
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,719 |
تعداد مقالات | 14,064 |
تعداد مشاهده مقاله | 34,074,025 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,644,921 |
طوباويّة الخيال في شعر سهراب سبهري وعبّاس بيضون (دراسة مقارنة) | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 3، دوره 4، شماره 7، دی 2012، صفحه 33-56 اصل مقاله (434.76 K) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
نویسندگان | ||
تورج زيني وند* 1؛ جهانگير اميري1؛ رضا کياني2 | ||
1استاديار دانشگاه رازي - کرمانشاه. | ||
2دانشجوي دکتراي دانشگاه رازي- کرمانشاه | ||
چکیده | ||
لو تصفحنا قصائد الشاعر الإيراني سهراب سبهري والشاعر اللبناني عبّاس بيضون، لوجدنا أنَّ الخيال الذي يعتمده الشاعران خيال واسع مرتبط بعوامل نفسية، وهذا الخيال المصوّر في ذهنهما يأتي في کثير من الأحيان بصورة سريالية في غصون الخيال الأدبي والرّمزي والعلمي. والذي يهمّنا من هذه الدراسة التطبيقية هو المحاولة لتلمّس الجانب الخيالي لدى الشاعرين؛ أي تلک الملکة الخالقة التي تستمدّ قوّتها من الحالات النفسيّة عند الشاعرين، لذلک يستهدف هذا البحث من خلال المنهج الوصفي ـ التحليلي في مدرسة أمريکية، إطلالة عامّة على طوباويّة الخيال عند الشاعرين، سهراب سبهري وعبّاس بيضون. فدراسة مثل هذا النوع تلزم الرّبط بين کلٍّ من التخيّل الطوباويّ والتأمّل في عالم ماوراء الطبيعة کعنصرين متداخلين ضمن اتجاه سهراب وعبّاس الشعري. والسّؤال الذي يُطرح هنا ونحاول الإجابة عنه، يلخّص فيما يلي: ما هو أهمّ الملامح المشترکة التي توجد في طوباويّة الخيال عند سهراب وعبّاس التي تحثّنا على المقارنة بين هذين الشاعرين؟ من النتائج المتوخاة من هذه الدراسة نرى أنَّ طوباويّة الخيال في شعر سهراب سبهري وعبّاس بيضون تنشأ عن ثأثّرهما العميق بالعوامل الروحانية المشترکة التي تبعث في ضميرهما ثورة عظيمة تجاه الظواهر الطبيعية التي انعکست عندهما في البُعد الرؤيوي المکتنز بشحنة صوفية؛ فإنَّ ما يميّز خيال الشاعرين ـ کونه قائماً على الطوباويّة الروحية والنفسية ـ توسّلُهما المُوَحَّد في المعنى واللفظ ـ دون أن يتأثر بعضهما ببعض ـ إلى دلالات مشترکة قائمة على توظيف الرموز الصوفية ورؤيتهما الطوباوية إلى اللون والمکان والزمان والحقائق العلمية. | ||
کلیدواژهها | ||
طوباویّة الخیال؛ الخیال الرّمزی؛ ذکریات الطفولة؛ الخیال العلمی؛ سهراب سبهری؛ عبّاس بیضون | ||
اصل مقاله | ||
1. التمهید عرَّف قدامةُ بن جعفر الشعر بأنّه «کلّ کلام موزون مقفّى یدلُّ على معنى» (د.ت، ص113). إلاّ أنَّ هذا التعریف للشعر یعتبر تعریفاً ناقصاً؛ لأنّه شوّه الشعر وسلب منه أهمّ خصائصه التی لابدَّ من توافرها فی العمل الشعری، وهی «العاطفة» و«الخیال» و«التصویر». فالتخیّل من الإفرازات الفکریة والإحساسات الذاتیة، ویعدُّ وسیلة أساسیّة لإقامة المشهد فی ذهن الشاعر والمتلقی؛ لأنَّ «التخیّل ینتج انفعالات وانطباعات تساعد على حدوث حالة القناعة والإذعان لدى المتلقی بحیث تؤید نفسه أو ترفض الفکرة التی تملیه علیه الشاعر بالطریقة اللاشعوریة؛ أی على مستوى اللاوعی وذلک فی ضوء المقولة النفسیة الأرسطویة التی تؤکد أنَّ الإنسان یتبع بحسب تخیّله أکثر مما یتبع عقله أو عمله» (عضفور، د.ت، ص246)، وهذا الاتباع یختلف بالنسبة للأدیب والمبدع، فالتخیّل الخاصّ بهم «یرکب الصّور النفسیّة المشحونة بالتجربة الانفعالیة بعضها إلى بعض، یولد منها نماذج مبتکرة حیّة» (الجسمانی، 2000م، ص65). فالخیال حلبةٌ واسعةٌ تعطی الحرّیة الکاملة للشاعر کی یرسم العالم الخیالیّ الذی یرغب فیه لیعکس به داخله وینقل به الیوتوبیا الذی یمثله؛ لأنَّ الشاعر «یخلع على الموضوعات والأشخاص فی محیط الصفات والهواجس والخصائص والأحاسیس التی تعتلج فی ذاته والتی تساوره فیضفى علیها من خیاله ومن رغباته ما یرید ومن ثمّ یلقی بها مجسمة إلى خارج ذاته» (المصدر نفسه، ص105). ومهما یکن من أمر، فإنَّ قدرة الشعراء على إبداع التصاویر المطبوعة موقوفة على أحاسیسهم ومشاعرهم، ثمّ یتولاّها الخیال بعد ذلک بخلقٍ جدیدٍ. فالخیال هو قدرة الشاعر على خلق الصور بالکلمات والجمل؛ لذلک یمکن لنا الربط بین الخیال وبین الشعر الذی یرتکز حول شعور الشاعر بنفسه وبما حوله شعوراً یدفع الإنسان الى الکشف عن خبایا نفس الشاعر. فی هذا الصَّدد، عندما نطرح سیکولوجیة الخیال فی الشعر، فإننا بذلک نرید الوصول إلى حقائق أوضحتها لنا دراسات علماء النفس من خلال الخیال والعاطفة والإبداع والارتباط بینها من خلال النصوص الشعریة، فهذا الموضوع یکشف لنا أن ما یسیطر على سیکولوجیة الخیال الشعری هو التوافق بین الرؤیة الصادقة والملکة المتخیلة. من هذا المنطلق، تسعى هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء ـ بالتحلیل والنقاش ـ على أثر الخیال الذی تبلور فی الأعمال الشعریة للشاعرین سهراب سبهری[1] وعبّاس بیضون[2]، وتخلص إلى التأکید على أنَّ قوة عاطفة الشاعرین والتی نتجت عن خیالهما کان لها الأثر الکبیر فی تمیز قصائدهما عن بعضهما. وقد تطرقت الدراسة إلى الحدیث عن الخیال ـ مصطلحاً نقدیاً ـ فی ثنایا کتب الأدب والنقد، وعند علماء النفس، علماً منها بأهمیّة الخیال فی الإبداع الشعری والأدبی بوجه عام، وامتدّ البحث بالحدیث عن الخیال فی أعمال سهراب وعبّاس الشعریة فی حقول مختلفة کالخیال الأدبی والحرکیّ والرّمزی والعلمی. فدراسة ظاهرة السیکولوجیة وتحدیدها فی النماذج المختارة من أشعار سهراب وعبّاس وتفسیر هذه النماذج الشعریة ضمن المبحثین التالین: تناولنا فی المبحث الأوّل سیکولوجیة التخیّل، وفی المبحث الثانی سریالیة التخیّل باعتبارهما العاملین الأساسیین فی عنصر الخیال عند هذین الشاعرین. فی سبیل هذه الإشارة التمهیدیة، یحاول هذا المقال أن یبحث عن طوباویّة الخیال فی شعر سهراب سبهری وعبّاس بیضون مستفیداً من المنهج الوصفی ـ التحلیلی، معتمداً على المدرسة الأمریکیة فی الأدب المقارن التی تسعى إلی البحث والمقارنة بین الشاعرین دون الاهتمام بالتأثیر والتأثّر بینهما کشرط للمقارنة. بعبارة أخرى، قد عمدنا فی بحثنا إلى مقارنة الخیال لهذین الشاعرین دون أیّ تفاعلٍ بینهما، والمنهج الذی ینسجم مع فحوى هذا المقال یعتمد على رؤیة الاتجاه الأمریکی فی الأدب المقارن التی لا تشترط فیها وجود علاقات فی المقارنة، ولکنّها تعنی بدراسة التشابهات والتخالفات بین الآداب، کما تعنی بمقارنة الأدب بالفنون والإنسانیات والعلوم البحتة. وأمّا البواعث التی دفعتنا إلى المقارنة بین الشاعرین سهراب سبهری وعبّاس بیضون من بین الکثیر من الشعراء الإیرانیین واللبنانیین فهی: 1- التشابه بین الشاعرین، ووجود ملامح من الأفکار التقریبیة بینهما، وتأثرهما العمیق بطوباویّة الخیال ودورها فی تصویر التصوف الکامن الذی یثیر فی ضمیر الشاعرین ثورة روحیة ونفسیة متشابهة دون أن یکون بینهما أیّ تفاعلٍ. 2- تمکّنهما الفائق فی ترسیم الصّور الخیالیة الانتزاعیّة حیث یمیّز هذه الصفة کلّ من یتدقّق فی أشعارهما، فطار لسهراب سبهری صیتُ الخیال فی الأدب الفارسی المعاصر کما دوّت شهرة خیال عباس بیضون الآفاق فی الأدب العربی. 3- إنَّ الناظر فی أشعار عباس بیضون من فتحة الخیال لا یلبث أن تعود به الذاکرة إلى أشعار سهراب سبهری؛ لأنَّهما یتخذان بخیالهما الواسع من الطبیعة نافذة یطلّان من خلالها على أسرار العالم بالمضامین المشترکة على أساس المفردات الموحدة فی المعنى واللفظ دون أن یتأثر بعضهما ببعض. فالطبیعة ورموزها المذهلة توفّر لهما الفرصة للغوص فی الأمور التی تحملهما إلى الأعمق سرّاً، إلى الأشد سحراً، إلى معنى الوجود العجیب، إلى الحیاة الداخلیة المستترة فی جوهر الأشیاء.
2. سوابق البحث رغم أهمیة الخیال فی شعر الشاعرین، سهراب سبهری وعبّاس بیضون، لا توجد مقالة تناول هذا الموضوع بالدراسة على المستوى التطبیقی. وأمّا على المستوى النظری وإن لم یهتمّ الکُتَّاب العرب لموضوع الخیال فی شعر عبّاس، ولکن اهتمّ الکُتَّاب الإیرانیون بهذا الموضوع فی شعر سهراب ضمن مقالات متعددة، منها: مقالة «التوحُّد فی صوفیات الشعر الفارسی على الضوء الخاصّ لشعر سهراب سبهری» للباحثین، أبی القاسم قوّام وعبّاس واعظ زادة، التی طبعت فی نشرة المطالعات العرفانیة بجامعة کاشان، ومقالة «دراسة ظاهرة النوستالوجی فی شعر سهراب سبهری» للدکتور مهدی شریفیان، التی طبعت فی نشرة الأدب الغنائی بجامعة سیستان، وکذلک، مقالة «دراسة نفسیة للون فی أشعار سهراب سبهری» للدکتور ناصر نیکوبخت وسیّد علی قاسمزادة، التی طبعت فی مجلة الأبحاث الأدبیة الإیرانیة. هذا البحث یمتاز بخصوصیة فریدة لم یزاوله أحدٌ من الباحثین؛ لأنَّ المقارنة بین الموهبة الخیالیة ودلالاتها فی البناء الشعری ضمن تجربة الشاعرین، سهراب سبهری وعبّاس بیضون تکشف عن عمق الرؤیة الإنسانیة، ویضعنا على مقربة من النصّ الشعری المعاصر فی شعر البلدین المختلفین، متحیاً لنا القدرة على الکشف عن رؤیة الشاعرین بطابعهما النفسی لقیمة الخیال، مما یضعنا أمام دراسة جدیدة فی بوتقة الشعر الحدیث، فعسى أن یرشد هذا المقال إلى بحوث تتصف بالجدارة والعمق.
3. الخیال فی النصّ الشعری وعلاقته بالإبداع الشعر صورة من الأدب الوجدانی الذی یوّفق فیه الشاعر بین مشاعره وبین الخیال صلحاً، فـ«الخیال هو التعبیر الأدبی عن الحقائق العلمیة أو التعبیر عن الحقیقة من وجهة نظر الأدیب من خلال وجدانه الخاصّ، لا کما یراها النّاس. ویلجأ إلیه الأدیب لأنَّه ترجمان عاطفته. فالتعبیر عن الحقیقة فی حدود الواقع المألوف لا یثیر الانتباه فی نفس القارئ، ولا یحقّق الإمتاع من الأسلوب، ولا یبرز عاطفة الأدیب. وهدف الأسلوب الأدبی هو الإثارة والتشویق مع إبراز العاطفة. فلو قلنا مثلاً: «فی ید الأدیب سیفٌ یحمی الوطن»، وکنّا نقصد بالسیف القلم فی ید الکاتب، نکون قد بالغنا فی تصویر أثر القلم الذی وصفناه بالسیف الذی یحمی الوطن، مما ساعد على إحداث التأثیر النفسی المطلوب. وهذا هو الخیال فی إحدى صوره الجزئیة البسیطة» (خورشا،1381هـ.ش، ص 24). إنَّ العلاقة بین الخیال والإبداع فی النصّ الشعری علاقةٌ دقیقةٌ لا یخفى على القارئ المتبصر الحصیف. فعندما نتحدث عن الإبداع ومدى ارتباطه بالخیال لدى الشعراء، فهذا یعنی أننا نرید الوصول إلى العمق الفکری فی بناء النصّ الشعری، وذلک من خلال الموهبة الإبداعیة التی یترتب علیها نوع من الخیال. فالخیال طاقةٌ کامنةٌ تستمدُّ وجودها من ضمیر الشاعر، والشاعر المبدع ذو خیال دقیق، وکذلک الشاعر المبدع هو الذی یشعر بحاجته للإبداع ویدرک ذلک من خلال صیاغته للنصّ الشعری الذی یمتزج بخیاله الواسع والخصب بما فیه من آمال وآلام وزفرات خصوصاً فی الشعر العاطفی، وهو لو لم یکن یمتلک حاسة خیالیة عمیقة فی الشعر لما استطاع أن یبدع أو یستمر فی الإبداع. لذلک، قد «عرّف أرسطو الشعر بأنَّه محاکاة للواقع، ولکنَّها محاکاة جمالیة إبداعیة ذات طابع انتقائی نوعی، تنأى عن تلک المحاکاة الآلیة المجردة من کلّ خلق وإبداع، وإنَّما تلک التی تستثمر طاقات اللغة فی الکشف والتغییر، لهذا اقترن الشعر بالخیال وبالتالی بحضور المجاز الذی یجسد هذا الخیال ویحوله إلى عمل إبداعی» (أنظر: زینب، 2011م، ص 37) . فی إطار هذا التوجّه الخاصّ بالاهتمام بالعلاقة بین الخیال والإبداع فی النصّ الشعری «فالإبداع الأدبی لغة یمتزج فیها الخاصّ بالعام والذات بالموضوع على نحو متمیز، یحمل بصمة الکاتب أو الشاعر، وبذلک ینتقل إلینا فکر المبدع وعواطفه وخیالاته على قدم وساق، عبر لغة خاصة تمتاز بالابتکار والادهاش» (حمّود،1997م، ص15). «إنَّ الإبداع بشکل عام لا یقف عند صورة واحدة، وإنَّما یتطور تدریجیاً بفعل الوعی المعرفی المتراکم، وبفعل الحرکات الإبداعیة المتوالیة، وهذا التطور الخاصّ، بالإبداع بشکل عام، یرافقه ـ بالضرورة ـ تطوّر فی طریقة التناول والدرس والاهتمام، وتتطور ـ تبعاً لذلک ـ الآلیات التی یستخدمها الباحث لمدارسة ذلک التطور» (ضرغام، 2009م، ص11). إضافة على ذلک، إذا ارتبط الخیال بالإبداع فی المباحث النقدیة، فیکون الخیال محوراً نقدیّاً فی المناقشات النقدیة، لذلک یحاول النقاد المعاصرون أن یطبعوه بطابع یتناسق ودوره فی تشکیل الصورة الفنیة المبدعة. أضف إلى ذلک «ثمة علاقة وثیقة بین الإبداع والنقد، إذ لا یمکن أن نجد أدباً دون نقد کما لا یمکن أن نجد نقداً دون إبداع. بل نستطیع القول بکلّ ثقة أن فی أعماق کلّ مبدع یکمن ناقد، وإن لم یمارس على أدب غیره، فمن المؤکد أنه یمارس النقد على أدبه تصحیحاً وتشذیباً وصقلاً، دون أن یعی فی کثیر من الأحیان، أنه یمارس فعالیة نقدیة» (حمّود،1997م، ص5). «فالخیال هو الملاذ الذی نلجأ إلیه فی قراءتنا الأدبیة لنجد فیه رصیداً نستبدله بالعسلة التی تأتی فی ثنایا الکلمات، وکأنَّما هو الشیء الوحید الثابت الذی نرتد إلیه کلما أعوزنا الاحتفاظ بالصورة الأدبیة على نحو من الإنحاء؛ فالمنظر الخارجی الذی نحبُّ الاحتفاظ به والابقاء علیه لا یمکن أن یبقى إلاّ محنطاً أو محفوظاً فی وعاء من الکلمات. وما من ملکة من النفس الإنسانیة تستطیع أن تعید الحیاة إلى هذا الجسد المحنط غیر المخبلة. ولذلک یحاول الشاعر أن یحتفظ بالمنظر على هیئة التصاویر» (الدیدى،1990م، ص180). فالخیال إذاً، هو الحرکة النفسیّة یولدها الإحساس، والشعر الذی لا یدلّ على درجة من درجات الخیال لا یدخل باب الفنّ، ومن هنا یمکننا أن نتخذ الخیال أساساً فی النقد الأدبی وأمکننا القول، إنَّ دراسة الخیال، ومدى ارتباطه بالإبداع هو المدخل المنهجی لدراسة النصوص الشّعریة.
4. نقد البواعث النفسیة للخیال الشعری عند سهراب سبهری وعبّاس بیضون «حظی الخیال باهتمام واسع فی المذاهب الفلسفیة والسکولوجیة وفی دراسات البلاغة والنقد الأدبی. وهو اهتمام یستمدُّ مما ینطوى علیه الخیال من فعالیة لا غناء عنها فی منجزات الإنسان الثقافیة عبر التاریخ» (نصر، 1984م، ص5). وأما عن قیمة النص الأدبی بالدراسات النفسیة[3] فیلخصها الدکتور عز الدین إسماعیل قائلاً: «حتى إذا کنا فی القرن العشرین لم یعد الاتجاه الجمالی وحده کافیاً، أو الاتجاه الأخلاقی وحده مغنیاً، بل ربما استبعدت فکرة التقویم من المیدان، أو على أقل تقدیر تحوّر الاتجاه، وتبلور فی نظرة أکثر شمولاً، تجمع فی الوقت نفسه بین الاتجاهین اللذین لم یجتمعا من قبل، الجمالی والأخلاقی. وذلک إذا نحن أرجعنا کلاًّ منهما إلى أصل عام أکثر اتساعاً هو الأصل النفسی. فبالرجوع إلى هذا الأصل لن نرد کلامنا على الأثر الفنی إلى اعتبار جمالی أو أخلاقی؛ لأننا نرید لهذا الأثر تقویماً، وإنما سنرد الأثر إلى مصدره، ونحاول أن نجد له تفسیراً نفسیاً، فإذا وفقنا إلى هذا التفسیر أخرجنا هذا من ورطة التقویم على أساس الاعتبارات الجمالیة أو الأخلاقیة» (إسماعیل،1962م، ص19) .
1.4 المیل إلى استبطان النفس الإنسانیة (= الخیال الرمزی) نزع الشعراء الرومانسیون فی شعرهم إلى استبطان النفس الإنسانیة، ومالوا إلى «تأمُّل أنفسهم ومحاورتها واستکناه أسرار النفس البشریة ومشارکة الشاعر وجدانیّاً لما حوله» (خورشا،1381هـ.ش، ص160). فـ«کثیراً ما یُقال إنَّ الرومانسیّة تُمیّز بمعنى جدید للحریّة. ویتضمّن هذا طبعاً الحریّة بوصفها موضوعاً یتضمّن حریّة الترکیب الأدبی، مع إذن بانفتاح جدید للشکل؛ ویتضمّن حریّة الشاعر فی التعبیر عن الانفعال بطریقة شخصیّة عمیقة. لکن الحریّة التی لم تُلحظ غالباً، هی الحریّة التی تتأتّى تماماً من التجربة الرمزیة. إنّها الحریّة التی یعطیها الشاعر للقارئ. فإذا ما کان شعر الرمز الرومنسی یهبنا نعمة الحریّة، فإنَّ هذه النعمة لیست من دون ثمنها. وهذا الثّمن طواعیّتنا أن نعیش مع الغموض؛ غموض المعروف وغیر المعروف، غموض المحدّد والمطلق، غموض عمیق نفس الإنسان، غموض نفس الإنسان وأنفس الآخرین، وفی النهایة، یعطینا الرمز مثلما یعطی الشاعر، الحریّة الشاقّة والجمیلة للقاء أسرار الإنسان» (الیسوعی،1992م، ص133). من هذا المنطلق، توظیف الرمز أو المیل إلى استکناه أسرار النفس فی ضوء الآلیات السیکولوجیة التی تستولی على الخیال سمة مشترکة بین الشاعرین سهراب سبهری وعبّاس بیضون على مستویات متشابهة؛ لأنَّ بنیة أشعارهما الرمزیة یرتکز على أرض الخیال الخصبة الذی یعمل على إثراء الوجود الحسی، فالرمز عندهما یعتمد على التشابه النفسی بین الأشیاء من خلال إدراک الشاعرین التخمینی للعلاقات العمیقة بین الظواهر المادیّة. وعلى ذلک، نحاول هنا إجراء المقارنة بین الدلالات المتنوعة للرموز التی استخدمها الشاعران فی غصون انطباعاتهما الخیالیة عن التعابیر اللونیة والمفردات الصوفیة.
1.1.4 رمزیة اللون فی شعر الشاعرین اللون من العناصر التی تثرى الخیال فی الشعر لما یشتمل علیه من شتى الدلالات النفسیّة والرمزیّة. فـ «ارتبط الحدیث عن طبیعة الألوان بتأثیراتها النفسیة، وظهر لمختلف الألوان باختلاف طبیعتها خطابٌ فلسفیٌ، مثل: الأصل، النوعیة، الإحساس، التکامل، الحقیقة، وکلّ هذا دفع علماء النفس إلى الخوض فی معترک الجدال حول تأثیراتها النفسیة فی طبیعة الحیاة عموماً، ثمّ البحث فی أمر التحکّمِ فی الغرائز والطباع الإنسانیة، ومعرفة مسارها وقید جماحها، فلذلک یحاول علماء النفس الیوم تفسیر هذه الطبائع الإنسانیة المعقّدة، لکنّهم عجزوا عن الإحاطة بأغوارها وکشف أسرارها» (مِیدْنِی،2005م، ص113). ولشعراء الحداثة تجربةٌ توشک أن تکون خاصّة فی التعامل مع الألوان واستکشاف عالمها الرمزی المشحون بمشاعر عاطفیة ذات صلة بتجربة الشاعر، نجد ذلک عند الشاعرین سهراب سبهری وعبّاس بیضون. فقد تعامل هذان الشاعران مع الألوان المألوفة وحققا فی تعاملهما هذا الإدهاش والإثارة على المستویین العاطفی والدلالی، فیتحول اللون عندهما من وعی بصری إلى وعی ذهنی. بما أنَّ دائرة معالجة اللون فی شعر سهراب وعبّاس تطلب مجالاً أوسع وبحثاً مستقلاً، لذلک نحاول هنا إلقاء الضوء على رمزیة اللونین الأسود والأخضر من خلال نماذج محدودة فی شعرهما. فاللون الأسود «هو أغمق الألوان ویمثل الظلام الکامل وانعدام الرؤیة، ویعدُّ رمزاً للحزن والألم والموت والخوف من المجهول والعدمیة والفناء» (أنور، 2008م، ص9)، وقد شحن هذا اللون فی الشعر العربی والفارسی بدلالات عدیدة، وارتبط باللیل بکلّ ما فیه من رهبة ومخاوف وخیالات مرعبة وإحساس بالعدمیة والضعف، وارتبط هذا اللون بالتشاؤم. فقد جاء اللون الأسود فی أشعار سهراب مقترناً بالحزن والیأس بدلالاتها المجازیة، فإذا ما انتابه الملل، صوّر کلّ ما یحیط به باللون الأسود، لذلک، قد عبّر الشاعر بخیاله العمیق وحالته النفسیة الحزینة عن هذه الحالة فی قوله: «رنگی کنار شب بی حرف مُرده است مرغی سیاه آمده است از راه های دور می خواند از بلندای بام» (سبهری،1389م، ص36). الترجمة: لونٌ جنب اللیل، میّتٌ دون کلام، طائرٌ أسود قد جاء من بعید، ینادی من أعلى السّطح. الجوّ الذی اکتنف هذه المقطوعة خانقٌ یربک الإحساس ویقلق الخیال، فتشارک اللون الأسود فی ملل المشاعر وضجر القلوب، فنرى هنا کیف وظف الشاعر بخیاله الواسع مظاهر الطبیعة کاللیل والطیر فی خدمة شعره لینتقل لنا تشاؤمه النفسی حیال اللون الأسود. فإنّه یستثمر اللون الأسود لیعبّر عن عمقه العاطفی مسایراً لجوهره الفکری، حیث ابتعد هذا اللون عن وظیفته المعهودة إلى الأخرى لینقل الشاعر مشاعره من مستواها المألوف إلى المستوى الانزیاحی. وفی هذا السیاق، عندما ننتقل إلى شعر عبّاس بیضون من نافذة معالجة اللون الأسود، نرى أنَّ الدلالات الإیحائیة لهذا اللون قد جاءت مقترنة بالحزن والکآبة، فاتخذ الشاعر من اللون الأسود أداة للافصاح عن تشاؤمه حیث یقول: «رقدت على الأرجوحة وبقی البنج فی دمی العصافیر سوداء فی قارورة الکحل التفّاح أسود والسّطور سوداء فی جسدی إذا تعثّرت بِنفسی»(بیضون،2007م، ج 2، ص323). کما نلاحظ فی هذه المقطوعة، إنَّ اللون الأسود الذی یتحدّث عنه الشاعر، یأخذ بعداً دلالیّاً، وهذا البعد الدلالی قد أخذ طابعاً مجازیاً حفل بالکآبة والحزن عند الشاعر. فالإسقاطات النفسیة على رمزیة الأسود قد برزت خلال نظرة الشاعر التشاؤمیة لهذا اللون، ویبدو أنَّ استعمال الشاعر للون الأسود فی هذه المقطوعة یعتمد على وعیه لتأثیر سلبی لهذا اللون فی سیکولوجیة خیال الإنسان. فالشاعر یرى الدنیا بمنظار کدر من خلال توظیف اللون الأسود لکلّ ما یحیط به فی الحیاة. وأمّا فی مجال توظیف اللون الأخضر، عندما انطلقنا إلى متابعة رمزیة هذا اللون عند سهراب وعبّاس، وجدنا أنَّ دلالته دلالة روحیة أخذت طابعاً دینیاً وجاء دوره لیلقی بظلاله الملیئة بالدلالات المقدسة الجمیلة على خیال الشاعرین، فلا ینظر الشاعران إلى هذا اللون نظرة سطحیة هشّة، بل یحاولان أن یغوصا فی أعماقه بخیالهما العمیق. ومن ذلک قول الشاعر سهراب فی إشارته إلى اللون الأخضر بدلالة روحیّة مقدّسة: «نرسیده به درخت کوچه باغی است که از خواب خدا سبزتر است»(سبهری، 1389م، ص209). الترجمة: لیس بعیداً عن الشَّجرة، یوجد زقاقٌ کثیف الشّجر أشدّ خضرةً من حلم الله. فهنا عزز الشاعر اللون الأخضر بألفاظ تدّل على القداسة، فدلالة اللون الأخضر هنا دلالة روحیة أخذت طابعة مقدسة لاقترانها بکلمة الله، وفی هذا المقطع المکّون من کلمة الله واللون الأخضر، استخدم الشاعر عبارة «أشدّ خضرة من حلم الله»، وهذا ترکیب یشعُّ نوراً وقدسیّة کدلات إیحائیة مصدرها اللون الأخضر، وهذه الدلالات تعکس الحیاة الدینیة التی یعیشها الشاعر سهراب. کذلک عندما ننتقل إلى شعر عبّاس بیضون، نرى أنَّ اللون الأخضر لیس مسحة شکلیة خالیة من دلالة جمالیة وتعبیریة؛ لأنّ الشاعر لا ینظر إلى اللون الأخضر نظرة عادیة، بل یحاول أن یغوص فی أعماق هذا اللون من خلال إلمامه العمیق لقداسة الأخضر: «إتخذْ لحیة من ماء النَّهر بعینین من عشب لا سبب لمصباح الطریق خضراء للغریب» (بیضون،2007م، ج2، ص223). من الملاحظ أنَّ دلالة اللون الأخضر فی هذه المقطوعة قد أخذت طابعاً رمزیاً مقدسّاً، حیث استعاض الشاعر بهذا اللون عن المصباح الذی یضیء الدّرب لمن یستوحش السّیر على الطریق، فأراد الشاعر أن یعبر من خلال توظیفه هذا اللون عن المشاعر التی یختزنها قلبه، فاستولت الرؤیة الداخلیة الناجمة عن خیال الشاعر على رؤیته البصریّة عبر تجواله فی آفاق اللون الأخضر. قصارى القول: إنَّ الشاعرین سهراب وعبّاس، بخیالهما الواسع یستخدمان اللونین الأسود والأخضر للتعبیر عن حالتهما النفسیة المراد إیصالها للمتلقی أو لرسم صورة شعریة بهذین اللونین. فلکلّ الشاعرین نظرة خاصّة ـ نفسیة أو ذهنیة ـ تکوّنت حسب رؤیتهما للأشیاء من حولهما وحسب مفهومهما الخاصّ لدلالة اللون وماهیته، مما جعل النصّ الشعری یحمل مفهوماً رمزیّاً یکوّن جزءاً من منظومة العالم النفسی لدیهما. من هنا نستدل على أنَّ إیقاع اللون یمکن أن یکون مظهراً من مظاهر الإیقاع التکوینی فی القصیدة الحدیثة أو إنَّه قادر على استقطاب حرکة إیقاعیة لا تقلُّ أهمیة عن الوزن الخارجی أولاً، وإنَّ الوعی الشعری اتجه نحو اللون لکونه طاقة تشکیلیة لها خصائصها النفسیة والبصریة المعبرة عن عناصر الذات ثانیاً.
2.1.4 النزعة الصّوفیّة فی شعر الشاعرین تمثل تجربة سهراب وعبّاس الشعریة حالة من حالات الشعر الحدیث الذی تفصّل قماش الخیال لیرتدی قمیصاً فضفاضاً من خیوط المفردات الصوفیة. إنَّ أهمیة الرؤیا الصوفیة عند الشاعرین تتمثل فی کونها نزعة کشفیة، وثیقة الصلة بمیلهما إلى استبطان النفس. لذلک، للخیال عند الشاعرین دوره فی تصویر التصوف الکامن، حیث نجد فی أعمالهما الشعریة لغات حیّة نابضة، لما فیها من صورة وعبارة ناطقة بالوجدان الصوفی، من خلال نصوص مرکبة من مزیج فلسفی وفنیّ. إنَّ عبّاس بیضون فی جانب کبیر من شعره مولع بالصوفیة الکامنة حتى تشعر وأنت تقرأ دواوینه أنَّه شاعرٌ تفوح من قصائده رائحة التصوّف؛ لأنّه یجنح إلى توظیف العبارات الروحیة التی تستجلب الأحاسیس الصوفیة وتبلور طاقاته المعرفیة، فإنَّه «یقمع الواقع بالمخیلة الذهنیة التی تنوب عنه فی بناء الخطاب الشعری، حیث یرجّح الشاعر عالم الذات الجامح على ما سواه، وینتصر منتج اللاوعی بالتداعی الغائم، وهذا یکرس لغة الغرابة والإدهاش المصادم إیجابیاً لمخیلة المتلقی، فیعیش الشاعر غربة مضاعفة ویتسلق قمم إدهاشه عبر لغة کتابته التی توقظ فیه فجیعة شدیدة التأثیر مما یضغط على تعبیره الشعری لاختیار عبور مضاعفة ینفذ إلى ما یجیب عن أسئلته فی الحنین والتعالق مع الفضاء الحیوی الذاتی للإنسان» (زغریت، 2008م، ص8). وفی هذا المجال، لقد وظف الشاعر بؤرة الجوّ الصوفی بخیاله الواسع وقد عبّر عن استنکاره الشدید لهذا العالم ومتطلّعاً إلى عالم آخر، العالم الأمثل الذی نظر الشاعر إلیه بمذهبه التصوّری ورأى فیه منزله الحقیقی، لذلک ما عوّل على هذه الدُّنیا وعلّق آماله برؤیته الصوفیة على العالم الذی یشفی خاطره الحزین: «کانت بیوتنا خلف العالم حیث الماء أصفر قبل ولادتنا کانت خروقنا وطنابِر سعالنا ندفعها أبعد فی طرقات من صفیرنا»(بیضون،2007م، ج 2، ص54). یبدو أنَّ عبّاس بیضون یسعى عن طریق هذه المقطوعة أن یبنی لنفسه العالم المثالی الذی یتخیّله ویحبُّ أن یعیش فیه، فیحاول الشاعر الفرار من العالم المؤلم الحزین إلى عالم المثل والخیال الذی یأخذ کل شیء مجراه ویسیر فی طریقه المثالی. کذلک، إنّ قراءة دقیقة للمفردات التی تشکلت منها قصائد سهراب سبهری، تمکننا من وضع معجم شعری خاصّ بالشاعر یعبر عن الرؤیة الصوفیة لهذه الدُّنیا؛ لأنَّه نظر إلى الحیاة الدّنیویة بنزعته الصوفیة کما نظر الشاعر عبّاس بیضون إلى الدُّنیا بهذه النزعة. فسهراب بمساعدة خیاله الخلاّق استلهم من التجارب الصوفیة حیال عدم اکتراثه بالعالم المادی وتطلّع إلى عالم آخر، العالم الذی التحم فیه الإحساس والنّبات، والتقى فیه النَّظر والقفص والمرآة، والعالم الذی یعدُّ کالدائرة الخضراء للسعادة: «باغ ما در طرف سایه دانایی بود باغ ما جای گره خوردن احساس و گیاه باغ ما نقطه برخورد نگاه و قفس و آینه بود باغ ما شاید، قوسی از دایره سبز سعادت بود»(سبهری، 1389هـ.ش، ص161). الترجمة:کانت حدیقتنا مستقبلة نحو ظلّ المعرفة.کانت حدیقتنا نقطة التحام الإحساس والنّبات. کانت حدیقتنا نقطة الالتقاء للرؤیة والقفص والمرآة. کانت حدیقتنا ربّما قوساً من دائرة السّعادة الخضراء. یلاحظ من خلال هذه المقطوعة، أنَّ الشّاعر یمیل إلى استجلاء النّفس بالحدیث عن تأویلاته الصوفیة عن العیش الهادئ فی ظلّ العالم الذی یزخر بالعلم والمعرفة من خلال قوله: «کانت حدیقتنا فی ظلِّ المعرفة»؛ فالشاعر عبر هذه الآلیة یسعى فی تکوین الخطاب الشعری إلى تقدیم رؤیته بوصفها رؤیة طوباویّة للوجود، ویستغرق ذلک فی قوله «کانتْ حدیقتُنا ربّما قوساً من دائرة السَّعادة الخضراء» إلى حدٍّ یرتقی الخیال من الوجهة السیکولوجیة إلى «المذهب التصوّری» لاستبصار شغف الشاعر العمیق بالعالم الأمثل الذی یسدّ فراغه النفسی، وهذا هو العامل الذی أکسب شعر سهراب حالةً من الإبهام والغموض . قد یلجأ عبّاس إلى التعبیر عن نزعته الصوفیة من خلال قدرته الخیالیة على إدراک الروابط المفقودة التی توجد بین الإنسان والأشیاء، فیبرز الشاعر دور الطبیعة بمظاهرها فی بلورة الخیال الذی یستطیع أن یشحن لغته بالجوّ الصوفی. و بناء على ذلک، یجعل الشاعر مظاهر الطبیعة نوافذ منفتحة على عالمه النفسی، فإنَّه یستمدُّ من «ضجة النهار» و«الهواء» بِوصفهما مظهر ناصع لطهارته النفسیة ویقول: «نغسل أفواهنا من ضجة النهار ومن الهواء»(بیضون،2007م، ج 1، ص81). یسعى النصّ إلى محاولة بناء خیالی لیصل باللغة إلى درجة عالیة من الإشاریة الصوفیة فی إطار الرمز والإیحاء لا التصریح والمباشرة. فالشاعر حاول فی هذه المقطوعة تغلیب رؤیته الداخلیة على رؤیته البصریة، وأراد أن یعبر عن حالته الصوفیة حیال إمساکه عن «الغیبة» من خلال توظیف عبارة «نغسل أفواهنا»؛ أی نغسل أفواهنا من قذارة الغیبة بفضل «ضجة النهار» و«الهواء» بِوصفهما مظهر للتزکیة النفسیة، وهذه النزعة الصوفیة عند عبّاس لا تتحقق إلاّ فی ضوء علمه بحقائق الکون وأسرار الحیاة، والمشاعر التی یحویها قلبه، فلم یجد غیر هذه التراکیب المتشابکة مع وجدانه لتحمل دلالات عمیقة بما یفیض به هذا القلب من مشاعر وأحاسیس متداخلة، فیؤول الشاعر صوفیة لغته بشدة ترکیزها التعبیری وأدائها الخیالی ویغسل أردان وجوده من ضجة النهار والهواء. کذلک، یذهب الخیال بسهراب مذهباً بعید ویرتقی به إلى حیث یحیط الشاعر بالطبیعة التی لا تشوبها الشوائب، فیکشف عن إدراکه بالأشیاء والروابط المفقودة التی توجد بینها والإنسان، فیغسل الشاعر نفسه من خفقان النوافذ، أی أنّه یتوضأ من دقّات النوافذ التی یحدّق بها دائماً، وهذه الحالة ترفع الستار عن رغبة الشاعر الکامنة لصوفیة اللغة الشعریة: «من وضو با تپش پنجرهها میگیرم در نمازم جریان دارد ماه، جریان دارد طیف»(سبهری،1389هـ.ش، ص159). الترجمة: إنی أتوضأ بنبض النّوافذ. فی صلاتی ینساب القمر، ینساب الطّیف. یلاحظ أنَّ الشاعر قد عمد فی مقطوعته هذه إلى امتزاج الشعر بالرؤیة الصوفیة حیث اقتنص خیاله من النزعة العرفانیة، وبذلک، فإنَّ الشاعر یکشف عن العلاقة التی تربط خیاله الرمزی بحالته النفسیة؛ فهو فی عبارة «إنی أتوضأ بنبض النّوافذ» یرتقی ترکیب «نبض النّوافذ» إلى مستوى تفوح منها رائحة التّصوف، فالعلاقة بین «الوضوء» و«نبض النوافذ» علاقة تتّسم بالدّقّة فی التّعبیر الصوفی عن جوانب النّفس، فالألفاظ حیّة، والعبارة موحیةٌ بعیدةٌ عن التّکلّف، یأتی الخیال فیها لتأیید الجوّ الوجدانیّ العامّ وترسیخ العاطفة. إنَّ تجربة عبّاس بیضون ارتبطت بالنزعة الصوفیة أثناء جولته الخیالیة فی آفاق الحیاة، فیحاول الشاعر تفسیر رؤیته الطوباویّة إلى الحیاة على أساس ذی نزعة صوفیة سریالیة ویقول: «على القوارب المبتعدة کنا نرى السَّماء الواسعة ونغنی ونتناسل کحشرات الکروم نرقص فی النسیم الخفیف ونرفع قصائد وحبّاً للواتی لا یصعدن إلى الشّرفات» (بیضون،2007م، ج1، ص57). ومن الملاحظ أنَّ عبّاس بیضون، قد اعتمد فی هذه المقطوعة على الرومانسیة الکامنة وقد ملکت على خیاله الصورةُ السریالیةُ التی تربط المرئی باللامرئی؛ فالخیال الذی یعتمد الشاعر خیال واسع مرتبط ببعد نظره إلى «العالم المثالی الفاضل» وهو مفهوم فلسفی یدلّ على المکان الذی یبدو کلّ شیء فیه مثالیّاً. فنزعة الشاعر إلى وجود العالم المثالی إزاء العالم المادی تمثل الغربة النفسیة والوحدة التی یعیشها فی هذه الدنیا. واللافت أنَّ هذه المقطوعة تجمع فی الواقع بین تفاصیل الحالة النفسیة للشاعر واشتباکاتها مع الخیال العلمی الذی تحوّل من عالم محسوس إلى عالم معنوی، فیلجأ الشاعر إلى توظیف الصور التجریدیة المرتبطة بالمعانی الذهنیة ویضفی صفات معنویة على المحسوسات، وذلک من خلال عقد مماثلة بین العبارات التالیة: 1- عبارة «على القوارب المبتعدة کنّا نرى السَّماء الواسعة» توحی بطیران الشاعر بأجنحة الخیال فی سماء العالم المثالی. 2- عبارة «نغنی ونتناسل کحشرات الکروم» تدلُّ على امتداد الحیاة فی العالم المثالی. 3- عبارة «نرقص فی النسیم الخفیف» توحی بارتیاح الإنسان واعتزازه بعیشه فی العالم المثالی. 4- عبارة «نرفع قصائد وحبّاً للواتی لا یصعدن إلى الشرفات» تدلّ على دور الشعراء فی بلورة الحیاة فی العالم المثالی. کذلک لو نظرنا إلى شعر سهراب سبهری من نافذة سریالیة الخیال، لوجدنا أنَّه قد عبّر عن طموحه الطُّوباویّ إلى العالم المثالی حیال العالم المادی، بالکلمات المتشابهة لکلمات عبّاس بیضون؛ فالشاعر بنزعته الفلسفیة ینظر إلى هذه الدنیا ویرى بمنظار خیاله الشفّاف العالم المعنوی الذی أفضل من العالم المادی: «پشت دریاها شهری است که در آن وسعت خورشید به اندازه چشمان سحرخیزان است شاعران وارث آب و خرد و روشنیاند پشت دریاها شهری است قایقی باید ساخت» (سبهری،1389هـ.ش، ص212). الترجمة:هناک خلف البحار مدینةٌ حیث تتسع الشّمس سعة العیون الیقظى أسحاراً. الشعراء ورثةُ الماء والنُّهى والضیاء. هناک خلف البحار مدینة فلنصنع زورقاً. فی هذه المقطوعة نجد نزعة فلسفیة من خلال الوصف المبدع الذی أراد به الشاعر أن یصف عالماً طوباویّاً؛ فنتلمّس ضمن هذا الوصف، مدى الارتباط الوثیق بین خیال الشاعر وحالته النفسیة من خلال المفردات التی تحمل فی طیاتها معانی جمیلة وعذبة أخذتنا إلى عالم واسع من العذوبة. وهنا نستطیع القول أنَّ النزعة الفلسفیة تلک التی تعکس خیالاً شعریاً رائعاً نتج من عامل الطلاقة فی الإبداع، أخذاً بنظر الاعتبار أنَّ الخیال هنا هو قدرة الشاعر على التفکیر على نحو تخیلی أو تصوری. فالشاعر من خلال عقد مماثلة بین المفردات التالیة استطاع أن یربط بین العالم المادی والعالم المثالی: 1- عبارة «هناک خلف البحار مدینة» تدلُّ على وجود العالم المثالی خلف العالم المادیّ. 2- عبارة «حیثُ تتسع الشمس سعة العیون الیقظى أسحاراً» توحی بطیران الشاعر بأجنحة الخیال على سماء العالم المثالی. 3- عبارة «الشعراء ورثة الماء والنُّهى والضیاء» تدلُّ على دور الشعراء فی بلورة الحیاة فی العالم المثالی. 4- عبارة «فلنصنع زورقاً» توحی بلزوم استعداد الإنسان للطیران إلى العالم المثالی. قصارى القول: یذهب الخیال الصوفی عند الشاعرین سهراب سبهری وعبّاس بیضون إلى أعلى درجاته لیخترق الحجب ویصل الى الجوهر، فیستطیع الشاعران بوعیهما العمیق إدراک ما لا تستطیع العین الإنسانیة إدراکه، إنها حالةٌ لا یصل إلیها إلا من قطع شوطاً کبیراً فی الزّهد والبعد عن المادیات. فیمزج الشاعران بین التجربتین: الشعریة والصوفیة، ویحاولانِ تصویر خیالهما على أساس ذی نزعة صوفیة، وهذا ما یؤکد التلاقی بین الفنّ والتصوف عند الشاعرین.
2.4 التصوّر الرؤیوی للمکان والزمان للشعراء مصادر یستوحون منها لوحاتهم الشعریة، فهم یأخذون ینابیع خوالجهم وهواجسهم من أشیاء مختلفة، و«هذه الأشیاء تکون محسوسة کالبیئة التی عاش فیها الشاعر، وتکون غیر محسوسة کتجاربه الشخصیة» (الحِمِدَّاء،2010م، ص38). وعلى ذلک، یُمعن الشعراء فی تصاویرهم الشعریة بمختلف المظاهر، ویستمدّون من الأشیاء المتنوعة، فـ«إنَّ مصادر الصورة هی الأشیاء التی یتکئ علیها الشعراء فی إبداع صورهم، بل هی مصادر الوحی للإبداع الفنی التی تعکسها مرآة وجدان الشاعر، ولذلک نجد أنَّ صور الشعراء تتلون بحسب وقع تلک الأشیاء فی مواقع الإحساس فی نفوسهم، کما نجد أنَّ لکلِّ شاعر طابعاً خاصّاً مع بیئته وتکوینه الثقافی وقدراته الخیالیة» (الغنیم،1416م، ص39). فی هذا الشأن، تظهر تجلیات المکان والزمان واضحة المعالم فی بعض نماذج الشعر فی الأدب الفارسی والعربی على حد سواء، ولکن هذه التجلیات تتنوع من شاعر إلى آخَر، فمرة نرى المکان والزمان لا یحتاجان إلى جهد القارئ لفکّ رموزهما، وأحیاناً یتطلبان الجهد للوصول إلى ماهیاتهما وحقیقتهما المخبوءة بسبب تفاعلاتهما بشکل دراماتیکی مع ما یجاورهما من مظاهر الطبیعة. فی هذا الشأن، إنَّ المکان قد اتخذ دلالات متنوعة ارتبطت ارتباطاً وثیقاً بعنصر الخیال وسیکولوجیة الشّعور، إذ یعکس تصویرُ المکان المجازی العلاقة الثنائیة بین الفضاء الداخلی للشاعر والفضاء المکانی بما تحمله هذه العلاقة من الحنین والفراق وغیرهما، لذلک «دخل المکان کعنصر مکون فی تشکیلة النصّ الشعری من خلال اعتماد هذا النصّ على الصورة کآلیة تعبیر فنیة وجمالیة، إذ إن الصورة هی قبل کل شیء تشکیل مکانی، حیث تبرز مقدرة الشاعر فی بث الحرکة والحیاة فی المکان، وإقامة التوافق بین الحرکة النفسیة، وحرکة الأشیاء، وبین الشاعر والعالم الخارجی» (فضل،1998م، ص63). قد استطاع الشاعران سهراب سبهری وعبّاس بیضون أن ینظما عواطفهما الجیّاشة وأحاسیسهم المرهفة حیال المکان الذی شغفا به، وقد ساعدهما على ذلک رؤیتهما الطوباویة إلى مدینتیهما «کاشان» و«صور» مما دفعهما إلى التغنّی بذکریاتهما فی هاتین المدینتین والمشارکة النفسیة معها. فدراسة التفاعل النصی مع «کاشان» فی شعر سهراب، و«صور» فی شعر عبّاس، تشکل ملمحاً بارزاً من ملامحهما الشعریة، ویمکن للدارس أن یتبین فی شعرهما بنیة مکانیة ذات سمات خیالیة. فالتفاعل النصی مع مدینة «صور» فی تجربة عبّاس بیضون یتسم بطوباویّة الخیال، وینحو منحى عاطفیاً یمکن أن یطلق علیه «یوتوبیا البیضونی»، أی: «المکان الفاضل» على غرار «المدینة الفاضلة» فی عرف أفلاطون[4]. فالشاعر تطلّع إلى المدینة الفاضلة التی سیطرت ذکراها على هواجسه وأحلامه، وانعکست ملامحها وسماتها وطبیعتها فی شخصه، ولکن لا یدری کیف یصفها: «یا صور... ! حین نزلنا إلیک انتزعت من حناجرنا الوتر الفلاحیّ وها نحن بالکلمات التی تعلمناها منک لا نستطیع أن نصفک لا نصفک، لأنّک ما زلت تبحثین فی جلدک عن فمک المندمل ولأنَّک تنطقین بزفیر ساخن على وجوه مخاطبین القلیلین لأنَّک بلا صوت تحکّین یابستک ورملک وتلقین بلا تحیة یدک على شمال البحر»(بیضون،2007م، ج1،ص49). نلاحظ أنّ خیال الشاعر عباس بیضون لا یقف عند جمال مدینة «صور» فقط، بل هو یجمع بین مدینة «صور» والأحلام التی یعجز الشاعر عن بیانه والجرح الذی أدمى قلب هذه المدینة. فتجربة الشاعر هنا تجربة رومانسیة تعکس الشرود الذهنی للإنسان الذی لا یدری کیف یصف مدینته، بل لا یدری کیف یتعاطف معها؟! وکما نرى فی هذه المقطوعة، قد سیطرت على الشاعر عاطفة الحزن العمیق ممّا حلَّ به من الشرود الذهنی الذی أضعفه فی وصف مدینته الفاضلة. وأمّا خیال الشاعر هنا قد جاء نابعاً عن حالته النفسیة إزاء الجرح الذی ارتسم فی وجه مدینة صور التی لا یستطیع الشاعر کیف یصفها. ومهما یکن من أمر، فإنَّ هذه المقطوعة من الأدب الخیالی الذی یعبّر فیه الشاعر عن تطلّعه وبحثه عن المدینة الفاضلة (= صور)، فقد ظهر فیها أهمّ سمات سیکولوجیة الخیال، ومنها: انتشار روح الرومانسیة والتطلّع على المثل العلیا، والطموح إلى وصف المدینة التی لا یستطیع کیف یصفها. وکذلک، إذا انتقلنا إلى سهراب سبهری، وجدناه کعبّاس بیضون یرسم لوحةً نفسیةً کئیبةً لمدینته «کاشان»، ویبحث عن مدینة غیرها، المدینة الفاضلة التی قد سیطرت على مشاعره وأحاسیسه، فالعلاقة بینه وبین هذه المدینة الخیالیة، علاقة طوباویّة تتسم بشروده الذهنی؛ لأنّه قد یتخلى عن مدینة «کاشان»، و یتطلّع إلى المدینة الفاضلة التی لا یدری کیف یصفها: «اهل کاشانم؛ امّا شهر من کاشان نیست شهر من گم شده است من با تاب، من با تب خانهای در طرف دیگر شب ساختهام من در خانه به گمنامی نمناک علف نزدیکم من صدای نفس باغچه را میشنوم وصدای ظلمت را، وقتی از برگی میریزد و صدای صاف باز و بسته شدن پنجره تنهایی و صدای پاک پوست انداختن مبهم عشق» (سبهری،1389هـ.ش، ص169). الترجمة: أنا مِ کاشان، ولکن لیس کاشان مدینتی. مدینتی مفقودةٌ. قد بنیت بیتاً فی جانب آخر من اللیل بالخفّة والمرح. أنا فی البیت قریبٌ من خمول العشب النَّدی أسمعُ أنفاس حُدَیْقَةِ ونبرة الظلام، عندما یسقط من ورقة وأسمع النبرة الجهوریة لفتح وإغلاق نافذة الوحشة والصوت البلیغ لاستبدال الحبِّ الغامض. نلاحظ أنَّ القصیدة قد تمثّل لوناً من الشعر الخیالی، فرغم أنَّ الشاعر قد تخبّط فی توصیف مدینته وتردّد فی تعیینها، إلاّ أنّ الجوّ النفسی الذی یشیع فی القصیدة هو جوّ نفسی یرکن إلى الخیال الممزوج بالحسرة. فهو یتغنى بالمدینة الفاضلة التی فقدها، ولکن یصورها بأبهى الصور، ویعمد فی تصویرها إلى طوباویّة الخیال. إنَّ تعلّق سهراب بالمدینة التی عجز عن تحدیدها تعلّقاً وجدانیاً ونفسیاً ینمّ عن سیکولوجیة خیاله، فالشاعر یتسکّع فی مدینته الطوباویّة ویبنی فی لیلها بیت أحلامه، ویشعر فی هذا البیت بإحساس النبات، ویسمع فیه نغمة الحیاة من حنجرة الحُدَیْقَة، ویصغی إلى نبرة الظلمة التی تسقط من خفقان أوراق الأشجار والصوت الذی یتناهى إلى سمعه من نوافذ بیته وصوت العشق الذی یستبدل جلده. زبدة القول: إذا قارنا بین خیال سهراب وعباّس تجاه المدینة الفاضلة نستطیع أن نحکم: إنَّ عباس حزین متألم لفتوره فی وصف مدینته، وسهراب حزین أیضاً لتردده فی تعیین مدینته؛ فأهمیة المدینة الفاضلة فی تجربتهما الشعریة تنبع من أهمیة سیکولوجیة الخیال لدیهما؛ لأنَّ الجوَّ النفسی الذی سیطر على خیال الشاعرین هو جوّ نفسی یعتمد على الحزن الذی یعود إلى عقدة نفسّیة حیال المکان الفاضل الذی یتطلّعان إلیه. أجمع دارسو الأدب على أهمیة الزمان فی الشعر إجماعهم على أهمیة المکان، وتوقفوا عند دلالاته الکثیرة وجمالیاته المتنوعة، وذهبوا إلى أنّ للزمان عمیق الأثر فی الحیاة البشریة، إذ ما من حرکة إلاّ وهی مقترنة به، فالإنسان یتأثر بالزمان؛ لأنَّه یعیش فیها، فهو «کائن زمانی أکثر من کونه کائناً مکانیاً، صحیحٌ أنَّ الإنسان یعیش على رقعة محددة من المکان، إلاَّ أنَّه یعیش فی الزمان أکثر من المکان» (المحادین،1977م، ص56). لذلک، إنَّ العلاقة التی تربط الشاعرین سهراب وعبّاس بالزمان، علاقة وطیدة تعود إلى خیالهما العمیق. فعبّاس عند توظیف الزمان یربطه بمغبّة الحیاة، فالهموم التی تحلق فوق فضاء الشاعر جعلته یبحث عن غایة الزمان فی دنیا قلّما تفرح الإنسان، فالشاعر عندما ینظر إلى امتداد الوقت، یتحدث عن الأبدیة التی تکون کجسد الصحیفة، وبهذه العبارة یرید أن یقول: إنّ الحیاة سریعة الزّوال، کأنّها جسد صحیفة تنقضی عن قریب، ثمَّ یتحسر على مرور الزمان الذی استوقف الدهر أفراسه بتصفّح أوراقه: «یتمدد الوقت والأبدیة جسد صحف وأوراق على حجراته المکشوفة تتوقف أفراسه» (بیضون،2007م، ج1،ص73). فاللوحة التی نرى فی هذه المقطوعة تکسب مغزاها ومفهومها من عنصر الزمان، وهذه اللوحة مرآة عاکسة لمشاعر الشاعر، إذ یکون الزمان مسکوناً فی خیاله محفوراً فی عمقه، فیصوّر الشاعر من خلال قول «تتوقف أفراسه» حزنه العمیق وألمه الکبیر بما یعانیه هذا الزمان من الزّوال والفناء. تبلور الزمان بصورة جوهریة ومکثفة فی عالم عبّاس بیضون الشعری، فالزمان بطابعه الرمزی من أهمّ العناصر التأویلیة والخیالیة عنده ویعطی نصّه الشعری نفساً تاویلیاً عمیقاً. فی هذا الصَّدد، بما إنَّ الزمان هو حقیقة ملموسة ممتدة على جسد الحیاة، فعندما یأخذ طابعاً رمزیاً أو لوناً خیالیاً عند عبّاس، یجسّد لنا تأویلات متنوعة، ذلک لأنَّ الشاعر ینوح بالآهات والحسرات التی تکاشف بسیکولوجیته الحزینة على ما فات من الوقت بدورانه المبهم: «تجلس الأرض على عقارب ساعاتنا وتدور حول إبهامنا نقعی فی ظلنا مخبئین السّماء تحت عصا لا ترسم ظلاً ها هنا یقف کلّ شیءٍ کورقة الموز وتنویعات الرّیح والمطر لا تقع الذاکرة» (بیضون،2007م،ج1،ص247). کما نلاحظ فی هذه المقطوعة، إذا تذکر الشاعر ما مضى من أیام عمره، فإنه یتحسّر على الساعات التی قضاها فی الماضی ویتمنى أن ترجع عقارب ساعات عمره إلیه على الرُّغم من أنّ تلک الساعات قد کانت زاخرة بهموم الماضی التی حامت حوله. والمتتبع لشعر سهراب سبهری فی هذا المجال یجد أنَّه ینقل إحساسه بالزمن، وهذا الإحساس یجری فی عروقه، وینبعث عن أعماق نفسه، فإنَّه یرى بخیاله الواسع ظلاًّ طویلاً لرقاصة الساعة، الظلُّ الطویل الذی یتراوح فوق صحراء مترامیة الأطراف والشاعر یحملق إلى التصویر الذی ینبض فی عروق الأبدیة وینظر بحسرة إلى مرور الزمان: «سایه دراز لنگر ساعت روی بیابان بیپایان در نوسان بود و من کنار تصویر زنده خوابم بودم تصویری که رگهایش در ابدیت میتپید و رشته نگاهم در تار و پودش میسوخت» (سبهری،1389هـ.ش، ص53). الترجمة: ظلُّ رقاصة السّاعة الطویل کان یتناوب على القفر المترامی، وکنتُ إلى جانب صورة غفوتی الحیّة، الصّورة التی تنبض عروقها فی الأبدیة وتحترق خیوط نظراتی فی سدا ولحمتها. نشعر فی هذه المقطوعة بالسرّ الموجود فی الزمان ومروره المرّ، ویلاحظ أنَّ نظرة سهراب بالزمان هی نظرة حزینة بزواله وانقضائه، فالشاعر قد وضعنا أمام لوحة فنیة ذات روعة فی التصویر والخیال فقد تخیّل لتصویر نومه عروقاً تخفق فی الأبدیة، بذلک انحاز الشاعر نحو دلالات أخرى للزمان باعثة على القلق والحزن والیأس. ولا یقف الأمر عند هذا الحدّ فی شعر سهراب سبهری، بل یبلغ الحزن ذروته عندما یندمج الزمان مع الزوال والفناء (= الموت)کما نرى سالفاً فی شعر عبّاس بیضون، هذا ما عبرت عنه مشاعر الشاعر الحزینة بالمقطوعة التالیة: «دم غروب، میان حضور خسته اشیاء نگاه منتظری حجم وقت را میدید و روی میز، هیاهوی چند میوه نوبر به سمت مبهم ادراک مرگ جاری بود و بوی باغچـه را، باد، روی فرش فراغت نثار حاشیه صاف زندگـی میکرد»(سبهری،1389هـ.ش، ص179). الترجمة: عندالغروب فی زحمة حضور الأشیاء المجهد، ثمة نظرة متربصة تبصر حجم الوقت، وعلى الطاولة ضجیج فواکه یانعة، تنسابُ وجهة إدراک الموت المبهم، وکانت الریح تمنح حاشیة الحیاة الملساء شمیم الحدیقة على بساط الفراغ. نلاحظ فی هذه القصیدة أنَّ الشاعر أخذ یتجول بعدسته الشعریة فی الطبیعة، فیجعل الشاعر عناصر الطبیعة کقطع الحیاة الإنسانیة التی تشکّل فسیفساء عالمه الخیالی، ذلک العالم الذی یحسُّ معه بألفة شدیدة، فالشاعر قد ارتقى بألفاظه الساذجة من الحضیض إلى التحلیق فی سماء الخیال، فالألفاظ اتَّسقت مع حالته النفسیة وخیاله الواسع، وقد استعان الشاعر ببعض العبارات التخیلیّة التی تتسم بسیکولوجیته حیال الزمان والحیاة والموت. خلاصة القول: استعمل الشاعران سهراب سبهری وعبّاس بیضون عدداً من العبارات التی تتّصل بإبهامات الحیاة فی دائرة الزمان والمکان لبناء ملامح خیالهما الشعریة؛ فیلاحظ استخدام عبارات متشابهة کـ «تجلس الأرض على عقارب ساعاتنا» و«تدور الأرض حول إبهامنا» عند عبّاس وعبارات کـ «ثمة نظرة متربصة تبصر حجم الوقت» و«ینساب نحو جهة إدراک الموت المبهمة» عند سهراب، توحی بمعانٍ رمزیة وخیالیة تنسجم مع حالتهما النفسیة کـ «التحسّر على فوات الأوقات» و«الاکتئاب عن المبهمات التی لا یکون لها جواب» وهذه العبارات فی شعر هذین الشاعرین برمزیتها تکوّن محور النص والحرکة الدینامیکیة التی تنطبق علیها. زد على ذلک، إنَّ الشاعرین یوظفان اللیل بوصفه عنصراً من عناصر الزمان، فاللیل رفیق الشاعرین الدائم وحبیب خلواتهما الرهیبة. یغنی الشاعران فی اللیل بخیالهما العمیق ترنیمة الحنین ویعزفان قیثارة الشوق. فالقصائد التی یتحدث فیها الشاعران عن اللیل بوصفه عنصراً زمانیاً لیست بالقصائد الکثیرة مقارنة بالمواضیع الأخرى التی تناولها الشاعران فی قصائدهما، إلاّ أن الأثر الابداعی والخیالی لتلک القصائد صوّر تصویراً بدیعاً لشعور الشاعرین بحاجتهما الماسّة إلى اللیل لیهمسا مع همومهما فی خلوته. فحین نوازن ما بین شعر سهراب وعبّاس حول انطباعهما عن اللیل، نجد أنَّ العلاقة التی قائمة بین اللیل وبین الخیال عندهما متشابهة إلى حدٍّ کبیر. وفی هذا الصدد یکشف الشاعر عبّاس بیضون عن إنتمائه الشدید إلى اللیل قائلاً: «جلدی یتنفّس من اللیل وحین ابتعدت خرج بعض الظلام وبعض الفضاء بقی فی حضنی کسرة من اللیل» (بیضون،2007م،ج1،ص192). من اللافت أنَّ الإحساس المأساوی بفراق من ابتعدت عن الشاعر، جعل الشاعر یبلسم خاطره الجریح بانتمائه إلى اللیل. وکذلک، حینما نتأمل علاقة اللیل بخیال سهراب، نجد لحمة متینة تربط بینهما: «مىمکم پستان شب را وز پی رنگی به افسون تن نیالوده چشم پُر خاکسترش را با نگاه خویش میکاوم» (سبهری،1389هـ.ش، ص46). الترجمة: أمتصُّ من ثدی اللیل. وخلف لون ما تلطّخ جسمه بالسّحر، أبحث بعینی عن عینیه المملوءة بالرّماد. یلاحظ أنَّ تفاعل الشاعر العمیق مع الزمان وامتصاصه للزمان، جعل شعره یکتنز برصید روحی یوسّع من دائرة الخیال، فإنَّه یشبّه اللیل بأمّ یمتص من ثدییها وینظر إلى لون اللیل الرّمادی بقلق شدید لفراق الأُمِّ التی یشبّهها باللیل. ویمکننا القول بإنَّ اللیل فی شعر سهراب سبهری وعبّاس بیضون صورة متألقة توحی بالحزن والفراق، فیرى الشاعران أنَّ اللیل هو فرصة للاختلاء بالنفس والتفکیر بهموم الحیاة وانهمار الدموع للتفریج عن الألم والکرب. فسهراب یمتصُّ من ثدی اللیل الذی یکون له کالأمّ الحنون وبذلک یجبره خاطره الحزین، وکذلک عبّاس یتنفّس من اللیل الذی یکون له کالبلسم الذی یداوی به جراح نفسه.
3.4 حنین الشاعرین إلى ذکریات الطفولة (=نوستالوجیا الطفولة المفقودة) إنَّ الطفولة هی أجمل سنی الحیاة، فذکریات الطفولة هی الانطباعات والصّور القویة العمیقة التی تتبلور فی أیام الکهولة والشّیخوخة واضحة شفّافة، فکلّ ما یراه الطفل، وکلّ ما یشهده من ضروب الألعاب والنُّزهات والذکریات، یظلّ راسخاً فی أعماقه، کامناً ومتخفیاً فی عالمه اللاشعوری، لذلک لقد ثبت «أنَّه لا شیء یفنى من الحیاة النفسیة للأنسان، وإنَّ ذکریاته تظل تحتفظ بأعذب الصّور وأقساها، وتبقى تؤثر فی الإنسان، وفی تکوین مستقبله» (باشلار،2000م، ص 6). فی مجال نوستالوجیا الطفولة المفقودة، حین نقارن ما بین تجارب سهراب سبهری وتجارب عبّاس بیضون نجدُ أنَّهما یعتمدان على طریقة التداعی فی أکثر الأحیان، ومن هنا ندرک أهمیة هذه الظاهرة التی تسمى فی علم النفس بالتداعی الحرّ للافکار (Free Association)، فذکریات القدیمة والتجارب الحاضرة تتکدس فی لاوعی الشاعرین، فهذه الحالة الذهولیة هی من أخصب اللحظات عندهما. ثمَّ، إنَّ خیال عبّاس بیضون یکوّن نبعاً یستقی منه، والشاعر یرسم لنا لوحةً تکشف القناع عن أحلامه التی هی بضعة من ماضیه الجمیل الذی لا یمکن أن یعود علیه یوماً، فالشاعر یعیش مع ذکریات طفولته، ذکریات مع أسرته على ضوء الفانوس فی البیت الأبوی، ولکن مع مرور الأیام، قد فرّقت الدُّنیا أحلام طفولیته بأسبابها وظروفها الصعبة، والشاعر یتمنى استعادة تلک الذکریات بحلوها ومرّها: «کنّا ندخل تحتَ مصابیحنا نتکلّم فی ضوئها عالمین أننا نبدو من النوافذ الأخرى أحلاماً على وشک الأیاب» (بیضون،2007م، ج1، ص402). إنَّ المتأمل لهذا النصّ الشعری، یدرک أنَّ الذکریات التی أسرت قلب الشاعر بصفاتها الجمیلة تکون مصدراً ثریّاً لخیاله، بل ینبوعاً صافیا ینهل خیاله منه، فکلما تقدّم عبّاس بیضون فی العمر، صارت لأیام الطفولة لدیه قیمة أکبر، فتمنى الشاعر لو استعاد طفولته، واستنهض خیاله وقدراته التعبیریة لیبنی صوره الشعریة. وکذلک، إذا انتقلنا إلى سهراب، وجدناه کعبّاس، قد رکز فی أشعاره على مرور الأیام الماضیة التی انتهت والتغییرات المفاجئة التی عرضت لحیاته، فالطفولة تمثلّ للشاعر ذکریات الأیام السالفة والحیاة البسطیة التی یسیطر علیها الحبّ والسرور فی ضوء الفانوس العتیق وبصحبة أسرته التی بدّلتها صروف الدَّهر: «پرتو فانوس ما، در نیمه راه، میان ماه و شب هستی مرده است ستونهای مهتاب ما را پیچک اندیشه فرو بلعیده است»(سبهری،1389هـ.ش، ص124). الترجمة: لقد انطفأ ضوء فانوسنا فی منتصف الطّریق بین القمر ولیلة الوجود. لقد ابتلعت لفافّة أفکارنا أعمدة قمرنا. المتأمل فی هذا النص الشعری یشاهدُ أنَّ الشاعر قد عبَّر بعاطفةٍ صادقةٍ عن ذکریات الطفولة التی نقشت ونحتت فی قلبه، وشغلت باله، فالشاعر رجع إلى طفولة عمره بحسرة عمیقة لأنَّه وجد فیها البساطة والطهارة، البساطة التی تبلور حول ضوء الفانوس، والطهارة التی ارتسمت فی حیاة الطفولة. فی إطار هذا التصوّر الرومانسیّ لطفولة العمر، لو رجعنا إلى قصائد عبّاس بیضون، لرأینا أنَّها تشکّل فاعلیة سیکولوجیة للخیال الشعری، والشاعر فی هذه القصائد یتحرک وفق عواطفه الجیّاشة ویرکز على بؤرة ذکریاته فی الماضی الجمیل ویضعنا فی أجوائه النفسیة الحزینة التی تتجسد فی آهاته، ونواحه، ورثائه على ما أصاب طفولته، فإنَّه یبکی على الشمس التی تألّقت فی سماء طفولته، ویتحسّر على طفولته الضائعة: «ابتعدت السّماء ابتعدت الشّمس أطفالاً کنَّا نرحل إلیها کلَّ صباح کنَّا على الصخور نطارد الحرارة فی عشوش الشوک ننتظر فقع الأقحوان عند الضّحى وشموع الماء والغبار الذی ربّما جئنا منه یتحلّق هالات هالات» (بیضون،2007م،ج1، ص399). کما نلاحظ فی هذه المقطوعة، یسیطر على خیال الشاعر الحزن الذی یعود إلى الحنین إلى ذکریات أیام الطُّفُولة؛ وهذه الصورة حقّقت المعنى الوجودی للشاعر وهو المستوى السیکولوجی للصورة؛ فالنصّ الشعری فی هذه اللوحة، یرصد الوضع الذی لا یستمر على حالة واحدة، فهو فی معرض دائم للتغیر، فأجاد الشاعر نقل تجربته الألیمة إلى المتلقّی من خلال ألفاظ وعبارات أحسن توظیفها لإیراد ما قصد من معان: فکلمة «ابتعدت» توحی بقلق الشاعر لمرور الماضی الجمیل، وتوظیف کلمة «أظفالاً» قبل عبارتی «کُنَّا نرحل إلیها کلَّ صباح» و«کُنَّا على الصخور نطارد الحرارة فی عشوش الشوک» و«ننتظر فقع الأقحوان عند الضحى وشموع الماء» توحی بالحنین إلى ذکریات أیام الطُّفُولة وترسم اضطراب الشاعر وألمه من إدبار الأیام العذبة؛ فقد استطاع الشاعر بهذه الصورة التی تعکس حالته النفسیة أن ینقل أفکاره إلى مشاعر القارئ. وأخیراً ولیس آخر یختم الشاعر قصیدته بجملة حاسمة، وهی: «والغبار الذی ربّما جئنا منه یتحلّق هالات هالات»، وهو هنا یرید أن یقول: إنّ ذکریاته قد ذهبت أدراج الرّیاح کالغبار المتلاشی فی الطرقات. وفی المجال نفسه، قد أصیب سهراب بالألم الذی عانى منه عبّاس إزاء طفولة عمره، فظلَّ الشاعر بین حین وآخر یصور ذکریاته ویمعن فی تصویرها، لیبرز من خلالها حالته النفسیة المهمومة التی تحکی عن سیکولوجیته المحزنة. وفی إطار هذا التصور للذکریات القدیمة والتجارب الحاضرة، فإنَّ الطفولة صارت تلک اللوحة التی ینظر إلیها الشاعر سهراب بحسرة ألیمة: «هنگام کودکی در انحنای سقف ایوانها درون شیشههای رنگی پنجرهها میان لکهای دیوارها هر جا که چشمانم بیخودانه در پی چیزی ناشناس بود شبیه این گل کاشی را دیدم و هر بار رفتم بچینم رؤیایم پرپر شد» (سبهری،1389هـ.ش، ص56). الترجمة: عند الطفولة، وفی استدارة سقف الإیوان داخلَ زجاجات النوافذ الملوّنة، وبین لطخات الجدار، تبحث عینای عن شیءٍ مجهولٍ ولکن بلا جدوى. رأیتُ مثل هذه الوردة الکاشیة. وکلّما اعتزمت القطف ذبلت وتذمّرت أحلامی. القصیدة کما نرى خیر شاهد على ملامح الحیاة المفقودة عند سهراب، تظهر فیها أهمّ سمات الرومانسیة کالحنین إلى ذکریات أیام الطُّفُولة والرجوع إلى الماضی الجمیل؛ فقد رسم الشاعر فیها لوحة أدبیّة تتمثّل فی صورة إنسان رومانسیٍّ مغموم یجلسُ على شاطىء بحر ذکریاته ویتطلّع إلى ذبول أحلامه، تتوالى علیه ظلال الحزن والکابة خلال تذکیر «سقف بیته العتیق»، و«الزجاجات الملونة لنوافذ غرفته المستعملة»، و«الجدران الملطَّخة بأقذار الأیام» وغیرها؛ فتتلائم الکلمات مع الخیال، وقد استعان الشاعر بهذه اللوحة التی تلائم حالته النفسیة لیستعین من خلالها بالخیال لنقل أفکاره الناعمة. فسیکولوجیة الخیال هنا قائمة على الرجوع إلى الذکریات العذبة التی ابتعدت عن الشاعر وخذلته مع الحزن والکابة. صفوة القول: إن الارتباط بین طفولة الشاعرین سهراب وعباس وذکریاتهما، ینبع من حنین نوستالوجی لاستعادة الماضی، وهذا ما أکده الدکتور عزالدین إسماعیل قائلاً: «إنَّ العلاقة بین الأدب والنفس لا تحتاج إلى إثبات؛ لأن الأدب یفهم فی ضوء المعرفة بالحقائق النفسیة التی یلزمنا معرفة الإفادة منها إفادة علمیة فی دراسة الأدب» (1962م، ص 16-13). بید أنَّ الذی یرصد شعر سهراب وعبّاس، سیجد أنَّهما لا ینظران إلى ذکریاتهما وحکایتهما فی الماضی نظرة تفاؤلیة، بل ینظران إلیها فی کثیر من الأحیان من منظور تشاؤمی یعود جذوره إلى حالة من التشاؤم النفسی حیال الحیاة واللحظات المرة التی عاش فیها الشاعران فی الماضی. فی هذا الشأن، من یتنقل بین قصائد سهراب سبهری، یستشم رائحة التشاؤم الذکیّة، فالشاعر ینظر بنظرة تشاؤمیة إلى قصّته فی الحیاة حینما تنفجر الآلام فی وجوده وتتناقض الحیاة أمامه وکلّ ما یکون فی وجوده وإحساسه تتناقض مع الواقع والحقیقة، لذلک، یحسُّ بحکایته المرّة فی الحیاة، فتسری فی أشعاره روح التشاؤم وتُسمع من کلمات شعره أنغاماُ حزینة عندما یشبه لحظاته المرّة بالسّم: «سرگذشت من به زهر لحظههای تلخ، آلوده است» (سبهری،1389هـ.ش، ص25). الترجمة: قصّة حیاتی مّسممةٌ بزعاف أوقاتی المریرة. والذی یسترعی الانتباه فی هذه العبارة، أنَّ الشاعر سهراب حینما تعکّرت علیه صفوة الحیاة وتحوّلت أفراحه إلى أتراح، بدأ یتوجع من حکایته کثیراً، ویعتقد أنَّها قد تلوّثت بالسُّم الزعاف اللحظات المرّة، وبذلک قد أبدع فی خیاله فی ترسیم شقاوة الأیام وما فیها من الحزن والألم. کذلک، إذا تطرقنا إلی أشعار عبّاس بیضون من نافذة الخیال، رأینا أنَّ روح التشاؤم سرت فی نفسیة الشاعر وأخذه التشاؤم کلّ مأخذ حتى أصبحت مفردات شعره تمتلأ حزناً ومرارة فلا نستغرب إذاً أن یشبّه عبّاس آنات حیاته بالسُّم القاتل على غرار سبهری: «اللحظة التی کان السمّ فیها یدبرُ» (بیضون،2007م، ج1، ص432). کما نرى هنا أنَّ الشاعر قد رتم باللحظات المرّة التی قد تعکّرت علیه صفوة الحیاة فی ماضی الأیام، وأبدع فی ترسیم هذه اللحظات السامّة التی تحوّلت ضحکاته إلى بکاء. مجمل القول إنَّ الشاعرین سهراب سبهری وعبّاس بیضون قد یعبران عن عواطفهما الحزینة عندما یرجعان إلى الماضی بکلّ ما فیه من الأحزان، لذلک إذا نظرنا إلى أشعارهما رأینا أنَّ التشاؤم قد تخلّل فی نفسیتهما، فتحسّ الشاعران بسامّة الأیام التی تحوّلت أفراحهما إلى أتراح.
4.4 تأمّل الشاعرین فی حقائق الحیاة (= الخیال العلمی) مع اعتراف الدارسین بصعوبة وضع تعریف جامع لأدب الخیال العلمی، فإنَّ ثمة محاولات جرت لتعریفه؛ فـ«أدب الخیال العلمی أدب مملوء بالخیال یقوم على اکتشافات علمیة أو تغیرات بیئیة مفترضة» (البهى،1999م، ص9)، بعبارة أخرى «إنَّ أدب الخیال العلمی هو نوع من المصالحة بین الأدب والعلم، أو على الأقل الجمع والتوفیق بینهما» (عزّام،1994م، ص9). «فالشاعر یستخدم العلم منطلقاً بخیاله الأدبی، یحلق فی آفاق مستقبلیة، یدفعه الطموح إلى تفسیر الظواهر الغامضة فی الطبیعة، أو فی النفس البشریة، ومن هنا نشأت الأساطیر التی هی نوع من أدب الخیال، وولدت ضرورة تعوید النشء على التفکیر العلمی الذی یحوّل الناشىء إلى مبدع حقیقی» (المصدر نفسه). من هذا المنطلق، یرى محمد غنیمی هلال أنّ التجربة الشعریة هی: «الصورة الکاملة النفسیة أو الکونیة التی یصورها الشاعر حین یفکر فی أمر من الأمور تفکیراً ینم عن عمیق شعوره وإحساسه. وفیها یرجع الشاعر إلى اقتناع ذاتی، وإخلاص فنیّ، لا إلى مجرد مهارته فی صیاغة القول لیعبث بالحقائق، أو یجاری شعور الآخرین لینال رضاهم» (1987م، ص363). لذلک، تقوم التجربة الشعریة فی جوهرها على «الفرادة الذاتیة التی تتیح للشاعر أن یقول: أرید أن أبدع شیئاً لم یبدعه أحد غیری» (زراقط،1991م، ص152)، لذلک، اتّجه الشعراء المعتدّون بشعرهم إلى موضوعات ومضامین فتحتها أمامهم حیاتُهم الجدیدة ومجتمعاتهم الحدیثة، ومنها: «التأمُّل فی حقائق الکون وأسرار الحیاة، وإبراز ما فیهما من خیر و شرّ، وحیاة وموت، ووجود وعدم، مما أتاح لخیالهم أن یجسد لهم الأمور الوهمیة ویجعلها حیّة تشارکهم حیاتهم» (خورشا،1381هـ.ش، ص160). فالخیال فی هذا الإطار عند الشاعرین سهراب سبهری وعبّاس بیضون هو التعبیر الأدبی عن الحقائق العلمیة من خلال وجدانهما الخاصّ وتذوقهم المتفرّد؛ لأنَّ لغة التعبیر عندهما تنهمک فی الفکر والخیال اللذین استمدَّ منهما مقدرته الشعریة. فی هذا الصدد، إنَّ الخیال لدى عبّاس بیضون مُغْرمٌ بعوالم شعریة جدیدة، حیث یقرن الخیال بالحقائق العلمیة، فإنَّ مفهوم الخیال العلمی الذى تبلور فی شعر عبّاس، یوازى الأسس المعرفیة والجمالیة والفلسفیة فى بنیة خیالیة لا غبار علیها: «عقاقیر للکلام والمعرفة ویمکن نقل الحیاة زجاجات فی صندوق ثمّة مراهم کثیرة ینبغی حملها الحکمة الحکمة والأعطال الکثیرة والجسد الذی یُحفظ فی حبّة وذلک الداء الوبیل الذی یبقى تحت قرص أبیض»(بیضون،2007: 2/425). فی هذه المقطوعة یذهب الشاعر بالتعابیر الفکریة والعلمیة کـ «الکلام» و«المعرفة» و«الحکمة» إلى فضاء یتحول فیه الخیال إلى اللوحة المتعددة الأبعاد التی یستخدمها الشاعر للتعبیر عن أفکاره الصوفیة قدرما تتّسع لها الطاقة المعنویة الکامنة فی المفردات. فالمقطوعة تکشف عن روح صوفیة ذات محمول دلالی، وتستحوذ علیها مسحاتٌ من الخیال العلمی یُفصح عن سیکولوجیة دقیقة وعمیقة مرتبطةً بمیتافیزیقا الوجود من خلال تعبیر الشاعر عن الحیاة: «ویمکن نقل الحیاة زجاجات فی صندوق». ویرتقی الشاعر بعد ذلک إلى دائرة أخرى أکثر اتساعاً إذ یندفع فی امتداد کلامه نحو الترکیز على الأمور الشافیة التی یجب على الإنسان أن لا یتجزّأ عنها، منها إشارته إلى «الحکمة» بعد عبارة «ثمّة مراهم کثیرة ینبغی حملها». کذلک، إذا نظرنا إلى أشعار سهراب سبهری من نافذة اندماج الخیال بالعلم، رأینا أنَّ الخیال عنده یکون وسیلة لإدراک الحقائق العلمیة التی یعجز عن إدراکها الحسّ المباشر أو المنطق: «زندگی در آن وقت، حوض موسیقی بود من به باغ عرفان من به ایوان چراغانی دانش رفتم من قطاری دیدم فقه میبرد و چه سنگین میرفت»(سبهری،1389هـش، ص162-163). الترجمة: کانت الحیاة آنذاک بُحیرة الموسیقى. رحتُ إلى حدیقة العرفان، وإلى القاعة المزدانة بالمصابیح للعلم. رأیتُ قطاراً یحملُ معه الفقه، وما أثقله! فالشاعر هنا یبتعد عن الواقع المادی، ویبحث عن حالة تتصل بالخیال العلمی بوصفه نوعاً من الإبداع یعبّر عن سیکولوجیة وجدانیة تقارب الصوفیة، فالنصّ الشعرى بهذا التصور ینفتح على العرفان فی عبارة «رحتُ إلى حدیقة العرفان» وینفتح على العلم فی عبارة «رحتُ إلى القاعة المزدانة بالمصابیح للعلم» وینفتح على الفقه متمثلاً هذا التصور الشعری فی عبارة «رأیتُ قطاراً یحمل معه الفقه، وما أثقله!»، مضیفا هذه القیمة المعرفیة الجمالیة الکلیة التى تمثل خلاصة الوعی بالعالم الآنی، والقدرة على الحدس بعالم آخر مستشرف، ومن هنا یلعب الخیال دورا وجودیا تأسیسیا على المستوى الجمالی والمعرفی معا، بالمعنى الوجودى. ومن هنا ندرک أنَّ خیال الشاعرین سهراب سبهری وعبّاس بیضون قد یرتبط بالأمور التی تشطر عن الحقائق العلمیة، لذلک کثیراً ما نجد ذاکرة الشاعرین تستحضر أجزاء من هذه الحقائق، ثمّ تنصهرها فی بوتقة الخیال لتحقق فی نهایة المطاف عملیة الخلق التعبیری فی المیدان الشعری؛ فیقوم الخیال لدیهما الدور الأساس فی تشکیل الصورة الشعریة یلتقطها الشاعران ببراعة من الحقائق العلمیة التی ترتبط بالحیاة الیومیة.
5. نتائج البحث من خلال ما قام به البحث فی أشعار سهراب سبهری وعبّاس بیضون فی مجال طوباویّة الخیال، یمکن استنتاج ما یأتی:
1. ولد سهراب سبهری عام1307هـ.ش (1928م) فی مدینة «کاشان»، وتلقّى دروسه الابتدائیة والثانویة فی مسقط رأسه، وبعد إنهائه مرحلة الدراسة الثانویة انتقل الى العاصمة طهران، وبعد سنتین حصل من أحد معاهدها دبلوم. فسمح له بالعمل فی إحدى المؤسسات الثقافیة (ینظر: امامی و عابدی،1375 هـش، ص28). منذ عام 1333هـ.ش(1954م) أخذ سبهری ینتقل من بلد إلى آخر جامعاً ما بین کهف السائح وتعطش الفنان والدارس. فدرس الرسم والنقش فی کل من باریس وروما وطوکیو والهند (المصدر نفسه، ص37). توفی سهراب سبهری فی مدینة طهران عام 1359هـ.ش (1980م) بسرطان الدم، وقد تمیزت أشعاره بکونها معبرة عن وجدان الشاعر ومجسدة لصدق مشاعره ومعاناته الروحیة. [2]. ولد عبّاس بیضون عام 1945م، فی قریة «شحور» قضاء «صور». غادرها فی التاسعة إلى مدینة «صور» حیث قضى بقیة طفولته وشبابه الأول فی بیت قریب من البحر. کتب الشعر مبکراً، لکنه تأخر فی النشر. یعود أقدم دواوینه الشعریة «صور» إلى عام 1974م، وبعدها کتب بانتظام قرابة 15 مجموعة. صدرت روایته الأولى «تحلیل دم» عام 2003م، ترجمت إلى اللغة الإنکلیزیة ونشرت فی الولایات المتحدة الأمیرکیة عام 2008م. یعمل بیضون فی الصحافة وهو المدیر الثقافی للصفحات الثقافیة فی جریدة السفیر ابتداءً من عام 1997م، ولایزال فیها إلى الیوم(www.iwp.uiowa.edu) . [3]. لمزید من التوضیح حول العلاقة بین النصّ الأدبی والدراسة النفسیة له ارجع إلى کتاب «زیبا شناسى ونقد» للکاتب مشیت علایی، ص179-163.
[4]. المدینة الفاضلة هی المدینة التی یقصد فیها بالاجتماع والتعاون على الأشیاء التی تُنال بها السعادة الحقیقیة. ومعنى هذا أن أهل المدینة الفاضلة یتعاونون على بلوغ السعادة بالفکر والعمل؛ لأن لهم اعتقاداً خاصاً بالله والعقل وحقیقة الوجود والوحی، ولهم أعمال فاضلة یقصدون من اتباعها بلوغ الخیر؛ لأن الاجتماع الفاضل هو الاجتماع الذی به یتعاون الأفراد على نیل السعادة. کذلک الأمة الفاضلة هی الأمة التی تتعاون فیها الأمم المختلفة على بلوغ السعادة. فالفارابی إذا کأفلاطون قد جعل غایة الفردوس الأرضی بلوغ السعادة والخیر؛ لأن الخیر هو غایة الکون والإنسان. | ||
مراجع | ||
أ. العربیة 1. إسماعیل، عزالدین. (1962م). التفسیر النفسی للأدب. بیروت: دارالعودة. 2.أنور، حامد. (2008م). بین التشکیل والأدب (التأثیر والتأثیر المضاد). مجلة الحوار المتمدن. العدد2305. ص8-17. 3. باشلار، غاستون. (2000م). جمالیات المکان. ترجمة: غالب هلسا. (ط5). بیروت: المؤسسة الجامعیة. 4.البهى، عصام. (1999م). الخیال العلمی فی مسرح توفیق الحکیم. القاهرة: الهیئة المصریة العامّة للکتاب. 5. بیضون، عبّاس. (2007م). الأعمال الشعریة. (ج1-2). تقدیم: خالدة سعید. بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر. 6.الجسمانی، عبد العلی. (2000م). سیکولوجیة الإبداع فی الحیاة. (ط2). بیروت: الدار العربیة للعلوم. 7.الجنابی، میثم. (2011م). رمزیة الخیال المبدع فی النادرة الصوفیة. صحیفة المُثَقَّف. تصدر عن مؤسسة المُثَقَّف العربی، العدد2992. 8. الحِمِدَّاء، جمال بن حمد. (2010م). التصویرُ البیانی فی شعر جِران العود النُّمَیْریّ. بحث تکمیلی لنیل درجة الماجستیر فی البلاغة والنقد. المملکة العربیة السعودیة: وزارة التعلیم العالی، جامعة أمّ القرى، کلیة اللغة العربیة. 9. حمّود، ماجدة. (1997م). علاقة النَّقد بالإبداع الأدبی. دمشق: منشورات وزارة الثقافة فی الجمهوریة العربیة السوریة. 10. خورشا، صادق. (1381هـ.ش). مجانی الشعر العربی الحدیث ومدارسه. تهران: منشورات سمت. 11. الدایة، فایز. (1996م). الصورة الفنیة فی الأدب العربی. (ط2). بیروت: دارالفکر. 12. الدیدى، عبدالفتاح. (1990م). الخیال الحرکی فی الأدب النقدی. القاهرة: الهیئة المصریة العامة للکتاب الطبعة. 13. زراقط، عبدالمجید. (1991م). الحداثة فی النقد الأدبی المعاصر. بیروت: دار الحرف العربی. 14. زینب، عمّارة. (2011م). المنظوم والمنثور فی نقد ابن الأثیر فی ضوء الشعریة الحدیثة. رسالة لنیل شهادة الماجستیر. الجمهوریة الجزائریة الدیمقراطیة الشعبیة، جامعة مولود معمری تیزی وزو، کلیة الآداب واللغة. 15. ضرغام، عادل. (2009م). فی تحلیل النصّ الشعری. الدار العربیة للعلوم، منشورات الاختلاف. 16. عزّام، محمد. (1994م). الخیال العلمی فی الأدب. دمشق: دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر. 17. عصفور، جابر أحمد. (د.ت). مفهومُ الشعر: دراسة فی التراث النقدی. المرکز العربی للثقافة والعلوم. 18. الغنیم، إبراهیم بن عبدالرحمن. (1416م). الصورة الفنیة فی الشعر العربی: مثال ونقد. الشرکة العربیة للنشر والتوزیع. 19. فضل، صلاح. (1998م). نظریة البنائیة. القاهرة: دار الشروق. 20. قاسم، عدنان حسین. (2008م). التصویر الشعری: رؤیة نقدیة لبلاغتنا العربیة. مکتبة الفلاح. 21. قدامة بن جعفر، أبوالفرج. (د.ت). نقد الشعر. تحقیق: عبد المنعم الخفاجی. بیروت: دار الکتب العلمیة. 22. المحادین، عبدالحمید. (1977م). جدلیة الزمان والمکان فی روایات عبدالرحمن منیف. البحرین: مؤسسة الهدایة للنشر. 23. مِیدْنی، ابن حُوَیْلی الأخْضر. (2005م). الفیض الفنّی فی سِیمْیائیة الألوان عند نزارقبانی: دراسة سیمیائیة لغویة فی قصائد من الأعمال الشعریة الکاملة. مجلة جامعة دمشق. المجلد:21، العدد: 4-3. ص111-135. 24. نصر، عاطف جودة. (1984م). الخیال مفهوماته ووظائفه. القاهرة: الهیئة المصریة العامة للکتاب. 25. هلال، غنیمی محمد. (1987م). النقد الأدبی الحدیث. بیروت: دار العودة. 26. الیسوعی، ج. روبرث بارت. (1992م). الخیال الرمزی: کولریدج والتقلید الرّومانسی (ترجمة: عیسى علی العاکوب). مراجعة: خلیفة عیسى العزابی. بیروت: معهد الانماء العربی. (www.almothaqaf.com) ب. الفارسیة 26. إمامی کریم، وکامیار عابدی. (1375هـش). زندگی و شعر سهراب سپهری. تهران: نشر ثالث. 27. سپهری، سهراب. (1389هـش). هشت کتاب. تهران: انتشارات مبین اندیشه. 28. شریفیان، مهدی. (1386هـش). بررسی فرایند نوستالوژی در اشعار سهراب سپهری. (دراسة ظاهرة النوستالوجی فی شعر سهراب سبهری). نشرة الأدب الغنائی. جامعة سیستان، العدد8، صص51-67. 29. علایی، مشیت. (1390هـش). زیبا شناسی و نقد. تهران: کتاب آمه. 30. قوّام، أبو القاسم، وعبّاس واعظ زاده. (1388هـش). تنهایی در برخی صوفیانههای شعر فارسی با رویکرد ویژه به شعر سهراب سپهری. (التوحُّد فی صوفیات الشعر الفارسی على الضوء الخاصّ لشعر سهراب سبهری). نشرة المطالعات العرفانیة. جامعة کاشان، العدد9،صص111-99. 31. نیکوبخت، ناصر، وسیّد علی قاسم زادة. (1382هـش). روانشناسی رنگ در اشعار سهراب سپهری. (دراسة نفسیة للون فی أشعار سهراب سبهری). مجلة الأبحاث الأدبیة الإیرانیة. العدد2، ص156-145. ج. المصدر الإنترنتی | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,877 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 590 |