تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,639 |
تعداد مقالات | 13,328 |
تعداد مشاهده مقاله | 29,889,230 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 11,950,677 |
عناصر قصة موسى والخضر (الشخصية والزمان نموذجاً) | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 6، دوره 4، شماره 6، تیر 2012، صفحه 75-86 اصل مقاله (307.11 K) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
نویسندگان | ||
سيدرضا سليمانزاده نجفي* 1؛ عظيم طهماسبي2 | ||
1استاديار گروه زبان و ادبيات عربي، دانشگاه اصفهان | ||
2دانشجوي دکتراي رشتة زبان و ادبيات عربي، دانشگاه اصفهان | ||
چکیده | ||
تتألف القصة من عناصر مختلفة، منها: الشخصيّة والزمن. ويتمّ تکوين القصة من طبائع الأشخاص والشخصيات الذين تضمّهم،ولا يمکن تصور قصة بدون شخصيات. کذلک لابدّ من وجود عنصر الزمن في القصة لکي تقدّم نفسها من خلاله، فلکلِّ قصة بداية ونهاية. تبحث هذه الدراسة عن عناصر قصة موسى والخضر 6 متناولةً الشخصيات والزمن نموذجاً، وتتطرق إلى القصة من منظور قرآني؛ ثم تتجه نحو تقسيم شخصيات القصة والتعرف عليها، وتلقي الضوء على سماتها مستمدة من نظريات القصّة المعاصرة. تبحث المقالة عن علاقات الشخصيات معاً واتصال مصائر بعضها ببعض ثمّ يتناول عنصر الزمن في القصة وتعثر على توظيف الزمان ودلالته من خلال التعمق في المفردات والآيات وأساليبها التعبيرية. | ||
کلیدواژهها | ||
القصة؛ موسى؛ الخضر؛ الشخصیة؛ الزمان | ||
اصل مقاله | ||
المقدمة القصة ـ فی أوسع دلالاتها ـ عمل فنیّ قائم على بناءٍ هندسی خاص، یصطنع کاتبها واحداً أو جملة من الأحداث والمواقف والأبطال والبیئات عبر لغة تعتمد (السرد) أو (الحوار) أو کلیهما. وتتضمّن هدفاً فکریاً محدداً یخضع الکاتب عناصره إلى ما هو ممکن ومحتمل من السلوک، وذلک وفق عملیة اصطفاء خاصة للعناصر المذکورة (البستانی، 1408هـ، ص 7). ولا شکّ أن القَصص القرآنی یختلف اختلافاً بیّناً عن سائر أنواع القصص التی یحوکها البشر، لیس لاختلاف المصدر، وهو المنشئ أو المبدع فقط، ولکن لاختلاف ما بین هذا وذاک فی المقاصد والغایات، والوسائل والأدوات؛ فللقصّة القرآنیة مقاصدها السامیة وغایاتها التی تتفق والأغراضَ الدینیة التی تدور فی فلکها (إبراهیم، 2008م، ص 8). تکمن أغراض کثیرة وراء قصة موسى والخضر 6، وشأن هذه القصة کشأن القِصص القرآنیة الأخرى فی الاهتمام بالمعانی والدقائق المعرفیة والمقاصد الدینیة. هناک فی القصة شخصیات متعددة موزّعة بین الأصلیة والفرعیة والإیجابیة والسلبیة. والبطل الرئیسی فی القصة هو الخضر 4 بما عنده من سماتٍ خاصة تمیّزها عن الآخرین، ولها تأثیر بالغ فی القصة، ولم یذکر اسمه فی القصة. البطل الثانی هو موسى U یؤدّی دوره کشخصیة إنسانیة مألوفة لم یطّلع عمّا وراء الأحداث، ولا یدری سبب التصرفات الغریبة التی یقوم الخضر 4 بها. فهناک مفارقة بین نظرتهما إلى الکون، وهذا الأمر یضفی على القصة جوّاً تقابلیاً لا یزال مسیطراً علیها حتى یلمّ موسى A بتأویل الأحداث. إن عنصر الزمن فی القصة لا یقتصر على تاریخ خاص، بل یتجاوز التاریخ المحدّد، فیرتکز على دلالات تتعلّق بشأن الأحداث والشخصیات فی القصة. اعتماداً على ما ذکرنا، تتطرّق المقالة إلى سبر أغوار الشخصیات والزمن فی القصة، وتجعل اهتمامها بالموضوع ضمن دائرته، عسى أن یعثر على بعض النتائج. وهناک دراسات حول قصة موسى والخضر 6، وأخصّ بالذکر کتاب دراسات فنیة فی قصص القرآن لمحمود البستانی، بید أن هذا الکتاب إضافة إلى قصتنا هذه یضمّ کثیراً من القصص القرآنیة، ولا یلتزم ببحث عن عناصر القصة وتمحیصها بدقة، بل یتطرق إلى الکثیر من القضایا المرتبطة بأدبیة القصة؛ واستمددنا منه ما یعنینا.
المعنی اللغوی لمصطلح القصّة ومفهومها الاصطلاحی «القصة: الخبر، وهو القصص؛ وقصّ على خبره یَقُصُّه قصّاً وقصصاً: أورده؛ والقصص: الخبر المقصوص؛ والقِصص ــ بکسر القاف ــ جمع القصة التی تکتب» (ابن منظور، 1992م، مدخل «قصص»). «القصة فنّ قولیّ درامیّ یسعى إلى خلق عالم إبداعی مواز فی علاقاته للعالم الواقعی الذی یعیشه القَصّاص، من خلال تجارب الفکر أو تجارب العاطفة أو تجارب الخیال» (مطاوع، 2006م، ص 23). و کذلک تطلق القصة على آثار تُرکَّز فیها على الحوادث التی کانت غیر مألوفة وخارقةً للعادة، ولایبلغ فیها الاهتمام بتربیة الإنسان وإخباره مبلغ الحوادث (میرصادقی،1386هـ. ش، ص 44).
القصة فی القرآن ومفهومها القصة فی القرآن لیست عملاً فنّیّاً مستقلاً فی موضوعه وطریقة عرضه وإدارة حوادثه ــ کما هو الشأن فی القصة الفنّیّة الحُرّة ــ إنّما هی وسیلة من وسائل القرآن الکثیرة إلى أغراضه الدینیة. والقصّة إحدى وسائله لإبلاغ هذه الدعوة وتثبیتها (قطب، د ت، ص 117). ولا تنطبق شروط القصّة بمعناها الاصطلاحی على القصّة القرآنیة؛ لأنها أقرب إلى الأقصوصة، واقتصارها فی أکثر الأحیان على ذکر حلقة منها أو أکثر، وعدم استیفائها کل عناصر مجتمعة (نقرة، 1974، ص 86). و مفهوم القصة فی القرآن یدور حول الإخبار بالواقع الحقیقی المجرد، وتتبّع آثار الحقیقة، والأخبار الماضیة، وسردها بصدق وموضوعیة، دون إضفاء الخیال، وتألیف الحکایات، وتلفیق الوقائع، وانتحال الأخبار المکذوبة والمتوهمة تحت اسم الفن والأداء الفنی (إبراهیم، 2008م، ص 9ــ10).
أضواء على قصة موسى وخضر 3 لم یُرد القرآن ذکر الخضر إلاّ ما فی قصّة رحلة موسى 4 إلى مجمع البحرین، وما ذکر شیئاً من جوامع أوصافه إلاّ ما فی قوله تعالى: «فَوَجَدا عَبْدًا مِنْ عبادِنا آتَیْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْمًاª (الکهف 18: 65). و الّذی یتحصّل من الروایات النبویة الواردة من طرق أئمة أهل البیت % أن الخضر کان نبیّاً مرسلاً بعثه الله ــ تبارک وتعالى ــ إلى قومه، فدعاهم إلى توحیده والإقرار بأنبیائه ورسله وکتبه. وکانت آیته أنه لا یجلس على خشبة یابسة ولا أرض بیضاء إلاّ أزهرت خضراءَ. وروی عن النبیّ J: إنّما سُمّی خضراً؛ لأنّه صلّى على فروة بیضاء، فاهتزّت خضراء. ویظهر من أخبار متفرّقة عن أئمة أهل البیت D أنه حیّ لم یمت بعدُ (الطباطبائی،1972م، ص 352)... وفی عدة روایات من طرق الفریقین أنّه شرب من عین الحیاة؛ ولاینصّ علیها القرآن (المصدر نفسه، ص 353). و یستفاد من الروایات المختلفة أن سبب لقاء موسى بالخضر هو أن رجلاً من بنی إسرائیل سأل موسى 4: هل یوجد من هو أعلم منک؟ فأجاب بالنفی. فأمر الله أن یذهب إلى مجمع البحرین؛ فإن هناک من هو أعلم منه، وهو الخضر A. وقیل سبب لقاء موسى بالخضر سؤال موسى ربّه أن یدلّه على عالم لیزداد من علمه إلى علم نفسه (کامل وحسانی،2005م، ص 56ــ59). «وکان علم الخضر علم معرفة البواطن قد أُوحیت إلیه، لا تعطی ظواهر الأحکام أفعاله بحسبها. وکان علمُ موسى علمَ الأحکام الفتیا بظاهر أقوال الناس وأفعالهم» (القرطبی،1957م، ص 16). «إنّ شخصیة موسى فی القصّة هو ابن عمران الرسول النبی، أحد أولی العزم Uعلى ما وردت به الروایة من طرق الشیعة وأهل السنّة. وقیل: إنه شخص آخر؛ وهذا قول ضعیف لا مردّ له» (الطباطبائی،1972م، ص 338). الفتى الذی ذکره الله تعالى فی القصّة «وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَیْنِ أَوْ أَمْضِیَ حُقُباًª (الکهف 18: 60) هو یوشع بن نون، وصیّه؛ وإنّما سمّی "فتى موسى"؛ لأنّه لزمه لیتعلَّم منه. وکان یلازمه سفراً وحضراً، وإن کان حُرّاً؛ أو لأنه کان یخدمه (القرطبی، 1957م، ص 11؛ الطباطبائی، 1972م، ص 338).
ملخّص القصة بدأ موسى 4 یسافر مع فتاه إلى مجمع البحرین ناویاً هدفاً ما. فلمّا بلغا إلى مجمع البحرین، یتخذ حوتهما ــ وهو طعام السفر ــ سبیلَه فی البحر بشکل عجیب. عندما یتجاوزان المکان المحدد ــ أی:مجمع البحرین ــ یحسّ موسى A التعب والجوع، ویطلب من فتاه أن یحضر الغداء (الحوت). فما یلبث أن یتذکر الفتى انسرابَ الحوت فی البحر حینما کانا مستریحین جنب الصخرة على شاطئ البحر، ویقول لموسى %: نسیت أن أذکر لک ما حدث للحوت و«قالَ أَرَأَیْتَ إِذْ أَوَینا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنّی نَسیتُ الْحوتَ وَما أَنْسانیهُ إِلاّ الشَّیْطانُ أَنْ أَذْکُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبیلَهُ فی الْبَحْرِ عَجَباًª (الکهف 18: 63). ویردّه موسى p بقوله: «... ذلِکَ ما کُنّا نَبْغِ ...ª (الکهف 18: 64). فیرجعان إلى الموقع نفسه الذی انسرب الحوت. فبعد الوصول إلى المکان المحدّد یجدان عبداً عالماً أعطاه الله علماً من لدنه. فیطلب موسى 4 منه أن یسمح له اتّباعه حتى یتعلّم منه شیئاً، لکن العالم ــ وهو الخضر p ــ یؤکد على أنه لم یستطع معه صبراً. یصرّ موسى % على طلبه إلى أن یوافق علیه الخضر A شریطة أن لا یسأله عن شیءٍ حتى یحدّث له ذکراً. فینطلقان معاً. یقوم الخضر 4 طوال السفر بأمور غریبة بدءً من خرق سفینة المساکین، ثمّ قتل الغلام، وأخیراً إقامة الجدار فی قریة کان أهلها بُخلاء یأبون ضیافتهما. فلا یستطیع موسى % أن یصبر أمام تصرفات الخضر الغریبة، فیعترض علیه. وبسبب ذلک یفترق عنه الخضر، لکنه قبل الفراق یوضّح له حقیقة تصرفاته، وینسب جمیع أفعاله إلى إرادة الله، ویؤوّل له سبب أفعاله (الکهف 18: 60ــ82).
الأشخاص (Character) «الأشخاص فی القصة مدار المعانی الإنسانیة ومحور الأفکار العامّة. ولهذه المعانی والأفکار المکانة الأولى فی القصة منذ أن انصرفت إلى دراسة الإنسان وقضایاه؛ إذ یسوق القاصُّ أفکاره وقضایاه العامّة منفصلة عن محیطها الحیوی بل ممثلة فی الأشخاص » (هلال،1973م، ص 526). «فالشخصیة من المنظور القرآنی هی الفعل التأسیسی، الشیء الّذی جعل الأفعال فی سیاق السرَّدِ القرآنی تنوب عن الشخصیة» (مزاری،2001م، ص 55).
أشخاص القصة توجد فی القصّة عدة أشخاص؛ بعضها شخصیات أصلیة وبعضها شخصیات فرعیه. کلّ أشخاص القصة ــ ما عدا موسى A ــ مجهولین، وهذا من میزات القصص القرآنیة الرئیسیة. یکتفی القرآن فی قصصه بذکر بعض صفات الشخص (نقرة،1974م، ص 348)، والشخصیة القرآنیة لم یُظهرها السرد باسمها فی أکثر الأحایین، بل صمت عنها لیترک خیال القارئ یتدفّق، لیملأَ الفجوات المسکوت عنها، متأوّلاً ومُسائلاً. «إنّ ظاهرة غیاب أسماء الشخصیات ظاهره قرآنیة قبل أن تکون من سمات الروایة الجدیدة، وعدم تحدید الشخصیات فی القصة القرآنیة لا یعیب السَّرد، [و هذا] یوحی إلینا بأنّ أهم شیء فی القصّة القرآنیة هو العبرة والمغزى الذی تهدف إلیه» (مزاری، 2001م، ص 37).
شخصیة الخضر البطل الرئیسی الذی تدور الأحداث حوله هو الخضر %؛ فاستغنى القرآن بوصفه عن ذکر اسمه فی القصة، ویکونُ الخضر 4 شخصیة متکاملة وخارقة. «والشخصیة المتکاملة (Round Character) شخصیّة معقدة متعددة الأبعاد، ویصعب التنبؤ بما تفعله، وتکون فی الوقت نفسه قادرة على سلوک مقنع ومفاجئ» (برنس، 2003م، ص 202). «والشخصیة الخارقة (Archpersona) شخصیة غیر عادیة، العامل، صاحب دور أساسی فی السَّرد» (المصدر نفسه، ص 30). «إن الخضر نبی قد خصَّه الله تعالى بالعلوم اللدنّیّة والأسرار النبویة بما لم یطلع علیه موسى p» (کامل وحسانی، 2005م،ص 40)، ویلعب دور المعلّم الواعی باستعداد الطالب. فطریق تعامله مع موسى 4 دالٌّ على علمه وحلمه معاً. وعلى الرغم من أن موسى Uلم یمتثل أمره، ونسی شرطه للمصاحبة، لکنّه أتاح لموسى p الفرصة للحصول على المعرفة المنشودة. و کلّ ما ذکره حین واجه اعتراضه على نفسه، ما هو إلاّ تکرار ما قال له فی بدءِ اللقاء: «... إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطیعَ مَعی صَبْراًª (الکهف 18: 67)؛ فلا یأخذ الخضر علیه عدم استطاعته صبراً، وهو عالم بقدر طاقة موسى A ومستوى صبره. وفی نهایة المطاف فسّر الخضرُ تلک الأفاعیل لموسى p، ووضّح له عن حقیقة أمره. ثم قال بعد ذلک کلّه: «وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْریª (الکهف 18: 82)، وکشف الستار عمّا لا یدری موسى A حقیقته. وبعد أن بیّن لها الحقائق أکّد مرّة أخرى على سبب ما قال له بدایةً، وهو عدم طاقته معه صبراً. ترک الخضر المجال للمتعلّم موسى حتى یفکر ویحلّل تلک التصرّفات، واکتفى بذلک المبلغ من المصاحبة لإلقاء الدرس، مؤدّیاً دوره کمُعلّم بارع. وهناک من اعتبر شخصیة الخضر فی هذه القصة تمثّلاً لبعض الأفعال الخفیّة الإلهیّة (یونغ، 1352هـ. ش، ص 275ــ276).
شخصیة موسى % موسى pهو الشخصیة الوحیدة ذُکر اسمها فی القصّة، وهو البطل الرئیسی الثانی، والحاضر من بدء القصّة إلى نهایتها. ویبدو کأنّه شخصٌ عادیّ لا نرى أی إشارة إلى نبوّته فی القصّة؛فلذلک یمکن أن یضع القارئ نفسَه مکانَه فی القصّة، بما أنّه شخصیة ساذجةٌ، ورُدود فعله أقرب بکثیر إلى فعل الإنسان العادی فی واقعیة الحیاة. بناءً على ذلک یمکن تبریر اعتراضاته واستعجاله دون الرکون إلى تأنیبه. على أنّه أسوة حسنة للمتوسّم، بما أنّه مصداق واضح لطالب العلم وسالک الطریق. ترک هو الجاه والمقام، وشقّ النفس على التعلّم، وخفض جناح الذلّ للعالم والزعیم المعنوی. فبینما کان یصرّ على طلب مصاحبته، لم یألُ عن جانب الأدب والاحترام (جنابادی،1361هـ. ش، ص 61ــ63). فکلامه [موسى %] موضوع على التواضع من أوّله إلى آخره. وقد تأدّبَ معه أوّلاً، فلم یورد طلبه منه التعلیم فی صورة الأمر، بل فی صورة الاستفهام، هضماً لنفسه؛ وسمّى مصاحبته اتباعاً منه له. ثم لم یورد التعلیم فی صورة الاشتراط، بل قال: «... عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداًª(الکهف 18: 66). ثم عَدّ نفسه متعلِّماً، ثمَّ أعظمَ قدر علمه؛ إذ جعله منتسباً إلى مبدء غیر معلوم لم یعیّنه باسم أو نعتٍ؛ فقال: «عُلَّمتَ» [الکهف 18: 66]، ولم یقل: عَلِمتَ» (الطباطبائی،1972م، ص 343). تحکی شخصیة موسى 4 أدب المتعلّم؛ وذلک من خلال سیاق حواری وصفی بعید عن الاجتراء والتأنّف والتّعَنْجُه. وهذا أضفى على القصة بعداً فنّیّاً جمالیّاً، وصوَّر لنا شخصیته العظیمة. کان موسى البطل الثانی فی القصة، ولکنه لا یمکن عدّه فی هذه القصة شخصیة متکاملة حسب المفهوم القصصی.
شخصیة الفتى الفتى الذی ذکره الله وأضافه إلى موسى قیل: هو یوشع بن نون وصیّه (الطباطبائی،1972م، ص 338؛ القرطبی، 1957م، ص 11؛ ابن برهان،2007م، ص 136). «إن أهم دور ثانویّ لشخصیة الفتى هو الدور الفنّیّ الذی هَیّأه النصّ للفتى؛ من حیث تأثیره على حرکة القصّة. إن حرکة القصة قد تأثرّت أساساً بسلوک الفتى، ممّا شکّلت انعطافاً فنّیّاً ملحوظاً فی الرحلة» (البستانی، 1408هـ، ص 321)؛ إذ إنّ الفتى هو الذی ذکّر موسى A بالمکان الذی جاوزاه، وذلک عندما أحسّ موسى % بالجوع، فطالب فتاه بتهیئة الطعام، لکن الفتى تذکّر أن الحوت قد بقی فی المکان الذی استراحا عنده، وتذکر أنّه قد انسرب الحوت من یده. إنّ عملیة مشاهدته لانسراب الحوت قد ساهمت فی الحرکة المذکورة فی القصة، مادام الانسراب هو المَعلَم الذی سیدلّ موسى 4 على العالِم (البستانی،1408هـ، ص 322). لم یأت فی القصة ذکر عن فتى موسى U بعد أن وجدا العالِم، ویبدو أنه انتهى دوره الخاص فی هذا الموقف؛ فإذا هو یغیب ولم یرد عنه ذکرٌ بعدُ. ویحتجّ الطبرسی على [مفاجأة] غیابه ویقول:«ولم یذکر یوشع؛ لأنه کان تابعاً لموسى، أو قد تأخّر عنهما، وهو الأظهر» (د ت، ص 187). من الممکن أن یعتبر هذا من مفاجئات القصة الکثیرة؛ ویلی هذا بعد مفاجأة إحیاء الحوت واتّخاذ سبیله فی البحر عجباً. إذن ــ ورغم دوره الهامّ فی مسار القصّة ــ یعتبر الشخصیة الثانویة. إن عنصر المفاجأة من الخصائص الفنیة للقصة، ولا تستثنی منه القصة القرآنیة؛ ویأتی ذلک فی القصص القرآنیة بمختلف الأشکال (قطب، د ت، ص 146، 148ــ151).
الشخصیات الأخرى هنالک شخصیات أخرى فی القصّة؛ وهی: المساکین الّذین أعاب الخضر p سفینتهم، والملِک الظالم، والغلام المقتول وأبواه، وأهل القریة البخلاء، والغلامان الیتیمان وأبوهما. ویمکن أن تقسم الشخصیات المذکورة إلى قسمین: الشخصیات السلبیة، والشخصّیات الإبجابیة. أما الأولى منها فهی: الملک الظالم الذی قد أساء استخدام قدرته بغصب السّفن وأذى النّاس، والغلام الذی قتله الخضر %. وقیل عنه لم یکن بالغاً، أو کان بالغاً ولکن ما قام بعمل یستحقه القصاص کقتل النفس (القرطبی،1972م، ص 21). وتضاربت الأقوال عنه وعن أهل القریة المتّصفین بالبخل الشدید والامتناع عن الاستضافة فی الکتب التفسیریة. أمّا القسم الثانی (الشخصیات الإیجابیة) فهی: أَبَوا الغلام المؤمنان والمولود (أو المولودة) المنتظر/المنتظرة (القرطبی، 1972م، ص 37؛ ابن برهان، 2007م، ص 148ــ149)، والأب الصالح الذی مات وکان له ولدان، وأراد الله أن یکفل أمورهما کمثوبةٍ لأبیهما الصالح، والمساکین وهم «... یَعْمَلونَ فی الْبَحْرِ ...ª (الکهف 18، 89) بغیة طلب رزق الحلال، ونجّاهم الله بید الخضر من شرّ الملک الظالم. ویعدّ الحوت فی القصة شخصیة حیوانیة لها أهمیة بالغة، والقارئ یدرک هذا الأمر بعد التوقف عنده والتمعّن فیه. إن الحوت ینهض بمهمّتین مزدوجتین تتداخلان واحدة مع الأخرى، هما: مهمّة الزاد الذی لا مناص من تهیئتهِ لموسى p وفتاه، ومهمة السَّرَب وفقدانهما إیاه. وصلة هذا السَّرَب بمهّمة الرحلة غامضة؛ ولذلک یتحمّل الحوتُ فی القصّة أهمیة فنیه فی تأثیرها على رحلة موسى A، وفی تطویرها للأحداث. وکان انسرابه علامةً ینبغی أن یقف عندها موسى p؛ لذلک رجع موسى وفتاه إلى الموقع نفسه الذی انسرب الحوت منه بعد أن جاوزاه (البستانی، 1408هـ. ق، ص 314، 316ــ318). الصلة الوثیقة بین شخصیات القصّة واتصال مصیر بعضها ببعضٍ تحکی عن حبکة قویة یتمثّل فى الانسجام والترابط والتسلسل. یُقتل الغلام بسبب دفع إیذاءه عن والدیه، ولو کان یبقى، لکان فی بقاءه مفسدة لأبویه (الهلالی، 1428هـ،ص 162، 174ــ175). ویبیّن الخضر سبب قتله: «وَأَمَّا الْغُلامُ فَکانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَیْنِ فَخَشِینا أَنْ یُرْهِقَهُمَا طُغْیاناً وَکُفْراًª (الکهف 18: 80). وفی موضع آخر یتعلّق مصیر الغلامین بوالدهما الصالح؛ حین قام الخضر بتحّمل مسؤولیة حمایتهما. وسبب ذلک یعود إلى شخصیة الأب الصالح المؤمن والملتزم بالشریعة (الهلالی،1428هـ، ص 174). إذن یثبتُ دور هامّ فی القصّة وأَحداثها لأبوین المؤمنَین والأب الصالح. هؤلاء الأشخاص ــ ورغم عدم تمثّلهم المادی ــ یقعون على مرکز الأحداث، ویساهمون مساهمةً فاعلةً فی السرد. هذا الاتصال الوثیق بین شخصیات القصة ومصائرها منح القصة انسجاماً ووحدةً عضویة، ورفع القصة إلى مستوىً عالٍ من الفن القصصی الملتزم، ویوحی إلى المتلقی النظرة التوحیدیة وراء الأحداث والأفعال، ویصوّر خیطاً یبدأ من الغیب المجهول، ویمتدّ إلى أن یصل إلى العالم الظاهر، حتى یمکن مشاهدته من خلال أحداث القصة.
عنصر الزمن فی القصة لعنصر الزمن أثر فی حبکة القصّة. فهناک الترتیب التتابعی الطبیعی للأحداث؛ کما یقال بالإنجلیزیة: (Chronological order)، وهو ما نجده فی أکثر الروایات والقصص التقلیدیة. وهناک الارتداد من الحاضر إلى الماضی أو طریقة التداعی الحُرّ التی لا یلجأُ الکاتب فیها إلى الترتیب الزمنی المعروف (السید، 2005م، ص 47). «یمثل الزمن عنصراً مهماً وفاعلاً فی الفنون السردیة بعامة، ولا یوجد سردٌ دون فضاء زمانی یحتویه» (إبراهیم، 2008م، ص 142). ویمکن أن یحدّد الزمن الروائی فی ثلاثة أشکال أساسیة: «1. البناء التتابعی للزمن؛ 2. البناء التداخلی الجدلی للزمن؛ 3. البناء المتشظی للزمن» (القصراوی، 2004م، ص 64).
الزمن فی القصة القرآنیة اهتمّ القرآن الکریم برصد الزمان فی آیاته الکریمة، نظراً لما لهذا العنصر من أهمیة کبرى فی دفع الأحداث، ولما له من قیمة عظیمة ودور رئیسی فی حرکة الحیاة. وقد وظّفت القصة القرآنیة ــ عن طریق عنصر الزمان ــ حشداً هائلاً من الإیحاءات والأجواء النفسیّة المعبّرة. وتعامل القرآن مع الزمن لا یقتصر على الزمن التقدمی، بل هناک نوع من التشتّت [التشظی] فی زمن القصص القرآنیة (حسن، 2007م،ص 166).
الزمن فی القصة کان الزمن فی القصة مبهماً وغیر محدّد، وهذا شأن کثیر من القصص القرآنیة التی لا ترمز إلى تاریخ خاص بالضبط. إن الزمن فی هذه القصة زمن تتابعی وطبیعی، ولکنه لا یقتصر على الزمن التتابعی نفسه، بل قد توجد استرجاعات فی القصة. للمکوِّن الزمن فی هذه القصة أهمیة خاصة؛ وذلک بسبب أنها یشعّ بعض القضایا فی القصة، کإثارة انتباه القارئ، ولفت نظره إلى الأمور الهامة التی تنشدها القصة. وسیأتی بالمناسبة دور الحدیث عنها. تبدأ قصة موسى والخضر 6من خلال حوار بین موسى وفتاه، ویتضمّن هذا الحوار مفهوماً زمنیّاً مبهماً: «إِذْ قالَ موسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَیْنِ أَوْ أَمْضِیَ حُقُباًª (الکهف 18: 60). هذه البدایة القصصیة تنطوی على جملة من أسرار الجمال الفنّیّ المتصل ببناء القصة؛ إذ فیها دلالة زمنیة، ویدری القارئ مِن عبارة «لا أبرح» و«أمضی حقباً» أنّ القائل ــ وهو موسى A ــ قَد تأهّب نفسه لأمر ما، وعزم على سفر طویل، بغیة الوصول إلى منطقة خاصة. ومن الواضح أن شخصاً کموسى 4 لا یمضی وقتاً طویلاً للحصول على شیءٍ تافهٍ أو أمر صغیر. فهذه الدلالة الزمنیة الواضحة توحی إلى القارئ القضایا المتوقعة الهامّة التی ستکشف له فیما بعد.
الاسترجاع (Analepsis) فی القصة «إنّ الاسترجاع مفارقة زمنیة تعیدنا إلى الماضی بالنسبة للحظة الراهنة، واستعادة لواقعة أو وقائع حدثت قبل اللحظة الراهنة. وإکمال الاسترجاع أو العودة یملأ الثغرات السابقة التی نتجت من الحذف أو الِغفال [Ellipsis] فی السرد» (برنس،2003م، ص 25). وهناک فی الآیة «قالَ أَرَأَیْتَ إِذْ أَوَیْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنّی نَسِیتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانیهُ إِلاَّ الشَّیْطانُ أَنْ أَذْکُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبیلَهُ فی الْبَحْرِ عَجَبًاª (الکهف 18: 63) استرجاع ومفارقة زمنیة، واستعادة لواقعةِ بلوغهما مجمعَ البحرین ونسیانِ الحوت جنب الصّخرة. والآیة المذکورة أکملت الآیة ماقبل السابقة: «فَلَمّا بَلَغا مَجْمَعَ بَینهِما نَسِیا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبیلَهُ فی الْبَحْرِ سَرَباًª (الکهف 18: 61). وهکذا کشفت الآیة الـ63عمّا قبلها ــ وهی الآیة الـ61 ــ غطاءَها، وملأت الثغرة التی کانت فیها. وهذا إکمال الاسترجاع.
تحدید الزمن فی القصة وتوظیفه بعد أن لقی موسى الخضر 6، وَعَدهُ بأن لا یعصی أمره: «قالَ سَتَجِدُنی إِنْ شاءَ اللّهُ صابراً وَلا أَعْصی لَکَ أَمْرًاª (الکهف 18: 69 ). وتدلّ الآیة أن موسى علّقت وعده بالمستقبل ــ وذلک بواسطة حرف «سین» ــ وشرط صبره على مشیّة الله. فردَّ علیه الخضر %: «قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنی فَلا تَسْأَلْنی عَنْ شَیْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَکَ مِنْهُ ذِکْراًª (الکهف 18: 70). یدلُّ القسم الأوّل من هذه الآیة ــ وهو الشرط وجوابه ــ على الزمن الحاضر الاستمراری؛ وذلک حسب مقتضى الکلام. ثم یمتدّ إلى زمنٍ غیر معلوم فی المستقبل تدلّ علیه «حتى» المذکورة. فلا شک أن تسلسل الأحداث فی القصة تطبّق خیط الزمن الحقیقی الذی وقعت فیه الأحداث. والدّقةُ التعبیریة ملحوظة فی بعض الآیات التی تشیر إلى موقف موسى أمام الخضر، واعتذاره منه بعد نقض الوعد؛ حیث «قالَ لا تُؤاخِذْنی بما نَسیتُ وَلا تُرْهِقْنی مِنْ أَمْری عُسْراًª و«قالَ إِنْ سَأَلْتُکَ عَنْ شَیْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنی قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنّی عُذْراًª (الکهف 18: 73 و76). وکذلک تکرار الآیة: «قالَ إِنَّکَ لَنْ تَستَطیعَ مَعی صَبْراًª (الکهف 18: 67)؛ واضافة بعض الکلمات أو الحروف إلیها خلال السرد بغیة التذکیر والتأکید (را: الکهف 18: 72، 75و 82) تفضی بنا إلى الحکم بتتابع سرد الأحداث وفق ترتیب زمنها الواقعی. وإضافة إلى ما ذکرنا، فإنّ أداة «لن» توحی إلى عدم استطاعة موسى A صبراً معه على الدوام، کما ترمز إلى علم الخضر A الباطنی، وقوله الصدق الذی قد تحقق فی القصة. بناءً على زمن التقاء موسى بالخضر 6، یمکن أن یحدّد الزمن فى القصة على ما یلی: زمن بدایة السفر ورحلة موسى % وفتاه إلى أن یدرک موسى A العلامة التی تهدیه إلى المکان المحدَّد للّقاء؛ والزمن الذی یلتقی موسى بالخضر 6ویجری حوارٌ بینهما؛ والزمن الکلّیّ المبهم، وهو الزمن الذی انطلقا معاً فی الأمکنة والأجواء المختلفة ووقعت الأحداث الثلاثة.
زمن السرد والزمن الواقعى فی القصة وترابط الزمن والأحداث «إن السرد (Narrative) هو الحدیث أو الإخبار لواحد أو أکثر من واقعة حقیقیة أو خیالیة من قِبل واحد أو اثنین أو أکثر من الساردین (Narrator). زمن السرد هو الزمن الذی یقدم من خلاله الساردُ القصةَ، ولا یکون بالضرورة مطابقاً لزمن القصة» (بوعزة،2010م، ص 87)، أو الزمن الواقعی للأحداث فی القصة. لا یدری المتلقی کم مدةً جرى لموسى والخضر 3 إلى أن یأتی حین الفراق؟ فتوجد قفزات زمنیة عدیدة فی القصة، ولا یمکن قیاس زمن السرد على الزمن الحقیقی؛ لأن زمن السرد أقل بکثیر من الزمن الواقعی الذی لا ندری طول مدّته بالضبط. إنّ أحداث القصة على طولها الظاهر فیها اختصار فی الزمان والمکان والحدث، والعبارة التی تکرّرت فی الآیات التالیة: «فَانْطَلَقا حَتّى إِذا رَکِبا فی السَّفینَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً إِمْراًª و«انْطَلَقا حَتّى إِذا لَقِیا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَکِیَّةً بغَیْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً نُکْراًª و«فَانْطَلَقا حَتّى إِذا أَتَیا أَهْلَ قَرْیَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ یُضَیِّفوهُما فَوَجَدا فیها جداراً یُریدُ أَنْ یَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَیْهِ أَجْراًª (الکهف 18: 71، 74 و77) عملتْ على الربط بین أحداث القصّة وتسلسلها، علماً بأن بین کل مرحلة وأخرى قد مرّت أحداث عبر فترة زمنیّة مبهمة (عبدالرحمن، 2006م، ص 113). تتصل أحداث القصّة بأزمنة متباینة: فخرْقُ سفینة المساکین یتعلّق بالزمن الحاضر الاستمراری والمستقبل وفقاً لجوّ القصّة؛ لأن الملک الظالم ما اغتصب سفینتهم آنئذٍ، وإنّهم سیقدرون بعد رأب السفینة أن یواصلوا عملهم فی البحر طالبین الرزق الحلال. وکان قتلُ الغلام متصلاً بالمستقبل؛ لأن الله تعالى أتمّ نعمته على والدیه بدفع سوءه عنهما، وإعطاءهما بدلاً خیراً منه فی المستقبل: «وَأَمَّا الْغُلامُ فَکانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَیْنِ فَخَشینا أَنْ یُرْهِقَهُما طُغْیاناً وَکُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ یُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَیْراً مِنْهُ زَکاةً وَأَقْرَبَ رُحْماًª (الکهف 18: 81 ــ82). ففی الروایات إشارات کثیرة إلى الخلف الصالح لهما (الطباطبائی، 1972م، ص 357). وسبب إقامة الجدار یرجع إلى الزمن الماضی القریب أو البعید، وهو یرتبط بالأب الصالح الذی توفّی. وأشارت إلیه الآیة: «وَأَمَّا الْجِدارُ فَکانَ لِغُلامَیْنِ یَتیمَیْنِ فی الْمَدینَةِ وَکانَ تَحْتَهُ کَنْزٌ لَهُما وَکانَ أَبوهُما صالِحًاª (الکهف 18: 82). «وظاهر اللفظ أنه والدهما دنیة (الأب الأقرب). وقیل: هو الأب السابع، قاله جعفر بن محمد [3]» (القرطبی، 1957م، ص 38).
دلالة المفردات الزمنیة ورمزیتها بعض المفردات فی القصة تحمل فی طیّها إشارات زمنیة خاصة. منها: مفردة «غداءنا» فی الآیة «آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقینا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباًª (الکهف 18: 62). تدلّ هذه المفردة على طول مدّة تجاوزهما عن مجمع البحرین (الطبرسی،د ت، ص 180)، وإنّها ترمز إلى زمن اللّقاء الذی قَرُبَ. وکلمة «الغداء» إضافةً إلى دلالته على وجبة الطعام فی النهار تکشف عن رمزیّتها؛ لأنّ ظاهرة غیاب الحوت ــ وهو وجبة الغداء ــ بالنسبة إلى موسى p کانت علامةً لموعد اللّقاء؛ حیث یقول بعد اطلاعه على غیاب الحوت: «قالَ ذلِکَ ما کُنّا نَبْغِ...ª (الکهف 64:18)، ویرجعان إلى الوراء للوصول إلى المطلوب. وحسب ما یبدو، فإنّ کلمة «وراء» فی الآیة «وَکانَ وَراءَهُمْ مَلِکٌ یَأْخُذُ کُلَّ سَفینةٍª (الکهف 18: 79) تحمل فیها دلالة زمانیة ومکانیة إلى حدّ سواء، وفیها إبهام وغموض، وهی من الأضداد (القرطبی، 1957م، ص 35؛ ابن برهان، 2007م، ص 34). وینسجم هذا الإبهام والغموض مع ضبابیة الأحداث وجوّ القصة التی ملیئة بالأسرار والرموز. النتیجة قد أُثبت الدور الهام لبطل القصة، الخضر %، وهو الشخصیة المتکاملة والخارقة فی القصة، ولم یُذکر اسمه فی القصة؛ لأنّ الأمر الأساسی بالنسبة إلیه هو سماته الخاصة التی میّزتْه عن سائر الشخصیات. والبطل الثانی موسى U. هو نموذج رجل یطلب العلم ویحبّ العالِم، ویشقّ النفس لأجل طلبه. إنّ الشخصیات الأخرى فی القصة لها دور ثانوی، والأمر المتصل بهؤلاء الأشخاص هو أفعالهم وأوصافهم لا أسماؤهم وملامحهم الجسدیة؛ فلذلک ضرب القرآن عن ذکرها صفْحاً. واتضح لنا أن هناک صلة وثیقة بین مصیر شخصیات القصة عامّة، ومصیر الأبناء والوالدین خاصة؛ وهذا الأمر یحدو بنا إلى الحکم بأنّ القصة تحظى بنظام علائقی وشیج، وإنّ جمیع أحداثها تجری فی نظام سببی لا مکانَ للصدفة فیها. وإذا جاءت مفاجئات فی القصة، فلها أسبابها الخاصّة، وإن لم نُحط بجمیع مواضعها خُبْراً. إن الآیات المتکررة والتی تحکی عن موقف موسى % تجاه الخضر 4 تأتی کدلالة تدلّنا على العلم بتعاقبیة زمن القصة ومطابقتها الترتیبَ الزمنیَّ الواقعیَّ للأحداث. ومن اللافت للنظر أن القصة ترسم الأغراض الدینیة والتربویة والتعلمیة دون اللجوء إلى الخطاب المباشر أو اتخاذ الموقف الانحیازی، وهذا أهمّ ما وصلت إلیه هذه الدراسة المتواضعة. | ||
مراجع | ||
المصادر والمراجع أ. العربیة القرآن الکریم 1. إبراهیم، إبراهیم عبدالمنعم. (2008م/1429هـ). بلاغة السرد القصصی فی القرآن الکریم، قصة یوسف نموذجاً. (ط 1). القاهرة: مکتبة الآداب. 2. ابن برهان، محمد. (2007م/1428هـ). الدّرّ النّظیم فی أخبار موسى الکلیم. (ط 1). بیروت: دار الکتب العلمیة. 3. ابن منظور، محمد بن مکرّم. (1992م). لسان العرب. بیروت: دار صادر. 4. برنس، جرالد. (2003م). المصطلح السردی. (ترجمة عابد خزاندار). (ط 1). القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة. 5. البستانی، محمود. (1408هـ). دراسات فنیة فی قصص القرآن. (ط 1). مشهد: الآستانة الرضوّیة المقدسّة. 6. بو عزّة،محمد. (2010م). تحلیل النص السردى. (ط 1). الرباط: دار الأمان. 7. حسن، أحمد عطا. (2007م). البناء الفنّی فی القصة القرآنیة. (ط 1). القاهرة: دار غریب للطباعة والنشر. 8. السید، وجیه یعقوب. (2005م/1425هـ). الروایة المصریة فی ضوء المناهج النقدیة الحدیثة. (ط 1). القاهرة: مکتبه الآداب. 9. الطباطبائی، سیدمحمدحسین. (1972م/1392هـ). المیزان فی تفسیر القرآن. (ج 13). بیروت: موسسة الأعلمی للمطبوعات. 10. الطبرسی، الفضل بن حسن. (د ت). مجمع البیان فی تفسیر القرآن. (ج 13) بیروت: دار ومکتبة الحیاة. 11. عبدالباقی، محمد فؤاد. (د ت). المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الکریم. بیروت: دار إحیاء التراث العربی. 12. عبدالرحمن، مروان محمد. (2006م). دراسة أسلوبیة فی سورة الکهف. (رسالة الماجستیر بإشراف د. خلیل عودة،جامعة النجاح الوطنیة، کلیة دراسات العلیا،قسم اللغة العربیة وآدابها). 13. الفیروزآبادی، محمد بن یعقوب. (2005م). القاموس المحیط (تصحیح یوسف الشیخ محمّد البقاعی). بیروت: دار الفکر. 14. القرطبی، محمد بن أحمد. (1957م/1377هـ). الجامع لأحکام القرآن. تحقیق أبو إبراهیم أطفیش. (ج 11). (ط 2). القاهرة: دار الکتب المصریة. 15. القصراوی، مها حسن. (2004م). الزمن فی الروایة العربیة. بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر. 16. قطب، سید. (د ت). التصویر الفنّی فی القرآن. (ط 2). القاهرة: دار الشروق. 17. کامل، حیدر، ومحمد شراد حسانی. (2005م). الخضر بین الأنبیاء، العبد الصالح. (ط 1) بیروت: دار ومکتبة الهلال؛ دار البحار. 18. نقرة، تهامی. (1974م). سیکولوجیة القصة فی القرآن. تونس: الشرکة التونسیة للتوزیع. 19. هلال، محمد غنیمی. (1973م). النقد الأدبی الحدیث. القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر. 20. هلالی، عماد. (1428هـ/1368هـ. ش). العبد العالم: المنهج والحیاة. (ط 1). قم: مؤسسة بوستان کتاب. 21. مزاری، شارف. (2001م). مستویات السرد الإعجازی فی القصّة القرآنیة. دمشق: اتحاد الکتّاب العرب. 22. مطاوع، سعید عطیة. (2006م). الإعجاز القصصی فی القرآن. (ط 1). القاهرة: دار الآفاق العربیة.
ب. الفارسیة 23. گنابادی، سلطانحسین تابنده (1402هـ/1361 هـ. ش). قرآن مجید و سه داستان اسرارآمیز عرفانی. (چاپ 2). تهران: سرای سینا. 24. میرصادقی، جمال. (1386 هـ. ش). ادبیات داستانی. (چاپ 5). تهران: انتشارات سخن. 25. یونگ، کارل گوستاو. (1352هـ. ش). انسان و سمبول هایش. تهران: امیرکبیر. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 4,063 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 572 |