تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,686 |
تعداد مقالات | 13,791 |
تعداد مشاهده مقاله | 32,417,874 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,801,024 |
دراسة العوامل المؤثرة في صعوبة القواعد النحوية وتعقيدها في النحو العربي القديم | |||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 4، دوره 14، شماره 26، تیر 2022، صفحه 33-52 اصل مقاله (1.32 M) | |||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2021.125013.1323 | |||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||
محمدجواد حسن پوري1؛ مسعود فکري* 2؛ غلامعباس رضائي2؛ آذرتاش آذرنوش3؛ نصرالله َشاملي4 | |||||||||||||||||||||||||||||||
1طالب الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة طهران، طهران، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||
2أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة بجامعة طهران، طهران، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||
3أستاذ في قسم الإلهيات والمعارف الإسلامية بجامعة طهران، طهران، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||
4أستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة أصفهان، أصفهان، إيران | |||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||
الملخّص علم النحو بوصفه أحد الأركان المهمة للغة العربية تمّ تأسيسه من أجل صيانة اللغة من الخطأ واللحن في الكلام. وقد تجسدت مبادئ هذا العلم في الآراء النحوية لخليل بن أحمد، وتلميذه سيبويه، ثم ظهر نحاة آخرون اهتموا باستنباط قضايا علم النحو وتدوين أصوله. لكن ظهرت أسباب أدت إلى خروج النحو من مجراه الطبيعي وتورطه في مشكلات عديدة؛ فمن تلك الأسباب يمكن أن نشير إلى ما يلي: اختلاط علم النحو بعلوم أخرى لا تمتّ إلى اللغة بصلة، ولاسيما علمي المنطق والفلسفة، والمنهج الخاطئ للنحاة في دراسة قضايا اللغة، والإفراط في التركيز على القواعد كالمسيطر القاهر على اللغة وقلة الاهتمام بالجانب الوظيفي للغة، والاهتمام البالغ بالقضايا اللغوية النادرة والقليلة الاستعمال، والاستشهاد بالشواذ ودراسة اللهجات المختلفة والخلافات النحوية، واللجوء إلى التأويل، ونقائص في منهج تصنيف الكتب النحوية، والابتعاد عن واقع اللغة في إطار تحاليل غير لغوية. فمن هذا المنطلق، يتناول هذا البحث دراسة العوامل المؤثرة في ظهور هذه المشكلات ويتبع المنهج الوصفي ـ التحليلي، ويبدأ بوصف المشكلات ومظاهرها، ثم يحاول تقديم المقترحات والحلول المناسبة لهذه المشكلات وتيسير النحو. | |||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||
النحو العربي؛ صعوبة القواعد النحوية؛ تيسير النحو؛ تعليم النحو | |||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||
إن قضية النحو ومناهج تعليمه من القضايا التي اتسمت بالأهمية البالغة عند مدرّسي هذه اللغة؛ إذ يعد صلب العربية ومحور مبناها وعماد معناها وقاعدة وظائفها. فإذا تأملنا في عملية تعليم النحو لدى الطلاب، ولاسيما الناطقين بغير العربية، نجد أنهم يتعرضون لصعوبات متعددة ويعانون من مشاكل مختلفة في تعلم قواعد النحو، حيث نرى أن كثيرا منهم يشعرون بالحيرة بشأن تعلمها ويشكون من صعوبة فهمها. هذه مشكلة شائعة بين الطلاب، فعلى الباحثين أن يتجهوا إليها، وهي صعوبة تعلم قواعد النحو التي يظهر أثرها سلباً على تحديد دور الكلمات في الجمل لدى هؤلاء المتعلمين. فعلى سبيل المثال، عندما يناقش الطالب موضوع الفاعل، فهو لا يعرف ـ بالضبط ـ ما يجب اعتباره فاعل الفعل؛ إذ تعلم في قواعد النحو أن الفاعل اسم ظاهر تارة، مثل: "جلس سعيد"، وضمير بارز تارة، مثل: "التلاميذ خرجوا من الصف"، وضمير مستتر تارة أخرى، مثل: "مريم ذهبت"، ومؤول بالصريح تارة أخرى، مثل: "بلغني أنك كتبت رسالة إلى أبيك". وإن الجملة الواحدة يتغير فاعلها بتغير مواضع ألفاظها؛ وذلك، مثل جملة: "جاء علي"، فنقول: فاعلها هو الاسم الظاهر "علي"؛ لكن إذا نقلنا فاعلها إلى أول الجملة وقلنا: "علي جاء"، فنقول: فاعلها ضمير مستتر، تقديره "هو"، أو في مثل جملة: "إذا المعلم دخل الصف فقوموا احتراماً له"، من مبحث الشرط، عندما يرى الطالب اسما مرفوعا في بداية جملة الشرط، يعتبره مبتدأ وفقا للقواعد التي تعلمها؛ في حين يتفاجأ باعتباره فاعلاً لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور في الجملة، أو حينما يدرس باب الاشتغال في جملة مثل: "المعلمين احترمتُهم"، عندما يشاهد الطالب اسما منصوبا في بداية الجملة ويظن أن يعتبره مفعولاً به لفعل الجملة، يدهش باعتباره مفعولاً به لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور في الجملة. فانتهت هذه القضايا إلى تصعيب القواعد النحوية وتعقيدها في النحو العربي القديم. وذلك لا يدمر دافع متعلمي العربية لتعلم قواعدها فحسب، بل يجعلهم يكرهون تعلمها. فبدأ عديد من الباحثين ومدرسي قواعد اللغة العربية في السنوات الأخيرة يقومون بتيسير قواعد النحو ويحاولون الكتابة في هذا المجال. إذن يكون السؤالان الرئيسان للبحث ما يلي: ـ ما المشكلات التي تؤدي إلى صعوبة تعلم قواعد اللغة العربية؟ ـ ما الحلول المناسبة لهذه الصعوبات؟ 1ـ1. خلفية البحث إن موضوع تيسير النحو قد حظي باهتمام كثير من الباحثين ومدرسي اللغة العربية في العقود الأخيرة؛ لذلك اهتم الكثيرون بالبحث في هذا المجال وألفوا فيه كتبا ومقالات وأطروحات أكاديمية عديدة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن نشير إلى ما يأتي: كتاب إحياء النحو لإبراهيم مصطفى؛ فقام المؤلف فیه بإلغاء نظرية العامل وما یتبعها کالتقدیر والتأویل اللذین لا یلائمان روح اللغة. وكتاب تجديد النحو لشوقي ضيف. فقام المؤلف فیه بتقسيم جديد للموضوعات النحویة وإلغاء الإعرابین التقدیري والمحلي؛ لکن القواعد النحوية قد تمّ طرحها بالشکل السابق، بناء علی نظرية العامل، ولايلاحظ في طرحها أيّ ابتكار. وكتاب آموزش زبان عربى (= تعليم اللغة العربية)، لآذرتاش آذرنوش. فقام المؤلف فیه بتعلیم القواعد النحوية بأسلوب جدید مستخدما مصطلحات جديدة، وحذف کثيرا، مما لا طائل تحته مما جعل تعلم النحو أيسر. من الإنجازات المهمة الأخرى لهذا الباحث القدير أنه قام بتحويل النظام الصوتي للغة العربية بشكل عام، وليس لديه اتفاق مع ما هو موجود في علم الأصوات للغة العربية. وأما بالنسبة إلى المقالات والأطروحات الأكاديمية، فقد حصلنا على ما يلي: دراسة في المشكلات التربوية في الدرس اللغوي النحوي مما يفتقر إليه المتعلم لإبراهيم السامرائي (1995م). ودراسة كاصر ياسر الزيدي (2002م)، تحت عنوان مشكلات النحو بين القديم والحديث. ورسالة صعوبات تعليم النحو في المرحلة الثانوية من وجهة نظر المعلمات والمشرفات التربويات لعائشة علي باوزير (2003م). وكذلك دراسة سليمان إبراهيم العايد (2012م)، تحت عنوان تدريس النحو بين الجمود والرغبة في التطوير. ودراسة مشكلات تدريس النحو العربي وعلاجها لشريف محمد جابر (2012م). زد على ذلك، يمكن أن نشير إلى دراسة سلام عبد اللّه محمود عاشور (2014م)؛ وهي عبارة عن مقال بعنوان من أسباب تصعيب النحو العربي في مراحل التقعيد. ودراسة تصعيب فهم النحو "الأسباب والمعالجات" يندرج تحت المحور الثاني "تحدي التصدي للازدواجية والثنائية اللغوية"، لسلوى إدريس بابكر علي (2014م). وكذلك دراسة محمد صاري، تحت عنوان واقع تدريس القواعد النحوية في مراحل التعليم العام: دراسة تقويمية. وأخيرا، دراسة سلوى الريسي الولي، وهي عبارة عن ورقة علمية من إعداد المعلمة المذكورة أعلاه بعنوان مشكلات النحو. مهما يكن من شيء، فيمتاز بحثنا هذا بدراسة جذور أسباب انتهت إلى صعوبة النحو العربي في مجال التعلم والتعليم، ثم يحاول معالجتها بتقديم الحلول المناسبة لها والمقترحات التي تؤدي إلى تيسير النحو.
اشتق مصطلح النحو من مفردة يونانية، معناها "النظم و الترتيب" (سيدي، 1387ﻫ.ش، ص 104). والمراد منه مناهج تربط الأصوات بالمعاني بطريقة خاصة. فوظيفة النحو إذن تأليف وتركيب؛ و«النحو بيان علمي لقواعد يتبعها كل قوم في صياغة المفردات وتركيب العبارات للتعبير عن معان مركبة؛ وشأن النحويين استنباط هذه القواعد وتبيين علاقة بعضها ببعض» (إلياس، 1985م، ص 120). لقد عرف السيوطي النحو العربي، نقلا عن مؤلف المستوفي: «النحو علم ينظر به العلماء إلى المفردات العربية، من حيث التأليف والتركيب، بناء على استخدام أهل اللغة؛ لكي تعرف علاقة المفردات بالمعاني حتى يمكن الوقوف على أحدهما بالآخر» (د.ت، ص 30 ـ 31). هذا التعريف دقيق؛ لأنه يشير إلى العلاقة بين السياق والمعنى. فالنحو يركز على دراسة الجملة من وجهة نظر المعنى والسياق (حسان، 1955م، ص 195). فكل التعاريف تؤكد على الصلة بين الألفاظ والمعاني، وتنظر إلى النحو كعلم يدرس هذه الصلة.
ينقسم النحو إلى قسمين: ـ القسم الأول هو "النحو الفني" الذي هو جزء من اللغة وعنصر أساسي من عناصر تكوينها كلغة مهذبة راقية؛ ونشأته اللغوية تكاد تكون فطرية، وإن كان الأساس في وجوده هو المجهود العقلي. فإن اللغة بعد أن تتجاوز مرحلة الطفولة ويبدأ العقل يتصرف فيها، من حيث الاشتقاق والنحت والتصريف، ثم من حيث التراكيب ووضع الضوابط المميزة بين هذه التراكيب بالنسبة لأدائها للمعاني، تجد نفسها مضطرة بحكم مسايرتها لظروف المجتمع إلى التزام بعض الضوابط لتمييز بعض التراكيب عن بعض ولمعرفة وظيفة كل لفظ بالنسبة لموقعه من الجملة. هذه الضوابط في صورتها الأولى هي عبارة عن النحو الفني وهو يسبق النحو العلمي (عون، 1952م، ص 78)؛ ـ القسم الثاني هو "النحو العلمي" الذي يكشف عن قواعد التعبير الصحيح عن الآراء والأفكار، بناء على دراسة اللغة والوقوف على أساليبها وضبط هذه القواعد لدراسة اللغة (المصدر نفسه). ولتكوّن النحو أسباب خاصة عند كل شعب؛ وبما أنه ليس هنا مجال الحديث عن الغرب والشرق، فلا بد من التركيز على اللغات. فدافع تكوّن هذا النوع من النحو في العالم الشرقي دافع ديني؛ وفي العالم الغربي دافع لغوي وبلاغي واجتماعي. فالهنود تفكروا في القضايا النحوية لصيانة كتبهم الدينية كتب ويدا وشرح أساليبها. والسريانيون وضعوا القواعد النحوية للغة الآرامية خوفاً من تحريف كتابهم الديني إنجيل. وأما أول سبب دفع العرب إلى وضع قواعد النحو العربي فكان خوفهم من تحريف القرآن الكريم. أما في اليونان فلم يكن الدافع لوضع القواعد النحوية اليونانية هو الخوف من نفوذ اللحن في الكلام أو الرغبة في صيانة النصوص الدينية؛ ذلك أنهم إذا وضعوا القواعد النحوية، كانت لغتهم في غاية الفصاحة والبلاغة في القرن الخامس قبل الميلاد، ولم تكن هناك لغة تنافسها؛ بل أقبلوا على النحو ليتمكنوا من شرح أشعار هومر وفهم أساليبها ويربوا جيلاً قادراً على التكلم في ضروب مختلفة من الكلام ويقنعوا الناس في الخطابات السياسية وفي المحاكم (سيدى، 1387ﻫ.ش، ص 104).
يسمي اللغويون الجدد النحو القديم "قواعد تقليدية"[1]. النحو القديم منهج نحوي قائم على آراء أرسطو في طبيعة اللغة في القرن الرابع قبل الميلاد (باطنى، 1393ﻫ.ش، ص17). بدت نقاط ضعف النحو القديم بظهور علم اللغة الحديث؛ ذلك أن منهج دراسة اللغة في علم اللغة الحديث هو الإشارة إلى واقع اللغة وحقيقتها. فالنحو الحديث وصفي، بينما كان النحو القديم مركزاً على تجويز القواعد. ذكر علماء النحو الحديث معايب للنحو القديم أهمها ما يلي: ـ في النحو القديم، تم الاستناد إلى الافتراضات الذهنية؛ والمعيار فيه هو المكتوبات، وليس كلام أصحاب اللغة؛ لذلك هو قائم على التعاريف أكثر مما هو قائم على الأمثلة والشواهد؛ ـ في النحو القديم، إذا وجدت شواهد أو أمثلة تناقض تعاريف النحويين، تمّ الاتجاه إلى تبرير القواعد؛ ـ النحو القديم ركّز على معرفة الأسباب؛ وذلك لتأثره بآراء أرسطو؛ ـ النحو القديم جعل الجملة الخبرية أساسا للقضايا اللغوية، استنادا إلى المنطق الأرسطي؛ ولذلك قسم الكلمات حسب وظيفتها في الجملة الخبرية؛ ـ النحو القديم لم يفرّق بين لغة التحدث ولغة الكتابة؛ رغم أنهما يختلفان ولكل منهما نظام خاص؛ ـ النحو القديم اهتم بالكتابة ووضع قواعد اللغة على أساس التجويز؛ ومن هنا استخدمت فيه مصطلحات، مثل: "شذّ، وندر، ويُستثنى منه، و..." بكثرة؛ ـ النحو القديم خلط مستويات تحليل اللغة بعضها ببعض، حيث لا يحدّد فيه المستوى الصوتي والمستوى الصرفي والمستوى النحوي (الراجحي، 1979م، ص 45 ـ 48).
بعد تشكل النحو وتوسعه، ظهرت أمور آلت إلى صعوبة القواعد النحوية وتعقيدها. فمن تلك الأمور ما يأتي: 5ـ1. تأثر النحو بالعلوم الأخرى مما أدى إلى صعوبة القواعد في النحو القديم هو تأثر النحو العربي بعلوم كالمنطق والفلسفة اليونانية والنحو السرياني، والذي جعل الخبراء يتخذون هذا الموقف اعتماد النحو العربي على المعرفة العقلية كالقياس، واللجوء إلى التبريرات العقلية وغير اللغوية في القضايا النحوية. فالاتجاه إلى الأسباب العقلية والفلسفية في جميع القضايا النحوية من تقسيم الكلمات إلى تقسيم العوامل واضح كل الوضوح. هناك من يقولون بأن النحو العربي متأثر بالمنطق اليوناني. فهؤلاء ينتبهون إلى باب تقسيم الكلمة والكلام ويعتقدون أن لم يتم استقراء تام في تقسيم الكلمات في العربية. وبما أن هذا التقسيم متأثر بتقسيم أرسطو للكلمات اليونانية، فلا يلائم الكلمات العربية. تقسيم الكلمات إلى الاسم والفعل والحرف ضرب أطنابه في مبدأ ماورائي يرجع إلى تقسيم أفلاطون للموجودات. فذهب أفلاطون إلى أن الموجودات تنقسم إلى الذوات والأحداث. فالذوات تشتمل على الأمور المادية أو المعنوية؛ والأحداث تدل على أفعال تحدث في زمن معين؛ ويلزم أن يكون بين الذوات والأحداث صلة. فعلى هذا، قام بتقسيم الكلمات اليونانية يقول: «الكلمة على قسمين: اسم، وهو الذي يدل على الذات، وفعل، وهو الذي يدل على الحدث؛ وهناك نوع ثالث يدل على العلاقة بين الذات والحدث ويسمّى أداة الربط. فقبل النحاة هذا التقسيم» (أبو المكارم، 2005م، ص 80 ـ 81). والذين يقولون بأثر المنطق الأرسطي في النحو العربي لا يعمّمونه على كل النحو العربي؛ بل يرون النحو البصري أكثر تأثرا به؛ إذ يعتقدون أن أثر علم الكلام والثقافة اليونانية في النحو العربي بدأ من أواخر القرن الأول وأوائل القرن الثاني. ذلك أن خليل بن أحمد لم يكن بأول من نلاحظ هذا الأثر في منهجه النحوي، بل نشاهد هذا الأثر من قبل في المنهج النحوي لابن أبي إسحاق (إلياس، 1985م، ص 119). الجدير بالملاحظة أن خلف الأحمر (م 180ﻫ)، أول من استخدم مصطلح "الظرف" في كتابه مقدمة في النحو. واستخدم سيبويه هذا المصطلح في كتابه للدلالة على زمان وقوع الفعل أو مكانه. فاستخدام هذه المصطلحات يدل على تفكر محنك في الزمان والمكان يعود إلى أرسطو على الأغلب؛ فإنه أول من استخدم مصطلح الظرف بمعنى مكان أحاط فيه شيء بشيء آخر زماناً أو مكاناً. فاستخدام هذه المصطلحات يتعلق بفترة كان العرب قد تعرّف على فلسفة أرسطو (سيدى، 1387ﻫ.ش، ص 128). هناك من يعتقدون أن ظهور القياس في النحو العربي متأثر بالمنطق اليوناني قائلين بأن مفكّري الشعوب المختلفة تأثروا بالمنطق اليوناني؛ فلا غرو أن يحذو علماء اللغة العرب حذوهم، أي يعتقدون بعلاقة اللغة بالمنطق (أنيس، 1972م، ص 117). فعلى ما سبق، يمكن أن نستنتج أن النحو العربي قد تأثر بعلوم كالمنطق والفلسفة، وهذا أمر طبيعي؛ لكن الأمر الذي جعل النحو العربي يواجه مشاكل عديدة هو الاعتماد المتطرف على المعرفة العقلية، كالقياس وتحليل القضايا اللغوية والنحوية على منهج غير لغوي. فحين نلاحظ أن لا توجد للقدماء وجهة نظر واحدة في المبادئ النحوية، حيث استخدموا مصطلحات مختلفة، مثل: "اللفظي والمعنوي، أو المذكور والمستتر والمقدر، أو العامل القوي والعامل الضعيف وغيرها" لبيان العوامل النحوية؛ فذلك أن هذه المصطلحات نتيجة الأفكار غير النحوية واتجاه المعرفة العقلية وتحليل القضايا اللغوية على منهج غير لغوي واختلاط علم النحو بالعلوم العقلية؛ وبالتالي أدى إلى تشتت آرائهم وظهور مصطلحات غير لغوية وغير نحوية في آرائهم، مثل: "الواجب، والممتنع، والحسن، والقبيح" (حسن، 1971م، ص 199). انتهى الميل إلى المعرفة العقلية واستخدام المبادئ غير اللغوية إلى تعقيد النحو أكثر فأكثر وحمل علماء كابن مضاء على إبطال آراء النحاة، ولاسيما في قضية العامل؛ لأن هذه النظرة الفلسفية التي ابتدأت لحل مشاكل النحو، أدّت إلى مشاكل جديدة وصعّبت النحو وجعلت الأخطاء المصطنعة تحل محل الأخطاء الحقيقية، حيث قال أبو علي الفارسي في نقد المنهج النحوي للرماني: «إن كان النحو ما يقول به الرماني، فلا شيء منه عندنا؛ وإن كان النحو ما نقول به، فلا شيء منه عنده» (أبو المكارم، 2005م، ص 94). فأسباب اهتمام النحويين بتحليلات فلسفية وغير لغوية هي ما نتناوله بالبحث في التالي: ـ بما أن النحو تشكل في البصرة وكانت البصرة يومئذ ملمة بالفلسفة اليونانية والحكمة الهندية والمذاهب الكلامية، فلا شك في أن أكثر النحاة كانوا خبراء بهذه العلوم والمعارف وكانوا يبحثون عن الحكمة في النصوص العربية ويكتشفون سر دخول التركيبات والمفردات وأصلها متأثرين بالفلسفة والحكمة؛ ـ إن النحويين اهتموا بوصف هذه اللغة وتقعيدها، بعدما اجتازت مراحل عديدة من تطورها؛ وبعد هذه المراحل اعتبر خليل اللغة بناء سديدا ذا نظم رائع. فسبّب جهل النحويين بمراحل اجتازتها اللغة العربية ورغبتهم الزائدة في اكتشاف أسرارها، إقبالَهم الجادّ إليها وتعليلهم لكل ظاهرة لغوية (القرطبي، 1979م، ص 35 ـ 36). فيما يلي، يشار إلى مظاهر تأثير الأفكار الفلسفية على النحو العربي: 5ـ1ـ1. دخول المصطلحات المنطقية دخلت المصطلحات المنطقية علم النحو تحت تأثير علم المنطق. وكانت نتيجة ذلك وصف القضايا النحوية وتسميتها بالمصطلحات المنطقية، حيث لا يلائم اسم الموضوع النحوي محتواه في عدة مواضع. فعلى سبيل المثال، استخدم الزجاجي في كتابه الإيضاح في علل النحو، مصطلح "الحدّ" الذي هو مصطلح منطقي، بدلاً من مصطلح "التعريف" قائلاً: «حدّ الاسم وحدّ الفعل وحدّ الحرف» (1979م، ص 48 ـ 52 ـ 54). 5ـ1ـ2. استخدام التعليلات الفلسفية على النحوي أن يبين علاقات الألفاظ ودورها النحوي في الجملة؛ لكن النحاة القدماء اهتموا بكشف الأسباب المؤثرة في إعراب الكلمات وابتناء القواعد النحوية عليها متأثرين بعلم الفلسفة الذي يبحث عن كشف الأسباب المؤثرة في الظواهر والموجودات. بعبارة أخرى في النحو القديم الذي هو نحو تجويزي، ليست القواعد النحوية مبتنية على الظواهر اللغوية، بل تكون مبتنية على تصور النحويين من الأسباب المؤثرة في هذه الظواهر. كأنما يلزم أن يقام كل ما يوجد في قواعد اللغة على الحجة والبرهان والقياس؛ لكنهم لم ينتبهوا إلى أن اللغة ظاهرة اجتماعية وكائن حي ولا ينبغي حبسها في المعايير العقلانية (أنيس، 1972م، ص 85). فعلى سبيل المثال، في جملة مثل: "جاء رجل"، قال ابن الأنباري تبريرا لبناء الفعل الماضي ورفع الفاعل: الاسم أقوی الكلمات وأعلاها قوة ورتبة، فهو معرب؛ أما الأفعال فهي أحداث تصدر عن الذوات؛ ولذلك تقع بعد الاسم في الرتبة الثانية فهي مبنية. أما الفاعل فقد رُفع للتمييز بينه وبين المفعول به. فإن سُئل: لِم لَم يتعاكس؟ فيجاب: الفاعل أقل استعمالاً من المفعول به في الكلام والضمة حركة ثقيلة؛ فأعطوا الفاعل الحركة الثقيلة والمفعول به الحركة الخفيفة لأنه أكثر استعمالا (1957م، ص 77). وقال تبريرا لمنع بعض الأسماء من الصرف: الفعل أقل استعمالاً من الاسم لثقل تلفظه، ويكثر استعمال الاسم لخفة تلفظه؛ فيدخله التنوين دليلا على خفته ولايدخل الفعل. في كل فعل ظاهرتان: لفظية ومعنوية. الظاهرة اللفظية اشتقاقه من المصدر؛ والمعنوية احتياجه إلى الفاعل. ونظرا إلى أن المشتق فرع والمشتق منه أصل، والاحتياج فرع وعدم الاحتياج أصل؛ فللأسماء الممنوعة من الصرف سببان: لفظي ومعنوي؛ وبهما أصبحت ممنوعة من الصرف؛ فمثلاً في "فاطمة" سببان: لفظي ومعنوي؛ السبب اللفظي تأنيثها، والتأنيث فرع للتذكير؛ والسبب المعنوي علميتها، والعلمية فرع للتنكير (المصدر نفسه). لكن الأحسن أن نعدّ للمتعلمين مواضع منع صرف الاسم عوضا عن هذه التبريرات العقلانية وغير اللغوية؛ وليست هناك حاجة إلى ذكر سببين لكل واحد منها، كما ذُكر في الكتب النحوية، بل يكفي أن يتعرف المتعلم على مواضع منع الصرف؛ إذ إن الذي يتعب المتعلمين ويجعلهم يكرهون قواعد اللغة هو تعليم القواعد بناء على التعليلات الفلسفية والأسباب غير اللغوية، وليس حفظ مواضع منع الصرف. لكنا نجد تعليلات فلسفية وغير لغوية في كتب نحوية، مثل: الإيضاح في علل النحو للزجاجي بكثرة. فعلى سبيل المثال، قال الزجاجي في أول كتابه في باب أقسام الكلام: إنما ذكر سيبويه في أول كتابه حين قال: "الكلام اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى"، فقال قائلون: إنما قصد الكلام العربي دون غيره. وقال آخرون: بل أراد الكلام العربي كله والعجمي. ثم مثّل سيبويه كل صنف من ذلك ولم يقرنه بدليل قاطع ولا حجة. فإن كنتم قبلتم ذلك عنه تقليدا من غير برهان ولا حجة فأنتم في عمياء وشبهة. فما دعاكم إلى قبول ذلك منه؟ وقد علمتم أن النحو علم قياسي ومسبار لأكثر العلوم لا يقبل إلا ببراهين وحجج. ونحن نعلم أن اللّٰه عز وجل إنما جعل الكلام ليعبّر به العباد عما هجس في نفوسهم وخاطب به بعضهم بعضاً بما في ضمائرهم، مما لا يوقف عليه بإشارة ولا إيماء ولا رمز بحاجب ولاحيلة من الحيل؛ فإذا كان هذا معقولاً ظاهراً غيرمدفوع، فيبين أن المخاطَب والمخاطِب والمخبَّر عنه والمخبر (به) أجسام وأعراض تنوب في العبارة عنها أسماؤها أو ما يعتوره معنى يدخله تحت هذا القسم من أمر أو نهي أو نداء أو نعت أو ما أشبه ذلك، مما تختص به الأسماء؛ لأن الأمر والنهي إنما يقعان على الاسم النائب عن المسمى؛ فالخبر إذن هو غير المخبَر والمخبَر عنه، وهما داخلان تحت قسم الاسم؛ والخبر هو الفعل وما اشتق منه أو تضمن معناه، وهو الحديث للذي ذكرناه، ولا بدّ من رباط بينهما، وهو الحرف؛ ولن يوجد إلى معنى رابع سبيل، فيكون للكلام قسم رابع، وهذا معنى قول سيبويه: الكلم اسم، وفعل، وحرف (1979م، ص 41 ـ 42). وإليك السيوطي يقول: «التاء المدورة تلحق عدد المذكر وتحذف من عدد المؤنث ليتم التوازن؛ لأن المؤنث ثقيل والمذكر خفيف» (د.ت، ص 116 ـ 117). هناك أسئلة تخطر بالبال بعد تبرير السيوطي، وهي: ما المراد من ثقل الاسم وخفته؟ وعلام قسم السيوطي الأسماء إلى القسمين الثقيل والخفيف؟ لم عدّ المؤنث ثقيلاً والمذكر خفيفاً وما عكس الفرض؟ والسؤال الأهم ما الفائدة من تقسيم الأسماء إلى القسمين الثقيل والخفيف؟ وماذا أفاد هذا التقسيم النحو العربي؟ وجدير بالذكر أن علل النحو عند النحويين كانت على ثلاثة أقسام. فهذا أبو القاسم الزجاجي يقول: وعلل النحو على ثلاثة أضرب: علل تعليمية، وعلل قياسية، وعلل جدلية نظرية. فأما التعليمية فهي التي يتوصل بها إلى تعلم كلام العرب؛ لأنا لم نسمع نحن ولا غيرنا كل كلامها منها لفظاً، وإنما سمعنا بعضاً فقسنا عليه نظيره. مثال ذلك أنا لما سمعنا "قام زيد فهو قائم وركب فهو راكب"، عرفنا اسم الفاعل، فقلنا: "ذهب فهو ذاهب، وأكل فهو آكل"، وما أشبه ذلك. وهذا كثير جداً وفي الإيماء إليه كفاية لمن نظر في هذا العلم. فمن هذا النوع من العلل، قولنا: "إن زيداً قائم"، إن قيل: بم نصبتم زيداً؟ قلنا: بـ"إنَّ"؛ لأنها تنصب الاسم وترفع الخبر؛ لأنا كذلك علمناه ونعلمه. وكذلك: "قامَ زيدٌ"؛ إن قيل: لم رفعتم زيداً؟ قلنا: لأنه فاعل اشتغل فعله به فرفعه. فهذا وما أشبهه من نوع التعليم، وبه ضبط كلام العرب. فأما العلة القياسية فأن يقال لمن قال: نصبت زيداً بـ"إنَّ" في قوله "إنَّ زيداً قائمٌ"، ولم وجب أن تنصب "إنَّ" الاسم؟ فالجواب في ذلك أن يقول: لأنها وأخواتها ضارعت الفعل المتعدي إلى مفعول، فحُملت عليه فأعملت إعماله لمّا ضارعته. فالمنصوب بها مشبّه بالمفعول لفظاً والمرفوع بها مشبّه بالفاعل لفظاً، فهي تشبه من الأفعال ما قُدّم مفعوله على فاعله، نحو: "ضرب أخاك محمد"، وما أشبه ذلك. وأما العلة الجدلية النظرية فكل ما يُعتلّ به في باب "إنَّ" بعد هذا؛ مثل أن يقال: فمن أي جهة شابهت هذه الحروف الأفعال؟ وبأي الأفعال شبّهتموها؟ أبالماضية أم بالمستقبلة أم الحادثة في الحال أم المتراخية أم المنقضية بلا مهلة؟ وحين شبّهتموها بالأفعال لأي شيء عدلتم بها إلى ما قُدّم مفعوله على فاعله، نحو: "ضرب زيداً عمرو"؛ وهلا شبّهتموها بما قُدّم فاعله على مفعوله؛ لأنه هو الأصل، وذاك فرع ثان؟ فأي علة دعتكم إلى إلحاقها بالفروع دون الأصول وأي قياس اطّرد لكم في ذلك؟ (1979م، ص 64 ـ 65). ونهاية هذا المنهج نجدها في كتاب أصول النحو لابن سراج الذي كان ملتزما بأصول المنطق والاستدلال تماماً وطرح باب "علة العلل" في النحو. فقال في باب رفع الفاعل: «إن سئل عن سبب رفع الفاعل، قلنا: "رُفع" بالفعل؛ أما إذا سئل: لِم رُفع الفاعل ولَم يُنصب أو يُجرّ؟ فهذا سؤال عن علة العلل» (السيوطي، د.ت، ص 39). لكنا يمكن أن نفهم بنظرة عابرة أن ماهية اللغة بعيدة جداً عن هذه التعريفات والتبريرات غير اللغوية، وأن تحليل القضايا النحوية على هذا المنهج يدل على تأثر النحويين بالفلسفة وباتجاهات المعرفة العقلية. 5ـ1ـ3. نظرية العامل نظرية العامل أفضل دليل على اتجاه المعرفة العقلية للنحويين ونظرتهم الفلسفية في دراسة اللغة. يذكّرنا مصطلحا "العامل والمعمول" بالعلة والمعلول في الفلسفة، ومعناهما أن يؤثّر شيء في شيء آخر. النحاة القدماء اعتقدوا أن كل تغيير في إعراب الكلمة وحركتها لا بد أن يكون له سبب. أركان نظرية العامل ثلاثة: العامل، والمعمول، والحركة الإعرابية. فركّز النحاة على تعليل الحركات الإعرابية ووضع قواعدها، واهتموا بمسألة الإعراب ملتزمين باتجاه المعرفة العقلية، وبحثوا عن سبب لكل إعراب من الرفع والنصب والجر والجزم؛ وإذا لم يجدوا لفظا مؤثرا في إعراب الكلمة، لجأوا إلى التأويل ونسبوا الإعراب إلى العوامل المعنوية أو المقدرة أو المحذوفة. على سبيل المثال، إذا فتّشوا عن سبب رفع المبتدأ ولم يجدوا أي لفظ ينسبون رفع المبتدأ إليه، نسبوه إلى عامل معنوي وهو الابتدائية. وإذا فتّشوا عن سبب نصب "سعيد" في جملة "سعيداً رأيتُه"، نسبوه إلى فعل محذوف، تقديره: "رأيتُ"، دون أن يعتبروه مفعولاً به لفعل الجملة، أي "رأيتُ" المذكورة، لما اعتقدوا أن الفعل قد أخذ مفعوله مرة واحدة ولا يمكن أن يأخذه مرة أخرى ولو بشكل مختلف. وكذلك ظنوا أن الفعل يأخذ مفعوله الواحد بشكل واحد فقط إما اسماً، وإما ضميراً؛ وليس بإمكانه أن يأخذ مفعوله الواحد بشكلين مختلفين اسما وضميرا. فعلى رأيهم، يبدو أن الجملة صحيحة، إذا كانت على أحد الأسلوبين: إما "رأيتُ سعيداً"، وإما "سعيدٌ رأيتُه"؛ وإذا خرجت عن هذين الأسلوبين وصيغت على أسلوب آخر غيرهما، فقد حُذف منها شيء أو أضيف إليها شيء. نظرية العامل مبدأ عام التزم به النحاة القدماء تماماً في جميع قضايا النحو؛ ونحن نلاحظ الجرجاني قد قسم أبواب النحو كلها بناء على هذا المبدأ. نظرية العامل نظرة عقلانية غير لغوية صعّبت النحو العربي وأدت إلى ظهور قضايا، كالحذف، والتقدير، وأبواب كالتنازع، والاشتغال في النحو العربي. 5ـ2. الإفراط في استخدام القياس الأصالة في علم اللغة بالتحدث، وليس بالكتابة. والمعيار ما يستخدمه أهل اللغة، لا ما يفرضه النحاة عليهم. القياس والسماع مظهران لهذا الأمر؛ أحدهما قريب من طبيعة اللغة، ويعتمد على الكلام واللغة الطبيعية وهو السماع؛ والآخر بعيد عن طبيعة اللغة، ويقوم على الفروض غير اللغوية وهو القياس. انقسمت القضايا اللغوية في النحو العربي إلى القسمين ومال الباحثون إلى فريقين: أما أحدهما فكان يعتمد على الروايات؛ وهو فريق القرّاء؛ بينما كان الفريق الثاني يعتمد على العقل، ويصدر الأحكام العقلية حتى في الآداب والعلوم البلاغية، ويقيّم الأمور على غرار الحسن والقبح العقليين؛ وهو فريق المتكلمين، ولاسيما المعتزلة منهم، إذ كانوا متضلعين من المنطق اليوناني وملمّين بالفلسفة اليونانية. فظهر القياس في النحو من هذه الفترة (المخزومي، 1955م، ص 68). فليس المراد من القياس هنا ضرباً من البرهان في المنطق، وإنما هو منهجية قضايا اللغة. دخل القياس كثيراً من أبواب النحو على مر الزمن واختلط بالنحو حتى إن نحوياً مثل ابن الأنباري رأى النحو كله قياساً واعتبر إنكار القياس إنكار النحو كله؛ فقال: «النحو علم بمقاييس مستنبطة من كلام العرب؛ فمن أنكر القياس فقد أنكر النحو كله» (1971م، ص 95)؛ على سبيل المثال، اعتقد البصريون أن الفعل المضارع يُرفع لوقوعه موقع الاسم كالمبتدأ والخبر، نحو: "الأستاذ يدرّس"، أي قاسوا رفع الفعل المضارع برفع الاسم. فيلاحظ أن هذا التبرير لا تفوح منه رائحة اللغة ويبعد عن طبيعة اللغة تماماً. بإمكاننا أن نفهم خطأ هذا الرأي بدقة يسيرة؛ إذ ليس الأمر أن لا يقع موقع الاسم إلا الفعل المضارع، بل إن الفعل الماضي بإمكانه أن يقع موقع الاسم أيضاً؛ نحو "الأستاذ جاء". فكيف أعرب الفعل المضارع مرفوعاً وبُني الفعل الماضي على الفتح؟ ومثال آخر أن السيوطي قال في باب أقسام القياس: «من أقسام القياس قياس النقيض، كنصب النكرة بـ"لا" قياساً بعمل نقيضها "إنَّ"» (د.ت، ص 116 - 117)، أي كانت "إنَّ" نقيضة لـ"لا" النافية للجنس؛ فإذا كان اسم "إنَّ" منصوباً، يُنصب اسم "لا" النافية للجنس أيضاً. هذا التبرير كأمثاله غير لغوي وبعيد عن روح اللغة. هناك نقطة ملفتة للنظر، وهي أن ابن الأنباري ذكر سبعة عيوب للقياس في كتابه الإغراب في جدل الإعراب (1971م، ص 55 ـ 62)، وأضاف إليها ثلاثة عيوب أخرى في كتابه لمع الأدلة في أصول النحو (المصدر نفسه، ص 100 ـ 101)؛ رغم أنه ـ كما ذكرنا ـ رأى النحو كله قياسا، كأنه أراد أن يكون وفيا للقياس وأن يشوّهه في الوقت نفسه. والسيوطي رغم إصراره على توضيح أقسام القياس، قَبِل رأي ابن جني أخيراً على أن الأصالة مع كلام أهل اللغة. فإذا تعارض القياس والسماع، فالحق مع الكلام المسموع وهو حجة. ثم استدل بالآية الكريمة: «استَحوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيطانُª (المجادلة 58: 19)، على أنها تخالف قياس الصرفيين (سيدى، 1387ﻫ.ش، ص 137). يجدر بالذكر أن الفعل المستخدم في هذه الآية الكريمة "استَحوَذَ"، فعل معتل لم تجر عليه قواعد الإعلال. فحسبما ذُكر في قواعد الإعلال أن الواو في هذا الفعل يجب قلبها ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ليصير الفعل في النهاية "استَحاذَ"؛ لكنها لم تحدث. النقطة المهمة التي يجب أن نلتفت إليها هي أن الفعل "استَحوَذَ" يستخدم في اللغة العربية بهذا الشكل، أي دون حدوث الإعلال فيه. وليس الشأن أن يستخدم هذا الفعل في اللغة العربية وبين أهل اللغة مع الإعلال وبشكل "استَحاذَ" ويتمّ استعماله في القرآن الكريم بدون الإعلال وبشكل "استَحوَذَ" شذوذاً. إذن يرجع شذوذ بناء هذا الفعل ومخالفة صيغتها قياس الصرفيين إلى استعمال أهل اللغة، لا إلى استعماله في القرآن الكريم. وجدير بالذكر أن ابن جني أشار إلى مبدأ مسلّم في علم اللغة وهو مبدأ كثرة الاستعمال. فإذا تعارض القياس وكثرة الاستعمال، فالتقدم لكثرة الاستعمال؛ ولذلك تقدمت لغة الحجاز على لغة تميم لكثرة استعمالها؛ ورغم أن لغة تميم أقوى قياساً، لكن القرآن الكريم نزل بلغة الحجاز (المصدر نفسه، ص 137 ـ 138). 5ـ3. منهج النحويين في دراسة اللغة إنما علم اللغة دراسة وصفية، وهو بمنزلة علم التشريح في الطب. فكما لا يُتوقع من الطبيب أن يقول: ينبغي أن تكون هذه العضلة هكذا والأفضل أن يكون ذلك العظم على هيئة غير ما يكون عليه؛ ليس من المتوقع أن يقول عالم اللغة في النص: هذا جائز، وذاك غير جائز! إذ واجب عالم اللغة وصف حقيقة اللغة وشرحها، وليس تجويز القواعد لها. ومن هنا، فإن استخدام مصطلحات، مثل: "الواجب، والجائز، وما شابههما" التي تستخدم في النحو القديم بكثرة، يفقد مصداقيتها في علم اللغة الحديث. فحينما يقال في علم اللغة الحديث: "اللغة منهجية"، فالمراد منها أن اللغة يمكن وصفها في إطار قواعد اللغة؛ وليس المراد منها أن اللغة ليست إلا قواعد نحوية موضوعة. قواعد اللغة مجموعة من قواعد تقوم بدورين مهمين: 1ـ الفصل بين الجمل النحوية والجمل غير النحوية؛ قواعد اللغة تحدّد الجمل التي تدخل في حيز اللغة والجمل التي تخرج عنها؛ 2ـ وصف كل جملة نحوية؛ قواعد اللغة تصف كل جملة في اللغة وتشرحها بشكل صريح وجامع. ولكن ظهر التياران لدراسة اللغة على مر الزمن: "التيار الوصفي" و"التيار التجويزي". فمنهج علماء اللغة المحدثين في دراسة اللغة وصفي، ومنهج النحاة القدماء تجويزي. النحوي القديم يقوم بتجويز الأساليب الصحيحة في استخدام اللغة لأهلها، لكن عالم اللغة يصف اللغة كاملاً وينتبه إلى كل شيء في اللغة ويدرس قضايا اللغة كلها، فينبغي أن يكون النحو وصفيا لا تجويزيا. فالنحوي الحقيقي إذن من يمشي خلف اللغة ولا يعتمد على الأحكام غير اللغوية في دراسة قضايا اللغة، لا من يجعل نفسه إماماً للغة ويأمر أهلها. والخطأ الأول في منهج النحويين في دراسة اللغة أنهم اهتموا بنحو تجويزي؛ لقد اتسعت التجويزية في المذهب البصري حتى لم يكونوا راغبين في الاستشهاد بقراءة القرآن الكريم؛ هذا، وللاستشهاد بالشعر قد قسموا الشعراء من حيث الاعتماد على شعرهم إلى أربعة أقسام: القسم الأول: الشعراء الجاهليون، مثل: امرئ القيس؛ والقسم الثاني: الشعراء المخضرمون، مثل: لبيد وحسان؛ والقسم الثالث: الشعراء الإسلاميون، مثل: جرير وفرزدق؛ والقسم الرابع: الشعراء المولدون، مثل: بشار وأبي نؤاس؛ أما القسمان الأولان فأجمع البصريون على الاستشهاد بهما، وأما القسم الثالث فقبل بعضهم الاستشهاد به ورفضه البعض الآخر، وأما القسم الرابع فاتفقوا على عدم الاستشهاد بشعرهم. الخطأ الثاني أنهم خلطوا المستويات المختلفة من دراسة اللغة: كالصرف، والنحو، وعلم الأصوات، وعلم المعاني بعضها ببعض ولم يدرسوها منفردة. فتمّ تأليف ألفية ابن مالك وشروحها على هذا الأسلوب وتمت دراسة قضايا اللغة على هذا الغرار. الخطأ الثالث أنهم كانوا يدرسون مرحلة من اللغة قد مضت ثلاثة قرون من بدايتها وتطورها ولم تُسجل تطوراتها البنيوية والصوتية في هذه الفترة الطويلة، فهم كانوا يدرسون اللغة جاهلين بتطوراتها التي انتهت إلى هذا الشكل من اللغة. الخطأ الرابع أنهم اعتمدوا على اللهجات المختلفة في دراساتهم، فوقعوا في خلط منهجي ولم يستطيعوا وضع نحو عام وجام؛ لكن المنهج الوصفي يدرس كل لهجة من اللغة منفردة. 5ـ4. اللجوء إلى التأويل من العوامل المؤثرة في صعوبة النحو القديم هو اللجوء إلى التأويل. هذا العامل، وإن لا يمتّ إلى النحو نفسه بصلة، فقد صعّب النحو وزاده تعقيداً، ولاسيما في مجال التعليم. فقد اهتم النحاة باللجوء إلى تأويل الشواهد التي تخالف القواعد النحوية؛ فأدّى هذا إلى تعقيد النحو وتصعيبه أكثر فأكثر. إن التأويل يطلق على الأساليب المختلفة التي تهدف إلى إسباغ صفة الاتساق على العلاقة بين النصوص والقواعد (أبو المكارم، 1973م، ص 262). فهو أسلوب يحاول فيه النحوي التوفيق بين القاعدة النحوية التي توصل إليها بالاستقراء والاستنباط والقياس، وبين ما لا يتفق مما نقل عن العرب نقلاً صحيحاً مع هذه القاعدة أو تلك (عاشور، 2014م، ص5 7)، أو هو كما يرى بعض النحاة تفسير الكلام بما يتماشى مع قواعد المنطق العام، بالرغم من مخالفته لمنطق اللغة وواقعها (أبو المكارم، 2005م، ص 175). ويقصد فيما يبدو بالمنطق العام طرد القاعدة بالقياس على ما روي عن العرب جميعه، وجعلها عامة في اللغة لا يشوبها شذوذ كما يقصد بمنطق اللغة ما روي عن العرب غير مخالف للقاعدة، أو إنه صرف الكلام عن ظاهره إلى وجوه خفية تحتاج إلى تقدير وتدبر (عيد، 1989م، ص 157). وقد ذكر أبوحيان شيئا مفيدا في هذا السياق، وهو أن التأويل إنما يسوغ إذا كانت الجادة على شيء، ثم جاء شيء يخالف الجادة فيتأول؛ أما إذا كان لغة طائفة من العرب لم تتكلم إلا بها فلا تأويل. يُفهم من كلامه أن التأويل يكون في شيء روي عن العرب وقد خرج عن الجادة (طرد القاعدة) فيُردّ إليها بالتأويل (السيوطي، د.ت، ص 47). أما إذا كان المروي المخالف للقاعدة لغة قوم بعينهم، فلا حاجة إلى تأويل، لأنه لغة واللغة حجة (ابن جني، 1999م، ج 2، ص 12). لجأ النحاة إلى التأويل في مواضع عديدة، فيوجد التأويل في كثير من المسائل في النحو العربي القديم؛ لكن يشار إلى ثلاث منها على سبيل المثال لا الحصر.
5ـ4ـ1. توحيد الفعل مع الفاعل من القواعد المقررة عند النحاة أن لكل فعل فاعلا؛ والفعل لا يتصل بضمير رفع، إذا كان فاعله اسما ظاهرا. وقد وقفت هذه القاعدة عاجزة أمام سيل الشواهد التي تنقضها، وقد جاء في القرآن الكريم ما يخالف القاعدة في قوله تعالى: «وَأسَرّوا النَّجْوَى الَّذينَ ظَلَمواª (الأنبياء 21: 3)، فقد جاء الاسم الظاهر "الذين" فاعلاً للفعل "أسرّ"، والفعل أيضا متصلا بواو الجماعة. وقف النحاة مؤولين لهذه الآية وغيرها من الشواهد؛ إذ لم يستطيعوا ردها. فقد جعل بعضهم الجملة من هذا وما كان مثله خبرا مقدماً ومبتدأ مؤخراً، وبعضهم يبدل ما بعد الألف والواو والنون منهن على أنها أسماء مسند إليها (ابن مالك، 1990م، ج 1، ص 62 ـ 63)؛ وحكم بعضهم بأنها أحرف دلّوا بها على التثنية أو الجمع، كما دلّوا بالتاء في نحو "قامت" على التأنيث (ابن هشام، د.ت، ج 2، ص 105)، أي إن الاسم الظاهر هو الفاعل، وما اتصل بالفعل علامة لا غير. وكان بإمكان النحاة أن يخرجوا من هذه التأويلات والتعليلات، ويكتفوا بالقول: إنها لغة طيء وحُكي أنها لغة أزد شنوءة (ابن عقيل، 1984م، ج 2، ص 394). إن إقرار النحاة بأنها لغة قوم بعينهم، يكفي ويسدّ بدلاً من النزوع إلى التأويل، إلا أنهم لم يكتفوا، بل حاولوا تأويلها، كما هو مقرر في كتب النحو (عاشور، 2014م، ص 71). 5ـ4ـ2. إضمار عامل الفاعل وجوبا وقد جرّوا النحو إلى متاهات التأويل أيضاً ببعض قواعدهم؛ نحو ما جاء عند حديثهم عن قوله تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشرِكينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُª (التوبة 9: 6). قال بعضهم: إنما كان الحذف واجبا مع وجود المفسر، نحو: "استجارك" الظاهر؛ لأن الغرض من الإتيان بهذا الظاهر تفسير المقدر؛ فلو أظهرته لم تحتج إلى مفسِّر؛ لأن الإبهام ثم التفسير إنما كان لأجل التقدير، ومع الإظهار لا الإبهام، والغرض من الإبهام ثم التفسير، إحداث وقع في النفوس لذلك المبهم. وإنما لم يحكموا بكون "أحد" مبتدأ و"استجارك" خبره، لعلمهم بالاستقراء باختصاص حرف الشرط بالفعلية (الرضي، 1978م، ج 1، ص 199). إذا كان الاستقراء قادهم إلى ذلك، فماذا يقولون في هذه الآية والآيات العديدة التي على هذا النمط؟ وما أكثرها وما جاء عن العرب نثرا ونظما. إن هذا يقود أيضا إلى أنها قد تكون لغة قوم بعينهم، وإن لم يكن كذلك، فيمكن القول مع من قال في نحو قولهم: "لو أنّ زيداً قام لأتيناك": قد أجاز سيبويه أن تكون "أنّ" وما اتصل بها بعد "لو" في موضع رفع بالابتداء (ابن يعيش، د.ت، ج 1، ص 38؛ ابن عقيل، 1984م، ج 3، ص 194)، أو كما يقول الكوفيون بجواز تقديم الفاعل على الفعل (ابن هشام، د.ت، ج 2، ص 86). وبذلك، يمكن أن تحل المسألة بلا تأويل ووجوب تقدير. فنقول بجواز دخول أدوات الشرط على الجملة الاسمية التي مسندها فعل كما أجاز سيبويه، أو يؤخذ بقول الكوفيين؛ ولكن البصريين لا يقولون بقول الكوفيين؛ لأنهم يرون أن الفعل والفاعل كالكلمة الواحدة المركبة (ابن جني، 1993م، ج 1، ص 220 ـ 226؛ ابن الأنباري، د.ت، ج 1، ص 79)؛ ولا يجوز أن يتقدم العجز على الصدر؛ لكنهم ـ من العجب ـ يرونه في مواضع، وفي أخرى لا يرونه كذلك، وهذا من اضطراب الضوابط عندهم؛ فقد قال بعضهم: «أما جعل الفعل والفاعل كالشيء الواحد فلا يوجب ذلك أن يكونا كشيء واحد في كل وجه» (العكبري، 1986م، ص 246). حلل النحاة أسلوب الشرط كما حللوا الجملة، وتركوا العنان للخلافات النحوية حول جالب الجزم لفعل جواب الشرط وخبر اسم الشرط إن وقع مرفوعاً؛ فقد ذكروا آراء عديدة تحتاج إلى تأويل، منها: إن كلمات الشرط إما فاعلة لفعل مقدر، أو مفعولة له أو للظاهر؛ فقولك "مَن قام قمتُ"، أي: إنْ من قام، أي إنْ إنسانٌ قام (الرضي، 1978م، ج 1، ص 234 ـ 235). وتركوا ما ذكره الجرجاني، حيث قال: «الشرط كما لا يخفى في مجموع الجملتين، لا في كل واحدة منهما على الانفراد، ولا في واحدة منهما دون الأخرى» (د.ت، ص 258). والصواب أن الجرجاني جعلهما بمنزلة الجملة الواحدة، وإن لم يسمّها "جملة الشرط"، حيث قال: «واعلم أن سبيل الجملتين في هذا جعلهما بمجموعهما بمنزلة الجملة الواحدة سبيل الجزأين تعقد منهما الجملة» (المصدر نفسه، ص 259). 5ـ5. أسلوب تأليف الكتب النحوية من العوامل المؤثرة في صعوبة النحو القديم أسلوب تأليف الكتب النحوية. هذا العامل، وإن لا يمتّ إلى النحو نفسه بصلة، فقد صعّب النحو وزاده تعقيداً، ولاسيما في مجال التعليم. فقد اهتم النحاة بتأليف الكتب النحوية وتعليم القواعد النحوية بمناهج صعبة ومعقّدة فأدّى هذا إلى تعقيد النحو وصعوبته أكثر فأكثر. فأول خطأ في الكتب النحوية وأهمه تأليفها على المنهج التجويزي؛ والخطأ الثاني لهذه الكتب اختلاط الموضوعات النحوية بالموضوعات الصرفية؛ فعلى سبيل المثال، تقع أبواب كالمعرب والمبني، أو الإعلال والإبدال التي هي موضوعات صرفية، بجانب الموضوعات النحوية في ألفية ابن مالك ولم يقم بفصلها المؤلف ولا الشارحون. تأليف الكتب بأسلوب معقّد، والاستشهاد بالشواذ والأمثلة القليلة الاستعمال، ودراسة اللهجات المختلفة والخلافات النحوية، وتقدم التعاريف على ذكر الأمثلة، واستخدام المصطلحات غير اللغوية، والإطناب في بعض الأبواب والإيجاز في بعض آخر كلها من الأخطاء الموجودة في الكتب النحوية. فهنا يمكن أن نشير إلى كتاب سيبويه. فرغم أنه من أولى المصادر في النحو وأهمها، فله لسان مغلق فضلاً عن اختلاط الموضوعات النحوية بالموضوعات الصرفية فيه. فقد أصبحت اليوم المصطلحات والعناوين المستخدمة في الكتاب مهجورة ولا تستخدم بين علماء اللغة والنحاة المحدثين؛ وقد انتهى هذا الأمر إلى صعوبة فهمه. فإذا يقرّ نحوي كبير، مثل عباس حسن بصعوبة فهمه، فماذا يُتوقع من الآخرين؟! فهو قال: للكتاب لسان مغلق غامض؛ فمثلاً جاء في باب رفع الخبر بالمبتدأ: "فأما الذي بُني عليه شيء هو فإن المبني عليه يرتفع به كما ارتفع هو بالابتداء" وذكر عيباً آخر للكتاب، وهو الإحالة الكثيرة للضمائر (1971م، ص 226). من العيوب الأخرى للكتب النحوية تأليفها بالإيجاز؛ ومن هنا تمّ الاحتياج إلى الشرح والتوضيح والتحشية؛ فظهرت سلسلة طويلة من الشروح والحواشي على تأليف نحوي؛ على سبيل المثال، يمكن أن نشير إلى الشروح العديدة على ألفية ابن مالك، والحواشي المتعددة على الكافية لابن حاجب، وعلى المغني لابن هشام. واستمرت هذه السنة، حتى كتبت حواش على تلك الحواشي. لكنها حواش مفعمة بالأقوال والآراء المتناقضة والاحتجاجات غير المفيدة التي أدّت إلى صعوبة الحصول على مراد المؤلف، فضلاً عن عباراتها المغلقة وغموضها المتعب ومصطلحاتها المختصة بالعلوم العقلية والنقلية؛ كالمصطلحات المستخدمة في حواشي كتب الكفراوي التي لا يدركها إلا من كان متخصصاً في علوم مختلفة. هذا الأمر لم ينفع تعليم النحو، قط، بل عرقله وصعّبه وزاده تعقيداً وانتهى إلى ملال الطلاب وتضجرهم. وهذا ما أشار إليه ابن خلدون قائلاً: «إن الكتب النحوية المطولة لا تخدم اللغة، بل تعقّدها وتكرّهها إلى المتعلمين وتجعل النحو غاية اللغة دون أن تجعله وسيلة لفهمها» (عيد، 1979م، ص 134). ولذلك، قسم ابن خلدون الكتب النحوية إلى القسمين: 1. كتب تخدم اللغة وتفيد ملكة اللغة وتشمل كثيرا من كلام العرب والأمثال والأشعار؛ 2. كتب لا تخدم اللغة ولا تفيد ملكة اللغة ولا تشمل كلام العرب شعرا ونثرا، بل تشتمل على كثير من الجدل النحوي لا طائل تحته (المصدر نفسه، ص 135). هناك كتب نحوية، مثل: الحدود النحوية للرماني، والحدود النحوية للفاكهي، والشيرازيات و البصريات لأبي علي الفارسي، والقانون للجزولي و... . فلا فرق بين أن يكون قد تمّ تأليفها لتصعيب النحو أو لتيسيره، فذانك سيان؛ إذ لا يمكن الانتفاع بها بسبب صعوبة عباراتها وتعقيد أساليبها (المصدر نفسه، ص 137). يبدو أن الكتابة بأسلوب صعب كانت ثقافة شائعة بين القدماء؛ إذ سأل الجاحظ يوماً الأخفش: لِم تؤلف كتبك مغلقةً وأنت أعلم الناس بالنحو؟ لِم تكتب بعضها مفهومةً وبعضها مغلقةً؟ فقال الأخفش: إني لا أؤلف الكتاب ابتغاء مرضاة اللّه إذ ليس كتابا دينيا. فإن أؤلف كلها واضحة مفهومة، فلا حاجة للناس إليّ؛ فأؤلف بعضها سهلة لجذب الناس، وأؤلف بعضها صعبة ليحتاجوا إليّ ويأتوني (حسن، 1971م، ص227). وقال خليل: «بإمكاننا أن نشرح أبواب النحو شرحا يدركه جميع الناس قويهم وضعيفهم؛ ولكن يجب أن يكون للعالم فضل» (المصدر نفسه، ص 228). هذا الاعتراض له سابقة قديمة؛ فذكر خلف الأحمر في كتابه الموجز مقدمة في النحو في بيان سبب كتابته بالاختصار: «لما رأيت النحاة أطالوا الكلام وأكثروا من التعليل وغفلوا عن التيسير والاختصار اللذين يحتاج إليهما الطالب بكثرة، فكّرت في تأليف الكتاب موجزاً ومختصراً؛ فحذفت ما يغنيني عن إطالة الكلام» (خليل، 1988م، ص 51). 5ـ6. المنهج الخاطئ في الاستشهاد من العوامل المؤثرة في صعوبة النحو القديم استشهاد النحاة بالشواذ ودراسة اللهجات المختلفة والخلافات النحوية في تعليم القواعد النحوية. هذا العامل، وإن لا يرتبط بالنحو نفسه، فقد صعّب النحو وزاده تعقيداً ولاسيما في مجال التعليم. فقد قام النحاة بقطع طريق صعب واستخدام منهج خاطئ في تعليم النحو بذكر الشواهد الشاذة ودراسة اللهجات المختلفة والاهتمام بالخلافات النحوية والضرورات الشعرية والاستشهاد بها بوصفها أمثلة للقواعد النحوية وصعّبوا فهم القواعد النحوية. هناك نقطة مهمة، وهي أنا إذا ناقشنا بنية الجملة ووضع قواعد لنظامها، فعلينا أن نفصل لغة الشعر عن لغة النثر؛ فمادامت قاعدة نحوية خاصة تظهر في الشعر وحده لا تستحق أن تُعتبر قاعدة عامة وتنطبق على النثر (عبد التواب، 1367ﻫ.ش، ص 180). فبما أن الشعر يخضع للميزان الشعري والقافية، ويجوز فيه ما لا يجوز في الكلام، فلا ينبغي الاستشهاد به بوصفه مثالاً للقاعدة النحوية، ولاسيما الشواذ منه التي تخضع للهجة، علاوة على ما أشير إليه. النقطة الأخرى أن أهل اللغة لا يتكلمون بلغة الشعر؛ وكما قال علماء اللغة: إن الشعر حادث يحدث في إطار اللغة. يجدر بالذكر أن النظام الطبيعي السائد على اللغة ينهار في الشعر ويتمّ نقل عناصر الجملة أحياناً وحذفها أحياناً أخرى. هنا يخطر بالبال سؤال مهم، وهو أننا في مسيرة تعليم لغة للناطقين بغيرها كيف يمكن أن نستشهد بجمل شاذة خرجت عن نظامها الطبيعي بنقل عناصرها أو حذفها ونذكرها بوصفها أمثلة لقواعد اللغة؟ بغض النظر عن الشواهد الشاذة، إن الأبيات الشعرية التي استُشهد بها في الكتب النحوية ذات عيوب يشار إليها فيما يلي: ـ أبيات بلا إسناد: يوجد في كتاب سيبويه 50 بيتاً يجهل شاعرها. تُعرف هذه الأبيات بـ"50 بيتاً مجهول الشاعر لسيبويه" (الطنطاوي، 1972م، ص 83). ـ أبيات متعددة الإسناد: هناك أبيات لم تنسب إلى شاعر واحد، بل نسبت إلى شاعرين أو ثلاثة مذكورة في كتب مختلفة، وفي النسبة إلى شاعرها الحقيقي خلاف، فعلى سبيل المثال، ذكر سيبويه عن المرّار الأسدي:
(2009م، ج 1، ص 254). فقال السيرافي: «نُسب هذا البيت إلى المرّار الأسدي، لكني شاهدته في أشعار مالك بن زغبة الباهلي» (عيد، 1988م، ص 162). ـ أبيات متعددة الشكل: توجد أبيات رويت بأشكال مختلفة، أي رويت في المصادر المختلفة وفي إعراب بعض ألفاظها خلاف، كالبيت التالي لامرئ القيس:
(المصدر نفسه، ص 164). فقد رُوي برفع "ثوب" ونصبه. ـ أبيات منتحلة: بعض الأبيات الشعرية منتحلة. قال الأصمعي: «يوجد شخصان في تاريخ الأدب اسمهما مجنون؛ أحدهما مجنون بني عامر، والآخر مجنون بن قرية؛ وهو من صنع عقول الرواة» (المصدر نفسه، ص 170). استشهد النحاة في موضوع الموصول بشعر منسوب إلى مجنون:
(المصدر نفسه). ـ أبيات محرّفة: المراد من التحريف هو الخلاف الواقع في الشعر بين الشكل الذي جاء في المصادر النحوية والشكل الذي يجب أن يكون عليه، كالبيت التالي لامرئ القيس:
(المصدر نفسه، ص 173). بوصفه شاهداً على جزم الفعل المضارع بـ"أن". وقد جاء هذا المصراع في رواية أخرى على الشكل التالي: "إِلى أَن يَأتِيَ الصَّيدُ نَحطِبُ"، أو مثلاً البيت التالي لقيس بن زهير العبسي:
(المصدر نفسه). بوصفه شاهدا على عدم جزم الفعل المضارع بـ"لم". وقد جاء هذا المصراع في كثير من الروايات على الشكل التالي: وفي الأخير، يمكن القول إن الأبيات الشعرية التي استشهد بها النحاة في كتبهم لا تنهج على منوال واحد عام؛ فقد ركز النحاة على دراسة اللهجات والخلافات النحوية واستشهدوا بكلام شاعر من بني أسد أو بني تميم أحياناً وإلى شعر شاعر قرشي أحياناً أخرى؛ على سبيل المثال، بينما عدّ ابن مالك "لعل" من الأحرف المشبهة بالفعل في الألفية (ابن عقيل، 1387ﻫ.ش، ج 1، ص 317)؛ لكنه اعتبرها من حروف الجر في نفس الكتاب استنادا إلى لهجة عُقَيل (المصدر نفسه، ج 2، ص 7). وذكر ابن عقيل بيتين بوصفهما شاهدين له:
(المصدر نفسه، ص 8 ـ 9). وكذلك الشأن بالنسبة إلى "متى"؛ فعلى الرغم من أن ابن مالك عدّها من أسماء الشرط وذكرها في باب عوامل الجزم (المصدر نفسه، ص 335)؛ لكنه ذكرها في باب حروف الجر أيضاً استناداً إلى لهجة هُذَيل (المصدر نفسه، ص 7)، وذكر ابن عقيل بيتاً بوصفه شاهدا له:
(المصدر نفسه، ص 10). فليس من الواضح على أي لهجة تأسس النحو. من القضايا المهمة في علم اللغة أنه يجب دراسة كل لهجة بشكل مستقل؛ ولكن في النحو العربي، تمت دراسة جميع اللهجات. وبالنظر إلى ما سبق، يمكن القول إن الاهتمام بالشواذ والخلافات النحوية في مجال تعليم النحو ليس مفيداً فحسب، بل هو من المشاكل الرئيسة والتحديات الكبيرة في هذا الطريق. 5ـ7. التفاعل مع قضايا اللغة كظاهرة مثالية كان النحاة، ولاسيما البصريون يؤكدون على نظم اللغة وطبيعتها المنهجية؛ إذ كانوا يرونها كأداة للمحادثات المنطقية حول الظواهر العالمية (مكرم، 1967م، ص 101)؛ لكنهم لم ينتبهوا إلى أن اللغة ظاهرة طبيعية ولا يخطئ أهل اللغة في استخدامها، بما أن اللغة جزء من فطرتهم ونشأوا معها. وبالطبع، إن هذا لا يعني أن اللغة لا تتغير، ولكن إذا اعتبرناها ظاهرة مثالية تتطور بشكل مستقل عن البشر فقد أخطأنا؛ إذ لا تتكون اللغة مستقلة عن الذين يتحدثون ويفكرون بها، بل هي ضاربة أطنابها في أعماق وجودهم، ثم تتوقف قدرة اللغة على قدرات المتحدثين بها؛ لذلك فإن تطور اللغة هو إحدى مظاهر تطور المجتمعات (المصدر نفسه، ص 133). ليست اللغة العربية مستثناة من هذا المبدأ. ومن الطبيعي أن تحوّلها حياة البداوة والنظام القبَلي إلى لهجات مختلفة وتلتزم كل قبيلة بلهجتها. فحصرُ اللغة في نصوص خاصة أو قبائل محدّدة جور عليها (المخزومي، 1955م، ص 76). لكن البصريين وضعوا ثلاثة شروط للثقة بلغة: الجنس، والمكان، والزمان. فالمراد من الجنس أن يكون القائل عربيا قحّا لا مولّدا؛ والمراد من المكان أن يكون القائل من أهالي مركز جزيرة العرب أو نجد أو حجاز أو تهامة لكي لا يكون على اتصال بالبلدان المجاورة، مثل: إيران والروم؛ والمراد من الزمان يشمل الفترة الزمنية لنهاية القرن الثاني الهجري في المدن ونهاية القرن الرابع الهجري في البادية (خليل، 1988م، ص 34). فإن قبلنا رأي البصريين وقلنا بأن المخضرمين أخطأوا في تعابيرهم والمولّدين فسدت لغتهم والمسلمين لم تسلم لغتهم من اللحن، فبمن تمكن الثقة بوصفه أهل اللغة؟ وإذا كان من الخطأ الاستشهاد بلغة أهل الحجاز بسبب ارتباطهم بالروم وإيران والهند، واللخميين لمجاورتهم بلاد الشام، وبني تغلب وأهل اليمن لمجاورتهم اليونان، وقبيلة بكر لمجاورتهم الإيرانيين، وعبدقيس وأزد بسبب قربهم من الهند وإقامة الإيرانيين بهم، فمن يبقى من العرب لتمكن الثقة بلغتهم كلغة رسمية ولغة فصحى؟ فلو كان معيار الفصاحة عدم التواصل مع الأجانب، لكانت لهجة قريش أبعد لهجات اللغة العربية عن الفصاحة؛ لكن الأمر ليس هكذا، وجميع النحاة قائلون بأن لهجة قريش أفصح لهجات اللغة العربية على الإطلاق. إن النحويين كانوا يقومون بتأويل كل شاهد ومثال فصيح يعارض منهجهم حتى يلاءم قاعدتهم النحوية، وذلك بسبب تشددهم وتفاعلهم مع قضايا اللغة كظاهرة مثالية واعتقادهم بمنهجية اللغة؛ كأن القواعد التي وضعوها أصل والكلام العربي الفصيح فرع (خليل، 1988م، ص 70). اتجاه النحاة إلى وضع القواعد حرمهم من الرجوع إلى المصادر الموجودة بين أيديهم؛ وبدلاً من الإقبال عليها، حاولوا أن يخضعوا هذه المصادر لقواعدهم الموضوعة التي كانت أكثر عقلانية في رأيهم؛ وبالتالي أدّى عملهم إلى الدهشة واليأس وأصبحت اللغة راكدة وفقيرة (حسن، 1971م، ص 50 ـ 51)؛ فأدّى إصرارهم على وضع القواعد وإفراطهم في التركيز عليها إلى رفض الشواهد والأمثلة التي لا تلائم قواعدهم واعتبارها نادرة أو غير صحيحة؛ على سبيل المثال، كانوا يرفضون الأمثلة التالية في باب الأحرف المشبهة بالفعل؛ لأن الاسم والخبر كليهما منصوبان: "إنَّ العجوزَ حـيّةً جروزاً"، و"ألا ليتني حجراً بواد"، و"يا ليت أيامَ الصبا رواجعا"، و"لعل زيداً أخانا"، والبیت التالي:
(ابن هشام، 2000م، ج 1، ص 228). تجدر الإشارة أن اللغة لا تتبع دائما طريقا محدّدا ومحدودا ولا تسير بالضرورة في إطار قواعد وضعها النحاة لها؛ فعلى سبيل المثال في عدم انسجام اللغة دوما مع القواعد النحوية، يمكن الإشارة إلى الاستخدام المختلف للاسم في حالة الجمع. فرغم أن القاعدة النحوية تؤكد على أن الخبر، إذا كان مشتقا يجب أن يطابق المبتدأ في العدد والجنس؛ لكن هناك شواهد قرآنية توافق هذه القاعدة أحيانا وتخالفها أحيانا أخرى؛ فمن موافقتها الآية الكريمة: «وَاذكُروا نِعمَةَ اللّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعداءً فَـأَلَّفَ بَيْنَ قُلوبِكُمª (آل عمران 3: 103)؛ ومن مخالفتها الآيات الكريمة: «فَإِنَّهُم عَدُوٌّ لي إِلّا رَبَّ العالَمينَª (الشعراء 26: 77)، و«هُمُ العَدُوُّ فَاحذَرهُمª (المنافقون 63: 4)، و«فَأتِيا فِرْعَونَ فَقولا إِنّا رَسولُ رَبِّ العالَمينَª (الشعراء 26: 16). تسلك اللغة في باب المذكر والمؤنث أيضا طريقا غير ما حدّده النحو؛ لأن القاعدة النحوية لا تقبل تراكيب، مثل: "المرأة الكاعب، والناهد، والعانس، والحامل والمرضع"؛ لكن أهل اللغة يستخدمونها. ورغم أن القاعدة النحوية تؤكد على أن الفعل يتبع فاعله في الجنس؛ لكن هناك شواهد قرآنية تخالف هذه القاعدة؛ فمنها الآيتان الكريمتان: «وَقالَ نِسوَةٌ في المَدينَةِª (يوسف 12: 30)، و«لَيَقولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنّيª (هود 11: 10). فعلى ما سبق، نفهم أن اللغة لا تُحدّ بالقواعد النحوية المحدودة؛ إذ لها قدرة غيرمحدودة. وليس من المتوقع أن تكون اللغة ظاهرة مثالية ومنهجية، بحيث يمكن وصف جميع جوانبها بالقواعد النحوية؛ وأن تسير في إطار قواعد وضعها النحاة ولا تخرج عنها ولا تخالفها أبداً. هذا ما لم ينتبه إليه النحاة، فتوقعوا أن توافق النصوص العربية كلها قواعدهم الموضوعة دوماً، وإن لم توافقها اعتبروا ذلك النص خطأ أو شاذا أو قالوا بزلة قائله. فيبدو أنهم كانوا يظنون أن هذه القواعد تتناول البنية النحوية لكل نص أو كلام عربي وتشمل حلاً لكل مشكلة إعرابية؛ لكن الواقع أثبت خلافه.
الخاتمة تبين من خلال هذا البحث أنه ينبغي تصميم علم النحو، بحيث ينتهي إلى الوحدة المنهجية ويؤدي إلى الابتعاد عن التشتت والتعقيد اللذين يسببان الخلل في تعليم النحو وتعلمه؛ وذلك ممكن، إن ننتبه إلى الأمور التالية: ـ علم النحو يهتم بدراسة وصفية لقواعد اللغة؛ فعلى النحوي أيضا أن يصف الموضوعات النحوية فحسب، ويسجل نتائج دراساته بشكل قواعد توافق طبيعة اللغة واستعمال أهل اللغة، ولا يقوم بتجويز القواعد ولا يركز على الأمثلة والشواهد الشاذة التي تخالف القواعد النحوية. ـ يجب أن تخضع قواعد النحو للغة، وليست اللغة خاضعة لقواعد النحو. اللغة تتحول كغيرها من الظواهر الاجتماعية؛ لذلك يجب أن يكون النحو متطورا، لأن اللغة تتطور دوماً. وتجدر الإشارة إلى أنه «لا تفسد اللغات عندما تتغير، لكنها تتحول من مرحلتها السابقة؛ المرحلة التالية من اللغة ليست أكثر ولا أقل قيمة من المرحلة السابقة» (هول، 1391ﻫ.ش، ص 9). ـ يجب أن يميّز علم النحو بين لغة التحدث ولغة الكتابة؛ لأن لكل منهما نظاماً خاصاً يختلف بعضه عن بعض. ـ طبيعة اللغة بعيدة عن تعريفات غير لغوية؛ وبالتالي لا ينبغي للباحث النحوي أن يتخذ نهجا عقلانيا في دراسة القضايا اللغوية؛ لأن هذا سيجعل اللغة تبتعد عن طبيعتها. ومن الضروري أيضا تجنب إدخال موضوعات ووجهات نظر لعلوم أخرى في دراسة القضايا النحوية، لكي لا يؤدي إلى اختلاط النحو بالعلوم الأخرى. نظرية العامل هي أفضل مثال للتعبير عن الموقف غير اللغوي للنحويين تجاه قضايا اللغة، وهي التي أصبحت أكبر مشكلة في النحو العربي ويجب تعديلها. ـ تعديل الكتب النحوية من خلال تجنب الكتابة بأسلوب صعب، وتجنب التعبير عن الموضوعات القليلة الاستخدام، وتجنب الاستشهاد بالشواذ، وتجنب دراسة اللهجات المختلفة والخلافات النحوية، وتجنب اللجوء إلى تأويل الشواهد، وذكر الأمثلة ثم تقديم التعريفات والتوضيحات، واستخدام المصطلحات اللغوية واختيار الموضوعات التطبيقية والملحوظة للمتعلم، وتغيير منهج تعليم النحو باستخدام المناهج الجديدة لتعليم اللغة، وتقديم التمارين في كل موضوع وتعليم القواعد من خلال قراءة النصوص، بحيث يدرك المتعلم تطبيق القواعد التي يتعلمها.
[1]. Traditional Grammar | |||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||
* القرآن الكريم. أ ـ العربية ابن الأنباري، عبدالرحمن. (د.ت). الإنصاف في مسائل الخلاف. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. القاهرة: دار إحياء التراث. ــــــــــــــــــــــــــ . (1957م). أسرار العربية. تحقيق محمد بهجة البيطار. دمشق: المجمع العلمي العربي. ــــــــــــــــــــــــــ . (1971م). الإغراب في جدل الإعراب و لمع الأدلة في أصول النحو. تحقيق سعيد الأفغاني. ط 2. بيروت: دار الفكر. ابن جني، أبو الفتح عثمان. (1999م). الخصائص. تحقيق محمد علي النجار. القاهرة: الهيئة العامة للكتب. ـــــــــــــــــــــــــــ . (1993م). سر صناعة الإعراب. تحقيق حسن هنداوي. دمشق: دارالقلم. ابن عقيل، بهاء الدين عبد اللّٰه. (1984م). المساعد على تسهيل الفوائد. جدة: دار مدني. ــــــــــــــــــــــــــــــ . (1387ﻫ.ش). شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. ط 5. طهران: استقلال. ابن مالك، محمد. (1990م). شرح التسهيل. تحقيق عبد الرحمن السيد، ومحمد المختون. القاهرة: هجر. ابن هشام، جمال الدين أبو محمد عبد اللّٰه. (د.ت). أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. بيروت: دار الفكر. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . (2000م). مغني اللبيب عن كتب الأعاريب. تحقيق عبد اللطيف محمد الخطيب. الكويت: مطابع السياسة. ابن يعيش، موفق الدين. (د.ت). شرح المفصل. القاهرة: مكتبة المتنبي. أبو المكارم، علي. (1973م). أصول التفكير النحوي. القاهرة: دار غريب. ــــــــــــــــــ . (2005م). تقويم الفكر النحوي. القاهرة: دار غريب. إلياس، منى. (1985م). القياس في النحو. دمشق: دار الفكر. أمين، أحمد. (1970م). ضحى الإسلام. القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. أنيس، إبراهيم. (1972م). من أسرار اللغة. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية. باوزير، عائشة علي. (2003م). صعوبات تعليم النحو في المرحلة الثانوية من وجهة نظر المعلمات والمشرفات التربويات. رسالة الماجستير. جامعة ملك سعود (السعودية). كلية التربية. جابر، شريف محمد. (2012م). «مشكلات تدريس النحو العربي وعلاجها». لم يُذكر عنوان المجلة والبلد الذي نُشرت فيه. الجرجاني، عبد القاهر. (د.ت). دلائل الإعجاز. تحقيق محمد عبد المنعم الخفاجي. القاهرة: مكتبة الخانجي. حسان، تمام. (1998م). اللغة العربية معناها ومبناها. القاهرة: عالم الكتب. ـــــــــــــ . (1955م). مناهج البحث في اللغة. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية. حسن، عباس. (1971م). اللغة والنحو بين القديم والحديث. القاهرة: دار المعارف. خليل، حلمى. (1988م). اللغة العربية وعلم اللغة البنيوي. الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية. الراجحي، عبده. (1979م). النحو العربي والدرس الحديث. بيروت: دار النهضة العربية. الرضي، محمد. (1978م). شرح الكافية. تحقيق يوسف عمر. بنغازي: جامعة قاريونس. الزجاجي، عبد الرحمن بن إسحاق. (1979م). الإيضاح في علل النحو. تحقيق مازن المبارك. بيروت: دار النفائس. الزيدي، كاصر ياسر. (2002م). «مشكلات النحو بين القديم والحديث». الدراسات اللغوية. ج 2. ع 2. ص 72 ـ 97. السامرائي، إبراهيم. (1995م). «في المشكلات التربوية في الدرس اللغوي النحوي مما يفتقر إليه المتعلم». مجلة التربية بقطر. ج 24. ع 112. سيبويه، عمرو بن عثمان. (2009م). الكتاب. تحقيق إميل بديع يعقوب. ط 2. بيروت: دار الكتب العلمية. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر. (د.ت). الاقتراح في علم أصول النحو. تحقيق أحمد محمد قاسم. قم: أدب الحوزة. صاري، محمد. (د.ت). «واقع تدريس القواعد النحوية في مراحل التعليم العام "دراسة تقويمية"». اللغة العربية. ج 8. ع 2. ص 249 ـ 281. ضيف، شوقي. (1982م). تجديد النحو. القاهرة: دار المعارف. الطنطاوي، محمد. (1972م). نشأة النحو وتاريخ أشهرالنحاة. القاهرة: دار المعارف. عاشور، سلام عبد اللّٰه محمود. (2014م). «من أسباب تصعيب النحو العربي في مراحل التقعيد». مجلة الجامعة الإسلامية للبحوث الإنسانية. العايد، سليمان إبراهيم. (2012م). «تدريس النحو بين الجمود والرغبة في التطوير». الثقافة العربية وعصر المعلومات. ج 6. ع 12. العكبري، أبو البقاء عبد اللّٰه بن الحسين. (1986م). التبيين عند مذاهب النحويين. تحقيق عبد الرحمن العثيمين. بيروت: الغرب الإسلامي. علي، سلوى إدريس بابكر. (2014م). «تصعيب فهم النحو (الأسباب والمعالجات) يندرج تحت المحور الثاني (تحدي التصدي للازدواجية والثنائية اللغوية)». مجلة جامعة بخت الرضا العلمية. ج 7. ع 13. ص 80 ـ 102. عون، حسن. (1952م). اللغة والنحو. د.م. د.ن. عيد، محمد. (1988م). الاستشهاد والاحتجاج باللغة. القاهرة: عالم الكتب. ـــــــــــــــ . (1979م). الملكة اللسانية في نظر ابن خلدون. القاهرة: عالم الكتب. ـــــــــــــــ . (1989م). أصول النحو العربي في نظر النحاة. القاهرة: عالم الكتب. القرطبي، ابن مضاء. (1979م). الردّ على النحاة. تحقيق محمد إبراهيم البناء. القاهرة: دار الاعتصام. المخزومي، مهدي. (1966م). في النحو العربي قواعد وتطبيق. القاهرة: شركة الشمرلي للطبع والنشر والأدوات الكتابية. ـــــــــــــــــــ . (1964م). في النحو العربي نقد وتوجيه. صيدا: المكتبة العصرية. ـــــــــــــــــــ . (1955م). مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو. بغداد: دار المعرفة. مصطفى، إبراهيم. (2012م). إحياء النحو. القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. مكرم، عبد العال سالم. (1967م). القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية. القاهرة: دار المعارف. الولي، سلوى الريسي. (د.ت). «مشكلات النحو». وزارة التربية والتعليم في سلطنة عمان. ص 56 ـ 72.
آذرنوش، آذرتاش. (1390ﻫ.ش). آموزش زبان عربی. چ 13. تهران: مركز نشر دانشگاهی. باطنی، محمدرضا. (1393ﻫ.ش). نگاهی تازه به دستور زبان. چ 16. تهران: نشر آگه. سيدی، سيدحسين. (1387ﻫ.ش). رويكرد زبان شناختی به نحو عربی. مشهد: دانشگاه فردوسی. عبد التواب، رمضان. (1367ﻫ.ش). مباحثى در فقه اللغه وزبانشناسى عربى. ترجمه حميدرضا شعيرى. مشهد: به نشر. هول، روبرت اندرسون. (1391ﻫ.ش). زبان و زبان شناسی. ترجمه محمدرضا باطنی. چ 4. تهران: علمی و فرهنگی. | |||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 6,359 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 1,218 |