تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,652 |
تعداد مقالات | 13,408 |
تعداد مشاهده مقاله | 30,251,666 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,088,309 |
دراسة فنية دلالية لخواتم الآيات في سورة آل عمران | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 11، دوره 13، شماره 24، تیر 2021، صفحه 169-184 اصل مقاله (1.11 M) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2020.104521.1043 | ||
نویسندگان | ||
جلال مرامي1؛ بيژن کرمي1؛ حسن ساقي* 2 | ||
1أستاذ مشارک في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة العلامة الطباطبائي، طهران، إيران | ||
2طالب الدکتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة العلامة الطباطبائي، طهران، إيران | ||
چکیده | ||
قد يُحدَّد في الخاتمة موضوعُ الآية، باعتبار أنّ الخاتمة بؤرة توحّد الآية، وتکون فکرتها العامة أو هي المرکز الذي تدور حوله الآية، وتعدّ نواة مضمون الآية، حيث تجمع الخاتمة مسار الأفکار القائم على موضوع أو عدة موضوعات في الآية. ويمکن أن نعد قدرة الآية في الخاتمة على تذکّر عناصر فنية معينة ونظمها أکثر من غيرها، إشارة إلى أنّ العناصر التي تحملها الخاتمة، تمثّل موضوع الآية في بنية تختلف من الناحية الشکلية عن سياقها، وتختلف کيفية بنائها عند کل آية؛ لأن کل آية تختار من بنية العناصر التي تناسبها. فيکون من المجدى في القضية، أن نتدبر الخواتم القرآنية ونهاياتها؛ لنرى أنها تأتي لمقتضيات معنوية، مع نسَق فني اقتضته المعاني. إذن، لا بدّ من الإشارة إلى أن التغير في ساحة الخواتم وألفاظها وتراکيبها يؤثّر على توليد المعاني الهامشية التي يدرکها المتلقي الفَطِن. هذه المقالة محاولة من خلال المنهج الوصفي ـ التحليلي، لدراسة البناء الفني في خواتم آيات سورة آل عمران. تدلّ النتائج على جمال فني في الخواتم للمبالغة أو الدلالة على الثبات والديمومة وما شاکل ذلک، حيث تلتقي الألفاظ والمعاني في نهايات الآيات التقاء متمازجا في إطار نظام فني خاص؛ لتشکل عبارات ترتبط بسياقها، کما تشير النتائج إلى أنّ لکل خاتمة نظاما بنيويا خاصا يتناسب مع الغرض الأدبي للآية. | ||
کلیدواژهها | ||
سورة آل عمران؛ البناء الفني؛ الخاتمة (الخواتم)؛ الدراسة الدلالية؛ الانزياح | ||
اصل مقاله | ||
1. المقدمة إنّ القرآن يحسن اختيار المعنى ويحسن تصويره من المعاني بألفاظ أو أشکال جيدة. فالنص القرآني هو الصورة، أي مظهر من مظاهر المعاني أو اللغة الأدبية؛ ولکي يصل المتلقي إلى جماله الفني والأدبي، عليه أن يقصد البلوغ في النحو والبلاغة. إن الخواتم جمالية وتکملة؛ لأنها تابعة للمعاني؛ إذ يکون الغرض هو الإبانة عن المعاني التى الحاجة إليها ماسّة؛ ولأنّها طريق إلى إفهام المعاني التي يحتاج إليها فى أحسن صورة يدلّ بها عليها. وتتجلّى الخواتم القرآنية بدلالتها المعنوية الدقيقة ونسقها الجميل. الخاتمة في بعض وظائفها تلخّص معنى الآية، وهي إيضاح وتعقيب في أحيان أخرى؛ ويرتبط بناؤها بسياق الآية على مستويين: مستوى فني، وأدبي يدخل في نسيج الترکيب فيقويه، ومستوى دلالي يفيد في إحکام الترابط بين أجزاء الآية. تمثّل الخاتمة القرآنية التزاماً بصيغ فنية وتراکيب جميلة رُوعيت في بناء الکثير من الجمل والآيات القرآنية. سورة آل عمران سورة مدنية وسورة ثالثة في ترتيب السور. هذه السورة متفردة في خواتمها وأسلوبها، وهي مثال واضح عن البلاغة القرآنية، وبراعة النظم، وهي تقسّم کغيرها من السور، إلى الآيات المتنوّعة داخلها، وإلى تعدد العبارات داخل کثير من آياتها کالخواتم، وذلک يعطي البناء الهندسي في القرآن خصوصيّته، وهو من دلائل الانسجام الدلالي فيها؛ لأنّ تقسيم السور إلى أجزاء وفصول يدلّ على نظم وترتيب خفي بني عليه هذا النص الفني، وتجري إليه الآيات حتى تنتهي في خواتم الآيات وفي خواتم السور؛ فهناک بناء محکم وهندسة وتصميم نهائي في النص فنيا ودلاليا. 1ـ1. أسئلة البحث إنّ الأسئلة التي نطرحها ما يلي: ـ هل تنتهي الآي القرآنية في سورة آل عمران بعبارات فنية، وإنْ کان الجواب إيجابيا، فما أدواتها ودورها؟ ـ کيف توضّح هذه الأدوات، رموز أدبية الخواتم؟ ـ کيف يؤثّر الانزياح على فنية خواتم الآيات ودلالتها؟ 1ـ2. خلفية البحث احتلّت الدراسات القرآنية حيزاً واسعاً من المکتبة العربية، وحظيت سورة آل عمران بدراسات عديدة. لکنّ هذه الدراسات اقتصرت على جانب الدلالة والجانب التفسيري أو جانب واحد؛ وربّما انحصرت هذه الدراسات على الصفات الإلهية لغوياً ودلالياً وتوقّفت عند الحرف الواحد أو اللفظة الواحدة، دون توسيع البحث إلى جمل الخواتم ونظامها، ولم تکن هناک دراسة مستقلة تعنى بدلالة هذا النظام وجماليته، ولم يقم أحد بدراسة الخواتم ونظامها الفني بصورة مستقلّة في سورة آل عمران وسور أخرى، باعتبار أنّ الخواتم بؤرة لعناصر فنية معينة وتنظيماً أدبياً ودلالياً لجو الآيات. وأمّا بالنسبة إلى الدراسات المرتبطة بهذا الموضوع، فهناک دراسات أسلوبية وأدبية، منها: الأسلوبية الصوتية في الفواصل القرآنيه، لعمر عبد الهادي عتيق؛ والإعجاز البياني في نظم خواتم الآيات والتنغيم الصوتي في القرآن الکريم: سورة الزمر نموذجا لزهر الدين الرحماني؛ والإعجاز الصوتي في القرآن الکريم لعبد الحميد هنداوي؛ والانسجام الصوتي في النص القرآني لتحسين فاضل عباس؛ وکذلک جملة الخاتمة في الآيات الکونية والإنسانية: دراسة أسلوبية، لنور هاني محمد سمحان؛ والمناسبة بين الفاصلة القرآنية وآياتها في سورتي الأحزاب وسبأ لمحمد يوسف هاشم السيد؛ ونظام الارتباط في سورة آل عمران لمفيدة بنو ناس؛ ونظام الجملة الشرطية في سورة آل عمران،للأخضر سعداني؛ وجمالية الانسجام الصوتي في خواتم سورة آل عمران لحسن ساقي. جاءت هذه الدراسة، وهي الدراسة الأولى التي تختصّ بدراسة دلالية على أساس خاتمة الآية؛ لتسلّط الضوء على جانبٍ لم يعن به أحد من الباحثين من قبل، حيث لم تکن دراسة أشارت إلى أدبية الخواتم، أي الجملات الأخيرة في آيات سورة آل عمران.
2. ما هي الخاتمة؟ تکون الخاتمة من مادة "ختم"، وهي بلوغ آخِرِ الشيء (ابن فارس، 2008م، مادة ختم). وجاء في لسان العرب: ختم الشيء يختمه ختماً بلغ آخرَه، وختَم اللّٰه له بخير. وخواتم کل شيء وخاتمَته: عاقبته وآخِره. واختتمتُ الشيء: نقيض افتتحته. وخاتمة السورة: آخرها (ابن منظور، 1968م، مادة ختم). وهي کالفاصلة في القرآن، ولکنها هنا عبارة قصيرة أو طويلة تختم بها الآية، ولها قيمتها في إتمام المعنى، وهي مستقلة نحوياً إسنادياً، لکن مرتبطة بآياتها تمام الارتباط دلالياً؛ ولها دور أساس في فهم آياتها والوصول إلى المعنى المطلوب الظاهر أو الخفي في آياتها. من الملاحظ أنّ معظم الدارسين عند شرح النصوص القرآنية يقومون على تعريف "الفاصلة"، بأنّها الکلمة التي تختم بها الآية من القرآن؛ ومن ثمّ نؤثر أن نمضي على تسمية روؤس الآيات ومقاطعها في القرآن بـ"الفواصل"، ونسمّي الجملات المتناهية في داخل الآيات أو نهاياتها، بـ"الخواتم". فإنّ الخاتمة هي الجملة التي يختم بها آخر الآية القرآنية، وکثيراً ما هي مرتبطة بما قبلها ارتباطاً وثيقاً، وفيها ملخّص للآية. لقد سميت الخاتمة بهذه التسمية؛ لأنّ الآية تختم عندها، وربّما آخر الآية ينتهي بها ويتمّ معناها. وينطوي بناء الخواتم غالباً على التنويع، مراعاة للمعاني، وإزالة الرتابة؛ وتکون هذه الفضيلة من أساليب آيات القرآن.
3. أنواع بناء الخاتمة من أهمّ الخصائص التي تميزت الخواتم عن السياق، أنّها جمعت بين الوفاء بالمعنى في أقلّ الألفاظ في أجمل التعابير، فجُعلت خواتم الآيات، حسن الأسلوب، معبّرة عن صفات الجمال والجلال الإلهية، مشعرة بالتمام حتى تتحقّق الآيات بحسن الختام، فينبغي أن تقطع من السياق؛ إذ الخاتمة آخر عبارة تبقى في الأسماع، وتؤثر في الأذهان تأثيرا أکثر، وربّما تحفظ من بين سائر العبارات في الآيات لقرب السماع به، وتجري مجرى الحکم والأمثال. 3ـ1. اسمية الخواتم جاءت خواتم الآيات في أغلبها جملة اسمية يکون المسند إليه فيها اسم، وکذلک المسند؛ والجملة الاسمية تأتي على أساس ثبوت المسند للمسند إليه غير مقيّد بزمن، ولکن الجملة الفعلية هي التي يکون فيها المسند فعلاً، تفيد الاستمرار والتجدد؛ والسبب أنّ الفعل إمّا يکون مقيّداً بالزمن الماضي أو المضارع أو المستقبل، ولکنّ الاسم والوصف الاسمي غير مقيّد بزمن. «وأمّا کونه فعلاً فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة على أخصر ما يمکن مع إفادة التجدد، وأمّا کونه اسماً فلإفادة عدم التقييد والتجدد»(الخطيب القزويني، 2003م، ص 75). في الخواتم التالية: «... وَاللّٰه عَلى کُلِّ شَيْءٍ قَديــر ! ... وَاللّٰه رَؤوفٌ بِالْعِبادِ ! ... وَاللّٰه غَفُورٌ رَحيمª (آل عمران 3: 29 ـ 31)، بُنيت العبارات على الجملة الاسمية. وفي ذلک فائدة ليست في الجمل الفعلية؛ لأنّ الجملة الاسمية يقصد بها ثبوت المسند للمسند إليه. ففي هذه الخواتم، دلالة على أنّ الجملة الاسمية تفيد ثبوت القدرة والرأفة والغفران والرحمة للّٰه تعالى؛ وهي أي الجملة «الاسمية أکثر ملائمة للمدح والذم ولوصف الأشياء الجامدة والحقائق الثابتة»(فاضلى، 1376ﻫ.ش، ص 71). فإنّها أدلّ على الدوام والاستمرار، فإنّ التعبير بالجملة الاسمية أشد تأکيدا، من حيث نسبة المسند إلى المسند إليه، ومن حيث أنّها تدلّ على ثبوت الصفة. تدلّ الجملة الاسمية على الثبوت، إذا کان المسند اسما؛ لأنّ «الاسم موضوع على أن يثبت به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدُّده شيئا بعد شيء؛ وأمّا الفعل فموضوعه على أنه يقتضي تجدّد المعني المثبت به شيئا بعد شيء» (الجرجاني، 1404ﻫ، ص 118). وهذا هو الذي عليه أغلب الخواتم على وجه الثبوت والدوام. لا تستقرّ المعاني الجليلة في النفوس بناء على أساس الجمل الفعلية، کما هو عليه البناء القرآني في الخواتم من الجمل الاسمية بجماليته الموسيقية، کالآية التالية: «... إِنَّکَ عَلى کُلِّ شَيْءٍ قَديرٌª (آل عمران 3: 26). تأتي الخاتمة مشتملة على صفة القدرة من صفات اللّٰه تعالى في سياق الجملة الاسمية، وبتقديم أجزاء منها على جزء منها؛ ليزيد معناها رسوخا وثباتا في النفس؛ فإنّها تدلّ على الثبوت والدوام دون إخبار عن التجدد والحدوث؛ وهکذا تؤدي غرض الآية بعبارة قصيرة باقية في الذهن ولم يکن المحور إلّا الإشارة إلى صفة المولى، کالقدرة، بحيث يصح أن يکون فيها وفي کثير من الخواتم، للتعظيم والترهيب ولبيان علة الحکم. إنّ المتتبع لخواتم الآيات في سورة آل عمران يجد أنّ حرف "إنّ" ورد في کثير من الخواتم مع أسماء اللّٰه الحُسنى وورد أيضاً في خواتم أخرى لا تحتوي على أسماء اللّٰه الحسنى؛ وهذا الحرف له أهمية کبيرة في بداية الجملة الاسمية وأنّه يأتي على أوجه منها: التأکيد والتحقيق ـ وهو الغالب ـ والتعليل. ومِن الخواتم التي ورد فيها "إنّ" يمکن أن نشير إلى الآية التالية: «رَبَّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهّابُ ! رَبَّنا إِنَّکَ جامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فيهِ إِنَّ اللّٰه لا يُخْلِفُ الميعادَª (آل عمران 3: 8 ـ 9). فإنّه يأتي من الحسن والجمال، بحيث لا يمکن أن يحذف من الخاتمة ولما له من قدرة دلالية على ربط الآية بعضها ببعض، ولو حذف لاختلّت بلاغة الخواتم ودلالتها. 3ـ2. التقديم لقد امتازت خواتم الآيات بوفرة الأساليب التي تظهر بلاغة القرآن الکريم. فيأتي القرآن بأسلوب التقديم؛ لأنّ التقديم له تأثير أقوى على النفس في الخواتم، کقوله تعالى: «... وَلَهُمْ عَذابٌ أَليمٌª (آل عمران 3: 77). ورد المبتدأ متأخّرا ومنعوتا، والجار والمجرور المتعلقان بمحذوف الخبر المقدم، و"أليم" صفة بيَّنتْ ونعّتتْ درجة عذاب الکفار وخصصته؛ ومثل هذا النعت والمنعوت مؤخّراً، ورد في بعض الخواتم، وفي کلٍ منها تخصيص ووصف للمنعوت. دور القاعدة النحوية في خواتم القرآن لا ينتهي عند شکل الکلمة؛ وإنّما تتجاوزه إلى التراکيب، ترکيب الکلمة داخل الجملة وما تؤدّيه من عمل في إيضاح المعنى. على ذلک، جاء ارتباط النحو بالبلاغة والتفسير، حيث أصبح النحو في خدمتهما؛ لأنّ القرآن الکريم کثيراً ما يوظّف فنون البلاغة، ومِن ذلک: التقديم والتأخير، مثل تقديم شبه الجملة على المسند، کقوله سبحانه وتعالى: «... واللّٰه عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِª (آل عمران 3: 14)، و«... وما لَهُمْ مِنْ ناصِرينَª (آل عمران 3: 22). وتأتي أهمية العلاقة الحميمة التي حاول المفسّرون إقامتها بين القاعدة النحوية والنص القرآني في أنّ القاعدة النحوية تساعد حسن الترتيب وجماله وما نشعر فيه من الموسيقى الداخلية، کما نراها في الآيتين السابقتين. يؤدّي تقديم بعض المفردات في المثالين وکثير من الآيات، إلى تقوية المعنى والانسجام الصوتي الحادث بحدوث الإشباع في "عنده"، والغنّة في "لهم من". واهتمّ البلاغيون بهذا الفن ودرسوه في علم المعاني، خاصّة ما يتعلّق بتقديم المسند والمسند إليه ومتعلقات الفعل، کتقديم المفعول به على فعله، وتقديم الظرف والجار والمجرور على فعلهما، وبحثوا أغراضه في کتب البلاغة «کأنّهم يقدّمون الذي بيانُه أهمّ لهم وهُم ببيانه أعني، وإن کانا جميعاً يهمّانهم ويعنيانهم»(سيبويه، 1991م، ج 1، ص 6)، وهو ـ في الغالب ـ يفيد الاختصاص. هذا التقديم وتجريد صفة أو فعل واختصاص المولى أو غيره بتلک الصفة جاء في کثير من الخواتم، وهو الأهمّ في ختم تلک السياقات المختلفة: «... لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمونَª (آل عمران 3: 84)، و«وَلِلَّهِ ما فِي السَّمواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلى اللّٰه تُرْجَعُ الأُمورُª (آل عمران 3: 109). والتقديم في مثل الآيات السابقة، يفيد الاختصاص وتبرز أهمية التقديم فيها؛ فإنّ اللّٰه تعالى وحده هو الذي ترجع الأمور إليه دون سواه، وهو الذي نحن مسلمون له وحده؛ وهذا الإسلام يتفرّد المولى به؛ لأنّ الأذهان قد تتوهّم أنّ ثَمّ مَن يشارک المولى في أمره، فيأتي التقديم والتأخير، ليزيل هذا الوهم ويُثبت اختصاص معنى الإسلام للّٰه تعالى بشموله وکماله، فليس المقصود إثبات المسند إلى المسند إليه فقط. وهناک فرق بين الترکيبين: "وإلى اللّٰه تُرجَعُ الأمورُ"، و"تُرجَعُ الأمورُ إلى اللّٰه"، الأول فيه إثبات معنى الرجوع للّٰه سبحانه وتعالى؛ ومن ثَمّ إثبات اختصاصه على اللّٰه وأنّ المولى يختصّ بذلک وحده؛ إذن ليس تقديم المتعلق وعدمه سواء في المعنى؛ فقد تبيّنَ أنّ التقديم فيه زيادة في المعنى. وفي الآية التالية: «... وَما ظَلَمَهُمُ اللّٰه وَلکِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَª (آل عمران 3: 117)، يتطلّب السياق تقديم المفعول على الفعل الذي يفيد الاختصاص، وهو يؤکد أنّ التقديم والتأخير يکون استجابة للسياق وما ينتجه من معانٍ ودلالات، فنجد فيها أنّ التغيير في ترتيب الکلمات أثره يکون أکثر من الترکيب الأصلي "يظلمون أنفسهم"، يريد أنَّ الظلم يختصّ بأنفسهم وحدهم. فالخاتمة ليس المقصود فيها إثبات معنى الظلم لِلظالمين. وإنّما يکون المراد ـ وفق سياق المعنى ـ إثبات تعلّق الفعل بالمفعول. وإنّ من تمام النظم أن تتحرّک الألفاظ تقديماً وتأخيراً وفق المعنى المقصود في السياق. هناک مجموعة من الخواتم القرآنية يجب أنْ يتقدّم فيها المتعلق ولا يحسن النظم بتأخره، کقوله تعالى: « إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْکُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللّٰه وَلِيُّهُما وَعَلَى اللّٰه فَلْيَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنونَª (آل عمران 3: 122). فالآية السابقة ليس المقصود فيها إثبات التوکّل على المولى، وإنّما يکون المراد ـ وفق سياق المعنى ـ إثبات تعلق فعل "توکّل" بالجار والمجرور. فيجب أنْ يکون التوکّل فيها مختصّاً باللّٰه. فلمّا تقدمت مظاهر فشل طائفةٍ من أهل المدينة، يلزم بيان أنّ صحابة الحقّ ليس لهم إلّا التوکل على اللّٰه. إنّ مثل ذلک التقديم، تبرز الدلالة في الخاتمة على کمالها، بحيث يجعل "التوکّل" مثلاً خالصاً على اللّٰه لا يشارکه فيها أحد من البشر، وهو معنى يراد من کلّ تقديم وتأخير. هناک بعض الخواتم التي لم يتقدّم فيها المتعلق وحسن أنْ يتأخر، کقوله تعالى: «... وَلَقَدْ عَفا عَنْکُمْ وَاللّٰه ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنينَª (آل عمران 3: 152). ففيه لم يتطلب السياق الذي يفيد الشمول، ذلک التقديم؛ وليس فضل اللّٰه تعالى مختص بالمؤمنين، بل هو شامل وسع السماوات والأرض، وليس المراد بيان أنّها لهم دون غيرهم؛ لأنّ فضله واسع ويشتمل على کل مخلوق. وهذه الصفة على ما هي عليه من شمول يصلح لکل الموجودات، وإنّما کان المراد وفق سياق المعنى وتنکير "فضل"، إثبات نوع خاص أو عظيم من الفضل للمؤمنين، کما أشار إلى هذا الفضل العظيم الشامل في الآية التالية: «فَانْقَلَبوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّٰه وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سوءٌ وَاتَّبَعوا رِضْوانَ اللّٰه وَاللّٰه ذو فَضْلٍ عَظيمٍª (آل عمران 3: 174). تبيّن لنا فيما ذهبنا إليه، أنّ السياق حينما يتطلّب إثبات "الفضل" مثلاً على الإنسان المؤمن بعينه لم يتقدم المتعلق. ومن هنا کان «من الأسس التي بُني عليها ترتيب المتعلقات أنهم يقدّمون منها ما هو أوثق صلةً بغرض الکلام وسياقاته» (أبو موسى، 1980م، ص 294). فقد تبيّن کذلک أنّ التقديم والتأخير فيه زيادة في المعنى، کما يکون عدم التقديم فيها بغرض لا يتحقّق بسواه ولا يحسن ختم الآية 152 بـ"على المؤمنين ذو فضل"، فلا يقبل هذا القول. ودلالة التقديم والتأخير في هذه المواضع وغيرها تتمثّل في الاختصاص ومراعاة نظم الکلام. ومنه يکون تقديم المسند إليه ضميراً على المسند فعلاً، وربّما يتکوّن اختصاص المسند إليه بالخبر الفعلى، إذا کان مسبوقاً بالنفي. وهذا الأسلوب تختصّ بعض الخواتم به، بحيث تکون الخواتم مواضع هذا الأسلوب ولا غيرها، کقوله سبحانه وتعالى: «... ويَسْتَبْشِرونَ بِالَّذينَ لَمْ يَلْحَقوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عليهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنونَª (آل عمران 3: 170). تقدّم ضمير "هم" على "يحزنون" مسبوقاً بالنفي ويکون المسند فعلاً ويؤتى بالمسند إليه بين کلمة النفي "لا" والمسند فعلاً "يحزنون". ذلک يفيد التخصيص، أي إنّما المستشهدون في سبيل اللّٰه لا يحزنون ويحزن غيرهم؛ ولذا لا يصحّ أنْ يقال: ولا هم يحزنون ولا غيرهم. فهذه الخاتمة تنفي عن المستشهدين حزناً ثبت أنّه موجود لغيرهم. وعلى غرار هذا التحليل، يکون تحليل الآيتين 88 و161. لبناء الخاتمة أشکال، منها تأخير الجزاء فيها وتقدّم الجواب على جملة الشرط، کقوله تعالى: «... إِنَّ في ذلِکَ لَآيَةً لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنينَª (آل عمران 3: 49). تأخّرت أداة الشرط "إِنْ" مع شرطها، وتقدم عليهما الجواب، وعلّق الجزاء، وهو "إنّ في ذلِکَ لآيةً لَکُمْ"، بوجود الشرط وتحقق معناه، وهو إيمان المخاطبين؛ ويکون الشرط على سبيل التثبيت واطمئنان النفس؛ والرابط المفترض يکون الفاء، غير أنّه حذف مع جملة الجزاء لتقدمها، وتقدّم دليل الجزاء، وهو الجملة الاسمية "إنّ في ذلکَ لآيةً لکُمْ". والغرض من التعليق بالشرط، هو تهييج غيرة المخاطبين على الإيمان. ويزيد في تهييجهم تأخير جملة الشرط؛ ولا يخفى ما في تأخير جملة الشرط من قرع مستمرّ في الأسماع وجرسٍ ذي إيحاء قوي وفعّال، حيث هي تحريک للفکر وتنشيطه، إذ جاء فيها إخفاءان، وتردَّد النون أربع مرّات؛ وبعبارة أخرى، أن إعادة الترنمات الصوتية في جملة الشرط تفيد دلالة الثبوت والاستقامة في أمر الإيمان؛ ويکون الغرض البلاغي حثّ غليظ لبني إسرائيل على الإيمان لعيسى (7) بعد أن بيّن لهم المعجزات؛ لأنّ الأسلوب الشرطي غرضه الإغراء أو الوعد أو تعليم الناس أنّه يجب اتخاذُ الأسباب والتوسل للشيء. مهما يکن من شيء، فتحليل البنية الشرطية المطبق على هذه الآية، ينطبق على آيات أخر في هذه السورة، هي الآيات: 93، و118، و139، و164، و168، و175، و183. 3ـ3. تأکيد الخاتمة خواتم الآيات من المواطن التي يحسن فيها التأکيد وتشمل قدراً من مفاهيم الأوامر والنواهي شمولاً صريحاً أو إيحائياً. وتبدو فيها فضيلته، أي تشتمل الخواتم على طلب يحسن التأکيد. ومثل هذا النوع من التأکيد يؤدي إلى شدّ انتباه السامع وإيقاظه أو تقوية معنى الفکرة في ذهن السامع لعظم شأنها، کالآية التالية: «قَدْ کانَ لَکُمْ آيَةٌ في فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ في سَبيلِ اللّٰه وَأُخْرى کافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّٰه يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ في ذلِکَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصارِª (آل عمران 3: 13). إنّ اللّٰه تعالى أکّده بـ"إنّ" و"اللام" والتقديم وبناء العبارة على الحالة الاسمية؛ فأکّدها بأکثر تأکيد. إنّ نظرة سريعة لسياق الآية تکشف عن أنّ اللّٰه قد أکّد الخاتمة؛ لأنّها تقرّر حقيقة مهمّة؛ وما ذلک إلا أنّ الکافرين والمترددين يمکن أن ينکروا قوله تعالى: "يرونهم رأيَ العين"، وتظهرَ عليهم أمارات الإنکار في أنّ الکافرين يرون المسلمين مثليهم عدداً في معرکة البدر. فأکّد الخاتمة بأشدّ تأکيد تنبيهاً لهم وإيحاء بأنّ اللّٰه يمدّ فئة مؤمنة تقاتل في سبيله. وما ذلک التأکيد إلا لإنکار المتردّد أو المنکر، فيحسن معه أنْ يساق الکلام إليه بالتأکيد. ونرى أنّ الکلام يجري على مقتضى الآية الظاهر وعلى أمر واقع؛ وذلک موطن دقيق وموقع حسن في استخدام أسلوب التأکيد. ففي الخاتمة، تکثر رغبة المتلقي بسبب تقوية معنى الفکرة؛ إذ تکون دواعي التأکيد هي رغبة السامع في تقوية مضمون الکلام وتقريره في نفسه، وإن کان غير منکر له. وبالتقديم، وضعت الألفاظ في مکان معين من الخاتمة، بحيث لو تغيّر وضعها تقديماً أو تأخيراً أو حذفاً، لاختلّ ذاک الإيقاع والتناسق اللفظي وذاک الوزن الخاص؛ فربّما يکون الانسجام في النغم، وجرس القول وموسيقاه. انظر إلى هذا الاختلال بسبب التغيير الموضعي: "إِنَّ العِبْرةَ لِأُولِي الْأَبْصارِ في ذلِکَ". 3ـ4. إضافة الصفة إلى الموصوف هي إحدى وسائل فنية الخواتم المدعمة بالصوت، کما أن استعمال الجمل المتراصّة والمتوازية يوفّر قدراً کبيراً من التکثيف عن طريق هذه الجمل الموجزة المختصرة ذات الدور الدلالي الفعال. تکون الإضافة على قسمين: محضة، وغير محضة، وهي تسمّى لفظية؛ إذ أضيف الوصف إلى الاسم أو المصدر أو غيره، کقوله تعالى: «... وَاللّٰه شَديدُ الْعِقاب ª(آل عمران 3: 11)، و«وَمَنْ يَکْفُرْ بِآياتِ اللّٰه فَإِنَّ اللّٰه سَريعُ الْحِسابِª (آل عمران 3: 19)، و«... إِنَّکَ سَميعُ الدُّعاءِª (آل عمران 3: 38). في کلّ من الخواتم السابقة، أضيفت صفة "شديد"، و"سريع"، و"سميع" إلى "العقاب"، و"الحساب"، و"الدعاء"؛ وکلها اسم أو مصدر، فتقدّمت الصفة في کلٍّ منها على الموصوف وصارت مضافاً وصار الموصوف مضافاً إليه مجروراً؛ «وإذا کان المضاف وصفاً يشبه "يفعل"، أي الفعل المضارع، وهو کلّ اسم فاعل أو مفعول بمعنى الحال أو الاستقبال أو صفة مشبهة ولا تکون إلّا بمعنى الحال» (ابن عقيل، 1381ﻫ.ش، ج 2، ص 42)، للدلالة على معنى متّصل بالزمن الحاضر اتصال دوام وملازمة «وتفيد في أکثر حالاتها الدوام والاستمرار، وهذان يقتضيان أنْ تشتمل دلالتها على الأزمنة الثلاثة: الماضي، والحال، والمستقبل؛ إذ يتحقّق معنى الدوام والاستمرار بغير عناصره الأساسة الثلاثة، فلا يمکن أن تکون للماضي وحده، ولا للمستقبل وحده، وکذلک لا يمکن أن تخلو من الدلالة على زمن الحال» (حسن، د.ت، ج 3، ص 29). لا تفيد هذه الإضافة تخصيصاً أو تعريفاً، وإنما تفيد التخفيف، وتتسم بالإيجاز والاختصار مع الوفاء بالدلالة على المراد وترسيخه في ذهن المستمع. يساعد تردد هذه الصياغة في کثير من الخواتم على استمرارية النص ودوامه وتدفّقه، دون تحديد بزمن معين؛ لأنّ کلاً من "شديد"، و"سريع"، و"سميع"، و"حسن" صفة مشبهة «کانت في أصلها اسم فاعل يفيد الحدوث ثم أريد منه الثبوت والدوام ...، وإذا کانت الصفة المشبهة دالة على ثبوت معناها ودوامه، فإنّ زمنها بمقتضى هذه الدلالة لا بدّ أنْ يشمل الماضي والحال والمستقبل» (المصدر نفسه، ج 3، ص 37)، ويحتوي الاستمرار أو الدوام على الأزمنة الثلاثة دائماً، کما يحدث موسيقياً منتظماً في الخواتم، «لوقوع أثرها المباشر على الألفاظ» (المصدر نفسه، ج 3، ص 33)، حيث تتوازى خواتم الآيات في البناء النحوي أو الشکل الخارجي، وتتقارب من حيث دلالتها أو مضمونها الذي تشير إليها.
3ـ5. التعريف والتنکير يکون الأصل في الخواتم أن يأتي سياقها في أسلوب التعريف، ويؤتى المسند إليه فيها معرّفاً بسبب تقدّم ذکرِه إما صريحاً أو تلويحاً، وهو يأتي معرفاً؛ ليشير إلى مسمّاه الذي سبق وذکره، کقوله تعالى: «کَيْف يَهْدِي اللّٰه قَوْماً کَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ ... وَاللّٰه لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمينَª (آل عمران 3 :9)، و«فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللّٰه الْکَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ الظّالِمونَª (آل عمران 3: 94). جاءت اللفظتان المعرفتان "القوم الظالمين"، و"الظالمون" في الخاتمتين، لإفادة قصره على المسند إليه أو ادعاء المبالغة في کمال معنى الظلم في المسند إليه أو الدلالة على إمعانهم في الکفر. وهذه القضية ليست بشائعة، ويکون من العناصر المؤسسة للخواتم اعتمادها على تنکير المبتدأ، وقد يکون وراء ذلک سبب تعبيري، وربّما يکون تأکيداً أو تعظيماً أو إبرازاً لأهميّة ذلک الأمر. فسيطرة تنکير المبتدأ المؤخّر على خواتم بعض الآيات أمر واضح، کقوله تعالى: «... فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ ª(آل عمران 3: 188)، حيث جاء المبتدأ نکرة للإشارة إلى التنبيه على أنّ العذاب شديد وهائل. يؤدّي تکرار "العذاب" في خاتمة الآية 188 إلى تحقيق التماسک اللفظي النصي؛ وهذا الامتداد وصل في نهاية الآية إلى قمّتها بسبب تنکير لفظة "عذاب" فيها؛ إذ يدلّ التنکير على الشدّة والحِدّة، فجعل القرآن الکريم تنکيرها وسيلة للمبالغة في الوعيد والتهويل؛ کذلک يسهم تأخير هذا العنصر وتوصيفه في تحديد القضية فيها بالتأکيد على محتوى معين. ومما يثير انتباهنا وتأمّلنا أنّ لفظة "العذاب" الأولى جاءت معرفة، ولکنّ الثاني جاء دون علامة التعريف. فهذا التغيير في الأسلوب يوحي بدلالة هامشية من خلال تنکير اللفظة المترددة، فهي تؤدّي معنى العذاب الشديد بکمالها، لنجد تجربة العذاب التي يقاسي المجرمون، والتي تنذر بالوعيد والتهديد. وکذلک، يؤتى بالخواتم في سياق التنکير، حين يکون موضوعها تعذيب أهل النار ويدخل المبتدأ المؤخر نکرةً لغرض تعظيم العذاب وتهويل الکفار، کقوله تعالى: « وَلَهُمْ عَذابٌ عَظيمٌ ! ... وَلَهُمْ عَذابٌ أَليم ! ... ولَهُمْ عَذابٌ مُهينٌª (آل عمران 3: 176 ـ 178). يؤتى بالمسند إليه في الخواتم نکرة لأغراض کثيرة، منها التعظيم، بمعنى أنّه أعظم من أن يعيّن ويعرف، کقوله تعالى: «فَانْقَلَبوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّٰه وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللّٰه وَاللّٰه ذو فَضْلٍ عَظيمٍª (آل عمران 3: 179)، و«... وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَکُمْ أَجْرٌ عَظيمٌª (آل عمران 3: 13). جاء المبتدأ، أي "فضل"، و"أجر"، موصوفاً بصفة "عظيم"، لکن تنکير المبتدأ يزيد عظمة الفضل والأجر؛ وليس تنکير المسند إليه لعدم العلم من جهات التعريف حقيقة أو ادعاءً، بل يکون لأغراض بلاغية مختلفة. فجاءت کلمة "فضل عظيم"، و"أجر عظيم"، نکرة لتدلّ على أيّ فضل عظيم وأيّ أجر عظيم وللإشارة إلى أنّه صعب أو غير ممکن تعريفهما والإحاطة بهما،؛ وربّما يکون في تنکير خواتم الآيات السابقة، تنبيهٌ على کمال تلک الصفة في ذلک الموصوف؛ وهذا أمر کثر وشاع في الخواتم. ونجد أنّ في هذه الاعتبارات فوائد کثيرة ويکون فيها بلاغة کبيرة أيضاً.
4. الانزياح في الخواتم إذا کان النحو يحدِّد لنا الضوابط في صياغة الکلام، فإنّ التحليل الفني يحتم علينا التعامل مع الانزياح النحوي الذي استخدم في خواتم الآيات بکثرة وکثافة. والبحث عن أسبابه وأبعاده يوضح جماليتها أکثر فأکثر. ويمکن الإشارة هنا إلى موضوع الانحراف عن المعيار، أي الانزياح النحوي الذي يحمل لمحات فنية وأدبية تدلّ على جمالية النص القرآني. 4ـ1. اسمية جواب الشرط في الخاتمة يذکر هنا المستوى الانزياحي في الجملة الاسمية التي استخدمت جواباً وجزاء للشرط، أي الانزياح من الفعل إلى الجملة الاسمية؛ وهو أن يأتي جواب الشرط أو جزاؤه في الخاتمة بصورة الجملة الاسمية المصدرة بـ"إنّ". في هذه الحالة، يصلح الابتداء بجواب الشرط مستقلاً منقطعاً عنه. وهذا الجواب الظاهر ليس الجواب المنطقي المترتب على الشرط مباشرة، إنما هو مکنّ عنه وسادُّ مسدِّه، کما جاء في قوله تعالى: «لَنْ تَنالوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقوا مِمّا تُحِبّونَ وَما تُنْفِقوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللّٰه بِهِ عليمٌª (آل عمران 3: 92). ليس الجواب الظاهر جواباً منطقياً مترتّباً على الشرط مباشرة، ولکنه يشير إليه ويقتضيه، وإنّما هو مکنّ عنه وسادّ مسدّه. يکون الغرض البلاغي هو حثّ المؤمنين على الإنفاق: "فإنْ أنفقوا فاللّٰه عليمٌ بهم وسيجزيهم على ذلک جزاءاً خيراً". فعبّر عن الجزاء بالعلم الذي ينشأ عنه جزاؤهم. والخاتمة الاسمية تدلّ على استمرار مضمون خبرها في جميع زمن الماضي والحاضر والاستقبال. وقد جاءت "الفاء" لعدم صلاحية الجزاء، ليکون داخل الشرط، وقطعت قدرة أداة الشرط على التأثير زمنياً في الجزاء وحالت دون امتداد التأثير الزمني للأداة إلى زمن الجواب. وأصبح من الضروري استخلاص الزمن من خواصّ جملة الجزاء نفسها في الخاتمة. وجاء الجزاء اسمية، فأفادت ثبوت معنى المسند، أي العلم بالإنفاق إلى المسند إليه، أي اللّٰه، فختمت الآية ختاماً حسناً. أمّا في قوله تعالى: «قُلْ إِنْ تُخْفوا ما في صُدورِکُمْ أَوْ تُبْدوهُ يَعْلَمْهُ اللّٰه وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ... ª (آل عمران 3: 29)، فلم يقع في جواب الشرط انزياح نحوي، وجاءت جملة الجواب فعلية، وفقدت الميزات التي تملکها الجملة الاسمية. من ممکن أنّ السبب يکمن في عدم الحاجة إلى هذه الدلالة الهامشية، بما أنّه تعالى ستّار يعفو بالسرعة عن النوايا السلبية، وليس هناک ثبوت ودوام. ونظنّ أيضاً أنّ السبب يکمن في عدم وقوعه داخل الخاتمة وحدودها الصوتية، ونرى أنّ ما ورد في هذه الآية والآية 28 في سياق تحذير المؤمنين، ولذلک جاء بقوله: "يعلمه اللّٰه"، جملة فعلية فعلها مضارع، فهي «تدعو إلى التغير والتطور»(فاضلى، 1376ﻫ.ش، ص 71). نعتقد أنّ هذا الفعل أبلغ في الجواب من الجملة الاسمية؛ لأنّ الجملة الفعلية جاءت بالفعل الذي لا يقتضي المطلق والثبوت والدوام. وذلک الفعل کإنعام وإحسان منه سبحانه يستجرّ خوف المؤمنين، فناسبه التعقيب بِذکر "وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرضِ وَاللّٰه عَلى کُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ"، تخويفاً وتذکيراً لهم. وعلى غرار هذا، يصير تحليل الآيات التالية: «... وَمَنْ يَکْفُرْ بِآياتِ اللّٰه فَإِنَّ اللّٰه سَريعُ الْحِسابِª (آل عمران 3: 19)، و«... وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللّٰه غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمينª (آل عمران 3: 97). والجزاء في کلتا الخاتمتين هو الجملة الاسمية، وهي قائمة مقام الجواب وعلة له وليست الجواب المباشر للشرط ... «وإظهار لفظ الجلالة لزيادة المهابة وإدخال الروعة» (أبو السعود، 1994م، ج 2، ص 16). وتدخل النواسخ: "إنّ، وأنّ، ولکنّ، وليت، ولعلّ" على جملة المبتدأ والخبر وتزيدها تأکيداً.
4ـ2. الوصل والفصل إذا توالت الجملتان، عطفت الجملة الثانية في حالة تشريک الإعراب والحکم أو عند الإيهام. وهذا العطف يکون بسبب حرف "الواو"، ويسمّى في علم البلاغة "الوصل". وقال بعض البلغاء في تعريف البلاغة: «هي معرفة الفصل والوصل» (الهاشمي، 1378ﻫ.ش، ص 159). يجب في الوصل أن تتّحد الجملتان خبرية أو إنشائية، إلّا إذا حدث الإيهام وينبغي أن تتفقا اسمية أو فعلية. وأمّا في قوله تعالى: «... قُلْ لَوْ کُنْتُمْ في بُيوتِکُمْ لَبَرَزَ الذينَ کُتِبَ علىهِمُ الْقَتْلُ إلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّٰه ما في صُدورِکُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما في قُلُوبِکُمْ وَاللّٰه عليمٌ بِذاتِ الصُّدُورِª (آل عمران 3: 154). فتکون الخاتمة في هذه الآية اسمية، ولکنّ الجملة السابقة فعلية "ليَبتَلِيَ"، و"لِيُمَحِّصَ". فالاختلاف بينهما يکون من حيث نوع الجملة، ولکن عطفت الجملة الخاتمة على السابقة لغرضٍ، أي إفادة الدوام والاستمرار في الخاتمة. فقد لوحظ في الأولى تعاطي ابتلاء ما في الصدور وتمحيصه، وفي الخاتمة الاستمرار على علم المولى والثبات عليه؛ ولم يکن هناک سبب يقتضي الفصل بينهما، کما نجد هذه الدلالة في الآية التالية: «إِنْ يَمْسَسْکُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْکَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّٰه الّذينَ آمَنوا وَيَتَّخِذَ مِنْکُمْ شُهَداءَ وَاللّٰه لا يُحِبُّ الظّالِمينª (آل عمران 3: 140). فکأنّ الخاتمة موضع "وليَعلَمَ اللّٰه الظالمينَ المبغوضينَ عندَه"، ولکنّ الخاتمة عدلت عنها لإفادة التجدد والاستمرار. وفي قوله تعالى: «وَلْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ يَدْعونَ إِلى الخَيْرِ وَيَأْمُرونَ بِالْمَعْروفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحونَª (آل عمران 3: 104)، فجاءت الخاتمة اسمية معطوفة على الجملة السابقة فعلية لإفادة التجدد والاستمرار والثبات. فکأنّ الخاتمة تکون موضع "يفلحون"، فيدل وضع الاسمية موضع الفعلية في الخاتمة على إمعانهم في الفوز والفلاح واستمرارهم فيه. ربما تتناسب الجملتان في الدلالة تناسباً تاماً، کالبدل، أو يکون بينهما اختلاف في الصورة إنشائية وخبرية، أو يکون بينهما تباعد في المعنى. في هذه المواضع، يجب الفصل بين الجملتين، کقوله تعالى: «ها أَنْتُم أُولاءِ تُحِبّونَهُمْ وَلا يُحِبّونَکُمْ وَتُؤْمِنونَ بِالْکِتابِ کُلِّهِ وَإِذا لَقوکُمْ قالوا آمَنّا وَإِذا خَلَوْا عَضّوا علىکُم الأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ موتوا بِغَيْظِکُمْ إِنَّ اللّٰه علىمٌ بِذاتِ الصُّدورِª (آل عمران 3: 119). جاءت الخاتمة دون الوصل وبغير أداة الربط، کأنّها لا ترتبط بما قبله ارتباطاً وثيقاً، بل هو يناسب الشرطين في وسط الآية، وتکون الخاتمة جواباً غير مباشر للشرط الأول وتکون جواباً غير مباشر للشرط الثاني. فانظرها بهندسة ورسم آخر حتى تجد جمالية الفصل في خاتمة الآية وکمال اتصالها بالجوابين: ـ "وَإِذا لَقوکُمْ قالوا آمَنّا = فإِنَّ اللّٰه عليمٌ بِذاتِ الصُّدورِ"؛ ـ "وَإِذا خَلَوْا عَضّوا عليکُمُ الأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ موتوا بِغَيْظِکُمْ = فإِنَّ اللّٰه عليمٌ بِذاتِ الصُّدورِ". جاء في أسباب الفصل «أنْ تسبق جملة بجملتين يصحّ عطفها على الأولى لوجود المناسبة، ولکن عطفها على الثانية فساد في المعنى، فيترک العطف بالمرّة دفعاً لتوهم أنّها معطوفة على الثانية ويسمّى ذلک شبه کمال الانقطاع»(الديباجي، 1376ﻫ.ش، ص 118)؛ ولکنّا نظنّ أنّ للفصل في الخاتمة سبباً آخر، وهو أنّ الخاتمة ترجع مرةً إلى الجواب الأوّل، وترجع مرة إلى الجواب الثاني. فالخاتمة تغطّي الجوابين، وهي تکملة لهما؛ وهکذا تثرى الآية دلالة وديمومة. ولو قمنا بعطف الخاتمة بواسطة الواو أو غيرها على ما قبلها لاختلّ الانسجام المعنوي؛ لأنّه يرتبط بالشرط الأول أيضاً ولا يقتصر ربطها على الشرط الثاني وتکون الخاتمة جامعة الدلالة، تامّة الارتباط بأجزاءها وتلعب دور المفتاح في الوصول إلى المعنى المراد وليست مظهراً واحداً من مظاهر خطابية في المستوى الدلالي، بل هو مظهر خطابي متعدّد الجوانب والأبعاد، کما نرى أسلوب الفصل في الآية التالية: «... فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلَى اللّٰه إِنَّ اللّٰه يُحِبُّ الْمُتَوَکِّلينَ ª(آل عمران 3: 159). جاءت الخاتمة دون أداة الربط لکون الرابطة قوية بينها وبين جواب الشرط، کأنّها تکون جواباً لسؤال وتکون بين الجملتين رابطة معنوية قوية، کما يأتي الجواب بعد السؤال لأجل الارتباط المعنوي بينهما دون الوصل. فهذه الرابطة القوية بين الجملتين مانعة من العطف، فتأتي الخاتمة شديدة الارتباط بالجملة التي قبلها، متضمنةً للمعاني المتناسِبة التي جاءت في السياق أو متضمنة لبعضها مع کونها مستقلاً بنفسه لو انقطعت من الآية. وعلى غرار هذا، يکون تحليل قوله تعالى: «رَبَّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهّابُª (آل عمران 3: 8). فالخاتمة شديدة الارتباط بالجملة السابقة؛ لأنّها کالجواب عن سؤال حدث من الأولى. فهذه الرابطة القوية بين الجملتين مانعة من العطف، ولهذا وجب الفصل، ويسمى ذلک "شبه کمال الاتصال". وأمّا في قوله تعالى: «أَوَلَمّا أَصابَتْکُمْ مُصيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِکُمْ إِنَّ اللّٰه عَلى کُلِّ شَيْءٍ قَديرٌª (آل عمران 3: 165). فکأنّ الخاتمة تکون بياناً وإيضاحاً لعبارة "قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها" في وسط الآية، أي إنّ هذه الإصابة للعدوّ وهزيمته تکون بإذن اللّٰه تعالى وقدرته وأسبابه، وتکون بين الجملتين رابطة قوية وتناسب شديد؛ ولکنّنا لو قمنا بعطف الخاتمة على ما قبله مباشرة لالتبست علينا الدلالة لأجل وقوع في مقول القول لئلّا يتوهم التناقض، أي "مِن عِندِ أنفسِکم ومن عند اللّٰه القدير"، أي هزيمتکم تکون من جانب أنفسکم لا من عند اللّٰه تعالى، کما يقول سبحانه تعالى: «مَا أصابَکَ مِنْ حَسَنةٍ فَمِنَ اللّٰه وَما أصابَکَ مِنْ سَيِّئةٍ فمِنْ نَفسِکَ ... ª(النساء 4: 79). وهو يسمى "التوسط بين الکمالين"، فتبرز أهمية الخاتمة بسبب الفصل في دور تحسين الکلام وإيصال الخطاب حتى لا يبقى في النفس تطلع إلى ما يذکر بعده. وفي قوله تعالى: «قَدْ کانَ لَکُمْ آيَةٌ في فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ في سَبيلِ اللّٰه وَأُخْرى کافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّٰه يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ في ذلِکَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبصارِª (آل عمران 3: 13)، وجب الفصل بين البداية والخاتمة وترک العطف، حيث «يکون بين الجملتين اتحاد تام وامتزاج معنوي حتّى کأنّهما أُفرِغتا في قالب واحد بحيث تنزل الثانية من الأولى منزلة نفسها» (الديباجي، 1376ﻫ.ش، ص 116)، ويسمّى ذلک "کمال الاتصال". وتقاربت البداية والخاتمة في معناهما تقارباً تاماً حتى تکون الخاتمة بمنزلة البدل من بداية الآية، ويکون نوع هذا البدل من نوع بدل البعض، وتکون بين الجملتين مناسبة شديدة في المعنى، بحيث يجب الفصل بينهما في هذا الموضع، کما نجد کمال الاتصال، في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذوا بِطانَةً مِنْ دونِکُمْ لا يَأْلونَکُمْ خَبالاً وَدّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفي صُدورُهُمْ أَکْبَرُ قَدْ بَيَّنّا لَکُمُ الْآياتِ إِنْ کُنْتُمْ تَعْقِلُونَª (آل عمران 3: 118). تکون بين الخاتمة والجملات السابقة مناسبة کاملة في المعنى، وکما نجد الفصل بسبب کمال الاتصال في داخل الخواتم، وهو کثير في القرآن الکريم، کقوله تعالى: «إِنَّ الَّذينَ کَفَروا لَنْ تُغْنيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللّٰه شَيْئاً وَأُولئِکَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فيها خالِدونَª (آل عمران 3: 116). فجملة "هم فيها خالدون" کالبدل المطابق لـ"أولئک أصحاب النار" حتى کأنّهما أفرغتا في قالب واحد؛ ومنه قوله تعالى: «يا أَهْلَ الکِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ في إِبْراهيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوراةُ وَالإِنْجيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلونَª (آل عمران 3: 65). فجملة "أفلا تعقلون" بمنزلة البدل من جملة "فلِمَ تُحاجُّون ..." بدل الاشتمال؛ لأنّ بينهما مناسبة بغير الکلية والجزئية. فلبلاغة القرآن درجات، وللإعجاز فيها وجوه کثيرة. واهتمام بعض الدراسات بالمعاني الترکيبية والمباني يبيّن «أنّ القرآن قد أضاف إمکانات کبيرة للنحو بالمفهوم الجمالى الترکيبي واستحدث طرقاً فنية للربط بين المفردات وبين الجمل والعبارات» (عبد المطلب، 1994م، ص 48). 4ـ3. الالتفات يطرح هذا الأسلوب في البحث عن بعض الانزياحات الأسلوبية؛ ولهذا الأسلوب أهمية في المجال الإبداعي والجمالي للخواتم، حيث يحرض الذهن بانتقاله من معنى إلى معنى آخر في سياق من أسلوب جميل إلى أسلوب جميل آخر. و«الکلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب، کان ذلک أحسن تطرية لنشاط السامع، وإيقاظاً للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد، وقد تختص مواقعه بفوائد»(الزمخشري، 1407ﻫ، ج 1، ص 8). تکون صور الالتفات کثيرة ومتنوعة في الخواتم، فهي قد تکون انتقال من اسم الغيبة إلى المخاطب؛ ومن أمثلته قوله تعالى: «وَلا يَحْسَبَنَّ الذينَ يَبْخَلونَ بِما آتاهُمُ اللّٰه مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقونَ ما بَخِلوا بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ وَلِلَّهِ ميراثُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَاللّٰه بِما تَعْمَلونَ خَبيرٌª (آل عمران 3: 180). وهنا الالتفات إليهم بالخطاب دلالة على شنيع فعلهم وأنّهم يستحقّون العذاب بسبب بخلهم؛ يقول الزمخشري: «قرئ بالتاء والياء، فالتاء على طريقة الالتفات، وهي أبلغ في الوعيد»(1407ﻫ، ج 1، ص 223). إنّ بناء الفعل "تعملون" على الخطاب جاء على أقصى درجات البلاغة ويکشف عن جمالية الالتفات في النص القرآني؛ لأنّ قضية الإنفاق من الأمور التي استوجبت الالتفات إلى المخاطب حثّاً للمؤمنين ووعيداً للبخلاء. إنّ الالتفات في الآية السابقة أعطى ثراءً للمعنى. فالخاتمة بدونه توقف المعنى على معنى الوعيد. وفي الالتفات ثراء، حيث يحمل معنى الحثّ والوعيد، حثّ السامعين والمؤمنين على الإنفاق ووعيد البخلاء الذين يستنکفون عن الإنفاق. تبدو الفائدة أکثر وضوحاً في هذا النوع من الالتفات؛ ذلک بأنّه يشتمل على إقبال المخاطبين، «ففي مقام الذم والوعيد ينطوي الالتفات من الغيبة إلى الخطاب على مواجهة المتلقين بالتوبيخ والتقريع والإنکار والدلالة على شدة الغضب»(محمد، 2000م، ص 342). وفي قوله تعالى: «کُلُّ الطَّعامِ کانَ حِلاًّ لِبَني إِسْرائيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ کُنْتُمْ صادِقينَª (آل عمران 3: 93)، بنيت الخاتمة على أساس الالتفات من الإظهار إلى المخاطب على مواجهة بني إسرائيل بالتوبيخ والتقريع؛ لأنّهم لم يکونوا صادقين في کلامهم، وهناک بعد نفسي لجمالية هذا التغيير اللفظي، وهو أنّ القارئ يقرأ الخاتمة ويجدها في تغيّر واضح، وهو يتوقّع توقعاً مذکوراً قبله، کما مرّ به تماماً؛ ولذا يحسّ بلحظة سرور، حين يلحظ فجأة أنّ أسلوب الخاتمة قد تغير مع ثبات القضية، وکذلک تثبت الخاتمة في ذهنية القارئ. وفي قوله تعالى: «إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَکَ ما في بَطْني مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّکَ أَنْتَ السَّميعُ الْعليمُª (آل عمران 3: 35)، لقد استعمل الأسلوب القرآني خلال مقامه في هذه الآية ضمائر، وهي ضمير المتکلم المفرد "تُ"، و"ي" في سياق الآية، ثمّ ضمير المخاطب المفرد "ک"، و"أنت" في الخاتمة. إذن، فوجئ المتلقي بتغيير الضمير من المتکلم إلى المخاطب. ويبرز هذا الانتقال الفجائي والسريع في الضمائر التموجات في الخاتمة، فيلحظ المتلقي دوراناً وانتقالاً بين الشخوص والضمائر ويصل من هذه المفاجأة والتذبذبات إلى ما حدث لامرأة عمران أمّ مريم (J) من حالة نفسية وشعورية دعائية ممزوجة بالخوف والرجاء؛ کأنّها تقرع باب رحمة المولى سبحانه وتعالى بسبب شدة طلبها؛ «ووجهه ـ الرجوع من التکلم إلى الخطاب ـ حثّ السامع وبعثه على الاستماع، حيث أقبل المتکلم عليه وأنّه أعطاه فضل عناية وتخصيص بالمواجهة»(الزرکشي، د.ت، ج 3، ص 315). فهذا معنى تشير إليه الدلالات السياقية في هذه الآية والآية 36. هذا کلّه يشير إلى جمالية الانسجام وفنيته، حتى يجسد المتلقي بهذه التقنية التذبذبات النفسية والتموّجات الشعورية لدى أمّ مريم (J). إنّ صورة الانتقال من الغيبة إلى التکلم تشير إلى معنى التعظيم؛ لأنّ الحديث حينئذ يکون بـ"نون" المتکلم، کقوله تعالى: «لَقَدْ سَمِعَ اللّٰه قَوْلَ الَّذينَ قالوا إِنَّ اللّٰه فَقيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَکْتُبُ ما قالوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَريقِª (آل عمران 3: 181). إنّ تعظيم الفاعل حين إسناد الفعل إليه، يشير إلى عظمة الفعل وخطره وأهميته. تلک الأهمية التي يراد تثبيتها في أذهان المتلقين، وقد يکون من علائم العظمة اختصاص الفاعل بالفعل، على نحو لا يستطيعه غيره؛ ومن ثَمّ دعوة إلى إعمال الذهن في ذلک الفعل نفسه، والتوقف عنده طويلاً لمعرفة عمق المعنى. هذا النوع من الالتفات اختصّ بأفعال لها أهميتها والتأمّل فيها يوجب تقرير المعنى المراد. إنّ بناء الفعل "سنکتب" و"نقول ذوقوا عذاب الحريق" على التکلم يکشف عن جمالية الالتفات في الخاتمة؛ لأنّ هذا الفعل يدلّ على أنّ کتابة الأعمال والأقوال، وتعذيب المجرمين من اختصاص المولى فقط؛ ولخطورته وحساسيته، ينسب إليه مباشرة على الحقيقة، فليس الملائکة هم الذين يکتبون ويعذّبون؛ وفي الواقع أن اللّٰه تعالى يسجّل ويعذّب ولا يخفى عليه شيء من الأقوال والأعمال؛ وفيها وعيد؛ وربما يتمحور موضوع الالتفات في الترابط بين الخواتم وآياتها حول انتماء الأمور إلى اللّٰه ومشيئته؛ لتستقرّ دلالة التوحيد في القلوب استقراراً دائماً. 4ـ4. الإظهار في الخاتمة يوضح النحاة في البحث عن المضمر والمظهر أنْ يأتي الضمير في حالة تردّد الاسم، ولا يجوز الإتيان باسم الظاهر؛ ولکن نرى في کثير من الخواتم العدول من المضمر إلى الاسم الظاهر. وحقيقة الأمر أنّ الاسم الظاهر يأتي موضع الضمير لفائدة بلاغية. ويکون الإظهار موقع الإضمار أشدّ توکيداً وتثبيتاً کالآية التالية: «وَأَمّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجورَهُمْ وَاللّٰه لا يُحِبُّ الظّالِمينَª (آل عمران 3: 57). إنّ الأثر الذي يترک الاسم الظاهر "اللّٰه" أقوى وأکثر تأثيراً من الضمير؛ لأنّ تصوّر الذهن عن الضمير والاسم الظاهر مختلف من حيث إيقاع ظلاله على النفس؛ ثم إنّ الخاتمة تبنى بصورة جملة مستقلة ذات إيحاء قوي وفعال يصحّ أنْ تقوم مقام المثل أو الحکمة أو أن تکون تذييلاً مناسباً لمعنى السياق؛ في حين أنّ الضمير لا يستطيع أنْ يفعل ذلک. هذا الخروج إنّما يکون لفائدة بلاغية غير فوائد إتمام المعنى وإيجاز الکلام؛ «والعرب إذا فخمت شيئاً، کرّرته بالاسم الذي تقدّم له» (الآلوسي، د.ت، ج 1، ص 334). ومن فوائد الخروج عن الأصل هو التعظيم، والتنبيه، والاستلذاذ، وغير ذلک. وقد يذکر الاسم الجليل في موضع يصح أن يضمر فيه، ويکون ذلک لما له من هيبة وخشية ولما يلقي من خوف في قلوب السامعين، کقوله تعالى: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّٰه الْإِسْلامُ ... وَمَنْ يَکْفُرْ بِآياتِ اللّٰه فَإِنَّ اللّٰه سَريعُ الْحِسابِª (آل عمران 3: 19). جاء الاسم الظاهر للدلالة على تلقيات خاصة عند متلقي النص، کما أشار بعض المفسرين إلى معانيه الهامشية: «وإظهار الاسم الجليل في مقام الإضمار لتربية المهابة وتفخيم المضاف وبيان کمال قبح ما ارتکبوه» (أبو السعود، 1994م، ج 1، ص 207). يکون وقوع الهيبة والخوف في نفس المخاطب بسبب وقوع اللفظ في سياق يقتضي ذلک المعنى. نعتقد أنّ الإظهار موقع الإضمار يکون أشدّ توکيداً في منع أهل الکتاب عن الکفر بالإسلام، ولکن في قوله تعالى: «... وَيُحَذِّرُکُمُ اللّٰه نَفْسَهُ وَاللّٰه رَؤُوفٌ بِالْعِبادِª (آل عمران 3: 30)، إظهار لفظ الجلالة باعث للارتياح والاطمئنان، وذکره من دواعي الأمن والسعادة، وبذکره ترتاح النفوس وتهدأ. فيکون وقوع الاطمئنان في نفوس العباد مبعثه وقوع اللفظ في سياق الخاتمة. ويمکن أنْ يکون هذا النوع من الإظهار بضبط سلوک العباد ووقوع الخشوع والمراقبة في نفوسهم. مضافا إلى ذلک، استقلّت الجملة الخاتمة، فهي تکون کاملة، بحيث لو استخدمت مقطوعة عن السياق الذي هي فيه، يبقى المعنى فيها على تمامه وکماله ويحسن استخدامها في مواطن خارج السياق. فالخاتمة "واللّٰه رؤوفٌ بِالعباد" بسبب إظهار لفظ الجلالة، مقطع مستقلّ المعنى ذو رموز ذهنية مرتبطة بألفاظه؛ ولو أنّنا أضمرنا وقلنا: "وهو رؤوف بالعباد" فهي جملة ليست مستقلة، حيث لا يحسن قطعها من السياق. أمّا في الآية التالية: «شَهِدَ اللّٰه أَنَّهُ لا إِلهَ إِلا هُو والْمَلائِکَةُ وأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُو الْعَزيزُ الْحَکيمُª (آل عمران 3: 18). فما يلفت انتباهنا، إعادة الضمير بعد "إلّا" بدل لفظ الجلالة، وهو ينبع من قضية التقابل الدلالي، أي تقابل الشهادة والغيب بواسطة ورود لفظة "شَهِدَ" وإعادة الضمير الغائب "هو"؛ والقصد منه دلالة الضمير الغائب على معنى محوري ينطوي، وهو قضية الغيب؛ وتبعاً لذلک يحصل انسجام جمالي من وقفة تأملية بين إعادة الضمير الغائب وما يقابلها في بداية الآية. وفي خواتم قوله تعالى: «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْکُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللّٰه وَلِيُّهُما وَعَلَى اللّٰه فَلْيَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنونَª (آل عمران 3: 122)، و«إِنْ يَنْصُرْکُمُ اللّٰه فَلا غالِبَ لَکُمْ وَإِنْ يَخْذُلْکُمْ فَمَنْ ذَا الَّذي يَنْصُرُکُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللّٰه فَلْيَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنونَª (آل عمران 3: 160)، و«يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّٰه وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّٰه لا يُضيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنينَª (آل عمران 3: 171)، قد ظهر لفظ "المؤمنين" موقع إضمار الخطاب والغيب، حيث يصح الإضمار. يکفيک أن تنظر إلى وقع لفظ "المؤمنين" وما يستدعيه من تفخيم وتعظيم؛ وکأنّه من دواعي الاستقامة والمصابرة في معرکة القتال؛ فألحّت الخواتم على لفظ "المؤمنين" إلحاحاً وکررته مظهراً في موضع إضماره؛ وصارت مصادر تزايد الإحساس بمشاعر مختلفة من تفخيم الإيمان وتعظيمه بما أنّ لاسم "المؤمنين" بمدلوله وقعاً عظيماً في القلوب؛ والمراد تمکين الإيمان وإشاعة قوته في الضمائر؛ «فقد استعمله، أي الإيمان، بالصيغة الاسمية کثيراً؛ وذلک لأنّ الإيمان له حقيقة ثابتة تقوم بالقلب» (السامرائي، 2006م، ص30). وبذلک تتربّى قدرة الإيمان باللّٰه ورسوله في قلوب الأمة المقاتلين. هذا هو الذي يجري عليه القرآن الکريم خاصّة في الخواتم؛ وهذا الخروج إنّما يحمل فائدة بلاغية. ويظلّ الاسم الظاهر ينفرد بجملة من المزايا عن الضمير ويلقي بظلاله على النفس أقوى وأکثر تأثيرا من الضمير، وله أثرٌ کبير في بناء الخاتمة بصورة جملة مستقلّة ذات إيحاء قوي وفعّال يصحّ أنْ تستخدم مثلاً أو حکمة أو أن تکون تذييلاً مناسباً للسياق؛ في حين أنّ الضمير عاجز عن ذلک، وقد قلّ أن يعطف بالضمير على الظاهر إلّا ما کان لسبب کأن لا يصح البناء إلّا به. وأخيراً، لبناء الخاتمة نظامٌ خاصّ يعطيها جمالاً، وفيها يُبحَث عن المعنى البؤري ليتسنّى للمتلقي فهم جماليات الترکيب، وهي ظاهرة بلاغية تستدعي بحثها في محلّها.
الخاتمة إنّ دراسة سورة آل عمران دلّتنا على وجود تنوع فني مقصود في خواتم الآيات وأوصلتنا إلى النتائج التالية: ـ إنّ الخواتم تکون مظهراً متعدّد الجوانب والأبعاد، من مظاهر خطابية في المستوى الدلالي. فربّما تأتي الخاتمة مشتملة على الانزياح الأسلوبي، کـ"التنکير موضع التعريف"، للمبالغة في الوعيد والتهويل، کذلک يسهم تأخير هذا العنصر وتوصيفه في تحديد القضية فيها بالتأکيد على محتوى معين أو تنبيهاً على کمال تلک الصفة في ذلک الموصوف. ـ جاءت خواتم الآيات في أغلبها جملة اسمية ـ عددها 142 ـ على وجه الثبوت والدوام؛ لأنّ الجملة الاسمية تدلّ على ثبوت المعنى. ـ تميّزت الخواتم بإضافة الصفة إلى الموصوف؛ وساعدت هذه الصياغة على استمرارية النصّ ودوامه وتدفقه دون تحديد بزمنٍ معين؛ وهذه الإضافة تفيد التخفيف وتتسم بالإيجاز والاختصار مع الوفاء بالدلالة على المراد وترسيخه في ذهن المستمع. في الخواتم، تکثر رغبة المتلقي بسبب تقوية معنى الفکرة؛ إذ تکون دواعي التأکيد هي رغبة السامع في تقوية مضمون الکلام وتقريره في نفسه بـ"إنّ" و"اللام" والتقديم وبناء العبارة على الحالة الاسمية أو ... . ـ جاءت بعض الخواتم بانزياحاتٍ، کاسمية جواب الشرط المصدرة بـ"إنّ"؛ لتحريک الفکر وتنشيطه بسبب سحر بلاغي على أساس الإيجاز، کما نجد استخلاص الزمن من خواصّ جملة الجزاء نفسها في الخواتم لإفادة ثبوت المعنى؛ وفي هذه الحالة يصلح الابتداء بجواب الشرط مستقلّاً منقطعاً عنه. ـ امتلأت الخواتم بانزياحات، کأسلوب الوصل والفصل بسبب التناسب التامّ، کالبدل أو الاجتناب عن الإيهام وتوهّم التناقض أو التغطية لما قبل الخواتم وهي تکملة؛ وهکذا تثرى الآيات دلالة وديمومة فاستوفت صورها. ـ کثرت صور الالتفات متنوّعة في الخواتم، کانتقال من اسم الغيبة إلى المخاطب. وتبدو الفائدة أکثر وضوحاً في هذا النوع من الالتفات؛ ذلک لأنه يشتمل على إقبال المخاطبين حثّاً ووعيداً وتوبيخاً و... . ـ نرى في کثير من الخواتم، العدول من المضمر إلى الاسم الظاهر؛ وتأتي هذه الخواتم بصورة جملات مستقلة يصحّ أنْ تقوم مقام المثل أو الحکمة أو أن تکون تذييلاً. وحقيقة الأمر أنّ الإظهار موقع الإضمار أشدّ توکيداً وتثبيتاً. ـ تأتي کثير من الخواتم بتقديم أجزاء منها على جزء منها، ليزيد معناها رسوخاً وثباتاً في النفس ويزيل الوهم ويثبت الاختصاص. | ||
مراجع | ||
* القرآن الکريم. الآلوسي، محمود أبو الفضل. (د.ت). روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني. بيروت: دار إحياء التراث. ابن عقيل، بهاء الدين عبد اللّٰه. (1381ﻫ.ش). شرح ابن عقيل على ألفية. تحقيق علي الحسيني. قم: واريان. ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس. (2008م). معجم مقاييس اللغة. تحقيق محمد عوض مرعب وفاطمة محمد أصلان. بيروت: دار الإحياء التراث العربي. ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد. (1968م). لسان العرب. بيروت: دار صادر. أبو السعود، محمد بن محمد. (1994م). إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الکريم. ط 4. بيروت: دار إحياء التراث العربي. أبو موسى، محمد. (1980م). خصائص التراکيب: دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني. ط 2. القاهرة: دار التضامن. باستان، خلیل؛ وحسن ساقى؛ ومحسن زارعزاده. (1396ﻫ.ش).«جمالية الانسجام الصوتي في خواتم سورة آل عمران». مجلة الجمعیة الإیرانیة للغة العربیة وآدابها. ع 3. ص 23 ـ 40. بنوناس، مفیدة. (2005م). نظام الارتباط في سورة آل عمران. رسالة الماجستیر. جامعة محمد خضر. کلیة الآداب والعلوم الإنسانیة والاجتماعیة. الجرجاني، عبد القاهر. (1404ﻫ). دلائل الإعجاز في علم المعاني. تحقيق محمود محمد شاکر. القاهرة: مکتبة الخانجي. حسن، عباس. (د.ت). النحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة والحياة المتجددة. ط 3. القاهرة: دار المعارف. الخطيب القزويني، جلال الدين محمد بن عبد الرحمن. (2003م). الإيضاح في علوم البلاغة: المعاني والبيان والبديع. تحقيق إبراهيم شمس الدين. بيروت: دار الکتب العلمية. الديباجي، إبراهيم. (1376ﻫ.ش). بداية البلاغة. تهران: سمت. الزرکشي، بدر الدين محمد بن عبد اللّٰه. (د.ت). البرهان في علوم القرآن. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. ط 3. القاهرة: مکتبة دار التراث. الزمخشري، جار اللّٰه محمد بن عمر. (1407ﻫ). الکشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل. بيروت: دار الکتاب العربي. السامرائي، فاضل صالح. (2006م). التعبير القرآني. ط 4. عمان: دار عمار. سعداني، أخضر. (2006م). نظام الجملة الشرطية في سورة آل عمران. رسالة الماجستیر. جامعة قاصدی مرباح. کلیة الآداب والعلوم الإنسانیة. سمحان، نور هاني محمد. (2009م). جملة الخاتمة في الآيات الکونية والإنسانية: دراسة أسلوبية. رسالة الماجستیر. جامعة النجاح الوطنیة في نابلس. کلیة الدراسات العلیاء. سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان. (1991م). الکتاب. تحقيق عبد السلام هارون. بيروت: دار الجيل. السيد، محمد يوسف هاشم. (2009م). المناسبة بين الفاصلة القرآنية وآياتها في سورتي الأحزاب وسبأ. رسالة الماجستیر. الجامعة الإسلامیة فلسطین. کلیة أصول الدین. عباس، تحسین فاضل. (2012م). الانسجام الصوتي في النص القرآني. بیروت: دار الرضوان للنشر والتوزیع. عبد المطلب، محمد. (1994م). البلاغة والأسلوبية. بيروت: مکتبة لبنان عتيق، عمر عبد الهادي. (2009م). «الأسلوبية الصوتية في الفواصل القرآنية». المنارة.ج 16. ع 3. فاضلى، محمد. (1376ﻫ.ش). دراسة ونقد في مسائل بلاغية هامة. مشهد: دانشگاه فردوسی. محمد، أحمد سعد. (2000م). التوجيه البلاغي للقراءات القرآنية. ط 2. القاهرة: مکتبة الآداب. الهاشمي، السيد أحمد. (1378ﻫ.ش). جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع. قم: مکتبة سلمان فارسينور. هنداوي، عبد الحميد. (2004م). الإعجاز الصوتي في القرآن الکريم. بيروت: الدار الثقافية للنشر والتوزيع. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,865 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 369 |