1 المقدمة
إنّ القرآن الکریم یفوق سائر الکتب بإعجاز نظمه ویحظى بمکانة مرموقة بین النصوص الأدبیة القدیمة والجدیدة. وهذه الرفعة
ترتبط بالجوانب المختلفة الکامنة فی جمیع أجزاء الکلام الإلهی، بحیث تجعله فی أعلى مراتب الکلام وفی قمة البیان مما یستحق
یدلّ على النظام المتماثل فی « دراسة نظمه وأسالیبه من قبل الدارسین والباحثین فی العلوم القرآنیة. أما الأسلوب فیرتبط بالنظم و
الأشیاء ... کذلک الأسلوب فی النحو؛ إذ هو النظام الثابت فی موضوع من الموضوعات النحویة، ولا یسمى بالأسلوب إلا الکلام المرکب، أما
عبد العلیم، 6222 م، ص 33 (، ولهذا یکون الأسلوب طریقة تألیف الألفاظ والتراکیب. وأسلوب ( » اللفظ الواحد فلا یسمى أسلوباً
العربی، 6226 م، ص 3(، فأسلوبه ممیز یختلف لاختلاف الألفاظ ( » طریقته التی انفرد بها فی تألیف کلامه واختیار ألفاظه « القرآن هو
والتراکیب ومادته اللغویة وتفرده الأدبی.
ومن جانب آخر، ظاهرة النصب هی ظاهرة إعرابیة منفردة بها اللغة العربیة عن کثیر من اللغات، وأکثر الموضوعات إثارةً
للاهتمام واستغراقاً لجهود الدارسین وأوسع الظواهر النحویة الإعرابیة شیوعاً وأوسع معانی الإعراب مجالاً )طهماسبی،
وهمایونی، 1311 ه.ش، ص 173 (، وهی التی تتمثّل فی الوظائف النحویة العدیدة کالحال وتتوزّع فی القرآن الکریم الذی له حظّ
وافر من هذه الظاهرة أو الوظیفة النحویة. وأسلوب الحال کأسلوب نحوی شائع یکون موضع اهتمام الکثیر من النحویین فی بیان
أسرارها من خلال حدیثهم عنها فی الدراسات النظریة أو التطبیقیة، وذلک من خلال نصّهم على کون الحال للتبیین أو للتوکید.
وهذا ملحظ دلالی، فقد نصوا على أغراض بلاغیة ودلالیة کالمدح والفخر والتعظیم والتصاغر والتصغیر والتهدید ... )الرضی،
1112 م، ص 52 21 (. فتدور مباحث الحال بین علمی النحو والبلاغة، والجامع بینهما هو "النظم". ویهتمّ النحویون بتفصیلها
فی کتبهم کوظیفة نحویة، وأما عنایة البلاغیین تکون بالوظیفة والأسلوب، وما جاء عندهم فی بعض مباحثهم البلاغیة تصریحا
أو تمثیلا هو التقیید والذکر والحذف والتقدیم والتأخیر والوصل والفصل ومواطن أخرى من علم المعانی مثل الإیغال
والاحتراس والتتمیم کأنواع من الإطناب )الهاشمی، 1311 ه.ش، ص 652 182 (، ونرى فی مواضع کثیرة من القرآن الکریم
تلعب الحال دورها فی إبراز الصور البیانیة کالتشبیه والاستعارة والمجاز والکنایة.
إنّ القیود أو الظروف تکون ألفاظا زائدة عن رکائز الإسناد، لکنها إذا ذکرت فوجّه القصد إلیها. وبذلک یکون معناها لازما
فی معنى الجملة. والحال من أهم تلک القیود التی تدخل فی الجملة، ولا بدّ لها من صاحب له موقع فیها. وبما أنها صفة لصاحبها
فی حدث معین وإخبار عنه فی إحداث هذا الحدث، فلا بدّ أن تشمل صاحبها لفظا ومعنى حتى لکأن شأنها شأن الخبر والصفة؛
لأن الصفة والخبر یشملان الموصوف والمبتدأ. کذلک جعل النحاة انقسامات للحال بالنظر إلى جوانب مختلفة تحدد أنواعها، منها
ما وضع على أساس الإفراد وعدمه والاشتقاق والجمود. ونظراً لأهمیة الربط ومکانته فی أسلوب الحال المفردة فی النظم
یجب أن تتضمن الحال صاحبها لفظا حتى ترتبط به معنى، فلا تکون أجنبیة عنه، وهذا یتحقق من کون الحال صفة مشتقة، والصفة « القرآنی، ف
برکات، ( »... ، المشتقة تتضمن الصفة المعنویة وموصوفها، ... ولا یتحقق الربط بین الحال وصاحبها فیما إذا کانت مصدرا أو اسما جامدا
6227 م، ج 3، ص 123 126 ؛ و ص 15 16 (، فالحال المشتقة تتضمن ضمیراً یعود إلى ما تعود علیه ویطابق صاحبها فی النوع
31 (. وأما الحال الجامدة غیر المؤولة فلا : المطففین 83 ( وإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَکِهِینَ : والعدد کما جاء فی قوله تعالى
رابط فیها کما هو شأن الرابط فی الخبر الجامد للمبتدأ. وإذا علمنا أنّ صاحب الحال یرتبط بحدث فی الجملة الأساس والعلاقة بین
أجزاء الجملة إنما هی علاقة معنویة فیشترط أن تکون مشتملة على رابط یربطها بصاحبها لیتمّ الاتصال معنى، وذلک لأنّ الحال
قد تغیر معنى صاحبها بالنسبة للأحداث التی یرتبط بها فی الجملة )برکات، 6227 م، ج 3، ص 35 32 (. ولا یمکن التجاهل
والتناسی لهذا الأصل الکبیر، فهی وإن م یکن رابط لها فی اللفظ إلا أنها ترتبط بصاحبها عبر علاقات بلاغیة أو دلالیة.
هذا، وللرابط فوائد مهمة منها إنشاء العلاقة بین الحال وصاحبها. وهذا أمر فی غایة الأهمیة؛ إذ کیف یؤتى بالحال لغرض
مقصود أو بیان هیئة صاحبها ثم لا ترتبط به! فلو سقط الرابط لانفصمت عرى الکلام، وبکونه یتم النظم المطلوب فیه ولو کان
الرابط ضمن علاقة تقابلیة بین الحال وصاحبها، کما جاء شرحها فی صمیم البحث.
والبحث هذا متّسم بالجدة والتجدد یسعى لتبیین العلاقات الموجودة بین الحال المفردة وصاحبها، بوصفها أداة لغویة ذات
مقدرة عظیمة على إیصال المفاهیم القرآنیة کما یسعى لکشف بلاغة التراکیب وأثر الدلالة ضمن سیاقات مختلفة وفق المنهج
الوصفی التحلیلی، والشاهد القرآنی هو محور التمثیل، آملین أن یکون إضافة جدیدة فی مجال دراسة نظام العلاقات فی الدرس
النحوی والبلاغی وتمهیداً للکشف عن حقیقة مضامین الآیات ولمساعدة الدراسات الآتیة فیه.
6 خلفیة البحث
لقد تمّ الفحص فی الکتب والدراسات التی کانت فی متناول الید، لکن موضوع هذا البحث م یحظ بدراسة مستقلة، وما ظهر
رسالة ماجستیر( لمجید أدیب حاجی باقری ) 1312 ه.ش(، والمنهج ( » الحال فی العربیة والفارسیة، دراسة تحلیلیة تقابلیة « : منها
الذی اعتمده الباحث فی هذه الرسالة هو المنهج الوصفی، وبعد دراسة الحال فی اللغتین العربیة والفارسیة، قام بمقارنتهما
رسالة ( » معناشناسى نحوى حال در قرآن کریم و برابریابى آن در زبان فارسى « وبتحدید مواطن الشبه والخلاف بینهما. و
ماجستیر( لمجتبى خوشرنگ ) 1381 ه.ش(، واعتمد الباحث فی هذه الرسالة على المنهج الوصفی الاستقرائی، وبعد تحدید
دراسات « . مواضع الحال فی القرآن الکریم وإحصائها تطرق إلى دراستها النحویة وکذلک دراسة بعض الترجمات الفارسیة لها
لعبد الخالق عضیمة ) 1222 ه.ق(، فقام الباحث فی القسم الثالث من الجزء الثالث وفی کتابه بإحصاء ،» لأسلوب القرآن الکریم
أسالیب الحال وأنماطها، لکنها تبقى دراسة إحصائیة بحتة.
لقد عنیت هذه الدراسات کلها بالجانب النحوی، وأما البحث هذا فیهتمّ باستخراج العلاقات بین الحال المفردة وصاحبها فی
النظم القرآنی وبمعالجتها فی المستویات اللغویة والکشف عن المعانی الکامنة خلف الألفاظ والسیاقات.
3 أسئلة البحث
فبما أنّ البحث یهدف الکشف عن العلاقات بین الحال المفردة وصاحبها فی النظم القرآنی وعن المعانی المجازیة الدقیقة
والدلالات الخفیة لها فیطرح سؤالان فی هذا المضمار، والبحث بصدد الإجابة عنهما:
ما هو نظام العلاقات فی أسلوب الحال القرآنی؟
کیف یتمثل هذا النظام بین الحال المفردة وصاحبها فی القرآن الکریم؟
2 أدب البحث النظری
إنّ اللغة مجموعة من المفردات تحکمها قواعد لغویة، فهناک علاقات بین المفردات فی الکلام، حیث لا توجد مفردة إلا ولها
الصَّداقة، والحب اللازم للقلب وما تتبلّغ به « علاقة بالمفردات المجاورة لها. لقد جاء فی معاجم اللغة من معانی العَلاقة، أنها بمعنى
مصطفى وزملاؤه، 1382 ه.ش، ص 266 (، والعَلاقة ( » البهائم من الشجر وما یُکتفى به من العیش وما تعلّق به الإنسان من صناعة وغیرها
لیتحقق الاستعمال على « المصدر نفسه(، ولا بد من العلاقة ( » المناسبة بین المعنى الأصلی والمعنى المراد فی المجاز والکنایة « : فی علم البیان
التفتازانی، 1383 ه.ش، ص 618 (. فنفهم من خلال هذه التعاریف أنّ الحدیث عن العلاقة یستوجب وجود طرفین أو ( » وجه یصح
أکثر تقوم بینهما أو بینهم هذه العلاقة، فهناک علاقات متنوعة بین أجزاء الکلام. وبما أن الفهم الدقیق للکلام لا یتم إلا عن
طریق فهم تلک العلاقات، فبحث النحویون عن تحدید القرائن، منها قرینة التعلیق. فقضیة التعلیق وقرائنه فی الإعراب من
إنشاء العلاقات بین المعانی النحویة بواسطة ما « القضایا المهمة التی استوحاها حسان من الجرجانی على حد قوله، والذی یقصد به
حسان، 1112 م، ص 188 (. والقرائن اللفظیة هی العلامة الإعرابیة والرتبة والصیغة ( » یسمّى بالقرائن اللفظیة والمعنویة والحالیة
وهی علاقات سیاقیة تفید فی تحدید المعنى « ، والمطابقة والربط والتضامّ والأداة والنغمة؛ وأما القرائن المعنویة کالإسناد والتخصیص
المصدر نفسه، ص 111 (، فتتضافر مع القرائن اللفظیة فی بیان دلالات التراکیب النحویة، والدلالة على المعانی الإضافیة ( » النحوی
کالتأکید والدهشة والغضب و... )المصدر نفسه، ص 632 625 (. وهناک علاقة وشیجة بین النحو والدلالة، والدلالة النحویة
تحصل من خلال العلاقات النحویة بین الکلمات التی تتخذ کل منها موقعا معینا فی الجملة حسب قوانین اللغة؛ إذ إن کل کلمة فی الترکیب لا «
مجاهد، 1185 م، ص 112 (، فهذه العلاقات ذات أهمیة بالغة ومؤثرة فی فهم المعنى ( » بد أن تکون لها وظیفة نحویة من خلال موقعها
النحوی.
وأما قضیة المجاز فهی قضیة جدلیة کبیرة لصلتها الوثیقة بالاعتقاد. وأنکرت وجودها جماعة فی الوقت الذی أقرّت بها
جماعة أخرى. والعلاقة بین الحقیقة والمجاز کانت وما تزال موضع اهتمام اللغویین والبلاغیین أیضاً، فقد رأوا أنّ تجاوز الکلمة
عن معناها الأصلی إلى غیر ما وضع له تکون بشرط وجود علاقة معنویة بینهما. وقد قسموا هذه العلاقات إلى نوعین: علاقة
المشابهة فی الاستعارة، وغیر المشابهة فی المجاز بنوعیه المرسل والعقلی )التفتازانی، 1383 ه.ش، ص 611 (. ومن أشهر علاقات
المجاز المرسل هی السببیة والمسببییة والکلیة والجزئیة والتعلق الاشتقاقی و... )الهاشمی، 1311 ه.ش، ص 317 316 . ولا بدّ
للمجاز العقلی من العلاقات منها الإسناد إلى الزمان أو المکان والسبب والمصدر وما جاء للفاعل على لفظ المفعول، وبالعکس
.) )المصدر نفسه، ص 318 317
هذا، وللعلاقات الدلالیة المعجمیة 1 أیضا دور کبیر فی ارتباط أجزاء الکلام وإیفاء المعنی المراد منه. ولها أنواع منها الترادف
والتقابل والاشتمال وعلاقة الجزء بالکل )کرستال، 1112 م، ص 681 و 676 (. والسبب فی تعدد العلاقات وکثرتها یرد إلى المعانی
الحقیقیة للکلمة ومضمون الکلام وتنوع السیاقات وتعدد المعنى. لقد ظهرت فکرة النظم القرآنی بعد نزوله وبدء البحث عن
وجوه إعجازه. ومما یلحق بهذه الفکرة هو نظام العلاقات القرآنی. فتبعا لهذا النظام، تنسج شبکة من العلاقات بین المفردات فی
الأسالیب النحویة القرآنیة بما فیها من أجزاء مترابطة، والنظام اللغوی الخاص له نظام أدبی متناسق ومسیطر على جمیع جوانب
الکلام الإلهی بأسالیبه الرفیعة کالحال. إن نظام العلاقات الخاص بأسلوب الحال یعنی أنّ فی الجملة روابط لفظیة ومعنویة
وعلاقات تتمثل فی الکلام بصور عدیدة؛ کالإسناد بین الفعل والفاعل أو التعدیة بین الفعل والمفعول به أو التوکید بین الحال
فهی قرینة معنویة على إفادة معنى الحال، « ، وعاملها أو الملابسة بین الحال وصاحبها. والملابسة من متفرعات علاقة التخصیص
حسان، 1112 م، ص 18 (، کما هی علاقة تحدد وظیفة الحال، وتکون الفتحة ( » بواسطة الاسم المنصوب أو الجملة مع الواو وبدونها
قرینة لفظیة علیها مدعمة بقرائن أخرى. وبتوارد هذه الروابط والعلاقات، یتألف نظام خاص وشبکة تتولد منها علاقات أخرى
:) کالعلاقة السببیة بین الحال وصاحبها. وعلى سبیل التمثیل، الرسم التالی یبین لنا حقیقة الأمر )الرسم البیانی 1
فهناک نرى العلاقة السببیة بین الحال وصاحبها کملحظ بلاغی. وهذا الأمر لا یتم إلا عن طریق الإسناد المجازی، حیث
تنعقد نسبة إسنادیة بین الحال وصاحبها ناجما عن تلک العلاقة بین الجانبین. وبما أنّ فهم المعنى لا یقتصر على الترکیب اللغوی
فحسب، بل یتعدّاه إلى الروابط والعلاقات اللفظیة والمعنویة ومراعاة القرائن والسیاق فیجب استحضارها لفهم ملابس المعنى
القرآنی، لأنّ کل کلمة فی القرآن لها معناها ومدلولها.
5 دراسة نظام العلاقات بین الحال المفردة وصاحبها فی القرآن الکریم
یقسم النحویون الحال بحسب الغرض العام منها، وهذا الأمر ینم عن اهتمامهم بالتدقیق فی استقصاء جوانبها، منها ما تنقسم
بحسب الإفراد وعدمه إلى الحال المفردة والحال الجملة والحال شبه الجملة. وقد جاءت هذه الأنواع الثلاثة فی القرآن الکریم
بکثیر، ولکل منها علاقة بینها وبین صاحبها وکل منها تحمل من المعانی والدلالات ما یجب الکشف عنها.
إن مبنى الحال المفردة على الاسم. فالاسمیة فی الحال تدلّ بوجه عام على الثبات والاستمرار وعلى الأصالة والأغلبیة وتأتی
على صیغ مختلفة منها صیغ الاشتقاق والجمود، ولکل منها مدلولها. وقد جاءت الحال فی القرآن الکریم مشتقة وشملت الکثیر
منها وأکثرها استعمالاً هو اسم الفاعل، حیث بلغت شواهده مما یقرب إلى مائة وأربعین شاهدا. وبما أنّ الحال وصف فی المعنى
فیکون اتصالها بصاحبها وثیقا. ویظهر هذا الاتصال بین الحال المفردة وصاحبها فی علاقات متنوعة بلاغیة ودلالیة ومعجمیة
یأتی شرحها على النحو التالی بالترکیز على الدلالة والسر البلاغی وعلى العلاقة الحاصلة بین الحال المفردة وصاحبها من خلال
تحلیل الشواهد القرآنیة مدعماً بآراء العلماء المعربین والمفسرین القدامى والجدد.
5 1 ما یندرج فی حقل المجاز
أسلوب المجاز من الأسالیب البیانیة المهمة، وهو من أحسن الأداة لإیضاح المعنى وله تأثیر کبیر فی النفس لخروجه عن المألوف،
إذ ینشط الذهن والعقل. وهو قسمان على اعتبار العقل والوضع اللغوی المجاز لغوی والمجاز العقلی، وسیجری فی ضوء هذین
القسمین الحدیث عن العلاقات التی تظهر بطریق المجاز دون إشارة إلى التعریفات والتقاسیم، وهو کما یلی:
5 1 1 المجاز بعلاقة العدول
الأصل فی الحال أن تکون موافقة لصاحبها فی الإفراد والتثنیة والجمع، وهی کذلک فی الأسلوب القرآنی غیر أننا نلحظ أن
هذا التوافق بینهما قد یختلف فی بعض المواطن. ومخالفة الحال لصاحبها فی العدد إما لکونها مصدرا وهو یصدق على القلیل
والکثیر، وإما لاحتمال صاحب الحال الإفراد والتثنیة والجمع. ویؤکد هذا التعلیل أقوال العلماء فی التفاصیل التالیة، ولذا تنشأ
ومن مجاز ما جاء لفظه لفظ الواحد الذی له جماع منه، ووقع معنى « : الحال المفردة المجازیة کما أشار بعض البلاغیین إلى هذه الظاهرة
ثُمَّ یُخرِجُکُم طِفلاً ... : أبو عبیدة، 1381 ه.ق، ج 1، ص 1(، ثم مثلوا بآیة من القرآن الکریم، وهی ( »... ، هذا الواحد على الجمیع
.)27 : الغافر 22 ( ...
ثُمَّ ... : کما یجری العدول نفسه فی الآیة ،» أطفالا « فهنا یکون اللفظ بصیغة المفرد إلا أن دلالته هی دلالة الجمع والمقصود
إمّا لأنّه مصدر فی الأصل وإمّا یراد به الجنس وإمّا لأنّ « ، 5(. فیدلّ اللفظ المفرد على الجمع فی حقیقته : الحج 66 ( ... نُخرِجُکُم طِفلاً
الصافی، 1218 ه.ق، ج 17 ، ص 87 (. فتوظیفها مفردة لا بصیغة الجمع الملائمة لصاحبها فی قوله ( » المعنى نخرج کلّ واحد منکم
أوقع آراء العلماء والمفسرین فی التضارب. ولعل قول ابن جنی أقرب إلى الحقیقة والفهم، حیث » نُخرِجُکم « و » یُخرِجُکُم «
وحسن لفظ الواحد هنا؛ لأنه موضع تصغیر لشأن الإنسان وتحقیر لأمره، فلاق به ذکر الواحد لذلک؛ لقلته عن الجماعة، ولأن معناه « : یقول
ابن جنی، 1121 م، ج 6، ص 627 (. فما قاله ابن جنی فهو یثبت وجود ملحظ دلالی ( »... ، أیضا: نخرج کل واحد منکم طفلا
لإیضاح علاقة العدول بین الحال وصاحبها وتأثیر السیاق والغرض الکلامی فی هذا العدول. هذه الظاهرة تجری فی آیات أخرى
» نَجِیًّا « 8(، حیث یجری العدول بین الحال : یوسف 16 ( ... فَلَمَّا اسْتَیْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِیًّا : من الذکر الحکیم مثل
إنما أفردت الحال وصاحبها جمع؛ « : وهذا المقام أیضا هو موطن التأمل والجدل. فیقول درویش .» خَلَصُوا « وصاحبها أی الضمیر فی
نَجِیًّا أی متناجین متشاورین ... أطلق على المتناجین مبالغة « : 1215 ه.ق، ج 5، ص 31 (، فمن حیث المعنى قیل ( » لأن النجی یفرد مطلقا
.) الآلوسی، 1215 ه.ق، ج 7، ص 32 ( »...
إفاضتهم فیه بجدّ واهتمام، کأنهم فی أنفسهم « وهذا یعنی وقوع العدول فی اللفظ دون المعنى، لأنها تدلّ على الجماعة، ولکن
وعُرِضُوا عَلى رَبِّکَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا کَما : الزمخشری، 1227 ه.ق، ج 6، ص 212 (، والآیة ( »... ، صورة التناجی وحقیقته
مصطفین ظاهرین، یرى « مفرد أرید به الجمع بمعنى ،» صفًّا « 28 (، من تلک الشواهد؛ ف : الکهف 18 ( ... خَلَقْناکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
أنهم أُحضِروا بحالة الجُناة الذین « المصدر نفسه، ج 6، ص 762 (، وتلک الحالة تُظهر عن ( » جماعتهم کما یرى کل واحد لا یحجب أحد أحدا
یَوْمَ یَقُومُ اَلرُّوحُ والمَلائِکَةُ صَفًّا ابن عاشور، بلا تا، ج 15 ، ص 71 (، وفی آیة أخرى هی ( » لا یخفى منهم أحد إیقاعا للرعب فی قلوبهم
ابن عاشور، بلا تا، ج ( » فصفّ الملائکة تعظیم للّه وخضوع له ...« ،)38 : النبأ 78 ( لا یَتَکَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ اَلرَّحْمنُ وَقالَ صَوابا
32 ، ص 22 (، والتعظیم متمثل فی ما بعد، حیث کلٌّ منهم لا یتکلم إلا بإذن ربه. ففی الأمثلة القرآنیة السابقة، نرى أن العدول
المجازی فی عدد الحال حدث لأغراض بلاغیة کالتعظیم والتصغیر والتحقیر والمبالغة والترهیب.
5 1 6 المجاز المرسل بعلاقة السببیة
ینقسم المجاز باعتبارات مختلفة، منها المجاز المرسل والمجاز العقلی، وللمرسل علاقات کثیرة لیست بمشابهة؛ کالعلاقة
السببیة، وللمجاز العقلی علاقات أیضا منها الإسناد إلى السبب )الهاشمی، 1311 ه.ش، ص 317 316 (. فالعلاقة السببیة هی
إحدى العلاقات فی المجازین، وطبعاً حقیقة کل منها تختلف عن الآخر کما جاء فی تفاصیل الکتب، فننتقل إلى تطبیقها فی الآیات
الکریمة.
: الإسراء 17 ( ... وَآتَینَا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبصِرَةً ... : قد تأتی الحال فی القرآن الکریم مسنداً إلیه مجازا، ومن أمثلته قوله تعالى
51 (، لقد بعث الله فی قوم صالح ناقة آیة بینة واضحة على قدرته تعالى، لتکون سبباً فی هدایتهم، ولکن لا لکون الناقة
لما کانت الناقة سببا فی إبصار الحق ...« مبصرة حقیقة، فالناظر للآیة یرى مجیء المفعول على لفظ الفاعل، فجعل الإبصار للناقة
الصابونی، 1172 م، ج 6، ص 152 (، فجاء الکلام فی قالب المجاز المرسل المقید بعلاقة سببیة. کذلک الأمر فی الآیة ( »... ، والهدى
یجوز ...« 13 (، فإننا نلاحظ فی ترکیب الآیة إسناد الإبصار إلى الآیات، ف : النمل 67 ( ... فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آیاتُنا مُبْصِرَةً : التالیة
الدرویش، 1215 ه.ق، ج 7، ص 173 (، وعلیه فقد حملت الآیة ( »... ، أن یکون المجاز مرسلا بالعلاقة السببیة؛ لأنها سبب الإبصار
مجازا مرسلا علاقته السببیة، ولا تخفى العلاقة بین المعنیین ألا وهی السبب والمسبب. ومن هنا نرى نشأة الحال المجازیة.
5 1 3 المجاز العقلی بعلاقة إسناد ما بنی للفاعل إلى المفعول أو بعلاقة الإسناد إلى السبب
... وَجَعَلنا آیَةَ النَّهارِ مُبصِرةً ... : لعل من أظهر شواهده ما جاء فی شأن النهار ووصفه بالإبصار، وهو قوله جلّ ذکره
فالإسناد واقع بین ما .» وخلقنا آیة النهار مبصرة « : فیکون معنى الآیة » خَلَقَ « على معنى » جَعَلَ « 16 (، ولو حمل : )الإسراء 12
فجیء بالکلام من قبیل المجاز بأن وصفت آیة النهار بصفة الفاعلیة بدل المفعولیة على .» آیة النهار « و » مُبصِرة « فی معنى الفعل أی
وجه من وجوه المجاز العقلی، حیث جعل الله سبحانه آیة النهار الضوء المبصَر من جهة المخلوقات، وقد یکون المراد إظهار آیة
مضیئة )الفراء، بلا تا، ج 6، ص 162 (، کما هو المعنى فی قوله تعالى. » مُبصِرَةً « من آیات الله لتکون تبصرة للعباد ...، لأن معنى
27 (، و﴿أَلَمْ یَرَوْا : یونس 12 ( ... هُوَ اَلَّذِی جَعَلَ لَکُمُ اَللَّیْلَ لِتَسْکُنُوا فِیهِ والنَّهارَ مُبْصِراً : وفی آیات أخرى، قال سبحانه
اَللّهُ اَلَّذِی جَعَلَ لَکُمُ اَللَّیْلَ لِتَسْکُنُوا فِیهِ وَاَلنَّهارَ مُبْصِراً ... 82 (، و : النمل 67 ( ... أَنّا جَعَلْنَا اَللَّیْلَ لِیَسْکُنُوا فِیهِ والنَّهارَ مُبْصِراً
21 (. ففی الآیات الثلاث أسند الإبصار إلى النهار على سبیل المجاز العقلی ... )الدرویش، 1215 ه.ق، ج 2، ص : غافر 22 (
حیث جعل الإبصار الذی هو « 673 (، وهو على طریق المبالغة ... )ابن عطیة، 1266 ه.ق، ج 3، ص 131 (، فعدل الله إلى المجاز مبالغة
الزمخشری، 1227 ه.ق، ج 3، ص 382 (، والنکتة ( »... ، حال الناس حالا له ووصفا من أوصافه التی جعل علیها بحیث لا ینفک عنها
جاءت مفردة مع صاحبها المفرد فی جمیع الآیات المذکورة ما عدا الآیة الثالثة عشر من سورة النمل. » مبصرة « الأخیرة هی أن
ولعل السرّ راجع إلى مدلول هذه الکلمة وما تؤدیه من معان فهی دالة على التصویر. فنسبة الإبصار إلى الآیات تدلّ على
لربما أوهم » مبصرات « التصویر وعلى وضوحه ووحدة الهدف والمصدر، وفی ذلک تقریع لهم وبیان لعظیم جهلهم. ولو کانت
تعدد هدف تلک الآیات. ومما یمکن قوله هنا: إن هذه الأحوال جاءت فی سیاق الإنعام على الخلق والمنة علیهم، وفی کل
مواقعها تتبلور فی الذهن أولاً صورة لکائن حیّ یبصر هو فی ذاته، ومن وضوحه یدعو غیره للإبصار، وهذا التجسیم یمنح عمقا
خاصا لوضوح تلک الآیات.
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ : جاءت بالتأنیث صریحة فی الآیتین تشبهان سیاقا ومعنى، وهما قوله تعالى » خاشعة « ومن شواهدها
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِکَ اَلْیَوْمُ اَلَّذِی 23 (، و : القلم 28 ( تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ کانُوا یُدْعَوْنَ إِلَى اَلسُّجُودِ وَهُمْ سالِمُون
22 (. فإنه مشهد مرعب مشحونة بالخوف والوجل تسوقه لنا الآیتان، کما یظهر فیها أن تکون فی : المعارج 72 ( کانُوا یُوعَدُونَ
سیاق الهول والخوف لمنکری البعث ومکذبی الرسل إشعارا بضعفهم على کثرتهم وإرادة تصویر ذلتهم. فنسبة الخشوع إلى
الأبصار تکون على سبیل المجاز العقلی )الدرویش، 1215 ه.ق، ج 12 ، ص 183 (. والسرّ فی نسبة الخشوع إلى الأبصار لظهور أثره
فیها )الصافی، 1218 ه.ق، ج 61 ، ص 51 (. وخص الأبصار بالذکر، لأن الخشوع فیها أبین منه فی کل جارحة )ابن عطیة، 1266
ه.ق، ج 5، ص 353 (. وما یظهر من تأمل الشواهد أنّ الحال المجازیة نشأت فی الآیات على سبیل المجاز العقلی بالإسناد إلى السبب
أو المفعول لغرض المبالغة التی جاء ذکرها ضمن دراسة النظام البیانی للآیات السابقة.
5 1 2 الاستعارة بعلاقة المشابهة
الاستعارة نوع من المجاز اللغوی، ولها دور هام فی إبراز الصور البیانیة وإظهار المعانی الدقیقة والمضامین الرائعة فی التراکیب
والمفردات القرآنیة. وهذه الظاهرة البلاغیة تجری فی الکلام بعلاقة المشابهة بین الجانبین الرئیسین؛ أی المشبه والمشبه به. نرى کمّا
هائلا من الاستعارات فی الکلام الإلهی کما نراها تلعب دورا ممیزا فی تصویر الحال القرآنی ورسم مشاهدها، ولها قدرة فائقة فی
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى اَلسَّماءِ وهِیَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ اِئْتِیا طَوْعاً أَوْ کَرْهاً قالَتا أَتَیْنا : هذا المجال، ومن هذه الآیات هی
حال بینت خضوعهما وعبودیتهما » طائعین « 11 (. ففی الآیة حوار بین الخالق وبین السماء والأرض. و : فصلت 21 ( طائِعِینَ
لربهما، وکل منهما شبه بإنسان یستجیب نداء ربه ویسرع إلى تلبیة الأمر والانقیاد للقدرة الإلهیة، ثم حذف المشبه به ورمز إلیه
.) وهذا التعبیر الفنی یسمیه علماء البلاغة الاستعارة المکنیة )الهاشمی، 1311 ه.ش، ص 362 ،» القول « بشیء من لوازمه، وهو
هناک أیضا عدول عن العدد، وهی مجیء الحال مجموعاً مراداً به المثنى. فبنی الکلام على المجاز. ولعل السرّ فی ذلک هو القول بأن
، الامتثال صادر عن الجمع، لأن لفظ السماء والأرض یشتمل على السماوات السبع والأرضین السبع )ابن عاشور، بلا تا، ج 65
ص 66 (. ولعلنا من خلال ما نعرض، نرى فائدة مجیء الحال مجموعة للدلالة على إظهار الطاعة من جمیع تلک المخلوقات.
یوسف ( إِذْ قالَ یُوسُفُ لِأَبِیهِ یا أَبَتِ إِنِّی رَأَیْتُ أَحَدَ عَشَرَ کَوْکَباً والشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَیْتُهُمْ لِی ساجِدِین : وفی موضع آخر
حیث شبه المذکورات بقوم عقلاء ساجدین، والضمیر والسجود قرینة، أو أحدهما قرینة تخیلیة والآخر « ، 2(، نرى الاستعارة المکنیة :16
للدلالة على أن سجدتهم کانت عن علم وإرادة کما « الصافی، 1218 ه.ق، ج 16 ، ص 382 (. واستعمل ضمیر جمع المذکر ( » ترشیح
طباطبایی، 1217 ه.ق، ج 11 ، ص 77 (، وهذا سرّ بیانی کامن وراء هذا الوصف قد عبّر به عن ( » یسجد واحد من العقلاء لآخر
وَمِنْ آیاتِهِ أَنَّکَ تَرَى معنى یدلّ على حالة فی الکواکب من التعظیم لیوسف )ابن عاشور، بلا تا، ج 16 ، ص 12 (. وأما الآیة
31 (، ففیها استعارة مکنیة فی صفة الأرض بالخشوع، : فصلت 21 ( ... اَلْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَیْهَا اَلْماءَ اِهْتَزَّتْ وَرَبَتْ
الزمخشری، 1227 ه.ق، ج 2، ص 621 (، فتکون الأرض کإنسان خاشع متذلّل، ( » فاستعیر لحال الأرض إذا کانت قحطة لا نبات فیها «
فجاءت الحال لتناسب جو العبادة؛ لأنها فی سیاق یتحدث عن عبادة اللّه عز وجل والسجود له، ومن هنا کان سر اختیار
وَتَرَى اَلْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا ... : الصفة للتناسق مع الجو العام للمعنى )الصافی، 1218 ه.ق، ج 62 ، ص 315 (. وفی الآیة التالیة
معناه ساکنة دارسة بالیة )ابن عطیة، 1266 » هامِدَةً « 5(، ف : الحج 66 ( أَنْزَلْنا عَلَیْهَا اَلْماءَ اهْتَزَّتْ ورَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ کُلِّ زَوْجٍ بَهِیجٍ
ه.ق، ج 2، ص 121 (، وهذه استعارة مکنیة جاءت فی سیاق یتحدث عن الموت والسکون )المصدر نفسه(، ولا ریب أن الاستعارة
تلعب دورها بشکل رائع لإبراز الصور والمعانی والدلالات الخفیة، لکنها فی سیاق یختلف عن الآخر کما تظهر علاقة التشبیه فی
الاستعارات المدروسة.
5 6 ما یندرج فی حقل التشبیه
الهدف من التشبیه فی القرآن الکریم هو ما یهدف إلیه کل فن بلاغی، أی التأثیر فی العاطفة ترهیباً أو ترغیباً. وفائدة التشبیه فیه
تعود إلى المشبه تصویرا له وتوضیحا، ولهذا کان المشبه به دائما أقوى من المشبه وأشد وضوحا )بدوی، 6225 م، ص 152
و 157 (، فللتشبیه موقع حسن فی البلاغة، والغرض منه هو قد یکون الإثبات والإیضاح والتأثیر وقد یکون على وجه المبالغة
.) )الهاشمی، 1311 ه.ش، ص 622
5 6 1 علاقة المشابهة
تأتی الحال فی « : أول ما ظهر لنا خلال عملیة الدراسة لهذه العلاقة هو قول برکات الذی یسترعی الانتباه إلیه، فهو یقول
مبنی الاسم الجامد غیر المصدر فی مواضع منها أن یتضمن معناها التشبیه، وذلک بأن یکون المقصود بها فی الجملة تشبیه صاحبها بها، وکأنه
المشبه، وهی المشبه به نحو: کرَّ زیدٌ أَسَداً. ف)أسداً( حال من )زید(، وتلمس تشبیها، حیث زیدٌ مشبه و)أسداً( مشبه به والتقدیر: کرَّ زیدٌ
برکات، 6227 م، ج 3، ص 22 (. إذن تجری علاقة المشابهة بین الحال وصاحبها فی أسلوب الحال القرآنی، حیث ( »... کالأسدِ
قَالَ یا بُشرَی هَذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ ... : وقعت فی موضع المشبه به والصاحب فی موضع المشبه. وإذا تأملت هذا الأمر فی قوله تعالى
القطعة من المال تعد للتجارة من بضعت، فهو اسم جامد غیر مصدر، وفی قول ...« 11 (، ترى أن البضاعة بمعنى : یوسف 16 ( .. بِضَاعَةً
أبی حیان: وانتصب )بضاعةً( على الحال أی متّجرا لهم ومکسبا، ما یوحی بأنه حال تؤول بالمشتق، وأرى أن فیها تشبیها، حیث جعل یوسف
المصدر نفسه، ج 3، ص 21 (. والتشبیه فی الآیة بلیغ قصداً إلى المبالغة فی عدم معرفتهم ( »... ، کقطعة من المال تُعدُّ للبضاعة أو کالبضاعة
بشأنه، حیث م یخطر ببالهم سوى بیعه، وأنهم أخفوه بضاعة یقصد بها البیع والتجارة، کما یبدو أن الحال معللة لما تظهر ما
عزم علیه المسرّون. فلا بأس أن نقول بعلاقة أخرى بینهما، وهی علاقة العلیة. والتعلیل فی أسلوب الحال یفسر کونها وسیلة
لارتباط العلة والمعلول أی الحال وصاحبها. ویبدو أن التشبیه للاستطراف لما من طرافة فی تشبیه إنسان بقطعة من المال أو لتشویه
المشبه قصداً إلى المبالغة فی حطّ شأنه لدى المسرّین.
63 (. فجاء فی : الفرقان 65 ( وقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً : ومن الشواهد الأخرى فی هذا المجال الآیة
هباء « : ابن منظور، 1116 م: مادة هبا(، وفی تأویل مشکل القرآن ( » وهو غبار شبه الدخان ساطع فی الهواء « لسان العرب: الهباء
کنایة عن عمل لغو لا ینتفع به )ابن قتیبة، 6226 م، ص 12 (. وعلى هذا، تکون عملهم کالغبار والدخان لعدم وجود » منثورا
کنایة عن العمل الباطل یشیر إلى کونها فی موضع الحال أی » هباء « الفائدة فیه, فالعمل الذی لا فائدة فیه هو الباطل. فکون
فشبه عمل الطاغین والکفرة بالغبار .» فجعلناه کالهباء المنثور ...« فالتشبیه فیها واضح. ویمکن تأویلها إلى ،» فجعلناه عملا باطلا «
والدخان. فنرى أن التشبیه القرآنی جزء أساسی فی الجملة ولا یتم المعنى بدونه حیث إذا سقط منها انهار المعنى من أساسه
.) )بدوی، 6225 م، ص 153
5 3 ما یندرج فی حقل القصر
إنّ القصر من أسالیب علم المعانی ومن علوم البلاغة، وهو من الأسالیب البلیغة بطرقه المنوعة فی القرآن الکریم. وبلاغته تکمن
فی کونه مفیدا للإیجاز والتوکید والمبالغة والاهتمام والتعریض والحصر والتخصیص فی سیاقات عدیدة کالتعیین والتحدید
.) والتنبیه والشک والإنکار )الهاشمی، 1311 ه.ش، ص 612 112
5 3 1 علاقة الحصر والتخصیص
الأصل فی الحال أن تأتی بعد عاملها وصاحبها. وعلى هذا، جاءت کثیر من شواهد الحال فی الذکر الحکیم. لکنها من
فیما یزید على خمسین شاهدا. سنقف مع » إلا « الوظائف التی یقع فیها هو ترکیب الحصر فی القرآن. فقد جاءت الحال محصورة ب
28 (، حیث وقع : الأنعام 2 ( ... وَمَا نُرسِلُ المرسَلِینَ إلّا مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرینَ : بعض الشواهد لبیان سرها، ومن ذلک قوله تعالى
فلا یصح تقدیم الحال؛ لأن « ، تأخیرها عن العامل والصاحب لغرض معنوی دل علیه دلیل لفظی، وهو وقوعها بعد أداة الحصر
حسن، 6212 م، ج 6، ص 615 (، ویبدو أن یکون الغرض تأکید ( » تقدیمها یفسد سلامة الترکیب ویزیل الحصر والغرض البلاغی منه
وهو من ،» إلا « التخصیص، لأنها تتمثل فی تخصیص المعرفة وقصر الحالة على صاحبها وقد نتج الحصر من تفاعل النفی مع
أقوى طرق القصر لما فیه من وضوح معنى القصر. والتوکید بالقصر هو أقوى طرق التوکید، ولذا یستخدم فی الأمور التی هی
.) مجال للشک والإنکار )بدوی، 6225 م، ص 166
ولو تأملنا هذا الموقع لوجدنا فیه ردّا للمنکرین وإثباتا للتبشیر والتنذیر من جانب المرسلین، وذلک یکون من قبیل القصر
112 (، کلمة : البقرة 6 (… ما کانَ لَهُمْ أَنْ یَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِینَ ... : الحقیقی وقصر الصفة على الموصوف. وفی الآیة
ما کان ینبغی لهم أن یدخلوا مساجد اللَّه إِلَّا خائِفِینَ على حال التهیب وارتعاد الفرائض من « حال بعد أداة الحصر. والآیة تعنی » خائِفِینَ «
» المؤمنین أن یبطشوا بهم، فضلا أن یستولوا علیها ویلوها ویمنعوا المؤمنین منها. والمعنى ما کان الحق والواجب إلا ذلک لولا ظلم الکفرة وعتوّهم
)الزمخشری، 1227 ه.ق، ج 1، ص 171 (. ویبدو أن الغرض منها هو الاهتمام بشأن القید، غیر أنه لا یظهر فی البنیة السطحیة من
إلى دلالة التوکید بالحصر کسمة بلاغیة دلالیة » إلا « الکلام ولا یرتبط هذا الفهم بقواعد الصیاغة النحویة فحسب، بل بخروج
وجَلبِ معنى جدید مما هو المراد، على حد قول الزمخشری، ولولا الحصر لما حصل هذا المعنى.
5 2 ما یندرج فی حقل الدلالة
م یحظ بالاهتمام والدرس والتحلیل من المستویات اللغویة کما حظیت به الدلالة بوصفها عنصراً مشترکا بین علمی النحو
والبلاغة. وصحة الجملة نحویا وفصاحتها بلاغیا تمثلان عرشا تحمل علیه الدلالة التی من القضایا المتشعبة فی علوم مختلفة، کعلم
المنطق واللسانیات. وما یهمنا فی هذا البحث هو دراستها فیما یتعلق باللغة ضمن سیاقاتها الخاصة. ولا بأس بتردید بعض
المصطلحات المنطقیة فی بیان العلاقات الموجودة بین الحال وصاحبها؛ إذ المنطق والنحو أساسا صحة الکلام ودقته فی جمیع
اللغات.
5 2 1 علاقة الکل بالکل
للبلاغیین اهتمام بالدلالة لعلاقتها بعلم البیان، إلا أنهم کانوا یردّدون « قبل الولوج فی صمیم البحث، تجدر الإشارة إلى أن
مصطلحات المناطقه نفسها، ولم یزیدوا علیها إلا شیئا یسیرا. فقد قسموها على دلالة مطابقة ودلالة تضمن ودلالة التزام. وقد تسمى دلالة
الخالدی: 1267 ه.ق، ص 12 (. فدلالة المطابقة تعنی مطابقة الکل بالکل الذی یستفاد ( »... ؛ المطابقة عند علماء البیان دلالة وضعیة
وما فی معناها. والغالب فی مؤکد هذه الألفاظ أن یکون جمعا للدلالة » کل « من ألفاظ الإحاطة والعموم فی بیانها، ویقصد به
.)61 : البقرة 6 ( ... هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَکُمْ مَا فِی الأَرْضِ جَمِیعًا : على جمیع الأجزاء التی یتکون منها. ومن هذا القبیل قوله تعالى
وکثیرا ما نجد مثل هذه الشواهد فی القرآن الکریم. وعلى أساس الإحصائات التی تم تنفیذها خلال مراحل البحث، فقد وردت
تسعة وأربعین موضعا فی القرآن الکریم کلها أعربت فیها حالا أو احتملته مع التوکید )السمین الحلبی، 1222 ه.ق، ج » جمیعا «
وَلَو شاءَ رَبُّک لَآمَنَ مَنْ فِی الأرضِ : 2، ص 621 (، وهذا یعنی أنّ الأصل فیها هو الحالیة، ومن الشواهد على ذلک الآیة
برکات، ( » الحال )جمیعاً( مؤکدة لصاحبها الدال على العموم، فالجمعیة مستفادة بدون ذکرها « 11 (، و : یونس 12 ( ... کلُّهم جَمِیعاً
یا أَیهَا الَّذِینَ آمَنُوا : 6227 م، ج 3، ص 5(. فهی تحمل معنى التوکید، ولکن من خلال الحالیة. ومن شواهدها ما جاء فی الآیة
والقصد بیان ،» آمنوا « وهی حال من الفاعل فی ،» جمیعا « بمعنى » کافة « 628 (، وفیها : البقرة 6 ( ... ادخُلُوا فِی السِّلمِ کافّةً
التوکید والشمول والإحاطة. ویتبین أن العلاقة بین المؤکِّد والمؤکَّد هی علاقة الکل بالکل، فکل منهما کل للآخر وبینهما
تأتی حالا مؤکدة لصاحبها فی مواضع وسیاقات تقتضی التأکید » جمیعا « المطابقة التامة کما تفید التعمیم. فیظهر مما سبق أن
ومؤثرة فی مکانها ودالة على معناها وشاهدة على ذلک بمبناها، وورودها حالا یصوِّر منّة الله على خلقه وإحاطته بعباده و ... .
5 2 6 علاقة الجزء بالکل
البلاغیون مهتمون بالدلالة لعلاقتها بعلم البیان، فقد قسموها على المطابقة والتضمن والالتزام. ودلالة التضمن تسمى
عقلیة، لأن حصولها بانتقال العقل من الکل إلى الجزء ... )الخالدی: 1267 ه.ق، ص 12 (. فهنا أیضا یمکن استخدام مصطلحات
المنطقیین مما یعادل دلالة التضمن إلى حد ما. وقد تأتی الحال جامدة غیر مؤولة بالمشتق. والدلیل على هذا قول العلماء النحویین
... : وقوله تعالى » هذا حدیدک خاتماً « : فی الشرط الذی وضعوه لجواز مجیء الحال هکذا إذا کانت فرعاً لصاحبها، نحو
حال من المفعول به )ابن عقیل، 1387 ه.ق، ج 1، ص 576 (. ولما » بیوتاً « 72 (، حیث : الأعراف 7 ( ... وَتَنحِتُونَ الجِبَالَ بُیوتاً
بنیت البیوت فی الجبال تعتبر جزءا منها، فتکون العلاقة الدلالیة المعجمیة التی تربطها بصاحبها هی علاقة الجزئیة والحال جزء
من قبل النحویین والحال تشعر أیضا بقوتهم وشدتهم فی کون بیوتهم من الجبال أو » فرع « من صاحبها کما یشعر بها استعمال
فیها.
5 2 3 علاقة التأصیل والتحدید
أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ ... : لقد جاء فی آیات من الذکر الحکیم أنّ الإنسان مخلوق من الطین، ویتمثل الأمر فی قوله تعالى
والمعنى .» أسجد « حال من الموصول العام أو المفعول به عائد الموصول المحذوف والعامل فیه » طینا « 21 (. ف : الإسراء 17 ( طِیناً
على الأول: أأسجد له وهو طین أی أصله طین، وعلى الثانی: أأسجد لمن کان فی وقت خلقه طینا )الزمخشری، 1227 ه.ق، ج
علاقة تأصیل وتحدید، حیث أن صاحب الحال « 6، ص 277 272 (. فالحال على المعنى الأول تدلّ على أصل صاحبها والعلاقة بینهما
.) برکات، 6227 م، ج 3، ص 22 ( » یجوز أن یکون من أشیاء مختلفة فی کنهها وماهیتها والحال شیء من هذه فتحدد أصله الذى وجد منه
وسیاق الکلام سیاق الإنکار والتعجب، لأن إبلیس تعجب من أمره بالسجود لآدم منکرا وجمع بین مدح ذاته وتحقیر آدم
فامتنع عن السجود. هذا وقد تکون علاقة عکسیة بینهما، وهو إذا کان صاحب الحال أصلا لها. ویمثل الصاحب التأصیل
للحال فی کنهها وماهیتها؛ نحو: هذا ذهبک ساعة )المصدر نفسه(، لکنها م یوجد فی القرآن الکریم شاهد لها حسب الفحص
والإحصاء.
مؤکدة لما » أُمَّتُکُمْ « حال من » أُمَّةً « 16 (، ف : الأنبیاء 61 ( إِنَّ هذِهِ أُمَّتُکُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّکُمْ فَاعْبُدُون : ومن شواهد الآیات
ومعنى کونها واحدة ، أفادته الإشارة وأفادت التمییز والتشخیص لحال الشرائع التی علیها الرسل أو التی دعا إلیها محمد
وإِنَّ هذِهِ أُمَّتُکُمْ أُمَّةً : أنها توحّد اللّه تعالى فلیس دونه إله )ابن عاشور، بلا تا، ج 17 ، ص 123 (، کذلک الأمر بالنسبة إلى الآیة
وقالَ اَلَّذِینَ کَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَیْهِ اَلْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً کَذلِکَ : 56 (. وأما الآیة : المؤمنون 63 ) واحِدَةً وَأَنَا رَبُّکُمْ فَاتَّقُون
السمین الحلبی، 1222 ( » مجتمعا « إذ هی فی معنى ،» القرآن « حال من » جُمْلَةً « 36 (، ف : الفرقان 65 ( لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَکَ ورَتَّلْناهُ تَرْتِیلا
صفة مؤکدة له )الآلوسی، 1215 ه.ق، ج 12 ، ص 12 (. وکل الأحوال موطئة تحدد الوحدة » واحِدَةً « ه.ق، ج 8، ص 281 (، و
لصاحبها کما أکدها العدد، وهو فی موضع النعت للحال، إذن التحدید هو العلاقة.
5 2 2 علاقة التوکید
إنّ التوکید علاقة أو قرینة معنویة قد یتکرر ذکرها فی أبواب متفرقة من النحو والبلاغة کما هو ملحظ دلالی جاء فی باب
المفعول المطلق أو فی باب الحال المؤکدة. على سبیل المثال لا الحصر، وله فی النظم القرآنی دور أساس یزید المعانی تقریرا وتثبیتا
وقد یتحقق عن طریق التقدیم أو التکرار أو ذکر ألفاظ معینة. وقد تأتی الحال لتأکید صاحبها، ومن هذا ما سبق بحثه فی الألفاظ
لا یقصد بها بیان الهیئة أثناء الحدث بقدر ما تبین توکید صاحبها أثناء الحدث، لذلک فإنها « و ،» کافة « و » جمیعا « : الدالة على ذلک مثل
: یونس 12 ( وإِذا تُتْلى عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ : برکات، 6227 م، ج 3، ص 111 (. ومن هذا القبیل الآیة التالیة ( » تبنی من لفظ مؤکد
65 (، و(الأحقاف : 23 (، و)الجاثیة 25 : 76 (، و)سبأ 32 : 73 (، و)الحج 66 : 15 (، وما جاءت مشابهة لها فی السور الآتیة: )مریم 11
و نصب بَیِّناتٍ على الحال؛ أی حال « ، 7(. فالمراد من الآیات فی السور المذکورة هی آیات القرآن فی سیاق التوبیخ لفرط ضلالهم :22
الآلوسی، 1215 ه.ق، ج 2، ص 71 (، وهی حال مؤکدة؛ لأن آیاته تعالى لا تکون إلا ( » کونها واضحات الدلالة على ما تضمنته
بینات )الزمخشری، 1227 ه.ق، ج 3، ص 32 (. فالحال تؤکد صاحبها ومعنى التوکید لا ینفک عنها. وعلى أساس الإحصائات التی
اثنین وخمسین مرة فی القرآن الکریم، لکنها قد أتت حالا مفردة مؤکدة فی الآیات » بینات « تم تنفیذها، لقد استخدمت لفظة
السابقة کما أکّدتها أقوال العلماء وذوی الآراء الصائبة.
5 2 5 علاقة الإجمال والتفصیل
فی بعض الأحیان یکون مضمون الکلام مجملاً یحتاج إلى الشرح والتفصیل لإیضاح المراد لدى المتلقی. وما یوضحه هی
عبد الحمید، 1118 م، ( » إیراد معنى على سبیل الإجمال، ثم تفصیله أو تفسیره أو تخصیصه « التفصیلات التی تأتی بعده. وتعنی العلاقة
.) ص 122
» إمّا « 3(، قد تعددت الحال وجوبا لمجیئها بعد : الإنسان 72 ( إِنّا هَدَینَاهُ السَّبِیلَ إِمّا شَاکراً وَإِمّا کَفُوراً : وفی قوله تعالى
التفصیلیة )حسن، 6212 م، ج 6، ص 326 (. فالهدایة تخص الإنسان وتفصل الحالان ما أُجمل قبلهما، وهو حال الإنسان بعد
هدایته إلى السبیل. فالسیاق هنا سیاق التفصیل والتبیین، إذ الکلام یتمحور على هدایة الإنسان والقصد إبراز الحالین، لأن ما
علیه النظم الکریم یشعر بأن کل حالة من الحالتین مستحقة أن تذکر للإنسان منفردتین دلالة على اختیار الإنسان الذی تظهره
مَا لَکُم لَا تَرجُونَ لِلّهِ : وقد تأتی الحال جامدة غیر مصدر فی مواضع منها إذا کانت الحال ما فی صاحبها. وفی قوله تعالی .» إما «
وهی تعنی المرة والتارة والتنقل من حال إلى ،» طورٍ « جمع » أطواراً « 12 13 (، کلمة : نوح 71 ( وَقَاراً + وَقَد خَلَقَکُم أَطوَاراً
لصاحب الحال » أطواراً « حال، فالأطوار هی الأحوال المختلفة بین المسیء والمحسن والطالح والصالح، وفی المعنى تفصیل فی
)برکات، 6227 م، ج 3، ص 23 (. فکما یظهر فی المعنى المعجمی للمفردة التی وقعت حالاً، الإنسان مخلوق فی حالات متعددة.
کلّا إذا دُکتِ : وجاءت الحال فی سیاق التوبیخ والتقریع والتشنیع، وهی تسهم فی رفع درجتهم. ومن شواهدها هی الآیتان
وما » ربُّک « حال بعد حال للفاعل » صفا صفا « 66 61 (، ف : الفجر 81 ( الأرضُ دَکاً دَکاً + وَجَاءَ رَبُّک وَالمَلَک صَفّاً صَفّاً
وضابطه أن تفصل بالحال ما « ، یدل على الترتیب أی صفا بعد صف أی مرتبین » صفا « وتفصیل لصاحبها. و » الملک « عطف علیه
برکات، 6227 م، ج 3، ص 23 (، وهذا ما أکده السامرائی بقوله: جاءت الحال للتفصیل بعد ذکر ( » ذکر مجموعا فی صاحبها
،) المجموع بجزئه مکررا، والمقصود بذلک أن یکون فی الإتیان بها فی الجملة معنی الترتیب )السامرائی، 6222 م، ج 6، ص 683
.) السمین الحلبی، 1222 ه.ق، ج 12 ، ص 711 ( » والمعنى مکررا علیه الدک « ،» دَکا دَکا « کذلک الأمر بالنسبة إلى
5 2 2 علاقة التجدد
یکون عاملها دالا على تجدد صاحبها بأن یکون صاحبها فردا من نوع ...« الجدیر بالذکر أنه جاء فی الکتب النحویة أن الحال قد
یستمر فیه خلق الأفراد وإیجادها على مر الأیام أی أن لذلک الفرد أشباها ونظراء توجد وتخلق بعد أن لم تکن. ویتکرر هذا الخلق والإیجاد طول
.) حسن، 6212 م، ج 6، ص 682 ( » ... ، الحیاة
68 (. والحال : النساء 2 ( یُرِیدُ اللّهُ أَن یُخَفِّفَ عَنکُمْ وَخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِیفاً : ومما یتمثل فیها الأمر ویجری علیه القول الآیة
هنا وصف ملازم، لأن العامل فیها مشعر بتجدد صاحبها )ابن عقیل، 1387 ه.ش، ج 1، ص 521 (، ولأنها تدلّ على استمرار
خلق الإنسان على هذه الشاکلة واستمراره فی الزمان المقبل. فالضعف صفة ملازمة للإنسان من خلقه تتجدد بتجدد صاحبه ولا
إِنَّ اَلْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعا + إِذا مَسَّهُ اَلشَّرُّ جَزُوعاً + : تتغیر أبداً. والعلاقة تجری فیما بین الحال وصاحبها فی الآیات التالیة
لأنه قاصر النظر على الأحوال الجسمانیة « ، 61 11 (. وإنما یذم الله تعالى الإنسان بهذه الصفات : المعارج 72 ( وَإِذا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعاً
العاجلة، وکان من الواجب علیه أن یکون مشغولا بأحوال الآخرة، فإذا وقع فی مرض أو فقر وعلم أنه فعل اللّه تعالى کان راضیا به؛ لعلمه أن اللّه
،) الرازی، 1262 ه.ق، ج 32 ، ص 222 ( » یفعل ما یشاء ویحکم ما یرید، وإذا وجد المال والصحة صرفهما إلى طلب السعادات الأخرویة
فهذا ملحظ دلالی یدلّ على تجدد هذه الصفات فی نفس الإنسان بتجدد خلقه.
5 2 7 علاقة الترادف الجزئی
حیث جاءت فی ثلاثة عشر موضعا، وهی تبین حال النبیین عیسى ویحیى ،» مصدقا « مما التزم الحالیة فی القرآن الکریم کلمة
هو أن تتماثل کلمتان أو أکثر فی « أو القرآن أو الإنجیل. وقد تجری بینها وبین صاحبها علاقة تعرف بالتماثل أو الترادف و
الخولی، 6221 م، ص 13 (. ویشیر کثیر من الدارسین إلى أنواع مختلفة من الترادف، منها الترادف الجزئی أو شبه الترادف ( » المعنى
السنة والعام « الذی یعنی تقارب اللفظین تقاربا شدیدا فی المعنى بالرغم من وجود بعض الفروق اللغویة بینهما مثل ما یکون بین
661 (. فهو علاقة بین عدد من الکلمات تختلف فی اللفظ، لکنها تتحد فی المعنى نحو قوله - عمر، 1188 م، ص 662 ( » والحول
وَأَنَّ هَذا صِراطِی مُستَقِیماً فَاتَّبِعُوهُ 162 (، و : الأنعام 2 ( وَهَذا صِراطُ رَبِّک مُستَقِیماً قَدْ فَصَّلنَا الآیاتِ لِقَومٍ یذَّکرُونَ : تعالى
153 (. ولیس من شک أنّ صراط الله مستقیم لا عوج فیه. وجاء فی : الأنعام 2 ( ... وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِکم عَن سَبِیله
الراغب الاصفهانی، 6221 م، ص 283 (، وهو یؤید القول السابق. ( »... ، الصراط: الطریق المستقیم « : مفردات القرآن
ولکن بما أن السبل المبعدة عن هذا الصراط کثیرة فجاء وصفه بالاستقامة ملازمة إیاه إظهاراً لوصفه الممیز له وتنبیهاً على أنّ
11 (. والحال کذلک : البقرة 6 ( ... وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُم ... : غیره یوصف بالانحراف. ومن تلک الشواهد قوله تعالى
31 (. وجاءت الآیتان فی سیاق : فاطر 35 ( واَلَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ مِنَ اَلْکِتابِ هُوَ اَلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ بالنسبة إلى الآیة
المدح. فالحق والتصدیق مرادفان ضمن هذا السیاق والتضمن نسبی من الجانبین، فتکون العلاقة الدلالیة المعجمیة التی تربطها
جعلها کثیر من المعربین مؤکدة؛ « بصاحبها هی علاقة الترادف الجزئی. هذا، وقد نرى أن الحال تؤکد صاحبها فی الوقت نفسه، فبحوث
الزرکشی، 6222 م، ص 551 (، والقرآن نازل بالحق مصدق لما بین یدیه. والملحوظ أنها تلتقی مع )جمیعا( ( » لأن صفة الحق التصدیق
فی قضیة التأکید مشعرة بأن الحال المؤکدة کثیرة فی النص القرآنی. والجدیر بالذکر أن من أبرز الألفاظ التی کثر ورودها حالا هی
جمعا إلى ذلک » کافة « و » جمیعا « والکلّ یشترک فی ظاهرة واحدة هی التأکید، ولکن .» کافة « وتلحق بهما » جمیعا، ومصدقا «
بقی دالاً على الوحدة. » مصدقا « دلالة الشمول، و
5 2 8 علاقة التقابل والمغایرة
لقد کثرت الحال الجامدة المصدر فی القرآن الکریم مما بلغ مائة وسبعة شواهد. ومن السمات البارزة لها هی الدلالة على
المبالغة فی تصویر الحال لکونه حدثاً مجردا، وکذلک التوسع فی المعنى والحصول على أکثر من الغرض والمعنى فقد تکسب معنى
المصدریة والحالیة )السامرائی، 6222 م، ج 6، ص 681 688 (. ومن جانب آخر، تأتی العلاقة بین الحال وصاحبها على
الأولى أن تکون الحال هی نفس صاحبها مثل: )أقبل اللیل بارداً(، ... والثانیة أن تکون الحال مخالفة لصاحبها بمعنى أنها لیست هی « : صورتین
نفس صاحبها فی المعنى مثل: )سمعت الصوت بغتةً(. فالحال وصاحب الحال کلاهما مغایر للآخر. وتقع المخالفة إذا کان الحال مصدرا صریحا،
عبد العلیم، 6222 م، ص 658 (. وفی منطق العقل إذا تمزقت ( »)262 : البقرة 2 ( ... ثُمَّ ادعُهُنَّ یأتِینَک سَعیاً ... : کقوله تعالی
الأعضاء وتهشّمت العظام ودقّ اللحم والعظم والریش واختلطت أجزاء الطیور حتى أصبحت عجینة متماثلة فهذه الحالة فی
أقصى حالات السکون وأنآها عن الحرکة فکیف یتحولن من هذا إلى ذاک؟ وفی التعبیر بالمصدر مبالغة لکونه مجردا من عنصر
المادة )السامرائی، 6222 م، ج 6، ص 681 688 (. فهناک تقابل وجودی بین الحیاة والموت وبین الحرکة والسکون.
وهذا التقابل یمثّل علاقة دلالیة معجمیة بین الحال وصاحبها، إذ الطیر قد ذبحت ولا یمکنها السعی فی عام الواقع إلا بإذن
،)55 : البقرة 6 ( ... وَإِذْ قُلْتُمْ یا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتّى نَرَى اَللّهَ جَهْرَةً : الله. ویجری القول فی آیة أخرى، وهی
فی موضع الحال من اللّه. وقد أفاد اللفظ الواقع حالاً بأنّ رؤیة الله أمر لا یتحقق بحاسّة البصر عیانا؛ لأنه تعالى لا » جَهْرَةً « ف
لا یتناسب مع وجود الله ومجیء المصدر فی موضع الحال لقصد المبالغة » جهارا « یکون محسوسا، وبما له سمة غیر محسوسة فلفظ
وَما خَلَقْنَا اَلسَّماءَ والأرض وما بَیْنَهُما : فی طلبهم )الرضی الأسترآبادی، 1112 م، ج 6، ص 31 (. ومن الشواهد أیضا قوله تعالى
38 (. فالحال تکون مخالفة : الدخان 22 ( وما خَلَقْنَا اَلسَّماواتِ وَاَلْأَرْضَ وما بَیْنَهُما لاعِبِینَ 12 (، و : الأنبیاء 61 ( لاعِبِینَ
لصاحبها، لأنه لا توجد هذه الصفة أی اللعب فی ذات الله تعالى وهو خالق السماء والأرض. ومثل هذه الأحوال، مصحح
أن التقابل سمة من « الکلام، واجب الذکر، تؤثر فی السیاق والمعنى تأثیرا مباشرا ورئیسا. وبعد إمعان النظر فیما سبق، یبدو
سمات الأشیاء المادیة والمعنویة والمحسوسة وغیر المحسوسة وهو ظاهرة کامنة فی حقیقة الأشیاء وبارزة على سطوحها وهذه الظاهرة من سمات
.) الجنابی، 1182 م، ص 66 61 ( »... ، الکون والحیاة والإنسان نفسه وجسمه وعقله کما أنها سمة دلالیة من سمات اللغة المتصلة بالفکر
الخاتمة
لا شک أن عددا هائلا من شواهد الحال فی القرآن الکریم یحتاج إلى دراسة مطولة مستفیضة. والبحث هذا قد اهتم بدراسة نظام
العلاقات بین الحال المفردة وصاحبها سائرا على منهج کشف العلاقة والدلالة عن طریق جمع الشواهد وسرد أسرارها آملا أن
یکون تمهیدا وتیسیرا لرفع الستار عن حقیقة بعض مضامین الکلام الإلهی فی أسلوب الحال القرآنی. وبعد هذا العرض والمحاولة
لقد حصلنا على نتائج، منها:
النص القرآنی بما فیه من العلاقات الدقیقة بین مفرداته ضمن أسالیبه الرفیعة یعد أرفع النصوص أسلوباً یرمقه کل إنسان
بعین الإکبار والإجلال، ومن تلک العلاقات هی علاقة الحال المفردة بصاحبها، والتی تتمثل فی سیاقات مختلفة ولها دور کبیر فی
کشف صیاغة قواعد الترکیب اللغوی القرآنی.
هناک روابط لفظیة ومعنویة بین الحال وصاحبها فی القرآن الکریم. وبتضافر هذه الروابط والقرائن اللفظیة والمعنویة
ودلالات السیاق المختلفة یتشکل نظام العلاقات بینهما فی أسلوب الحال القرآنی کما یتشکل هذا النظام فی سائر الأسالیب
القرآنیة الرفیعة.
دراسة نظام العلاقات بین الحال المفردة وصاحبها تبین لنا بأنّها تتجلى فی المستویات اللغویة النحویة والبلاغیة والمعجمیة
والدلالیة کعلاقة الملابسة والحصر والمشابهة والسببیة والمفعولیة والعدول المجازی والکل بالکل والتوکید والجزء بالکل والتأصیل
والتحدید والإجمال والتفصیل والتجدد والترادف الجزئی والتقابل والمغایرة، لکنها تظهر فی المستوى الدلالی والمعجمی أکثر من
النحوی والبلاغی.
. للسیاق دور هام جدا فی تحدید الدلالة، وقد تتراکب الدلالات وتزدحم بسبب الهیئة الترکیبیة وتتشکل العلاقات السیاقیة 1
وفی ظلها تظهر معانٍ مختلفة ضمن عملیة دراسة نظام العلاقات بین الحال المفردة وصاحبها. وهذا البحث یحمل فی طیاته المبالغة
والتوکید والتعمیم والتعظیم والتصغیر والتحقیر والتعلیل والترهیب والتفظیع والترغیب والکنایة والتشبیه والاهتمام بشأن القید
و ... . وقد نرى أن التوکید سمة مشترکة بین عدد من العلاقات کعلاقة التوکید والکل بالکل والقصر. ولا ریب أن العلاقات
المعجمیة أیضا تلعب دورا کبیرا فی إرساء هذه العلاقات وإظهار المعانی.