو غير مباشرة بمساعدة عوامل مثل التنغيم والنغمة أو تموجات الصوت» (ليج، 1974م، ص 26). وعلی ذلك، فعند بحثنا عن مشروع التنمية الحزنية التي يثيرها الشاعر في نفوس مخاطبيه، نجد أن طائفة کبيرة من الکلمات هي التي تصطبغ بصبغتها الانفعالية الشخصية التي يمليها الشاعر علی أجواء قصيدته، ليزيد من مواساة المخاطبين له، ويجعلهم علی حد من مشاطرته العزاء وتقاسم الأحزان المستشيطة. فنواجه في غضون قصيدته ألفاظا جمة تعبر عن مدی هذه التأثرات الحزنية المتجذرة التي أوهنت بنيان الشاعر النفسي، وهي معان يتفرد بها الشاعر في عمق کارثته، وقد لا يتحسّسها من لیس به ألم. فکلمات نحو "يشفي، وجُودا، وأودَی، وعِزّةَ المُهدَی، وحسرة المـُهدي، وقاتل اللّٰه المنايا، وحبّات القلوب، وتَوخّی حمام الموت، وفللّٰه کيف اختار واسطة العِقد، وشمتُ الخير، وتنغّصَ، وفُجِّعَ، وصُفرة الجاديّ، وذويُّ الرّند، وتساقط الدرّ، والمنايا صمدتْ صَمْدي، وغُصِبتُه، وما حنَّت النيبُ في النجد، والنيب هي النوق الحجازية التي تشتهر بشدة حنينها علی أولادها، وريحانة العينين والأنف والحَشا، وفديتُك بالحَوباء، وهي النفس، والحزازة، وهي وَجَعٌ فِي القَلْبِ مِنْ جَرَّاءِ غَيْظ أوْ حُرْقَة"، کلها تدل علی ما بلغ به الشاعر مبلغ الحزن والتهمش العميق، وأن التعابير قد تخرج عن حدود الوجع الأليف الذي يستأنس به کل المفجوعين. ومن هنا، نستنتج أن الأجواء النفسية الشعورية التي بلغت منتهاها لدی الشاعر بالغت به في التهالك علی محبة المفقودات؛ وبذلك فقد لا نشعر بشيء من الإيحاءات الأساسية التي تحملها معه کل لفظة في معانيها الأساسية أو الثانوية أو السياقية، وقد تغلبت لمحات المعنيين النفسي والإيحائي علی مساحات متعددة من بنية القصيدة. ولعل الشاعر يتعمد تفريغ القوالب اللفظية من معانيها الأساسية والثانوية لتتضافر عنده الصورة اللفظية مع الصور النفسية التي يتکبدها خلال حديثه عن الداهية. ومن جانب آخر، نری أن بعض هذه الألفاظ قد ترينا نبْذ الشاعر لملامح الطاقة والتجلد والاستقامة التي استنفدها قسرا، ولا يکاد يقدر علی مواجهة الموقف بصرامة؛ وهذا ما يسمی عند علماء اللغة النفسيين بـ"التداعي الحُرّ[2]، وهو الذي يستدعي الرجل المکبوت من خلاله طائفة من الذکريات والسرديات المستقبحة أو المنبوذة أو الجارحة التي تسبب السلوك اللاسوي عنده، وقد يلجئه أحيانا للهروب من الواقع المؤلم وتحاشي المواجهة للمشاعر المزعجة. ومن هذا المنطلق، تکون فکرة المقاومة التي يقترحها فرويد هي الحل السليم لمساعدة المريض أو المکبوت النفسي علی معاينة الواقع المرير والتعايش مع أحداثه الجارحة. ففکرة المقاومة هذه «أدت إلی صياغة فرويد لمفهوم الکبت[3] الذي يتعمّده ابن الرومي في هيکلية مرثاته عموما، والکبت هو بمثابة نبذ الأفکار والذکريات المؤلمة وترحيلها من منطقة الشعور إلی اللاشعور» (شمس الدين، د.ت، ص 50). فالفکرة الأساسية لدی الشاعر في هذه المجموعة المتراکمة من ألفاظه المثيرة للکبت وتهريب الواقع ـ إن جاز التعبير ـ توقفنا بوضوح علی استبيان حقيقة أساسية عنده، وهي أننا نراه مريضا مفجوعا من جانب، وطبيبا معالجا لأوجاع نفسه في الوقت ذاته! فمحاولته الأولی هي الإنکار والاستنکار ونبذ الواقع ومهاجمة الحقائق الکارثية التي حلت به. ونراه في هذه المحطة مريضا مکبوتا أحاط به الإخفاق من کل مکان؛ وأما في الطور الثاني من محاولته النفسية ـ وحتی اللغوية ـ نراه طبيبا معالجا لأدواء نفسه، متعايشا تعايشا سلميا ـ ولو مفروضا ـ مع الواقع المر، مع الانصياع الکامل لمشيئة ربه الذي لا إمضاء لمشيئة غيره في العباد. وهذا ما نلمسه بوضوح في بعض فقراته الشعرية کقوله:
(2002م، ص 401). وکذلك في قوله هذا ـ وفيه اعتراف منه ـ بأن لا شيء في العالم، إلا ويکون صارفا عن المرء مظالم الدهر: "وليس علی ظلم الحوادث مِن مُعدي"؛ وکذا في نحو قوله في البيت الأخير الذي يحيّي فيه ولده ويدعو له بالسقيا والحياة الطيبة، وکأنه واثق من رحمة ربه لعطفه علی فقيده، وقلبه مطمئن بحلوله في نعيم الخلد:
(المصدر نفسه، ص 402). وهذا بالضبط هو العلاج الوحيد الذي يقترحه فرويد للاستيلاء علی مدی الحزن والتخلص من الکراهية الشديدة التي توجدها له الوقائع البشعة، مما لاذ به ابن الرومي واعيا. فيقول فرويد: «إن علی المريض المفجوع أن يبادر إلی استحضار المواد المکروهة المکبوته في اللاشعور إلی الشعور [کما فعله الشاعر ههنا]، بحيث يستطيع أن يواجهها أو يقاومها ويتعايش معها، وهذه المقاومة تعني أن العلاج يسير في الاتّجاه الصحيح» (شمس الدين، د.ت، ص 50). ويلمس هنا بوضوح أن الشاعر قد فر من لا شعور نفسه إلی المساحات الشعورية عند مخاطبيه، لائذا بالتجارب العلاجية المهدئة عندهم ليستثير بها دواء دائه. والمسألة الأخيرة في استقصاء نوعية التعابير الحُزنيّة التي استخدمها الشاعر هو أننا نظن أن ابن الرومی قد خطا خطوة معاکسة، لما يُعرف الیوم في بعض الاتجاهات التعبيرية في کتب علم الدلالة بـ"المعنی المنعکس[4]"؛ لأنه المعنی الذي فيه تجنب المکروهات واللامساس، وفيها نقلةٌ من المحظورات إلی التلطف في التعبير باستخدام ما هو مسموح به، وهو ينص علی الاستفادة من الألفاظ التي تحمل کمية ضئيلة من الشحنة التعبيرية المثيرة للاستهجان أو الاستکراه، والتعويض عنها بألفاظ قد تجعل المعنی أکثر قبولا واستساغة لدی المخاطب (عمر، 1988م، ص 40 ـ 41). فالملحوظ هنا أن ابن الرومي قد عمل خلاف هذا النمط واتخذ فيه اتجاها معاکسا؛ إذ لما جاءت الرزية بأطيافها مستولية علیه، لم يقدر أن يتمالك نفسه، فيتحاشی الألفاظ والتعابير الثقيلة التي تنوء بالحامل، فبدل أن يعمل منعکسا في اعتماد المعاني الأکثر إلفة واستساغ، اضطرته الأجواء النفسية إلی مجانبة المسموعات المألوفة، واستمد ـ عوضا عن ذلك ـ من بعض التعابير الرثائية التي قد تخدش القلب حقا، وتکدر نسمات الروح؛ وفي هذا المنحی التعبيري الدلالي انزياح طارئ لدی الشاعر في تجاوز المحظور بالمحظور. 2ـ2ـ2. اتساقية الأساليب الاسمية والفعلية والإنشائية وأثرها الدلالي في القصيدة تنويع لافت للنظر جدا ما بين ضروب الاسمية والفعلية والخبرية والإنشائية، حسب الإحصائية الأولية التي عملناها في نص القصيدة، وقد لا تکون هذه المبادرات البيانية التي تتمحور حول قضايا مأساة الولد عن صدفة؛ لأننا نشم فيها رائحة التطابق الملحوظ بين إيحاءات النص النفسية والانفعالية ومدی استخدام الأفعال والجمل الخبرية أو الإنشائية التي استخدمت فيها لمساندة تلك الصور. فقد نجد حسب الإحصائية 91 جملة تتوزع علی أرکان القصيدة ما بين اسمية وفعلية ماضوية أو مضارعية؛ ومن بين هذه الأفعال، تکون نسبة الجمل الاسمية 19.80% تقريبا، أي 18 جملة. وتکون نسبة الأفعال عموما في القصيدة 82.20% طبعا، فتفوق نسبة الجمل الفعلية عدد الجمل الاسمية بفارق کبير، وهي نسبة تسجّل أربعة أضعاف ما رأيناه في الشق الاسمي للجمل. وأما نسبة الأفعال الماضية في النص، فتقدّر بحدود 54.9%، أي 50 فعلا، وهذه نسبة کبيرة جدا، وهي تشکّل أکثر من نصف جميع الجمل الواردة في السياق الشعري. ويبقی عدد الأفعال المضارعة بما يقارب 23 فعلا، أي 25.3% من مجموع الجمل الموجودة. فعلام تدلنا هذه النسبيات الفعلية والاسمية المتوافرة في هيکلية النصّ والنظم المتسق الذي فيه؟! لا شك أن النسبة الکبری للأفعال الماضية المستخدمة فيها تدلنا بوضوح علی أسباب اتخاذ ذلك النهج التهريبي الذي لجأ إليه الشاعر لعدم مواجهة الواقع المستکره أولا؛ لأننا ـ کما أسلفنا ـ رأينا وجهين متباينين لعملة الرثاء في هذه القصيدة، بحيث رأينا الشاعر مريضا نفسيا منکوبا بزلزال الفقد في أول وهلة، ثم وجدناه علی قَدر من اليقظة والانبعاث الفکري الذي حمله علی البحث عن جذور ألمه وتوفير دواءٍ لدائه العضال. ففي المنحی الأول الذي يترك أعظم أثر سلبي علی روح الشاعر وتتغلب عليه عاطفة الحزن واللوعة المتمايدة، نراه مستخدما الأفعال الماضية؛ لأن الفعل الماضي يعرف بانتفاء المدلول وانقضاء الحدث الواقع، کما تضاف إلی دلالات الفعل الماضي أشياء کثيرة من الحيوية التاريخية والزمنية التي يعْری منها سائر الأفعال. وعليه، فيجب أن ننتبه کذلك «أن الماضي هو تاريخ وحياة، ولا يعرفها الإنسان الحاضر إلا بواسطة النقل عن طريق اللغة ... وتعبّر جملة الماضي عن وقوع الحدث في الماضي الذي لا حدود له في حيّز من فسح الزمن الماضي، ونحن لا نستطيع ضبطه وتحديده، فقد يکون قريبا وقد يکون بعيدا، کما قد تعبّر عن سرد أحداث ماضية کما يحدث في الحکايات والقصص، وذلك إذا کان يتصدر "کان" هذه الجمل أو إحدی أخواتها في صيغة الماضي» (المنصوري، 2002م، ص 45 ـ 47). فلما رأی الشاعر عمق الفاجعة مستطيلا تنحی عن التحالف مع الفعل المضارع؛ لأن مدلول المضارع جار مستمر الوقوع، فخاف علی نفسه مجاراةَ الفعل المضارع، فاتخذ الماضي وسيلة لخلاص نفسه من الآثار السلبية التي يترکها الفعل المضارع علی فکره. فيحبذ الشاعر أن ينطق دوما بأفعاله الماضية ليسلي نفسه ويخضعه إلی حد ما بأن الحادثة قد تمّت وانتفت ومضی عليها حين من الدهر، حتی لا يجد صعوبة في استحضار صورة الحادث الرهيب الذي يستبقي آثاره في قلب الفاقد. وهذا الأمر يدخل في وضوح أکبر عندما رأينا أن 6 من الأفعال التي عددناها في قسم الأفعال المضارعة ضمن إحصائيتنا قد وقعت في حيز الزمن الماضي، باقترانها بـ"کان" أو إحدی أخواتها، وهذا يزيد من شدة الفرار العارم الذي يلجأ إليه الشاعر لراحة نفسه. وفي إحدی فقراته نقرأ:
(2002م، ص 400). وهذه هي الدلالة المرکزية التي يؤکدها لنا علي جابر في حديثه عن دلالة الفعل الماضي بأن مسألة المدلول الزمني في المضي "قد تکون قريبة وقد تکون بعيدة"، وهذا المعنی يؤسس له ابن الرومي في توظيفه الدلالي الهادف لعنصر الزمن ـ مُضيًّا ـ عندما يرفع هتافا صارخا بأن الفاجعة قد اتسمت عنده ببعدين زماني ومکاني. فإن الموت وإن اقتنصه من بين يدي وجعله بعيدا عنه في مزاره بعدا شاسعا، إلا أن الزمن ينقبض علی طياته، فيبدو قريب العهد منه دوما باجتيازه المسافات وحضوره الدائم في القلب والحشا. فالماضي عنده منتف غير مديد، عندما تستحوذ عليه الجهة الأنانية للحزن والشعورالهابط بالفقد المُزري، والماضي کذلك عنده قريب العهد متصل بالحاضر عند نظرته في الجهة الروحانية من هذا الرزء المتحتّم. ومن الصعب جدا أن يسلك الشاعر هذا المسلك الوعر من التوفيق بين وجهين متباينين من الشعور المتعاکس الذي يعلو به حينا في ربوة التعايش، ويسفل به حينا آخر في وهدة المقاساة الممضة. وأما عدد الجمل الإنشائية ـ ما بين استفهامية وندائية وأمرية ومنهي عنها أو ذات تمنٍّ أو ترجٍّ ـ فهو 24 جملة، وهو عدد مقبول نظرا لأجواء القصيدة التي تتحکّم في روح الشاعر وتفرض عليه أن يجلس القرفصاء ويتنفّس الصعداء ليستفرغ ما في بطنه من تأوّهات صادقة أودت بحياة قلبه. وأخيرا، فإن نسبة استخدام التراکيب الاسمية التي تقع في المرکز الأخير من حيث عدد الجمل، فهي تتأتی عنده لسبب، وهو أن الاسمية «دلالتها علی الثبوت والدوام إن کان خبرها اسما، وقد وضّح أبو البقاء الکفوي ذلك بأن الجملة الاسمية موضوعة للإخبار بثبوت المسند للمسند إليه ... وقد يقصد به الدوام والاستمرار الثبوتي بمعونة القرائن» (بخيت عمران، 2019م، ص 150). فواضح أن الشاعر يتحاشی هذا الإثبات ويفر منه فرارا، بأنه لا يريد إسناد هذا الغم إلی نفسه عبر المبالغة في توظيف الجمل الاسمية؛ لأن التوظيف الاسمي المفرط قد يصور الحادث راسخا في جذور تفکيره، ولیس هذا مما يطلبه الشاعر ويستجيب له طوعا. 2ـ3. المستوی الصرفي وهو المستوی الذي «يدرس الصيغة اللغوية والتغيرات والتطورات التي تعرض علی بنيتها وأثر هذه الصيغة في دلالة الکلمات، ويدرس کذلك الأثر الذي تحدثه زيادة بعض الوحدات الصرفية في أصل بنية الکلمة ...، والوحدات الصرفية هذه نواجه نوعين منها: النوع الأول هو الأوزان الصرفية، مثل أوزان الأفعال والمصادر والمشتقات؛ والنوع الثاني هو اللواصق التصريفية، وهي السوابق[5]؛ واللواحق[6]؛ والدواخل[7]؛ وهي التي تدخل في صلب أو أحشاء بنية الکلمة لتحقيق المعاني أو تشارك في الدلالة» (عکاشة، 2011م، ص 13 و62). وينبني علی هذا، أن نبحث في هذا المستوی عن الميزات الصرفية التي حققت جانبا من المعنی وندرس العوارض التصريفية التي أعانت المعنی، ليبرز من خلال الصورة التي هي أقوم. إذن فإن مهمة التصريف تتلخص عموما في هذه اللواصق المولدة للمعنی والتي «تلحق ببناء الکلمة وجوهرها لمعرفة ما فيها من التغييرات العارضة طلبا لتکثير الألفاظ، ومن ثم تکثير الدلالات، أو وقوفا علی ما تمّ علی اللفظ من تغيير طارئ ليس له في أکثر الوجوه صلة بالمعنی» (نهر، 2007م، ص 75). ومعروف أنهم قالوا منذ القدم أنه کلما ازدادت المباني ازدادت المعاني؛ علی ذلك ينبغي أن نکرس جهودنا في هذه الناحية من الدراسة علی استطلاع الملامح التصريفية التي ترکت أثرا بالغا علی المعنی، بحيث لايمکن التغاضي عنه. فهنا نذکر بعض أهم المقومات التصريفية التي يکون لها إسهام مباشر في توثيق المعنی. 2ـ3ـ1. آليات التأويل بالمصدر وأنساقها الدلالية المتأمل في شاکلة قصيدة ابن الرومي الدالية، يجد فيها کمية کبيرة من المعاني التي تم تصويرها بواسطة الآليات التأويلية التي تقيم الجمل مُقام المصدر المسبوك من الحرف المصدري وصلته؛ وهذه طريقة مطردة عند ابن الرومي في قصيدته هذه، حيث نراه في اثني عشر موضعا منها يبادر إلی انتهاج هذا النمط الاستخدامي بتوظيف عناصر شتی، مما يتأول به الکلام عبره بالوجه المصدري. والطريف ـ کما مر ـ أن الشاعر لا يحصر نفسه في دائرة أداة واحدة من الأدوات التي يتأول معها الفعل بالمصدر، بل إن لديه أنساقا منوعة من نحو هذا التوظيف، فشعره يتوفر علی استقطاب ضروب من هذه الأدوات المصدرية، نحو: ما المصدرية الزمانية، والمصدرية غير الزمانية، وأن المشبهة بالفعل، وأن المصدرية المخففة، وکيف التي تقوم مقام المصدر في بعض استعمالاتها، هذا بغض النظر عن بعض أنواع "ما" التي تتراوح بين المصدرية والموصولية. فإذا أردنا أن نظهر الأبيات والشطور التي احتوتْ علی هذه الميزة الصرفية الدلالية، فنذکر هذه الفقر علی سبيل الاستقصاء والنص المباشر علی نوعية التوظيف: "ويذوِي كما يذوي القَضِيبُ / عجبتُ لقلبي كيف لم ينفَطِرْ لهُ / ولوْ أنَّهُ أقْسى من الحجر الصَّلدِ / بودِّي أني كنتُ قُدِّمْتُ قبْلَه / وأن المنايا دُونَهُ صَمَدَتْ صَمْدِي / وما سرني أن بعْتُهُ بثَوابِه / ولو أنه التَّخْليدُ في جنَّةِ الخُلْدِ / لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نَجْدِ / أم السَّمْعُ بَعْد العيْنِ يَهْدِي كما تَهْدي / سأسْقِيكَ ماءَ العيْن ما أسْعَدَتْ به / ألامُ لما أُبْدي عليك من الأسى / وأودُّ أنّي من الوَفدِ". فواضح أثر هذه الميزة الدلالية علی البنية التصويرية الشجية للنص. فما قصد الشاعر من مثل هذه التوظيفات التأويلية المصدرية المتکررة؟ نظنّ أن الحزن المکبوت الذي تحدثنا عنه سابقا هو الذي ساقَه، نحو هذا المساق التأويلي ـ الدلالي، ولئن أراد أن يصرح بمدی همه الذي يتجرعه في داخله، لما بادر إلی مثل هذا النمط الاستخدامي الهادي إلی المصدر المنسبك الموهوم بدل التصريح المباشر؛ لأن الشاعر يقول في أحد مقاطع قصيدته: إن هذا الألم والوجع المضني هو الذي ينفرد به وحده ويشقی به هو، دون أن يشاطره فيه أحد. ففي قوله:
(2002م، ص 401). يصرح بأنه وحده هو المعاني لشقوة هذا الداء؛ فلولا أنه رأی شخصه شقيا بمثل هذه الکارثة متحملا أعباءها بمفرده لما تمسك بأسلوب التأويل بالمصدر في هذه المواطن العديدة من شعره. فأکبر الظن أنّه خلص نفسه من ربقة التعبير الفعلي المباشر صارفا عنه ذهن المخاطب، ليکون معناه محفوفا بشيء من الإقصاء التعبيري للذهن والتنحي عن المعاني المنکشفة بادي الرأي. فعنده "ما" المصدرية غير الزمانية في 3 مواضع، والمصدرية الزمانية في موضعين، و"أنَّ" الناسخة المصدرية في 5 مواضع، و"أنْ" المصدرية المخففة في موضعٍ، و"کيف" التي تتأوّل مع مدخولها بمصدر في موضع. ولسنا بحاجة إلی التوضيح أن «کيف قد تقع في موضع البدل مما قبلها بتأويلها بالمصدر، "نحو قوله تعالی: «أفلا ينظرون إلی الإبل کيف خُلِقَتْª» (البقرة 2: 17)، أي أفلا ينظرون إلی الإبل کيفية خلقها، بحلول کيف مع صلتها محل المصدر بدلا من الإبل بدل اشتمال، وقول الشاعر: إلی اللّٰه أشکو بالمدينة حاجة / وبالشام أخری کيف يلتقيان، أي أشکو هاتين الحاجتين تَعَذُّرَ التقائهما» (الدسوقي، د.ت، ج 1، ص 556 ـ 557). فقول ابن الرومي: "عجبتُ لقلبي كيف لم ينفطرْ لهُ"، من هذا الضرب التأويلي ـ الإبدالي، وتقديره: عجبتُ لقلبي عدمِ انفطاره لهذا الرزْء العظيم! وأن التأکيدية الواقعة بعد "لو" الشرطية في موضع رفع علی الفاعلية مؤولة بالمصدر (ابنهشام الأنصاري، 2000م، ص 294)؛ لأنّ "لو" لا تدخل إلا علی الأفعال، فتقدير قوله "ولو أنه أقسی من الحجر الصلد" علی سبيل المثال: ولو ثبت أو تبيّن أو تعيَّنَ قَسْوَةُ قلبي فعليه أن ينفطر کذلك! والمحور الثاني الذي يمکننا عَبره تفسير هذا الوجه المصدري، هو أن الشاعر يريد أن يميل ذهن المخاطب إلی مصدر الفاجعة التي نزلت به، بدل أن يکون متحدثا عن أعراض هذه الکارثة! بمعنی أن المصدر في علم الصرف هو الأساس الاشتقاقي الذي يتحدر منه سائر الموازين؛ وبهذا فعند الشاعر لمحة قوية إلی منشأ هذه المصيبة باستخدام النمط المصدري في أکثر من موضع، ليوجه هم المخاطب مباشرة إلی الأساس الکارثي الذي منه يتوجع الشاعر! فکلما ازدادت التوجهات المصدرية وکثرت ترجيحات التعبير بالمصدر علی سائر أنواع التعابير الوظيفية، انتبه ذهن المتلقي إلی ينابيع المعنی التي تصدر عنه تلك الکلمات، وهذا مما يرضاه المنصق ويرضخ له العقل الدلالي؛ إذ المصدر أساس الحياة الفعلية، ومرکز المستجدات الحادثة التي تجري علی أرض الواقع، والمصدر هو «حركة ممتدة على الأزمنة جميعها، وهذا الامتداد هو الذي يجعل الموصوف بالمصدر، كأنه مخلوق من ذلك الفعل، فهو يقوم به، ويعتاده، ويلازمه في أحواله كلها. زد على ذلك أن الوصف بالمصدر يتساوی فيه الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث بخلاف الوصف بالمشتق» (نهر، 2007م، ص 96). فهذا التفسير يدلنا بوضوح علی مواضع الانطلاق والتحرر التي ينشدها الشاعر في تعابيره المصدرية؛ لأن المصدر متحرر من قيود التصريف الزمني والصيغي، کما سبق. والمعنی الذي يتم تشکيله عبر الإمکانيات المصدرية فقد يکون مرادا بها التحرر من قيود الحصر التداولي (زمنا /خطابا)، والذي يفرض علی الشاعر أن يکون له مخاطبون محدودون في أزمنة قصيرة أو محدودة! فنداؤه الرثائي يتخطی هذين العنصرين المضيقين، ويتسم بسمة الانطلاق والعمومية في المسار الفکري الذي اعتمده. 2ـ3ـ2. توجيه المحتوی الدلالي عبر التوظيف بالمصدر المحدد نجد خلال تصفحنا لملامح القصيدة الفنية عند الشاعر، أنه مال في بعض مواضعه ميلا عظيما إلی استحضار صورة الإفراد والتوحد عن طريق فاعليات "تاء" المرّة التي تلحق أواخر المصادر، وهي تدل علی مرّة واحدة من حدوث الفعل، ليقيد الفعل بوحدة الحدث، ووزنُه في الأفعال الثلاثية "فَعْلَة" بفتح أولها. ودلالة هذا الأمر متأتية من ناحيتين: أولاهما أن الشاعر صدف عن استعمال المصدر المألوف الذي يکون حرا طليقا ولا يتقيد بقيد التعداد ولا التقليل ولا التکثير، وإنما يدل علی مجرد الحدث بعينه ليضع حدا دون اتساع دائرة الخطب؛ لأن مصدر المرة تدل علی القيام بالفعل مرة واحدة فحسب! فالمراد به التقليل والحصر والتضييق؛ ولذلك عبر الشاعر عن کل المعاني التي توقد نارا في قلبه تضطرم باضطرام الصور الأليمة المستحضرة. فلننظر إلی أبياته هذا، والمفاهيم الوجدية المتلهفة التي رجح التعبير عنها بمصدر المرة:
(2002م، ص 400 ـ 401). فنری أسلوب المرة في هذه المصادر "لمحة، ونظرة، وقبلة، وقد تکون اسم المصدر الدال علی المرّة، وضمّة، وشمّة، وسلوة"؛ فما الذي حمل الشاعر علی هذه المبادرة المصدرية التقييدية بمصدر المرة؟ السر ينکشف لنا إذا دققنا في مطلوب الشاعر الذي يرومه في صورة النظر والمعانقة والتقبيل والشم والاحتضان والتسلية وما فاته من تلك المبادرات أيّام حياته، فماذا يکون للأب الثاکل بعد کل هذه المفقودات المفجعة؟ وبم يريد أن يتدارکها أو يتلافاها، وهو في مشهد الخسران المبکي؟! فلا حيلة له إلا أن يتوسل إلی تقييد ما يتمناه بـ"الوجه المصدري المحدَّد"، ليخفف شيئا من آلامه المستشرية. فمن البديهي أنه قد قام بتقبيل ولده وعناقه وضمه وشمه أثناء حياته أکثر من مرّة ولا أحدَ يشك في ذلك، ولکنه لما خانه هذا الحظ الموفور من السعادة الحنانية وباغتته مصيبة الفقد وأفلت من بين يديه فرصة الاستمتاع المتواصل بولده، فلا يسوغ له أن يستذکر أو يستحضر أمارات ملاطفته لرضيعه وتعاطفه معه بصورة مکثفة؛ لأنه کلما کثرت التداعيات تضاعفت معه الهموم الجمة التي تستصحبها الصورة المفزعة، فلا بد له من تقليل أو تکبيت المشهد الجارح بواسطة الآلية الصرفية التي بنيت من أول وضعها علی أساس التقليل بل التوحيد، وهو مصدر المرة. فکأنه يشرد شرودا عن نهج الاستقامة والتصبر عندما يبالغ في توفير الصور العناقية والتقبيلية واللمحية و... بصورة مفرطة، فيوقفها عند حدود الندرة والاستحالة؛ لأنها هي الصور البهيجة التي انقطعت عنه بالفعل، فلا يزيده استحضارها إلّا سدما وندما، وقد صرح بهذا في قوله: "محمّدُ! ما شيء تُوُهِمَ سلوةً / لقلبي إلّا زاد قلبي من الوجد"، فلا يريد مضاعفة هذه الهموم باستخدام المصدر المألوف الذي يضاعف من تشابك الصور المؤلمة. 2ـ3ـ3. الاستعانة بالخوافض کأداة لتوفير الراحة عند الشاعر إذا قرأنا قصيدته بإمعان وإحصاء، أدهشنا عدد أشباه الجمل (الجار والمجرور) الواردة في نصها، فقد بلغ عدد تراکيب الجار والمجرور في القصيدة 84 ترکيبا، وقد استفاد فيها الشاعر من مختلف أنواع أحرف الجر ما بين أصليّ وزائد، وأفاد ببعضها ما يقرر له من معانيه الأصلية، وقصد ببعضها المعاني والأغراض الثانوية التي تقدّر لها. وهذا عدد کبير جدا في هيکلية قصيدة غير طويلة، هذا وإن تغاضينا عن عدد الکلمات التي انجرت بالکسر عطفا علی بعض هذه المجرورات؛ فبذلك يبلغ عدد أشباه الجمل الموجودة في القصيدة حوالي 90 ترکيبا، وهذا عدد مُذهلٌ جدا، حيث إنه لا يتصور أن يکون من قبيل الصدفة واللاشعور التعبيري. فإن في القصيدة ثمانية من حروف الجر أولا، وهي "اللام، ومِن، والباء، وعلی، وإلی، وعن، وفي، والکاف"، ثم إن عدد حرف "من" المکرر في غضون القصيدة هو 24 مرة، والباء 16 مرة، واللام 15 مرة، وفي 11 مرة، وعلی 9 مرات، وعن 5 مرات، وکل من "إلی والکاف" مرتان، ثم إن ابن الرومي لم يکتف بالاستفادة من معنی واحد من المعاني التي تفيدها حروف الجر کما مر. فإن في قصيدته من معاني "اللام"، مثلا: "الزيادة والتوکيد، والتعجب، والتعليل، والملکية"؛ ومن معاني "الباء" نجد فيها "الاستعانة، والظرفية، والسببية، والمقابلة والعوض"؛ ومن معاني "مِن" يوجد فيها "التبعيض، وابتداء الغاية، والبدلية، وبيان الجنس، والزيادة، وکذا "مِن" التفضيلية"؛ وفيها من معاني "علی" الظرفية بمعنی في، والاستعلاء"؛ وهلم جرا في باقي الخوافض التي يوحي کل منها ببعض معان قد ترد لها علی وجه الحقيقة أو الاشتراك المعنوي مع سائر الأدوات. فما السر في هذه الاستفادة الشائعة لدی ابن الرومي من هذه الحروف، وما الأسباب أوالحوافز التي دفعته نحو الاستعانة بهذا الکمّ الهائل من الخوافض؟! للإجابة علی هذا السؤال يجب أن ننظر أولا في ماهية الحرف ومدلولاته في کل من عناصر الطبيعة والکون. فالحرف من کل شيء هو "طرفه وناحيته ...، والحرف في الإنسان هو الوجه الواحد، وعلی حرف من أمره أي علی طريقة واحدة، ويتلخص من ذلك أن الحرف من الإنسان هو الطريقة التي يقابل بها نوائبَ الدّهر متأرجحةً بين الرّضا والسخط! والحرف من الطبيعة هو مسيل الماء وقمّة الجبل المحدّدة (بن جرميخ، 2020م، ص 9 ـ 12). وبهذه الشهادة يتبين لنا أولا وعموما أن الحرف هو وسيلة لإزالة معاناة مفجوع أخذته حيرة الارتباك بين المقاومة والخمود، فتارة يرضخ لعلامات الرضا وتارةً أخری يتزود بزاد اللجوء إلی حفيظة الفقد والتذمر، وهذا هو حال ابن الرومي بالفعل، والذي لايزال يصارع سکرات الموت المفاجئ الذي اختطف نجله من بين يديه. فأين أدل من الحرف ليشد أزر الشاعر في اجتياز هذه العقبة الکؤود والخروج من ربقتها بسلام؟! ثم إن المختار لديه هو حرف الجر الذي قد تتأتی له تسميات أخری کـ«حروف الصفات وحروف الإضافة، وتعرّف بحروف الصفات لأنها تصير في المعنی صفةً لما تتعلق به؛ ولأنّ الأفعال کذلك تکتسب منها أوصافا» (ابنيعيش، 2001م، ج 8، ص 7)؛ وتسميتها بحروف الإضافة فمن باب أنها «تضيف الأفعال إلی الأسماء، أي توصلها إليها» (المبرد، 1994م، ج 4، ص 136). فالمتتبع في مسار حروف الجر والوظائف التي أحيلت إليها يجد ضروبا مختلفة من الفاعليات الدلالية والتحويلية التي تتم علی يديها، وبها تکتمل الدورة التخاطبية لبعض أقسام المعاني التي يراد توصيلها إلی المخاطب. فهذه الحروف «تقوم بالإسهام في سبك عناصر الکلام بعضها بالبعض، ثم إنها توضح علاقة المشتقات بمدلولاتها، ثم إن لها وظيفة نحوية من خلال ربط أطراف الکلام بعضها ببعض، کما أن لها وظيفة دلالية تظهر من خلال تحقيق المعاني المرادة من طرف المتکلم» (بن جرميخ، 2020م، ص 24 ـ 28). ففضلا عن فاعليات کل واحد من أدوات الجر التي استخدمها ابن الرومي في شعره علی حدة، فإن النسق الانجراري العام الذي يعتري أجزاء القصيدة في عمومها، يرينا أن ابن الرومي ـ شأن سائر ابتکاراته الدلالية ـ لا يريد أو لا يجرؤ علی الخوض مباشرة في خضمّ المصاعب التي تعتلج في قلبه جراء الفاجعة، بل يريد أن يهمّش قدرا کبيرا من حدة الشدائد بواسطة الأحرف التي تساعده علی الفرار من نحو هذا المرض بنقله إلی المعمولات بصورة غير مباشرة. وفي الحقيقة أن الشاعر لا يريد أن يتصل بالمفعولات به التي استخدمها في شعره مباشرة، ولذلك يجر همه إلیها بمعونة هذه الآلية الحرفية الوسيطة ويُفرغه في قوالبها. فالحرف سکينة له وخلاص من وَهَج هذا الحزن المستعار، ولذلك يجده فيستحبه ويزيد من عدد خوافضه ليکون خافضا له من أوزار شائبته قليلا.
2ـ3ـ4. الفعل المجهول وفاعليّته في زيادة القدرة التعبيرة هنالك في شعره آلية أخری لا يمکن التغافل عنها بما لها من توفير قدر کبير من الطاقة الإيجابية للشاعر لاستيلائه علی الحزن بصورة مباشرة، وهي "النمط المجهول" في عدد من ألفاظه الهامّة في شعره. يطالعنا في داليته عدد ملحوظ من الکلمات المجهولة ـ ما بين فعل مجهول أو صفة مجهولة أو مصدر دال علی الفعل المجهول ـ ما يسوقنا نحو التفکير الدقيق في مؤدّی هذه الکلمات والغرض الذي ألجأ الشاعر إلی اختيار السياق المجهول لتوضيحها. فعندنا 10 أفعال مجهولة في الأبيات 8، 9، 14، 17، 18، 26، 28، 33، 34 و37؛ وعندنا فيها لفظة "المُهدَی" في البيت الثاني، والتي هي اسم مفعول، وکذلك لفظة "التخليد" التي هي مصدر دال علی فعله المجهول في البيت السادس عشر، حيث يقول:
(2002م، ص 400). بمعنی حتی ولو کان ما يثَّوّبني عليه ربّي جراء هذه المصيبة هو أن أخلَّد في الجنة، فلا أريد هذا الثواب بعد فقدان فلذة کبدي! وعلی هذا، فالقصيدة تحتوي علی 12 فعلا ومصدرا أو وصفا مجهولا، وقد أخفي في کل منها الفاعل علی وجه من المعنی، ففي "المُهدَی" يکون الفاعل هو نفس الشاعر؛ ولکن لا يريد أن يکون هو المودع لجثمان ولده في التراب، فيتحاشی ذکرَ الفاعل، وکذلك الأمر في "ضُمَّ" و"أُفرِدْتَ". وأما السبب في حذف الفاعل من "غُصِبتُه" هو الفرار من الموت والاشمئزاز من صورته التي أرهبَتْهُ؛ إذ إن الموت هو الذي قام بفعل الاختطاف من بين يديه. فالعزوف عن ذکر هذا الفاعل هو لاستهجان التصريح به؛ کما نری الفاعل محذوفا في مثل"قُدِّمتُ" و"مُتِّعتُ"؛ لکن لا لغرض واضح وهو کون الفاعل معلوما، کما يقرّ به کتب البلاغة والنحو، بل لغرض آخر قد يترتب علی حذف الفاعل المعلوم الذي هو ذات الباري، وهو «الإقرار بفاعلية اللّٰه المطلقة وبأن مثل هذه الأفعال لا تصدر إلا منه سبحانه وتعالی، فـقد يکون الحدف لترکيز الاهتمام علی وقوع الفعل بمفعوله، أو تعظيمه في مقام آخر لا يدل علی صدور هذه الأفعال العظيمة مِن سواه» (محمد، 1997م، ص 518). فالفاعل، وإن کان ههنا معلوما، وهو اللّه الذي يقبض الأرواح ـ إلا أن حذفه لم يکن من باب الاطلاع عليه کما يظن، بل لکون الشاعر مذعنا معترفا بمشيئة الإله الذي قدّر له هکذا، وهذا غرض رفيع لحذف الفاعل إن کان معروفا. وقس علی ذلك، سائر الأغراض التي تترتب علی حذف الفاعلين في نص ابن الرومي، سواء أکانوا معروفين مشتهرين أم غير معروفين. وعلی ذلك، فإنا نستنتج أن هذا العدد الوفير من التعابير المجهولة في نص الشاعر يدلنا علی موضع خوف الشاعر ورهبته التي هيأت له مَسْحَ أسماء بعض الفاعلين من سياقه نظرا لاستقامته التي استنفدها الرزء الجليل.
الخاتمة تظهر النتائج التي تمخضت عنها هذه الدراسة ما يمکن تلخيصها في المحاور الآتية: ـ أولا أن لدی الشاعر نظرة أسلوبية توعوية تجاه مخاطبيه، ويشرکهم تماما في الإحساس بمدی حزنه، ثم استثارة دواء دائه من طيات شعورهم، بحيث لا يرسل کلامه علی عواهنه ليضل القارئ في کشف قضاياه الأساسية، فإن له أنساقا تعبيرية تؤهل المعنی لأخذ قدرات دلالية أکثر ليکون أشد تثبيتا لملامح الوجع الکارثيّ الذي وقع الشاعر تحت سلطانه. ـ ثانيا أن التنويع التوظيفي المستهدف لقدرات اللغة التعبيرية من خلال استدعاء الأدوات الصرفية والموسيقية والترکيبية هو النهج الذي انتهجه الشاعر ليشف کلامه عما تحت الألفاظ من ظلال المعاني التي قد يستشعر بها الشاعر فحسب؛ وبذلك فإن الناظر في شعره يجد کمية کبيرة من التجسيدات اللغوية والتمثلات التعبيرية الموحية التي أعانت الشاعر کثيرا في مدّ القناة التوصيلية المتفاهمة بينه وبين متلقيه. ـ ثالثا أن عند الشاعر صراعا عنيفا مع نفسه وکذلك مع الأجواء المفجعة التي أحاطت به جراء فقد رضيعه، وإنه بقي حائرا بين تجرّع الغصة المتناثرة في بقايا نفسه، والانقياد للواقع المر الذي حصل علی وجه الرضا بما شاء اللّٰه، ونلمس أجزاء من هذا السجال النفسي العنيد في ثنايا داليته، وقد يوفق الشاعر في معايشة الواقع والتوفيق بين هاتين الجهتين المتعارضتين من الأحاسيس التي غشيت صفحات قلبه، فقد يکون مريضا نفسيا وأبا موجوعا من جانب، بنشر أحاديث الفقدان الذي أوهنه وحلّل قواه، کما يکون طبيبا لنفسه باحثا عن طرق العلاج والمسايرة والتکييف بما يرام له من إمضاء مشيئة الباري من جانب آخر. ورأينا نفسيا أن من الصعب جدا إيجاد التصالح والتعايش بين هاتين الحالتين اللتين تُناقض إحداهما الأخری دوما في أطياف وجدانه؛ ولکن الشاعر استطاع أن يخلص نفسه إلی حد کبير من ورطة هذه المفارقة الشعورية التي هاجمته بعنف، عن طريق ابتکاراته الدلالية والأسلوبية التي تبنّاها. ـ رابعا أن السياق الفعلي الماضوي هو الغالب علی مسارات قصيدته الرثائية بامتياز، والسبب في ذلك أن الشاعر يحس بشيء من الأذی الممدود الذي لا يکاد يفارق روحه، فلا يستطاب له أن يجد الفعل المضارع الذي يوحي بالتجدد والاستمرار أمام عينه متجسدا، لتتضاعف عنده أمارت الحزن حينا بعد حين، فليس له إلا أن يلوذ بسکينة الفعل الماضي الذي يلوح بالانفکاك عن الزمن الحاضر ليقلعه عن ربقة الأوجاع المتراکمة. وشأنه في استخدام الفعل المجهول وأشباه الجمل کذلك؛ إذ يتوسل بکل وسيلة صرفية أو ترکيبية أو صوتية لتهيئ له من أمره منجاة ومهربا.
[5]. Prefixes [6]. Suffixes [7]. Infixes | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أ. العربية آباد، مرضيه. (2013م). «مظاهر الفکر في شعر ابن الرومي». اللغة العربية وآدابها. س 9. ع 3. ص 81 ـ 100. ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن. (1998م). المثل السائر في أدب الکاتب والشاعر. تحقيق الشيخ کامل محمد محمد عويضة. بيروت: دار الکتب العلمية. ابنجني، أبو الفتح عثمان. (1954م). سر صناعة الإعراب. تحقيق مصطفی السقا وآخرين. القاهرة: دار الثقافة العامة بوزارة المعارف العمومية. ابن الرومي، أبو الحسن علي بن العباس. (2002م).الديوان. شرح محمد حسن بسج. ط 3. بيروت: دار الکتب العلمية. ابن هشام الأنصاری، جمال الدین عبد اللّٰه. (1979م). أوضح المسالك إلی ألفية ابنمالك. تحقیق یوسف الشیخ محمد البقاعي. بیروت: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع. ابن یعیش، أبو البقاء یعیش بن علی. (2001م). شرح المفصل. تحقیق إمیل بدیع یعقوب. بیروت: دار الکتب العلمية. بخيت عمران، حمدي. (2019م). علم اللغة دراسة نظرية وتطبيقية. د.م: أصوات للدراسات والنشر. بدوي، عبد الرحمن. (1977م). المنطق الصوري والرياضي. ط 4. الکويت: وکالة المطبوعات. بن جرميخ، يوسف. (2020م). معاني حروف الجر في سورة يوسف. عمان: مرکز الکتاب الآکاديمي. بن حسن بن عثمان، محمد. (2004م). المرشد الوافي في العروض والقوافي. بيروت: دار الکتب العلمية. الجرجاني، أبوبکر عبد القاهر. (2001م). دلائل الإعجاز في علم المعاني. تحقيق سعد کريم الفقي. القاهرة: دار اليقين. الجريسي، محمد مکي نصر. (2003م). نهاية القول المفيد في علم تجويد القرآن المجيد. تصحيح وضبط عبد اللّٰه محمود محمد عمر. بيروت: دار الکتب العلمية. حبيبى، علىاصغر. (2001م). «رثاء ابنالرومي بين الاتباع والابتداع قصيدة رثاء البصرة نموذجا». إضاءات نقدية في الأدبين العربي والفارسي. س 1. ع 3. ص 67 ـ 89. حماني، محمد. (2002م). صرخات. د.م: د.ن. خاقانى، محمد؛ وداود نجاتى. (1393ﻫ.ش). «التوظيف الفني في سيميائية الألوان عند ابن الرومي». نقد ادب عربى. ع 1. ص 31 ـ 68. الخطيب القزويني، جلال الدين محمد بن عبد الرحمن. (2003م). الإيضاح في علوم البلاغة. تحشية إبراهيم شمس الدين. بيروت: دار الکتب العلمية. الخولي، أمين. (1947م). فن القول. القاهرة: دار الفکر العربي للطباعة والنشر والتوزيع. الدسوقي، مصطفی محمد عرفة. (د.ت). حاشية الدسوقي علی مغني اللبيب. ضبط وتحقيق عبد السلام محمد أمين. بيروت: دار الکتب العلمية. الذهبي، فيصل سلمان مناحي. (2005م). الصورة الفنية عند ابن الرومي. رسالة الماجستير. الجامعة المستنصرية. کلية الآداب. الرازي، فخر الدين محمد. (1985م). التفسير الکبير ومفاتيح الغيب. ط 3. بيروت: دار الفکر. روشنفکر، کبری؛ ورحمت اللّٰه پاشازنوسى. (2006م). «الطبيعة الحية في شعر ابنالرومي». دراسات في العلوم الإنسانية. ع 13 (2). ص 71 ـ 84. السليم، رياض. (2019م). الأسس المنطقية للغة العربية: العربية لغة العقل والطبيعة. د.م: نادي الأحساء الأدبي. الشايب، أحمد. (1991م). الأسلوب: دراسة بلاغية تحليلية لأصول الأساليب الأدبية. ط 8. القاهرة: مکتبة النهضة المصرية. شكري، عیاد. (1988م). اللغة والإبداع: مبادئ علم الأسلوب. القاهرة: إنتر ناشیونال برس. شلق، علي. (2006م). الزمان في اللغة العربية والفکر. بيروت: دار ومکتبة الهلال. شمس الدين، جلال. (د.ت). علم اللغة النفسي مناهجه ونظرياته وقضاياه. الإسکندرية: توزيع مؤسسة القافة الجامعية. صابر، عمر وفيق؛ وأبو زيد سامي يوسف. (2014م). «بنية الإيقاع في شعر ابن الرومي : دراسة أسلوبية إحصائية». المنارة للبحوث والدراسات. ع 4. ص 157 ـ 178. الطريفي، هويدا. (2015م). ملامح الحياة الاجتماعية في العصر العباسي من خلال شعر ابن الرومي. رسالة الماجستير. جامعة الخرطوم. کلية الآداب. عبد الجلیل، عبد القادر. (2006م). المعجم الوظيفي لمقاييس الأدوات النحوية والصرفية. عمان: دار صفاء للنشر. عبد اللّٰه، أحمد عبد الجواد إبراهيم. (1992م). الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث. رسالة الدکتوراه. الجامعة الأردنية. کلية الدراسات العليا. عبد المطلب، محمد. (1994م). البلاغة والأسلوبية. القاهرة: دار نوبار. عتيق عبد العزيز. (1987م). علم العروض والقافية. بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر. العقاد، عباس محمود. (2017م). ابن الرومي حياته من شعره. المملکة المتحدة: هنداوي. عکاشة، محمود. (2011م). التحليل اللغوي في ضوء علم الدلالة. ط 2. القاهرة: دار النشر للجامعات. علوية، نعيم. (1986م). بحوث لسانية بين نحو اللسان ونحو الفکر. ط 2. بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. عمر، أحمد مختار. (1988م). علم الدلالة. ط 5. القاهرة: عالم الکتب. الغامدي، محمد سعيد صالح ربيع. (2005م). «العربية لغة النون». مجلة الدراسات اللغوية. ج 7. ع 2. ص 32 ـ 102. غيث، سيد. (2017م). الشرح الکافي في علمي العروض والقوافي. الجيزة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي. الفاخوري، حنا. (1981م). الجامع في تاريخ الأدب العربي: الأدب القديم. بيروت: دار الجيل. فياض، سليمان. (1998م). استخدامات الحروف العربية: معجميا، صوتيا، صرفيا، نحويا، کتابيا. الرياض: دار المريخ للنشر. المبرد، محمد بن يزيد أبو العباس. (1994م). المقتضب. تحقيق محمد عبد الخالق عظيمة. القاهرة: لجنة إحياء التراث. محمد، أحمد سعد. (1997م). التوجيه البلاغي للقراءات القرآنية. القاهرة: مکتبة الآداب. المرزباني، أبو عبيد اللّٰه محمد بن عمران. (2005م). معجم الشعراء. تحقيق فاروق سليم. بيروت: دار صادر. المسدي، عبد السلام. (2005م). الأسلوبية والأسلوب. ط 3. القاهرة. الدار العربية للکتاب. المقدسي، أنيس. (1989م). أمراء الشعر العربي في العصر العباسي. ط 17. بيروت: دار العلم للملايين. المنصوري، علی جابر. (2002م). الدلالة الزمنية في الجملة العربية. عمان: الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع. نهر، عبد الهادي. (2007م). علم الدلالة التطبيقي في التراث العربي. تقديم علي الحمد. إربد: دار الأمل للنشر والتوزيع. الهاشمي، محمد علي. (1991م). العروض الواضح وعلم القافية. دمشق: دار القلم.
ب. الفارسية امینمقدسى، ابوالحسن؛ و سيمين غلامى. (1394ﻫ.ش). «بررسی و تحلیل نظریههای عقاد درباره اشعار ابن رومی». الأدب العربي. س 7. ع 1. ص 41 ـ 60.
ج. الإنجليزية ليج
لیونز
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,805 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 550 |