تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,639 |
تعداد مقالات | 13,328 |
تعداد مشاهده مقاله | 29,889,673 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 11,950,801 |
دراسة حول ظاهرة التکرار من خلال آراء ابن رشيق النقدية في کتابه العمدة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 5، دوره 3، شماره 4، تیر 2011، صفحه 51-63 اصل مقاله (200 K) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسندگان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
سيدرضا سليمانزاده نجفي* 1؛ غلامرضا شانقي2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1استاديار گروه زبان و ادبيات عربي، دانشگاه اصفهان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
2دانشجوي کارشناسي ارشد زبان و ادبيات عربي، دانشگاه اصفهان | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
من الظواهر الأسلوبية التي تستخدم کثيراً في النصوص الأدبية ظاهرة التکرار؛ وهي ظاهرة شاعت في کلام العرب منذ الجاهلية، حيث استعملها الشعراء وأکثروا منها. وقد درسها البلاغيون والأدباء وعُنوا بها عناية واسعة؛ فسمّوها تارة «التکرار»، وأخرى «الإعادة» أو «التَّرداد»، وحاولوا أن يبيّنوا صورها و أسبابها و فوائدها. وربما کان ورودها في القرآن الکريم ولزوم تفسير هذه الظاهرة في السياق القرآني هو الدافع الرئيس في هذه المحاولة. يهدف هذا المقال إلى البحث عن آراء ابن رشيق القَيرواني ــ وهو أديب وناقد وشاعر وأحد الأفاضل البلغاء ــ حول ظاهرة التکرار من خلال أشهر مؤلفاته: کتاب العمدة، الذي يعتبر من أهم الکتب النقدية في القرن الخامس الهجري، ويحتوي على آراء النّقّاد الذين سبقوه في النقد الأدبي، کما يضمّ موضوعات أدبية هامّة، ولا سيّما البلاغية منها. فيعتمد هذا البحث على تحليل ما يتناوله الکتاب في موضوع التکرار، عن طريق المراجعة إلى عدد من المصادر في اللغة والأدب. کما يقارن بين هذه الآراء وآراء عدد من النقاد و الأدباء بغية الکشف عمّا يمتاز بها هذا الکتاب من الخصائص التي نال بفضلها مؤلفه إلى هذه الشهرة الواسعة. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التکرار؛ ابن رشیق القیروانی؛ العمدة؛ النقد الأدبی؛ علوم البلاغة | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المقدمة لقد مرّت على علم البلاغة العربیة بعد تدوینها مراحل مختلفة، وذلک بفضل القرآن الکریم واهتمام العلماء بتبیین وجوه إعجازه؛ إذ بدأوا بکتابة مؤلَّفات فی إعجاز القرآن ومعانیه وأسرار بلاغته. ثم اتسع الأمر مع اتصال البلاغة باللغة والأدب، بحیث لا تخلو ــ غالباً ــ کتب اللغة والأدب من الإشارة إلى موضوعاتها؛ فأدّى ذلک إلى مرحلة التألیف البلاغی. فوضع عبدالله بن المعتز کتابه البدیع الذی کان أول کتاب یؤلَّف فی البلاغة ویجمع فنونها. ثم امتزجت البلاغة بالنقد فی القرن الرابع الهجری؛ فکُتبت مؤلَّفات اتُّخذ کثیر من الأمور البلاغیة فیها مقاییسَ ینقد الأدب على أساسٍ منها، یُحکم له بالجودة إن کانت جیدة، ویُحکم علیه بالرداءة إن کانت ردیئة؛ وذلک کما فی کتاب نقد الشعر لقدامة بن جعفر (332هـ)، وکتاب الموازنة بین الطائیَّین للآمدی (371هـ)، وکتاب الوساطة بین المتنبی وخصومه للقاضی الجرجانی (392هـ)، وکتاب الصناعتَین للعسکری (395هـ)» (المبارک، 1968م، ص 65). إلى أن جاء ابن رشیق القیروانی فی بدایة القرن الخامس بکتابه العمدة فی معرفة صناعة الشعر ونقده وعیوبه. فهو کتاب یُعنى بفن الشعر ونقده، نقداً یمتزج بالبلاغة، ویعتمد علیها فی أحکامه ویتحدّث عنها وعن فنونها، وجعل فیها لکل فن باباً یختص به؛ کباب الاستعارة وباب المجاز وباب التشبیه و... کذلک جعل للتکرار باباً خاصاً، وبیّن فیه آراءه النقدیة حول هذه الظاهرة، مستعیناً بالشواهد القرآنیة، وکثیر من الشواهد الشعریة. وأشار إلى بعض أقوال المتقدمین وآراءهم؛ إذ لیس ابن رشیق أول من تکلم عن التکرار وأسبابه ودوافعه. فقد تقدم علیه فی ذلک الجاحظ فی کتابیه البیان والتبیین والحیوان؛ ثم ابن قتیبة فی کتاب تأویل مشکل القرآن، وابن فارس فی کتابه الصاحبی، وأبوهلال العسکری فی الصناعتین، وغیرهم ممن تحدثوا عن هذا الأسلوب فی کتبهم (السید، 1407هـ، ص 88).
خلفیة البحث لقد اهتمّت عدة دراسات من الباحثین المعاصرین بأسلوب التکرار ومظاهره وآثاره فی القرآن الکریم، أو فی شعر شاعر معیّن، کدراسة حول «ظاهرة التکرار فی شعر أبی القاسم الشابی» قام بتألیفها الدکتور زهیر أحمد المنصور؛ أو عصر من العصور الأدبیة، کما فعل الدکتور موسى ربایعة فی بحثه المقدّم لمؤتمر النقد الأدبی الثانی بجامعة یرموک سنة 1988م، الذی یحمل عنوان «التکرار فی الشعر الجاهلی»؛ أو بشکل عام، کما نجد فی کتاب التکریر بین المثیر والتأثیر لعزّ الدین السید، ولکننا رأینا أن نبحث فی هذا المقال عن آراء ابن رشیق الخاصة به حول هذه الظاهرة فی کتابه العمدة، لجلیل شأنه وعظیم منزلته؛ إذ هو من أمهات کتب التراث العربی فی النقد الأدبی، وأحد مصادر البحث فی الدراسات التی تمت کتابتها فی هذا المجال. وهناک دراسات تبحث عن آراء ابن رشیق النقدیة، من أمثال: «ابن رشیق وآراؤه النقدیة فی العمدة» للدکتور حسین جمعة، لکنها تبحث عن جمیع آرائه النقدیة فی هذا الکتاب، لا فی موضوع خاص کما فی بحثنا هذا؛ فإنه یشتمل على آراء ابن رشیق فی موضوع التکرار، خاصة مع تحلیلها والمقارنة بینها وبین عدد من آراء سابقیه أو معاصریه من النقاد. فنبدأ بنبذة قصیرة من حیاة ابن رشیق القیروانی؛ ثم نتکلم عن کتابه الشهیر العمدة، ونأتی بآراء الباحثین فیه؛ ثم نبحث عن ظاهرة التکرار وآراء عدد من النقاد حولها، ساعیاً وراء الکشف عن آراء ابن رشیق الخاصة به، و ما فیها من فوائد وآثار.
ابن رشیق القیروانی أبوعلی الحسن بن رشیق القیروانی الأزدی، شاعر وأدیب وناقد شهیر وأحد البلغاء الأفاضل. ولد بالمسیلة[1] (المحمدیة) سنة 390هـ. وکان أبوه مملوک رومی لرجل من الأزْد، وکانت صنعة أبیه فی بلده الصیاغة. فعلّمه أبوه صنعته، وقرأ الأدب بالمسیلة، وقال الشعر قبل أن یبلغ الحُلُم، ولکن قریحته الوقّادة لم تجد بالمسیلة مجالاً؛ فاشتاق إلى لقاء أهل الأدب. فرحل إلى القیروان[2] سنة 406هـ (ابنرشیق، آ 1401هـ، ص10؛ الزرکلی، 2002م، ص 191)، وعمره آنذاک ستَّ عشرة سنة. وتتلمذ فیها عند مشاهیر العلماء من أمثال أبیعبدالله محمد بن جعفر القزّاز القَیروانی، وأبیمحمد عبدالکریم بن إبراهیم النّهشلی (الراجکوتی، 1343هـ، ص40). واشتهر فی القیروان، ومدح صاحبها «المعزّ بن بادیس بن منصور» بقصیدة أولها:
(المعنى: إذا قورنت عیونُ الظباء (المشهورة بالجمال) بعینک الجمیلة، تُعدّ معیبة مذمومة، وقد خضعت لحسنک وجمالک الشمس والقمر ). فلمّا عرف ابن بادیس مکانته من الأدب وقول الشعر، قرّبه، فلزم دیوانه وأخذ الصلة منه. وکان بینه وبین ابن شرف القیروانی الشاعر مناقضات ومهاجاة؛ وذلک لأنهما کانا شاعری ابن بادیس، واتصلا بخدمته فی وقت واحد. فوقعت المنافسة بینهما، وتخارجا فی الهجاء. وعمل ابن رشیق عدة تصانیف فی الرد علیه، وإخراج معایب أقواله،کرسالة سمّاها «ساجور الکلب» و«الرسالة المنقوضة». ولم یزل ابن رشیق على ما هو علیه من التألیف والتصنیف إلى أن هجم العرب إلى القیروان، وقتلوا أهلها، وخرّبوا منازلها، وانتهبوا أموالها. فعند ذلک فرّ ابن رشیق إلى ساحل البحر الغربی، ولکن لم یمکنه المُقام هناک. فعبر البحر إلى جزیرة صِقِلّیّة[3]، ونزل بـ«مازر» إحدى مدنها، فأکرمه أمیرها. فلم یزل عنده إلى أن مات بمازر سنة 456هـ ــ فی أشهر الأقوال ــ ، وقیل سنة 463هـ (الزرکلی، 2002م، ص 191؛ ابن خلّکان، 1969م، ص 85 ). ومن تصانیفه: العمدة فی صناعة الشعر ونقده، وسنبحث عنه فیما یلی؛ قراضة الذهب فی صناعة الأدب، بحث فیه عن سرقات المتقدمین والمتأخرین من الشعراء؛ الشذوذ فی اللغة، جمع فیه شواذّ کل باب؛ أنموذج الزمان فی شعراء القیروان، کتب فیه ما عثر علیه من تراجم أدباء القیروان؛ دیوان شعره؛ میزان العمل فی تاریخ الدول، عدّد فیه أیام الملوک؛ رسالة «ساجور الکلب»؛ «الرسالة المنقوضة»؛ رسالة «رفع الإشکال ودفع المحال»، وغیر ذلک من المصنفات والرسائل (الراجکوتی، 1343هـ، ص 76).
کتاب العمدة وأقوال الباحثین فیه هو کتاب یتناول فن الشعر وما یتصل به وبنقده؛ والنقد فی هذا الکتاب یمتزج بالبلاغة، ولذلک یتحدث فی جزء کبیر منه عن البلاغة وفنونها. یتألف کتاب العمدة من جزأین یشتملان على مائة وستة أبواب، راعى فیها کل ما یتعلق بالشعر بتبویب مناسب حسن. ویمکننا درج أبواب الکتاب ضمن: قیمة الشعر وأثره فی حیاة العرب، بیئة الشعر المکانیة وجوّه الزمانی، حدیث حول الشعراء، ملاحظات نقدیة فی الشکل والعروض، وبحوث فی البلاغة. والذی دفع الکاتب إلى تألیفه أنه وجد أن الشعر أکبر علوم العرب، وأوفر حظوظ الأدب؛ فیعدّد فضائل الشعر والأقوال المأثورة فیه، ویذکر اختلاف الناس فی مذاهبه، ویقول إنّه جمع فیه أحسن ما قالوه، وصبّ آراءه بأسلوبٍ هو من قریحته وإنشائه، وجمع فیه کل شیء مع ما یناسبه، وأحسن تبویبَه (ألتونجی، 1419هـ، ص661). فلمّا ظهر للناس هذا الکتاب، أقبلوا علیه حتى وقع محسوداً لبعض خصوم المؤلف؛ فعابوا علیه السرقة والانتحال حتى اضطُرّ على أن یدافع عن نفسه فی کتابه، ویدعوهم إلى الإتیان بمثله أو ببعضه، فیقول: وقد بلغنی أن بعض من لایتوّرع عن کذب، ولا یستحیی من فضیحة، زعم أنّی أخذت عنه مسائل من هذا الکتاب، لو سُئِل عنها الآن ما علِمها. والامتحان یقطع الدَّعوى، کما قال بعض الشّعراء:
(المعنى: من ادّعى وصفاً لیس فیه وتکلّفه، کشف الامتحان معایبه وأوقعه فی الخجل). وکنتُ غنیّاً عن تهجین هذا الکتاب بالإشارة إلى من أشرتُ إلیه، أنَفاً من ذکره، وعُزوفاً بهمّتی عن الانحطاط إلى مساواته، ولکنی رأیتُ السکوت عنه عجزاً وتقصیراً (ابن رشیق، آ1401هـ، ص 4). ولکن من یقرأ الکتاب، یعترف بفضل مؤلفه وسعة علمه، ویجد کتابه غنیاً بالأفکار والآراء. فهو وإن کان یتقید بآراء القدماء ونقلها، ولکن لم یکتف بذلک، بل ینقدها ویأتی برأیه الذی ینبعث من قریحة نفسه ونتیجة خاطره. فهو صاحب آراء یرجع إلیه الفضل فی اکتشافها وبیانها.
من أقوال الباحثین فی العمدة یقول ابنخلدون فی مقدمته: «هو الکتاب الذی انفرد بهذه الصناعة وإعطاءِ حقها، ولم یکتب فیها أحد قبله ولا بعده مثله» (ابن خلدون، 1408هـ، ص 791). ویقول القفطی صاحب کتاب أنباه الرواة: «هو أجلّ کتبه وأکبرها، واشتمل من هذا النوع على ما لم یشتمل علیه تصنیف من نوعه. وأحسَنَ فیه غایة الإحسان، وذُکر هذا الکتاب بحضرة القاضی الأجلّ الفاضل عبدالرحیم بن علی البیسانیّ، فقال: هو تاج الکتب المصنفة فی هذا النوع» (القفطی، 1424هـ، ص 339). کما یعتقد الدکتور شوقی ضیف أن «قیمة العمدة فی تاریخ البلاغة ترجع إلى دقة جمعه للآراء المتقابلة فی فنونها المختلفة» (ضیف، د. ت، ص 152). ویقول عبدالرؤوف مخلوف: «تدور مباحث کتاب العمدة حول النقد والبلاغة، وله فی ذلک الباع الذی لا یُطاوَل» (مخلوف، 1946م، ص 73).
التکرار لغة واصطلاحاً هو مصدر لفعل «کَرَّرَ» المزید الثلاثی الصحیح المضعّف الذی قصد منه المبالغة؛ لأنه على وزن «تَفعال»: والکَرّ: الرجوع، یقال: کَرَّه وکَرَّ بنفسه... والکَرُّ: مصدر کَرَّ علیه یَکِرُّ کَرّاً وکُروراً وتَکْراراً: عَطَفَ... وکَرَّرَ الشَّیءَ وکَرْکَره: أَعاده مرّة بعد أخرى... والکَرُّ: الرّجوع على الشّیء، ومنه التَّکرارُ... قال الجوهریّ: کَرَّرْتُ الشّیءَ تَکریراً وتَکراراً؛ قال أبوسعید الضّریر: قلتُ لأبیعمرو: ما بین تِفعال وتَفعال؟ فقال: تِفْعالٌ اسمٌ، وتَفْعالٌ بالفتح مصدرٌ (ابن منظور، 1414هـ، ص 135). وفی الاصطلاح البلاغی: «تکرار الکلمة أو اللفظة أکثر من مرّة فی سیاقٍ واحدٍ لنکتة» (ابن معصوم المدنی،1968م، ص 34)، ولهذه الظاهرة موقع خاص فی علوم البلاغة؛ إذ ترتبط بالتأکید من جانب، وبالإطناب من جانب آخر، مع ما بها من خصائص تمتاز بها عن الجمیع. ولأسلوب التکرار أهمیة خاصة؛ إذ هو: أسلوب تعبیری یصوّر انفعال النفس بمثیر... ، واللفظ المکرَّر فیه هو المفتاح الذی ینشر الضوء على الصورة، لاتصاله الوثیق بالوجدان؛ فالمتکلم إنما یکرّر ما یثیر اهتماماً عنده، وهو یحبّ فی الوقت نفسه أن ینقله إلى نفوس مخاطبیه، أو مَن هم فی حکم المخاطبین ممّن یصل القول إلیهم على بُعد الزمان والدیار» (السید، 1407هـ، ص 136).
التکرار وآراء ابن رشیق النقدیة التکرار أسلوب استعمله العرب منذ الجاهلیة فی أشعارهم، وإنما هو سنّة من سننهم، کما یقول ابن فارس: «ومن سُنن العرب التکریر والإعادة إرادةَ الإبلاغ بحسب العنایة بالأمر» (ابن فارس، 1414هـ، ص 213). ویقول ابن قتیبة: «ومن مذهبهم التکرار، إرادة التوکید والإفهام» (ابن قتیبة، 2007م،ص 149). فلیس غریباً على العرب، بل کان عادة معروفة عنهم، کما نجدها فی قصیدة مهلهل بن ربیعة یرثی أخاه کلیباً:
(مهلهل بن ربیعة، د.ت، ص40) (المعنى: إنّ الذین قتلوا کلیباً لیسوا من مقامه؛ لأنّه سیُکثر بقتله غارة َالأعداء، ویُحرَم الأیتام عمّا ینحر، ویظلم المستجیر، ویشقّ الأمر على الحلماء، ویُفزع من نقطة ضعف یستطیع العدو أن یهجم منها، ویمتدّ شدائد الأمور، ویصعب الشتاء على الفقراء لشدّة البرد، ویغلب الضعیف القوی، ویصبح الغنی أضعف من الفقیر، ویصرخ المستغیث طلباً للنجدة من عشیرته.) و مما یجب أن یُلفَت النظر إلیه فی دراسة التکرار نسبته إلى التأکید والفارق بینهما، وهذا أمر أمعن فیه النحاة والبلاغیون، وتحدثوا عنه فی کتبهم بالتفصیل؛ فیبدو أن التکرار أعمّ من التأکید، وأوسع دلالة منه؛ لأن التأکید یقرّر المعنى الأول ولا یتجاوز عنه، بینما التکرار یؤسس معنى جدیداً؛ فهو أبلغ من التأکید (الزرکشی، 1376هـ، ص 11). فعلى هذا عدّه ابن رشیق من فنون البدیع، خلافاً لأبی هلال العسکری؛ فإنّه جعل ذلک فرعاً من فروع الإطناب لتوکید الکلام (أبوهلال العسکری، 1419هـ، ص 194). ثم لم یتعرض ابن رشیق إلى بیان حدّ التکرار، ولکن یبدو من خلال شواهده أنّه یتقید بما سبق من تعریفه فی اصطلاح البلاغیین من أنّه إتیان الکلمة أکثر من مرّة لنکتة، کما یشیر إلى ذلک بقوله: «ولا یجب للشاعر أن یکرّر اسماً إلّا على جهة التشوق و...» (ابن رشیق، ب1401هـ،ص 74).
أقسام التکرار ینقسم التکرار باعتبارات مختلفة إلى أقسام شتّى؛ کتکرار اللفظ أو المعنى، وتکرار المفید أو غیر المفید، وتکرار الحسن أو القبیح. وأمّا ابن رشیق، فقد قسّم التکرار ثلاثة أقسام: تکرار اللفظ دون المعنى، وتکرار المعنى دون اللفظ، وتکرار اللفظ والمعنى معاً (ابنرشیق، 1401هـ، ص 73). وحکم على کل واحد منها من حیث الحسن والقبح حکماً على ما سیأتی، بینما قسّمه ابن الأثیر إلى أربعة أقسام: قسم یوجد فی اللفظ والمعنى، وقسم یوجد فی المعنى دون اللفظ، وکل من هذین القسمین ینقسم عنده إلى مفید وغیر مفید. ویعنی بالمفید ما یأتی لمعنى، وبغیر المفید ما یأتی لغیر معنى (ابن الأثیر، 1420هـ، ص 146). ثم قضى ابن رشیق بین هذه الأقسام بحسب الحسن والقبح والسلامة والعیب شأنَ غیره من النقاد، فجعل أکثر التکرار فی الألفاظ دون المعانی، وهو عنده فی المعانی دون الألفاظ أقلّ. ثم زعم أن التکرار فی اللفظ والمعنى جمیعاً قبیح وخذلان بعینه (ابن رشیق، ب 1401هـ، ص 74). ولکن عاب علیه بعض الباحثین فی هذا الکلام وقال: «وکلامه واختیاره للتطبیق سدید، غیر أن القسم الذی عدّه الخذلان بعینه ــ وهو ما تکرر فیه اللفظ والمعنى منه ــ ما هو جیّد مستطاب» (السید، 1407هـ، ص 107) وعلل فی ذلک بأمثلة وشواهدَ جاء بها ابن رشیق، وحسّنها وجعلها من ملیح هذا الباب، مع أنها من المکرر لفظه ومعناه.
التکرار المعیب جعل ابن رشیق من المعیب فی هذا الباب کثرة تکرار اللفظ على معنى واحد. فذکر أبیاتاً لابنالزّیّات کرّر فیها کلمة «التصابی»:
[المعنى: (یخاطب نفسه ویقول): هل تنصرفُ عن اللهو، أم تستمرّعلیه بعد أن کثرت الملامة؟ (فیجیب: کیف أترکه) وکلّما أذکر نسیان اللهو وترکه، یشمئزّ قلبی من اسمه! کیف یلوم الناس رجلاً مثلی، وأنا رجل الفتوّة واللعب؟! ولکن إن أردتُ ترکه، فأترک بعد أن ظهر الشیب على رأسی؛ (فماذا أفعل؟) أما رأیتَ أنّنی ترکتُ اللعب، ولکن الملامة حضّنی علیه مرة أخرى؟!] ثم قال: «فملأ الدنیا بالتصابی، على التصابی لعنة الله من أجله؛ فقد برد به الشعر، ولا سیما وقد جاء به کلّه على معنى واحد» (ابن رشیق، ب1401هـ، ص 77). کما ینهى أبوهلال العسکری عن تکرار الکلمة الواحدة فی کلام قصیر (أبوهلال العسکری، 1419هـ،ص 153). ولکن قد نقل صاحب صبح الأعشى عن أبیجعفر النّحّاس أن ذلک لیس بعیب عند کثیر من أهل العربیة. ثم أیّد کلامه بقوله: وهو الحقّ. فقد وقع مثل ذلک من التکریر فی القرآن الذی هو أفصح کلام، وآنَق نظام فی قوله تعالى: «وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمیزانَ · أَلّا تَطْغَوْا فی الْمیزانِ · وَأَقیمُوا الْوَزْنَ بالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمیزانَª ]الرحمن 55: 7ــ9[. فکرّر ذِکر المیزان ثلاث مرّات فی مقدار یسیر من الکلام. وأمثاله فی القرآن الکریم کثیر (القلقشندی، د. ت، ص 352). وأمّا ابن سنان الخفاجیّ، فقد بالغ فی ذلک، و عدّ تکریر الحروف والکلام قبیحاً بالمرّة، إلا التکرار الذی لا یتمّ المقصود إلا به. فعلى هذا الضابط جعل من المعیب أمثلة کثیرة، خلافاً لغیره من النقاد. ومن هذه الأمثلة قول امرئالقیس:
[المعنى: إنّنی خُبرٌ بالموضع الذی أقصده، وکذلک جملی وقائدی وسائقی.] فقال: «وهو لعمری! قبیح» (ابن سنان، 1982م، ص 102ــ104). فالأمر یرجع إلى اختلاف الأذواق فی اعتبار التکریر مفیداً أو غیر مفید. فعلى هذا نجد بعض أمثلة التکرار عند قوم مقبولاً حسناً، وعند غیرهم مردوداً قبیحاً.
أغراض التکرار قد تکلم النقاد والباحثون فی أغراض التکرار ودوافعه بأسالیب مختلفة. فعلى سبیل المثال نرى الضابط فی ذلک عند الجاحظ أمراً شاملاً لا ینحصر، بل یتصل بأحوال المخاطبین والسامعین؛ حیث یقول: «وجملة القول فی التَّرداد أنه لیس فیه حدّ یُنتهى إلیه، ولا یُؤتى على وصفه، وإنما ذلک على قدر المستمعین، ومن یَحضُره من العوامّ والخواصّ» (الجاحظ، 1423هـ، ص 105)، ولکن ابن رشیق لم یتوقف عند هذا الحد، بل یربط التکرار بالغایات والبواعث النفسیة التی تثیر أحاسیس القائل، وتسوقه نحو استعمال هذا الأسلوب، فیقول: ولا یجب للشاعر أن یکرر اسماً إلا على جهة التشوق والاستعذاب، إذا کان فی تغزّل أو نسیب... أو على سبیل التنویه به والإشارة إلیه بذکر... أو على سبیل التقریر والتوبیخ... أو على سبیل التعظیم للمحکیّ عنه... أو على جهة الوعید والتهدید إن کان عتاب موجع... أو على وجه التّوجّع إن کان رثاء وتأبیناً... أو على سبیل الاستغاثة وهی فی باب المدیح... ویقع التکرار فی الهجاء على سبیل الشهرة، وشدة التوضیع بالمهجُوّ... ویقع أیضاً على سبیل الازدراء والتهکّم والتنقیص (ابن رشیق، ب1401هـ،ص 74). فیأتی لکل غرض بأمثلة، منها: للاستعذاب فی الغزل، تکریر اسم «سلمى» فی قول امرئ القیس:
[المعنى: قد درستْ دارُ سلمى التی کانت بمنطقة ذی الخال؛ لأنّ السُّحُب قد أمطرت علیها مدة طویلة. وإنّ سلمى تظنّ أنّها تبقى على الحالة التی کنّا علیها فی هذین المکانین، وتحسب أنّها لا تزال تنظر بالبادیة إلى ولد الظِّباء وبیض النعام. واذکُر تلک اللیالی التی أرتْک بها سلمى ثغرَها المستویة، وجیدَها الحسن الذی یشبه جید الظِّباء، ولیس مجرّداً من القلادة.] وللتنویه باسم الممدوح وتفخیمه قول الخنساء فی رثاء أخیها صخر:
[المعنى: کان (أخی) صخرٌ سیّدَ القوم، وکان ینحَرُ کثیراً إذا أجدب القوم فی الشِّتاء؛ وکان إمامَ الأئمّة (ومعروفاً فی الهدایة والشرف)، کالجبل الشامخ الذی تضطرم النار فی أعلاه (فیتوجّه إلیه الجمیع.] وعلى سبیل التقریر والتوبیخ قول محمد بن مُناذر الصُّبَیری:
[المعنى: قال لی کثیراً: إنّ الحُرّ الکریم مَن وَفَى بوَعدِه.] فیذکر أنه زاد على الواجب وتجاوز الحد. وعلى سبیل التهکّم، قول حمّاد عجرد لابن نوح، وکان یتعرّب:
[المعنى: (یستهزء ادّعاءه ویقول): یا ابنَ نوح! یا من هو یرکب البعیر دائماً (على طریق أهل البدو)؛ وعاش والدُه مدّة عمره بین تلال الرّمل؛ فأنت عربیٌ قُحّ.] ثم یرى أن الکلام فی الرثاء والتأبین أحق بالتکرار، وأولى به من غیر ذلک من الأغراض «لمکان الفجیعة، وشدة القُرحة التی یجدها المتفجِّع» (السابق، ص 76). فیمکننا أن ندرج بواعث التکرار عنده ضمن هذه الأغراض العامة: الغزل، والمدح، والرثاء، والعتاب، والهجاء، والتقریر، والتفخیم. ولکن الأغراض لا تنحصر فیما ذکرها ابن رشیق فی العمدة، فقد زاد علیها الباحثون من أمثال الدکتور عزّ الدین السیّد أغراضاً أخرى کالفخر والاعتذار، وأخذوا منها أغراضاً جزئیة کتکرار القسم والتعجب والتشبیه والمبالغة وغیرها (السید،1407هـ،ص 117ــ160).
التکرار فی القرآن نبحث هنا قلیلاً حول هذه الظاهرة فی القرآن الکریم، نظراً لمکانة کتاب الله العزیز فی البلاغة العربیة، وأهمیة معرفة أسرار التکرار ووجوه بلاغته فیه، وإن لمیبحث ابن رشیق فی کتابه عن التکرار فی القرآن بالتفصیل وسببه واضح، إذ ألّف کتابه فی صناعة الشعر ونقده، فقد بذل جهوده فی تبیین هذه الظاهرة عند الشعراء، ولکنه نفسه حینما یتحدث عن أغراض التکریر یتمثل بآیة جاء على سبیل التقریر فیقول: «ومن المعجز فی هذا النوع قول الله تعالى فی سورة الرحمن: «فَبأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِª. کلّما عدّد منّة أو ذکّر بنعمة، کرّر هذا» (ابن رشیق، ب1401هـ، ص 75). وکان التکرار فی القرآن الکریم موضوعاً تناوله البلاغیون القدماء، ولایزال یکون موضع اهتمام الباحثین، محاولة معرفة مظاهره وأسراره؛ فکتبوا فی محاسنه وصور بلاغته کتباً ورسائل وأبحاثاً تدفع الطعن بالتکرار الوارد فی القرآن من قبل الجاهلین بلغة العرب و أسالیبهم؛ فکثیراً ما نجد أمثال هذه العبارات فی کتب العلماء: «و من سنن العرب التکریر والإعادة... قال علماؤنا: فعلى هذه السنة ما جاء فی کتاب الله ــ جلّ ثناؤه ــ من قوله: « فَبأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِ ª» (ابن فارس، 1414هـ،ص213)؛«القرآن نزل بلسان القوم وعلى مذاهبهم، ومن مذاهبهم التکرار» (ابن قتیبة، 2007م، ص149). ثم مواطن التکرار فی القرآن متعددة. فنرى ذلک فی کثیر من الآیات والقصص والأنباء القرآنیة. ومن أمثلة تکرار الآیات، تکرار قوله تعالى: «وَإِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزیزُ الرَّحیمُª فی سورة الشعراء ثمانی مرّات؛ وتکرار قوله تعالى: «وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِلْمُکَذِّبینَª فی سورة المرسلات عشر مرّات؛ وأیضاً ما جاء فی سورة الرحمن، فقد تکرر فی هذه السورة « فَبأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِ ª إحدى وثلاثین مرّة. وإلیک بیان السّرّ فی ذلک، کما جاء به الشریف المرتضى فی أمالیه: فأما التکرار فی سورة الرحمن، فإنما حَسُن للتقریر بالنِّعم المختلفة المعدّدة. فکلّما ذکر نعمة أنعم بها، قرّر علیها ووبّخ على التکذیب بها؛ کما یقول الرجل لغیره: ألم اُحسن إلیک بأنْ خوّلتُک الأموالَ؟! ألم اُحسن إلیک بأنْ خلّصتُک من المکاره؟! ألم اُحسن إلیک بأنْ فعلتُ بک کذا وکذا؟ فیَحسُن منه التکریر؛ لاختلاف ما یقرّره به... فإن قیل: إذا کان الذی حسّن التکرار فی سورة الرحمن ما عدّده من الآیات ومن نعمه، فقد عدّد فی جملة ذلک ما لیس بنعمة؛ وهو قوله: «یُرْسَلُ عَلَیْکُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌفَلا تَنْتَصِرانِª [الرحمن 55: 35]؛ وقوله: «هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتی یُکَذِّبُ بهَا الْمُجْرِمونَ µ یَطوفونَ بَیْنَها وَبَیْنَ حَمیمٍ آنٍª[الرحمن 55: 43ــ44]. فکیف یحسن أن یقول بعقب هذا «فَبأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِª ولیس هذا من الآلاء والنعم؟! قلنا: الوجه فی ذلک أن فعل العقاب وإن لم یکن نعمة، فذکره ووصفه والإنذار به من أکبر النعم؛ لأنّ فی ذلک زجراً عمّا یستحق به العقاب، وبعثاً على ما یستحق به الثواب. فإنما أشار تعالى بقوله: «فَبأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِª بعد ذکر جهنم والعذاب فیها إلى نعمة وصفها، والإنذار بعقابها، وهذا ممّا لا شبهة فی کونه نعمة (السید المرتضى، 1403هـ،ص 86). ومن أمثلة تکرار القصص التی یعتمد علیها القرآن فی دعوته ــ ولا سیما قصص الأنبیاء ــ قصة موسى U؛ فقد ورد ذکره فی أربع وثلاثین سورة من سور القرآن الکریم، وحاول العلماء أن یبیّنوا وجوه التعلیل لهذا النوع من التکرار فی القرآن. فیعتقد الجاحظ أن السبب فی ذلک خطاب القرآن جمیعَ الأمم وأکثرهم غافل، أو معاند ساهی القلب (الجاحظ، 1423هـ، ص 106). ویقول ابن فارس: أما تکریر الأنباء والقصص فی کتاب الله ــ جلّ ثناؤه ــ فقد قیلت فیه وجوه، وأصحّ ما یقال فیه: أنّ الله ــ جلّ ثناؤه ــ جعل هذا القرآن وعجْـزَ القوم عن الإتیان بمثله آیةً لصحة نبوة محمّدl، ثم بیَّن وأوضح الأمر فی عجزهم، بأن کرّر ذکر القصّة فی مواضع، إعلاماً أنهم عاجـزون عن الإتیان بمثله بأیّ نظم جاء، وبأیّ عبارة عبَّر. فهذا أولى ما قیل فی هذا الباب (ابن فارس، 1414هـ، ص 214). کما یرى ابن قتیبة أن رسول الله 9 کان یبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة. فلو لم تکن الأنباء والقصص مثنّاة ومکرّرة، لوقعت قصة موسى إلى قوم، وقصة عیسى إلى قوم، وقصة نوح إلى قوم، وقصة لوط إلى قوم. فأراد الله بلطفه ورحمته أن یشهر هذه القصص فی أطراف الأرض، ویُلقیها فی کل سمع، ویُثبتها فی کل قلب، ویزید الحاضرین فی الإفهام والتحذیر (ابن قتیبة، 2007م، ص 149). کذلک کان هذا الأسلوب منهجاً سلکه النبی oفی أحادیثه لیقع کلامه فی نفوس سامعیه، ویؤکد أهمیة الموضوع؛ کما روی: «أنه mکان إذا تکلّم بکلمة، أعادها ثلاثاً حتى تُفهَم عنه» (البخاری، 1407هـ، حدیث 95). فعلى سبیل المثال إذا أراد النبی k أن یبیّن قبح الکذب، ولو کان هزلاً، ینهى عنه بهذه العبارة على سبیل الوعید والتهدید: «وَیْلٌ لِلَّذی یُحَدِّثُ، فَیکْذِبُ لِیُضْحِکَ بهِ الْقَوْمَ! وَیْلٌ لَهُ!وَیْلٌ لَهُ! وَیْلٌ لَهُ!» (المجلسی، 1403هـ، ص 88).
تکرار المعانی وهو الذی یتکرر فیه المعنى ولا نجد فی العبارة ألفاظاً متکررة. فقد نبّه علیه ابن رشیق ومثّل له بقول امرئ القیس:
(المعنى: (یقول مخاطباً اللیل): أعجَبُ من طولک أیها اللّیلُ، حتّى لَکأنّ نجومک مشدودة إلى جبلِ «یَذبُل» بکلّ أنواع الحبال المفتولة الشدیدة. (فهی لا تقدر على الأفول)؛ وکأنّ کوکب الثُّریّا فی موضعها عُلّقت بحبال من الکتان إلى صخور صلاب (وإنما استطال اللیل لمعاناته الهموم ومقاساته الأحزان فیه.) فیقول فی تبیین ذلک: «البیت الأول یغنی عن الثانی، والثانی یغنی عن الأول، ومعناهما واحد؛ لأن النجوم تشتمل على الثریا، کما أن یذبل یشتمل على صمّ الجندل. وقوله: «شدّت بکل مغار الفتل» مثل قوله: «علّقت بأمراس کتّان» (ابن رشیق، ب1401هـ، ص 77)؛ ویشیر إلى سبقه فی العنایة به والتنبیه علیه بقوله: «وما رأیت أحداً نبّه علیه» (السابق). وأخیراً یشیر ابن رشیق إلى فنّ آخر من فنون البدیع وهو المذهب الکلامی[4]، ویجعله باباً من التکرار؛ وهذا یدل على علاقة أسلوب التکرار بفنون أخرى. ثم ینقل هذا الباب من کتاب عبدالله بن المعتزّ، مشیراً إلى أنه اضطرّ على ذلک لقلة الشواهد فیه. فیذکر أن ابن المعتزّ نسب تسمیته إلى الجاحظ، وختم بهذا الباب أبواب البدیع الخمسة فی کتابه المسمى بـالبدیع. وزعم أنه لا یوجد فی القرآن الکریم لکونه من التّکلّف. تعالى عن ذلک علوّاً کبیراً! (السابق، ص 78ــ80). وأبو هلال العسکری هو الآخر الذی ینقد هذا الرأی، ویتعجب منه بقوله: «فنسبه إلى التکلّف وجعله من البدیع» (أبو هلال العسکری، 1419هـ، ص410). وأیضاً ینقد ابنُ أبی الإصبع زعْمَه فی أنه لا یوجد فی القرآن منه شیئاً، فیقول: وزعم ابن المعتزّ أنه لا یوجد فی الکتاب العزیز، وهو محشوّ منه. ومنه فیه قوله تعالى حکایة عن الخلیل g: «وَحاجَّهُ قَوْمُهُª إلى قوله $: «وَتِلْکَ حُجَّتُنا آتَیْناها إِبْراهیمَ عَلى قَوْمِهِª[الأنعام 6: 80ــ83]، وقوله تعالى: «أَوَ لَیْسَ الَّذی خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بقادِرٍ عَلى أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَىª[یس 36 : 81]، وقوله سبحانه: «لَوْ کانَ فیهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللّهُ لَفَسَدَتاª[الأنبیاء 21: 22]، وقوله: «قُلْ یُحْییهَا الَّذی أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍª[یس 36: 79]» (ابن أبی الإصبع، د. ت، ص 119). وأمّا ابن رشیق، فقد قسّمه إلى قسمین: قسم یتصل بالتکرار ویستعین بتکرار الألفاظ والکلمات، وقسم آخر هو أولى عنده بأن یسمّى بـ«المذهب الکلامی». ویأتی لکل قسم بأمثلة وشواهد. منها للقسم الأول قول الفرزدق:
(المعنى: لکلّ إنسان نفسان: نفس مطمئنّة تأمره بالخیر، ونفس أمّارة تأمره بالشرّ، والإنسان یعاصی الأمّارة مرّة ویطیعها أخرى، وأنت (أیّها الممدوح) إذا أمرتْک الأمّارة بترک النّدى، شفّعت المطمئنّة إلیها فی النّدى، فی الحالة التى یقلّ فیها الشفیع فى النّدى من النفوس، فأنت أکرم الناس.) وأنشد لابن المعتزّ، وعدّه من الملاحة والظَّرْف:
(المعنى: تجاوزتُ فی الکتمان عن الحدّ؛ فأصابتنی مصیبة من أجل ذلک؛ لأننی أخفیتُ حبّک من کلّ شیءٍ حتّى من الکتمان، فلا حیلة لی غیر أن أذکره بلسانی.) ومن أمثلة القسم الثانی قول إبراهیم بن المهدیّ یعتذر إلى المأمون:
(المعنى: إنّ إحسانک بی وافق عذری. فما لُمتَنی فیما فعلتُ مِن السوء؛ وکان علمک بحالی بمنزلة شاهدٍ مرضیّ قولُه، فأقام لی الحجّة [فعَفَوتَنی].) وأیضاً قول أبی نواس:
(المعنى: صرتَ من شدّة برودة مزاحک حارّاً مؤذیاً؛ بحیث أظنّک ناراً مشتعلاً، کما أنّ الثَّلج یؤذی من شدّة بَرْده، فلا یُنکرنی أحدٌ ممّن یسمعون وصفَک هذا منّی.) ثم یقول: «هذا مذهب کلامی فلسفی». وجعل من المذهب الکلامی المعیب، حکایةً عن ابن المعتزّ قولَ أبی تمّام الطائیّ:
(المعنى: إنّ الشرف لا یَقبل منک بأن تَرضى أن یکتفی راجیک بشیءٍ دون ما یُرضیه ویَسُرُّه.) وحکى عنه أن إسحاق الموصلی سمع الطائی ینشد، ویکثر من هذا الباب وأمثاله عند الحسن بن وهب، فقال: یا هذا، لقد شددتَ على نفسک! (ابن رشیق، ب1401هـ، ص 78ــ80؛ ابن المعتزّ، 1410هـ، ص 147).
النتیجة تبیّن لنا من خلال هذا البحث أن البلاغة العربیة قد مرّت علیها مراحل مختلفة؛ ومن أهم هذه المراحل مرحلة امتزاجها بالنقد التی بدأت من القرن الرابع الهجری، واستمرت إلى القرن الخامس؛ حیث ألّف ابن رشیق القیروانی کتابه المسمى بـالعمدة فی صناعة الشعر ونقده وعیوبه، وأجاد فیه. فأقبل الناس علیه، ونال شهرة واسعة حتى صار محسوداً لخصومه. ومن المباحث البلاغیة التی کانت ومازالت موضع اهتمام الباحثین والبلاغیین هی ظاهرة التکرار؛ ویرجع أهمیتها إلى شیوعها فی کلام العرب وأشعارهم، وورودها طبعاً فی القرآن الکریم. وهذا یطلب البحث عن بلاغتها ومواضعها وأسبابها وفوائدها، وهو أمر عنى به ابن رشیق ضمن مباحثه البلاغیة النقدیة فی کتابه، ناقلاً آراء بعض معاصریه أو سابقیه من النقاد. یعتمد ابن رشیق القیروانی فی العمدة على أسلوب النقد البلاغی، مستعیناً بکثیر من الشواهد والأمثلة لتبیین المراد. فإذا دخل فی باب من أبواب البدیع، تارةً یبیّن حدّها ــ کما فعل فی کثیر من أبواب کتابه ـ، وتارة لا یعرّفها، بل یأخذ فی الاستشهاد وذکر الأمثلة، معتمداً على فهم القاری، کما نجد فی موضوع التکرار. کان یتقیّد ابن رشیق بنقل آراء القدماء ومن یسبقه من النقّاد العلماء. فکثیراً ما نجد فی کتابه ذکر ابن المعتزّ والحاتمی وغیرهما، ولکن لم یکتف بذلک، بل ینقد آراءهم، ویأتی برأیه الذی ینبعث من قریحة نفسه ونتیجة خاطره. فهو صاحب آراء یرجع إلیه الفضل فی اکتشافها وبیانها. وقد یصرّح بأوّلیّته فی بعض الآراء، کما یقول بالنسبة إلى تکریر المعانی: «وما رأیت أحداً نبّه علیه». وهذا دلیل على فضله وسعة علمه. إنّ أکثر ما یستشهد به ابن رشیق فی کتابه الشواهدُ الشعریة، وهذا لا یعنی أنّه غیر مهتمّ بکتاب الله العزیز، بل یرجع ذلک إلى غرضه من تألیف هذا الکتاب؛ کما هو ظاهر من تسمیته بـالعمدة فی صناعة الشعر وآدابه ونقده. فیرى أن یبین آراءه النقدیة فی الشعر، ولا یأتی بالآیات القرآنیة إلا إذا تعلّق بذکرها نقطة هامّة. ومن المباحث التی تناولها البلاغیون «المذهبُ الکلامی». فتارة یُبحث عنه کباب مستقل ــ کما فعل ابن المعتز فی کتابه البدیعـ وتارة یدرس ضمن مباحث أخرى، مثلما فعل ابن رشیق. فجعله باباً من التکرار لوجود اتصال بینه وبین التکرار، بحیث قسّمه إلى قسمین، ورأى أن القسم الذی سمّاه بالمذهب الکلامی الفلسفی أولى بهذه التسمیة من القسم الأول الذی کثر فیه التکرار. إنّ لابن رشیق القیروانی فی کتاب العمدة إبداعات کثیرةً من أمثال ما رأینا، فی إدخاله «المذهب الکلامی» تحت موضوع التکرار، وتقسیمه إلى قسمین، وتسمیتهما بغیر ما سمّاه الآخرون. وهذا یدلّ على مقدرته فی الابتکار البلاغی الذی نال بفضله إلى هذه الشهرة الواسعة، بحیث تأثر بآرائه عدد من کبار البلاغیین من أمثال الجرجانی فی کتابه أسرار البلاغة. [1]ــ المسیلة: مدینة بالمغرب تسمى المحمدیة (یاقوت الحموی، ج 1995م، ص 130). [2]ــ القیروان معرّب، وهو بالفارسیة: کاروان، مدینة عظیمة بإفریقیة (یاقوت الحموی، ب 1995م، ص 420). [3]ــ من جزائر بحر المغرب مقابلة إفریقیة، وهی مثلثة الشکل (یاقوت الحموی، آ1995م،ص 416). [4]. المذهب الکلامی عبارة عن احتجاج المتکلم على المعنى المقصود بحجة عقلیة تقطع المعاند له فیه؛ لأنه مأخوذ من علم الکلام الذی هو عبارة عن إثبات أصول الدین بالبراهین العقلیة (ابن أبی الإصبع، د. ت، ص 119). | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
µ القرآن الکریم 1. ابن أبی الإصبع، عبدالعظیم بن الواحد. (د. ت). تحریر التحبیر فی صناعة الشعر والنثر. (تحقیق حفنی محمد شرف). الجمهوریة العربیة المتحدة: لجنة إحیاء التراث الإسلامی. 2. ابن الأثیر، نصرالله بن محمد. (1420هـ). المثل السائر فی أدب الکاتب والشاعر. (تحقیق محمد محیی الدین عبدالحمید). (ج2). بیروت: المکتبة العصریة. 3. ابن خلدون، عبدالرحمن بن محمد. (1408هـ). العبر ودیوان المبتدإ والخبر فی تاریخ العرب و العجم والبربر ومن عاصرهم من ذوی السلطان الأکبر. (تحقیق خلیل شحادة). (ط2). (ج1). بیروت: دار الفکر. 4. ابن خَلِّکان، أحمد بن محمد. (1969م). وفَیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان. (تحقیق إحسان عباس). (ج2). بیروت: دار صادر. 5. ابن رشیق القیروانی، الحسن بن رشیق. (آ1401هـ). العمدة فی محاسن الشعر وآدابه ونقده. (تحقیق محمد محیی الدین عبدالحمید). (ط5). (ج1). بیروت: دار الجیل. 6. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (ب1401هـ). العمدة فی محاسن الشعر وآدابه ونقده. (تحقیق محمد محییالدین عبدالحمید). (ط5). (ج2). بیروت: دار الجیل. 7. ابن سنان الخفاجی، عبدالله بن محمد. (1402هـ). سرّ الفصاحة. (ط1). بیروت: دار الکتب العلمیة. 8. ابن فارس، أحمد بن فارس. (1414هـ). الصاحبی فی فقه اللغة العربیة. (تحقیق عمر فاروق الطّبّاع). (ط1). بیروت: مکتبة المعارف. 9. ابن قتیبة الدینوری، عبدالله بن مسلم. (2007م). تأویل مشکل القرآن. (تحقیق إبراهیم شمسالدین). بیروت: دار الکتب العلمیة. 10. ابن المعتزّ، عبدالله بن محمد. (1410هـ). البدیع فی البدیع. (ط1). بیروت: دار الجیل. 11. ابن معصوم المدنی، علی بن نظام الدین. (1968م). أنوار الربیع فی أنواع البدیع. (تحقیق شاکر هادی شکر). (ج5). النجف الأشرف: مطبعة النعمان. 12. ابن منظور، محمد بن مکرّم. (1414هـ). لسان العرب. (ط3). (ج5). بیروت: دار صادر. 13. ألتونجی، محمد. (1419هـ). المعجم المفصل فی الأدب. (ط2). بیروت: دار الکتب العلمیة. 14. امرؤ القیس بن حجر. (1425هـ). دیوان امرئ القیس. (بعنایة عبد الرحمن المصطاوی). (ط2). بیروت: دار المعرفة. 15. البخاری، محمد بن إسماعیل. (1407هـ). صحیح البخاری. (ج1). بیروت: دار ابن کثیر. 16. الجاحظ، عمرو بن بحر. (1423هـ). البیان والتبیین. (ج1). بیروت: دار ومـکـتـبـة الــهلال. 17. الراجکوتی، عبد العزیز المیمنی. (1343هـ). ابن رشیق. القاهرة: المطبعة السلفیة. 18. الزرکشی، محمد بن عبدالله. (1376هـ). البرهان فی علوم القرآن. (تحقیق محمد أبوالفضل إبراهیم). (ط1). (ج3). بیروت: دار إحیاء الکتب العربیة. 19. الزرکلی، خیر الدین بن محمود. (2002م). الأعلام. (ط15). (ج2). بیروت: دار العلم للملایین. 20. السیّد، عزّ الدین علی. (1407هـ). التکریر بین المثیر والتأثیر. (ط2). بیروت: عالم الکتب. 21. السید المرتضى، علی بن الطاهر. (1403هـ). الأمالی. (تصحیح محمد بدرالدین النعسانی). (ج1). قم: منشورات مکتبة آیة الله العظمى المرعشی النجفی. 22. ضیف، شوقی. (د. ت). البلاغة، تطوّر وتاریخ. (ط9). القاهرة: دار المعارف. 23. العسکری، الحسن بن عبدالله. (1419هـ). الصناعتین. (تحقیق علی محمد البجاوی ومحمد أبوالفضل إبراهیم). بیروت: المکتبة العصریة. 24. القفطی، علی بن یوسف. (1424هـ). إنباه الرواة على أنباه النحاة. (ط1). (ج1). بیروت: المکتبة العصریة. 25. القلقشـــنــدی، أحمد بن علی. (د.ت). صبح الأعشى فی صناعة الإنشاء. (ج2). بیروت: دار الکتب العلمیة. 26. المبارک، مازن. (1968م). الموجز فی تاریخ البلاغة. بیروت: دار الفکر. 27. المجلسی، محمدباقر بن محمدتقی. (1403هـ). بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار. (ط2). (ج73). بیروت: مؤسسة الوفاء. 28. مخلوف، عبدالرؤوف. (1946م). نوابغ الفکر العربی: ابن رشیق القیروانی. القاهرة: دار المعارف. 29. مهلهل بن ربیعة. (د. ت). دیوان مهلهل بن ربیعة. (شرح وتقدیم طلال حرب). بیروت: الدار العالمیة. 30. یاقوت الحموی، یاقوت بن عبدالله. (آ1995م). معجم البلدان. (ط2). (ج3). بیروت: دار صادر. 31. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (ب 1995م). معجم البلدان. (ط2). (ج4). بیروت: دار صادر. 32. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (ج 1995م). معجم البلدان. (ط2). (ج5). بیروت: دارصادر. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 919 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 4,117 |