
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,706 |
تعداد مقالات | 13,972 |
تعداد مشاهده مقاله | 33,552,316 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,307,770 |
دورة حياة القصيدة في الشعر الوسائطي قراءة سيميوثقافية فـي قصيدة قالت لي القصيدة ... ضوءها العمودي | ||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | ||||||||||||||||||
مقاله 10، دوره 13، شماره 24، تیر 2021، صفحه 155-168 اصل مقاله (1.03 M) | ||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2021.122938.1286 | ||||||||||||||||||
نویسنده | ||||||||||||||||||
وصفي ياسين عباس* | ||||||||||||||||||
أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملک خالد، محايل عسير، السعودية | ||||||||||||||||||
چکیده | ||||||||||||||||||
الأدب الوسائطي أو الأدب الرقمي التفاعلي أدب يدل على أدب الشاشة وصفة التشعّب عبر العُقد والروابط مع تحقق أي درجة من درجات التفاعل. وينسحب هذا المصطلح بالضرورة على أنواع الأدب الرقمي التفاعلي شعرا وسردا؛ لذلک نطلق على الشعر الوسائطي أو الشعريات التي استعانت بالوسائط المعلوماتية، مصطلح الشعر الرقمي التفاعلي أو مصطلح الشعر الوسائطي؛ فالمصطلحان مترادفان، ولا بأس في استخدامهما معا أو استخدام واحد منهما للدلالة على الآخر. يهدف البحث إلى مقاربة قصيدة قالت لي القصيدة ... ضوءها العمودي، الرقمية التفاعلية في إطار منهج السيميوثقافة الرقمية، محاولا الکشف عن دورة الحياة في هذه القصيدة، وکيفية کتابتها عبر الکلمة واللوحة التشکيلية والأنيميشنز. وتتمثّل أهميته في رصد الصعوبات والآلام التي تصاحب عملية ولادة القصيدة عبر وسيطها الرقمي. وينتهي البحث إلى أن القصيدة تحمل تناقضا واضحا بين العنوان وطبيعة النص الداخلي؛ فالعنوان يشير إلى عمودية القصيدة قالت لي القصيدة ... في ضوءها العمودي، بينما يحتفي النص الداخلي بقصيدة النثر في ثوبها الرقمي، کما أن القصيدة أخذت مسارا دائريا في الإبحار؛ تعبيرا عن دوران الولادات الإبداعية واستمرارها دون انقطاع، أضف لذلک أنّ الشاعر أحجم عن تجنيس نصه. | ||||||||||||||||||
کلیدواژهها | ||||||||||||||||||
دورة الحياة؛ السيميوثقافة الرقمية؛ الشعر الوسائطي؛ اللوحة التشکيلية؛ منعم الأزرق | ||||||||||||||||||
اصل مقاله | ||||||||||||||||||
1. المقدمة إن عناصر الإبداع ـ المبدع والنص والمتلقّي ـ التي صمدت قرونا طويلة، تغيّرت ترکيبتها نسبيا بعد تزاوج الأدب بالتکنولوجيا، وتهجين البنية اللسانية بالبنية المعلوماتية، فصارت اليوم أربعة، وفق الخطاطة الجديدة: المبدع، والنص، والوسيط الرقمي، والمتلقي. أدى ظهور الوسيط الرقمي إلى ظهور ما يسمى بالأدب الوسائطي أو الأدب الرقمي التفاعلي، وهو الأدب المنقول إلينا عبر شبکة الألياف الضوئية وناقلات الاتصال والمعلومات فائقة السرعة. والوسائط هي مجموعة متنوعة تندمج عبر نص تشعبي مترابط، تضمّ بجوار الحرف، کلا من الصورة والصوت وباقي مستجدات التقنية. في ضوء ذلک، فإن الأدب الوسائطي يدل على أدب الشاشة وصفة التشعب عبر العُقد والروابط مع تحقّق أي درجة من درجات التفاعل. وينسحب هذا المصطلح بالضرورة على أنواع الأدب الرقمي التفاعلي شعرا وسردا؛ لذلک نطلق على الشعر الوسائطي أو الشعريات التي استعانت بالوسائط المعلوماتية، مصطلح الشعر الرقمي التفاعلي أو مصطلح الشعر الوسائطي، فالمصطلحان مترادفان، ولا بأس في استخدامهما معا أو استخدام واحد منهما للدلالة على الآخر. لقد احتفى الشعر العربي خاصة المعاصر بتدوين لحظة ميلاد القصيدة التي تشبه لحظة الميلاد في مخاضها العسير، مرورا بمراحل تجليها، حتى تصبح أبجديةً على صفحات الورق. والشاعر منعم الأزرق في قصيدته الرقمية التفاعلية قالت لي القصيدة ... ضوءها العمودي، يتناول الصعوبات والآلام المصاحبة لعمليات فرز المشاعر واختمار الأفکار وترويض الکلمات أثناء عملية البوح الشعري حتى صارت أبجدية على الشاشات. ومنعم الأزرق شاعر مغربي من مواليد الحسمة 1968م، يعمل أستاذا للغة والعربية وآدابها منذ عام 1994م، يعدّ أحد روّاد الشعر الوسائطي، شرع في نشر إبداعاته الشعرية بمنتديات ميدوزا. تتوفر أعماله حاليا على الموقع: http://imzran.org/digital/rawabit.htm، ومنها: أفق في ليل الأعمى، والخروج من رقيم البدن، وشجر البوغاز، والکامن بزائل الأوراق، ومنابع الکتاب، ونبيذ الليل الأبيض، وبنعل من ضوء، وسيدة الماء، والدنو من الحجر الدائري، ومآثر غيمة لا تشبع منها العينان، وقصيدتان لبيت الوحيد، ولعبة المرآة. 1ـ1. إشکالية البحث تتمثل إشکالية هذا البحث في اجتراح منهج نقدي لمقاربة الشعر الوسائطي، يستجيب لما فرضته الحرکة التاريخية للتطور الحضاري بعد بروز الحاجة إلى منهج نقدي يتناسب وطبيعة الظاهرة الرقمية في الأدب العربي دون القطيعة مع النقد الکلاسيکي؛ لتقريب هذه الظاهرة من المتلقي؛ وفي الوقت نفسه، مساعدتها على الاستقرار الاصطلاحي. 1ـ2. هدف البحث يهدف البحث إلى مقاربة قصيدة قالت لي القصيدة ... ضوءها العمودي، الرقمية التفاعلية في إطار منهج السيميوثقافة الرقمية الذي يجمع بين ثلاث آليات نقدية: البنية الرقمية للنص، وسيميائية النص، ونسقية النص، محاولًا الکشف عن دورة الحياة في هذه القصيدة، وکيفية کتابتها عبر الکلمة واللوحة التشکيلية والأنيميشنز. 1ـ3. أهمية البحث تتمثل أهمية البحث في رصد الصعوبات والآلام التي تصاحب عملية ولادة القصيدة عبر وسيطها الرقمي، ومعرفة حقيقة تشکلاتها الثلاثية، ودورة الحياة الرقمية داخل شاشاتها، ونسق الدوران الکامن في مساراتها المتشابکة.
1ـ4. أسئلة البحث يحاول البحث الإجابة عن التساؤلات المرتبطة بالنظام الغالب على قصيدة قالت لي القصيدة ... ضوءها العمودي، في طريقة بنائها، وکيف أصبحت الشرائط الإخبارية علامة مکتنزة بالدلالة؟ وإلى أي مدى عبرت الشاشات الخمس عن مراحل ولادة القصيدة في ظل الحاضن الجديد؟ وما طبيعة المسارات التي اتخذتها القصيدة في مستوياتها المختلفة؟ 1ـ5. فرضية البحث تقوم فرضية البحث على أن الشعر الوسائطي بإمکاناته الجديدة قادر على إثراء عملية البوح الشعري. 1ـ6. منهج البحث لمقاربة قصيدة قالت لي القصيدة ... ضوءها العمودي الرقمية التفاعلية، تتبنى الدراسة منهج السيميوثقافة الرقمية الذي اقترحه وصفي ياسين عباس في دراسته النظرية المنشورة بمجلة فصول شتاء 2018م بالمجلد 26/2 العدد 102، بعنوان السيميوثقافة الرقمية نحو منهج نقدي للأدب التفاعلي الرقمي. وقد استعرض الباحث منهجه وأدواته الإجرائية ومؤشرات أدائه کما يلي: 1ـ6ـ1. المصطلح يرى الباحث وصفي عباس أن السيميوثقافة الرقمية منهج إجرائي يمکن التأکد من تحققه عمليا، ومشروع لإرساء قواعد نقدية تضاهي أو تقترب من القواعد والمعادلات العلمية؛ لأنه يجمع بين نشاطات وممارسات نقدية، ويصنع انسجاما وتوافقا بين ثلاث آليات نقدية. ويعتمد هذا المنهج على ثلاث آليات مستقلة في عملها متکاملة في أدائها، حيث القيام بتفکيک البنية الرقمية للنص للتعرف على آليات اشتغاله، وفکّ الشيفرات السيميائية به، والوقوف على السياقات والأنساق الثقافية؛ فکل آلية وفق محکاتها تنظر للنص الرقمي التفاعلي من زاويتها الخاصة؛ لذلک روعي في نحت المصطلح أن يأخذ اسمه من الآليات الثلاث: السيميوثقافة الرقمية (عباس، 2018م، ص507). فکل من البنية الرقمية أو السيميائية أو النسق، ما هي إلا جزء من المنهج، نستعين بها لتکوين رؤية کلية عن النص، لا لتشغل المثلث کاملاً، ولکن کأحد أضلاعه فقط. ويؤکد الباحث على أن عملية التوليف بين الآليات النقدية الثلاث تحت مسمّى السيميوثقافة الرقمية: تعتمد أولا على المهارة في صناعة الانسجام والتوافق والتواؤم بين الآليات الثلاث: البنية الرقمية والعلامة والنسق؛ وتنتبه ثانيا لاختلاف الطبيعة المعرفية لهذه الآليات واختلاف مرجعياتها الفلسفية وربما تناقض السياقات التي أنتجتها؛ وتحرص ثالثا على أن تحتفظ کلّ آلية بخصائصها النقدية المميزة، رغم التغيير الطفيف الذي قد يطرأ على طبيعتها أثناء التطبيق؛ حتى تتمکّن من فحص النص الرقمي التفاعلي بمقاييسها الخاصة والنظر إليه من زاويتها النقدية، فتضيء فيه جانبا لا ينهض به غيرها؛ وتستبعد رابعا أيّ مظنة بأن عرض النص الرقمي التفاعلي على ثلاث آليات نقدية قد يخلق تلفيقا أو تداخلا أو حتى تعجلًا؛ لأنّ هذا المنهج تم اختباره على النصوص الوسائطية، وتطويره وفق آليات منضبطة، والصبر عليه طويلا، والتواصل مع المشتغلين في النقد الرقمي واستشارتهم، واختبار عملية تلقيه أيضا (المصدر نفسه). 1ـ6ـ2. الآليات الثلاث ومقاييس أدائها يرى الباحث وصفي عباس أن الآلية الأولى، أي البنية الرقمية للنص، تقوم بتفتيت البنية الرقمية للنص، والوقوف على مکوناته المختلفة، وآليات اشتغاله، ومساراته القرائية المحتملة؛ ولها ستة مقاييس أداء؛ أولها: وصف المکونات العامة، ويقف على العتبات والمکونات الداخلية وقوائم التفاعل؛ ثانيها: التجنيس، ويحدّد الجنس الأقرب إليه النص؛ ثالثها: الطبيعة الغالبة، ويقف على العنصر المهيمن بالنص؛ رابعها: المسارات القرائية، ويحدد المسارات المحتملة لعملية الإبحار، للتحرک بيسر بين العُقد والروابط دون ضياع؛ خامسها: الروابط التشعبية، ويشرح أنواع الروابط التشعبية ووظائفها وأشکالها وأماکن ورودها وعددها وحقيقتها التي تصل بينها؛ سادسها: النصوص الموازية)، ويحصي کل ما يمکن إدراجه تحت هذا النوع، محددا مدى نجاح عملية التوليف التقني داخل النص (المصدر نفسه، ص 508 ـ 511). أمّا الآلية الثانية سيميائية النص فيرى أنها تهتم بالقراءة النقدية في بعديها؛ الأدبي والتقني في آن، وتقوم بفکّ شيفرة العلامة التي يختزنها الحرف والرابط والعقدة والحرکة والصوت والصورة، ولها أربعة مقاييس أداء: أولها: الحرف، ويضم العتبات، والنصوص التخييلية، والنصوص غير التخييلية؛ ثانيها: الصورة، ويشمل کل ما يمکن متابعته بحاسة البصر، وهو نوعان: الصورة الثابتة، والصورة المتحرکة؛ ثالثها: الصوت، ويضم الموسيقى والإيقاع وکل ما ينتمي إليهما، وکل ما يمکن استقباله بحاسة السمع؛ رابعها: التوليف التقني، ويستعرض دور التقنية في المزج بين النصوص اللفظية والمسموعة والمرئية، وبين کل ممکنات التعبير، مزجا ليس ميکانيکيا جافا، بل علائقيا مکتنزا دالا (المصدر نفسه، ص 512 ـ 513). أخيرا، في الآلية الثالثة نسقية النص، يرى وصفي عباس أنها تعتمد في وصولها للسياقات والأنساق الثقافية على قراءة الأعماق لا السطوح، وتخضع لمقياسين: أولهما: النسق الثقافي، ويتم في إطاره، النظر إلى النص الرقمي التفاعلي «باعتباره حادثة ثقافية وليس نصا أدبیا فحسب، والنظر إليه بصفته حامل نسق أو أنساق تحتاج لقراءة الأعماق والتأويل الثقافي للأنساق» (الغذامي، 2005م، ص 77 ـ 80)؛ آخرهما: القراءة الثقافية والتي «تبدأ من النص لربطه بأنساقه الثقافية، أو تبدأ من الثقافة لتصعد إلى النص، وتتحرک على السطوح ثم تتجاوزها إلى الأعماق» (عبد المطلب، 2013م، ص 22 ـ 24). وتسلک هذه القراءة طريقين: «الأفقي يلتقط الأنساق ويستبطن المنتجات الثقافية، ويردّها لمرجعياتها المختلفة، حسب ما تمليه طبيعة النص؛ الرأسي، ويقوم بتحديد الأنساق التي توصلت إليها القراءة، وتسميتها بما يناسبها، مع حشد النصوص المنتمية إليها، وإعادة ترتيبها بحثا عن القواسم المشترکة بينها» (ياسين، 2014م، ص15)، أي أن القراءة الثقافية سوف تکون أداةً فاعلة لوضع النص الرقمي التفاعلي في سياقه الثقافي الذي أنتجه (عباس، 2018م، ص 514 ـ 515). وتعتمد هذه الورقة في مقاربتها لقصيدة قالت لي القصيدة ... ضوءها العمودي الرقمية التفاعلية على منهج السيميوثقافة الرقمية، سعيا للکشف عن البنية الرقمية للنص، والشيفرات السيميائية، والسياقات الثقافية التي قاد إليها النص. 1ـ7. خلفية البحث من الدراسات النقدية التطبيقية التي اهتمت بمقاربة الشعر الرقمي التفاعلي وفق منهج نقدي أو أکثر، والتي وقفت عليها الدراسة وأفادت منها، ما يلي: دراسة الکتابة والتکنولوجيا لفاطمة البريکي (2008م). فهي قاربت قصيدة مشتاق عباس الرقمية التفاعلية تباريخ رقمية لسيرة بعضها أزرق 2007م، وفق ستة عناصر نابعة من طبيعة هذا النص، هي: الکلمة، والصورة، والصوت، واللون، والحرکة، والروابط التشعُّبية. ودراسة مقدمة في النقد الثقافي التفاعلي لأمجد حميد التميمي (2010م). فرصد الباحث خمسة مستويات في قصيدة التباريح لمشتاق عباس، هي: اللغوي، والبصري، والسمعي، والحرکي، والتوليفي. وکذلک کتاب القصيدة التفاعلية في الشعرية العربية: تنظير وإجراء لرحمن غرکان (2010م). فقارن المؤلف بين مکوِّنات القصيدة قبل دخولها الفضاء الإلکتروني وبعده، مستشهدا بقصيدة التباريح لمشتاق عباس، متوسّلا بآليات المنهج السيميائي. وکتاب الأدب التفاعلي الرقمي: الولادة وتغير الوسيط لإياد الباوي وحافظ الشمري (2011م). فقارب المؤلفان قصيدة التباريح لمشتاق عباس وفق آليتين نقديتين هما التفکيک والسيميائية. ودراسة تأثير الإنترنت على أشکال الإبداع والتلقي في الأدب العربي الحديث لإيمان يونس (2011م). فرکّزت الدراسة على درجة استفادة النصوص من الوسائط المعلوماتية، ولم تسمِّ منهجا نقديا محدّدا سوى إشارتها المقتضبة في المقدمة عن استعانتها من حيث المبنى والسيرورة بنهج البحث النظري. وکتاب الرقمية وتحولات الکتابة: النظرية والتطبيق لإبراهيم ملحم (2015م). فاستعانت الدراسة بالعناصر النقدية الستة التي اقترحتها فاطمة البريکي مضيفةً إليها عنصرا واحدا هو الأنا. ودراسة البنية الدلالية للشعر التفاعلي الرقمي، تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق أنموذجا: مقاربة سيميو دلالية لفطيمة ميحي (2016م). اعتمدت الدراسة على المنهج السيميائي في مقاربة قصيدة التباريح لمشتاق عباس، مستعينةً بخمسة مستويات، هي اللغوي، والحرکي، والبصري، والسمعي، والتوليف. وأخيرا، کتاب الأدب في مهب التکنولوجيا لمها جرجور (2016م). فقرأت الباحثة قصيدة التباريح لمشتاق عباس وفق آليتين نقديتين، هما: السيميائية ونظرية التلقي. وأيا يکن الأمر فعرض النص على أکثر من منهج نقدي هو ما سيعول عليه منهج السيميوثقافة الرقمية في مقاربته لقصيدة قالت لي القصيدة ... ضوءها العمودي الرقمية التفاعلية.
2. القراءة النقدية 2ـ1. البنية الرقمية للنص نظرا لأن البنية الرقمية للنص معنية بتفتيت المکونات المختلفة ومعرفة آليات اشتغال النص والکشف عن مساراته القرائية، فإن الخطوة الأولى في هذا الجانب، تتمثّل في الوصول إلى موقع القصيدة على الرابط التالي: http://imzran.org/digital/qaltlilqasida/qaltlilqasida.htm القراءة الأولى لبنية القصيدة تکشف عن نظام التشکيلات الثلاثية، حيث تتکون من مدخل/ بوابة رئيسة وخمس شاشات. يتکون المدخل/ البوابة التي يغلب عليها اللون الأسود من: عنوان القصيدة المنقسم أفقيا قالت لي القصيدة،وعموديا ضوءها العمودي؛ في اليسار رقم الإصدار وتاريخه الإصدار، أي الثالث مارس 2014م، وفي الوسط اسم لوحة البوابة وصاحبها حمام سري لوحة حميد أولاد حدو، وتحتها موقع وتاريخ نشر القصيدة لأول مرة، أي منتديات المرساة سبتمبر 2005م). وهذا يعني أن البوابة اختصرت المکونات الثلاثة الأساسية للقصيدة، وهي: الکلمة، واللوحة التشکيلية، والأنيميشنز. (انظر الملحق 1) وفي ضوء تفتيت البنية الداخلية للقصيدة، تظهر بعد البواية الشاشة الرئيسة السوداء مجددا، والتي تتکون من لوحة تشکيلية تغلب عليها الخطوط المتداخلة المتماوجة، ويعلوها شريط إخباري تتحرک فيه ببطء، جملة شعرية من اليسار لليمين. هذه الشاشة وذلک الشريط تتغير عليهما النصوص بمجرد النقر على الرابط الوحيد المميز بالصفحة، وهو إما کلمة ملونة بالأحمر کما ورد في قوله: "في، قبلة، تموت، هنا" خلال أربع شاشات، أو نقاط حمراء کما ورد في الشاشة الثالثة "...."، مع توفّر إمکانية الرجوع للخلف عبر سهم الرجوع بأعلى الصفحة. في الشاشات الخمس، اکتسبت کلمات النصوص ألوانا زاهية مختلفة لتتناسب مع ألوان اللوحات التشکيلية، کما اتخذت هذه الکلمات ثلاثة أشکال للحرکة: من أسفل إلى أعلى والعکس، ومن اليسار إلى اليمين والعکس، والارتداد والتراقص؛ أي أن ترکيب الجمل الشعرية توسّل بآليات الاستبدال والمغايرة، حيث تتبدل ألوان الکلمات إبّان ظهورها، وتتغير اتجاهاتها في الحرکة. انفتحت القصيدة على نصوص تخييلية وغير تخييلية، جمعت بين قصيدة النثر واللوحات التشکيلية والأنيميشنز والفيديو، وخلت تماما من النص المسموع، کما أن الشاعر أحجم تماما عن تجنيس نصه، تارکا الأمر برمته للمتلقي وثقافته؛ لذلک رأينا تسميته بقصيدة الفيديو أو القصيدة الحرکية أو القصيدة التفاعلية الرقمية المصوّرة نظرا لتوافق العمل مع هذا المصطلح. أخذت القصيدة من التقنية ثلاثة إجراءات: الأول: التوليف التقني الذي مزج بنجاح بين الأجناس والفنون المختلفة؛ الثاني: التشعب عبر الرابط البسيط المؤدي إلى مسارٍ جعل من القصيدة دائرة التقت فيها نقطتا الانطلاق والانتهاء، فبدت أنها تدور حول نفسها؛ الثالث: الفيديو الذي توسلت به القصيدة وقد توفّرت في عرضه أدوات ثلاث فقط، هي: التقديم، والتأخير، والغلق. 2ـ2. سيميائية النص 2ـ2ـ1. زلزال الوافد الجديد خمسة نصوص شعرية قصيرة حملتها خمسة أشرطة إخبارية تتحرک ببطء من اليسار لليمين، مصوّرة عملية ولادة القصيدة وما يصاحبها من صعوبة وآلام. وتبدأ المقاربة السيميائية عادة، بتقريب الکلمة أولا، إذا کانت حجر الزاوية في النص اللفظي رغم تداخله مع نصوص أخرى غير لفظية. في الشريط الأول: «ورأيت التي في السماء تعود إلى أول الأرض کي يبدأ الهمجي حديقته» (الأزرق، 2014م)، دليل على أن ولادة القصيدة الشعرية وحي وإلهام حين يتنزّل، يتجمّل الکون ويزيد بهاؤه. فالسماء ترمز للقصيدة المتأبّية العصية التي تصبح بعيدة المنال کنجم في السماء، فيحتاج الشاعر إلى ترويضها حتى تهبط على الأرض، والهمجي يرمز للحالة النفسية السيئة للشاعر ومعاناته الشديدة أثناء القبض على لحظة الميلاد؛ أما الحديقة فإنها تشير إلى الأثر الإيجابي واللمسة السحرية لعملية تجلي الإلهام الشعري؛ وفي الثاني: «ورأيت المرايا تحدّق هاتفةً بسقوط القصائد من شرفة الأقدمين ضياء على شاشة المحدثين» (المصدر نفسه)، إشارة إلى نقلة الشعر الجديدة، من صفحات الدواوين وعبق الأقدمين، إلى غمار الشاشة وهاجس التجريب والوسائط المعلوماتية. فالمرايا ترمز للمکاشفة ومواجهة الذات والقدرة على التقييم؛ أما التحديق فهو يعني الاستثارة والترحيب والاحتفاء بالشعر الوسائطي؛ أما سقوط القصائد من شرفة الأقدمين فيدل على الالتصاق الحميم بالتراث الشعري والفکري، والشاشة هي وسيلة التلقّي والحبل السري الجديد بين النص الرقمي التفاعلي والمتلقي؛ والثالث: «ورأيت القبائل تخرج من مدن يتکهرب فيها ابن آدم» (المصدر نفسه)، يدل على موجات الاستنکار التي واجهها الإبداع الجديد والهزات العنيفة التي أحدثها في الثوابت الأدبية. فالقبائل تشير إلى جموع الکثيرة من الأدباء والمتلقين، والخروج من المدن يعني التنکر للوافد الجديد ـ قصيدة النثر أو القصيدة الوسائطية ـ وربما التبرؤ منه أحيانا؛ أمّا التکهرب فيدل على الهزة العنيفة التي جلبها زلزال الأدب الوسائطي؛ أما الرابع: «ثم رأيت القصائد مثل إناث الجبال يعاقرن کرمتهن إذا الأرض زلزلها زادُها» (المصدر نفسه)، فيعبر عن قيام القصيدة لحظة ميلادها باقتناص أفضل المعاني وأبلغ التراکيب. فإناث الجبال دلالة على صعوبة الولادة الشعرية التي تجثم على صدر صاحبها کالجبل، ومعاقرة الکرم تدل على المعاني الجميلة والمجازات الشفيفة والتراکيب الرشيقة؛ أما الزلزال فهو لحظة الميلاد المجلجلة للقصيدة التي تشبه الولادة المتعثّرة للإنسان؛ وما بين ثنائية الألم والفرح، تولد القصيدة بحلتها الزاهية. وأخيرا، في الشريط الخامس: «ونظرت إلى الکلمات العتيقة ... کانت تغادر بيتي لتأتي إلي غدا ... / ... ملْء ن... ث... ر...» (المصدر نفسه)، إشارة إلى حالة التنقيح والتثقيف الشعري للقصيدة التي لا تختلف کثيرا عما کان يقوم به عبيد الشعر قديما زهير بن أبي سلمى، والحطيئة، مع اتخاذ التعبير الشعري الجديد من النثر ثوبا، والشاشة وسيطا. فتجربة منعم الأزرق هنا تحتفي بقصيدة النثر في ثوبها الرقمي التفاعلي. فالنظر هو التأمل والتقليب وإعادة النظر والتعديل في التجربة الشعرية، والکلمات العتيقة تعني الإرث الشعري الموغل في القدم الذي جعل من قصيدة النثر إطلالة جديدة. 2ـ2ـ2. دورة حياة رقمية عملية کتابة الشعر معقّدة يحتاج صاحبها، فضلا عن الموهبة، الدربة والمهارة في جمع أشتات الفکر واللغة والموسيقى. وبسبب صعوبتها ومشقتها، اعتبرها الفرزدق کعملية قلع الضرس، حين قال: «أنا أشعر تميم (عند تميم)، وربما أتت علي ساعة ونزع ضرس أسهل (أهون) علي من قول بيت» (ابن قتيبة، د.ت، ص 81)؛ وقبله قال الحطيئة مرتجزا، حين وافته المنية:
(1993م، ص 185). لکن الشعر الوسائطي بإمکاناته الجديدة أصبح قادرا على إثراء عملية البوح الشعري وميکنتها، إذا صح القول، الأمر الذي يدفعنا إلى فک شيفرات الشاشات الخمس المکونة للنص کما يلي: في الشاشة الأولى: تصبح القصيدة الجديدة کالأنثى التي تغري بجمالها وتغوي ببهائها حتى تتهيأ النفس الشاعرة لاستقبالها. فهي في أولها مشاکسة مراوغة متأبية بعيدة المنال کالسحابة العالية، لکنها إذا لانت وتم ترويضها، أمطرت وحيا وإلهاما وسحرا. لقد أثرى عنصرا الحرکة واللون النص اللفظي، حيث تتحرک "غداة السحابة" من أسفل إلى أعلى، تعبيرا عن عملية البخر المتصاعد من الأرض للسماء تکوينا للسحب، وهي توازي عملية تجميع المشاعر والعواطف في اللاشعور واختمار الأفکار. أما في قوله "في البيت"، فقد اکتسى حرف الجر باللون الأحمر تعبيرا عن الإغراء باللون، وتراقصت کلمة "البيت" يمينا وشمالا دلالةً على الإغواء بالحرکة؛ (انظر الملحق 2) في الشاشة الثانية: طرح الشاعر سؤالا: هل تولد القصيدة من حالة قلق أم من حالة صفاء؟ الزلال في قوله «ألست تراني زلالا؟!» (الأزرق، 2014م)، يفيد بأن القريحة الشعرية رائقة والنفس صافية کالماء الزلال. أما «قُبلة الداء التي يترغبن فيها نحل الشفاء» (المصدر نفسه)، فإنها تساوي قول أبي نواس: «وداوني بالتي کانت هي الداء» (المصدر نفسه)، حيث لا يداوي أرواح المحبين المتعطشة سوى الوصال مع الحبيب ولقائه، کذلک لا يداوي أرواح الشعراء التعبة من مطاردة القصيدة سوى ترويضها على صفحات الورق أو الشاشات. إذن، کانت حالة الصفاء باعثا حقيقيا لعملية الولادة السليمة للقصيدة، حتى وإن تعرّضت لمخاض صعب. ويعود الشاعر للإغواء باللون، حيث جعل کلمة "قُبلة" باللون الأحمر؛ (انظر الملحق 3) في الشاشة الثالثة: کيف تولد القصيدة؟ سؤال موغل في القدم حاول منعم الأزرق الإجابة عنه؛ لأن لحظة ميلاد القصيدة صعبة على صاحبها، حيث يشعر أنه يمر بالفصول الأربعة في لحظة واحدة، ويصعد إلى أعلى نقطة في السماء ثم يهبط إلى أدنى موضع في الأرض في لحظة واحدة أيضا، حتى تخرج روحه مع ولادة القصيدة؛ لذلک فإن القصيدة في لحظة تجليها وتکشفها، نجد القلب يرتعد خوفا وإشفاقا، والروح تنأى تعبا وإرهاقا؛ لأن الشاعر قد يمکث وقتا طويلا في اصطياد کلمة أو ترويض معنى أو تذليل صورة. توسّل الشاعر بالحرکة لتوصيل فکرته؛ فحالة انتظار القصيدة في تجليها استخدم لها الشاعر تقنية السطور المنقوطة المتحرکة يمينا وشمالا والعکس، تعبيرا عن حالة ترقب القصيدة التي تأتي وتذهب، تومض وتختفي. أما جملة «القلب يرعد» (المصدر نفسه)، فکانت ارتدادية تظهر من اليسار لليمين وباللون الأصفر، تمثيلا واقعيا للرعشة والرجفة والخوف، بينما تصعد کلمة "الروح" من أعلى لأسفل، وتهبط کلمة "تنأى" من أسفل لأعلى، وهما باللون الأبيض، دلالة على أن ولادة القصيدة تلامس ذلک الخيط الواهي بين الموت والحياة، بين صعود الروح وهبوطها. وانتهت الشاشة بعبارته «وتهبط ش ط حا» (المصدر نفسه)، التي تتحرک من أعلى لأسفل ثم تختفي، ونقاط باللون الأحمر، تعبيرا عن نزف الروح جراء ولادة في لحظة المخاض العسير؛ في الشاشة الرابعة: کيف تکتب القصيدة؟ سؤال جديد يجيب عنه الشاعر، حيث يقرر أن عملية کتابة القصيدة لا تتوقف، فبعد انکتابها على الورق أو الشاشة، تأتي مرحلة التنقيح وإعادة النظر والتبديل والتعديل، وصولا إلى مرحلة الاکتمال والرضا. وکأنه يواصل مسيرة عبيد الشعر قديما زهير بن أبي سلمى والحطيئة، مع بقاء الزخم الشعري واعتمال الأفکار مغريا بخوض تجربة جديدة. إن قوله «تموء القصيدة بعد رحيلي تموت» (المصدر نفسه)، يدل على الانتهاء من عملية قنص اللحظة الإبداعية ووضعها في صورتها النهائية بعد التنقيح والمراجعة. أما قوله «ويبقى السحاب» (المصدر نفسه)، فهو إشارة واضحة إلى أن بئر الشحنات الشعرية والإلهام لا ينضب طالما هناک موهبة تزکيه وإلهام يشعله. استخدم الشاعر اللون الأحمر في قوله "تموت" تعبيرا عن أن القصيدة لا تخاف من الموت قدر خوفها النازف من القدرة على البقاء والتأثير. أما استخدامه خمسة أسطر من النقاط الثابتة تشکّل هرما مقلوبا، فهي تمثيل بالشکل لحالة تفريغ الشحنة الشعرية تماما، بينما جعل جملته "ويبقى السحاب" تتحرک من أسفل لأعلى، تعبيرا عن بداية دورة حياة لقصيدة تالية؛ في الشاشة الخامسة: يؤکد الشاعر أن صياغة القصيدة لا تعني نهايتها. فالهيام الشعري خمر تسکر نفوس الشعراء وتغريهم بالذهاب بعيدا في عالم التحليق والخيال. والغيث يقصد به الوحي الشعري، وعبارته «أنا أشرب اللوم وحدي» (المصدر نفسه)، تعبر عن عدم الشعور بالرضا عن المنتج الإبداعي والرغبة المستمرة في تجويده وتطويره. أمّا استخدامه ثلاثة أسطر من النقاط الثابتة الصفراء بکل سطر ثلاث نقاط، بعد قوله «أللغيث أنت هنا؟»، فهو تعبير عن حالة الجدب والفراغ التي قد تصيب الذات الشاعرة بعد الانتهاء من تجربتها الإبداعية، بينما استخدامه لسطر ثابت من النقاط الزرقاء، بعد قوله «أنا أشرب اللوم وحدي» (المصدر نفسه)، فيه تعبير عن الاستياء والاستنکار الذي واجهه بعد خوضه غمار الأدب الوسائطي ومزجه بين الآلة والإحساس ورقمنته للقصيدة وميکنته لبوحه الشعري. (انظر الملحق 4).
2ـ3. نسقية النص قد يستلهم الشعراء قصائدهم من حياتهم اليومية، ومن معاناتهم أو محبتهم، ومن صدقهم وعفويتهم، أو من تطلعاتهم لما حولهم دون مشقة أو معاناة. وقد يمر على الشاعر، وقت يشعر فيه أن نزع الضرس أهون عليه من کتابة بيت أو سطر من الشعر. فالکتابة الشعرية لا تستقر على حال، ولا تمنح نفسها بطريقة واحدة، ولا تعمَّم فيها نتائج؛ لأنها تختلف باختلاف النفوس والتجارب والمواهب والأدوات والظروف،... إلخ. اتخذت قصيدة قالت لي القصيدة ... ضوءها العمودي، الدوران نسقا لها في مساراتها المتشابکة على مستوى القراءة أو المضمون أو الخطوط التشکيلية، أو حتى في تمثلها بالواقع. على مستوى القراءة، دارت القصيدة شکليا، حول نفسها في مسارها القرائي، حيث إن الإبحار فيها ينتقل من شاشة إلى أخرى عبر رابط واحد تکوّن من کلمة واحدة أو سطر من عدة نقاط. تعود الشاشة الأخيرة إلى البوابة الرئيسة ونقطة البدء، عبر رابط کلمة "هنا". وفي ذلک دليل على انتهاء القصيدة وبقائها مفتوحة على إبحار مختلف وقراءة مغايرة. على مستوى المضمون العام، تناول النسق دورة حياة القصيدة، بدايةً من اختمار الأفکار في اللاشعور، وتورم الإحساس بحمل القصائد، والسفر بعيدا في وادي عبقر، حتى تبدأ القصيدة في الطرق على أبواب الروح معلنة عن قدومها. قد لا تحدث استجابة سريعة لها، فتطرق مرات ومرات، وتتعذب الذات الشاعرة حتى تصير القصيدة أبجدية على صفحات الورق أو الشاشات. وقد تسرع الذات الشاعرة في استجابتها فتلتقط إشارتها في وقت قياسي مخافة تفلتها، أو قد تتأبى القصيدة مراوغة عصية، فلا تمنح نفسها إلا بعد مجاهدات مريرة ومحاولات مضنية لاقتناص الکلمات والمعاني والصور والتراکيب، بعيدا عن المکرور والمرذول. بعد تحول الأفکار إلى أبجديتها، تدخل القصيدة في طور آخر من المعاناة يتعلق بالتنقيح والمراجعة وصولا إلى مرحلة الرضا النفسي التي يعقبها الإعلان عن المولود الجديد. بعدها، تسافر الذات الشاعرة عائدة إلى وادي عبقر، حيث تختمر الأفکار هناک في اللاشعور إيذانا بالاستعداد لمولود آخر. وهکذا تضع الذات الشاعر نفسَها في دائرة إبداعية لا تنتهي من الحمل والميلاد والمعاناة والانتشاء: «کأن القصيدة تمطر والقلب يرعد والروح تنأى وتعلو وتهبط ش ط حا تموء القصيدة بعد رحيلي تموتُ ويبقى السحاب ... أللغيث أنت هنا؟ لا ... أنا أشربُ اللوم وحدي وخمرک ... ت ذ ه بُ بي» (المصدر نفسه). على مستوى الخطوط التشکيلية، تکونت البوابة الرئيسة من لوحة تشکيلية للفنان حميد أولاد حدو بعنوان حمام سري. هذه اللوحة تغلب عليها الخطوط المتداخلة المتماوجة: الزرقاء والحمراء والبنفسجية والترکوازية، وتقترب في شکلها من النار المشتعلة التي تشبه إلى حد کبير اشتعال الذات الشاعرة باختمار الأفکار. وعند تأمل اللوحات الخمس الداخلية بالشاشات، نلاحظ أنها لم تبتعد کثيرا عن ألوان وخطوط وتقاطعات لوحة البوابة، ولکن بأشکال مغايرة، وکأنها تدور حول نفسها مجددا لتوليد الأحاسيس وطرح الأفکار ومعايشة التجارب بمذاقات جديدة مختلفة. أمّا اللون الأسود الذي أحاط بلوحة البوابة ولوحات الشاشات الخمس، فإنه مؤشر إلى المخاطر التي تحيط بالتجربة الإبداعية في کل مراحلها. أخيرا، تمثّلت القصيدة بالواقع في تطوير نسقها الدائري تقريبا للصورة وتجسيدا لها، حيث شبهت عملية السفر النفسي إلى وادي عبقر لاختمار الأفکار بعملية البخر المسافر من الأرض للسماء تکوينا للسحب، کما صوّرت تجلي القصيدة مکتوبةً على الورق أو الشاشات وما يتبعه من رضا وانتشاء للروح، بهطول الأمطار على الأرض وما يتبعه من إعادة الحياة للکون من جديد، ثم عودة الذات الشاعرة لوادي عبقر مجددا طلبا لاشتعال الأفکار، تشبهُ تبخر الماء مسافرا نحو السماء بعد اشتداد الحرارة بدايةً لتکون السحب. وبذلک، فإن استمرار دورة حياة الشعر يوازي استمرار دورة حياة المطر.
الخاتمة بعد رصد الصعوبات والآلام التي صاحبت ولادة القصيدة في ثوبها الوسائطي، والوقوف على التشکيلات الثلاثية داخلها، وتفسير الدلالات التي تحملها الأشرطة الإخبارية، وتشريح دورة الحياة الرقمية داخل الشاشات الخمس، والکشف عن نسق الدوران في المسارات المتشابکة، نصل إلى نهاية البحث التي ندوّن بها الملاحظات التالية: ـ تحمل القصيدة تناقضا واضحا بين العنوان وطبيعة النص الداخلي. فالعنوان يشير إلى عمودية القصيدة قالت لي القصيدة ... في ضوءها العمودي، بينما يحتفي النص الداخلي بقصيدة النثر في ثوبها الرقمي، وشتان بين النوعين. وفي هذا، تأکيد من الشاعر منعم الأزرق على ارتباط اللاحق قصيدة النثر بالسابق القصيدة العمودية، الذي صار امتدادا عصريا، رغم تدفق موجات الاعتراض والهجوم. ـ بدأت جمل الشريط الإخباري الشعرية أربع مرات بعبارة "رأيتُ"، ومرةً واحدة بـ"نظرتُ"؛ وفي ذلک حسن توافق بين الفعل والقصيدة؛ فعند الحديث عن بدايات القصيدة، أتى الفعل "رأى" بصيغته البصرية دون القلبية، استحضارا للصورة وتقريبها من ذهن المتلقي إزاء العمليات المضنية في جمع المشاعر والعواطف واختمار الأفکار وترويض الکلمات. وعند الحديث عن نهايتها، جاءت العبارة "نظرتُ" تعبيرا عن إعادة التأمل والتقليب في التجربة. ـ أخذت القصيدة مسارا دائريا في إلإبحار، تعبيرا عن دوران الولادات الإبداعية واستمرارها دون انقطاع، کما أن الشاعر أحجم عن تجنيس نصه، ما جعلنا نرى أنه يمکن تسميته بقصيدة الفيديو أو القصيدة الوسائطية المصوّرة أو القصيدة الحرکية نظرا لتوافق العمل مع هذا المصطلح. وکان بإمکان النقد الرقمي أن يجنّب نفسه مأزق الخوص في إشکالية التجنيس، ولا يتعامل بسخاء مع المبدع، الذي أحجم بدوره عن تصنيف نصه، وأطلق عليه نصا فحسب، من باب توسيع مفهوم النص. ـ کشفت نصوص الأشرطة الإخبارية الخمسة عن الزلازل التي أحدثها الأدب التفاعلي الرقمي في الساحة الأدبية وتفاوت الآراء بخصوص مشروعيته وقيمته، بينما کشفت نصوص الشاشات الخمس عن دورة حياة جديدة لعملية الإبداع. ـ أظهر النسق الثقافي حالات الدوران التي اکتنفت النصوص اللفظية وغير اللفظية، حيث دارت الروابط حول نفسها، ودارت النصوص اللفظية حول تجدد القصيدة، ودارت ألوان القصيدة حول إمکانية إعادة الطرح بشکل آخر، ودارت تمثلات الواقع حول التجسيد والتقريب.
الملاحق
ملحق (2)
| ||||||||||||||||||
مراجع | ||||||||||||||||||
أ ـ العربية الباوي، إياد؛ وحافظ الشمري. )2013م). الأدب التفاعلي الرقمي ... الولادة وتغير الوسائط. ط 2. عمان: مرکز الکتاب الأکاديمي. البريکي، فاطمة. (2008م). الکتابة والتکنولوجيا. بيروت والدار البيضاء: المرکز الثقافي العربي. ابن قتيبة، أبو محمد عبد اللّٰه بن مسلم. (د.ت). الشعر والشعراء. تحقيق أحمد محمد شاکر. القاهرة: دار المعارف. التميمي، أمجد حميد. (2010م). مقدمة في النقد الثقافي التفاعلي. بيروت: دار الکتب العلمية. جرجور، مها. (2016). الأدب في مهب التکنولوجيا. بيروت والدار البيضاء: المرکز الثقافي العربي. الحطيئة، جرول بن أوس. (1993م). ديوان. دراسة وتبويب مفيد قميحة. بيروت: دار الکتب العلمية. عباس، وصفي ياسين. (2018م). «السيميوثقافة الرقمية نحو منهج نقدي للأدب التفاعلي الرقمي». فصول. ج 26/2. ع 102. ص 494 ـ 517. عبد المطلب، محمد. (2013م). القراءة الثقافية. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة. الغذامي، عبد اللّٰه. (2005م). النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية. ط 3. بيروت والدار البيضاء: المرکز الثقافي العربي. غرکان، رحمن. (2010م). القصيدة التفاعلية في الشعرية العربية: تنظير وإجراء. السويد: دار الينابيع. ملحم، إبراهيم. (2015م). الرقمية وتحولات الکتابة: النظرية والتطبيق. إربد: عالم الکتب الحديث للنشر والتوزيع. ميحي، فطيمة. (2016م). البنية الدلالية للشعر التفاعلي ... تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق أنموذجا ...: مقاربة سيميو دلالية. بغداد: دار الفراهيدي للنشر والتوزيع. ياسين، وصفي. (2014م). آليات الخطاب الثقافي. القاهرة: مؤسسة العالم العربي للدراسات والنشر. يونس، إيمان. (2011م). تأثير الإنترنت على أشکال الإبداع والتلقي في الأدب العربي الحديث. عمان ورام اللّٰه: دار الهدى للطباعة والنشر ودار الأمين للنشر والتوزيع.
ب ـ المواقع الإلکترونية الأزرق، منعم. (2014م). قالت لي القصيدة ... ضوءها العمودي. http://imzran.org/digital/qaltlilqasida/qaltlilqasida.htm | ||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,258 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 443 |