تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,651 |
تعداد مقالات | 13,405 |
تعداد مشاهده مقاله | 30,230,231 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 12,081,453 |
سيميائية المعجم الشعري لقصيدة النبيّ المجهول لأبي القاسم الشّابي | |||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||||
مقاله 6، دوره 9، شماره 17، دی 2017، صفحه 55-70 اصل مقاله (988.59 K) | |||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.0621.22463 | |||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||
نرگس گبانچي* 1؛ جواد سعدون زاده2؛ خيريه عچرش3 | |||||||||||||||||||||||
1ماجستيرة في اللغة العربية وآدابها | |||||||||||||||||||||||
2أستاذ مشارک في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة شهيد چمران | |||||||||||||||||||||||
3أستاذة مساعدة في قسم اللغة وآدابها بجامعة شهيد چمران | |||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||
السيميائية علم يدرس العلامات والإشارات. وهذه العلامات تتکوّن من الجانب المادي "الدال" والجانب الذهني "المدلول". وضعت دعائم السيميايئة على أساس نظريات سوسير وريفارتير اللسانية والمنطقية؛ سوسير من خلال تقصّيه لمفهوم الدالّ والمدلول وريفارتير من خلال عرضه لقراءات جديدة، هي القراءة الاستکشافية والقراءة الاسترجاعية. ومن هذا المنظار، اهتمّ کلّ من هؤلاء بتحليل النصّوص الأدبية من خلال العلامات الضمنية للدلالات التي تتوغّل في النسيج الداخلي أو في البنية الجوانبية للنصّ وتعطي أدوات خصبة للقراءة الجديدة. في هذه الدراسة وبالاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي نحاول أن ندرس المعجم الشعري لقصيدة "النبي المجهول" للشاعر أبي القاسم الشابي من منظور التحليل السيميائي في المحورين الأفقي والعمودي، إضافة إلى عرض للتأويلات السيميائية الموجودة في النصّ بتطبيق وجهات نظر سوسير وريفارتير حتى يتبيّن الجانب السيميائي للنصّ في مجال العلاقات الدلالية الظاهرة والخفية الموجودة. في دراسة المحور الأفقي لهذه الأنشودة قدّمنا تحليلاً للمستوي الموسيقي والمستوي المعنوي، وفي المحور العمودي قدّمنا دراسة سيميائية عن عنوان القصيدة ومعجمها الشعري بتسليط الضوء على نظريات سوسير وريفارتير. معجم هذه القصيدة التأملية الثورية، المتدفّقة من وجدان الشابي في مهرجان من الحسرة والأحزان على جهل شعبه يطفح بدلالات ومعان مختلفة يمکن دراستها من المنظر السيميائي الجديد لتبيين ما تحمله من معان عالية ثاوية خلف الألفاظ المتقنة التي تبلور أفکار الشاعر الوطنية وإحساسه الرومانطيقي المرهف بکلّ سلاسة وجمال أدبي. | |||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||
السیمیائیة؛ المعجم الشعری؛ أبو القاسم الشابی؛ النبی المجهول؛ الدلالة | |||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||
1ـ المقدمة السیمیائیة علم قدیم، لکن نشاطه حدیث واللغة هی أکثر الأنظمة السیمیائیة نشاطاً وأکثر تداولاً فی الوجود. نشأ هذا العلم فی بدایة القرن العشرین على ید عالمین: الفیلسوف الأمریکی تشارلز سندرس بیرس والعالم اللغوی السویسری فردیناند دی سوسیر. یعتبر سوسیر مفهوم السیمولوجیا «علم اللغة العام» ویرى أنّ اللغة نظام من نظام العلامات التی تعبّر عن الأفکار وأنّ النصّ یقوم على العلامة، وهی خاضعة للمعطیات السیاسیة والاجتماعیة والثقافیة لذا یجب أن تدرس العلامات داخل الحیاة الاجتماعیة. أمّا عن مفهوم "السیمولوجیا" فهو علم العلامات أو الإشارات أو الدلالات اللغویة أو الرمزیة. السیمیائیة تدرس کلّ شیء یدلّ على شیء آخر وهی لعبة التفکیک والترکیب وتحدید البنیات العمیقة الثاویة وراء البنیات السطحیة، ذلک لأنّ اللغة کما یعتقد سوسیر، نظام من الدلائل وبالتالی أنّ کلّ کلمة فی علم السیمیاء تُعدّ دلالیاً لسانیاً. والدلالة تقوم على جانب مادی هو الدالّ وجانب ذهنی هو المدلول. الدالّ متشکل من الجانب الخارجی للغة والمدلول یحمل المعنى والفکرة المخیمة على اللغة. إنّ المنظرین للاتجاه السیمیائی بجانب نظریاتهم السیمیائیة وإثباتها لم یلغوا الجانب الاجرائی، بل اتخذوه متّکأهم الأساسی فی عرض نظریاتهم الجدیدة کما فعل میخائیل ریفارتیر. فالسیمیائیة باعتقاده أداة لإثراء القراءة وهی نموذج أنسب لتصوّر قراءة داخلیة دقیقة لبنیة النص ونسیجه وشرحه. على هذا یصبح الإجراء الذی یعتمد على التفکیک والتشریح أساساً جوهریاً لمفهوم القراءة الداخلیة، وهذه القراءة یمکن أن تتناول المعنى فی النصّ من خلال قراءتین القراءة الاستکشافیة التی تساعد المتلقی لیدرک النص عبر مقدرته اللغویة والارتباط الظاهری الموجود بین الدال والمدلول، والقراءة الاسترجاعیة التی تهیئ المجال للمتلقی للغور فی دقائق النص مرّة ثانیة وفق مقدرته اللغویة لکی یعثر على الدلالات عبر البحث عن الإشارات. ممّا له دور هامّ فی عملیة استیعاب النصّ الأدبی، استجلاء طرائفه وجمالیته والکشف عن العناصر الفنیة التی أعطت النص الأدبی رمزیتها وسیمیائیتها؛ إذن یمکن القول إنّ الاتجاه السیمیائی فی دراسة النص یعدّ من أهمّ الصیغ والآلیات اللغویة التی یستخدمها النقاد لخرق الحواجز والتوغّل فی أعماق النص الأدبی وهذا ما نهدف إلیه فی هذا المقال. من الآلیات السیمیائیة المتّخذة فی هذا البحث لکشف مکنونات المعجم الشعری فی قصیدة النبی المجهول لأبی القاسم الشّابی هی عرضها من خلال المحور الأفقی والمحور العمودی. یشتمل المحور الأفقی على دراسة المستوی الموسیقی الخارجی والداخلی والمستوی المعنوی المشتمل على الفعل والصور الفنیة والتراکیب البلاغیة والرمز. ویشتمل المحور العمودی على دراسة سیمیائیة العنوان والنص الرئیسی بتطبیق لنظریات سوسیر وریفارتیر السیمیائیة.
2ـ خلفیّة البحث سبقت هذه الدراسة دراسات؛ أهمّها: «بررسى و نقد مضمون در تصویرهای شعری ابوالقاسم شابى» (= دراسة ونقد المضمون فی تصاویر أبی القاسم الشابی الشعریة) لنرگس أنصاری التی قدّمت بحثاً عن الصور الشعریة والجمالیة للشابّی من خلال عرض لأهمّ مضامینه الشعریة. و«ساختار داستانى و موسیقایایى در إرادة الحیاة») البنیة القصصیة والموسیقیة فی إرادة الحیاة) لهومن ناظمیان الذی حلّل قصیدة «إرادة الحیاة» من المنظور البنیوی وتوصّل إلى بعض العناصر القصصیة فی القصیدة وأظهر الجانب الموسیقی والصوتی للقصیدة. و«دراسة سیمیائیة فی قصیدة "فی المغرب العربی"» لمحسن سیفی ومعصومة حسین پور وصدیقة جعفری نژاد، و«التحلیل السیمیائی لـ"الناس فی بلادی" لصلاح عبدالصبور» لمحسن مجیدی وآسیة فولادی. و«سیمیائیة أنشودة کلمات إسبارتکوس الأخیرة» لعلی نجفی أیوکی وزهرا وکیلی ونفیسة میرگلوی بیات. تناولت هذه المقالات القصائد المذکورة من المنظور السیمیائی فی محورین: الأفقی والعمودی وقامت بتحلیل جمیع الجوانب الدلالیة من منظار حدیث کما نرى شرح وتحلیل کامل جهات السیمیائیة فی کتاب «آلیات التأویل السیمیائی» لموسى ربابعة. هذه الدراسات التی مرّ ذکرها دراسات قیّمة إلا أنّ التقصّی فیها واستقراء جهود الباحثین فی هذا المجال یبدی لنا أنّهم أغمضوا عن دراسة شعر الشابی من هذا المنظور، بینما هذا الموضوع على أعظم جانب من الخطورة لأهمیة القصیدة المطروحة ویلعب دوراً بنّاء فی انتقال المفاهیم إلى المتلقّی. فهذه الدراسة تتوخّى أن تسدّ هذا الخلل وتهدف إلى تحلیل قصیدة النبی المجهول من الجهة السیمیائیة بعرض معجمها الشعری على جوانب ومستویات دلالیة بارزة، إضافة إلى أنّها تلقی الضوء على الجانب البنیوی للنص وتسعى إلى أن تسلّط الضوء على الجانب السیمیائی للنصّ فی مجال العلاقات الدلالیة الظاهرة والخفیة الموجودة.
3ـ أسئلة البحث 1- ما هی الجوانب والمستویات السیمیائیة؟ 2- کیف یمکن تطبیقها هذه الجوانب على دراسة المعجم الشعری لقصیدة «النبی المجهول» ؟ 3- کیف یمکن دراسة هذه القصیدة بالاعتماد على نظریات فردیناند دی سوسیر وریفارتیر السیمیائیة؟ وقد انتهجنا فی هذه الدراسة المنهج الوصفی ـ التحلیلی ضمن عرض قصیدة النبی المجهول ودراستها من دیوان أغانی الحیاة لأبی القاسم الشابی.
4ـ العلم السیمیائی العلامة «sign» هی شیء محسوس بدیل فی الواقع المدرک من شیء غائب عن العیون، وتظهر شیئاً غیر شکلها الأول حیث أنّه یلقی على المفهوم أهمیة خاصة بجانب الشکل والظاهر الموجود. أمّا «السیمولوجیا فعلم یدرس الأنظمة الدلالیة کاللغة والرموز والعلائم وغیرها» (غیور، 1392ش، ص13). بتعبیر آخر أنّ السیمولوجیا «semiologie» هو علم العلامات أو الإشارات أو الدلالات اللغویة والرمزیة، سواء أکانت طبیعیة کصوت الحیوانات أو عناصر الطبیعة أم اصطناعیة مثل لغة الانسان أو علامات المرور. تهتمّ السیمولوجیا بدراسة حیاة العلامات فی کنف الحیاة الاجتماعیة واللسانیات تعتبر جزءاً منه، لأنّ السیمولوجیا تدرس العلامة اللغویة وغیر اللغویة واللسانیات تدرس العلامة اللغویة فقط. إنّ وجود اللغة فی هذا العلم لا ینفی جانبه الشکلی والمادی، بل یخلق مستوی آخر یتّکئ على الأنظمة الدلالیة وتتشکّل أنواع العلامات على هذا الأساس، لقد قسّموا العلامات إلى أنواع، منها: العلامة الإشاریة[1] والعلامة الأیقونة[2] والرمز[3]. وهذه الأخیرة تستخدم أکثر فی مجال الأدب وتشتمل على علامات بأنظمة ومعانی خاصة قد وضعت لتدلّ على أمر بعینه. من نماذج هذه العلامات نستطیع أن نشیر إلى المجاز والاستعارة والتشبیه فی مجال علم اللسانیات والأدب. علم السیمولوجیا وضع حجره الأساس وأصبح حقلاً معرفیاً مستقلاً فی نهایات القرن التاسع عشر وبدایة القرن العشرین باهتمام تشارلز سندرس بیرس «Charles Sanders Peirce» الفیلسوف الأمریکی وفردیناند دی سوسیر «Ferdinand de Saussure» العالم السویسری فی مجال اللسانیات. اهتمّ سوسیر بالجانب الاجتماعی للعلامات واعتبرها نظاماً من الإشارات التی یعبّر بها بنو البشر عمّا یدور فی أذهانهم من أفکار وأحاسیس ومشاعر، مثلها فی ذلک مثل باقی الأشکال الإشاریة الأخری؛ قد أکّد على الجانب اللسانی والبنیة اللغویة للعلامات والعلاقات النظمیة السیاقیة. العالم الآخر وهو میکائیل ریفارتیر (Michael Riffaterre) الفرنسی أیضاً تطرّق أکثر إلى تبیین البنیة اللغویة والأسلوبیة والجمالیة للنصوص الأدبیة وخاصّة الشعر من خلال عرض لقراءات جدیدة. العلم السیمیائی مع أنّه یحمل حیّزاً واسعاً للمفاهیم، لا یؤکّد على جانب خاص، بل یلقی الضوء على دراسة العلامات أو الرموز والصور الدالة على مفاهیم متعددة؛ ففی التحلیل السیمیائی تقدّم دراسة سیمیائیة من جوانب عدیدة وتقوم الدراسة بالغوص فی أعماق النصوص لکشف الدلالات التی تحملها بین طیّاتها. العلامات إضافة إلى تمتّعها بالجانب الدلالی والتأویلی، تحمل آلیات مختلفة؛ فبرأی رومان یاکوبسن إحدی آلیات العلامة الأساسیة «نقل الأفکار بواسطة التیمات (Message)» (المصدر نفسه، ص 19). لقد ذکرت مستویات عملیة وآلیة أخری لنقل مدلولات العلامات، من ضمنها: الآلیات الإرجاعیة والآلیات العاطفیة والآلیات الفنیة أو الجمالیة والآلیات المجازیة والخارجة عن الحدود اللغویة. أمّا فی التحلیل السیمیائی للنصوص الأدبیة فتلعب البنیة الجمالیة دوراً فعّالاً؛ لأنّ الأدب یتشکّل على أساس العناصر الجمالیة.
5ـ المعجم الشعریّ فی علم اللسانیات، خاصّة العلامات اللسانیة أو اللغویة، یظهر مفهوم آخر، ألا وهو المعجم الشعری لکلّ شاعر، حیث یهتمّ بتحلیل أسلوب الشاعر الأدبی ودراسة الجانب اللغوی لنصوصه الشعریة. یعرّف بارفیلد «المعجم الشعری» بقوله: «فی الوقت الذی تتمّ فیه عملیة اختیار الألفاظ وترتیبها بطریقة معینة، بحیث تثیر معانیها أو یراد لمعانیها أن تثیر خیالاً جمالیاً، فإنّ ذلک ما یمکن أن یطلق علیه المعجم الشعری»(Barffield، 1952 م، ص 96). هذا التعریف یتضّمن کلّ ما یتعلّق بالکلمة المفردة المستخدمة من قبل الشاعر، وما یتعلّق بمجموعة الکلمات المرتبة ترتیباً معیّناً وما تترکه عملیة الاختیار والترتیب من تأثیر فی المتلقی. إذن یعدّ المعجم الشعری من أهمّ الخواص الأسلوبیة التی على أساسها یمکن الحکم على شاعر وتبیان ملامحه الخاصة. فی المعجم الشعری، تکون الکلمة کعلامة فی السیمیائیة، وهی فی محلّ الدالّ الذی یدلّ على مدلول أو مدلولات مختلفة؛ لأنّ اللغة الشعریة لغة إیحائیة تحفل کثیراً بالکلمات الثریّة ذات الدلالات المتنوّعة. على هذا، رأی الشاعر المعاصر أنّ الکلمة تفقد شخصیتها المستقلة عندما تدخل فی انتظام مع کلمات أخری وتتعدّد معانیها ودلالاتها کلّما تعدّدت سیاقاتها. من هنا، المتلقّی لا یتلقّى الکلمات الشعریة کأصوات کما یتلقّى الأصوات الموسیقیة، بل یتلقّاها أیضاً کدلالات وهذا ما یؤثّر فی عملیة التلقی، وفی تاریخ التلقّی للکلمات وفی دلالاتها. (عبو، 2007م، ص 144).
6ـ موضوع قصیدة "النبی المجهول" لأبی القاسم الشابی قصیدة «النبیّ المجهول» هی قصیدة تأمّلیة ثوریة، مبعثها مشاهد وأرکان الطبیعة. مزج أبوالقاسم الشابی فیها بین عواطفه الذاتیة ومشاعره الوطنیة فی إطار من الطبیعة التی تکون عنصراً هاماً فی کثیر من صوره الشعریة. فی هذه القصیدة یتمنّى الشاعر لو کان له قوّة السیول والشتاء والعواصف لیقضی على کل ما یشیع القبح والهوان فی الحیاة ویبذل قصاری جهده لإیقاظ الضمائر والرفع من مستواه الفکری والثقافی، لکنّه لا یظفر عنده بإقبال وإجلال؛ لذا تثور ثائرته وینقم على المجتمع المتحجّر الذی لا یکترث لنصائحه فیراه روح غبیّة تکره التقدّم والنور، وتحبّ الجهل والدیجور، لهذا یتّجه یائساً إلى الطبیعة والغاب لیدفن بؤسه ویأسه. فهناک یجد ضالّته المنشودة التی هی الحیاة السامیة والحرّة، والملیئة بالطهارة والسلام والجمال.
7ـ سیمیائیة نظریات سوسیر فی قصیدة النبی المجهول 7ـ1 المحور الأفقی للمعجم الشعری فی قصیدة النبی المجهول المحور الأفقی أو محور الترکیب یؤکّد على الترابط بین المفردات والوحدات الکلامیة والعناصر المتجاورة التی تنقل بدورها رسالة خاصة. فهذا المحور برأی سوسیر «یربط بین وحدات یترکّبن مع بعضهن ویشکّلن وحدة منسجمة لمستوی أعلى» (sussure، 1967 م، ص 175). إذن وفقاً لرأی سوسیر فی المحور الأفقی نستطیع دراسة المعجم الشعری لکلّ شاعر فی المستوی الموسیقی والمستوی اللغوی. وفی هذا المنعطف، یظهر الجانب السیمیائی بوضوح أکثر لنا فی ائتلاف وترابط المفردات الشعریة ومجاورتها لبعضها.
7ـ1ـ1 المستوی الموسیقى المستوی الموسیقی فی الشعر یتکوّن من ثلاثة جوانب: الموسیقى الداخلی والموسیقى الجانبیة والموسیقى الخارجیة. 7ـ1ـ1ـ1 الموسیقى الخارجیة نعنی بها الإیقاع الناجم عن البحر العروضی والروی. فقصیدة «النبی المجهول» قصیدة ذات وزن عروضی وهو البحر الخفیف (فاعلاتن/مفاعلن/فعلاتن/فع). «موسیقى هذا البحر العروضی حزینة ومشجیة،لهذا یستخدم فی المراثی الوصفیة التی تثیر الحزن والهمّ والأحاسیس المؤلمة» (معروف، 1384 ش، ص133)، کما أنّ البحر المستخدم مثمّن وهذا یتناسب مع موضوع القصیدة الفکری التأملی، «فتناسب البحور الرباعیة الموسیقى التصویریة الهادئة فی الموضوعات الجادة التی یتکوّن أقرب إلى العمق الفکری والعاطفی» (المصری والبرازی، 2002م، ص 56). فی هذه القصیدة، یصف أبو القاسم الشابّی حال مجتمعه وطبیعته وما یدور حوله بتعبیر مشجٍ وحزین. 7ـ1ـ1ـ2 الموسیقى الجانبیة من أهمّ وظائف القافیة خلق التناسق والتناغم فی نهایة الکلام. فکما نری فی قصیدة «النبی المجهول»، موسیقى القافیة تلعب دوراً بارزاً وشاخصاً فی خلق الوحدة والتناسق فی بنیة القصیدة کما أنّها تجعل للقصیدة إمکانات غنائیة واضحة. حرف روی القافیة فی القصیدة هو «س» یتمیّز صوته بالصفیر، أی أنّه یدلّ على الوضوح ولفت الانتباه وهذا ما رمى إلیه الشاعر فی قصیدته التی یدعو فیها إلى انتباه الشعب ویقظته والثورة والقیام على الظلم. 7ـ1ـ1ـ3 الموسیقى الداخلیة تناسق العلاقات أو الروابط الموسیقیة الداخلیة تنشأ من التکرار والتناغم الصوتی أو التشاکل الحرفی والصوتی وکذلک السجع والجناس و ...، وهذه العناصر الموسیقیة تمهّد الأرضیة لغلبة قوانین خاصة على النصوص الأدبیة وخاصة الشعر منها. ـ التناغم الصوتی هذا العنصر من الموسیقى الداخلیة یؤکد على تکرار متناوب للصوامت والصوائت فی الشعر ویخلق نوعاً من الهارمونیة والتوازن فیه وینقسم إلى قسمین: التشاکل الحرفی والتشاکل الصوتی. إنّ أحد أهمّ ممیزات شعر الشابی موسیقاه الخاصة، وهذه النوعیة من الموسیقى الممیزة نراها فی قصائد «إرادة الحیاة» و«النبی المجهول» و«الأمّ والیتیم» أوضح من غیرها، لأنّ الشابی یهتمّ بخلق التناسق بین أفکاره وأحاسیسه مع الموسیقى والإیقاع الذی یساعد کثیراً على تبیین ما یدور فی خلده. «التشاکل الحرفی» هو تکرار صامت واحد أو عدد کثیر منه فی الجملة أو البیت الشعری. الصوامت الأکثر تکراراً فی هذه القصیدة هی: "ت" و"ل" و"س" و"ب" وعدد تکرارها بترتیب هو: 24، 23، 13، 8. «التشاکل الصوتی» هو تکرار أو توزیع الصوائت فی الکلمات لیعلی من شأن موسیقى الکلام. فالشابی فی هذه القصیدة استخدم الصیتة الطویلة "او" 17 مرة و"آ" 15 مرة أکثر من الباقی، لأنّه أراد التکلم عن الأوضاع المأساویة والاضطرابات الموجودة کما أنّ هذه الصیتات تعبّر عن انفعالات الشاعر وانشغالاته النفسیة وبخاصة عبر الألف لسهولة مخرجه من الحلق. ـ التکرار من التجلّیات الفنیة البارزة فی شعر الشابی خاصة فی هذه القصیدة هو تکرار حرف أو کلمة أو جملة أو عبارة معینة بقصد التأکید والتقریر على الأفکار والصور. یذکر سالم معوّش عن سبب التکرار فی شعر الشابی هذا القول: «هو یکرّر بکثرة بعضاً من الألفاظ والقوافی وهذا التکرار یدلّ على طغیان عاطفته» (المعوّش، 2011م، ص 629)، فی هذه القصیدة نری نسبة کثیرة من التکرار، ممّا یلفت الانتباه هو تکرار کلمة «الحیاة» أکثر من باقی الکلمات وعددها یبلغ 14 مرة، لذا نستطیع أن نحسبها الکلمة المحوریة فی هذه القصیدة. فعندما یذکر لفظ أو دالّ بصورة مکررة لا یؤکّد فقط على ترابطه بمدلول خاص، بل یقوّی ترابطه بالمدلولات الأخری، فالشابی لم یستخدم هذه الکلمة فی معناها ومدلولها الموضوع حصراً، بل تعدّاها وأشار بها إلى معان أخرى کالأبدیة:
(الشابی، 2005 م، ص 29). والدنیا:
(المصدر نفسه، ص 40). والتحرّک والحیویة:
(المصدر نفسه، ص 52). إنّ الشابی بعد یأسه من جهل وخمول شعبه، ینقلب عنهم ویتّجه نحو الحیاة الحقّة ویسعى بأن یجد حیاته فی أحضان الطبیعة أو الغاب؛ أی الحیاة السامیة الملیئة بالجمال والطهارة، لهذا تصبح کلمة «الغاب» من أهمّ ألفاظ هذه القصیدة وتتکرر سبع مرات فیها. ونری أنّ الکلمة إضافة إلى معناها اللغوی تنقل للقارئ مدلولات أخری، ألا وهی المکان المثالی للشاعر والتأمّلات الإنسانیة السامیة والسلام والصداقة والقداسة، حیث نلحظها فی هذه الأبیات (17-16، 42-41، 57). یوجد أیضاً نوع آخر من التکرار فی هذه القصیدة وهو تکرار الجملة لیؤکّد على الحصول على النصر والقضاء على الیأس والخبیبة. على سبیل المثال، فی الأبیات الأربعة الأوائل یأتی بـ«لیتنی کنت» وبعدها بـ«لیت لی» لینشئ تحوّلاً وانقلاباً فی طبیعة ومجتمعه وشعبه، بتقمّسه دور موجود آخر وصیرورته على هیئة جدیدة. إنّ تکراره لعبارة «یا لها من معیشة» فی نهایة القصیدة، تدلّ على مدی تکبیره وتعظیمه لحیاته فی الغاب الذی لطالما حلم به ودعا إلیه. نری أیضاً أنّه یأتی مراراً بحرف «ثمّ» لیکرر ویؤکّد بها على أفکاره المتراکمة بعطفها بعضاً على بعض. ـ السجع لم یستخدم الشابی السجع بکثرة فی شعره کالتکرار. أمّا عن نماذج السجع فی قصیدته نستطیع أن نشیر إلى «قرة، ثورة / تلغو، یشدو / بؤس، مَسّ / تضحی، تمسی / سیول، قبور / ریاح، زهور / یصرف، یفنی». استطاع الشابی بهذه الکلمات ذات الرتابة الموسیقیة لفت انتباه المتلقی کما أنّه أعطى انسجاماً وإیقاعا داخلیاً جمیلاً لقصیدته، من جانب آخر خبّأ هذا الانسجام فی طیّاته قوافیه المتناسقة لیصل إلى غایة وهی انسجام شعبه ووحدتهم لیحصلوا على مجدهم الضائع وحرّیتهم المسلوبة. ـ الجناس إنّ نماذج الجناس فی شعر الشابی أقلّ نسبة بالمقارنة مع السجع ومن نماذجها یمکن ذکر «مَسّ، جَسّ/ غاب، غابات/ سحر، ساحر/ شعور، شاعر». فی هذا المجال نستطیع القول إنّ الشاعر لم یأت بالجناس لمجرّد أن یضیف حلى لفظیة لقصیدته، بل أراد أن یجذب المتلقی لکلامه ویقّوی جانب المعنى فی نفسه، ویعبّر عن أفکاره الثوریة المناهضة للظلم بتحقیق موسیقى تعبیریة لطیفة ودقیقة فی إطار فحص الکلام.
7ـ1ـ2 المستوی المعنوی (اللغوی والترکیبی) یتحدّث بعض النقّاد عن نوع ما من الموسیقى وهی الموسیقى الفکریة. ویبدو أنّ عناصرها تشکّل معاً الإیقاع الداخلی للقصائد الحدیثة. وأمّا المستوی المعنوی لقصیدة «النبی المجهول» فیتضمّن الأقسام التالیة: الأفعال التراکیب البلاغیة المجازیة والتشبیهیة والاستعاریة والرمز. مجموع هذه العناصر تشغل حیّزاً وسیعاً من القصیدة، ومن بین هذه الجمالیات نسبة استعمال الرمز أکثر من غیرها. هذه الکلمات والترکیبات بما أنّها نوع من الدلالات، تشیر بشکل جلیّ أو خفیّ على مضمون أو مدلول آخر حتى تنقل إلى المتلقی معانی بلاغیة وثانویة إضافة إلى معناها الأصلی. ـ الفعل أحد أوسع الدلالات شمولاً فی معجم الشابی الشعری، هو استخدام الأفعال بکثرة. فی السیمیائیة أیضاً یهتمّ بالأفعال وأنواعها أی الماضی والمضارع والأمر وشبه الفعل، وأنّها تدلّ على أی مفهوم ومعنى؟ وما عدد تکرّرها فی النص؟ نری أفعال متنوعة من مضارع وماضی وأمر وشبه فعل (اسم فاعل واسم مفعول) فی هذه القصیدة. عدد الأفعال الموجوده 115 فعل؛ وهی على هذه النسبة 55 فعل مضارع (49 %) و48 فعل ماضی (42 %) و2 فعل أمر (2 %) و10 اسم فاعل ومفعول (9 %). مع أنّ نسبة تکرار الفعل المضارع أکثر من باقی الأنواع بسبب قوة دلالته وإیحائه بالزمن والحرکة واستمراریته فی الحدث وشمولیته للحاضر والمستقبل. ولکن لأنّ الجو العام الغالب على القصیدة یلقی نوعاً من الرخوة والضعف والحزن والتشاؤم، هذه الأفعال المضارعة لم تتمکّن من رفع هذا الواقع الجامد ولم تستطع أن تحافظ على حرکیّتها، کما أنّ أغلبها من الأفعال ذات المعانی السلبیة کـ«أدفن» و«لاتدرک» و«تقضی» و«یقضی».
7ـ1ـ3 الصور الفنیة والتراکیب البلاغیة لکی ینجح الشاعر فی بناء صورة شعریة فنیة، لا بدّ أن یعتمد على اللغة فالصورة بناء لغوی والکلمات وحدة هذا البناء. لهذا، تظهر الکلمات فی التراکیب البلاغیة على صور مختلفة کالتراکیب الإضافیة والاستعاریة والتشبیهیة والمجازیة. فی الاستعاره غالباً نواجه مدلولاً لیس له مصداق خارجی أو ما یصدق علیه فی عالم الواقع وهذا الأمر یختصّ باللغة الأدبیة، حیث أنّ عنصراً ما یقع بدیلاً لعنصر آخر على أساس قدرة التخییل وسعة الخیال أو تتداعی العناصر بعضها بعضا. ولکن فی التشبیه وخاصة فی الإضافات التشبیهیة یقع الدال والمدلول جنباً إلى جنب فی المحور الائتلافی أو الترکیبی. على سبیل المثال، کلمة «ورودی» فی البیت المذکور من قصیدة «النبی المجهول» إضافة إلى دلالتها على معنى استعاری وهو الجمال الظاهری لأحاسیس الشاعر، تدلّ على النور فی الوجود والوعی فی عصره، بتأویل أعمق تستطیع أن تدلّ على وجود الشعب المطلوب وضالة الشاعر المنشوده التی لم یستطیع الحصول علیها:
(الشابی، 2005 م، ص 94). من النماذج الأخری للإضافات الاستعاریة فی هذه الأنشوده، هی: «ظلمات الوجود» و«صمیم الوجود» و«أزاهیر قلب». أمّا عن الإضافات المجازیة والتشبیهیة، فإنّها تتحقّق على مبنى المجاورة والعلاقات الائتلافیة والترکیبیة. ففی هذه الأمثله من الترکیبات التشبیهیة، ألا وهی «معبد الغاب» و«رحیق الحیاة» و«شعره مرسل» یحکم علیها نوع من علاقة المجاورة والترکیب نری بأنّ عنصر الدال والمدلول المجاورین یبرزان علاقة المجاورة بأتمّ صورة. بهذه التراکیب اللغویة استطاع الشاعر أن یفصح عن حالاته النفسیة وانفعالاته الداخلیة بصورة مؤثّرة ویخلق بینه وبین المتلقّی ما یشبه العدوی فی تبادل الأحاسیس والعواطف مما تزید من جمال الإحساس بالمتعة عند قراءة النص الشعری. أما التراکیب المجازیة فی هذه القصیدة لم تکن مطمح عنایة ولم تظهر لها نماذج بارزة وکلمات کـ«خمرتی» و«کأسی» فی البیت الثامن عشر شکّلت مجازاً بعلاقة المشابهة لروح الشاعر وجسمه.
7ـ1ـ4 الرمز بما أنّ الحقیقة المجردة تظلّ عاجزة عن التعبیر بصورة کافیة عن مشاعر الأدیب وطبیعة تجربته، لذلک کان لابدّ من استخدام «الرمز» فی بعض الأحیان من أجل الإیحاء بأعمق الدلالات لمعنى معین، «فالرمز الأدبی أداة لغویة تحمل وظائف جمالیة عندما تسهم فی تشکیل تجربة الشاعر على نحو مؤتلف مع مکوّنات النص الفنی» (الدایة، 1996م، ص 175). الرموز التی استخدمها الشابی فی قصیدته عامة کانت تتّجه نحو المعانی السلبیة. نذکر هنا بعضاً من هذه النماذج؛ کلمة «الجذوع» فی البیت الأول أتت بمعنى «جذوع الأشجار الکاهلة» وترمز إلى أفکار شعبه البالیة والراسخة فی الجهل، وأیضاً یمکن أن تدلّ على الأوضاع الاجتماعیة المشتّتة والفوضى السیاسیة الموجودة آنذاک فی تونس. وکلمة «القبور» تدلّ على التوابیت واللحود الکثیرة وترمز للموت والثبات وعدم القدرة على الحرکة فی الشعب ومطالبتهم للحریة. إلى جانب هذا، صوّر بعضاً من العناصر الجامدة والخالیة من الحیاة فی الطبیعة على شکل رموز للمعانی الإیجابیة. على سبیل المثال، کلمة «السیول» التی هی بمعنى بمعنى تیّار الماء الغزیر المدمّر، تغیّر مفهومها السلبی إلى إیجابی فی القصیدة وأصبح عاملاً لإزالة جهل وخضوع شعبه، وتعبید طریقی الوعی والحریة. إضافة إلى هذه الأمور، فإنّ «الغاب» بما أنّه الرمز الأمثل والأبرز فی هذه القصیدة، یدلّ على الطبیعة المترعة بالأنعام والحریة والمدینة الفاضلة التی یسعى إلیها أکثر الشعراء الرومانطیقیین لیصلوا إلى أحضانها الملیئة بالحنان والسلام والحریة. إنّ الغاب رمز «لبساطة الحیاة أو نفس الحیاة الریفیة الواقعیة، حیث یجب على الإنسان أن یخلّص نفسه من کل القیود والأکبل المدنیة والحضارة وأن یختار لنفسه حیاة ریفیة. ولعلّ الغاب رمز النفس الطاهرة للشابی، إذ أنّ عودة المدینة إلى سابق أحوالها تکاد تستحیل» (عباس ونجم، 1983م، ص 74-73).
7ـ2 المحور العمودی للمعجم الشعری فی قصیدة النبی المجهول إنّ المحور العمودی أو المحور الاستبدالی له مکانة خاصة فی نظریات سوسیر اللسانیة والسیمیائیة. فی هذا المحور یهتمّ بدور عناصر الکلام وکیفیة استبدالها بالکلمات الأخری. برأی سوسیر أنّ «الروابط الاستبدالیة روابط تقع بین أجزاء أو وحدات تأتی مکان بعضها وتغیّر معنى الجملة» (باقری، 1389ش، ص 35). بتعبیر آخر أنّ الوحدات التی تأتی مکان بعضها تهیئ المجال لمدلولات متعددة ومختلفة.
7ـ2ـ1 سیمیائیة العنوان تعکس اللغة العالم الخارجی على شکل أسماء وکلمات، ولکلّ لغة خصوصیتها فی التسمیة والعنونة. أمّا العنوان بالنسبة للکتاب والنص علامة لغویة مهمة یعبر من خلالها النص إلى العالم والعالم إلى النص. ومن هنا تبرز أهمیة العنوان بالنسبة للمتلقی. قد حظی العنوان باهتمام السیمیائیین کونه یحمل أکبر دلالة لغویة مکاثفة تحوی مضمون النص، وکونه أیضاً «أول علامة على طریق المتلقی، ومفتاحاً سیمیائیاً یختزل بنیة النص وکنهه فی کلمة أو بضع کلمات» (الفیفی، 1426 هـ، ص 16). إنّ العنوان فی قصیدة «النبی المجهول» یتشکّل من کلمتین، تحمل کلّ منهما معانی متعددة ومتنوعة وحتى رمزیة. السؤال الأول الذی یطرح نفسه، هو أنّه لماذا اختار الشاعر کلمة «النبی» أولاً وعلامَ تدلّ؟ ولماذا استخدم صفة «المجهول» لموصوفه «النبی»؟ هل یسعى الشاعر إلى أن یخفی هویة النبی أو أنّ الحصول على هویة النبی فی العصر الحدیث، مفقودة المعنى ولا یوجد مصداق لها؟ کلّ هذه الأمور تحثّ القاریء إلى أن یقرأ القصیدة بوعی واهتمام أکبر ویتوجّه إلى ما تحمل القصیدة بین طیاتها من معان وأفکار. اختار الشابی کلمة «النبی» بدایة لعنوانه لیبیّن دور الشخص المصلح الذی یسعى جاهداً لتوجیه وإرشاد شعبه وتوعیته. الشابی یرى نفسه نبیاً ومصلحاً أرسل مجهولاً لشعبه حتى یقدّم لهم الهدایة والإرشاد ویحرّرهم من الاستعمار والاستعباد. العلاقة بین النبی (الدال) والشاعر أو المجاهدین والأحرار (المدلول) بنیت على أساس نوع من التوازی والتساوی بین المفاهیم أی بین اللفظ والمفهوم. أمّا کلمة «المجهول» فقد أتت على أنّها صفة النبی، والشاعر عرّف نفسه على أنّه «نبی مجهول»؛ لأنّه بعد مساعیه الحثیثة لإرشاد شعبه الغافل قد نعتوه بالکافر الخبیث وأعرضوا عن قبول إرشاداته وتوجیهاته؛ لهذا ابتعد الشاعر عنهم واختار العزلة ونسی دور الرسول المصلح وجرّ أذیال الخیبة وراءه متّجهاً إلى أحضان الطبیعة الدافئة والسامیة حتى یعیش هناک حیاته ویبقى فیها مجهولاً لا یعرفه أحد. تری إلیزابت درو فی حدیثها عن المعجم الشعری وآلیته، أنّ الشعر یمتاز فی طبیعته بعنصر الدراما، فالشاعر دائماً یخاطب شخصاً آخر بطریق مباشر، وتری أنّ الشاعر یتقمّص شخصیة نبی، أو محبّ أو مفکّر أو راثٍ أو ساخر (1964م، ص 91). 8ـ قراءة سیمیائیة فی قصیدة "النبی المجهول" فی ضوء نظریات سوسیر وریفارتیر 8ـ1 النظریة السیمیائیة لفردیناند دی سوسیر یرى فردیناند دی سوسیر أنّ «اللغة قبل کل شیء هی نظام من العلامات» (sussure، 1967 م، ص 32)، التی تعبّر عن الأفکار والعلامة اللغویة عنده هی کیان ثنائی مکون من الدال والمدلول؛ فالدالّ (signifier) هو الصورة الحسیة الصوتیة للمسمّى والجانب المادی، والمدلول (signified) هو المفهوم الذهنی الذی یولّده الدالّ أو فکرة الصورة الصوتیة الحسیة والعلامة اللغویة ذات طبیعة اعتباطیة أی لا ترتبط بدافع (مقدادی، 1378ش، ص 436). یرى سوسیر أنّ علم اللسانیات والأنظمة اللغویة تتطوّر بواسطة ارتباطه بالأنظمة العلامیة، لأنّه بمساعدة هذه الأنظمة فقط تتّضح العلاقة الدلالیة الموجودة بین الشکل (الدالّ) والمفهوم (المدلول). من أجل عرض دراسة سیمیائیة عن قصیدة «النبی المجهول» من وجهة نظر سوسیر، یجب أن نعتبرها کلاً واحداً ثریّاً بالرموز الجمالیة والأنظمة العلامیة. قصیدة «النبی المجهول» بمثابة دالّ یدلّ على شخص مجهول الهویّة یطالب بالحریة والانتفاضة على الظلم والجهل. هذا المدلول فی نطاق أوسع یدلّ على مدلول آخر وهو نفی الیأس والاضطهاد والدعوة إلى التحرّر والاستقامة والثورة کما یدلّ على مدلول غیره؛ وهو الإقبال على الحیاة فی کنف الطبیعة والابتعاد عن مساوئ الدنیا وخبث البشر. سوف نذکر تحلیل ودراسة أهمّ علامات (الدال والمدلول) هذه القصیدة فی ما یلی بناء على نظریة سوسیر اللغویة. ـ الشعب (الأمة) استخدم الشابی کلمة «الشعب» بدلالتها المستقیمة فی أبیات (1، 16، 38). أما فی أبیات أخری (28 - 25) شبّهت هذه الکلمة بدلالة ضمنیة بطفل یلعب بالطین فی لیلة حالکة الظلام. بهذا التشبیه أراد الشاعر أن یعترف ـ بدلالة ضمنیة ـ بعبث فعل شعبه وجهله، ولکنه فی الأبیات التالیة یرى أنّ الطفل ذو مقدرة وقوة، ولکن أهلکته صروف الأیام وتعدیاتها وحوّلته إلى موجود ضعیف لایقوی على شیء. فی الواقع، أنّ الشابی ذکر بدلالات ضمنیة وعلّق بشکل خفیّ على جهل أمته وتوغّلها فی الأوهام التی تمنعها من المضی قدماً نحو الأمام، بهذه التعابیر:
(الشابی، 2005 م، 54). ـ العلامات العاطفیة إنّ العلامات العاطفیة فی هذه القصیدة تظهر بکثرة استخدام علامات الیأس والقنوط من بدایتها إلى نهایتها. فالشابی بتکرار کلمات کـ "نحس" و"آلام" و"حزن" و"یأس" و"بؤس" و"أشواق" و"حساسیتی" و"عواطف" و"خبث" یظهر یأسه وقنوطه من شعبه، ولکن مع هذا یسعى إلى أن یزیل خیبة الأمل والجهل والاضطهاد والمعاناة الحاکمة علیه وعلى شعبه بکثرة ذکره لعناصر الطبیعة مثل سیول" و"شتاء" و"ریاح" و"عواصف" و"أعاصیر". هذه العلامات وإن دلّت على التدمیر والتخریب إلا أنها فی هذه القصیدة أتت على شکل رموز مختلفة تدلّ على الثورة التقدمیة والبناء والتحوّل إلى ما هو أحسن. ـ علامات الطبیعة عبّر الشابی عن الطبیعة فی هذه القصیدة بدلالة واضحة وهی «الغاب» حیث تعدّ دلالة متمیزة بارزة فی هذا المجال. الغاب دلالة اعتباطیة متحوّلة ـ فی هذه القصیدة ـ إلى رمز للحیاة الریفیة الملیئة بالفرح والطهارة التی تحبّ الحریة والأحرار. ومن جانب آخر، أنّ علامات الطبیعة فی هذه القصیدة ملازمة للأبعاد الاجتماعیة وتعبّر عنها بشکل واضح. وقد وصل هذا الاحتکاک بالطبیعة عند الشابی والرومانطیقیین إلى درجة کأنها لیست شیئاً خارجاً عن التجربة الشعریة وهکذا کانوا یصفونها ویشبّهونها أحیاناً بحالاتهم الروحیة والجسدیة وکانوا یبثّون معها الشکوى ویصوّرونها فی بعض الأحیان بشکل إنسان یشابه الشاعر فی معاناته. إذن «کانت الطبیعة مادة للوصف حیناً ومادة حیناً آخر لنقل الحالات النفسیة والأفکار والمعانی» (الحاوی، 1986 م، ص 33). فی شعر الرومانطیقیین ومن بینهم الشابی، تأتی الطبیعة للتعبیر عن الحالات النفسیة والشعوریة والوجدانیة. أما الدلالات الأخری للطبیعة، فهی «شتاء وعواصف وأعاصیر وسیول وربیع وزهور وحیاة وصنوبر وطیور ونسیم وجبال وتراب ووادی وشمس وزیتون وجدول»، لکونها علامات بارزة للطبیعة، تدلّ على مدلولات متعددة کالمقاومة والصمود والحیاة والبعث والظلم والاضطهاد والموت والقداسة والسلام وغیرها من المدلولات. فکما نری أنّ عناصر الطبیعة تکرّرت فی أبیات متعددة فی ظلّ العلاقات الائتلافیة أو الترابطیة الموجودة فی الجمل وبادرت إلى ذهن المتلقّی معانی خاصة ومعینة ووطدّت صلته بالنفس أکثر فأکثر.
8ـ2 النظریة السیمیایئة لمیکائیل ریفارتیر علامات الشعر عند ریفارتیر تختلف اختلافاً أساسیاً عن سوسیر. ریفارتیر ألقى اهتمامه على دور إرجاع اللغة الشعریة على النص بدل أن یوجّه دراسته إلى العلامات أو الدال والمدلول فی البنیة الأدبیة ودورها فی الحیاة الاجتماعیة ، لهذا سعى إلى یصل إلى إدراک خاص من الشعر ومفهوم جدید منه بواسطة تمیّزه بین المعنى (Meaning) والدلالة (Signification). فحسب رأیه «أنّ العلامة الشعریة، کلمة أو عبارة متعلقة بدلالة الشعر، وهذه الدلالة تحمل على مستویین؛ فی النوع الأول کیفیة وخصوصیة الجانب الشعری للعلامة تختص بنفس نص الشعر الذی تظهر العلامة فیه، وفی النوع الثانی، تمیز الجانب الشعری للعلامة یختص بالمتلقی» (Riffaterre، 1978 م، ص 19 ـ 18). ریفارتیر فی هذا الحدّ یؤکد على ردة فعل وتفاعل القارئ ودرکه من النص؛ لأنّ القارئ وهو یقرأ، یخترع ویخترق ویتجاوز ذاته نفسها مثلما یتجاوز المکتوب أمامه. لهذا «اهتمّت نظریة القراءة وجمالیات التلقی، بالذات المتلقیة وأدخلتها فی فضاء التحلیل وأعادت إلیها اعتبارها کأحد أبرز عناصر الإرسال والتواصل الأدبی، بعد أن آمنت بأنّ الظاهرة الأدبیة لیست إلا علاقة جدلیة بین النص والقارئ» (المصدر نفسه، ص 1). على هذا الأساس، طرح ریفارتیر فی نهایات القرن العشرین، نظریة التفاعل الأدبی فی شرح وتفسیر الشعر، ومیّز بین مرحلتین فی القراءة: المرحلة الأولى هی القراءة الاستکشافیة (Heuristc reading) التی تتجاوز حدود المحاکاة حیث یتمّ فهم المعنى، وتعتمد هذه القراءة على الکفاءة اللغویة والکفاءة الأدبیة، لفکّ الرموز الشعریة. والمرحلة الثانیة هی القراءة الاسترجاعیة (Retroactive reading) أی قراءة تأویلیة، والقارئ هنا یقارن ویجمع العبارات المتتالیة والمختلفة، والأثر النهائی لهذه القراءة هو اجتلاء وحدة الدلالة الکامنة فی النص (Riffaterre، 1983 م، ص 5). أساس اهتمام ریفارتیر کان بالمستوی الثانی الذی یقع فیه تحلیل النصّ وفهمه، لأنّ القارئ فی هذه المرحلة یحصل على تأویل للمفاهیم؛ لهذا یقارن ریفارتیر المرحلة الثانیة من القراءة (القراءة الاسترجاعیة) بتحلیل ودراسة التعابیر المتراکمة والمنظومات الوصفیة، والهیبوغرام والماتریس البنیوی، من أجل أن یحقق معرفة دقیقة بالمعنى والدلالة سطحاً وعمقاً. أحد المفاهیم الأولى التی تطرح فی القراءة الاسترجاعیة هی «التعابیر المتراکمة» (accumulation)، وهی: «بؤرة مرکزیة لحقل معیّن (sememe) تتمحور حولها مجموعة من الکلمات المترادفة» (Riffaterre، 1978 م، ص 6 ـ 5). . إنّ بؤرة المعنى تقع فی مرکز المنظومة الوصفیة (descriptive systems) وتجمع حولها بحسب التناسب أو الترادف المعنوی، مجموعات محدودة أخری، أمّا «المنظومة الوصفیة، سلسلة من الکلمات والتعابیر المتراکمة التی ترتبط فیما بینها عن طریق الدلالة إلى معنى وحقل معین» (المصدر نفسه، ص 39). وهذا یدلّ على أن بعض الألفاظ تشکّل حضوراً قویاً فی معجم الشاعر دون غیرها، وذلک لأنّها تتّصل بصمیم تجربته وموضوع قصیدته. القارئ بعد هذا یقوم بکشف الهیبوغرام (Hypogram). وهو الموضوعات المحوریة والبارزة فی نص الشعر، والتی تخلق تصوراً واضحاً وجلیاً فی ذهن المخاطب أو المتلقی. بعد هذا یأتی دور الماتریس (Matrix) البنیوی وهو «کلمة، عبارة أو جملة تستطیع أن تعید کتابة نص الشعر بمثابته جذراً للهیبوغرام، وهذا الماتریس یعطی الشعر وحدة وانسجاماً» (سلدن، 1384 ش، ص 85). إنّ بعضاً من العناصر غیر المقیّدة بالقواعد اللغویة فی علم السیمولوجیا، تتسبّب بتوجیه القارئ إلى المعنى الماورائی الثانوی خلف المعنى الظاهری، فکلمات وعبارات مثل «سیول وشتاء ویقظة وشعب وآلام وحزن وصمیم الغابات ومعنى الحیاة وطیور ونسیم وفصول وتراب والشقی الشقی والکافر الخبیث والأموات ونشوة المحتسی وسدفة الظلام» لم تستخدم فقط للتعبیر عن الأوضاع الاجتماعیة المتدهورة، وتغیّر الفصول وتقلّبها، بل هی رمز للوعی والثورة والحریة والحیاة وحبّ الطبیعة وخیبة الأمل والعزلة والتشتّتات الذاتیة والاضطرابات الوجدانیة للشاعر والتی ثوت خلف هذه الکلمات والمعانی الظاهریة. إنّ التعابیر المتراکمة الأساسیة للشعر تدور حول البؤرة المرکزیة وهو مفهوم «النبی» وکلمات وترکیبات مثل «شعب وثورة وحیاة ونور وحقائق وأزاهیر قلبی ومجد النفوس ورحیق الحیاة والرثاء ومذهب الحیاة ومعبد الغاب وصمیم الوجود ومعیشة»، کلها مرتبطة بالمعنى المرکزی (النبی)، وتؤدی فی النهایة إلى مفهوم واحد کما نری فی هذا الشکل:
فی هذه القصیدة یمکن رسم منظومتین وصفیتین، تدور الأولى حول مفهوم وبؤرة «یأس وخیبة الشعب» والثانیة حول «الغاب». فی السیاق الأول وقع «یأس وخیبة أمل الشعب» بؤرة ومحوراً للمنظومة الوصفیة، وکلمات وترکیبات، مثل: «القبور، نحس، أذبل، خریف، روح غبیة، آلام، شوک، یأس، بؤس، ظلمة اللیل، مغس، رمس، ظلمات العصور، الشقی ورجس»، ضاعفت على الشاعر سوء جوّ المجتمع المضجر والموبوء، والشعب الخائب والضعیف والمستسلم.
فی السیاق الوصفی الثانی، یقع «الغاب» محوراً لکلمات مثل «زهور، زیتون، صنوبر، طیور، نسیم، فصول، غضارة، ناضر، وادی، شمس، دوح وجدول».
کلتا المنظومتین الوصفیتین؛ الیأس والخیبة، والغاب تدلاّن على خیبة الأمل والقنوط والتخلّف. وتظهران من خلف المعنى اللفظی واللغوی للکلمات والترکیبات، المعنى الثانوی الحاکم على القصیدة، ألا وهو اندفاق الوجدان فی مهرجان الأحزان والحسرة والسعی للثورة على الجهل والظلم والطغیان. علینا أن نعترف بقدرة الشابی على إسقاط مشاعره الحزینة والثوریة فی ألفاظ معجمه الشعری، لأنّنا نحسّ بأنّ ثمة تیّاراً شعوریاً یمتدّ بین ألفاظ قصیدته لیشکّل المدلولات والمفاهیم على أتمّ صورة ممکنة. أما هیبوغرام قصیدة «النبی المجهول» فیأتی مترتباً على هذا القرار: 1- قد تعب وضجر الشاعر من جهل وغفلة شعبه، ولهذا قام فیهم کالنبی المجهول حتى یجد شعبه الضائع فی غمار الحیاة ویرشده لسواء السبیل. 2- قد أعرض الناس عن الشاعر النبی وترکوه وحیداً ونسبوا إلیه اتهامات واهیة الأساس ونعتوه بالکافر الخبیث، وطردوه من بینهم بعیداً. 3- یلجأ الشاعر للطبیعة (الغاب) وحیداً غریباً لیصل إلى مبتغاه الذی هو علوّ المقام البشری المنشود وتعالی الوجود. فی هذا المقام، یصوّر الحیاة المقدسة الطاهرة والمتعالیة الموجودة فی أحضان الطبیعة ویعبّر عنها بأحسن السبل، ومن ثم یفضّلها على مجتمعه المتخلّف وشعبه الغافل. الماتریس البنیوی لهذه القصیدة؛ یبدأ من غفلة وجهل الشعب، ثم یصل إلى عزلة الشاعر ووحدته لینتهی بیأسه وخیبة أمله من مجتمعه وشعبه کما نری فی هذا الشکل:
الخاتمة: فی تبیین سیمیائیة المسائل المطروحة فی قصیدة «النبی المجهول»، یمکن البحث على أساس نظریة سوسیر فی الأنظمة الدلالیة والعلاقات العمودیة والعلاقات الأفقیة فی النص لکشف الجمالیات البدیعة من خلال استنطاق الدلالات الموجودة. فی المستوی الموسیقى، نستطیع أن نتوصّل إلى أنّ الشاعر باستخدامه الموسیقى الخارجیة (بحر الخفیف) والموسیقى الجانبیة (القافیة المختومة بحرف الروی "س") شکّل نوعاً من التناسق فی بنیة القصیدة وساعد على تطوّر جانب المعنى فیها، وأمّا الموسیقى الداخلیة الموجودة فی القصیدة وخاصة التناغم الصوتی والتکرار فقامت بدور مؤثّر ونافذ فی خلق الموسیقى والهارمونیة وعکست جمالاً تعبیریاً قویاً على معجم القصیدة وأبیاتها. وفی المستوی المعنوی، نری تأکید الوحدات الکلامیة فی النظام الدلالی على مدلولات أخری إضافة إلى المدلول الأصلی، وهکذا یستطیع القارئ بإلمامه بهذه التجلیات والإبداعات الکلامیة أن یتوصّل إلى فهم العلاقات الدلالیة الموجودة وفکّ رمزها ومعرفتها کما یجب. أما فی العلاقات العمودیة للقصیدة فأحد أهمّ العلامات فی تحلیل بنیة النصّ کان للعنوان الذی یُعتبر محور القصیدة. یدلّ العنوان (النبی المجهول) على الشاعر نفسه الذی تقمّص دور النبی لیرشد شعبه، ولکن لم یتلقَّ تجاوباً لنصائحه لهذا انعزل عنهم لیعیش مجهولاً فی أحضان الطبیعة المثالیة الرومانطیقیة. هذه القصیدة وفقاً لرأی سوسیر فی الأنظمة الدلالیة تأتی کبنیة متکاملة وتدرس ککلّ وهذا النظام بتأکیده على الدلاله الضمنیة یعرض المدلولات فی أطار أوسع من المدلولات الأولى إلى حدّ أنّه یشمل الجانب الاجتماعی والإنسانی للقصیدة ویطرح علامات کالشعب والطبیعة والعواطف والأحاسیس على أنّها دلالات تبیّن مدلولات مختلفة. سیمیائیة هذه القصیدة البدیعة والمتعددة الأطراف یمکن دراستها حسب رأی ریفارتیر من جانب آخر وهو دور اللغة الشعریة الإرجاعیة فی نظریة التفاعل الأدبی التی تؤکّد على مستویین من القراءة، وهی القراءة الاستکشافیة والقراءة الاسترجاعیة. فی هذا الطریق بعد القراءة الأولى وفهم معنى القصیدة الذی یظهر یأس الغالب على الأمة، نتوصّل فی القراءة الاسترجاعیة إلى علامات أدبیة ولغویة للشاعر تحمل مفاهیم دلالیة أعمق. فالشابی بإفصاحه عن جهل ورجعیة شعبه وإظهار حسرته ویأسه ولجوئه للطبیعة القویة والسامیة أراد أن یبعث شعبه على الثورة والتحوّل والتطوّر، ولکنه لم یستطع تحقیق هذا الأمر لخمول شعبه وخضوعهم أمام الطغاة والاستعمار.
[1]. العلامة الإشاریة أو المؤشریة هی العلامة التی تشیر إلى مدلول لعلاقة تلازمیة، فتکون العلاقة بین الدال والمدلول سببیة ومنطقیة (باقری، 1389ش، ص 27)؛ مثل الدخان فی دلالته على وجود النار، وآثار الأرانب فی دلالتها على وجود هذا الحیوان. [2]. العلامة الأیقونة أو الصوریة هی العلامة التی تبیّن مدلولها عن طریق المحاکاة والتشابه والتماثل (المصدر نفسه، ص 26)؛ مثل صور الأشیاء والرسوم البیانیة والخرائط والأوراق المطبوعة. [3]. الرمز هو العلامة التی تفید مدلولها بناء على اصطلاح بین جماعة من الناس، والعلاقة الموجودة بین الدال والمدلول هی علاقة اعتباطیة وعرفیة وغیر معلّلة، مثل: إشارات المرور الضوئیة وعلامة صح (P) وعلامة خطأ (×). (غیور، 1392ش، ص 47). | |||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||
أ. العربیة 1. الحاوی، إیلیا. ) 1186 م(. فی النقد والأدب: مذاهب فنیة غربیة وعربیة. )ط 2(. بیروت: دار الکتاب اللبنانی. 2. الدایة، فایز. ) 1116 م(. جمالیات الأسلوب: الصورة الفنیة فی الأدب العربی. )ط 2(. بیروت: دار الفکر المعاصر. 3. درو، إلیزابت. ) 1164 م(. الشعر کیف نفهمه ونتذوقه. )ترجمة محمد إبراهیم الشوش(. بیروت: منشورات مکتبة میمنة. 4. الشابی، أبو القاسم. ) 2005 م(. دیوان. )شرح أحمد حسن بسج(. )ط 4(. بیروت: دار الکتب العلمیة. 5. عباس، إحسان؛ ومحمد یوسف نجم. ) 1162 م(. الشعر العربی فی المهجر. )ط 2(. بیروت: دار صادر. 6. عبو، عبدالقادر. ) 2002 م(. فلسفة الجمال فی فضاء الشعریة العربیة المعاصرة. دمشق: إتحاد کتاب العرب. 2. الفیفی، عبدالله بن أحمد. ) 1426 ه ش(. حداثة النص الشعری فی المملکة العربیة السعودیة. الریاض: النادی الأدبی. 8. المصری، محمد عبد الغنی؛ ومجد محمد الباکیر البرازی. ) 2002 م(. تحلیل النص الأدبی بین النظریة والتطبیق. عمان: مؤسسة الورّاق. 1. معروف، یحیى. ) 1384 ه ش(. العروض العربی البسیط. )چ 2(. تهران: سمت. 10 . المعوّش، سالم. ) 2011 م(. الأدب العربی الحدیث. )ط 2(. بیروت: دارالنهضة العربیة. 11 . ب. الفارسیة 12 . باقری، مهری. ) 1381 ش(. مقدمات زبانشناسى. )ط 5(. تهران: انتشارات دانشگاه پیام نور. 13 . سلدن، رامان. ) 1384 ه ش(. راهنمایی نظریه ادبى معاصر. )ترجمه عباس مخبر(. )چ 2(. تهران: طرح نو. 14 . گیرو، پییر. ) 1312 ه ش(. نشانه شناسى. )ترجمه محمد نبوی(. )چ 4(. تهران: آگاه. 15 . مقدادی، بهرام. ) 1328 ه ش(. فرهنگ اصطلاحات ادبى: از افلاطون تا عصر حاضر. تهران: انتشارات فکر روز. ج. الإنجلیزیة
| |||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 989 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 549 |