تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,639 |
تعداد مقالات | 13,328 |
تعداد مشاهده مقاله | 29,888,966 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 11,950,614 |
دراسة آيات لم يلتزم الطبرسي في بيان معانيها بالوجوه الإعرابية التي ذکرها لها | |||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||
مقاله 3، دوره 7، شماره 13، دی 2015، صفحه 42-60 اصل مقاله (585.76 K) | |||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||
شناسه دیجیتال (DOI): 10.22108/rall.2016.20680 | |||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||
سيدزضا سليمانزاده نجفي* ؛ مصوره زرکوب؛ علي رضا علي زاده | |||||||||||||||||||||
أستاذة مشارکة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة إصفهان. | |||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||
لقد أکد المفسرون على ضرورة معرفة الإعراب والقضايا النحوية في القرآن الکريم ولا يشک أحد من المفسرين في مدى أهمية دوره في التفسير. واهتم الطبرسي في تفسيره بالإعراب فبعد عرض الآية القرآنية موضع التفسير يأتي بالتوضيحات اللغوية ثم الإعراب وترجع أهمية الإعراب حسب قوله إلى أنه:«أجلُّ علوم القرآن فإن إليه أي الإعراب يفتقر کل بيان وهوالذي يفتح من الألفاظ الأغلاق ويستخرج من فحواها الأعلاق إذ الأغراض کامنة فيها فيکون هو المثيرَ لها والباحثَ عنها والمشيرَ إليها وهو معيار الکلام الذي لا يبين نقصانه ورجحانه حتى يعرض عليه ومقياسه الذي لا يميز بين سقيمه ومستقيمه حتى يرجع إليه». وقد درس الطبرسي الوجوه الإعرابية في تفسيره في قسمي القراءة والإعراب وبما أنه خصص قسماً مستقلاً بالمعنى في کتابه فنحن ندرس کيفية أثرالوجوه الإعرابية في قسم المعنى الذي قدّمه وهل البحث الإعرابي قد أثر في المعنى أم هو بحث نظري فحسب ولا دخل له في المعنى؟ وبناء على هذا حاولنا في مقالتنا هذه أن ناتي بالوجه الإعرابي للآيات، بعدئذٍ فسرنا بيان المعاني في المواضع التي لم يلتزم الطبرسي بالوجه الإعرابي للمعنى وقلنا بأنه ينتمي لأي معنى وأي رأي حسب تطلعاتنا النحوية وفي کثير من المواضع ترکنا الآراء وذکرناها فحسب دون أن نبين الرأي الذي اختاره الطبرسي. | |||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||
الطبرسی؛ الإعراب؛ الآیة؛ المعنى | |||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||
المقدمة إن الناظر إلى کتب إعراب القرآن الکریم وکتب التفسیر، یلاحظ کثرة الاختلاف بین المفسرین والمعربین فی إعراب کلمات القرآن الکریم، فنجد أن الکلمة الواحدة تحتمل أکثر من وجه إعرابی،ولیس معنى کلمة (الاختلاف) ما تحمله هذه الکلمة من معانی التناقض والتضاد، کلا، وإنما یقصد بها کل ما یمکن أن تثریه من معانی التغایر والتنوع والإثراء للمعنى القرآنی الذی هو قمة الإعجاز فی القرآن الکریم، فإذا کان ذلک الاختلاف موجوداً فی حال الاتفاق فی القراءات؛ فکم یکون ذلک الاختلاف والإثراء حین یکون حال تعدد القراءات؟ فإنه وبلا شک یکون أکثر وأوفر، وقد تعامل المفسرون مع هذه القراءات المتعددة کأنها آیات مستقلة من حیث دلالتها على المعانی. وسوف تبین هذه المقالة هذه القراءات بطریقة تفسیریة. وقد بیّن العلماء والباحثون أن هناک أسباباً لاختلاف المفسرین والمعربین فی إعراب الألفاظ والتراکیب القرآنیة، منها: أولاً: أسلوب القرآن معجز، لا یستطیع أحد أن یحیط بکل مرامیه ومقاصده، فاحتمل کثیراً من المعانی، وکثیراً من الوجوه (عضیمة،د.ت،ج 1، ص14). ثانیاً: أن النحویین لا یعرفون الحجر على الأراء، ولا تقدیس آراء الغیر، فاحتفظوا لأنفسهم بحریة الرأی والتعبیر (المصدر نفسه). ثالثاً: اختلاف القدارت العقلیة واللغویة للمعربین والمفسرین،وتباین مکوناتهم الثقافیةحیث یمکن أن تحتمل الآیة القرآنیة محذوفاً مقدراً، وعلیه یختلف المفسرون فی تقدیر هذا المحذوف مما یؤدی حینها إلى الاختلاف فی الإعراب (العیساوی،2007م،ص204). رابعاً: تحیّز النحاة والعلماء کلٍّ لمذهبه موثرٌّ قویٌ على آرائه النحویة وسبب مهم لاختلافه مع غیره (المصدر نفسه). خامساً: اختلاف لغات العرب ولهجاتهم؛سبب مهم أیضاً (مکرم،1978م،ص233). سادساً: الاحتجاج للقراءات المتواترة من باب الدفاع عن کتاب الله تعالى والذبّ عن حیاضه ضد من یتوهم وجود لحن فی القراءات المتواترة. سابعاً: اختلاف المعربین فی المواضع المشکلة التی تحتاج إلى إعمال فکرٍ وتأملٍ عمیق لحلّ إشکالها. ثامناً: وأخیراً:صلاحیة القرآن لکل العصور والأجیال،فاختلاف الحرکات یؤدی إلى مرونة المعانی وتنوعها، وکل معنى یخدم جیلاً وعصراً وثقافة وحضارة، ویواکب ویعالج القضایا المستجدة فی حیاة الأمة.
نبذة عن حیاة الطبرسی فضل بن حسن الطبرسی المکنى بأبی علی من علماء الدین ولد فی سبعین وأربعمائة فی طبرس وهو إمام منفرد فی النحو ومتبحر فی علوم أخرى کالشعر والعلوم الأدبیة والتفسیر والمعانی والبیان والتاریخ والعلوم الإلهیة الأصلیة والفرعیة. وبما أنه فقیه متشیع لا تعصب له فی نقل الأقوال، لذا نجد فی کتبه أقوالاً صحیحة ومعقولة، لا یطعن فیها مخالفیه وهذا واضح فی تفسیر مجمع البیان وجوامع الجامع وهو ناتج من فضله وعفة قلمهوهو فاضل کامل وفقیه محدث، وکان یروی عن أبیه وهو من کبار العلماء ومشاهیرهم (الطبرسی،1425هـ، ج1، ص24).
الآیات التی لم یلتزم فیها الطبرسی بالوجه الإعرابی لبیان المعنى ـ ]أَمْ کُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضرَ یَعْقُوب الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِی قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَک وَإِلَهَ آبَائک إِبْرَاهِیمَ وَ إِسمَاعِیلَ وَإِسحَقَ إِلَهاً وَحِداً وَنحْنُ لَهُ مُسلِمُونَ[(البقرة 2: 133). الموضع الأول: ]إِلَهاً وَحِداً[ قال الطبرسی فی قسم الإعراب لهذه الآیة:«وقوله ]إِلَهاً وَحِداً[منصوب على أحد وجهین أن یکون حالا فکأنه قال نعبد إلهک فی حال وحدانیته أو یکون بدلا من "إِلَهَک" وتکون الفائدة فیه ذکر التوحید» (الطبرسی،1425هـ،ج1، ص 400)، ولم یأت ببیان لأثر هذین الوجهین من الإعراب فی المعنى. الشرح: قوله تعالى: ]إِلَهاً[فیه وجهان: الأول:منصوب على الحال، وفیه أن بنی یعقوب (A) قالوا: نعبد إلهک ونخلص له العبادة فی حال وحدانیته ولا نشرک به شیئًا، ولا نتخذ غیره إلهاً ورباً(الزجاج،1408هـ،ج1، ص212؛ الطبری،1421هـ،ج1، ص714). وذکر ابن عاشور فی بیان فائدة کون "إِلَهاً" حالاً من "إِلَهَک" ما قوله: «]إِلَهاً وَحِداً[توضیح لصفة الإله الذی یعبدونه فقوله ]إِلَهاً[حال من "إِلَهَک" ووقوع "إِلَهاً" حالاً من "إِلَهَک" مع أنه مرادف له فی لفظه ومعناه إنما هو باعتبار إجراء الوصف علیه بـِ"وَحِداً"فالحال فی الحقیقة هو ذلک الوصف وإنما أعید لفظ "إِلَهاً" ولم یقتصر على لفظ "وَحِداً"لزیادة الإیضاح؛ لأن المقام مقام إطناب، ففی الإعادة تنویه بالمعاد، وتوکید لما قبله، وهذا أسلوب من الفصاحة إذ یعاد اللفظ لیبنی علیه وصف أو متعلق، ویحصل مع ذلک توکید اللفظ السابق تبعاً، ولیس المقصود من ذلک مجرد التوکید، ومنه قوله تعالى: ]وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کرَاماً[(الفرقان25 : 72), وقوله: ]إِنْ أَحْسنتُمْ أَحْسنتُمْ لأَنفُسِکمْ[(الإسراء 17: 7) وقوله: ]وَاتَّقُوا الَّذِى أَمَدَّکم بِمَا تَعْلَمُونَ & أَمَدَّکم بِأَنْعَام وَبَنِینَ[(الشعراء26: 132ـ 133)» (ابن عاشور، د.ت، ج 1، ص734), حیث أعاد الأفعال: مروا، وأحسنتم، وأمدکم فی الآیات على الترتیب. الثانی:منصوب على البدل من "إِلَهَک" (النحاس، 1409هـ،ج1، ص266؛ السمین الحلبی،1406هـ، ج2، ص131؛ الزجاج،1408هـ، ج1، ص212؛ القیسی،د.ت،ج1، ص73). وفیه أن ما قصده بنو یعقوب من قولهم: ]نَعْبُدُ إِلَهَک وَإِلَهَ ءَابَائک إِبْرَهِیمَ وَإِسمَعِیلَ وَإِسحَقَ إِلَهاً وَحِدا[ هو مقصود واحد، وهو الله وکأنهم قالوا: "نعبد إلهاً واحداً". وذکر المفسرون فائدتین من کون "إِلَهاً" بدلاً من "إِلَهَک"وهما: 1ـ لأن الغرض هو إثبات حال الوحدانیة والتصریح به (القرطبی،1380هـ،ج1، ص484؛ الشوکانی ،1414هـ،ج1، ص215). 2ـ دفع توهم التعدد الناشئ من ذکر الإله مرتین (البیضاوی،1416هـ،ج1، ص408؛ الآلوسی،1405هـ،ج1، ص615). وقد یکون رأی الطبری صائب فی ذلک حیث یقول: أَیْ نُخْلِص لَهُ الْعِبَادَة وَنُوَحِّد لَهُ الرُّبُوبِیَّة فَلَا نُشْرِک بِهِ شَیْئًا وَلَا نَتَّخِذ دُونه رَبًّا. وَیَعْنِی بِقَوْلِهِ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وَنَحْنُ لَهُ خَاضِعُونَ بِالْعُبُودِیَّةِ وَالطَّاعَة. وَیَحْتَمِل قَوْله "وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" أَنْ تَکُون بِمَعْنَى الْحَال, کَأَنَّهُمْ قَالُوا: نَعْبُد إلَهک مُسْلِمِینَ لَهُ بِطَاعَتِنَا وَعِبَادَتنَا إیَّاهُ وَیَحْتَمِل أَنْ یَکُون خَبَرًا مُسْتَأْنَفًا, فَیَکُون بِمَعْنَى: نَعْبُد إلَهک بَعْدک, وَنَحْنُ لَهُ الْآن وَفِی کُلّ حَال مُسْلِمُونَ. وَأَحْسَن هَذَیْنِ الْوَجْهَیْنِ فِی تَأْوِیل ذَلِکَ أَنْ یَکُون بِمَعْنَى الْحَال, وَأَنْ یَکُون بِمَعْنَى: نَعْبُد إلَهک وَإِلَه آبَائِک إبْرَاهِیم وَإِسْمَاعِیل وَإِسْحَاق مُسْلِمِینَ لِعِبَادَتِهِ. وَقِیلَ: إنَّمَا قَدَّمَ ذِکْر إسْمَاعِیل عَلَى إسْحَاق لِأَنَّ إسْمَاعِیل کَانَ أَسَنّ مِنْ إسْحَاق. ذِکْر مَنْ قَالَ ذَلِکَ: ـ حَدَّثَنِی یُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى, قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب, قَالَ: قَالَ ابْن زَیْد فِی قَوْله: قَالُوا نَعْبُد إلَهک وَإِلَه آبَائِک إبْرَاهِیم وَإِسْمَاعِیل وَإِسْحَاق قَالَ: یُقَال بَدَأَ بِإِسْمَاعِیل لِأَنَّهُ أَکْبَر. وَقَرَأَ بَعْض الْمُتَقَدِّمِینَ "وَإِلَه أَبِیک إبْرَاهِیم" ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ إسْمَاعِیل إذْ کَانَ عَمًّا لِیَعْقُوب, فَلَا یَجُوز أَنْ یَکُون فِیمَنْ تَرْجَمَ بِهِ عَنْ الْآبَاء وَدَاخِلًا فِی عِدَادهمْ. وَذَلِکَ مِنْ قَارِئِهِ کَذَلِکَ قِلَّة عِلْم مِنْهُ بِمَجَارِی کَلَام الْعَرَب. وَالْعَرَب لَا تَمْتَنِع مِنْ أَنْ تَجْعَل الْأَعْمَام بِمَعْنَى الْآبَاء, وَالْأَخْوَال بِمَعْنَى الْأُمَّهَات, فَلِذَلِک دَخَلَ إسْمَاعِیل فِیمَنْ تَرْجَمَ بِهِ عَنْ الْآبَاء. وَإِبْرَاهِیم وَإِسْمَاعِیل وَإِسْحَاق تَرْجَمَة عَنْ الْآبَاء فِی مَوْضِع جَرّ, وَلَکِنَّهُمْ نَصَبُوا بِأَنَّهُمْ لَا یَجُرُّونَ. وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فِی ذَلِکَ: "وَإِلَه آبَائِک" لِإِجْمَاعِ الْقُرَّاء عَلَى تَصْوِیب ذَلِکَ وَشُذُوذ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الْقُرَّاء مِمَّنْ قَرَأَ خِلَاف ذَلِکَ, وَنُصِبَ قَوْله إلَهًا عَلَى الْحَال مِنْ قَوْله إلَهک. وهذا الرأی قد یکون أخذه الطبرسی من العلماء الذین سبقوه. ـ ]وَقَالَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا کَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنهُمْ کَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا کَذَلِک یُرِیهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسرَاتٍ عَلَیهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِینَ مِنَ النَّارِ[(البقرة 2: 167). قال الطبرسی فی قسم الإعراب لهذه الآیة: «وأما العامل فی الکاف من "کَذَلِک" فقوله "یُرِیهِمُ اللَّهُ" أی یریهم الله أعمالهم حسرات کذلک أی مثل تبرؤ بعضهم من بعض وذلک لانقطاع الرجاء من کل واحد منهما وقیل "تقدیره یریهم أعمالهم حسرات کما أراهم العذاب" وذلک لأنهم أیقنوا بالهلاک فی کل واحد منهما» (الطبرسی، 1425هـ، ج1، ص 464)، ولم یأت ببیان لأثر هذین الإعرابین فی قسم المعنى (الطبرسی، 1425هـ،ج1، ص 465). الشرح: تحتمل الکاف من "کَذَلِک" وجهین: الأول: فی محل رفع خبر مبتدأ محذوف، وتقدیر الکلام: الأمر کذلک أو حشرهم کذلک، والمعنى على هذا الوجه یحتمل أمرین: 1ـ أی کتبرؤ بعضهم من بعض یریهم الله أعمالهم حسرات علیهم؛ لأنه وقتئذٍ قد انقطع الرجاء من کل أحد، وانفصل المتبوع عن التابع (الرازی،1405هـ،ج4، ص212). 2ـ أی کما أراهم الله العذاب یریهم أعمالهم حسرات علیهم؛ لأنهم أیقنوا الهلاک حینئذٍ (الشوکانی،1414هـ،ج1، ص245؛ القرطبی،1380هـ،ج 1، ص536). وضعَّف أبو حیان هذا الوجه من الإعراب فقال:«]کَذَلِک یُرِیهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسرَاتٍ عَلَیهِمْ[: الکاف عند بعضهم فی موضع رفع، وقدروه الأمر کذلک، أو حشرهم کذلک، وهو ضعیف؛ لأنه یقتضی زیادة الکاف وحذف المبتدأ، أوکلاهما على خلاف الأصل، والظاهر أن الکاف على بابها من التشبیه، وأن التقدیر"مثل إراءتهم تلک الأهوال، یریهم الله أعمالهم حسرات علیهم"، فیکون نعتاً لمصدر محذوف، فیکون فی موضع نصب» (أبو حیان ،1990م،ج 1، ص 648). الثانی: فی محل نصب نعت مصدر محذوف (النحاس ،1409هـ،ج1، ص278؛ السمین الحلبی ،1406هـ،ج2، ص220؛ القیسی،د.ت،ج1، ص79)، والتقدیر: یریهم الله تعالى رؤیةً کذلک، أو یحشرهم حشراً کذلک, والمعنى: أن الله تعالى یریهم أعمالهم حسراتٍ علیهم مثلَ إراءتهم الأهوال سواء کان ذلک هو العذاب یوم القیامة أو تبرؤ بعضهم من بعض. وقال ابن عاشور فی هذا المعنى: «ومعنى براءتهم منهم تنصلهم من مواعید نفعهم فی الآخرة التی وعدوهم فی الدنیا والشفاعة فیهم وصرفهم عن الالتحاق بهم حین هرعوا إلیهم، والمعنى أن الله یریهم عواقب أعمالهم إراءً مثل هذا الإراء إذ لا یکون إراءً لأعمالهم أوقع منه، فهو تشبیه الشیء بنفسه باختلاف الاعتبار کأنه یرام أن یریهم أعمالهم فی کیفیة شنیعة فلم یوجد أشنع من هذه الحالة» (ابن عاشور،د.ت، ج2، ص100). فکذلک یُریهم أیضًا أعمالهم الخبیثة التی استحقوا بها العقوبة من الله "حسرات علیهم" یعنی: نَدامات. قال ابن عاشور: فإن قال لنا قائل: فکیف یَرَون أعمالهم حَسرات علیهم, وإنما یتندم المتندم عَلى تَرْک الخیرات وفوتها إیاه؟ وقد علمت أنّ الکفار لم یکن لهم من الأعمال ما یتندّمون على ترکهم الازدیادَ منه, فیریهم الله قلیلَه! بل کانت أعمالهم کلها معاصیَ لله, ولا حسرةَ علیهم فی ذلک, وإنما الحسرة فیما لم یَعملوا من طاعة الله؟ قیل: إن أهل التأویل فی تأویل ذلک مختلفون, فنذکر فی ذلک ما قالوا, ثم نخبر بالذی هو أولى بتأویله إن شاء الله. فقال بعضهم: معنى ذلک: کذلک یریهم الله أعمالهم التی فرضها علیهم فی الدنیا فضیَّعوها ولم یعملوا بها، حتى استوجب ما کان الله أعدَّ لهم، لو کانوا عملوا بها فی حیاتهم من المساکن والنِّعم, غیرُهمْ بطاعته ربَّه. فصار ما فاتهم من الثواب الذی کان الله أعدَّه لهم عنده لو کانوا أطاعوه فی الدنیا، إذ عاینوه عند دخول النار أو قبل ذلک أسًى وندامةً وحسرةً علیهم (ابن عاشور،د.ت، ج2، ص100). قال أبو جعفر: وأولى التأویلین بالآیة تأویل من قال: معنى قوله: " کذلک یُریهم الله أعمالهمْ حَسرات علیهم "، کذلک یُرِی الله الکافرین أعمالهم الخبیثة حسرات علیهم، لم عملوا بها؟ وهلا عملوا بغیرها؟ فندموا على ما فرط منهم من أعمالهم الردیئة، إذ رأوا جزاءها من الله وعقابها، لأن الله أخبر أنه یریهم أعمالهم ندمًا علیهم, فالذی هو أولى بتأویل الآیة، ما دلّ علیه الظاهرُ دون ما احتمله الباطن الذی لا دلالة له على أنه المعنیُّ بها. والذی قال السدی فی ذلک، وإن کان مَذهبًا تحتمله الآیة, فإنه مَنـزع بعید. ولا أثر بأنّ ذلک کما ذکر تقوم به حُجة فیسلم لها، ولا دلالة فی ظاهر الآیة أنه المراد بها. فإذْ کان الأمر کذلک، لم یُحَلْ ظاهر التنـزیل إلى باطن تأویل (النحاس ،1409هـ،ج1، ص278). والقول فی تأویل قوله تعالى: ]وَمَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنَ النَّارِ[ (البقرة2: 167): قال أبو جعفر:"یعنی تعالى ذکره بذلک: وما هؤلاء الذین وصَفتهم من الکفار وإنْ نَدموا بعد معاینتهم مَا عاینوا من عذاب الله, فاشتدت ندامتهم على ما سلف منهم من أعمالهم الخبیثة, وتمنَّوا إلى الدنیا کرةً لیُنیبوا فیها, ویتبرأوا من مُضلیهم وسادتهم الذین کانوا یطیعونهم فی معصیة الله فیها بخارجین من النار التی أصلاهُموها الله بکفرهم به فی الدنیا, ولا ندمُهم فیها بمنجیهم من عذاب الله حینئذ, ولکنهم فیها مخلدون" (المصدر نفسه). وفی هذه الآیة الدلالةُ على تکذیب الله الزاعمین أن عَذابَ الله أهلَ النار من أهل الکفر مُنقضٍ, وأنه إلى نهایة, ثم هو بعدَ ذلک فانٍ. لأن الله تعالى ذکره أخبرَ عن هؤلاء الذین وصف صفتهم فی هذه الآیة, ثم ختم الخبر عنهم بأنهم غیرُ خارجین من النار، بغیر استثناء منه وَقتًا دون وقت. فذلک إلى غیر حدّ ولا نهایة, فبالنسبة لهذا الإجماع قد یکون الطبرسی اکتفى بالمعنى للآیة. ـ ]وَالَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنکُمْ وَیَذَرُونَ أَزْوَجاً یَترَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشهُر وَعَشراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَیْکمْ فِیمَا فَعَلْنَ فی أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ[(البقرة2: 234). قال الطبرسی فی قسم الإعراب لهذه الآیة: و"یَترَبَّصنَ" وما بعده خبر المبتدأ وإذا کان خبر المبتدأ لا یخلو من أن یکون هو هو أو یکون له فیه ذکر فلا یجوز أن یکون هذا الظاهر على الذی هو علیه لخلوه من ضربی خبر الابتداء وقد قیل فیه أقوال (أحدها) أن تقدیر خبر المبتدأ "یتربصن بعدهم" لأن المعنى یتربصن أزواجهم بعدهم أربعة أشهر وعشرا وجاز حذف هذا الذی یتعلق به الراجع إلى المبتدأ کما جاء ذلک فی قولهم السمن منوان بدرهم والمعنى على منوان منه بدرهم عن الأخفش و(الثانی) أن یکون تقدیره "أزواجهم یتربصن" عن أبی العباس المبرد فالمحذوف على هذا هو المبتدأ الذی هو أزواجهم وساغ هذا الحذف لقیام الدلالة علیه, کما یسوغ حذف المفرد إذا قامت الدلالة علیه وقیام الدلالة على المضاف أن الأزواج قد تقدم ذکرهن فساغ إضمارهن وحسن وأما حذف المضاف إلیه فلاقتضاء المبتدأ الراجع إلیه وقد جاء المبتدأ مضافا محذوفا کما جاء المفرد وذلک قوله تعالى ]لا یَغُرَّنَّک تَقَلُّب الَّذِینَ کَفَرُوا فی الْبِلَادِ & مَتَعٌ قَلِیلٌ[ (آل عمران3: 196ـ197) أی تقلبهم متاع قلیل (الثالث) أن یکون تقدیره "یتربصن أزواجهن" ثم کنی عن الأزواج (الطبرسی،1425هـ،ج2، ص117). الشرح: یبدو أن الخلاف فی هذه الآیة بین النحاة هو أن "الَّذِینَ"مبتدأ و"یُتَوَفَّوْنَ"صلته فأین خبره؛ وأما فی تقدیر الخبر فأقوال منها: الأوّل: ما قاله الفرّاء وهو أنه ترک الإخبار من "الَّذِینَ"وأخبر عن الزوجات المتصل ذکرهن بـِ"الَّذِینَ"وهذا ما أشار إلیه بقوله:إذا ذکرت أسماء ثم ذکرت أسماء مضافة إلیها فیها معنى الخبر فجاز أن یترک الأول ویکون الخبر عن المضاف إلیه, ولکنه یبدو أنه لا یجوز أن یبتدأ باسم ولا یتحدث عنه. الثانی: ذهب الأخفش إلى أن تقدیره: "والذین یتوفون منکم ویذرون أزواجاً یتربصن بأنفسهن بعدهم أو بعد موتهم"، ثم حذف هذا کما یحذف شیء کثیر (النحاس،ج 1، ص 318، 317). الثالث: قال الکسائی: إن "الَّذِینَ"مبتدأ و«یتربصن أزواجهم» خبر کما قال $: ]والذین اتَّخذُوا مَسجِداً ضِرَاراً وَکفراً لا تَقم فِیهَ أبَداً[ (التوبة9: 107)،أی: لا تقم فی مسجدهم أبداً (الزجاج، ج1، ص315، 314). الرابع: قال النحاس: من أحسن ما قیل فیها قول أبی العباس محمّد بن یزید، قال: التقدیر: «والذین یتوفون منکم ویذرون أزواجاً أزواجهم یتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً» (المصدر نفسه)، فعلى هذا الرأی "الَّذِینَ" مبتدأ، وتقدیر الخبر: "أزواجهم یتربصن"، فأزواجهم مبتدأ، و"یَترَبَّصنَ"خبر فحذف المبتدأ لدلالة الکلام علیه وهذا رأی المبرد (الأنباری ، 1403 هـ، 1362 ش، ج 1، ص162، 160؛ والعکبری، ج1، ص187). الخامس: وهو قول سیبویه بأنّ الخبر بجملته محذوف مقدر قبل المبتدأ وتقدیره: "یتلی علیکم حکم والذین ...» وقدر یتبربصن بیاناً للحکم المتلو وهی جملة لا موضع لها من الإعراب. قال ابن هشام: «الرابط فی قوله تعالى: ]وَالَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنکُمْ وَیَذَرُونَ أَزْوَجاً یَترَبَّصنَ[ إمّا النون على أنّ الأصل "وأزواج الذین" وإمّا کلمة "هم" مخفوضة هی وما أضیف إلیه على التدریج،وتقدیرهما إمّا قبل "یَترَبَّصنَ" أی "أزواجهم یترّبصن" وهو قول الأخفش وإمّا بعده وهو قول الفرّاء وقال الکسائی ـ وتبعه ابن مالک ـ: الأصل یترّبص أزواجهم، ثمّ جیء بالضمیر مکان الأزواج لتقدّم ذکرهنّ فامتنع ذکر الضمیر، لأنّ النون لا تضاف لکونها ضمیرا وحصل الربط بالضمیر القائم مقام الظاهر المضاف للضمیر» (الأنصاری، 1371 هـ.ش، ج 4، ص652). وقال الطبرسی فی قسم المعنى لهذه الآیة: «لما بین عدة المطلقات بین عدة الوفاة فقال "وَالَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ"منکم أی یقبضون ویموتون "وَیَذَرُونَ" أی یترکون "أَزْوَجاً"أی نساء "یَترَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ"؛أی ینتظرن انقضاء العدة ویحبسن أنفسهن عن التزویج معتدات "أَرْبَعَةَ أَشهُر وَعَشراً"» (الطبرسی،1425هـ،ج2، ص117 ـ 118)،فلم یأت ببیان للتقدیرات الثلاث فی المعنى الذی قدّمه, لأن الطبری قد أشار قائلا: قالوا: فقد بین هذا الخبر عن النبی 9: أن لا إحداد على المتوفى عنها زوجها, وأن القول فی تأویل قوله: "یتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا"، إنما هو یتربصن بأنفسهن عن الأزواج دون غیره, وهذا قد اتفق علیه معظم المفسرین. ـ ]تِلْک الرُّسلُ فَضَّلْنَا بَعْضهُمْ عَلى بَعْض مِّنْهُم مَّن کلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضهُمْ دَرَجَات وَآتَیْنَا عِیسى ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّنَاتِ وَأَیَّدْنَاهُ بِرُوح الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِینَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَات وَلَکِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنهُم مَّن کَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَکِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ مَا یُرِیدُ[(البقرة 2: 253) قال الطبرسی فی قسم الإعراب لهذه الآیة: «"دَرَجَات" منصوب على الحال و العامل فیه "رَفَعَ" وذو الحال بعضهم وتقدیره "رفع بعضهم ذوی درجات" فحذف المضاف ویجوز أن یکون حالا بعد الفراغ من الفعل تقدیره "ورفع بعضهم فإذا هم ذوو درجات" ویجوز أن یکون ظرف مکان ویجوز أن یکون اسما وضع موضع المصدر تقدیره" ورفع بعضهم رفعا"» (الطبرسی،1425هـ،ج2، ص153)، ولم یأت الطبرسی ببیان لأثر هذه الوجوه الإعرابیة فی المعنى. الشرح: حول کلمة "دَرَجَات"هناک أوجه عدیدة: 1ـ منصوب بنزع الخافض؛ أی "إلى درجات" أو "فی درجات" أو "على درجات" وبسبب حذف حرف الجار أصبحت "درجات" منصوبة (القیسی، 1362ش،ج1, ص105). 2ـ مصدر وهی حال منصوبة؛ أی: "رفع بعضهم مدرجین" (العکبری، 1419ق،ج1، ص168). 3ـ حال من "بعضم" منصوبة ومضاف أی "ذا درجات" أو "ذو درجات" محذوفة (الطبرسی، 1372ش،ج2، ص622). 4ـ مفعول مطلق ومنصوب؛ على أساس أن "درجة" بمعنى "رفعة" وکأنه قیل «رَفَعنا بَعضَهُم رَفَعاتٍ» (المصدرنفسه). 5ـ إذا کان فعل "رفع" بمعنى "بَلَّغَ" فتکون کلمة "دَرَجَات"مفعولاً بها ومنصوبة (الخرّاط، 1426 ق،42)، لکن فی لسان العرب فعل "رفع" جاء معدیاً لمفعول واحد (ابن منظور، 1408ق، 268 ـ 269) ولا یمکن اعتبارها مفعولاً ثانیا. 6ـ منصوب باعتبارها بدل اشتمال وتقدیره: "رَفَعَ دَرَجاتٍ بعضَهم" أی:على دَرَجات بَعضٍ (القیسی، 1362ش،ج 1، ص105). 7ـ ظرف ومنصوب؛ أی:ما یعطی معنى "فی" (الطبرسی، 1372ش، ج2، ص622). إذا أردنا أن نختار رأیاً من الأوجه المطروحة لکلمة "دَرَجَات" یبدو أنها منصوبة بنزع الخافض هی الأصح، لأنه فی بعض الآیات جاء فعل "رفع" مع حرف "إلى" و"الباء" الجارین (عبدالباقی، 1384ش، ص 410). وهو لم یکن مکلفاً ولا مخالفاً للغة العرب. وتعدیة فعل "رفع" إلى مفعولین تکون مخافة للغة العرب. والنقطة الملفتة للنظر هنا هی اعتبار کلمة "دَرَجَات" بالنسبة لمضمون الآیة،لأنه لو اعتبرنا معنى الآیة بأن الله أعطى للأنبیاء درجات فیکون تقدیره: «رَفَعَ بعضَهم إلى دَرَجاتٍ», فیکون منصوبا بنزع الخافض هو الأرجح ولو اعتبرنا بأن الله رفع درجات بعض الأنبیاء (مکارم، 1374ش،ج2، ص253)،فیکون بدل الاشتمال هو الأرجح؛ وإذا اتخذنا تفسیر العلامة الطباطبائی بتقدیر: "رَفَعَ دَرَجتَهُ عَلى جمیع الرُّسُلِ" (الطباطبائی،1417ق،ج 2، ص311 ـ 312)، فتکون "دَرَجَات" تمییزا مؤولا من المفعول به. ولو أن "درجة" تعطی معنى "رتبة" فکلمة "دَرَجَات" تکون مفعولا مطلقا أیضا وهذا الإعراب صحیح. لم یأت الطبرسی هنا بالمعنى لأن معظم العلماء لدیهم إجماع بأن المقصود هو النبی الأکرم 9: والذی علیه المحققون من العلماء والمفسرین أن المقصود بقوله تعالى: ]وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ[ هو سیدنا محمد 9 لأنه هو صاحب الدرجات الرفیعة والمعجزة الخالدة الباقیة إلى یوم القیامة والرسالة العامة الناسخة لکل الرسالات قبلها. وقد صرح صاحب الکشاف بذلک فقال: قوله "وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ"؛ أی ومنهم من رفعه الله على سائر الأنبیاء، فکان بعد تفاوتهم فی الفضل أفضل منهم درجات کثیرة. الظاهر أنه أراد محمدا 9 لأنه هو المفضل علیهم، حیث أوتی ما لم یؤته أحد من الآیات المتکاثرة المرتقیة إلى ألف آیة أو أکثر. لو لم یؤت إلا القرآن وحده لکفى به فضلا منیفا على سائر ما أوتی الأنبیاء، لأنه المعجزة الباقیة على وجه الدهر دون سائر المعجزات. وفی هذا الإبهام من تفخیم فضله وإعلاء قدره ما لا یخفى، لما فیه من الشهادة على أنه العلم الذی لا یشتبه، والمتمیز الذی لا یلتبس. ویقال للرجل: من فعل هذا؟ فیقول: أحدکم أو بعضکم، یرید به الذی تعورف واشتهر بنحوه من الأفعال فیکون أفخم من التصریح، وسئل الخطیئة عن أشعر الناس، فذکر زهیرا والنابغة ثم قال: ولو شئت لذکرت الثالث، أراد نفسه، ولو قال: ولو شئت لذکرت نفسی لم یفخم أمره. ـ ]یَاأَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذَا تَدَایَنتُم بِدَیْن إِلى أَجَل مُّسمًّى فَاکتُبُوهُ وَلْیَکْتُب بَّیْنَکُمْ کاتِب بِالْعَدْلِ وَلا یَأْب کاتِبٌ أَن یَکْتُب کمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْیَکتُب وَلْیُمْلِلِ الَّذِی عَلَیْهِ الْحَقُّ وَلْیَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا یَبْخَس مِنْهُ شیْئاً فَإِن کانَ الَّذِی عَلَیْهِ الْحَقُّ سفِیهاً أَوْ ضعِیفاً أَوْ لا یَستَطِیعُ أَن یُمِلَّ هُوَ فَلْیُمْلِلْ وَلِیُّهُ بِالْعَدْلِ وَاستَشهِدُوا شهِیدَیْنِ مِن رِّجَالِکمْ فَإِن لَّمْ یَکُونَا رَجُلَینِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضوْنَ مِنَ الشهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَکِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا یَأْب الشهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسئَمُوا أَن تَکْتُبُوهُ صغِیراً أَوْ کبِیراًإِلى أَجَلِهِ ذَلِکُمْ أَقْسط عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشهَادَةِ وَأَدْنى أَلا تَرْتَابُوا إِلا أَن تَکُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِیرُونَهَا بَیْنَکمْ فَلَیْس عَلَیْکمْ جُنَاحٌ أَلا تَکْتُبُوهَا وَأَشهِدُوا إِذَا تَبَایَعْتُمْ وَلا یُضارَّ کاتِبٌ وَلا شهِیدٌ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسوقُ بِکمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَیُعَلِّمُکمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِکلِّ شیْء عَلِیمٌ[(البقرة2: 282). الموضع الأول: ]فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ[: قال الطبرسی فی قسم الحجة لهذه الآیة: «فقوله ]فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ[ خبر مبتدإ محذوف وتقدیره "فمن یشهد رجل وامرأتان" ویجوز أن یکون "رَجُلٌ" مرتفعا بالابتداء و"امْرَأَتَانِ" معطوفتان علیه وخبر الابتداء محذوف وتقدیره "فرجل وامرأتان یشهدون"» (الطبرسی، 1425هـ، ج2، ص216). الشرح: کلمة "رَجُلٌ"فیها قولان: الأول:أنها خبر لمبتدأ محذوف،وتقدیره: "فإن لم یکونا رجلین فالشاهدُ رجلٌ وامرأتان"،ویجوز أن یکون "رَجُلٌ"فاعلاً لفعل محذوف، تقدیره: "فیشهد رجلٌ وامرأتان". الثانی: أنها مبتدأ مرفوع و"امْرَأَتَانِ" معطوف علیه والخبر محذوف، وتقدیره: "فإن لم یکونا رجلین فرجلٌ وامرأتان یقومون مقام الرجلین"، أو یکفون فی الشهادة، أو یشهدون علیه، فالجمل الفعلیة الثلاث (یقومون،یکفون، یشهدون) فی محل رفع خبر المبتدأ وهو "رَجُلٌ". قال ابن هشام: «]فَإن لَم یَکونَا رَجُلَینِ فَرَجُلٌ[ فیها شاهدعلى حذف المبتدأ بعد فاء الجواب وهو کثیر» (الأنصاری، 1371 هـ.ش، ب5، ص 823). وقال الطبرسی فی قسم المعنى لهذه الآیة: «]فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ[ أی: فلیکن رجل وامرأتان أو فلیشهد رجل وامرأتان» (الطبرسی، 1425هـ، ج2، ص221)،ولم یأت ببیان لأثر الوجهین من الإعراب فی المعنى. وقول الطبری فی تفسیره: فإن لم یکونا رجلین فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء یعنی بذلک جل ثناؤه: فإن لم یکونا رجلین, فلیکن رجل وامرأتان على الشهادة. ورفع الرجل والمرأتان بالرد على الکون, وإن شئت قلت: فإن لم یکونا رجلین فلیشهد رجل وامرأتان على ذلک, وإن شئت فإن لم یکونا رجلین فرجل وامرأتان یشهدون علیه; وإن قلت: فإن لم یکونا رجلین فرجل وامرأتان کان صوابا کل ذلک جائز, ولو کان فرجل وامرأتان نصبا کان جائزا على تأویل: فإن لم یکونا رجلین, فاستشهدوا رجلا وامرأتین، وقوله: "ممن ترضون من الشهداء" یعنی من العدول المرتضى دینهم وصلاحهم، کما حدثنی المثنى, قال: ثنا إسحاق, قال: ثنا ابن أبی جعفر, عن أبیه عن الربیع فی قوله: "واستشهدوا شهیدین من رجالکم" یقول فی الدین فإن لم یکونا رجلین فرجل وامرأتان وذلک فی الدین ممن ترضون من الشهداء. یقول: عدول . حدثنی المثنى, قال: ثنا إسحاق, قال: ثنا أبو زهیر عن جویبر عن الضحاک "واستشهدوا شهیدین من رجالکم" أمر الله $ أن یشهدوا ذوی عدل من رجالهم "فإن لم یکونا رجلین فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء" الشهداء أن تضل إحداهما فتذکر إحداهما. یتبین لنا بأن المعنى هنا موافق للإعراب حیث اتخذ الطبرسی هذا المعنى واکتفى بالوجه الإعرابی. ـ ]وَیُعَلِّمُهُ الْکِتَاب وَالْحِکمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنجِیلَ[(آل عمران3: 48). قال الطبرسی فی قسم الإعراب لهذه الآیة: «موضع "یُعَلِّمُهُ" یحتمل أن یکون نصبا بالعطف على "وَجِیهاً" (آل عمران3: 45), ویحتمل أن یکون لا موضع له من الإعراب لأنه عطف على جملة لا موضع لها من الإعراب وهی قوله ]کذَلِکِ اللَّهُ یَخْلُقُ مَا یَشاءُ[ (آل عمران3: 47), وقیل هو عطف على "نُوحِیهِ إِلَیْک" (آلعمران3: 44)، وهذا لا یجوز لأنها تخرج من معنى البشارة لمریم» (الطبرسی، 1425هـ،ج2، ص297)، ولم یأت ببیان لأثر هذه الوجوه الإعرابیة فی قسم المعنى. والمعنى قد یکون اختار قول الطبری حیث یقول: وهذا ابتداء خبر من الله $ لمریم ما هو فاعل بالولد الذی بشرها به من الکرامة ورفعة المنزلة والفضیلة، فقال: کذلک الله یخلق منک ولدا، من غیر فحل ولا بعل، فیعلمه الکتاب، وهو الخط الذی یخطه بیده والحکمة، وهی السنة التی یوحیها إلیه فی غیر کتاب والتوراة، وهی التوراة التی أنزلت على موسى، کانت فیهم من عهد موسى A وإنجیل عیسى A ولم یکن قبله، ولکن الله أخبر مریم قبل خلق عیسى A أنه موحیه إلیه. وإنما أخبرها بذلک فسماه لها ، لأنها قد کانت علمت فیما نزل من الکتب أن الله باعث نبیا، یوحى إلیه کتابا اسمه الإنجیل، فأخبرها الله $ أن ذلک النبی 9 الذی سمعت بصفته الذی وعد أنبیاءه من قبل أنه منزل علیه الکتاب الذی یسمى إنجیلا هو الولد الذی وهبه لها وبشرها به. وبنحو ما قلنا فی ذلک قال جماعة من أهل التأویل. ـ ]وَالَّذِینَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشةً أَوْ ظلَمُوا أَنفُسهُمْ ذَکَرُوااللَّهَ فَاستَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن یَغْفِرُ الذُّنُوب إِلا اللَّهُ وَلَمْ یُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ یَعْلَمُونَ[ (آل عمران3: 135). قال الطبرسی فی قسم الإعراب لهذه الآیة: «"وَالَّذِینَ" عطف على "المُتَّقِینَ" (آل عمران3: 133), وقیل رفع على الاستئناف کأنه عطف جملة على جملة فعلى القول الأول هم فرقة واحدة وعلى القول الثانی هم فرقتان ویجوز أن یکون راجعا إلى الأولین ویکون محله رفعا على المدح» (الطبرسی،1425هـ،ج2، ص 394)، ولم یأت ببیان لأثر الإعراب فی قسم المعنى ولکنه یبدو أنه اختار العطف. وقال الطبری: قال أبو جعفر: یعنی بقوله جل ثناؤه: «والذین إذا فعلوا فاحشة»، أن الجنة التی وصف صفتها أعدت للمتقین، المنفقین فی السراء والضراء، والذین إذا فعلوا فاحشة. وجمیع هذه النعوت من صفة «المتقین» الذین قال تعالى ذکره: ]وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِینَ[، کما حدثنا الحسن بن یحیى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا جعفر بن سلیمان، عن ثابت البنانی قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآیة: ]الَّذِینَ یُنْفِقُونَ فِی السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْکَاظِمِینَ الْغَیْظَ وَالْعَافِینَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ[، ثم قرأ: ]والذین إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذکروا الله فاستغفروا لذنوبهم[ إلى «أجر العاملین»، فقال: إن هذین النعتین لنعت رجل واحد. ـ ]وَلَئن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإلى اللَّهِ تحْشرُونَ[(آل عمران3: 158) قال الطبرسی فی قسم الإعراب لهذه الآیة:«واللام فی قوله "وَلَئن مُّتُّمْ" تحتمل أمرین (أحدهما) أن یکون خلفا من القسم ویکون اللام فی قوله "لإلى اللَّهِ" جوابا کقولک "والله إن متم أو قتلتم لتحشرون إلى الله" و(الثانی) أن تکون مؤکدة لما بعدها کما تؤکد "أنَّ" ما بعدها وتکون الثانیة جوابا لقسم محذوف والنون لا بد منها فی الفعل المضارع مع لام القسم لأن القسم أحق بالتأکید من کل ما یدخله النون من جهة أن ذکر القسم دلیل على أنه من مواضع التأکید» (الطبرسی،1425هـ،ج2، ص424 ـ 425)، ولم یأت فی قسم المعنى ببیان لأثر هذین الإعرابین. أما قول المفسرین فی قسم المعنى: "وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فی سَبِیلِ الله أَوْ مُتُّمْ" شروعٌ فی تحقیق أن ما یحذرون ترتُّبَه على الغزو والسفر من القتل والموتِ فی سبیل الله تعالى لیس مما ینبغی أن یُحذر، بل مما یجب أن یتنافسَ فیه المتنافسون إثرَ إبطالِ ترتُّبِه علیهما قال الفخر: قوله تعالى: ]وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِی سَبِیلِ الله أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله وَرَحْمَةٌ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ[. قال الواحدی رحمه الله: اللام فی قوله: "وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ" لام القسم، بتقدیر الله لئن قتلتم فی سبیل الله، واللام فی قوله: "لَمَغْفِرَةٌ مّنَ الله وَرَحْمَةٌ" جواب القسم، ودال على أن ما هو داخل علیه جزاء، والأصوب عندی أن یقال: هذه اللام للتأکید، فیکون المعنى إن وجب أن تموتوا وتقتلوا فی سفرکم وغزوکم، فکذلک یجب أن تفوزوا بالمغفرة أیضا، فلماذا تحترزون عنه کأنه قیل: إن الموت والقتل غیر لازم الحصول، ثم بتقدیر أن یکون لازمًا فإنه یستعقب لزوم المغفرة، فکیف یلیق بالعاقل أن یحترز عنه؟. قال الطبری: یخاطب جل ثناؤه عباده المؤمنین، یقول لهم: لا تکونوا، أیها المؤمنون، فی شک من أن الأمور کلها بید الله، وأن إلیه الإحیاء والإماتة، کما شک المنافقون فی ذلک، ولکن جاهدوا فی سبیل الله وقاتِلوا أعداء الله على یقین منکم بأنه لا یقتل فی حرب ولا یموت فی سفر إلا من بلغ أجله وحانت وفاته. ثم وعدهم على جهادهم فی سبیله المغفرة والرحمةَ، وأخبرهم أن موتًا فی سبیل الله وقتلا فی الله، خیر لهم مما یجمعون فی الدنیا من حُطامها ورغید عیشها الذی من أجله یتثاقلون عن الجهاد فی سبیل الله، ویتأخرون عن لقاء العدو. ـ ]وَلا یَحْزُنک الَّذِینَ یُسارِعُونَ فی الْکُفْرِ إِنَّهُمْ لَن یَضرُّوا اللَّهَ شَیْئاً یُرِیدُ اللَّهُ أَلا یجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فی الاَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ[(آل عمران3: 176) قال الطبرسی فی قسم الإعراب لهذه الآیة:«قوله "شیْئاً" نصب على أنه وقع موقع المصدر ویحتمل أن یکون نصبا بحذف الباء کأنه قال بشیء مما یضر به کما یقال ما ضررت زیدا شیئا من نقص مال ولا غیره» (الطبرسی،1425هـ،ج2، ص452)، ولم یأت فی قسم المعنى ببیان لأثر الإعراب. قال الطبری: إنهم لن یضروا الله شیئا أی لا ینقصون من ملک الله وسلطانه شیئا; یعنی لا ینقص بکفرهم. وکما روی عن أبی ذر عن النبی 9 فیما روى عن الله تبارک وتعالى أنه قال: یا عبادی إنی حرمت الظلم على نفسی وجعلته بینکم محرما فلا تظالموا. یا عبادی کلکم ضال إلا من هدیته فاستهدونی أهدکم. یا عبادی کلکم جائع إلا من أطعمته فاستطعمونی أطعمکم. یا عبادی کلکم عار إلا من کسوته فاستکسونی أکسکم. یا عبادی إنکم تخطئون باللیل والنهار وأنا أغفر الذنوب جمیعا فاستغفرونی أغفر لکم. یا عبادی إنکم لن تبلغوا ضری فتضرونی ولن تبلغوا نفعی فتنفعونی. یا عبادی لو أن أولکم وآخرکم وإنسکم وجنکم کانوا على أتقى قلب رجل واحد منکم ما زاد ذلک فی ملکی شیئا. یا عبادی لو أن أولکم وآخرکم وإنسکم وجنکم کانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلک من ملکی شیئا. یا عبادی لو أن أولکم وآخرکم وإنسکم وجنکم قاموا فی صعید واحد فسألونی فأعطیت کل إنسان مسألته ما نقص ذلک مما عندی إلا کما ینقص المخیط إذا أدخل البحر. یا عبادی إنما هی أعمالکم أحصیها لکم ثم أوفیکم إیاها فمن وجد خیرا فلیحمد الله ومن وجد غیر ذلک فلا یلومن إلا نفسه. خرجه مسلم فی صحیحه والترمذی وغیرهما، وهو حدیث عظیم فیه طول یکتب کله. وقیل: معنى لن یضروا الله شیئا؛ أی لن یضروا أولیاء الله حین ترکوا نصرهم إذ کان الله $ ناصرهم. وقد یکون هذا المعنى المتفق علیه. ـ ]لَکِنِ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تجْرِی مِن تحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَیرٌ لِّلأَبْرَارِ[(آل عمران3: 198): قال الطبرسی فی قسم الإعراب لهذه الآیة:«و"نُزُلاً" مصدر مؤکد أیضا مثل ما تقدم ذکره فی قوله: "ثَوَاباً مِّنْ عِندِ اللَّهِ" (آل عمران3: 195)، لأن خلودهم فی الجنة إنزالهم فیها فصار کأنه قال نزلوها نزلا وهو بمعنى أنزلوها إنزالا وقیل هو نصب على التفسیر, کما یقال هو لک هبة أو صدقة عن الفراء» (الطبرسی،1425هـ،ج2، ص479)،ولم یأت فی قسم المعنى ببیان لأثر الإعراب. الشرح: ذکر النحاة فی إعراب "نُزُلاً"ثلاثة أوجه: الأوّل: وهو قول الفرّاء: أن یکون منصوباً على التفسیر؛ أی التمییز. الثانی: أن یکون منصوباً على المصدر المؤکد لما قبله وهذا هو الوجه الذی نقله مکی عن البصریین (المصدر نفسه، ص 142). الثالث: وهو قول الکسائی: أن یکون منصوباً على القطع،أی الحال. ویبدو أن الوجه الثانی هو أوجه الأوجه. یقول ابن کثیر بالنسبة للمعنى: وَهَکَذَا لَمَّا ذَکَرَ حَال الْکُفَّار فِی الدُّنْیَا وَذَکَرَ أَنَّ مَآلهمْ النَّار قَالَ بَعْده " لَکِنْ الَّذِینَ اِتَّقَوْا رَبّهمْ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِی مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِینَ فِیهَا نُزُلًا مِنْ عِنْد اللَّه وَمَا عِنْد اللَّه خَیْر لِلْأَبْرَارِ" وَقَالَ اِبْن مَرْدُوَیه: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن نَصْر حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِر سَهْل بْن عَبْد اللَّه أَنْبَأَنَا هِشَام بْن عَمَّار أَنْبَأَنَا سَعِید أَنْبَأَنَا یَحْیَى أَنْبَأَنَا عَبْد اللَّه بْن الْوَلِید الرُّصَافِیّ عَنْ مُحَارِب بْن دِثَار عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص عَنْ النَّبِیّ صَلَّى اللَّه عَلَیْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِنَّمَا سُمُّوا الْأَبْرَار لِأَنَّهُمْ بَرُّوا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء کَمَا أَنَّ لِوَالِدَیْک عَلَیْک حَقًّا کَذَا لِوَلَدِک عَلَیْک حَقّ " کَذَا رَوَاهُ اِبْن مَرْدُوَیه عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص مَرْفُوعًا وَقَالَ اِبْن أَبِی حَاتِم: حَدَّثَنَا أَبِی حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن جَنَاب حَدَّثَنَا عِیسَى بْن یُونُس عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْوَلِید الرُّصَافِیّ عَنْ مُحَارِب بْن دِثَار عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ: إِنَّمَا سَمَّاهُمْ الْأَبْرَار لِأَنَّهُمْ بَرُّوا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء کَمَا أَنَّ لِوَالِدَیْک عَلَیْک حَقًّا کَذَلِکَ لِوَلَدِک عَلَیْک حَقّ وَهَذَا أَشْبَه وَاَللَّه أَعْلَم. ثُمَّ قَالَ اِبْن أَبِی حَاتِم: حَدَّثَنَا أَبِی حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِیم حَدَّثَنَا هِشَام الدَّسْتُوَائِیّ عَنْ رَجُل عَنْ الْحَسَن قَالَ: الْأَبْرَار الَّذِینَ لَا یُؤْذُونَ الذَّرّ. وَقَالَ اِبْن أَبِی حَاتِم أَیْضًا حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سِنَان حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِیَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ خَیْثَمَة عَنْ الْأَسْوَد قَالَ عَبْد اللَّه یَعْنِی اِبْن مَسْعُود مَا مِنْ نَفْس بَرَّة وَلَا فَاجِرَة إِلَّا الْمَوْت خَیْر لَهَا لَئِنْ کَانَ بَرًّا لَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى" وَمَا عِنْد اللَّه خَیْر لِلْأَبْرَارِ "وَکَذَا رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ الثَّوْرِیّ عَنْ الْأَعْمَش بِهِ وَقَرَأَ "وَلَا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِی لَهُمْ خَیْر لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِی لَهُمْ لِیَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَاب مُهِین" وَقَالَ اِبْن جَرِیر حَدَّثَنِی الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا إِسْحَاق حَدَّثَنَا اِبْن أَبِی جَعْفَر عَنْ نُوح بْن فَضَالَة عَنْ لُقْمَان عَنْ أَبِی دَاوُدَ أَنَّهُ کَانَ یَقُول: مَا مِنْ مُؤْمِن إِلَّا وَالْمَوْت خَیْر لَهُ وَمَا مِنْ کَافِر إِلَّا وَالْمَوْت خَیْر لَهُ وَمَنْ لَمْ یُصَدِّقنِی فَإِنَّ اللَّه یَقُول" وَمَا عِنْد اللَّه خَیْر لِلْأَبْرَارِ "وَیَقُول" وَلَا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِی لَهُمْ خَیْر لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِی لَهُمْ لِیَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَاب مُهِین. وقد یکون الطبرسی اختار الوجه الثانی للإعراب. ـ ]یَاأَهْلَ الْکتَابِ لا تَغْلُوا فی دِینِکمْ وَلا تَقُولُوا عَلى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِیحُ عِیسى ابْنُ مَرْیَمَ رَسولُ اللَّهِ وَکلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلى مَرْیَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَیراً لَّکمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سبْحَانَهُ أَن یَکُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فی السمَوَاتِ وَمَا فی الأَرْضِ وَکَفَى بِاللَّهِ وَکیلاً[ (النساء4: 171). الموضع الأول: ]انتَهُوا خَیراً لَّکمْ[: قال الطبرسی فی قسم الإعراب لهذه الآیة: ]انتَهُوا خَیراً لَّکمْ[ قد ذکرنا وجه النصب فی "خَیراً" فیما قبل (فی الآیة السابقة)» (الطبرسی،1425هـ،ج3، ص 246). الشرح: کلمة "خَیراً" منصوبة على ثلاثة أقوال: الأول: مفعول به لفعل محذوف واجب الإضمار، وفیه أنه لما بعثهم الله تعالى على الإیمان والانتهاء عن الکفر وعقیدة التثلیث،علم أنه یحملهم على أمر فیه خیر لهم، فقال: "خَیراً لَّکمْ" أی:اقصدوا أو ائتوا أمراً خیراً لکم مما أنتم فیه من الکفر والتثلیث؛ أی: إنه لما نهاهم عن الکفر والتثلیث فهو یرید إخراجهم من الأمر الذی هم علیه،وإدخالهم فیما هو خیر منه. الثانی: نعت لمصدر محذوف، وتقدیر الکلام:"انتهوا انتهاءً خیراً لکم". الثالث:خبر "کان" المضمرة، وتقدیر الکلام:"انتهوا یکُن الانتهاءُ خیراً لکم". ورُدَّ هذا القول بأن "یکن" المقدرة هی جواب شرط محذوف، فیکون المحذوف هو الشرط وجوابه؛ لأن التقدیر:"إن تنتهوا یکن الانتهاء خیراً لکم" فیکون قد حذف الشرط وهو "إن تنتهوا"، وجوابه "یکن الانتهاء"، وأبقى معمول الجواب وهو "خَیراً". فی حین اعتبر الشوکانی أن أقوى تلک الأقوال هو القول الثالث ولکن الطاهر ابن عاشور لم یعتد بأی قول من تلک الأقوال، ورأى أن "خَیراً"منصوبة على الحال، فقال: «وعندی: أنه منصوب على الحال من المصدر الذی تضمنه الفعل وحده أو مع حرف النهی، والتقدیر: فآمنوا حال کون الإیمان خیراً لکم، وحسبک حال کون الاکتفاء خیراً،ولا تفعل کذا حال کون الانتهاء خیراً، وعود الحال إلى مصدر الفعل فی مثله، کعود الضمیر إلیه فی قوله: ]اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَب لِلتَّقْوَى[(المائدة5: 8)، لا سیما وقد جرى هذا مجرى الأمثال، وشأن الأمثال قوة الإیجاز». قال ابن هشام:«"انتَهُوا خَیراً لَکم" فیها حذف الفعل أی وأتوا خیرا وقال الکسائی: یکن الانتهاء خیرا, وقال الفرّاء: الکلام جملة واحدة و"خَیراً" نعت لمصدر محذوف، أی انتهاءً خیراً» (الأنصاری، 1371 هـ.ش، ب 5، ص828). وقال الطبرسی فی قسم المعنى لهذه الآیة:«"انتَهُوا" عن هذه المقالة الشنیعة أی امتنعوا عنها "خَیراً لَّکمْ" أی ائتوا بالانتهاء عن قولکم خیرا لکم مما تقولون» (الطبرسی،1425هـ،ج3، ص 249)،فاختار فی المعنى قول الخلیل وجمیع البصریین کما مضى فی الآیة السابقة. الموضع الثانی:]أَن یَکُونَ[ وقال الطبرسی فی قسم الإعراب لهذه الآیة أیضاً:«و"أَن یَکُونَ" فی موضع نصب أی سبحانه من أن یکون فلما حذف حرف الجر وصل إلیه الفعل فنصبه ـ على قول سیبویه وجمیع البصریین ـ وقیل فی موضع جر ـ على قول الخلیل والکسائی ـ وقد مر نظائره» (الطبرسی،1425هـ،ج3، ص 246)، ولم یأت ببیان لأثر الإعراب فی قسم المعنى. وقد اتفق العلماء فی معنى هذه الآیة وقال الزمخشری: «فی تقدیر مذهب سیبویه فی نصبه لما بعثهم على الإیمان یعنی فی قوله: "فآمنوا خیرا لکم" وعلى الانتهاء عن التثلیث یعنی فی قوله: انتهوا خیرا لکم، علم أنه یحملهم على أمر فقال: خیرا لکم: اقصدوا واتوا خیرا لکم مما أنتم فیه من الکفر والتثلیث، وهو الإیمان والتوحید» (الزمخشری ،1407ق،ج1, ص273). وهو تقدیر سیبویه فی الآیة. ـ ]إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَالَّذِینَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الاَخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ[ (المائدة5: 69) قال الطبرسی فی قسم الإعراب لهذه الآیة: اختلف فی وجه ارتفاع قوله "الصَّابِئُونَ" فقال الکسائی هو نسق على ما فی "هَادُوا" قال الزجاج وهذا خطأ من جهتین (إحداهما) أن الصابىء على هذا القول یشارک الیهودی فی الیهودیة ولیس کذلک فإن الصابىء غیر الیهودی [...] والجهة الأخرى أن العطف على الضمیر المرفوع من غیر توکید قبیح وإنما یأتی فی ضرورة الشعر [...] وقال سیبویه والخلیل وجمیع البصریین إن قوله "وَالصَّابِئُونَ" محمول على التأخیر ومرفوع بالابتداءوالمعنى إن الذین آمنوا والذین هادوا من آمن منهم بالله إلى آخره والصابئون والنصارى کذلک أیضا أی من آمن منهم بالله والیوم الآخرفلا خوف علیهم، وأنشدوا قول بشر بن حازم:
والمعنى فاعلموا إنا بغاة ما بقینا فی شقاق وأنتم أیضا کذلک وقول ضابىء البرجمی:
أی فإنی بها غریب وقیارکذلک (الطبرسی،1425هـ،ج3، ص384). الشرح: تحتمل کلمة "الصَّابِئُونَ"أربعة أوجه إعرابیة: الأول:أنها معطوفةٌ على الضمیر المرفوع فی "هَادُوا"،فیکون المعنى:إنَّ الذین آمنوا والذین هادوا هم والصابئون مَن آمن بالله والیوم الآخر فلا خوفٌ علیهم ولا هم یحزنون، وهذا المعنى بعیدٌ؛ لأنَّ الصابئ فی هذا القول یشارک الیهودی فی الیهودیة،ولیس کذلک، فإن الصابئ غیر الیهودی. قال الشوکانی فی ردِّ هذا الوجه: "أنَّ المعطوف شریک المعطوف علیه، فیصیر المعنى: "إنَّ الصابئین قد دخلوا فی الیهودیة، وهذا محالٌ". الثانی:أنها مبتدأ، والخبر محذوف لدلالة خبر "إِنَّ"علیه، والنیة به التأخیر عما فی حیز "إِنَّ"من اسمها وخبرها، فیکون المعنى: إنَّ الذین آمنوا والذین هادوا والنصارى مَن آمن بالله والیوم الآخر فلا خوفٌ علیهم ولا هم یحزنون، والصابئون کذلک مَن آمن منهم بالله والیوم الآخر فلا خوفٌ علیهم ولا هم یحزنون. وفی هذا المعنى إشارةٌ إلى أنهم لیسوا أهل کتاب سماویٍّ کالمسلمین وأهل الکتاب،ولیسوا محافظین وملتزمین بدین،وعلیه فلم یکن هناک حاجةٌ لتأکید الحکم لهم وهو عدم الخوف والحُزْن؛ لذلک أخَّرهم، ومما یؤید ذلک معنى "الصابئین" حیث إنهم الذین یخرجون مِن دینٍ إلى دین، فلیس لهم استقرار على دینٍ بعینه. الثالث: أنها معطوفةٌ على محل اسم "إِنَّ"، فیکون المعنى: إنَّ الذین آمنوا والذین هادوا والصابئون والنصارى مَن آمن منهم الإیمان الکامل، وآمن بالیوم الآخر،وعمل العمل الصالح، فلا خوفٌ علیهم مِن أهوال یوم القیامة، ولا هم یحزنون على ما ترکوه وراءهم فی الدنیا, فالمعنى بناءً على هذا الوجه الإعرابی على بابه، ولیس فیه تقدیمٌ ولا تأخیر، فیکون مطابقا للترتیب الذی ورد فی کلام الله تعالى، وعلیه فیکون المعنى المستفاد منه هو عکس ما جاء فی المعنى الثانی، وهو أن الصابئین بما أنهم لیسوا أهل کتاب، ولیسوا أهل دینٍ محافظین علیه وملتزمین به، کان مَظِنَّة عدم إشراکهم فی الحکم معَ أهل الکتب السماویة، لذلک حَسُن أن یُنَبهَّ السامع على ذلک، وأنَّ حکمهم کحکم المسلمین والیهود والنصارى فی تعلیق نفی الخوف والحزن عنهم یوم القیامة بشرط الإیمان، والعمل الصالح. الرابع: أنها معطوفةٌ على محل اسم "إِنَّ" على أن خبر "الصَّابِئُونَ" محذوف دون أنْ ینوی به التأخیر، فیکون المعنى: إنَّ الذین آمنوا والذین هادوا مَن آمن بالله والیوم الآخر فلا خوفٌ علیهم ولا هم یحزنون، والصابئون والنصارى، فهذا المعنى على حذف خبر "الصَّابِئُونَ"وهو قریبٌ مِن المعنى الثالث، لکن قد یکون أضعف فی الدِّلالة على دخولهم فی الحُکْم لعدم وجود الخبر. یری الفرّاء أن "الصَّابِئُونَ"مرفوع لأنه معطوف على "الَّذِینَ" و"الَّذِینَ"مبنی لا یظهر الإعراب فیه، ویرى أیضاً أنَّ "إنَّ" ضعیفة فی التأثیر، فهی تؤثر فی الاسم دون الخبر، وأما الخبر فإنه بقی مرفوعا بکونه خبر المبتداء، ولیس لهذا الحرف فی رفع الخبر تأثیر, فـَ"إنَّ" یظهر أثرها فی بعض الأسماء، أما الأسماء التی لا تتغیر حالها عند اختلاف العوامل فلا یظهر أثر هذا الحرف فیها. ولذلک لا یظهر فی "الَّذِینَ" أثر الرفع والنصب والخفض، ویرى أنها لا تؤثر فی الاسم المعطوف، إذا کان اسمها لا تظهر علیه علامة الإعراب، ویستشهد بقول ضابئ بن الحارث البرجمیّ:
ویجوز فیه الرفع والنصب:وفی رأیه أن (قیّار)مرفوع لأنه معطوف على الضمیر. والضمیر مبنی لا إعراب لها. وهذا السبب سهل ویجری حول "الصَّابِئُونَ"فی هذه الآیة،لأن "الَّذِینَ"على أیة حال لا یظهر الرفع فیه. لا یجوز عند سبیویه فی العطف قبل خبر "أن" إلا النصب، فقال سیبویه: «واعلم أن ناساً من العرب یغلطون فیقولون: إنهم أجمعون ذاهبون، وإنک وزید ذاهبان، وذاک أن معناه معنى الإبتداء» (سیبویه، 1410 هـ، 1 ـ 202). وأما قوله فی هذه الآیة «ارتفع "الصَّابِئُونَ" بالابتداء على نیة التأخیر فی حیز "إِنَّ" من اسمها وخبرها، واستشهد بقول بشر بن أبی حازم:
أی فاعلموا أنا بغاهٌ وأنتم کذلک. والکسائی یتعین الرفع عنده فی العطف على اسم "إن" قبل خبرها دون أی تقیید» (الأشمونی، 1375 هـ، ج 1، ص143). یذکر لقوله "الصَّابِئُونَ"وجهین من الإعراب: الوجه الأول: أنه معطوف على موضع اسم "إن"،لأنه قبل دخول "إن" کان فی موضع رفع. والوجه الثانی: هو معطوف على المضمر فی "هَادُوا"، ولکنه خطأ من جهتین: إحداهما: أن المضمر المرفوع یقبح العطف علیه حتى یؤکد، والجهة الأخرى: أن المعطوف شریک المعطوف علیه، فیصیر المعنى: أن الصابئین قد دخلوا فی الیهودیة وهذا محال (القرطبی، 1387 هـ، ج 6، ص246؛ والنحاس ، 1426 هـ، ص 292). یوجد فی العطف على اسم "إنَّ" بالرفع قبل مجیء الخبر ثلاثة مذاهب: الأول: مذهب البصریین فی العطف على اسم "إنَّ" إذا لم یذکر الخبر تعین النصب، فلا یحمل على المحل عندهم إلا عند مضی الخبر، فلا یجوز عندهم "إن زیداوعمرو قائمان" لأن العامل فی خبر المبتدأ عند جمهورهم الابتداء والعامل فی الخبر "إنَّ" فیکون "قائمان" خبرا عن "زید" و"عمرو" معا،فیعمل عاملان مختلفان مستقلان فی العمل رفعا واحدا فیه، وذلک لا یجوز، لأن عامل النحو عندهم کالمؤثر الحقیقی. الثانی: مذهب الکسائی وهو جواز العطف على اسم "إنَّ" على الإطلاق، سواء تبین غیر عمل "إنَّ" أو لم یتبین. وسبب تجویز الکسائی ذلک أن العامل عنده فی خبر "إنَّ" ما کان عاملا فی خبر المبتدأ لأن "إنَّ" وأخواتها لا تعمل عند الکوفیین فی الخبر، فالعمل فی خبر "إنَّ" اسمها،لأن المبتدأ والخبر یترافعان عنده. الثالث: مذهب الفراء وهو إن خفی إعراب الاسم بکونه مبنیا أو معربا مقدر الإعراب، جاز الحمل على المحل قبل مضی الخبر، والا فلا،لأنه لا ینکر فی الظاهر،کما أنکر مع ظهور الإعراب فی المعطوف (الاسترأباذی، 1419 هـ، ج 4، ص3171،والأنباری، 1418هـ ، ص95،والأشمونی، 1375 هـ، ج1، ص143؛ والخضری، 1424 هـ، ج1، ص269). وأما قوله "الصَّابِئُونَ"فیجوز فیه وجهان: الأول:فهو مرفوع على العطف على موضع "إنَّ" وما عملت فیه، وخبر "إنَّ" منوی قبل قوله "الصَّابِئُونَ"فلذلک جاز العطف على الموضع،والخبر هو "مَنْ آمَنَ"ینوی به التقدیم فحق "الصَّابِئُونَ"أن یقع بعد "یَحْزَنُونَ"وإنما احتیج إلى هذا التقدیرلأن العطف فی "إنَّ" على الموضع لا یجوز إلا بعد تمام الکلام وانقضاء اسم "إنَّ" وخبرها، فعطف "الصَّابِئُونَ"على موضع الجملة. والثانی:أن تجعل قوله "الصَّابِئُونَ"مبتدأ والخبر محذوف، ویکون "مَنْ آمَنَ"فی موضع خبر "إنَّ" ویکون فی هذا الوجه تقدیم المعطوف على ما عطف علیه, لأن قوله: "والصَّابِئُونَ"على هذا،جملة معطوفة على الجملة من "إنَّ" واسمها وخبرها،کما یجوز تقدیم المعطوف على المعطوف علیه (القیسی، 1362ش، ج 1، ص238 ـ 237؛ والإشبیلی، 1402هـ، ج1، ص452). وخلاصة الکلام: أن العطف على اسم "إنَّ" قبل مجیء خبرها من المسائل التی أتى بها الأنباری فی ذکر الخلاف بین البصریین والکوفیین إذا عطف على اسم "إنَّ" قبل مجیء الخبر، ولا یجوز فیه إلا النصب عند البصریین. والکوفیون ذهبوا إلى أنه یجوز العطف على موضع "إنَّ" قبل تمام الخبر، واختلف نحاة الکوفة فی الجواز، فقال الکسائی: «یجوز على کل حال» وقیده الفراء فیما لم یظهر فیه عمل "إنَّ" (الأنباری ، 1380 هـ، ج1، ص186 ـ 185). ویبدو أن الأرجح هو قول سیبویه فی العطف على اسم "إنَّ" لأنه لو ارتفع المعطوف على محل "إنَّ" واسمها لکان العامل فی خبرها هو المبتدأ ولو کان کذلک لکان العامل فی خبرهما هو الابتداء لأن الابتداء هو المؤثر فی المبتدأ والخبر معا،وحینئذ یلزم فی الخبر المتأخر أن یکون مرفوعا بحرف "إنَّ" وبمعنى الابتداء فیجتمع على المرفوع الواحد رافعان مختلفان وإنه محال (الرازی، د.ت، ج 12، ص53 ـ 52؛ الزمخشری، 1415هـ، ج1، ص661). والوجه الحسن فی قوله "الصَّابِئُونَ"أن یکون مبتدأ وخبره "مَنْ آمَنَ" إذ لیس فیه أکثر من حذف خبر "إنَّ" لفهم المعنى. ولا یستحسن ارتفاع المعطوف على العطف على محل "إنَّ واسمها" قبل ذکر الخبر لأنه لو رفعناه على محل "إنَّ واسمها" لکان العامل فی الخبر هنا هو المبتدا، ولو کان کذلک لکان العامل فی خبرهما هو الابتداء لأن الابتداء هو المؤثر فی المبتدأ والخبر معا وحینئذ یلزم فی الخبر المتأخر أن یکون مرفوعا بحرف "إنَّ" وبمعنى الابتداء فیجتمع على المرفوع الواحد رافعان مختلفان وإنه محال. ویقول الخضری فی هذه الآیة :«وفی الآیة لیس عطف بل المرفوع مبتدأ محذوف خبره لدلالة خبر "إنَّ" علیه فحذف من الثانی لدلالة الأول کما هو الکثیر ولا یلزم حینئذ العطف قبل تمام المعطوف وتمام جملة "إنَّ" فی النیة بملاحظة تقدیم خبرها أو أن الخبر المذکور خبر عن المرفوع وخبر "إنَّ" محذوف، وإن کان الحذف من الأول لدلالة الثانی قلیلاً» (حاشیة الخضری،1424هـ،ج1, ص269). قال ابن هشام:«أحد من أقسام العطف، العطف على المحلّ نحو: "لیس زید بقائم ولا قاعدا" بالنصب، وله عنده المحققّین ثلاثة شروط: أحدها إمکان ظهوره فی الفصیح، ألا ترى أنّه یجوز فی "لیس زید بقائم" و"ما جاءنی مِن امرأة" أن تسقط الباء فنتصب و"مِن" فترفع وعلى هذا فلا یجوز "مررت بزید وعمرا" خلافا لابن جنّی، لأنه لا یجوز "مررت زیدا" وأمّا قوله:
فضرورة ولا تختص مراعاة الموضع بأن یکون العامل فی اللفظ زائداً کما مثلنا، بدلیل قوله:
وأجاز الفارسی فی قوله تعالى: «وأُتْبعوِا فِی هَذِهِ الدُّنیَا لَعْنةً وَیَوْمَ القیامِةª (هود 11: 60) أن یکون "یَومَ القیامِة: عطفا على محلّ "هَذِهِ" لأنّ محلّه النصب. الثانی: أن یکون الموضع بحقّ الأصالة، فلا یجوز "هذا ضارب زیدا وأخیه" لأنّ الوصف المستوفی لشروط العمل الأصل إعماله لا إضافته لالتحاقه بالفعل، وأجازه البغدادیون. والثالث: وجود المحرز، أی الطالب لذلک المحل، وابتنی على هذا امتناع مسائل: إحداها: "إن زید أوعمرو قائمان" وذلک لأنّ الطالب لرفع "زید" هو الابتداء والابتداء هو التجرّد، والتجرّد قد زال بدخول "إنَّ". والثانیة: "إنّ زیدا قائم وعمرو" إذا قدّرت عمرا معطوفا على المحلّ، لا مبتدأ وأجاز هذه بعض البصریین، لأنّهم لم یشترطوا المحرز، وإنّمامنعوا الأولى لمانع آخر، وهو توارد عاملین: "إنّ" و"الابتداء" على معمول واحد وهو الخبر، وأجازهما الکوفیون، لأنّهم لا یشترطون المحرز، ولأنّ "إنَّ" لم تعمل عندهم فی الخبر شیئا، بل هو مرفوع بما کان مرفوعا به قبل دخولها، ولکن شرط الفرّاء لصحة الرفع قبل مجیء الخبر خفاءإعراب الاسم، لئلا یتنافر اللفظ، ولم یشترطه الکسائی، کما أنّه لیس بشرط بالاتفاق فی سائر مواضع العطف على اللفظ وحجتّهما قوله تعالى: «إنَّ الَّذینَ آمَنُوا وَالَّذینَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَª الآیة وقولهم "إنّک وَزیدٌ ذاهبانِ" وأجیب عن الآیة بأمرین: أحدهما: أنّ خبر "إنَّ" محذوف، أی مأجورون أو آمنون أو فرحون، و"الصَّابِئُونَ" مبتدأ وما بعده الخبر ویشهد له قوله:
ویضعفه أنّه حذف من الأوّل لدلالة الثانی، وإنّما الکثیر العکس، والثانی: أنّ الخبر المذکور لـِ"إنَّ" وخبر "الصَّابِئُونَ" محذوف، أی کذلک ویشهد له قوله:
إذ لا تدخل اللام فی خبر المبتدأ حتّى یقدّم نحو: "لقائم زید" ویضعفه تقدیم الجملة المعطوفة على بعض الجملة علیها» (الأنصاری، 1371 هـ.ش ، ب 4, ص616 ـ 618). وقال ابن عطیة: «اختلف القراء فی إعراب الصابئین فی هذه الآیة فقرأ الجمهور "وَالصَّابِئُونَ" بالرفع وعلیه مصاحف الأمصار والقرّاء السبعة، وقرأ عثمان بن عفّان وعائشة وأبی بن کعب وسعید بن جبیر والجحدری "وَالصَّابینَ" وهذه قراءة بینّة الإعراب وقرأ الحسن بن أبی الحسن والزهری "وَالصَّابِیُونَ" بکسر الباء وضمّ الیاء دون همز، وأمّا قراءة الجمهور "الصَّابِئُونَ" فمذهب سیبویه والخلیل ونحاة البصرة أنّه من المقدّم الّذی معناه التأخیر وهو المراد به، کأنّه قال: إن الذِینَ آمَنُوا وَالذَّینَ هَادُوا من آمَنَ باللهِ والیوم الآخَرِ وَعمَلَ صالحاً فلا خوفٌ علیهم وَلا هُم یَحزَنونَ، والصابئونَ والنَّصارَى کذلک وأنشد الزجاّج نظیرا فی ذلک:
فقوله "وأنتم" مقدّم فی اللفظ مؤخّر فی المعنى أی وأنتم کذلک، وحکى الزجّاج عن الکسائی والفرّاء أنّهما قالا: "وَالصَّابِئُونَ" عطف على "الَّذینَ" إذ الأصل فی "الَّذینَ" الرفع وإذ نصب "إنَّ" ضعیف وخطأ الزجّاج هذا القول وقال: "إنَّ" أقوى النواصب، وحکی أیضا عن الکسائی أنّه قال "وَالصَّابِئُونَ" عطف على الضمیر فی "هَادُوا" والتقدیر: "هادوا هم والصابئون"، وهذا قول یردّه المعنى لأنّه یقتضی أنّ الصابئین هادوا» (الأندلسی، 1422 ق، ج 2, ص220). وقال أبوحیان:«وفی توجیه هذه القراءة [الصَّابِئُونَ] وجوه: أحدها: مذهب سیبویه والخلیل ونحاة البصرة: أنّه مرفوع بالابتداء، الوجه الثانی: أنّه معطوف على موضع اسم "إنَّ" لأنّه قبل دخول "إنَّ" کان فی موضع رفع، وهذا مذهب الکسائی والفرّاء. الوجه الثالث: أنّه مرفوع معطوف على الضمیر المرفوع فی "هَادُوا" وروی هذا عن الکسائی، الوجه الرابع: أن تکون "إنّ" بمعنى نعم حرف جواب، وما بعده مرفوع بالابتداء فیکون "وَالصَّابِئُونَ" معطوفا على ما قبله من المرفوع وهذا ضعیف، لأنّ ثبوت "أنَّ" بمعنى نعم فیه خلاف بین النحویین، وعلى تقدیر ثبوت ذلک من لسان العرب فتحتاج إلى شیء یتقدمّها یکون تصدیقا له، ولا تجیء ابتدائیة أوّل الکلام من غیر أن تکون جوابا لکلام سابق» (أبوحیان، 1420ق، ج 4، ص325). ولم یأت الطبرسی ببیان لأثر الإعراب فی قسم المعنى ولکن یبدو أنه قد اختار قول سیبویه والخلیل وجمیع البصریین وهو الوجه الثانی من الإعراب. وهناک نقطة هامة بالنسبة لمفردة "الصابئی": معظم المفسرین اقتبسوا المعنى من أصل الکلمة "صبأ" وهذا خطأ لأن "الصابئی" کلمة مندائیة آرامیة بمعنى "النضافة والدخول إلى الماء" والصابئون هم من أهل الکتاب موحدون لکن لأسباب کثیرة فسّر العلماء الکلمة بشکل خطأ، نرى بأن الطبرسی لم یأت بوجه إعراب لمعنى هذه الکلمة لکثرة ما دار علیها من نقاش. هم أصحاب کتاب وعندهم کتابهم المقدس "کنزربا" ویؤمنون بالله الأوحد لمن أکثر المفسرین لم یلتقوا بهم لأنهم یقطنون فی العراق وفی جنوب إیران، وقد أخذوا فکرة الصابئین من المخطئین.
الخاتمة 1ـ أثبتت الدراسة أن الطبرسی فی المواضع التی لم یلتزم بالوجه الإعرابی فی المعنى إما أنه لم یکن قانعاً بالمعنى الموجود عند المفسرین ککلمة "الصابئین" وإما قبل الرأی الکلی حیث کان إجماعاً من قبل المفسرین. 2ـ حاول الطبرسی فی بعض المواضع أن یحکی رأیه بشکل جزئی عبر الإعراب لکنه فی المعنى اتفق مع الطبری والنحویین الذین سبقوه. 3ـ أثبتت الدراسة أن المواضع التی لم یلتزم فیها الطبرسی بالوجه الإعرابی کلها کان محلا للنقاش ویبدو أنه تم الإجماع علیها. 4ـ أثبتت الدراسة أن الطبرسی من خلال حیادیته بالنسبة للمواضع التی لم یلتزم بها بیّن قدرته النحویة وقبول الرأی الآخر, فلم یکن مفسّرا لکل الآیات وقد اتفق مع بعض النحویین.
| |||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||
المصادر والمراجع µ القرآن الکریم
10. الأنباری،أبوالبرکات. (1427ق). الإنصاف فی مسائل الخلاف بین النحویین: البصریین والکوفیین. بیروت: المکتبة العصریة . 11. الجرجانی، علی بن محمد. (1419). التعریفات. بیروت: دار الفکر. 12. حسن، عباس. (د.ت). النحو الوافی. (ط2). مصر: دار المعارف. 13. الحصری، أبوإسحاق. (1372). زهرالآداب. (شرح: زکی مبارک). (ط2). المصر: مطبعة السعادة. 14. حمدان اللوح، عبدالسلام؛ وحمدی الدهشان،عبدالکریم. (1427). مباحث فی التفسیر الموضوعی نظریة وتطبیقا. (ط2). د.م: د.ن. 15. الحلبی، السمین. (1414). الدرالمصون فی علوم الکتاب المکنون. بیروت: دار الکتب العلمیة. 16. دمیاطی، عبدالغنی أحمد بن محمد. (1998). إتحاف فضلاء البشر فی القراءات الأربعة عشر. (تحقیق أنس مهرة). لبنان: دار الکتب العلمیة. 17. الرازی، إمام محمد فخرالدین. (1985). تفسیر الفخر الرازی المشتهر بالتفسیر الکبیر ومفاتیح الغیب. (ط3). بیروت: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع. 18. الزبیدی، محمد مرتضى. (1306). تاج العروس من جواهر القاموس. بیروت: دار مکتبة الحیاة. 19. زجاج إبراهیم بن السری. (1982). إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج. بیروت: دار الکتاب اللبنانی. 20. الزرکلی، خیر الدین (2002)، الأعلام، دار العلم للملایین. 21. الزمخشری، محمود بن عمر. (د.ت). الکشاف عن حقائق غوامض التنزیل وعیون الأقاویل فی وجوه التأویل. بیروت: دار الکتاب العربی. 22. السیوطی، جلال الدین (1989م). (تحقیق: عمر عبدالسلام تدمری). بیروت: دار الکتاب العربی. 23. ضیف، شوقی. (د.ت). تاریخ الأدب العربی. القاهرة: دار المعارف. 24. طاهری نیا، أحمد. (1390). «نقش علم نحو در دستیابى به قرائت صحیح قرآن». قرآن شناخت، شماره 7. 25. الطباطبائی،محمدحسین. (1417ق). المیزان فی تفسیرالقرآن. (ط5). قم: منشورات جامعة المدرسین. 26. الطبرسی،أبوعلی الفضل بن الحسن. (1988)، مجمع البیان فی تفسیر القرآن. بیروت: دار المعرفة. 27. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (1405). جوامع الجامع فی تفسیرالقرآن المجید. بیروت: دار الأضواء. 28. الطوسی، أبوجعفر محمد بن الحسن. (1409)، التبیان فی تفسیر القرآن. (تحقیق وتصحیح: أحمد حبیب قصیر العاملی). قم: مکتبة الإعلام الإسلامی. 29. العکبری، عبدالله. (1969). إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات. (تحقیق إبراهیم عطوة). مصر: مطبعة آلبابی. 30. القرطبی، أبوعبدالله محمد بن أحمد الأنصاری. (1380هـ 1961م). الجامع لأحکام القرآن. (ط2). بیروت: دار الفکر. 31. مسلم (د.ت). صحیح مسلم. مصر: مطبوعات محمد علی صبیح. 32. مصطفى إبراهیم وغیره. (د.ت). المعجم الوسیط. إستانبول: المکتبة الإسلامیة. 33. النحاس، أبوجعفر أحمد بن محمد بن اسماعیل. (1988). إعراب القرآن. (حققه زهیر غازی زاهد). (ط3). بیروت: عالم الکتب.
| |||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 3,936 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 430 |