
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,725 |
تعداد مقالات | 14,122 |
تعداد مشاهده مقاله | 34,494,655 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,810,155 |
دور الفونيم الوظيفي وانزياحاته في مقطع وصف المرأة لمعلّقة امرئ القيس | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 7، دوره 9، شماره 17، دی 2017، صفحه 71-88 اصل مقاله (651.77 K) | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2017.80602.0 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
محسن خوش قامت1؛ جلال مرامي* 2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1دکتوراه في اللغة العربية وآدابها. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2أستاذ مشارک يف قسم اللغة العربية وآدابها جبامعة العالمة الطباطبائي | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إنّ أيّة دراسة على مستويات البحث اللغوي تعتمد في کلّ خطواتها على نتائج الدراسات الصوتية، وذلک أمر يمکن إدراکه. إذا عرفنا أنّ الأصوات هي اللبنات الأولى للأحداث اللغوية وهي التي يتکوّن منها البناء النصّ الإبداعي. فاللغة عندما تندرج في نصّ الشعر، جديرة بالدراسة العلمية الدقيقة لفهم دورها الوظيفي وکشف غناها. إذن الهدف الذي تتّبعه هذه الدراسة لغوية بحتةٌ تندرج ضمن جدلية العلاقة بين الدالّ والمدلول،لإبراز قيمة الجانب الصوتي الذييتمثّل هنا في الفونيمات. تمتلک الفونيمات بسماتها إيحاءً يوجد في النفس جوّاً يهيّئ الأرضيةلقبول المعنى ويوحي به. نهتمّ في هذه الدراسة أوّلاً بإحصاء الفونيمات في معلّقة امرئ القيس وذکر نسبة انزياحها الحضوري والغيابيفي مقطع وصف المرأة، وهو يشکّل جزءاً من القصيدة الجاهلية لا تکاد تخلو قصيدة منه، وثانياً نسعى أن نحلّل علاقة الانزياح الحضوري والغيابي للفونيمات مع المعنى في مقطع وصف المرأة. وأخيراً وصلنا إلىأنّ الفونيمات العربية تستطيع أن تؤدي دوراً دلالياً في نصّ الشعر، وذلک من خلال صفات الفونيمات التي لها أضداد کالجهر والهمس أو الانفجار والاحتکاک والصفات التي ليس لها ضدّ کصفة التفشّيفي فونيم الشين وهي تدلّ على الانتشار وتحيل إلى فتيت المسک المتناثر فوق فراش الحبيبة في مقطع وصف المرأة والعبق الذي ينبعث من ذلک الفراش. تؤدّي مخارج الفونيمات دورها الدلالي من خلال الأعضاء المشارکة في نطق الفونيم وعمق المخرج وبروزه کفونيم الغين الذي سجّل انزياحاً حضورياً في مقطع وصف المرأة ليدلّ بعمق مخرجه على بعد المرأة عن الرجال وعدم ابتذالها. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الانزیاح؛ وصف المرأة؛ امرؤ القیس | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1ـ المقدّمة فی العصور الحدیثة هیّأت الظروف للغویین فرصاً أفضل من ذی قبل ووفّرت لهم وسائل لم یعهدها السابقون ولم یعرفوا منها شیئاً وأضحت الدراسة الصوتیة الحدیثة تستعین بفروع العلم الأخری، کعلم وظائف الأعضاء والتشریح والفیزیاء وغیرها، وأصبحت تخضع للتجارب التطبیقیة والعملیة المختلفة. إنّ قضیة العلاقة بین الشکل والدلالة من القضایا اللغویة المهمّة التی شغلت حیّزاً کبیراً من الدراسات اللغویة منذ القدیم إلى الآن واختلف آراء العلماء ونظریاتهم فیها. ولهذا تقوم هذه الدراسة بتبیین طبیعة هذه العلاقة بشکل تطبیقی حیث یختار نصّاً شعریاً وهو مقطع وصف المرأة لمعلّقة امرئ القیس لتسعى تحدید الآلیة التی تؤدّی بها الفونیمات دوراً دلالیاً. إنّ السیاق إذا کان مجرّداً من الفونیم، یعیش فی عزلة دلالیة. ولکن عندما یندرج الصوت فی النصّ الإبداعی یتغیّر. ومن أهم هذه التغییرات هو التکرار والانزیاح بسبب حرّیة التصرّف فی بعض العناصر الصوتیة التی نستطیع أن نستخدمها لغایات أسلوبیة. ویتمثّل الانزیاح فی الفونیمات فی أن تُحصى نسبة کلّ منها فی النصّ عموماً. ثمّ تُقارن بنسبتها فی کلّ الوحدات النصّیة التی ینقسم إلیها النصّ على أساس المضامین أو تقریباً ما تعارف علیه النقّاد العرب القدامى بالأغراض.
2ـ خلفیّة البحثأما فی ما یتعلّق بالمرأة فما أکثر ما تحدّث الشعراء عنها فی الشعر الجاهلی، وما أکثر ما توقّفوا لدیه فتحدّثوا عن رمزیتها وواقعیتها ووضعها الاجتماعی. فلقد اهتمّ النقّاد منذ القدیم بدارسة وصف المرأة کجزء من بنیة القصیدة الجاهلیة. وفی مجال الدراسة الأسلوبیة توجد جهود شتّى فی الاهتمام بوصف المرأة، منها الاعتماد على المستوی الدلالی أو المستوی الترکیبی أو المستوی الصوتی، مثل مقالة المرأة المعشوقة فی أشعار المعلّقات السبع للدکتور حامد صدقی، مطبوعة فی فصلیة إضاءات نقدیة؛ فتتناول هذه المقالة کیفیة اتّجاه الشعراء الجاهلیین إلى المرأة فی مجتمعهم ویقارن هذه النظریات.وأما بالنسبة إلى نظریة الانزیاح الحضوری والغیابی التی سنقوم بتطبیقها فی وصف المرأة، فلیس عندنا کتاب أو مقالة تتناول وصف المرأة من هذا المنظر. ولکن موضوع الفونیم والدلالة شغل حیّزاً کبیراً من الدراسات اللغویة الجدیدة. هناک مقالة عنوانها «الدراسة الصوتیة فی لغة القرآن ودلالتها فی الآیات الفقهیة» لکبرى روشنفکر وخلیل پروینی، طبعت فی مجلة آفاق الحضارة الإسلامیة. فتهدف هذه المقالة إلى تحلیل موسیقى الآیات التی تتناسب مع مضمونها وتصل إلى أنّ الموسیقى لا تتنافى مع قوّة بیان الأحکام، غیر أنه لیس فی هذه المقالة مقارنة بین الآیات ومحاسبة انزیاح الأصوات. ومقالة أخری، عنوانها «دور الفونیم الوظیفی وانزیاحاته فی مقطع وصف الناقة لمعلّقة طرفة»، طبعت فی فصلیة إضاءات نقدیة. فإطار هذه المقالة ومنهجها مثل ما أقوم به فی هذا البحث الذی بین أیدینا وما یمیّز هذه المقالة عنها موضوعها هو وصف المرأة. موضوع العلاقة بین الفونیم والدلالة موضوع یمکن تطبیقه فی النصوص المختلفة، لأنّ لکلّ نصّ جمالیة خاصة به ودراسة العلاقة بین الفونیم والمعنى تکشف اللثام عن هذه الجمالیة. ومن أهمّ الموضوعات التی أثارت جدلاً واختلافاً بین اللغویین هو موضوع العلاقة بین الفونیم والدلالة. ومن هنا اهتمّ هذا البحث بهذا الموضوع واختار الوصف للمرأة إطاراً للدراسة وحاول الإجابة عن الأسئلة التالیة: -هل یستطیع الفونیم أن یؤدّی دوراً دلالیاً فی النصّ الأدبی من خلال سماته وصفاته وکیفیة نطقه؟ - هل تنسحب هذه الاستطاعة على کلّ الفونیمات أو تنحصر على بعض الفونیمات؟ - هل یلعب غیاب فونیمٍ ما دوراً دلالیاً کما یلعب حضور فونیم آخر؟ - هل تؤدّی الأفکار والأحاسیس المشترکة إلى استخدام الفونیمات المعیّنة؟ - هل یمکن الحکم ببراعة شاعرٍ ما وفضیلته فی الوصف اعتماداً على نسبة توظیف الفونیمات التی تؤدّی دوراً دلالیاً؟ فبناء على ما سبق، أن یکون المنهجان الإحصائی والجمالی عماد هذا البحث. فالإحصاء مناسب جدّاً للمستوی الصوتی ومتعلّق بشکل أساسی بتحدید النسب العامة ونسب الانزیاحات. وأمّا المنهج الجمالی فهو الأجدر بإضفاء الروح على تحلیل الإحصاءات رابطاً بین الفونیمات والدلالة فی وحدة وصف المرأة.
3ـ الفونیم والصوت إنّ الأصوات التی تدخل فی عملیة التواصل اللغوی الإنسانی تختلف عن غیرها، حیث هناک أصوات لغویة وأصوات غیر لغویة کالصفیر والأنین والحفیف والدویّ وغیرها ... . فالصوت إذن مفهوم عامّ یرتبط بکلّ أثر سمعیّ مهما کان مصدره إما إنسان وإما حیوان وإما جماد «أمّا الفونیم، فهو وحدة کلامیة فی البناء اللغوی» (خلیل، 1962م، ص 349). وعند علماء الصوت «هو أصغر وحدة صوتیة قادرة على التمییز بین کلمتین مختلفتین فی المعنى» (ناصر، بلا تا، ص 79). فهو عنصر لا یتضمّن مفهوماً معنیاً بذاته، بل هو «صوت قادر على إیجاد تغییر دلالی» (عمر،1997م، ص 178).
4ـ الفونیم والدلالة إنّ العلاقة بین الصوت والمعنى نالت اهتمام اللغویین وأصبحت حجر الزاویة فی علم الدلالة وأثارت تساؤلات عدة حول طبیعة هذه العلاقة. أهی طبیعیة؟ فتکون معها دلالة الألفاظ على معانیها ذاتیة أم أن هذه العلاقة اصطلاحیة مصطنعة یفرضها الإنسان بمحض إرادته وباختیاره اسماً لکلّ مسمّى تواضعا واتفاقاً؟ فتکون الألفاظ رموزاً لغویة اصطلاحیة تنفی التلازم الدائم والطبیعی بین الصوت والمعنى. لا یظنّنّ أنّ دراسة المستوی الصوتی للنصّ الشعری لا تقدّم نتائج یمکن الاعتماد علیها، «فالشعریة جزء من اللسانیات» (ظاظا،1997م، ص220)، لأنّها متعلّقة بمسائل البنیة اللغویة (برکة، 1993م، ص 75). إذا کانت اللغة فی الکلام الیومی تنزع نحو الوظیفیة التبلیغیة، فإنّ اللغة فی النصّ الشعری تهیمن علیها الوظیفة الجمالیة التی یرکز فیها على الرسالة فی حدّ ذاتها (برکة، 1993م، ص 75)، لأنّ اللغة عندما تغادر نظامها لتدخل فی نظام النصّ فإنّها لا تبقى أداة ناقلة، ولکنّها تصبح ذاتاً مبدعة، حینما تدخل اللغة فی فضاء النصّ وتهیمن علیه الوظیفة الشعریة تطرأ علیها تحوّلات ضروریة تخوّلها آداء تلک الوظیفة وتمکّنها من تحمّل دلالات متعددة ومن أهمّ هذه التحولات الانزیاح.
5ـ الانزیاح «من أهمّ مباحث الأسلوبیة ما یتمثّل فی رصد انحراف الکلام عن نسقه المثالی المألوف أو الانتهاک الذی یحدث فی الصیاغة والذی یمکن بواسطته التعرّف على طبیعة الأسلوب، بل ربّما کان هذا الانتهاک هو الأسلوب ذاته و ما ذلک إلا لأنّ الأسلوبیین نظروا إلى اللغة فی مستویین: الأول مستواها المثالى فی الأداء العادی، والثانی مستواها الإبداعی الذی یعتمد على اختراق هذه المثالیة وانتهاکها» (عبد المطلب،1994م: 268).
6ـ التکرار والانزیاح الفونیمی فی الشعر «تطرأ على اللغة حین تدخل فضاء النصّ وتهیمن فیه الوظیفة الشعریة تحولات ضروریة تخوّلها آداء تلک الوظیفة، وتمکّنها من لفت النظر إلى ذاتها کما تشحنها بالقدرة على تحمّل دلالات متعدّدة، ومن أهمّ هذه التحوّلات» (محلّو،2006م، ص 26)، هما التکرار والانزیاح. «والقول بالتکرار فی الشعر لا یعنی القصدیة، أی أن یقصد الشاعر واعیاً إلى تکثیف استعمال أصوات معیّنة فی نصّة لتبنی علاقة جلیة مع الدلالات. فالعلاقة التی نتحدّث عنها لیست سابقة على التشکیل، بل هی حادثة بحدوثه وناتجة عن تفاعل الأصوات وتجاورها وتنسیقها بصورة خاصّة تمیّز المحتوی وتتمیّز به فی آن واحد. أمّا اعتقاد أن یؤدی التکرار إلى رتابة فنظرة غیر دقیقة، لأنّ الخاصیة الأخری للغة الشعریة "الانزیاح" تکفل کسر الرتابة. ویمثّل الانزیاح فی الفونیمات فی أن تحصى نسبة کلّ واحد منها فی النصّ عموماً. ثمّ تُقارن بنسبتها فی کلّ من الوحدات النصّیة التی یُقسَّم إلیها النصّ على أساس المضامین أو تقریباً ما تعارف علیه النقاد العرب القدامى بالأغراض» (مرامی، 1435 هـ، ص 140). وینتج عن ذلک الإحصاء وتلک المقارنة نوعان من انزیاح نسبة الفونیم فی الوحدة النصیة عن نسقه العامة فی کلّ النصّ، وهما الانزیاح الحضوری، وهو یعنی أن تکون نسبة حضور الفونیم فی الوحدة النصیة أعلى من نسبته العامة فی کلّ القصیدة، وکذلک الانزیاح الغیابی وهو أن تکون نسبة حضور الفونیم فی النصّ أقلّ من نسبته العامة فی کلّ القصیدة.
7ـ مقطع وصف المرأة فی معلّقة امرئ القیس إنّ وصف المرأة فی المعلّقات إلا فی استثناءات نادرة، یرتکز على الجسد الجمیل للمرأة ویُعنى برسم أعضائها رسماً تجسیدیاً کما یعمد إلى وصف مفاتنها وکلّ ما هو مظنّة لإثارة الرغبة الجنسیة لدی الرجل من جسدها. فصورة المرأة فی المعلّقات هی صورة أنثى تصلح لإطفاء الرغبة الجنسیة العارمة لدی الذکر ولیست صورة امرأة تشاطر الرجل حیاته وآماله وآلامه وتظاهره فی الکدح الیومی. «کان امرؤ القیس هو الذی سبق إلى هذا الغزل الفاحش الصریح وتبعه الشعراء من بعد وإن لم یبلغوا مبلغه من الفحش والصراحة» (ضیف، 2014 م، ص 154). وقد سبق امرؤ القیس إلى أشیاء ابتدعها واستحسنها العرب واتّبعه علیها الشعراء (الدینوری، 2005م، ص 26). وکلّ ما یمکن أن یقال أنّ هذا المنحى من الغزل الغرامی منحى قدیم بدأه امرؤ القیس ونمّاه الأعشى من بعده (ابن سلام الجمحی، بلا تا، ص 35). ثمّ کان العصر الأموی فتعلّق به عمرو بن أبی ربیعة وأضرابه. وقد لاحظ طه حسین هذا التشابه فی غزل الشاعرین فأنکر ما ینسب إلى امرئ القیس من هذا الغزل القصصی السریح، وقال إنّه اُنتحل انتحالاً. فانتحله بعض القصّاص على غرار ما وجدوه منه عند ابن أبی ربیعة (1994م، ص 221). ولیس هناک ما یمنع أن یکون ابن أبی ربیعة قد عرف غزل امرئ القیس وتأثّر به کما تقضی طبیعة التأثّر، إذ یتأثّر اللاحق بالسابق. لقد احتلّت المرأة حیّزاً کبیراً من شعر امرئ القیس. «وهو أوصف المعلّقاتیین للمرأة، وأقدرهم على ملاحظة مکامن الجمال فیها، ومظاهر الفتنة منها. وقد یکون ذلک إمّا لطول عشرته إیّاها وإمّا لقدرته العجیبة على تصویر عواطفه إزاءها وبراعته فی تصویر عواطفها، هی أیضاً إزاءه. وهذه القدرة فی تصویر المرأة لیست من حیث هی أنثى یطفئ الرجلُ منها شبق الرغبة الجنسیة فحسب. ولکن من حیث هی امرأة عزیزة فی نفسها، کریمة فی شرفها، موسرة، مخدومة» (مرتاض،1998م، ص265). إنّ امرأ القیس المعلّقاتی الوحید الذی یحاور المرأة، ویسمعنا حوارها على حین أنّ المعلّقاتیین الآخرین یتحدّثون عن المرأة ککائن میّت. فإنّه یجعلنا نسمع منه ومنها. وهو أکثر المتعلّقاتیین تعداداً لأوصاف المرأة، فقد وصف شعرها وساقیها وکشحها ونحرها وبشرتها وجیدها وعینیها وخدّیها وبنانها وکفّها وقامتها وملابسها وعطرها وبعض حلیها ومشیتها، وهو أمر لم یستطع أحد من المعلّقاتیین تحقیقه. إذا کان قُصاری الواحد منهم أن یصف بعض ما وصف ولو یکد الواحد منهم یتفرّد إلا بصفات قلیلة تغاضى عنها مثل الثغر و الریق والثدیین والذراعین ورنین الحلی. یبدأ امرؤ القیس معلقته بذکر الأطلال والکلام عن المرأة والبکاء والشکوى. ولکن الأبیات التی تهمّنا من معلّقته هی التی ترتکز على الحوار مع حبیبته والأوصاف الجسدیة للمرأة.
7ـ1الانزیاح الحضوری تتوزّع فونیمات جدول الانزیاح الحضوری فی مقطع وصف المرأة لمعلّقة امرئ القیس کما یلی:
7ـ1ـ1فونیم الضاد ینطلق جدول الانزیاح الحضوری لمقطع وصف المرأة فی معلّقة امرئ القیس بفونیم الضّاد، وهو یحقّق انزیاحاً حضوریاً نسبته 67/209 %. إنّ وجود هذا الفونیم فی الصدارة أمر لافت للنظر، لأنّه یتمیّز بصفات القوّة مثل «الجهر والانفجار والإطباق» (السعران، بلا تا، ص 155). فهذا الصامت لا یلائم طبیعة المرأة الضعیفة، ولکن ذلک لا یؤوّل بخلل أو انفلات خیوط الإبداع من بین أنامل الشاعر، بل هو أمر دالّ یعکس أنّ ضعیفاً سلک درب الأقویاء تماماً کما فعلت حبیبة الشاعر التی تمثّل الضعیف حین فعلت کما الأقویاء یفعلون أی الرجال، حین أخذت قرارها للإعراض عن الشاعر وقطع العلاقة معه. یشیر امرؤ القیس إلى ذلک فی بعض الأبیات من معلّقته ویقول:
ویقول:
وأما «الدور الحیوی الذی یؤیده اللسان حین یلتصق جانبه باللثة والأسنان العلیا» (إستیتة، 2006م، ص 29)، فیمثّل فی المرأة التی تتجلّى فی المرونة کطبیعة اللسان. هذا من جهة، ومن جهة أخری فإنّ الضّاد فونیم مطبّق، «أی عند النطق به یتصعّد أقصى اللسان شیئاً قلیلاً حتى یصیر مقوّساً» (قدّوری،2009م، ص 59)، ویشبه القبّة، حیث «یکون الطبق على اللسان کالغظاء له» (الموسوی، 1998م، ص 58)، کما یغطّی الخدر العنیزة ویسترها.
7ـ1ـ2فونیم الطاء لم یکن الضّاد الفونیم الوحید الذی یؤدّی دوراً دلالیاً بصفة الإطباق فی هذا المقطع، بل یؤکّد دلالاته فونیماً الظاء الذی یجیء فی المرتبة الخامسة بانزیاح إیجابی قدره 68 %، والطاء وهو یحقّق انزیاحاً إیجابیاً قدره 12/2 %. «إنّ الظاء مشترک مع الضاد فی الجهر والإطباق ویختلف عنه فی أنّ الأوّل فونیم احتکاکی والثانی انفجاری» (المصدر نفسه، ص414). إذن یفقد الظاء بسبب الاحتکاک شیئاً من دلالاته على الدور النشیط للمرأة. ولکن تحمل صفات الضعف مثل صفات القوّة دوراً دلالیاً فی هذا المقطع، حیث یمثّل الرجلُ الطرفَ القوی إلا أنّ فی هذا المشهد، یدخل الشاعر فی الحوار مع المرأة کالطرف الضعیف لأنّه عندما أرادت الحبیبة أن تقطع علاقتها مع الشاعر، یُظهر عجزه وعدم احتمال البعد عنها، ولذلک یلتمس من حبیبته أن تدع التدلّل ویقرّ بأنّ حبّها قاتله، إذن ثنائیة «الضعف (الهمس) والقوّة (الشدّة)» (الموسوی،1998م، ص 62)، فی فونیم الطاء تتمثّل علاقة الشاعر مع المرأة وعلاقة المرأة معه. نلاحظ فی جدول الانزیاح الحضوری لمقطع وصف المرأة، اجتماعَ فونیمات تتمیّز بصفة الاستعلاء وهی: الضاد والخاء والظاء والقاف والغین والطاء. هذا الحضور المکثّف للفونیمات المستعلیة یخدم للدلالة على ما نجده فی هذا المقطع من إکرام المرأة وتعظیم شأنها، لأنّ ارتفاع اللسان إلى الحنک الأعلى عند النطق بهذه الفونیمات مناسب للدلالة على المکانة الرفیعة المرة عند امرئ القیس. کأنّ الشاعر یرید أن یجعل المرأة فی قمّة الإکرام، ولذلک یقول: «"العذاری" فی "فظلّ العذاری یرتمین بلحمها" بینما نلفی طرفة بن العبد یعبّر عمّا یشبه هذا المشهد وهذا المعنى بقوله: "فظلّ الإماء یمتللن حوارها"، ولا سواء شاعر یذکر العذاری وشاعر آخر یذکر الإماء، فالإماء مظنّة للخدمة والامتهان والعذرای مظنّة للعزّة والدلال، فحس امرئ القیس الشعری أرقّ وذوقه أرقى وموقفه من المرأة أکرم، فکأنه أراد باصطناعه لفظ العذاری أن یلغی الفوارق الطبقیة بین امرأة و امرأة» (مرتاض، 1998م، ص 276). هذا من جهة دلالة الاستعلاء على المکانة الرفیعة للمرأة عند الشاعر، ولکن لا تقتصر دلالة الاستعلاء على ذلک، بل تتعدّی إلى تصویر طول قامة المرأة، حیث یقول امرؤ القیس: «إذا ما اسبکرّت بین درع ومجول». «فالاسبکرار رمز لطول القامة وکانت المرأة الطّوالة أثیرة عند الجاهلیین کما یطالعنا ذلک فی کثیر من أوصافهم الدالة على ملامح المرأة ومحامدها فی کاتب التراث» (المصدر نفسه، ص 276). 7ـ1ـ3 فونیم الثاء بعد الضاد یجیء الثاء بانزیاح حضوری، نسبته 85/167 %، وما جعل فونیم الثاء مناسباً لهذا المشهد من القصیدة هو «مخرجه الأسنانی» (برکة، بلا تا، ص 211)، البارز الذی یحیل إلى الخارج (= خارج الذات)، لأنّ امرأ القیس یتحدّث هنا عن شخص آخر مستقلّ عنه، هی حبیبته. بروز المخرج عند النطق بالثاء یحمل دلالات تلائم ما یقوم به الشاعر فی معاملته مع النساء، لأنّ بروز اللسان وخروجه من إطار الفم یوحی بالتجاور وکسر الحدود، کما یتجاوز الشاعر فی ذهابه إلى المرأة وزیارته إیاها أهوالاً کثیرة، « أثناء النطق بالثاء یوضع طرف اللسان بین الثنایا العلیا والسفلى» (الموسوی، 1998م، ص 56)، حیث تضغطان على اللسان لتمنعا من بروزه وذلک یمثّل فی قوم یحرسون المرأة ویمنعون الشاعر من الدخول إلى خدرها، ولکن الشاعر ینجح فی تجاوز الأحراس والوصول إلى المرأة کما یبرز اللسان رغم ضغط الأسنان. 7ـ1ـ4فونیم الخاء بعد أن تجاوز الشاعر إلى المرأة وأخرجها من خدرها، ذهبا إلى مکان مطمئنّ صلب. وتدلّ على هذا الاطمئنان والصلابة سمات فونیم الخاء الذی یحلّ فی المرتبة الثالثة بانزیاح حضوری، قدره 93/141 % . «عدم تذبذب الأوتار الصوتیة عند النطق بالخاء» (السعران،د.ت: 177)، یلائم الاطمئنان وهذا لا یناقض دلالات اهتزاز الأوتار الصوتیة عند النطق بالضاد، لأنّ فی هذا المشهد من وصف المرأة لا یخاف الشاعر من الفراق ولا یسود علیه القلق بسبب عدم عزم الحبیبة على قطع العلاقة، بل هنا تترقّب المرأة مجیء الشاعر وبعد أن وصلا إلى موضع بعید عن عیون الناس، یشعران بالاطمئنان. کما لاحظنا یحمل اهتزاز الأوتار الصوتیة فی الضاد وعدم اهتزازها فی الخاء دوراً دلالیاً فی هذا المقطع من المعلّقة. فوجود صفات القوّة فی الضاد یناسب عزم الحبیبة لقطع العلاقة، ولذلک یدلّ اهتزاز الأوتار الصوتیة عند النطق بالضاد على قلق الشاعر واضطرابه، بینما اجتماع صفات الضعف فی الخاء مثل الرخوة والهمس والترقیق یناسب انقیاد المرأة ولذلک یدلّ عدم اهتزاز الأوتار الصوتیة على اطمئنان الشاعر وهدوئه.
«أمّا مخرج الخاء (الطبق) فیکون أصلب من مخرج نظیره الحلقی وهو الحاء» (ابن سینا، بلا تا، ص 116)، الذی یجیء فی جدول الانزیاح الغیابی. إنّ الصلابة فی موضع حدوث الفونیم عند النطق بالخاء یتجسّد فی صلابة موضع یطمئنّ الشاعر و المرأة فیه.
7ـ1ـ5 فونیم التاء یلی الخاءَ فونیم التاء بانزیاح حضوری نسبته60/80 %، «یتمّ النطق بالتاء بإلصاق طرف اللسان بداخل الثنایا العلیا» (حسان،1979م، ص 95). ثمّ «ینفصل العضوین بشکل مفاجئ ویخرج الهواء بشدّة» (الموسوی، 1998م، ص 61). «إنّ اللسان عضو مرن کثیر الحرکة داخل الفم» (عبد التوّاب،1985م، ص 26). وهذه القابلیة على الحرکة تجعله مناسباً للدلالة على ما تقوم به المرأة، وهو عزمها على الفراق والبعد عن الشاعر. ومن جهة أخری أنّ الجمع بین مرونة اللسان وقابلیته على الحرکة یصوّر لنا هذا البیت من مقطع وصف المرأة:
فیصف فیه الشاعر أنامل المرأة حین تقوم بعمل وتتناول الأشیاء باللیونة والنعومة. أمّا «الأسنان، فهی من أعضاء النطق الثابتة» (الموسوی،1998م، ص 35), فثبوت الأسنان مرآة تعکس ثبوت امرئ القیس على الموّدة والحب، وهو یقرّ بأنّه لا یملک عنان قلبه حتى یستطیع أن ینسى حبّ الحبیبة، وزعم عشقه إیاها باق ثابت لا یزول ولا یبطل کما تعکس ثبوته فی الإصرار على التمتّع بالمرأة ویشیر إلى هذا المعنى فی قوله: «وما إن أری عنک الغوایة تنجلی». فانفصال العضوین أی اللسان والأسنان بشکل مفاجئ یتمثّل فی عزم المرأة على الانفصال المفاجئ والسریع من الشاعر. نستفید هذا من قول الشاعر حین یقول للحبیبة: «إن کانت وطنّت نفسک على فراقی فأجملی». 7ـ1ـ6فونیم الباء فی ذات الإطار الدلالی یندرج فونیم الباء الذی یجیء فی المرتبة العاشرة بانزیاح حضوری، نسبته 81/11%. «انفراج الشفتین بشکل مفاجئ عند النطق بالباء» (الموسوی،1998م، ص 52) یؤکد على دلالات التاء على الانفصال، إلا أنّ الباء فونیم شفوی لا نجد فی نطقه دوراً حیویاً للأسنان. وذلک یمیّزه عن التاء ویُفقده شیئاً من دلالاته، ومن هنا جاء فونیم الباء فی جدول الانزیاح الحضوری متأخّراً عن التاء. 7ـ1ـ7 فونیم الشین یجیء فونیم الشین فی المرتبة السابعة بانزیاح حضوری، قدره 45/ 45%. یلعب الشین دوراً دلالیاً هامّاً فی هذا المقطع من خلال صفاته ومخرجه. «وجود الرطوبات فی نطق الشین» (ابن سینا، بلا تا، ص 119) مناسب جدّاً للدلالة على سمات الجمال فی المرأة التی یصفها امرؤ القیس، «وهو یتحدث حین یصف ساقی صاحبته عن شبکة من السمات الدالة على جمال المرأة وطراوة جسدها ودلال طبعها وهضم کشحها وطفوح ساقیها بالنعمة والطراوة والماء» (مرتاض، 1998م، ص 285). وفی بیت آخر، شبّه ساقیها بأنبوب البردی المسقی. کلّ ذلک یشیر إلى الطراوة التی یدلّ علیها وجود الرطوبة فی نطق الشین. «ولقد أومأ امرؤ القیس إلى عطر المرأة فی معلّقته حین یقول: وتضحى فتیت المسک فوق فراشها، نصادف هنا صورة مزدوجة: نصفها بصری أی فتیت المسک المتناثر فوق فراشها، ونصفها الآخر شمیّ أی فتیت المسک الذی له عبق وشذی ینبعث من ذلک الفراش» (المصدر نفسه، ص 286). فی کلتا الصورتین سمة مشترکة وهی انتشار والانبعاث. ینتشر فتیت المسک وشذاه کما ینتشر الهواء فی الفم عند النطق بفونیم الشین لأنّه یتمیّز بصفة التفشّی وهو بمعنى الانتشار (البرکوبی، بلا تا، ص 195). 7ـ1ـ8 فونیم الراء بعد الشین، یجیء فونیم الراء بانزیاح حضوری، قدره 90/ 33%. «یُعتبر الراء من الأصوات المتوسّطة بین الشدّة والرخوة» (قدّوری، 2009م، ص 59). والتوسّط من صفات المرأة التی یصفها الشاعر حین یقول: «بین درع و مجول». کانت العرب تطلق الدرع على لباس المرأة العوان المستویة، لذلک ورد فی تفسیر الزمخشری: «وأن المرأة ـ فی آیة التبرّج ـ کانت ترتدی الدرع من اللؤلؤ» (1308هـ،ج 3، ص 537). بینما کانت العرب تطلق على لباس الجاریة المِجولَ. «وقد جمع امرؤ القیس بینهما معاً على أن حبیبته هی أیضاً جمعت بین الحالین فی لباسها، کأنها أفضل من الجاریة الغرّة (= الشدّة) من حیث نضجها وأفضل من المرأة المستویة (= الرخوة)[1]، من حیث احتفاظها بفتائها ونضارة جسدها، فکأنها المرأة الکاملة التی تجمع بین فتاء الفتاة وما فیها من غرّة وغفلة وبین استواء المرأة العوان وما لدیها من تجربة کما یجمع فونیم الراء الشدّة و الرخوة» (مرتاض، 1998م، ص 285).
یتمیّز الراء بصفة التکریر. «والتکریر فی اللغة مصدر کرّر الشیء: إذا أعاده مرّة بعد أخری» (ابن منظور، 1968م، ج 6، ص 450). إنّ التکرار مناسب للدلالة على کیفیة معاملة امرئ القیس مع النساء، لأنّه دائماً یتمتّع بالنساء ویکرّر عمله، حیث یقول:«فمثلک حبلى قد طرقت ومرضع» أی ربّ امرأة حبلى . . . . و«ربّ» یفید التکثیر کما یناسب لفظ «المعلّل» فی قوله «لا تبعدینی من جناک المعلّل» صفة التکریر فی فونیم الراء، لأنّ المعلّل بمعنى المکرّر، یقول لا تبعدینی ممّا أنال من عناقک وتقبیلک الذی أکرّره. 7ـ1ـ9 فونیم الغین یلی الراء فونیم الغین بانزیاح حضوری، نسبته 33/13%. «إنّ الغین فونیم طبقی» (بهنساوی،2004م، ص 77)، وهو النظیر المجهور للخاء. سیُحیل الغین عن طریق مخرجه الطبقی العمیق إلى البعد عن الخارج وهذا البعد عن الخارج یلائم حال حبیبة الشاعر، لأنّها جاریة مخدّرة أی مقصورة فی خدرها لا تبرز منه ولا تصل إلیها أیدی الرجال کما لا تصل إلى الدرة التی شبّها بها أیدی طلابها. أمّا الجهر فمن صفات القوّة ویؤکّد على دلالات فونیم الضاد المتصدّر ویدعم دلالات بعد المخرج، لأنّ المرأة هنا منیعة وجهود الرجال فی الوصول إلیها باءت بالفشل. 7ـ1ـ10 فونیم الغین فونیم الغین مشترک مع الخاء فی المخرج. لکنّه یختلف عنه فی الجهر. کما قلنا إنّ صفة الهمس فی الخاء أو عدم تذبذب الأوتار الصوتیة تخدم للتعبیر عن اطمئنان الشاعر وهدوئه و أمّا مخرجه العمیق فیدلّ على بعد الشاعر والمرأة عن عیون الناس کما نلاحظ أنّ دلالات صفة الهمس وبعد المخرج فی فونیم الخاء یدعم أحدهما الآخر وکذلک دلالات صفة الجهر وبعد المخرج فی فونیم الغین. 7ـ1ـ11 فونیم السین یأتی فونیم السین بعد الغین بانزیاح حضوری، نسبته 08/ 5 %. اجتماع صفات الضعف فی السین «الاحتکاک، الهمس، الانفتاح» (حسان، 1979م، ص 128)، یوحی بما یسود على حیاة المرأة وسماتها الجسدیة من اللیونة والهدوء. حبیبة الشاعر تتمتّع بحیاة ملیئة بالرخاء والثروة ولذلک تعیش دائماً مخدومة لا خادمة. نجد فی مقطع وصف المرأة فی معلّقة امرئ القیس أبیاتاً تشیر إلى هذه الحیاة الرغدة البعیدة عن الصعوبات. مثلا ذکر ملابس المرأة لم یکن وصفاً مقصوداً لذاته، بل کان عارضاً وقد نقرأ لدی امرئ القیس من هذه الملابس لبسة المتفضّل، عدم الانتطاق من التفضّل کما نقرأ الدرع والمجول والملاء المذیّل والمرط المرحل، یدلّ أغلب صفات هذه الملابس على تبرّج المرأة وتزیّنها أکثر مما یدلّ على تعرّضها للابتذال والخدمة وذلک بأنّ مقتضیات الأحوال کانت تقتضی أن یذکر هذا الضرب من الملابس النسویة الدالة على غضاضة العیش وسعة الحال وسبوغ النعمة، لأنّ الشاعر کان بصدد وصف حبیبة رقیقة الذوق، إذ لا یمکن لشاعر أن یحبّ امرأة بدون قلب ولا فتاة غلیظة الکبد وسیئة الذوق ومنعدمة الأنوثة وخالیة من الغنج ومحرومة من الدلال النسوی. فکأن أناقة الملابس کانت دلیلاً على رقة العاطفة. ومن هنا یلعب فونیم السین من خلال صفات الاحتکاک والهمس والانفتاح أی الرخاء والهدوء وسعة العیش، دوراً دلالیاً هاماً فی رسم لوحة ملیئة بألوان مختلفة من سمات المرأة کما یقول فی بیت آخر أنه «نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضّل»، وذلک بسبب سبوغ نعمتها ووجود خدم ینهض بشؤونها فیکفیها مؤونة الإبکار. 7ـ1ـ12 فونیم الواو بقی فی جدول الانزیاح الحضور، فونیم الواو الذی یحقّق انزیاحاً حضوریاً، قدره 35/ 3% . إنّ السمة البارزة فی الواو هو الانتقال أی «تتّخذ أعضاء النطق الوضع المناسب لنوع من الضمّة ثمّ تنتقل من هذا الوضع إلى حرکة أخری» (بشر،2000م، ص 369). سمة الانتقال فی فونیم الواو یدلّ على انتقال المرأة من الامتناع إلى القبول.
7ـ2 الانزیاح الغیابی بعد أن استُعرض دور الفونیمات التی حقّقت انزیاحاً حضوریاً فی مقطع وصف المرأة، نتّجه الآن إلى الفونیمات التی تحقّق انزیاحاً غیابیاً وتتوزّع هذه الفونیمات حسب نسب انزیاحها کما یلی:
7ـ2ـ1فونیم الدال یتصدّر فونیم الدال فی جدول الانزیاح الغیابی بانزیاح، نسبته 15/41 %، فونیم الدال مشترک مع فونیمی التاء والطاء اللذین یندرجان فی جدول الانزیاح الحضوری فی المخرج. «مخرج هذه الفونیمات الثلاثة من المقدّم من السطح الممتد على الحنک، وتحدث من حبسات تامّة» (ابن سینا، بلا تا، ص 121)، أی «یعوق تیار الهواء الخارج من الرئتین عائق یمنعه من المرور ثمّ یزول هذا العائق بسرعة فیندفع الهواء بشدّة» (الموسوی، 1998م، ص 46). وذلک یتمثّل فی قوم یحرسون المرأة ویمنعون الشاعر من الوصول إلیها. هذه الدلالات فی التاء والطاء والدال تؤکّد دلالات الثاء إلا «أنّ الدال یخالف التاء والطاء إذ الحبس فیه غیر قویّ» (ابن سینا،بلا تا، ص 122). إنّ تأکید الشاعر فی أبیات مختلفة على أنّ حبیبته ملازمة خدرها وهی غیر محلّلة لمن رامها، مرآة تعکس هذا الحبس القوی والشدید للهواء فی نطق التاء والطاء، لأنّ الوصول إلى هذه المرأة وتجاوز العوائق لا یحقّقان بسهولة کما لا یزول عائق الهواء بسهولة، بل بعد اتصال تام بین أعضاء النطق التی تمنع مرور الهواء. إذن ضعف الحبس فی فونیم الدال غیر مناسب للدلالة على صیانة المرأة فی هذا المشهد وذلک أدّى إلى غیابه. 7ـ2ـ2 فونیم الصاد بعد الدال، یحقّق فونیم الصاد انزیاحاً غیابیاً، قدره 62/33 %. عند النطق بالصاد «یکون الفراغ بین طرف اللسان وبین اللثة قلیلاً جداً ویلاحظ أن هذا الفونیم لا یتأتّى نطقه لو فتح الفم أثناء تکوینه» (السعران، بلا تا، ص 175). ومن هنا یکون مخرج الصاد ضیّقاً جداً، وضیق المخرج یوحی بالضغط والمعاناة وضیع النعمة، وکلّ ذلک لا یلائم حیاة حبیبة امرئ القیس، لأنّها تتمتّع بحیاة ملیئة بالرخاء والنعمة. ومن جهة أخری أنّ حبیبة الشاعر لم تکن ترتدی من الملابس أثناء النوم ما کانت ترتدیه أثناء النهار وأوقات الامتهان وهی لا تحتزم على قمیص النوم، بل کانت ترسله إرسالاً فضفاضاً على جسدها، قد یدلّ على ذلک قول امرئ القیس: «نوؤم الضحى لم تنتطق عن تفضّل» وعلى الرغم من أنّ المتفضّل فی دلالة اللغة العربیة القدیمة یعنی «اللابس ثوباً واحداً إذا أراد الخفّة فی العمل» (الزوزنی،1983م، ص 18)، إلا أنّ سیاق البیت لا یدلّ هنا على معنى التخفّف من أجل العمل والکدح ولکنّه ینصرف إلى معنى «التخفّف من الملابس الضیّقة والاجتزاء بثوب واحد خفیف هو لباس النوم لدی المرأة المنعّمة الموسرة» (مرتاض، 1998م، ص 275)، إذن ضیق المخرج فی الصاد لا یناسب هذه السمات فی لباس حبیبة الشاعر. 7ـ2ـ3 فونیم الهاء بعد الصاد، یحلّ فونیم الهاء فی المرتبة الثالثة بانزیاح غیابی،نسبته 49/30 %، «عند النطق بالهاء یتباعد الوتران الصوتیان ویمرّ الهواء دون أن یسبّب اهتزازهما» (الموسوی، 1998م، ص 89). «إنّ الفراغ الذی یکون بین الوترین ینبسط وینقبض بنسب مختلفة مع الأصوات وعلى هذا یترتّب نسبة شدّ الوترین واستعدادهما للاهتزاز فکلّما زاد توتّرها زادت اهتزازهما»(أنیس،1992م، ص 17). ولکن عند النطق بالهاء لا یوجد ذلک التأثیر الذی یسبّب اهتزاز الوترین. إنّ التباعد بین الشاعر والمرأة یمثّل التباعد بین الوترین إلا أنّ عدم اهتزاز الأوتار الصوتیة لا یلائم إظهار الحزن والتوجّع عند فراق الحبیبة، لأنّ کل ذلک بمعنى أنّ فراق الحبیبة کان مؤثّراً عمیق التأثیر فی نفس الشاعر وقد أدّی إلى اضطرابه، أی إنّ التباعد لا یؤثّر فی الأوتار الصوتیة ولا یؤدّی إلى اهتزازهما بینما یؤثّر التباعد بین الشاعر والمرأة فی قلب الشاعر ویؤدّی إلى اضطرابه. و من هنا هذه السمة فی الهاء غیر مناسبة للدلالة على تأثیر الفراق على الشاعر.
7ـ2ـ4 فونیم الیاء یلی الهاء فونیم الیاء بانزیاح غیابی، نسبته 40/26 %، غیاب فونیم الیاء فی مقطع وصف المرأة یخدم لدلالات أبیات تدور حول مغامرات الشاعر الغرامیة وذکریاته المتنوعة المصطبغة بالمتعة و الفجور. یذکر امرؤ القیس مغامراته ویفتخر بها حین یقول:
یقول: ربّ حبیبة مخدّرة مقصورة فی خدرها لا تبرز منه ولا تصل إلیها أیدی الرجال، تمتّعت بها على تمکّث ولم أعجل عنها ولم أشغل عنها بغیرها، أی لا یترک المرأة التی یتمتّع بها فی الخفاء بسرعة، ومن هنا لا تناسب هذا المشهدَ «سرعة انتقال الأعضاء من الوضع المناسب لنطق صائت من نوع الکسرة إلى موضع صائت آخر أشدّ بروزاً عند النطق بالیاء» (السعران، بلا تا، ص 180). قلّة وضوح الکسرة تتمثّل فی تمتّع بالمرأة فی الخفاء وترک التمتّع وخروج من الخفاء یتمثّلان فی بروز فونیم الیاء، إلا أنّهما یختلفان فی وجود سرعة الانتقال وعدم وجودها، أی لا یترک الشاعر المرأة َ بسرعة. ومن جهة أخری، «یتمیّز فونیم الیاء بصفة الجهر» (البرکوبی، بلا تا، ص 194).«جَهَر الأمرُ فی اللغة بمعنى علن وانتشر»[2]. طبیعة المغامرات الغرامیة تقتضی أن تکون فی الخفاء وبعیدة عن الناس وهناک إشارات فی مقطع وصف المرأة فی معلّقة امرئ القیس تدلّ على أنّ الشاعر یتمتّع بالنساء فی الخفاء وبعیداً عن القوم، حیث یقول: «فمثلک حبلى قد طرقت» و«والطروق بمعنى الإتیان لیلاً» (الزوزنی،1983م، ص 39)، وقوله: «إذا ما الثریاء فی السماء تعرّضت» إشارة إلى اللیل، واللیل بما فیه من السکون والهدوء مناسب لإنجاز الأمور الخفیفة. ویقول: «أجزنا ساحة الحیّ»، أی خرجنا من مجمع بیوت القبیلة وذهبنا إلى مکان بعید عن القوم. کلّ ذلک یدلّ على الإخفاء وعدم الإظهار والإعلان إذن صفة الجهر فی الیاء لا تناسب هذا المشهد من المعلّقة. «انسداد مجری الأنفی عند النطق بالیاء» (الموسوی، 1998م، ص 79)، یدلّ على انسداد طریق غیر مألوف لخروج الهواء، لأنّ الهواء ینفلت عبر الفم فی الفونیمات الأخری وهو الطریق المألوف لخروجه. أما الطرق غیر المألوف للوصول إلى النّساء فمفتوحة أمام امرئ القیس، لأنّه یدخل على «حبلى ومرضع» ویدخل خدر عنیزة وکلّ ذلک غیر مألوف، ولکن الشاعر یختار هذه الطرق عندما لا یصل من الطریق المألوف إلى ما یرید. إنّ الطریق المألوف لخروج الهواء عند النطق بالیاء وهو الفم، مفتوح وینفلت الهواء عبر الفم ولا یخرج من الطریق غیر المألوف أی الأنف. إذن هذه السمة فی الیاء لا تناسب للدلالة على مغامرات الشاعر الغرامیة. 7ـ2ـ5 فونیم النون غیر بعید عن الیاء یجیء فونیم النون الذی یسجّل انزیاحاً غیابیاً، نسبته 41/23 %، «وهو من أصوات الغنّة تحرّک أو سکن» (قدّوری، 2009م، ص 61)، والغنّة توحی بالتغنّی بالجمال والمفاتن التی تحملها حبیبة الشاعر إلا أنّ امرأ القیس لا یتغنّى بجمال الحبیبة إلا إذا یتحقّق الوصال ویشعر بالهدوء والسکون. وعندما عزمت المرأة على الفراق والبعد عن الشاعر یضطرب الشاعر ویبدأ بالشکوى أی یتجسّد سکون النون فی الوصال وتحرّکه فی الفراق و البعد. کما قلنا لا تترک الغنّة النون تحرّک أو سکون وهذا الفونیم یتصّف بهذه الصفة دائماً، ولکنّ التغنّی یختصّ بمرحلة من علاقة الشاعر مع المرأة دون الأخری، ومن هنا ثبات صفة الغنّة فی فونیم النون لا یلائم تغییر حالات الشاعر النفسیة فی المراحل المختلفة. 7ـ2ـ6فونیم المیم فی نفس الإطار الدلالی یندرج فونیم المیم الذی یجیء فی المرتبة الثانیة عشرة بانزیاح غیابی، نسبته 93/8 %، «لأنّه مثل النون فی التزامه بصفة الغنّة» (المصدر نفسه، ص 61). إضافة إلى ذلک، مخرجه الشفوی یناقض دلالات فونیم الغین الذی یدلّ بعمق مخرجه على بعد المرأة عن الخارج، لأنّها مخدّرة لا تخرج من خدرها، ولکنّ الشفتین قریبتان من الخارج وقرب المخرج من الخارج لا یلائم حال حبیبة الشاعر. وجود هذه السمات فی النون والمیم أدّی إلى غیابهما من مقطع وصف المرأة فی معلّقة امرئ القیس، إلا أنّ النون یحلّ فی المراتب القریبة من الصدر فی جدول الانزیاح الغیابی بینما یجیء فونیم المیم فی المراتب الأخیرة، والسبب یعود إلى مخرجهما، لأنّ الشفتین من أعضاء النطق اللینة ویلائم طبیعة المرأة. وبسبب وجود هذه السمة فی المیم یسجّل هذا الفونیم انزیاحاً غیابیاً طفیفاً قریباً من الحضور ولکن الأسنان (= مخرج النون) من أعضاء النطق الصلبة ولا تلائم دلالاته طبیعة المرأة. 7ـ2ـ7 فونیم الذال بعد النون یجیء فونیم الذال بانزیاح غیابی، قدره 99/21 %، وهو النظیر المجهور للثاء الذی جاء فی جدول الانزیاح الحضوری «ویعنی هذا أنّ مخرجهما واحد وصفاتهما مشترک ما عدا اختلافهما فی اهتزاز الأوتار الصوتیة مع الذال وعدم اهتزازها مع الثاء» (الموسوی، 1998م، ص 57). «خروج الهواء من منفذ ضیّق عند النطق بالثاء لا یسبّب اهتزاز الأوتار الصوتیة» (بشر، 2000م، ص 298). اطمئنان الشاعر وعدم خوفه فی مغامراته الغرامیة یمثّلان عدم اهتزاز الأوتار الصوتیة فی الثاء، ولکن عدم اهتزازها فی الذال یناقض دلالات الثاء وذلک یؤدّی إلى غیاب هذا الفونیم من مقطع وصف المرأة. 7ـ2ـ8 فونیم الجیم یلی الذالَ فونیم الجیم الذی یحقّق انزیاحاً غیابیاً، نسبته 39/17%، «إنّ الجیم أخت الشین فی المخرج» (ابن یعیش، بلا تا، ج10، ص 138)، «وکلاهما یخرجان من وسط الحنک» (بشر،2000م، ص 315). أما السبب الذی یؤدّی إلى اختلافهما فی تسجیل الانزیاح الغیابی والحضوری فیعود إلى وجود «صفة الشدّة فی الجیم ومعنى الشدید أنّه صوت اشتدّ لزومه لموضعه فلم یجر معه النفس» (أبو الفرج، بلا تا، ص 96)، أی «یحتبس جری الصوت» (البرکونی، بلا تا، ص 194). فهذه السمة فی الجیم تناقض دلالات صفتی التفشّی والرخوة فی الشین، لأنّ «التفشی بمعنى انتشار الصوت والرخوة بمعنى جری النفس» (المصدر نفسه، ص 195). یلائم هذا الانتشار وعدم احتباس النفس فی الشین، مشهد وصف عطر المرأة وفتیت المسک المتناثر فوق فراشها. إذن لن ینسجم احتباس النفس وعدم الانتشار فی الجیم مع هذا المشهد ویجعل غیابه مؤکداً لدلالات الشین. على الرغم من أنّ الأحداث فی عزم المرأة على الفراق تقع منعزلة عن دور امرئ القیس، والمرأة هی التی تلعب دوراً مصیریاً فی حدوث الانفصال والابتعاد، ولکن لا یقتصر تعامل الشاعر مع المرأة على هذا المشهد، بل عندما یذکر امرؤ القیس مغامراته الغرامیة، هو هناک صانع الحدث ومرکزه وهو المؤثّر فی محیطه. ولذلک دلالات فونیم الفاء الذی یجیء المرتبة الثامنة بانزیاح غیابی نسبته 16/16%، وهو فونیم «شفوی أسنانی» (إبراهیم، د.ت، ص 84)، أی بارز المخرج لا تناسب موقع الذات وأثرها فی محیطها، لأنّ الأحداث فی المغامرات الغرامیة لا تقع فی الخارج منعزلة عن دور امرئ القیس. وإلى جانب مخرجه البارز تقوم صفتا الضعف فی الفاء:«الهمس والاحتکاک» (برکة، بلا تا، ص 121)، بإحالة خاطئة إلى المحیط الخارجی، لأنّها ستُصوّر امرأ القیس ضعیفاً تجاه المرأة فی المغامرات الغرامیة کضعف الهمس والاحتکاک بینما الأمر على عکس ذلک تماماً ویکرّس صورة الضعف التی یتمّ تلافیها بغیاب الفاء «أنّ نسبة احتکاک هی الأدنى بین بقیة الفونیمات ذات المخارج البارزة، إذ لا یقلّ عنه فی قوّة الاحتکاک إلا الهاء والخاء والغین والعین والحاء ذات المخارج الغائرة» (أنیس،1992م، ص 25). 7ـ2ـ9 فونیم الحاء یندرج فی جدول الانزیاح الغیابی فونیم یحمل مخرجه دلالات تناقض دلالات فونیم الثاء الذی یدلّ ببروز اللسان عند نطقه على تجاوز الحدود وکسرها وهی حال امرئ القیس فی علاقته مع النساء. وهو فونیم الحاء الذی یحلّ فی المرتبة العاشرة من جدول الانزیاح الغیابی بانزیاح قدره 88/12% . یتمیّز نطق الحاء «بنتوء اللسان إلى الخلف حتى لیکاد یتّصل بالحائط الخلفی للحلق» (الموسوی، 1998م، ص 85). وذلک یوحی بالانسحاب وعدم الاقتحام، إذن لا یناسب أیام شباب الشاعر وهو یقتحم المخاطر دائماً من أجل النساء و حیاته ملیئة بالمغامرات الغرامیة.
7ـ2ـ10 فونیم الکاف بعد المیم یحقّق فونیم الکاف انزیاحاً غیابیاً، نسبته 84/2 %. هناک سمة فی هذا الفونیم تجعله غیر مناسب لمشهد وصف المرأة فی معلّقة امرئ القیس، وهی «حبس تام للهواء عند نطقه» (ابن سینا، بلا تا، ص117)، وعکسها انتشاره کما سبق الذکر فی سمات فونیم الشین الذی یجیء فی جدول الانزیاح الحضوری، یحمل انتشار الهواء دوراً دلالیاً فی هذا المشهد. فونیم الکاف مشترک مع فونیم الجیم فی حبس تام للهواء عند النطق ویندرجان فی إطار دلالی واحد، إلا أنّ الاختلاف بینهما فی نسبة الانزیاح الغیابین، ففونیم الجیم 39/17% وفونیم الکاف 84/2 %. شیء لا یمکن أن نغمض العین عنه، سبب هذا الاختلاف الذی یعود إلى «وجود الرطوبة فی نطق الکاف» (المصدر نفسه، ص 117). هذه السمة تجعل فونیم الکاف قریباً من الشین ولذلک یسجّل الکاف انزیاحاً غیابیاً طفیفاً قریباً من الحضور. یُلحظ هنا نسق تبادلی بین زوجین من الفونیمات: زوج طبقی/ زوج أسنانی لثوی، والجدول التالی یمثّل ذلک:
حیث ترافق فونیمان طبقی وآخر أسنانی لثویّ ــ الخاء والطاء ــ فی تحقیق انزیاح حضوری کما ترافق فونیمات أسنان لثوی وطبقی ــ الصاد والکاف ــ فی تسجیل انزیاح غیابی. هذا من جهة المخرج أما من منظور قیمة الانزیاح فهو مقلوب بحیث کان الخاء الطبقی أعلى انزیاحاً من الطاء الأسنانی اللثوی، بینما کان الصاد الأسنانی اللثوی أعلى انزیاحاً من الکاف الطبقی. ومؤدّی هذا الشکل أن الفونیمات المتشاکلة مخرجاً أی «الخاء والکاف» و«الطاء والصاد» یتناقضان دلالة بینما المتشاکلان فی الصفات أی «الخاء و الصاد» و«الکاف والطاء» یتشاکلان دلالة. وبهذا تکون حلقة الانزیاحات الحضوریة والغیابیة قد أدّت من الدلالات ما یُشکّل المشهد الشعری الماثل فی مقطع وصف المرأة، من المرونة واللین فی جسدها وجاریة مقصورة فی خدرها لا تبرز منه ولا تصل إلیها أیدی الرجال وعزم الحبیبة على الفراق واضطراب الشاعر وتضجّره بسبب قطع العلاقة مع الحبیبة والبعد عنها. وإکرام المرأة وتعظیم شأنها وتکرار عمل التمتّع بالنّساء.
الخاتمة تستطیع الفونیمات العربیة أن تؤدّی دوراً دلالیاً فی نص الشعر وذلک من خلال صفات الفونیمات أو دلالات مخرجها. وهذه القدرة لا تنحصر على الفونیمات التی تحقّق انزیاحاً حضوریاً، بل تتعدّی أیضاً إلى الفونیمات التی تحقّق انزیاحاً غیابیاً. القدرة على أداء دور دلالی تشمل کلّ الفونیمات ولا تختصّ بفونیم دون الآخر، وفی المقطع الذی درسناه فی هذا البحث یلعب کلّ الفونیمات دوراً دلالیاً فی بناء القصیدة باعتبارها عنصراً من عناصر البنیة الصوتیة فی القصیدة الجاهلیة. تؤدّی الفونیمات دورها الدلالی من خلال صفاتها. الصفات التی لها ضدّ کالجهر والهمس والانفجار والاحتکاک والإطباق والانفتاح. عندما یحقّق فونیم ما انزیاحاً حضوریاً فی مقطع من القصیدة، یحقّق کثیراً من الأحیان ضدّه انزیاحاً غیابیاً لیؤکّد بغیابه على حضور ضده. الصفات التی لیس لها ضد کصفة التفشی فی فونیم الشین وهی تدلّ على الانتشار وتحیل إلى فتیت المسک المتناثر فوق فراش الحبیبة فی مقطع وصف المرأة والعبق الذی ینبعث من ذلک الفراش. کما تؤدّی مخارج الفونیمات دورها الدلالی من خلال: الأعضاء المشارکة فی نطق الفونیم: طبیعة اللینة لمخارج بعض الفونیمات تحمل دلالات تلائم لمقاطع من القصیدة الجاهلیة. الطبیعة المتحرکة أو الثابتة لأعضاء النطق کالأسنان وهی من أعضاء النطق الثابتة أو کاللسان و هو عضو کثیر الحرکة داخل الفم، وهذه القابلیة على الحرکة جعلته مناسباً للدلالة على دور الحبیبة فی مقطع وصف المرأة لأنّها مرکز الوقائع وهی التی عزمت على ترک الشاعر. عمق المخرج وبروزه: مخرج الفونیم مکان نطقه وموضع ینحبس عنده الهواء أو یضیق مجراه عند النطق بالفونیم، حسب اختلاف أماکن النطق . تُعتبر الشفتان أبرز المخارج وأقربها إلى الخارج والحنجرة أعمقها وأبعدها عن الخارج، عمق سائر المخارج وبروزها یکون نسبیاً، بروز المخرج فی بعض الفونیمات یؤدی دوراً دلالیاً فی المشهد الشعری کفونیم الثاء الذی یحمل دلالات تلائم ما یقوم به الشاعر فی معاملته مع النساء، لأنّ بروز اللسان وخروجه من إطار الفم یوحی بالتجاور وکسر الحدود، کما یتجاوز الشاعر فی ذهابه إلى المرأة وزیارته إیاها أهوالاً کثیرة أو عمق المخرج کفونیم الغین الذی سجّل انزیاحاً حضوریا فی مقطع وصف المرأة لیدلّ بعمق مخرجه على بعد المرأة عن الرجال وعدم ابتذالها. هکذا أدّت الفونیمات من خلال صفاتها ومخارجها دوراً دلالیاً فی مقطع وصف المرأة لمعلّقة امرئ القیس کما لاحظنا أنّ الفونیمات التی تلائم مع هذا المشهد من المعلّقة تحقّق انزیاحاً حضوریاً أی تکوّن نسبة حضور فونیم ما فی مقطع وصف المرأة أکثر من نسبة حضوره فی کلّ القصیدة، بینما تحقّق الفونیمات التی لا تتناسق دلالاتها مع المشهد انزیاحاً غیابیاً،وفی الانزیاح الحضوری نفسه یختلف فونیم ما عن الآخر فی قوّة دلالاته أو ضعفه، ولذلک یتقدّم بعض الفونیمات فی الجدول ویتأخر الآخر. هذا من جهة، ومن جهة أخری قد کشف التحلیل الصوتی عن وجود أنساق صوتیة فی مقطع وصف المرأة، بمعنى أنّ هناک فونیمات لها صفات ومخارج مشترکة، ومن هنا تکون لهذه الفونیمات دلالات مشترکة. ووجود فونیمات من نسق واحد فی جدول الانزیاح الحضوری أو الغیابی مرتبط بالدلالة کنسق الصفیری ( ص، س، ز ) أو الشفوی ( ب، م، و ).
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المصادر: 1-إبراهیم ،عبدالفتاح،(د.ت)،«مدخل فی الصوتیات»،تونس: دار الجنوب 2-ابن بیر علی البرکوبی، محمد،(د.ت) «درر الیتیم فی التجوید»، تحقیق و تعلیق : محمد عبد القادر خلف،آفاق الثقافة و التراث، بغداد 3-ابن سلام، الجحمی،(2001م)، «طبقات فحول الشعراء»، بیروت: دار الکتب العلمیة. 4-ابن سینا، (1983م)، «أسباب حدوث حروف»، ط1،دمشق: دار الفکر. 5-ابن منظور، (1968م)، «لسان العرب»، بیروت، دارصادر 6- ابن یعیش ،«شرح المفصل»، ج 10، (د.ت)، القاهرة: إدارة الطباعة المنیریّة. 7-أنیس، إبراهیم،(1992م)،«الأصوات اللغویة»، القاهرة: مکتبة الأنجلو. 8-برکة، بسّام،(د.ت)،«علم الأصوات العام، أصوات اللغة العربیة» بیروت: مرکز الإنماء القومی. 9-برکة،فاطمة الطبال،(1993م)،«النظریة الألسنیة عند رومان جاکوبسون»،بیروت: المؤسسة الجامعیة للدراسات،ط1. 10- بشر، کمال(200م)«علم الأصوات»،القاهرة: دار غریب للطباعة و النشر. 11- بهنساوی، حسام، (2004م)، « علم الأصوات»، ط1، القاهرة: مکتبة الثقافة الدینیّة. 12- حسان، تمّام، (1990م)،«مناهج البحث فی اللغة»، مکتبة الأنجلو المصریة. 13-حسین،طه ،(1994م)، «فی الأب الجاهلی»،القاهرة: دارالکتب المصریة. 14- الدینوری، ابن قتیبه،(2005م)،«الشعر و الشعراء»،القاهرة: دارالحدیث للطبع. 15- الزوزنی، أحمد، (1983م)،«شرح المعلّقات السبع»،، بیروت: منشورات دار مکتبة الحیاة. 16-السعران، محمود،(د.ت)، «علم اللغة، مقدمّة للقارئ العربی»، بیروت: دار النهضة. 17-ضیف، شوقی،(2014م)، «تاریخ الأدب العربیالعصر الجاهلی»القاهرة، دارالمعارف، طبعة الحادی عشر. 18-ظاظا،رضوان،(1997م)،«مدخل إلی مناهج النقد الأدبی»،الکویت: سلسة عالم المعرفة. 19-عبد التوّاب، رمضان،(1985م)،«المدخل إلی علم اللغة و مناهج البحث العلمی»، ط2، القاهرة: مکتبة الخانجی. 20-عبد الجلیل یوسف، حسنی،(1998م)،«التمثیل الصوتی المعانی»، ط1، القاهرة: الدار الثقافیة للنشر. 21-عبد المطلب، محمد،(1994م)،«البلاغة و الأسلوبیة»، بیروت: مکتبة لبنان. 22- عمر، أحمد مختار، (1997م)،«دراسة الصوت اللغوی»،القاهرة : عالم الکتب 23-قدّوری الحمد، غانم، (2009م).«المیّسر فی علم التجوید». السعودیة: مرکز الدراات و المعلومات القرآنیة. 24- محلّو، عادل، (2006م)،«الصوت و الدلالة فی شعر صعالیک»،الجزیرة: جامعة الحاج لخضر. 25-مرتاض، عبد الملک،(1998م)،«السبع معلّقات»، دمشق: اتّحاد کتّاب العرب، 26- الموسوی، مناف مهدی محمد،(1998م)،«علم الأصوات اللغویة»،بیروت: عالم الکتب. 27-مرامی، جلال،« دور الفونیم الوظیفی وانزیاحاته فی مقطع وصف الناقة لمعلّقة طرفة»،إضاءات نقدیة،المجلد4،العدد14،الصیف 1435ق.
28- ناصر، عبد المنعم «الفونیم بین النحو العربی القدیم و علم اللغة الحدیث»، آفاق عربیة، العدد 8،السنة 15، آب بغداد. المصادر الإلکترونیة: 29-«منطق اللغة نظریة عامة فی تحلیل اللغوی» یاسین خلیل. 1962.کلیة الآداب بغدادhttp://www.noormags.com/view/fa/articlepage/431679 30-شریف، سمیر سستیتیة، میکانیکة النطق، نور. 31-ابو المعالی، ابو الفرج فخر الدین، تحقیق، غان قدّوری الحمد، مرکز البحوث العلوم الإنسان | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,073 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 502 |