
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,737 |
تعداد مقالات | 14,203 |
تعداد مشاهده مقاله | 34,912,836 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,928,294 |
آليات الإقناع في قصيدة «لا تصالح» | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 4، دوره 8، شماره 14، تیر 2016، صفحه 25-37 اصل مقاله (588.37 K) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2058.21063 | ||
نویسندگان | ||
روح الله صيادي نجاد* 1؛ مهوش حسن بور2 | ||
1أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية بجامعة کاشان (الکاتب المسؤول). | ||
2طالبة الدکتوراه في قسم اللغة العربية بجامعة کاشان | ||
چکیده | ||
إن الإقناع جهد لغوي هدفه التأثير على المتلقي وانبعاث مشاعره وأحاسيسه ومراعاة مقتضى حاله عبر القوى العقلانية والاستدلال المنطقي. بما أن للشعر وظائف حجاجية عديدة تتناول هذه المقالة آليات الإقناع في قصيدة «لا تصالح» الخطابية لأمل دنقل عبر أسلوب تحليل الخطاب إذ إنه يوظّف أساليب الإقناع والبرهان في قضية الوطن التي تتردّد في معظم أشعاره حتى يرضى الإنسان العربي رفض الصلح مع العدوّ. يأتي الشاعر لاکتساب هذه البغية بمبررات في عشر وصايا وفي هذه التبريرات يقوم بتوظيف تقنيات عدّة حتى يقنع مخاطبه ويرضيه ويستفزّه لطلب الثأر. وقد رصدت هذه الدراسة أکثر أساليب الإقناع حضورا في النص الدنقلي في ثلاث مستويات: اللغوية، والبلاغية والمنطقية. إن النظرة الفاحصة في القصيدة تطلعنا بأن ظاهرة التکرار، والتقديم والتأخير، والجمل الاعتراضية، والاستفهام، والرمز، والاستعارة، والتشبيه، والقياس والاستدلال المنطقي تعتبر من الظواهر التي تسعى إلى إقناع مخاطبي شعر دنقل وإرضائهم. | ||
کلیدواژهها | ||
اللسانیات؛ المتلقی؛ الإقناع؛ التداولیة | ||
اصل مقاله | ||
المقدمة یعدّ الإقناع نواة البحث الحجاجی فی الخطابات. تتَّفق أغلب المعاجم العربیة ـ القدیمة منها والحدیثة ـ على أن لمادّة (قنع) معنیان: الأول: السؤال والتذلُّلُ، والثانی: الرضى. «قَنِعَ بنفسه قنعًا وقناعة أی رَضِیَ، وأقنعنی أی أرضانی قنَّعنی أی رضَّانی» (ابن منظور،1997م، مادة قنع). أمّا بالنسبة إلى المعنى الاصطلاحی یعتبر الإقناع ضرب من الخطاب الحجاجی یبعثه اختلاف فی الموقف وهو یبنی على قضیة خطابیة یعرض فیها المتکلم دعواه بالتبریرات أساسا على سلسلة من الأقوال المترابطة ترابطا منطقیا یقصد إلى إقناع الشخص الآخر بصدق دعواه والتأثیر فی موقفه أو سلوکه تجاه تلک القضیة (العبد،2005م، ص192 ـ 193). والمستنبط أنّ «الإقناع یعتبر الوظیفة الأولى للمقال الحجاجی وذلک عن طریق التعامل مع العقل، وهذا یعتبر میزة للخطاب الحجاجی خلاف باقی الخطابات الإقناعیة الأخرى، والتی تهدف إلى التعامل مع مشاعرنا أکثر من التعامل مع عقولنا» (عطاء الله، 2012م، ص143). نستخلص من هذه التعاریف أنّ الإقناع جهد إتصالی لسانی مؤسس على الآلیات اللغویة، البلاغیة والإستراتیجیة المنطقیة الدلالیة وهو یهدف إلى استمالة المتلقی وتعدیل سلوکه ومواقفه والتأثیر فیه. والجدیر بالذکر أنّ الإقناع مرتبط بالخطاب ارتباطا وثیقا؛ لأنّ الخطاب لا یمکن أن یخلو من الإقناع، فهو شرط أساسی فی الخطابة، إذا خلت الخطابة من الأدلة المؤدِّیة للفکرة فإنها لا تؤدی الغرض الذی قیلت من أجله أی غرض التأثیر على المتلقی (بلخیر، 2012م، ص 27)؛ لأنّ التأثیر هو القدرة على التحوّل والتغییر فی اعتقادات ونظریات وعادات الآخرین عبر الإستراتیجیات التبریریة الإقناعیة التی لا تبنى على الشدة والقسر والإرغام بل تتکوّن مبنیا على الاستدلال والبرهان. والتأثیر هو النتیجة المترتبة عن عملیّة الإقناع الواعیة إذ محلّ التأثیر هو أفکار وأحاسیس المتلقین وسلوکهم ومواقفهم. الحجة و الإقناع «الحجة هی البرهان، و قیل الحجة هی ما دوفع به الخصم، و قال "الأزهری" الحجة الوجه الذی یکون به الظفر عند الخصومة، وحاجه محاجة وحجاجا نازعه الحجة، وهو رجل محجاج أی جدل، والتحاج:التخاصم، وجمع الحجة:حجج وحجاج، وحجه یحجه حجا غلبه حجته فی الحدیث» (ابن منظور، 1997م، ص28). للحجاج أبعاد الخطاب الإنسانی المتاح باللغة المکتوبة والمنطوقة. ومن أهم التعریفات المنطقیة للحجاج أنها «طریقة لاستخدام التحلیل العقلی والدعاوی المنطقیة، وغرضها حلال منازعات والصراعات واتخاذ قرارات محکمة والتأثیر فی وجهات النظر والسلوک» (العبد، 2002م، ص43) أما بالنسبة إلى علاقة الحجاج بالإقناع یمکن أن نقول إن الحجاج آلیة الإقناع ووسیلته التی بها یکتشف وجوه الإقناع فی النّص لأنّ کلّ نص خطابی یعتبر نصا إقناعیا. والغرض من استخدام الحجاج هو الوصول إلى تحقیق الإقناع. أما" أبوهلال العسکری" فقد ربط الحجاج بالشعر، معناه أن الشعر له وظیفة حجاجیة کبیرة لأنّ الشاعر یقول کلاما یحسبه ویشعر به دون غیره لذلک فهو یرید أن یصل إلى مرام وأهداف حجاجیة من خلال شعره؛ فالشعر هو الفن الأساسی الذی تقام به الحجج، والشعر قد ینهض بوظیفة الحجاج ولیس بوظیفة الجدل حسبه، کما تکلم أیضا عن قضیة المقام وکیف یضطلع فی الحجاج (بوبلوطة، 2009م، ص16). إنّه یعتقد أن الشعر «هو الذی یملک ما تعطف به القلوب النافرة ویؤنس القلوب المستوحشة وتلین به العریکة الأبیة المستعصیة ویبلغبه الحاجة وتقام به الحجة» (العسکری، 2006م، ص49)؛ فالشعر هو الفن الأساسی الذی تقام به الحجج، قد ینهض بوظیفة الحجاج. هذا أمر نشاهده فی قصائد أمل دنقل خاصة قصیدة "لا تصالح" المدروسة فی هذا المقال. خلفیة البحث کتبت عن الإقناع آثار مستقلّة منها «أسالیب الإقناع اللغویة فی شعر الوعظ الدینی، شعر الإمام الشافعی أنموذجا» لفوز سهیل کامل نزال، و«بنیة الملفوظ الحجاجی للخطبة فی العصر الأموی» لخدیجة محفوظی، و«إستراتیجیات الخطاب مقاربة تداولیة» لعبد الهادی بن ظافر الشهری، و«الحجاج فی الشعر من الجاهلیة إلى القرن الثالث هجری» لسامیة الدریدی، و«آلیات الإقناع فی الخطاب القرآنی سورة الشعراء نموذجا» لهشام بلخیر، و«الحجاج فی اللغة» لأبوبکر العزاوی، و«الخطاب الحجاجی فی المقالات الإصلاحیة لمحمّد البشیر الإبراهیمی» لمحمّد عطاءالله، و«الحجاج فی الإقناع والمؤانسة لأبی حیان التوحیدی» لحسین بوبلوطة، کما أن هنالک مقالا لحمد فضل شبلول تحت عنوان "قراءة فی قصیده "لا تصالح" لأمل دنقل" یسرد فیها مبررات استخدام الشاعر لفعل النهی "لا تصالح"، وأغراض تکرار هذا الفعل فی القصیدة. غیر أنّ النظرة الیسیرة إلى هذه الدراسات خلیقة أن تقنعنا بأنّ جمیعها رکز على معالجة موضوع الإقناع فی الشعر الدینی، والشعر الجاهلی، والخطبة، والخطاب القرآنی وما اهتمّ بالإقناع فی الشعر المعاصر اهتماما تامّا، بینما هذا الموضوع على أعظم جانب من الخطورة یلعب دورا بنّاء فی القصائد المعاصرة عامّة وشعر أمل دنقل خاصّة، لذلک تسعى هذه الدراسة لتسلّط الضوء على الآلیات الإقناعیة التی یتناساها الدارسون والنّقاد عادة وتحاول الإجابة عن الأسئلة التالیة: ـ ما هی الآلیات الإقناعیة فی قصیدة "لا تصالح"؟ ـ کیف تؤثر التقنیات الإقناعیة فی المتلقی وترضیه؟ ـ ما هی الآلیات اللغویة التی استخدمت فی القصیدة لأداء الدور الإقناعی؟ والإجابة على هذه الأسئلة تقتضی الوقوف على بعض نماذج من شعر الشاعر وکلام الباحثین بالتحلیل والمناقشة والاستنتاج. 1ـ آلیات الإقناع فی قصیدة "لا تصالح" إنّ قصیدة "لا تصالح" تعبیر شعری سام عن موقف سیاسی والحقیقة أنّها لسان حال کلّ شعراء الرفض المعاصرین، ناهیک عن الشعوب العربیة قاطبة، حیث تعدّ هذه القصیدة بیاناً خطابیا بلاغیاً وشعریاً وسیاسیاً، وفاتحة شعر الرفض العربی المعاصر الذی یرفض أی سلام وصلح مع العدوّ، وأی تفاوض معه؛ لقد تعامل أمل دنقل مع القصیدة کخطبة یلقیها زعیم تاریخی أمام الناس ویطرح مبررات وبراهین واقعیة تجعل رفض المصالحة منطقیا ومطلوبا خاصة وإنّ العدو مارس همجیة القتل وسفک الدماء حتّى یجعل المصالحة شوطا من أشواط الغدر والمخاتلة وبذلک یؤکد الشاعر استحالة المصالحة بعد الکشف عن الوجه الحقیقی للعدوّ ویعدد أنواع الجرائم التی ارتکبها العدو فی حق الشعب ولکی یضعنا الشاعر أمام الصورة الحقیقیة للعدو والتی تبرّر النهی عن المصالحة بالآلیات الإقناعیة بما تفیده من قوّة إنجازیة مستلزمة تستحیل کلّ المبررات التی قد یتدرع بها کلّ من یفکر فی المصالحة؛ بعبارة أخرى لدنقل هدف واحد یصرّ علیه فی هذا النص الشعری وهو تحفیز المتلقی على طلب الثأر وعدم الصلح. إنّه للوصول إلى هذه البغیة جاء بعدّة الحجج والمبررات فی أسلوب خطابی عبر تقنیة القناع واستلهام التراث. 1ـ 1ـ الآلیات اللغویة للإقناع یعتقد اللغویون إنّنا نتکلّم عامّة بقصد التأثیر (العزّاوی، 2012م، ص5)، وهذا التأثیر والحمل على الإذعان والاقتناع بما یعرض علینا من أفکار ومعتقدات، إنما یحصل «بالوسائل اللغویة وبإمکانات اللغات الطبیعیة التی یتوافر علیها المتکلِّم» (المصدر نفسه)، لأنّ «اللغة تحمل بصفة ذاتیة وجوهریة وظیفة حجاجیة» (العزاوی، د.ت، ص55). وتعدّ الآلیات اللغویة فی کلّ خطاب، من أفضل الوسائل لتحقیق الإقناع، والتصدیق بما جاء فیه. ویمکننا أن نمیّز بین عدد من الآلیات اللغویة التی یمکن أن تسهم بشکل فعّال فی عملیة الإقناع فی قصیدة "لا تصالح"، فالاستفهام، والتکرار، والتقدیم والتأخیر، والجمل الاعتراضیة، والحوار والروابط الحجاجیة تعدّ من الآلیات اللغویة المستخدمة فی النص. 1ـ 1ـ 1ـ الاستفهام وظّف الشاعر أسلوب الاستفهام فی النص توظیفا بیناً، ویظهر أن الاستفهام الغالب هو الاستفهام الإنکاری، یلیه التعجب الذی یتضمن الاستنکار أو التهکم، وقد صبغ الشاعر معظم الاستفهام بصبغة الرفض، وجاءت مفرداته مشبعة بالحزن المشوب بطلب الثأر (القرالة، 2009م، ص230). کما نرى فی الأسطر التالیة: «کیف تنظر فی ید من صافحوک /فلا تبصر الدّم /فی کل کفّ؟/ والتی تمتد حتّى فی الحاضر والمستقبل/ إنّ سهمًا أتانی من الخلف / سوف یجیئک من ألف خلف» (دنقل، 1985م، ص330). یلجأ الشاعر إلى صیغة السؤال، تلک الصیغة التی استخدمها أربع مرات تمثلت فی السطور: صیغة السؤال هنا تفید البرهان والاستنکار، خاصة أنّ ثلاثة أسئلة من الأسئلة الأربعة بدأت بالهمزة. إنّ السؤال هنا یحمل فی طیاته إجابته، ویشعر بأنّ مثل هذه الأسئلة تلقی بظلال من التوبیخ فضلاً عن الاستنکار. وفی الوصیة الرابعة یعود الشاعر لاستخدام صیغة السؤال ثلاث مرات حیث یقول الشاعر: «کیف تخطو على جثة إبن أبیک .. ؟ / وکیف تصیر الملیک /على أوجه البهجة المستعارة ؟ / کیف تنظر فی ید من صافحوک../ فلا تبصر الدم ../ فی کل کفّ؟» (المصدر نفسه، ص 329) إنّ هذه الأسئلة تفید الاستنکار وتؤکد على الاستحالة لذا نرى الشاعر یبدأ أسئلته الثلاثة بـ«کیف»؛ فالاستفهام هنا یمکن أن نعتبره حجة على الأمر المستحیل. إنّ الاستفهام یمثل محاججة تراوح بین العقل والعاطفة، ومع غلبة العاطفة لما لها من دور فی أداء المأمول؛ فذکره للمخاطب فی جملة من المفردات یختزن شحنة من العاطفة المتأتیة من استحضار صلة القربى، واستمراریة استحضارها ویلاحظ أنّ هذا الاستفهام قد حشد فی المشاهد الخمسة الأولى، أما المشاهد الخمسة الأخرى فقد خلت من الاستفهام، وهذا یفصح عن أن موقعیة الاستفهام کانت موظفة بشکل ینسجم مع توزیع النص وبنائه، وبما أنّ الاستفهام من النمط الإنکاری، ویختزن العاطفة المستمدة من صلة القربى، فإنّ ذلک یمثل تحذیرا ونهیا عن التنازل على مرّ الزمن القادم؛ ولذلک فإنّ هذا الکمّ المقدم من الاستفهام یکفی فی المشاهد الخمسة الأولى ما یسمح بإفراد المشاهد اللاحقة للمحاجة، وعرض المتوقع من ملامح الإغراء بالصلح والتنازل، فمهما کان القدم یمثل عاملا منع وأمل التنازل، فإنّ الماضی مشحون بدوافع الرفض (القرالة، 2009م، ص 231).
1ـ 1ـ 2ـ التکرار تستغل القصیدة الحدیثة جمیع الإمکانات المتاحة لتحقیق نظامها الموسیقی، وإحداث التاثیر المطلوب فی المتلقی. یلجأ الشاعر إلى التکرار بوصفه وسیلة من الوسائل التی تعتمد على التاثیر الذی تحدثه الکلمة المکررة فی نفس المتلقی وهو ما یؤکده النقّاد بقولهم: «أما الدوافع الفنیة للتکرار فإنّ ثمّة إجماعا على أنّه یحقق توازنا موسیقیا فیصبح النغم أکثر قدرة على استثارة المتلقی والتأثیر فی نفسه» (عدنان حسین، د.ت، ص 219)؛ لأنّ المتکلم یکرّر ما یثیر اهتماما عنده وهو یحبّ فی الوقت نفسه أن ینقله إلى نفوس مخاطبیه، أو من هم فی حکم المخاطبین ممن یصل القول إلیهم على بُعد الزمان والدیار (السیّد، 1986م، ص 136). هذا وإنّ أنواع التکرار قادر على الاضطلاع بدور حجاجی متى اعتمد فی سیاقات محدّدة وتوفرت فیه شروط معینة (الدریدی، 2008م، ص168). یعتبر أسلوب التکرار من أبرز الأسالیب الحجاجیة التی یقدمها المتکلم لفائدة. وقد أسهمت هذه التقنیة بأشکاله المتعددة کثیرا فی إقناع المخاطب لشعر أمل دنقل. 1ـ 1ـ 2ـ 1ـ تکرار الحروف تکریر حرف یهیمن على القصیدة یعدّ من الطرق التی تؤدّی إلى إمتاع المتلقی، وإفادته وإقناعه؛ لأنّ الموسیقی الداخلیة تبعث أحاسیس المخاطب وتسبّب فی إقناعه العاطفی. نرى فی القصیدة المدروسة تکرار الحروف المجهورة والمهموسة کثیرا. منها یمکن الإشارة إلى (لام، میم، نون، تاء، سین، هاء، حاء)، وقد تکررت حروف الذلاقة (لام ومیم ونون) 304 و163 و154مرّة والحروف المهموسة (تاء، سین، هاء وحاء) 256، 81، 80 و 66 مرّة فی القصیدة وهذا یدلّ على شدّة الظلمة السیاسیة المسیطرة على المجتمع. 1ـ 1ـ 2ـ 2ـ تکرار الأفعال 1ـ 1ـ 2ـ 2ـ 1ـ تکرار فعل النهی «بإمکان «لا» الناهیة أن تقدم مستوى أعلى من الرّفض، مستوى یتحقق فیه الرفض المزدوج؛ رفض الناطق بها معبّرة عن تحقق رفضه، ورفض الموجهة إلیه المؤمل تحققه» (الضبع، 2002م، ص 8). یتکرّر فعل النهی"لا تصالح" تسع عشرة مرة وهو لازم یتجدد ظهوره فی کل مقطع من مقاطع القصیدة الشعریة. ولهذا التکرار دلالته المعنویة والفکریة والسیاسیة، فهو تأکید على أنّ الصلح مع العدو فساد کلّه. یأتی أمل دنقل فی استخدامه لهذا الفعل فی کلّ مرة بمبررات عدم الصلح حتّى تکون مسألة الإقناع أکثر تأثیرًا. إنّ شیوع عبارة «لا تصالح» یمثّل استحضار الرفض على مساحة النص وتأکید الشاعر على هذا الرّفض (القرالة، 2009م، ص229). و«جاء النهی فی مواطن أخرى یتضمن التحریض والتحذیر: «لا تصالح / ولا تتوخَّ الهرَب» (دنقل، 1985م،ص 325)، «لا تصالح / ولا تقتسم مع من قتلوک الطعام» (المصدر نفسه،ص 330). إن الصلح هنا یمثل نمطا من الهرب وملمحا من ملامح اللامعقول فی اقتسام الطعام مع القاتل، ویلاحظ أنّه یقول: مع من قتلوک ولیسمع من قتلونی؛ لأنّ القتل حاضر فی ذهن الحیّ، وطالب الثأر، ولیس فی ذهن المیّت، وهو نمط من الاستفزاز واستحضار الثأر (القرالة،2009م، ص 227). 1ـ 1ـ 2ـ 2ـ 2ـ تکرار فعل الأمر یعدّ الأمر من الأفعال الإنجازیة ولکنّه إنجاز ضمنی، لأنّه یهدف إلى توجیه المتلقی إلى سلوک معین (بوبلوطة، 2009م، ص142)، «فللتکرار فی حد ذاته دلالة، فالکلمة الثانیة لا تحمل معنى الأولى، وإلا کان ذلک تحصیلا حاصلا، وکانت اللغة فی حلِّ منه، ولکنّها تحمل معنى إضافیا هو مبرر وجودها، وهو معنى التأکید أو التعجب أو التکثیر، أو ما إلى ذلک من المعانی المقدرة فی ذهن المتلقی» (العمری، 1990م، ص278)، ولنأخذ المثال التالی: «واروِ قلبک بالدّم / واروِ التّراب المقدّس / واروِ أسلافک الراقدِین / إلى أن تردّ علیک العظام» (دنقل، 1985م، ص 331). إن الشاعر یمیل إلى أسلوب الأمر الدال على مشروعیة الثأر والتأکید علیه بوصفه حلا للقضیة التی لا تحسم إلا بالدّم وبالدّم وحده؛ لأنّ الثأر رغبة جماعیة للتخلص من عار الهزیمة والاغتصاب للأرض والحریّة. 1ـ 1ـ 2ـ 2ـ 3ـ تکرار فعل النفی استعمل دنقل أسلوب النفی فی تقدیم الحجج، بمعنى أنّه کان یقدم حججه فی صیغة النفی، وکان یهدف من وراء ذلک إلى التأکید، کما جاء فی المشهد السابع: «لم أکن غازیا، / لم أکن أتسلل قرب مضاربهم / أو أحوم وراء التخوم / لم أمدّ یدا لثمار الکروم / أرض بستانهم لم أطا / لم یصح قاتلی بی: "إنتبه"» (دنقل، 1985م، ص 333). «إنّ دفع مسوغات القتل، وعدم وجودها یستدعی ضمنیا رفض الصلح والتنازل، ویلزم بالثأر، ومن هنا فإنّ النفی یتضمن النهی والإبقاء علیه، أی النهی عن الصلح» (القرالة، 2009م، ص 232). 1ـ 1ـ 3ـ التقدیم والتاخیر إنّ استخدام هذا الأسلوب تؤدی إلى بحث المخاطب عن المعانی وتوکید وإثبات معان نحو التحقیر، والتعظیم، والمدح، والذمّ واکتساب المتلقی اللذة مع رؤیة عاطفیة (تفتازانی، 1374هـ، ص 81). ولهذا الاسلوب أبعادٌ نفسیة ونُکت ولطائف بلاغیة، قصدها دنقل فی خطابه مع المتلقی لإقناعه بوعظه ونصحه ووصایاه وهذا جوابٌ للسؤال الثانی الذی طرح فی بدایة المقالة. فترتیب الکلام فی الخطاب الوعظی لا یردُ اعتباطا، إنّه ترتیب یعکس ترتیب المعانی فی النفس والذهن؛ فالمعنى إذا کان مُقدّما فی النفس تقدّم فی النص، یقول الجرجانی: «إذا وجب المعنى أن یکون أوّلا فی النفس، وجب للفظ الدّال علیه أن یکون مثله أوّلا فی النطق» (الجرجانی، 1998م، ص43). نرى هذا الأسلوب فی القصیدة فإذا نظرنا إلى المقطع الشعری الأول: «هی أشیاء لا تشترى: / ذکریات الطفولة بین أخیک وبینک» (دنقل، 1985م، ص 324)، نجده یقدم (أخیک) وکان الأولى أن یقول: «بینک وبین اخیک»، إلا أنّه قد قدم (أخیک) لیجعله حاضرا دائما لأنّه یمثل قضیة الثأر، ولذلک فإنّ التخوف من تغییبه جعله مقدما. وفی السطر الشعری اللاحق: «تلک الطمأنینة الأبدیّة بینکما: / إنّ سیفان سیفَک / صوتان صوتَک» (المصدر نفسه، ص 325). یقدّم (سیفان) و(صوتان) وهما یمثلان الخبر الذی حقّه التاخیر، وقد قدم المثنى لأنّه مقدم وقیّم فی نفس الشاعر. وفی سطر «قد تثقل القلب / لکنّ خلفک عار العرب» (المصدر نفسه، ص 325). فی تقدیم (خلفک) لیحذّر المخاطب من العار والذلّ. 1ـ 1ـ 4 ـ الجمل الاعتراضیة إن «الجملة الاعتراضیة تقوی الکلام، وتزید من تماسکه فی الوقت الذی تفصل فیه بین رکنین متلازمین، فهی تدعم الکلام فی الوقت الذی تجعله فیه یبدو کأنّه مفکک» (ناظم، 2002م، صص 182 ـ 183). وقد وردت فی النص 20 جملة اعتراضیة، والحقیقة أنّ هذه التقنیة، تضفی على النص جملة من الدلالات التی استطاع الشاعر أن یوظفها، حیث یقول الشاعر: «وتذکر / (إذا لان قلبک للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهنّ الذین تخاصمهم الابتسامة) إنّ بنت أخیک «الیمامة» / زهرة تتسربل ـ فی السنوات الصبا ـ بثیاب الحداد» (دنقل، 1985م، ص 327) جاء فعل (تذکر) فی بدایة النص الشعری لکنما جاء مفعوله (إنّ بنت أخیک) بعد الفعل وفاعله دون فاصل بل ذکر المفعول به بعد الإتیان بالجمل المعترضة. نرى النموذج الأخرى فی هذا النص الدنقلی کما یلی: «حسّکما ـ فجأة ـ بالرجولة»، «تلبس ـ فوق دمائی ـ ثیابا مطّرزة بالقصب؟»، «فأرفعها ـ وهی ضاحکة ـ فوق ظهر الجواد»، «وسیفک: زیف / إذا لم تزن ـ بذؤابته ـ لحظات الشرف / واستطبت ـ الترف»، «وتبدی ـ لمن قصدوک ـ القبول» وما إلى ذلک من الجمل الاعتراضیة المستخدمة فی النّص. 1ـ 1ـ 5ـ الحوار یعدّ الحوار من أهم أسالیب الإقناع لأنّه یُدخل المتلقی فی بؤرة المشهد، ویجعله جزءا أساسیا فی خلق الفکرة، وذلک بأن یبتعد الداعیةُ الناصح الواعظ عن أسلوب التلقین فی تقدیم الفکرة، ویختار منهجا لحوار بما یحویه من مراجعة کلامیة قائمة على تبادل الأفکار ووجهات النظر، لیجعل المتلقی مشارکا فی طرحها ومناقشتها والتفاعل العقلی والعاطفی معها (کامل نزال، 2013م، ص295). اتّخذ الحوار الدنقلی شکلا واحدا حیث إنّه یستخدم حوار المتلقی المفرد بضمیر المخاطب فی کلّ الوصایا من بدایة القصیدة حتّى نهایتها؛ فالشاعر یخاطب شخصا واحدا بضمیر مفرد لکنّه یقصد المواطنین کلّهم أو یخاطب الإنسان العربی کما یقول: «لا تصالح،/ ولو قیل من کلمات السلام. / کیف تستنشق الرئتان النسیم المُدنّس؟ / کیف تنظر فی عینی امرأة / أنت تعرف أنّک لا تستطیع حمایتها؟ / کیف تصبح فارسها فی الغرام؟ / کیف ترجو غدا . . لولید ینام ـ کیف تحلم أو تتغنی بمستقبل لغلام وهو یکبر ـ بین یدیک ـ بقلب مکنّس؟» (دنقل،1985م، ص 330). یقدّم دنقل مشاهد حواریة ویخاطب مواطنیه ویخصّهم بالنصح والوعظ ویحثّهم على عدم الصلح وطلب الثأر مستخدما ترکیب السؤال الدالّ على التحذیر والتوبیخ والتقریر. على أیة حال، الحوار أدّى دوره فی تحفیز المتلقی بما فیه من کسر جمود المتلقی وجعله جزءا من المشاهد وتخصیصها بالخطاب لتقترب الفکرة من ذهنه وقلبه (کامل نزال، 2013م، ص 297). 1ـ 1ـ 6ـ الروابط الحجاجیة الروابط الحجاجیة هی المؤشر الأساسی والبارز وهی الدلیل القاطع على أنّ الحجاج مؤشر له فی بنیة اللغة نفسها، وتحتوی اللغة العربیة على عدة روابط حجاجیة شأنها فی ذلک شأن اللغات الأخرى (العزاوی، 2010م، ص 55)، بحیث یمکن أن نذکر منها ما یلی: بل، لکن، إذن، لاسیما، حتّى، لأنّ،بما أنّ، إذا، الواو، الفاء، اللام وکی. استخدم "الواو"، و"ثمّ" و "لکنّ" فی النص الدنقلی کما یلی: یعدُّ" الواو"من أهم الروابط الحجاجیة؛ إذ لیس له دور الجمع بین الحجج فحسب، بل یقوِّی الحجج بعضها ببعض لتحقیق النتیجة المرادة؛ إذ یعدُّ "الواو" رابطا حجاجیا مدِّعما للحجج المتساوقة أو المتساندة (بلخیر،2012،ص 119). تستعمل "الواو" حجاجیا وذلک بترتیبه للحجج ووصل بعضها ببعض. وقد استعملت "الواو" 34 مرّة فی القصیدة. واستعمالها لربط بین مبررات عدم الصلح یعدّ من أهمّ مواضع استخدامها. ومن أمثلة ذلک: «ولو منحوک الذهب»، «ولو قیل رأس برأس»، «ولو حرمتک الرقاد»، «ولو توجوک بتاج الإمارة»، «ولو قال من مال عند الصدام»، «ولو قیل ما قیل من کلمات السلام»، «ولو ناشدتک القبیلة» «ولو قیل إنّ التصالح حیلة»، «ولو حذّرتک النّجوم»، «ولو وقفت ضدّ سیفک کلّ الشیوخ» وغیرها؛ فالرابط الحجاجی هنا قام بالوصل بین المبرّر والمبرّر، وقام کذلک بترتیب المبررات لتقویة النتیجة المطروحة ودعمها. ومن القیم الحجاجیة المتولدة عن العطف هو محاولة من المتکلم فی نقل مخاطبه من صورة إلى صورة أخرى، إذ من دلالات العطف هو الاشتراک فی الحکم حیث ینزل المعطوف منزلة المعطوف علیه واستعمال العطف فی النّص دلیل على القوّة أیضا وبذلک یحقق المرسل هدف الإقناع والتأثیر (محفوظی، 2007م، ص 67). نرى الرابط الحجاجی "ثمّ" الذی یفید العطف والترتیب فی العبارات التالیة: «أتُرى حین أفقا عینیک، / ثمّ أثبّتُ جوهرتین مکانهما» «لم یصح قاتلی بی: «انتبه»! / کان یمشی معی . . / ثمّ صافخنی . ./ ثمّ سار قلیلا»، فتوظیف حرف العطف کرابط حجاجی یدلّ على ترتیب الحجج وفقا للتسلسل الزمنى للأحداث. والرابط الحجاجی "لکنّ" تقدم معلومات على أنّها حجج، ومن أمثلة ذلک:«إنّه لیس ثارک وحدک/ لکنّه ثار جیل فجیل» «إنّها الحربُ! / قد تثقل القلبَ / لکنّ خلفک عار العرب».
1ـ 2ـ الآلیات البلاغیة للإقناع تنمی الآلیات البلاغیة قدرة المتخاطبین على الإقناع، و لتحقیق هذا الغرض یجب أن تکون عملیة الإقناع بطریقة منظمة یستجمع فیها المتکلِّم کما یملک من أدوات بلاغیة مختلفة للتأثیر فی الآخرین وأفکارهم وعقائدهم، بحیث یجعلهم یقبلون على وجهة النظر فی موضوع معین، فحین التکلّم تتعین مراعاة فن القول لتصل إلى قلب المتلقی وعقله هنا تتولد عنه الوظیفة الإفهامیة الاقتناعیة (بلخیر، 2012م، ص127)، ومن الأدوات البلاغیة التی یتوسَّل بها للتحقیق الإقناعی، الرمز، والاستعارة، والتشبیه، والتقابل، والمفارقة. 1ـ 2ـ 1ـ الرمز إنّ عناصر التراث ومعطیاته لها من القدرة على التأثیر فی نفوس الجماهیر ووجداناتهم ما لیس لأیّة معطیات أخرى یستغلها الشاعر، حیث تعیش هذه المعطیات التراثیة فی وجدانات الناس وأعماقهم تحف بها حالة من القداسة والإکبار لأنها تمثل الجذور الأساسیة لتکوینهم الفکری والوجدانی والنفسی، ومن ثمّ فإنّ الشاعر حین یتوسّل إلى إیصال الأبعاد النفسیة والشعوریة لرؤیته الشعریة فإنّه یتوسّل إلى ذلک بأکثر الوسائل فعالیة وقدرة على التأثیر والنفاذ (عشری زاید، 2002م، ص121). أمل دنقل یعتقد «إنّ استلهام التراث لیس فقط ضرورة فنیّة، ولکنّهُ تربیّة للوجدان القومی؛ فإنّنی عندما أستخدم أو ألقی الضوء على التُراث العربی والإسلامی الذی یشمل منطقة الشرق الأوسط بکاملها، فإنّنی أنمّی فی المُتلقّی روح الانتماء القومی، وروح الإحساس بأنّه ینتمی إلى حضارة عریقة، لا تقلُّ إن لم تزدْ عن الحضارات الیونانیّة والرومانیّة» (دنقل، 1985م، ص33). یستحضر دنقل شخصیة کُلیب التراثی فی قصیدة لا تصالح وجعَل منهُ رمزا للمجد العربی القتیل أو للأرضِ المسلوبة (المصدر نقسه، ص355)؛ بعبارة أخرى یختار أمل دنقل قناع کلیب القتیل لیکون الصوت المنادى بالثأر فی دلالة واضحة إلى أن ترک الثأر خیانة للدم المراق. ویکتب کلیب بدمه على البلاطة وصیته لأخیه الزیر یطلب منه مقولته المقدسة: "لا تصالح". إذن یستخدم أمل دنقل الرموز الثلاثة فی القصیدة: الکلیب، والیمامة والمهلهل، کتعبیر عن الشهید والمستقبل الجمیل والثأر سعیا إلى التأثیر فی نفس المخاطب وإقناعه لطلب الثأر. 1ـ 2ـ 2ـ الاستعارة الاستعارة الحجاجیة تدخل ضمن الوسائل البلاغیة التی یستغلها المتکلم بقصد توجیه خطابه، وبقصد تحقیق أهدافه الحجاجی. وهی النوع الأکثر انتشارا لارتباطها بمقاصد المتکلمین وبسیاقاتهم التخاطبیة والتواصلیة. فی مقابل الاستعارة الحجاجیة نجد الاستعارة البدیعیة، وهی التی لا تقصد لذاتها ولا ترتبط بالمتکلمین ومقاصدهم وأهدافهم الحجاجیة (العزّاوی، 2010م، ص 108). یستخدم أمل دنقل الاستعارة الحجاجیة فی المبرّر الثالث ویقول: «حرّمتها ید الغدر»، فشبّه الأمر المعنوی (الغدر) بالأمر المحسوس (الإنسان)، فاستعیرت المعانی المحسوسة المأنوسة لاقتناع المخاطب. نرى هذا الأسلوب فی الشطر التالی من المبرّر السادس: «ثمّ تبقى یدُ العار مرسومة (بأصابعها الخمس) / فوق الجباه الذلیلة». وفی جملة «ولسان الخیانة یخرس» فی المبرّر الخامس استعیرت الإنسان للخیانة المعنویة وحذفت الإنسان وبقى لازمه (لسان) على سبیل الاستعارة المکنیة الحجاجیة التی تؤثر فی تبریر المخاطب. 1ـ 2ـ 3ـ التشبیه استحوذ التشبیه على بنیة الملفوظ الحجاجی، أما عن علاقة التشابه فیقال هی «التقارب الذی یحدث بین الموصوف والصورة الواصفة رغم انفصالها فی الأصل» (الطرابلسی، 1981م، ص 142). إن التشبیه فی الوصیة الثامنة یلعب هذا الدور حینما یقول الشاعر: «مراوغة القلب حین یرى طائر الموت/ وهو یرفرف فوق المبارزة الکاسرة»؛ فإنّ الصورة التی رسمها المرسل موجهة الى المتلقى لیحلل المضمون، وبذلک یحدث التأثیر والاقتناع لأنّ الشاعر یشبه الأمر المعنوی (الموت) بالأمر الحسّی (الطائر) لیدلّ على شمول الموت على طریق التشبیه البلیغ. نرى هذا الأسلوب فی المقطع السابع فی عبارة «اهتزّ قلبی کفقاعة وانفثا» التی تشبه فیها اهتزاز القلب. یجری الشعر على التشبیه المرسل فی المقطع الرابع ویقول دنقل: «فالدّمُ الآن صار وساما وشارة» لیشیر إلى مدى التضحیة فی سبیل الوطن وإثارة همّة المخاطببین والمواطنین. 1ـ 2ـ 4ـ التقابل من الظواهر التی تدخل فی تشکیل النص، ظاهرة التقابل بین المفردات، والتقابل لیست بالضرورة من الأضداد دائما، وقد ظهرت فی قصیدة "لا تصالح" نمطیة التقابل فی المفردات التالیة: (الطفولة ـ الرجولة)، و(الصمت ـ التانیب)، (الدم ـ ماء)، و(الملطّخ ـ مطرّز)، و(الرقاد ـ الصرخات)، و(زهرة ـ ثیاب الحداد)، و(ضاحکة ـ صامتة)، و(یتسابق ـ مستسلم)، و(تتنفّس ـ یخرس)، و(برعما ـ یذوی)، و(القتیل ـ طفلته الناظرة)، و(الصمت ـ ضحکته الساخرة). یقوم التقابل فی هذه القصیدة بدوره على أکمل وجه حیث قدم لنا دلالات کثیرة من خلال الألفاظ وکسى النص بحلة جمالیة من خلال ذکر اللفظ وضده. 1ـ 2ـ 5ـ المفارقة المفارقة عبارة عن «لعبة لغویة ماهرة وذکیة بین الطرفین: صانع المفارقة وقارئها، على نحو یقدم فیه صانع المفارقة النص بطریقة تستثیر القارئ، تدعوه إلى رفض معناه الحرفی، وذلک لصالح المعنى الخفی الذی غالبا ما یکون المعنى الضدّ وهو فی أثناء ذلک یجعل اللغة یرتطم بعضها ببعض، بحیث لا یهدأ للقارئ البال الا بعد أن یصل إلى المعنى الذی یرتضیه لیستقر عنده» (سلیمان، 1999م، ص 46). وقد ظهرت المفارقة فی النص الدنقلی فی العبارات الآتیة: «دمی ماء/ ملطخ مطرز/ زهرة بثیاب الحداد / القتیل لطفلته الناظرة»؛ أن یتحول الدم عند طالب الثأر ماء فهذا یمثل مفارقة؛ وذلک إذا وضعنا النص فی إطار القناع التراثی مقابلا لحاضر فی رؤیة الشاعر. وأن یلبس المطرز فوق الملطخ فإن ذلک یمثل على مستویین: المستوى القیمی لکل طرف من طرفی المعادلة: الملطخ والمطرز، والمستوى الاجتماعی الذی یرفض لبس المطرز قبل غسل الدم بالثأر. وإذا کانت الزهرة رمزا للجمال والبراءة، فإنّ ظهورها بمظهر الحزن والحداد یمثل مفارقة؛ فالزهرة تمثل حضور الطفلة رمز البراءة، والحداد یرتبط بمرجعیة الحزن والفقد والفراق الأبدی المتمثل بالموت، وکیف بالموت إذا کان قتلا؟ ولذلک فإنّ الأحداث قد حملتها ما لیس لها ولیس منسجما مع عمرها، ولکنّها لواقع، والربط بین مشهد البراءة المتمثل فی الطفولة والقتل یحمل مفارقة مأساویة (القرالة،2009م، ص 233). إنّ أمل دنقل یهدف إلى مباغتة القارئ لإثارة انتباهه وتحفیز المتلقی على التأمل ویستخدم أسلوب المفارقة فی نصه لیفهم المخاطب التناقضات الموجودة فی المجتمع.
1ـ 3ـ الآلیات المنطقیة للإقناع الآراء التی تصاغ باللغة، فإنّها جمیعا تخضع لقوانین الفکر ومبادئ المنطق وکلّما أفلح الفرد فی الاختیار المناسب لهذه الآلیات المنطقیة یکون لخطابه وقع شدید على المتلقی. فی الواقع إنّ الحدیث عن بنیة الحجاج فی أیّ خطاب حجاجی یعنی بالضرورة النظر فی المجالات المختلفة التی وظفها المرسل للإقناع. یلجأ المرسل إلى کثیر من الحجج بحیث یکون کلّ حجة أقوى من سابقها. نرى هذا الأسلوب فی النص الدنقلی بلور فی الآلیتین کما یلی: 1ـ 3ـ 1ـ القیاس المنطقی القیاس المنطقی وسیلة منطقیة من وسائل التعلیق بین الأقوال. فی القیاس المنطقی یصبح أحد القولین مرتبطا بالآخر عن طریق تعلیقهما بقول ثالث، یمثّل طبقة من الموضوعات أو المفاهیم أعلى من القولین الآخرین (عطاء الله، 2012م، ص 146). فی النظریة الحجاجیة المعاصرة الأمران الأهم فی القیاس المنطقی هما: التعلق بین المقدمات للوصول إلى النتائج والترکیز على المخاطب أو المستمع (العبد، 2005م، ص 217). نرى هذا الأسلوب فی القصیدة تشتمل على القضایا والمبررات العدیدة لرفض الصلح عبر القیاس. یأتی الشاعر بالقیاس المنطقی المصرّح فی المبررات العدة منها یمکن الإشارة إلى النماذج الآتیة: یقول الشاعر فی المبرر الأوّل: «لا تصالح! / ولو منحوک الذهب / أتُرى حین أفقا عینیک، / ثمّ أثبّتُ جوهرتین مکانَهما / هل تَرى؟ / هی أشیاء لا تشترى: / ذکریات الطفولة بین أخیک و بینک، / حسُّکما ـ فجأة ـ بالرجولة، / هذا الحیاءُ الذی یکبتُ الشوق ... حین تعانقه، / الصمت ـ مبتسمین ـ لتأنیب أمّکما ... / وکأنّکما / ما تزالان طفلین! / تلک الطمأنینة الأبدیة بینکما» (دنقل، 1985م، ص 324 ـ 325). یمکن عرض القیاس المنطقی فی هذا السطر الشعری على النحو التالی: المقدمة الأولى: الصلح تشترى بالذهب فی بعض البلاد؛ المقدمة الثانیة: الصلح لا تشترى بالذهب فی هذا البلد بل تشترى بالذکریات والرجولة والحیاء والطمأنینة؛ النتیجة: لا تصالح. هذا الشکل من القیاس المنطقی واضح فی الأسطر الشعریة التالیة: «لا تصالح، / ولو قیل إن التصالح حیلة / إنّه الثأر / تبهتُ شعلته فی الضلوع» (المصدر نفسه، ص 332): المقدمة الأولى: الصلح یکمن بالحیلة فی بعض البلاد؛ المقدمة الثانیة: الصلح یکون بالثأر فی بلادنا؛ النتیجة: لا تصالح.
1ـ 3ـ 2ـ الأدلّة المنطقیة إن النص الحجاجی قائم على البرهنة وإذا أعدنا الحجاج إلى أبسط صورة وجدناه ترتیبا عقلیا للعناصر اللغویة (بوبلوطة، 2009م، ص 39). یأتی المرسل بنتیجة ثمّ یذکر الأدلة والعلل العدیدة لذلک الاستنتاج العقلی حتّى یؤثّر فی المرسل إلیه أو المخاطب الذی یتلقّی الخطاب أو الرسالة. فی الأسطر التالیة یأتی الشاعر بمعلول ثمّ یذکر الأدلة المنطقیة: «لا تصالح على الدم ... حتّى بدم! / لا تصالح! ولو قیل رأسُ برأس، / أکلّ الرؤوس سواء؟! / أقلب الغریب کقلب أخیک؟! أعیناه عینا أخیک؟! وهل تتساوى ید... سیفُها کان لک / بید سیفها أثکلک؟» (دنقل، 1985م، ص 326). المعلول: "لا تصالح" الدلیل الأول: لأنّ الصلح لیس فی الرأس بالرأس وکلّ الرؤوس لیس سواء؛ الدلیل الثانی: لأنّ قلب الغریب لیس کقلب الأخ والصدیق؛ الدلیل الثالث: لأنّه لیست یدٌ سیفها یکون لک کیدٍ سیفها یثکلک. فی الوصیة الرابعة یشیر الشاعر إلى الأدلة المنطقیة الأخرى لرفض التصالح حیث یقول: «لا تصالح / ولو توّجوک بتاج الإمارة. / کیف تخطو على جثة ابن أبیک؟ / وکیف تصیر الملیک / على أوجه البهجة المستعارة؟ / کیف تنظر فی ید من صافحوک / فلا تبصر الدم / فی کلّ کف؟ إنّ سهما أتانی من الخلف / سوف یجیئک من ألف الخلف / فالدم ـ الآن ـ صار وساما وشارة. / لا تصالح، / ولو توّجوک بتاج الإمارة / إنّ عرشک: سیفٌ / وسیفک: زیف» (المصدر نفسه، ص 329)، عرض الأدلة المتواجدة فی هذا المبرر یکون بالشکل الآتی: المعلول: لا تصالح الدلیل الأول: لأنّک لا تخطو على جثة ابن أبیک؛ الدلیل الثانی: لأنّک لا تصیر الملیک على الأوجه المستعارة؛ الدلیل الثالث: لأنک تبصر فی ید من صافحوک الدّم؛ الدلیل الرابع: لأنّ السهم یأتیک من ألف خلف؛ الدلیل الخامس: لأنّ عرشک یتساوى سیف والسیف زیف.
الخاتمة
| ||
مراجع | ||
10. الضبع، مصطفى. (2002م). آلیات الرفض فی القصیدة العربیة الحدیثة. المؤتمر العلمی الخامس. کلیة دارالعلوم، صص 1 ـ 35. 11. عطاءالله، محمّد. (2012م). الخطاب الحجاجی فی المقالات الإصلاحیة لمحمّد البشیر الإبراهیمی. مقاربة لغویة دلالیة. جامعة الحاج لخضر، کلیة الآداب والعلوم الإسلامیة. 12. العبد، محمد. (2005م). النّص والخطاب والإتّصال. قاهرة: الأکادیمیة الحدیثة للکتاب الجامعی. 13. ــــــــــــــــــــ. (2002م). «النّص الحجاجی العربی دراسة فی وسائل الإقناع». مجلة الفصول. عدد 60. 14. العسکری، أبوهلال. (2006م). الصناعتین. (تحقیق: علی محمد البجاوی ومحمد أبوالفضل إبراهیم). بیروت: المکتبة العصریة. 15. عشری زاید، علی. (2002م). عن بناء القصیدة العربیة. (ط4). مصر: مکتبة ابن سینا. 16. العزاوی، أبوبکر. (2007م). الخطاب والحجاج. د.م: الأحمدیة للنشر. 17. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ.(2010م). الحجاج فی اللغة. الجزء الأول. الأردن: عالم الکتب الحدیث. 18. ــــــــــــــــــــــــــــــــ. ( د.ت). الحجاج والمعنى الحجاجی. مقال ضمن کتاب التحاجج طبیعته ومجالاته ووظائفه. (تنسیق حمو النقاری). سلسلة ندوات ومناظرات. منشورات کلیة الآداب و العلوم الإنسانیة. الرباط: مطبعة النجاح الجدیدة، الدار البیضاء. 19. علی السیّد، عزّالدین. (1986م). التکریر بین المثیر والتأثیر. (ط2). بیروت: عالم الکتب. 20. العمری، محمّد. (1990م). تحلیل الخطاب الشعری البنیة الصوتیة فی الشعر. الدار البیضاء، الدار العالمیة للکتاب. 21. القرالة، زید خلیل. (2009م). «التشکیل اللغوی وأثره فی بناء النّص». مجلة الجامعة الإسلامیة. المجلد السابع العشر. العدد الأوّل. صص211 ـ 239. 22. کامل نزال، فوز سهیل. (2013م). «أسالیب الإقناع اللغویة فی شعر الوعظ الدینی، شعر الإمام الشافعی أنموذجا». المجلة الأردنیة فی الدراسات الإسلامیة. المجلد التاسع. العدد4. صص283 ـ 301. 23. محفوظی، خدیجة. (2007م). بنیة الملفوظ الحجاجی للخطبة فی العصر الأموی. قسنطینة: جامعة منتوری. 24. ناظم، حسن. (2002م). البنى الأسلوبیة دراسة فی أنشودة المطر للسیاب. بیروت: المرکز الثقافی العربی.
| ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,492 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 980 |