
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,705 |
تعداد مقالات | 13,966 |
تعداد مشاهده مقاله | 33,489,938 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,273,330 |
المنهج القويم لتبيين الأهداف الرئيسية لقصص القرآن الکريم | ||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | ||||||||||||||||
مقاله 7، دوره 2، شماره 2، تیر 2010، صفحه 109-123 اصل مقاله (187.5 K) | ||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||||||||||||||||
نویسندگان | ||||||||||||||||
محمد نگارش* 1؛ حميد احمديان2 | ||||||||||||||||
1استاديار گروه زبان و ادبيات عربي دانشگاه فردوسي مشهد | ||||||||||||||||
2استاديار گروه زبان و ادبيات عربي دانشگاه اصفهان | ||||||||||||||||
چکیده | ||||||||||||||||
هذا البحث يدرس المنهج الصحيح لاستخراج الأهداف الرئيسية من القصص القرآنية. فکثير من الکتّاب والمفسرين الذين أشاروا إلى أهداف القصص القرآنية قد شطّوا عن الصواب، وأبعدوا قصص القرآن عن أهدافها النبيلة التي نزلت تلک القصص من أجلها. والسبب في هذا إمّا الخطأ في المنهج، وإمّا اعتمادهم على الروايات الضعيفة والإسرائيليات. فبيّنّا في مقدمة البحث المنهج الصحيح والطريقة القويمة التي يجب أن تتبع في استخراج الأهداف الرئيسية لقصص القرآن الکريم. وقلنا إنه من يريد أن يستخرج الأهداف الأساسية من هذه القصص عليه أن: 1ـ يعتمد على القرآن؛ 2ـ لا يعوّل على الروايات الضعيفة ولاعلى الإسرائيليات؛ 3ـ أن يلتفت إلى الظروف التأريخية للسورة التي وردت فيها القصة؛ 4 ـ أن يکشف أولاً الهدف العام للسورة التي وردت فيها القصة؛ لأن القصة جزء من تلک السورة، وهذا الجزء يساير السورة في هدفها الرئيسّي. واستشهدنا بأربع قصص من القرآن، وبيّنّا أهدافها الرئيسية معتمدين على القرآن، وعلى الظروف التي نزلت فيها السورة، وعلى الهدف العام للسورة التي وردت فيها القصة. ثم نقلنا ما قاله بعض المفسرين والکتّاب في أهداف هذه القصص، واستخرجنا الصحيح من أقوالهم من السقيم، وعالجناه دراسةً ونقداً. | ||||||||||||||||
کلیدواژهها | ||||||||||||||||
القصة القرآنیة؛ أهداف القصة القرآنیة؛ الظروف التأریخیة للقصة؛ قصة یوسف؛ قصة البقرة؛ قصة أصحاب الفیل؛ قصة موسى والعبد الصالح | ||||||||||||||||
اصل مقاله | ||||||||||||||||
المقدمة قال ": «لَقَدْ کانَ فی قِصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأولی الْألْبابِª (یوسف 111:12). نزل القرآن الکریم وهو یخاطب القلب والعقل والضمیر الإنسانی لبناء الفرد ولبناء مجتمع تسوده الفضائل والقیم. وللوصول إلى هذا الهدف السامی استخدم أدواتٍ فریدةً لیناشد بها قلوب الناس وعقولهم. فیذکر الکون وما فیه من سماء وأرضٍ ونجومٍ وبحورٍ وأشجارٍ وأنهارٍ ... . ثم یأخذ بالقلوب ویسیر بها فی آفاق تلک الکائنات لتهتزّ لقدرة ربّها، وتخضع وتخشع لخالقها. وتارةً یقصّ علیها القصص، ویعرض علیها أخبار الماضین لمقاصد شتّى کادت لا تحصى. وما یعنینا فی هذا البحث هو هذا النوع الثانی؛ أی: القصص التی استخدمها الله # لتکون عبرة لأولی الألباب . جعل القرآن من القصص مجالاً رحباً لتجلو به القلوب وتنقاد إلى ربّها. بهذه القصص یذکّرها الموتَ والفناء، ویسرد علیها أحوال الصالحین، وما نالوه من محن فی الدنیا ومن نعم فی الآخرة. ومرّة یعرض علیها أخبار العصاة وبطرهم ومعارضتهم لأنبیائهم، وعاقبتهم التعیسة، وما نالوه من عذاب، وما حلّ بهم من عقاب. وتارة یوجّه الخطاب إلى النبیّ الکریم لیذکّره بما أصاب الأنبیاء الذین سبقوه من تکذیب وتشهیر وتشنیع وتشرید وقتل، لیشدَّ أَزره، ویقوّی قلبه، ویدعوه وصحبه إلى الصبر. ومرّه یقرّر بها القیم الأخلاقیة، ویدعو إلى المکارم الإنسانیة. ومرة یقصد بها إثبات التوحید والمعاد والنبوة. ومهما اختلفت أهداف القصة ومقاصدها، ومهما تنوّعت وتشعّبت، فهى بیّنة وواضحة لمن یتدّبر القرآن؛ لأن القرآن قد نصّ علیها فی أوّل کل قصة أو فی أعقابها أو طیّاتها. والمراد من هذا المقال هو البحث عن تلک الأهداف التی ذکرت تصریحاً او تلویحاً، ولیس المراد ما نفهمه ـ نحن ـ بالاجتهاد، أو نتوصّل إلیه بالظنّ والاستنباط، أو ما نستخرجه من القصص أو الروایات الإسرائیلیة المختلَقة. وما دفعنا إلى کتابة هذا المقال، فإنّا قد رأینا أنّ بعض الکتّاب والمفسرین قد اعتمدوا فی تبیین هذه الأهداف والمقاصد على القصص الواردة فی الروایات الضعیفة، والأخبار التاریخیة غیر الثابتة؛ کما اعتمدوا على الإسرائیلیات. فابتعدوا عن الصواب، وحمّلوا القرآن ما لا یتحمّل. ولم یکن عملهم هذا إلا بسبب اضطرابهم فی الطریقة التی سلکوها، والأداة التی استخدموها فی فهم تلک الأهداف. ونحن فی هذا المقال سوف نبیّن الطریقة الصحیحة التی یجب أن تتبع فی فهم الأهداف الرئیسیة لقصص القرآن. وقبل الولوج فی صلب الموضوع لابدّ من الإشارة إلى بعض الحقائق القرآنیة: 1ـ المراد من الهدف الرئیسی ما قصده الله " من القصة. بتعبیر آخر، هو الهدف الذی نزلت من أجله القصة. وهذا الهدف غیر المواعظ والدروس التی نتعلمها من عبارات القصة أو مفرداتها. وهذا الأمر المهم قد غاب على بعض الکتّاب والمفسرین. فیشیر هؤلاء فی آخر کل قصة إلى المواعظ والدروس التی استفادوها من القصة، ناسین الهدف الرئیس منها، أو خلطوا بین الهدف الرئیس وبین الدروس والعبر. 2ـ کل سورة من سور القرآن نزلت فی ظروف تاریخیة خاصة ولهدف خاص. فالقصة التی ترد فی کل سورة تستهدف الهدف نفسه الذی نزلت من أجله تلک السورة، متأثرةً بالظروف والملابسات نفسها التی تأثرت بها السورة. وإذا استعنّا بالقرآن وخاصة بالسورة التی وردت فیها القصة ملاحظین الظروف التاریخیة لها، یکشف الله لنا تلک الأهداف الأصیلة. 3ـ لا یجوز الاعتماد على الروایات الضعیفة والحکایات التاریخیة فی کشف أهداف القصص القرآنیة وتبیینها. 4ـ یجب على دارس القصة القرآنیة أن یعرف أنّ لکل سورة من سور القرآن «وحدة موضوعیة» متکاملة متجانسة؛ وکل قصة تعتبر جزءاً من تلک السورة التی ربطتها الوحدة الموضوعیة. فلا یجوز لنا أن ندرس القصة غیر ملتفتین إلى الهدف الأصلى للسورة، أو شخصیتها المستقلة. وأشار أحد الکتاب إلى «الوحدة الموضوعیة» فی کل سورة حیث قال: والقارئ البصیر مُطالَب بأن یلتفت إلى الوحدة الموضوعیة للقرآن وللسورة منه، وأن یلحظ التناسق والتناسب والارتباط بین الدروس والمقاطع، وأن یتعامل مع السورة على أنها وحدة موضوعیة متکاملة متجانسة، وأن یتعامل معها على أنّ لها شخصیة مستقلة متمیزة متفردة، شخصیة تربط موضوعها الرئیسیّ لموضوعات دروسها ومقاطعها بخیوط دقیقة متینة یلحظها المتدبّر البصیر (الخالدی، 2002م،ص150). و یقول سید قطب (آ 1968م): یلحظ من یعیش فی ظلال القرآن أن لکل سورة من سوره شخصیة ممیّزة! شخصیة لها روح یعیش معها القلب، کما لوکان یعیش مع روح حی ممیَّزِ الملامح والسمات والأنفاس! ولها موضوع رئیسیّ أو عدة موضوعات رئیسیة مشدودة إلى محور خاص. ولها جوّ خاص یظلّ موضوعاتها کلها، ویجعل سیاقها یتناول هذه الموضوعات من جوانب معینة، تحقق التناسق بینها وفق هذا الجوّ. ولها إیقاع موسیقیّ خاص ... وهذا طابَع عام فی سور القرآن جمیعاً (ص 28ــ27). و لهذا نبیّن فی بحثنا الظروف التاریخیة التی نزلت فیها السورة، ثمّ الهدف العامَّ لها، ثمّ نستخرج الهدف الرئیسیّ لهذه القصة من السورة نفسها، والظروف التاریخیة التی أحاطت بها. ثم ننقل ما قاله بعض الکتّاب والمفسرین، ونتناول أقوالهم دراسة ونقداً.
قصة یوسف الظروف التأریخیة لقصة یوسف نزلت سورة یوسف بعد هود، وهود بعد یونس، ویونس بعد الإسراء. وهنا نقدّم الظروف العامة لکل من هذه السور باختصار، ثم ننتقل إلى سورة یوسف. نزلت هذه السور فی أحلک الفترات وأشدّها على رسول الله وصحبه. فبعد حادثة الإسراء، وعندما أخبر النبیّ المشرکین بأنه أُسری به إلى المسجد الأقصى، ومن ثم إلى ملکوت السماوات والأرض، راجعاً فیما بعد إلى بیته فی مکة خلال لیلة واحدة، أخذ المشرکون یستهزؤون به ویرمونه بالجنون. وکأنهم هذه المرّة وجدوا دلیلاً قاطعاً وبرهاناً ساطعاً على جنون النبیّ ــ نعوذ بالله ــ عندما ادّعى أنه سار إلى السماء، ثم رجع إلى مکة فی لیلة واحدة. فجعل المشرکون یتناقلون خبر الإسراء ساخرین بالنبی ـ صلى الله علیه وآله وصحبه ـ . فضاق صدر النبیّ بهم وبما یقولون. و بعد فترة قاطَعَ المشرکون المسلمین على أن لا یزوجوهم ولا یتزوجوا منهم، ولا یبایعوهم ولا یبتاعون منهم . فکتبوا صحیفة فی ذلک، وعلّقوها بالکعبة، ثم عدَوا على من أسلم، فأوثقوهم، وآذوهم، واشتد البلاء علیهم، وعظمت الفتنة، وزلزلوا زلزالاً شدیداً (ابن إسحاق، 1410م، ص 156). ثمّ حاصروا رسول الله هو والنفر القلیل من صحبه I فی شعب أبی طالب. وفی هذه الفترة العصیبة کان یعیش النبی ــ صلى الله علیه وآله وصحبه ــ أحرج الساعات والأیام، ولکنّ أباطالب وخدیجة کانا یفرّجان عنه الهموم، ویخفّفان علیه بعض الآلام. وبعد فترة فقد النبیّ السیدة خدیجة وأباطالب سنَدیهِ اللّذین کان یستند إلیهما فی الشدائد. فبقی وحیداً لا یشکو همّه إلّا إلى الله، والله لیس بتارکٍ نبیّه وحیداً، فکان یُمدّه بقرآنه لیثبّت فؤاده. فیقصّ علیه أخبار الماضین من الرسل، ویدعوه وأصحابه إلى الصبر والثبات حتى یأتی الله بأمره. أوّل سورة نزلت بعد الإسراء هى سورة یونس. إنّ یونس ما صبر على کفر قومه وجورهم، بل ترکهم فارّاً بنفسه. فأدخله الله بطن الحوت، و أخرجه بعد حین. فهکذا یبیّن الله لرسله وعباده سلطانه النافذ فی الخلق. و بعد سورة یونس نزلت سورة هود تقصّ على رسول الله ــ صلى الله علیه وآله وصحبه ــ قصص نوح، وهود، وصالح، وإبراهیم، ولوط، وشعیب وموسى، ورکّزت على دعوة هؤلاء الأنبیاء قومَهم، ثم تکذیبِ القوم واستهزائهم بأنبیائهم، ثم نزولِ العذاب بالکافرین، ونصر الأنبیاء. فهذه السورة تقول لرسول الله: أنت کغیرک من الأنبیاء. هم صبروا حتى جاء أمرنا، فنجّیناهم من القوم الظالمین، فعلیک أن تصبر کما صبروا. فلهذا کثیر من آیات هذه السورة جاءت ترکّز على ظاهرة الصبر؛ مثل آیة 19 من سورة یونس، وآیتی 49 و115 من سورة هود، وآیتی 108 و109 من سورة یوسف. و بعد سورة هود نزلت سورة یوسف، وفی نفس الظروف التی بیّنّاها. نزلت السورة تقص على رسول الله خبر أخیه یوسف. فقد أُلقی یوسف فی الجبّ، ثم أُخرجَ وبیع فی السوق کسلعة یتبادلها التجار. بیع بثمنٍ بخس على السیارة حتى اشتراه عزیز مصر مملوکاً له. ثمّ اتُّهمَ أشد التّهم وأقبحها، ثم أُدخل السجن، ولبث فیه سنوات، ولیس من البشر من یستطیع أن یدفع عنه هذا الشر، بل البشر کلهم حتى إخوته تکاتفوا علیه ظالمین، ولکنّ الله " جاء أمره، وشاءت مشیئته أن یُخرجه من السجن، ویخلّصه من تلک المحن؛ فأخرجه معزّزاً مکرّماً حتى جعله أمیناً على خزائن مصر بعد ما کان یباع کالسلعة! فهذه القصة تقول لرسول الله: «إنّ الذی قَدّر على إعزاز یوسف بعد إلقائه فی الجبّ، وإعلائه بعد حبسه فی السجن، وتملیکه مصرَ بعد أن کانوا یظنّون به أنه عبد لهم، وجمعه مع والدیه ... لقادرٌ على إعزار محمد صلى الله علیه وإعلاء کلمته» (الرازی، آ 1985م ، ص232). وأنتَ ــ یا رسول الله ــ شأنک شأنُ غیرک من الرسل. أوحینا إلیهم، فبلّغوا، فکُذِّبوا، فصبروا حتى جاء أمر الله؛ فأخذ الله الکافرین بالبأساء والضّرّاء، وأنت علیک أن تصبر حتى یحکم الله بینک وبین القوم الکافرین. إذن، قصة یوسف نموذج کامل لعبدٍ صبر لله حتى جاء أمره. وبلا شکّ إن رسول الله کان یعرف المغزى والهدف من سورة یوسف؛ فلهذا کان یقول:«لقد عجبت من یوسف وصبره وکرمه ـ والله یغفر له! ـ حین أتاه الرسول فقال: ارجع إلى ربّک. ولو کنت مکانَه ولبثت فی السجن ما لبث، لأسرعت الإجابة وبادرتهم بالباب وما ابتغیت العذر. إنّه لحلیم ذو أناة» (البستانی، 1989م، ص 233). و مع أنّ هذا تواضع من رسول الله ـ صلى الله علیه وآله وصحبه ـ ، ولکنّ فیه تثمیناً لصبر یوسف U، وأنّ هذا الترکیز من رسول الله على ظاهرة الصبر عند یوسف یدلّنا على الهدف الرئیسی للقصة وهو: « الدعوة إلى الصبر فی الشدائد». وهناک بعض العلماء قد أصابوا فی تعیین هدف القصة، ولکنّهم همّشوه وجعلوه ضمن الدروس والعبر التی نتعلمها من القصة، بل أخّروه فی الذکر کأنّهم لم یعبؤوا به، وکأنّ هذا الهدف لیس الهدف الرئیسیّ الذی من أجله نزلت السورة الکریمة! على سبیل المثال، یذکر الطنطاوی (1996م) الدروس والعبر التالیة التی نتعلمها من القصة: 1 ـ إن الحسد رذیلة؛ 2 ـ إن خطأ إخوة یوسف کانت درجاته متفاوتة؛ 3 ـ إن الخلوة بین الرجال والنساء غیر المحارم حرّمتها الشریعة الإسلامیة؛ 4 ـ إن الأخیار من عباد الله لا یستطیع الشیطان أن یستولی علیهم؛ 5 ـ إن سنة الله " قد اقتضت أنّه لا یضیع أجر من أحسن عملاً، وأنه # یأتی بالفرج بعد الشدة، وبالیسر بعد العسر. (ص 280 ــ281). وفعل کثیر من المفسّرین ما فعل الطنطاوی؛ أی: أخّروا الهدف الأساس من القصة فی الذکر، وبهذا همّشوه، وأنّ القارئ لهذه الکتب یتوهم أنّ القصة نزلت لتبیّن أن الحسد رذیلة، وأن خلوة الرجال بالنساء حرام، وما شاکل ذلک. و أبعدُ عن الصواب من هؤلاء العلماء هم الذین جعلوا من قصة یوسف قصة غرام بینه وبین زلیخا، وبهذا صرفوا القصة عن مغزاها النبیل وهدفها الشریف، وأحطّوا من شأن یوسف 4، کما أشار محمد جواد مغنیة (1981م) إلیهم، فقال: و فی الناس من قال: کان الأولى أن لاتُذکَر هذه السورة فی کتاب الله العزیز. وقال بعض المؤمنین: إنّ لله حکمة غامضة فی هذه السورة لا نعرفها. وأحسن هؤلاء فی تحفظهم کما أساء المیمونیة من الخوارج؛ حیث أنکروا سورة یوسف لأنّها قصة غرام، وخرجوا بذلک عن جمیع المذاهب الإسلامیة. و الحقیقة التی انتهینا إلیها ــ ونحن نفسر هذه السورة الکریمة ــ أنّ من قرأها بإمعانٍ وتدبر، وأدرک أسرارها وأهدافها، یؤمن إیماناً قاطعاً بأنها تقدم ... أنّ القیم الروحیة کثیراً مایکون الالتزام بها وسیلة للنجاح فی هذه الحیاة ... و]تقدّم[ أنّ ترویض النفس على الاحتمال فی سبیل الحق یأتی بأحسن النتائج وأفضلها: فلقد صبر یوسف الصدیق على البئر والسجن، والبیع کالعبید، والتهمة بالخیانة، فکانت النتیجة أن أصبح السید المطاع، یقول له الملک: إِنَّکَ الیَومَ لَدَینا مَکینٌ أَمینٌ، ویقف إخوته بین یدیه منکسرین مسترحمین: تَصَدَّق عَلَینا إِنَّ اللهَ یُحِبُّ المُتَصَدِّقینَ، وفی النهایة یخرّون له ساجدین (ص 362 ــ363). فنسأل هؤلاء الذین جعلوا من قصة یوسف قصة غرام: هل کان رسول الله فی تلک الظروف القاسیة ینتظر من السماء قصة غرام تفرحه وملهاة تلهیه؟ والعجب أنه نجد الیوم أکثر من کتاب ألِّف تحت عنوان «یوسف وزلیخا» لیرسم الحب الذی قام بین هذا النبیّ الطاهر وبین زلیخا کما یزعمون! ولا أدری من أی آیة من آیات سورة یوسف استخرجوا هذا الحب، وأی آیة من السورة تبیّن لنا الحب العفیف عند زلیخا حتى نقول إنها أحبّت یوسف؟! و لم یُخَصَّص هذا البحث بقصة یوسف، بل ذکرناها نموذجاً لنبیّن من خلاله الأهداف الأصیلة والرئیسة والنبیلة التی کانت وراء القصة القرآنیة، وإلّا تحتاج قصة یوسف إلى مقال کامل حتى نبیّن به أهداف هذه القصة بتفصیل، ثمّ ندرس ما قاله المفسّرون والکتّاب والأدباء فیها؛ وسنفعل هذا إن شاء الله فی بحث آخر.
قصة البقرة 1ـ الظروف التأریخیة لسورة البقرة: وردت هذه القصة فی سورة البقرة، وهى أول سورة نزلت على رسول الله إثر دخوله فی المدینة. فاصطدمت الدعوة النبویة فی مکة بموقف قریش العنید، وراح النبیّ ــ صلى الله علیه آله وصحبه ــ یبحث عن قاعدة جدیدة ینطلق منها، ویواصل فیها رسالته. فساقته الظروف وهداه الوحى إلى المدینة، فاتخذها قاعدةً لرسالته. کانت الأغلبیة فی المدینة آنذاک للأوس والخزرج والیهود. أمّا الأوس والخزرج، فقد أسلموا جمیعاً، وآمنوا برسالته قبل أن یدخل المدینة. أمّا الیهود، فما آمنوا برسالته، بل أخذوا یکیدون ویمکرون وینصبون للرسول الله العداء. ففی مثل هذه الظروف نزلت سورة البقرة وقصصها لهدف خاص سوف نبیّنه.
2ـ أهداف سورة البقرة نزلت سورة البقرة لثلاثة أهداف أساسیة: الأوّل. تشریع القوانین للأمة الإسلامیة الحدیثة؛ الثانی. کشف القناع عن حقیقة الیهود وعن تاریخهم المملوء باللجاجة ونقض العهد، وتکذیبهم الأنبیاء وقتلهم؛ الثالث. الدلالة على قدرة الخالق وحقیقة البعث وطبیعة الموت والحیاة.
3 ـ هدف قصة البقرة جاءت قصة البقرة لترسم الهدف نفسه والذی نزلت سورة البقرة من أجله، وهو کشف القناع عن حقیقة الیهود والدلالة على البعث. فقال تعالى: «إِذْ قالَ موسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ یَأمُرُکُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ باللَّهِ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْجاهِلینَ µ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّکَ یُبَیِّنْ لَنا ما هِىَ قَالَ إِنَّهُ یَقُولُ إنَّهَا بَقَرَةٌ لا فارِضٌ ولا بِکْرٌ عَوانٌ بَیْنَ ذلِکَ فافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرُونَ µ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّکَ یُبَیِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ یَقُولُ إنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لوْنُها تَسُرُّ النّاظِرینَ µ قالُواْ ادْعُ لَنا رَبَّکَ یُبَیِِّنْ لَنا ما هِیَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَیْنَا وإِنّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدونَ µ قالَ إنَّهُ یَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثیرُ الْأَرْضَ ولا تَسْقِی الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِیَةَ فیها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بالْحَقِّ فَذَبَحُوها وما کادُوا یَفْعَلُونَ µ وإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَءْتُمْ فیها وَاللّهُ مُخْرِجٌ ما کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ µ فَقُلْنَا اضْرِبوهُ بِبَعْضِها کَذلِکَ یُحْیی اللَّهُ الْمَوْتى ویُریکُمْ آیاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَª (البقرة 2: 67ــ 73). قال سید قطب (آ 1968) فی تبیین هدف هذه القصة: جاءت هذه القصة وهى ترسم سنّة اللجاجة والتعنّت والتلکؤ فی الاستجابة وتحمل المعاذیر التی تتسم بها إسرائیل ... وإنّ السمات الرئیسیة لطبیعة إسرائیل تبدو واضحة فی قصة البقرة هذه: انقطاع الصلة بین قلوبهم و ذلک النبع الشفیف الرقراق: نبع الإیمان بالغیب، الثقة بالله، والاستعداد لتصدیق ما یأتیهم به الرسل. ثمّ التلکّؤ فی الاستجابة للتکالیف، وتلمّس الحجج والمعاذیر، والسخریة المنبعثة من صفاقة القلب وسلاطة اللسان (ص 77). و للمفسرین عبارات عابرة فی بدایة هذه القصة تشیر إلى هذا الهدف الأساس الذی نزلت من أجله السورة، ووردت بسببه القصة. قال الطبرى (آ 2001م): «وهذه الآیة (یعنی قوله: إِنَّ اللهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تَذْبَحوا بَقَرَةً) ممّا وبّخ الله بها المخاطبین من بنی إسرائیل فی نقض أوائلهم المیثاقَ الذی أخذه الله علیهم بالطاعة لأنبیائه» (ص 381). و قال الطباطبائی (آ 1421هـ ) فی تفسیره لقوله تعالى: «أَتَتَّخِذُنا هُزُواًª«إنّما قالوا ذلک لفقدهم روح الطاعة والسمع، واستقرارِ ملکة الاستکبار والعتوّ فیهم» (ص 201). و قال مثله صاحب تفسیر المنار (د. ت): «هذه القصة مما أراد الله تعالى أن یقصّه علینا من أخبار بنی إسرائیل فی قسوتهم وفسوقهم، للاعتبار بها» (ص 345). کل عبارة من عبارات القصة وکل مفردة من مفرداتها ترسم صورة لنفسیة بنی إسرائیل الملتویة. فعبارة: «إِنَّ اللهَ یَأْمُرُکُمْ أنْ تَذْبَحوا بَقَرَةً» تدلّ على أن هناک أمراً وإلزاماً. ممّن؟ من الله. من یأمره الله؟ یأمرکم الله یا بنی إسرائیل. وما هو جواب المؤمن فی مثل هذه الأوامر؟ جوابه واضح: «سَمِعْنا وَأَطَعْناª، ولکنّ جواب بنی إسرائیل کان: «أَتَتَّخِذُنا هُزُواًª. اتهام شنیع وسافر لنبیهم بأنه جاهل یتخذ الناس، بل یتخذ قومه هزواً، ویعاملهم بالسخریة والاستهزاء. فقال لهم نبیهم موسى: «أَعوذُ باللهِ أنْ أکونَ مِنَ الْجاهِلینَª. هذا الجواب من موسى ینطوی أولاً على الأدب الذی یتصف به الأنبیاء؛ ثانیاً تنبیه واضح على أنّ ما یقوله هو الحق على لسان نبی عاقل عالم لا یرید لکم إلّا الخیر، لکنهم قالوا: «فَادْعُ لَنا رَبَّکَ یُبَیِّنْ لَنا ما هِیَ». فقولهم «رَبُّکَ» فیه نهایة الإهانة والاستخفاف بموسى وبرب العالمین؛ کأن هذا الرب لیس بربهم، وکأنهم نَفَوا أن یکون هذا الرب ربهم. ولیست هذه فلتة لسان منهم، بل هی ما انطوت علیه قلوبهم، وآمنت به نفوسهم؛ کما قالوا فی غیر هذا الموضع: «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّکَ فَقاتِلا إِنّا ههُنا قاعدونَª (المائدة 5: 24). ولا نتعجب من قوم مثل بنی إسرائیل أن یکون هذا مبلغهم من العلم؛ فهم الذین کانوا یفضّلون عبادة العجل على عبادة الله، وأُشربوا محبة هذا العجل فی قلوبهم؛ وهؤلاء هم الذین قالوا لموسى ــ عندما شاهدوا قوماً یعبدون الأصنام ــ «اِجْعَلْ لَنا إِلهاً کَما لَهُمْ آلِهَةٌª (الأعراف 7: 138). إذن، من الطبیعی أن یقولوا لموسى «رَبَّکَ»، حتى کأن الرب لیس بربهم، وکأن القضیة لا تعنیهم! و استمرت بنو إسرائیل على هذه الحالة، وبَدَلَ أن تفیئ إلى أمر الله، وتنفیِذ أوامره، أخذت تماطل وتتلکأ وتتمسک بالمعاذیر، ونبیهم یصیح بهم: «فَافْعَلوا ما تُؤْمَرونَª، ولکنهم فی وادی اللجاجة یتیهون. فبعد نقاش طویل وتأخیر مملّ، وبعد أن حمّلوا نبیهم عبء السؤال والجواب من ربّه، قالوا: «الْآن َجِئْتَ بالْحَقِّª. کأنّ ما کان لیس بحق، بل ـ کما عبّروا عنه ـ کان استهزاءً! لماذا هذا التلکّؤ والتأخیر؟ یقول بنو إسرائیل: إن السبب فی هذا التأخیر أن البقر تشابه علیهم، لکنّ هذا کذب سافر؛ والقرآن کشف القناع عمّا یختلج فی نفسهم المتعنّتة، فقال: «فَذَبَحوها وَما کادوا یَفْعَلونَ». فسبب التأخیر أنّهم لا یریدون تنفیذ أوامر الله. ولولا إلحاح موسى ومؤازرة بعض القوم إیّاه، لما ذبحوا البقرة. و هذا ینسجم مع نفسیات قوم بنی إسرائیل ونقضهم المواعیدَ. وما زلنا نسمع قولهم: «سَمِعْنا وَعَصَیْناª (البقرة 2: 93)، وقولهم: «لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةًª (البقرة 2: 55)؛ کما نسمع بالمواعید والمواثیق الکثیرة، ونقضهم تلک المواعیدَ. فالآیات التالیة تکشف لنا حقیقة القوم: 1ـ «ثُمَّ تَوَلَّیْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِکَª (البقرة 2: 64)؛ 2ـ «ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمونَª (البقرة 2: 92)؛ 3ـ «أَ فَکُلَّما جاءَکُمْ رَسولٌ بما لا تَهْوى أنْفُسُکُمُ اسْتَکْبَرْتُمْ فَفَریقاً کَذَّبْتُمْ وَفَریقاً تَقْتُلونَª (البقرة 2: 87). إذن، تسجّل هذه القصة وهذه الآیات والعشرات مثلُها تاریخَ النفوس المعقّدة لقوم بنی إسرائیل، وهذا هو الهدف الأساس للقصة. و لعلّ هناک من یقول: إنّ الهدف الرئیسیّ للقصة لیس توبیخ بنی إسرائیل والکشف عن حقیقتهم، بل المراد الأساس هو الدلالة على البعث الذی ذکر فی خاتمة القصة؛ لقوله تعالى: «کَذلِکَ یُحْیی اللهُ الْمَوتى وَیُریکُمْ آیاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلونَª (البقرة 2: 73). ونوافق على مثل هذا القول؛ لأن ظاهر هذه الآیة الکریمة صریحٌ فی هذا الهدف، وإن الله # ذکر فی هذه السورة فی أکثر من موضع قصصاً تدل على البعث، وربّما جاءت هذه القصة لتحکی لنا نفس الهدف الذی کان فی تلک القصص؛ کما نصّ علیه بعض المفسّرین ومنهم ابن کثیر فی تفسیره حیث قال: و هذه القصة ]قصة البقرة[ وقصة الذین خرجوا من دیارهم ــ وهم ألوف ــ حذر الموت، وقصة الذی مرّ على قریة وهی خاویة على عروشها، وقصة إبراهیم 4 والطیور الأربعة وإحیاء الأرض بعد موتها تدل على قدرته وإحیائه الموتى.... فجعل تبارک وتعالى إحیاءَ المیّت حجةً لهم على المعاد (ابن کثیر، آ 1998م، ص 16). و لهذا نجد کثیراً من المفسرین رکّزوا على هذا الهدف وهو الدلالة على البعث،أمّا الهدف الآخر وهو توبیخ الیهود وکشف حقیقتهم للمسلمین، فإمّا ترکوه، وإمّا ذکروه بإشارة عابرة؛ کأنهم لمیعتدّوا به. منهم الطبرسی (1416هـ) حیث قال: و احتجّ الله بهذه الآیات على مشرکی العرب فیما استبعدوه من البعث وقیام الأموات ... فأخبرهم سبحانه بأن الذی أنکروه واستبعدوه لا یتعذر فی اتساع قدرته، ونبّههم على ذلک بذکر المقتول، وإحیائه بعد خروجه من الحیاة (ص 278). ثم ذکر هدفاً آخر وقال: فی هذه القصة دلالة على صدق نبوة محمد؛ حیث أخبرهم بغوامض أخبارهم التی لا یجوز أن یعلمها إلا من قرأ کتب الأولین، أو أوحی إلیه من عند ربّ العالمین. وقد صدّقه مخالفوه من الیهود فیما أخبر به من هذه الأقاصیص، وقد علموا أنّه أمّیّ لم یقرأ کتاباً، ولم یرتابوا فی ذلک؛ وهذه آیة صادعة وحجة ساطعة فی تثبیت نبوته (السابق). و جاء فی تفسیر نمونه ما ترجمته: «إنّ هذه القصة العجیبة إضافة إلى أنها تدل على قدرة الله غیر المتناهیة، کذلک تدل على قضیة المعاد؛ فلهذا قال: «کَذلِکَ یُحْیی اللهُ الْمَوتىª إشارة إلى المعاد؛ و«یُریکُمْ آیاتِهِª إشارة إلى قدرة الله وعظمته» (مکارم الشیرازی، 1399هـ، ص 310). و قال البستانی (1989م): هذه الظاهرة (أی: ظاهرة إحیاء الموتى) هی الهدف الرئیسی للقصة. وحینئذٍ عندما تبدأ القصة من حادثة ذات صلة بعملیة الإحیاء للمیت، فإنما تعنی أنّ هذه و مهما اختلفنا عن القائلین بأن المراد من القصة الدلالة على البعث، ومهما اتفقنا معهم، فآراؤنا متقاربة وممکن الجمع بینها، لکن نختلف عن الکتّاب والمفسرین الذین حمّلوا القصة القرآنیة أهدافاً لم تذکر فی القرآن، بل جاءووا بها من قصص غیر موثوقة، وحمّلوها کتاب الله، وبهذا همّشوا الهدف الأصیل والرئیسی من هذه القصص. قال محمد رجب (2001م) فی العبر المستفادة من هذه القصة: 1 ـ حبّ المال غریزة فی الإنسان، ولکنّه إذا استولى على قلب الإنسان وعقله، أدّى إلى عواقب غیر محمودة؛ 2 ـ حبّ المال إذا زاد عن حدّه، أورث صاحبه طمعاً یقتل صاحبه؛ 3ـ اللجوء إلى الحیل الخبیثة لیس من طباع المؤمنین؛ 4 ـ العمل الشریف هو أفضل طریق لکسب الرزق؛ 5 ـ حب المال الزائد یجعل طریق الحصول علیه محفوفاً بالمخاطر؛ 6 ـ صلاح الآباء ینفع الأبناء؛ 7 ـ ویجب علینا أن نعرف أنّ الیهود الیوم هم هؤلاء الذین تهرّبوا من تنفیذ أوامر الله؛ 8 ـ أمّا الدرس المهم والعبرة الغالیة هى البرهان على إحیاء الموتى (ص 61ــ62). نوافقه علىالهدف السابع؛ لأنه الهدف المقصود بذاته من القصة؛ وکذلک الهدف الثامن، وهو من أهداف القصة، أمّا العبر الأخرى التی ذکرها المؤلف، فهی عبر مأخوذة من الروایات والقصص والإسرائیلیات التی ما أنزل الله بها من سلطان. ننقل ما قال المفسرون فی هذه القصة: إنّ رجلاً غنیاً کان فی بنی إسرائیل، ولم یکن له ولد. فقتله أحد أقربائه لیرثه. ثم جاء القاتل إلى موسى وقال له: أنت نبیّ الله، فاسأل لنا ربّک یکشف لنا عن القاتل. فأوحى الله إلى موسى أن یذبحوا بقرة. ثم إنهم لم یجدوا البقرة الموصوفة إلّا عند فتىً من أبرّ الناس بأبیه، وأن رجلاً مرّ به معه لؤلؤ یبیعه؛ فکان أبوه نائماً وتحت رأسه المفتاح. فهذا الفتى انصرف من اشتراء اللؤلؤ لئلا یُزعج أباه من النوم؛ فالله تبارک وتعالى کافأه ببیع هذه البقرة لإکرامه أباه (الطبری، آ 1421هـ، ص390). کل ما قیل فی هذه القصة من عبر هو مستخرج من هذه القصة، وکما قال الشیخ شلتوت (د. ت): «لا یجوز أن نزید على القصص القرآنیة ما لم یرد فی القرآن اعتماداً على روایات لا مستند لها» (ص 50). وأخسّ من تلک الأقوال قول الذین فسّروا هذه القصة تفسیراً باطنیاً صوفیاً بعیداً عن ظاهر الآیات وحقائق القرآن وأهدافه. قال بعض الصوفیة (ما نترجمه إلى العربیة): «قال الله تعالى: اقتلوا بقرة حیة لیحیى المیت، إشارة إلى ما قاله أصحاب الطریقة: اقتلوا النفس الحیة بسیف المجاهدة لِتَحیى القلوب المیتة بنور المشاهد»(میبدی،1993م، ص34). و لیس هناک دلیل على صرف القصة عن ظاهرها، وظاهر القرآن حجة علینا؛ کما نص علیه أرباب التفسیر حیث قالوا: «إذا دل القرآن أو الحدیث على معنى ظاهر ولایوجد ثمة دلیل على خلاف ذلک الظاهر، فظهوره حجة علینا» (جوادی الآملی، 2004، ج 5، ص 131)
النتیجة إنّ لهذه القصة هدفین: هدفاً رئیسیا مقصوداً بذاته وهو توبیخ الیهود وکشف هویتهم للمسلمین؛ وهدفاً غیر مقصود بذاته وهو الدلالة على البعث؛ وهذا ما نفهمه من کتاب الله. أمّا ما جاء فی القصص أو التفاسیر الباطنیة، فلا یجوز الاعتماد علیه؛ لأنه تحمیل کتاب الله وتهمیش أهدافه الأصیلة، وربّما یؤدّی إلى استئصالها.
قصة أصحاب الفیل جاءت هذه القصة فی السور الأوائل التی نزلت على رسول الله. ومع أن ترتیب النزول لم یکن أمراً قطعیاً، بل ترجیحیاً، فمن المرجّح أن هذه السورة هى التاسعة عشرة فی ترتیب النزول. أمّا مکّیّتها، فمحقّقة. إن الروح السائدة فی السور المکّیّة هو تهدید وإنذار یلفّه الخوف والهول والذعر، وإن تتخلّل هذه السورَ المتمخِّضة فی التهدید والتخویف والإنذار سورٌ هادئة رخیّة عطوفة مثل سورة الضحى والانشراح والکوثر التی تخاطب النبی ـ صلى الله علیه وآله وصحبه ـ . فکل من هذه السور کما قال سید قطب (ب 1968م) فی تفسیر سورة الضحى هی: «لمسة من حنان، ونسمة من رحمة، وطائف من وُدّ، وید حانیة تمسح على الآلام والمواجع، وتنسّم بالروح والرضى والأمل، وتسکب البرد والطمأنینة والیقین» (ص 3925). ولا تختص هذه السور الهادئة بالنبیّ وصحبه، بل هناک سور ــ فی الظاهر ــ تخاطب المشرکین خطاباً لیّناً، وتذکّرهم بنعم الله؛ کما نراه فی سورة قریش مثلاً. قال الطباطبائی (ب 1421هـ): إن سورة قریش «تتضّمن امتناناً على قریش بإیلافهم الرحلتین، وتعقبّه بدعوتهم إلى التوحید وعبادة ربّ البیت» (ص 364). أیکون المراد من هذه السورة ترحّم وتعطّف على قریش؟ أم أن هناک تهدیداً وراء هذا الامتنان؟ والحقیقة أن بین هذه السور الهادئة وبین تلک الحادّة جاءت بعض السور اختلف العلماء فی تبیین مغزاها وهدفها. وأنها أ جاءت للتهدید أم للتبشیر؟ جاءت للامتنان أم للامتهان؟ وکما نعرف، إن هناک فرقاً شاسعاً بین تفسیر من یعتقد أن الهدف من السورة تبشیر، وبین من یعتقد أنه تهدید. ومن ثمّ نفهم أهمیة معرفة الهدف العام والرئیسی للسورة قبل الولوج فی تفسیرها وبیانها. من هذه السور التی ارتبکت أقوال المفسرین فی تبیین هدفها هى قصة أصحاب الفیل التی قصّها الله $ فی سورة الفیل. منهم من اعتقد أنها جاءت لتذکّر قریش بنعمته علیهم ومننه. إذن هى للامتنان کما یعتقدون. ونذکر هنا القصة من القرآن الکریم، ثم نسوق آراء الفریقین حتى نستخلص ما نعتقده الصحیح من أقوالهم بعون الله: «أَلَمْ تَرَ کَیْفَ فَعَلَ رَبُّکَ بأَصْحابِ الْفیلِ µ أَلَمْ یَجْعَلْ کَیْدَهُمْ فی تَضْلیلٍ µ وَأَرْسَلَ عَلَیْهِمْ طَیْراً أَبابیلَ µ تَرْمیهِمْ بحِجارَةٍ مِنْ سِجّیلٍ µفَجَعَلَهُمْ کَعَصْفٍ مَأْکُولِª (الفیل 105: 1ــ5). قال القاسمی: «قال ابن إسحاق:فلمّا بعث الله محمداً، کان مما یَعُدّ الله على قریش من نعمته علیهم وفضله، ما ردّ عنهم من أمر الحبشه لبقاء أمرهم ومدتهم» (ب د. ت، ص 6265). و هذه الإشارة من ابن إسحاق تدلّ على أنه یعتقد أن الهدف من السورة الامتنان على قریش. أمّا الطبرسی صاحب مجمع البیان والطبری، فقد سکتا عن هدف القصة؛ کما سکت صاحب المیزان،إلّا أنه فی تفسیر سورة قریش قال: ولمضمون السورة ــ أی سورة قریش ــ نوع تعلق بمضمون سورة الفیل (الطباطبائی، ب 1420هـ، ص 364). ویعتقد الطباطبائی أن المراد من سورة قریش الامتنان. وبناءً على هذا، یبدو أن المراد من قوله: «تتعلق بمضمون الفیل» أن سورة الفیل نزلت للامتنان مثل سورة قریش. و الحقیقة أن أقوال المفسرین فی تبیین هدف سورتی الفیل وقریش فیه نوع من الغموض، حتى الذین نصُّوا أن هدف قصة الفیل هو «الامتنان» لم یبیّنوا لنا ما هو مرادهم من الامتنان؛ لأن الامتنان من الله یحمل معه نوعاً من الحنان فی التذکر بالنعم؛ کما قال # یذکر نبیّه بالنعم التی أنعمها علیه: «أَلَمْ یَجِدْکَ یَتیماً فَآوى µ وَوَجَدَکَ ضالّاً فَهَدى µ وَوَجَدَکَ عائِلاً فَأَغنى ª (الضحى: 6ــ8). فهذه الآیات کلها امتنان على رسول الله کما قال ــ صلى الله علیه وآله وصحبه ــ: «منّ علىَّ ربّی وهو أهل المنّ». فهل مراد المفسرین من الامتنان فی سورة الفیل الامتنان نفسه فی سورة الضحى؟ سورة الضحى سحابة رحمة مطرت على قلب الرسول، وسورة الفیل برکانٌ متفجر تفجّر على رؤوس المشرکین. إذن ما هو الأمر الذی دعا المفسرین أن یعبّروا بالامتنان عن سورة غاضبة لا تعرف الهدوء؟ إنّ الأمر الذی دعا المفسرین إلى أن یعتبروا هدف هذه السورة امتناناً، أن جیش أبرهة جاء لیهدم کعبتهم وبیت ربهم، وأن الله أرسل طیوراً لتدافع عنهم کما یزعمون. وبعد هذه الواقعة أعظمت العرب قریشاً کما یقول ابن هشام (2001م): «أعظمت العرب قریشاً وقالوا: هم أهل الله، قاتل الله عنهم وکفاهم مؤونة عدوّهم. فقالوا فی ذلک أشعاراً یذکرون فیها ما صنع الله بالحبشة، وما ردّ عن قریش من کیدهم» (ص 45). و ذکر العرب هذه الواقعة فی أشعارهم، وتفاخروا بها أمامَ غیرهم؛ کما قال عبدالله الزّبَعْری:
(ابن هشام، 2001م، ص45). هذه الواقعة قد جرت فی قلوب العرب وتمکّنت فی عقولهم، حیث نرى أن الفرزدق بعد عشرات من السنین وبعد الإسلام یذکر واقعة الفیل فی مدحه لسلیمان بن عبد الملک حیث قال:
(السابق، ص 45) فلهذا السبب لم یعتبر بعض المفسرین سورة الفیل تهدیداً لقریش؛ لأن واقعة الفیل کانت لهم ولیس علیهم. وقال بعض المفسرین: إنّ الله " لم یقصد تهدید قریش بهذه السورة، بل ذکّرهم بتلک النعمة التی أنعمها علیهم وقالوا: المراد منها الامتنان. ولکن کیف نجمع بین الامتنان وبین اللهجة الشدیدة الغاضبة العنیفة فی هذه السورة حتى نستخرج الهدف الرئیسی منها؟ یبدو أن المراد من الامتنان هو امتنان یقصد به التهدید والإنذار، ولیس امتناناً یقصد به الترحّم والتحنّن. إن الله " یعدّد نعمه على قریش، ویمنّ علیهم بها، لعلّهم یُفیقوا من سکرتهم، ویرعووا عن جهلهم وغفلتهم، وألّا یحلّ بهم العقاب، وینزل بهم العذاب. و هذا الامتنان الذی یحمل التهدید کقول سید لعبده الذی ربّاه، ثمّ أعلى منصبه، فجعله من مقرّبیه، ولکنّ هذا العبد تمرّد على سیده فعصاه. فأخذ السید یعدّد نعمه على عبده بغضب، ویذکّره بمنّه علیه. فهذا الامتنان ــ باللهجة الغاضبة ــ لیس المراد منه الترحّم والتحنّن، بل المقصود منه التهدید والتحذیر من عاقبة العصیان. فسورة الفیل ومثلها قریش تذکّر قریش بنعم الله، ولکنّه بتعابیر غاضبة حادّة، وتمطر علیهم الویل والثبور بسبب شرکهم وعنادهم بعد تلک النعم التی أنعم الله علیهم؛ فلهذا کان رسول الله یقول:«ویل لکم قریش لإیلاف قریش!» (ابن کثیر، ب 1998م، ص 717). مع أنّ سورة قریش ــ بالقیاس إلى سورة الفیل ــ هى سورة هادئة رخیّة، فقال رسول الله فیها هذا المقال. فما بالنا بسورة الفیل؟ فکلمة « الویل» فی کلام رسول الله ــ صلى الله علیه وآله وصحبه ــ لها معناها ومغزاها. فهى تحاکی المعنى والمغزى أنفسهما فی سورة قریش. ومثل هذا الویل بل الویلات لقریش فی الفیل، وإن کان ظاهرها امتنان. وقد نفهم من کلام بعض المفسّرین أن الامتنان هنا یراد به التهدید، ولکنّهم لم یفصحوا عنه ببیان واضح. قال سید قطب (ب 2005م): ولعله کان بهذا یذکّر قریشاً بنعمته علیهم فی حمایة هذا البیت وصیانته، فی الوقت الذی عجزوا هم عن الوقوف فی وجه أصحاب الفیل الأقویاء. لعلّهم بهذه الذکرى یستحیون من جحود الله الذی تقدّمت یده علیهم فی ضعفهم وعجزهم. کما یطامنون من اغترارهم بقوتهم الیوم فی مواجهة محمد - والقلة المؤمنة معه. فقد حطّم الله الأقویاء حینما شاءوا الاعتداء على بیته وحرمته، فلعله یحطّم الأقویاء الذین یقفون لرسوله ودعوته (ص 3979). فقول سید قطب: «یذکّر قریشاً بنعمته علیهم» إشارة إلى الامتنان؛ وقوله: «لعلّه یحطّم الأقویاء الذین یقفون لرسوله ودعوته» إشارة إلى التهدید الذی جاء فی السورة. ولا نعرف هذا الامتنان التهدیدی إلا عندما ندرس واقعة الفیل فی تأریخ العرب وحضارتهم وموقفهم منها. وأمّا ابن کثیر (ب 1998م)، فأشار إلى هذه المنّة، ولکنّه لم یوفق إلى بیانها حیث قال: هذه ــ أی سورة الفیل ــ من النعم التی امتنّ الله بها على قریش فیما صرف عنهم من أصحاب الفیل الذین کانوا قد عزموا على هدم الکعبة ... فأبادهم الله وأرغم أنوفهم ... وکان هذا من باب الإرهاص والتوطئة بمبعث رسول الله؛ فإنه فی ذلک العام ولد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر یقول: لم ننصرکم یا معشر قریش على الحبشة لخیرتکم علیهم، ولکن صیانة للبیت العتیق الذی نشرّفه ونعظّمه ونوقّره ببعثة النبی الأعلى محمد n خاتم الأنبیاء (ص 711). فأشار ابن کثیر إلى الامتنان فی بدایة کلامه، ولکنه لم یستخرج منها التهدید، بل انحرف فکره إلى ما قیل إن رسول الله ولد عام الفیل؛ فربط بین مولد النبی فی هذا العام وبین سورة الفیل. و یشبه هذا القول قول الفخر الرازی (ج 1985م) فی سورة الفیل عند ما قال: «إنّما فعلت بأصحاب الفیل ذلک تعظیماً لک وتشریفاً لمقدمک. فأنا کنت مربّیاً لک قبل قومک، فکیف أترُکُ تربیتک بعد ظهورک؟! ففیه بشارة له 4بأنه سیظفر» (ص 98). وأبعدت هذه التعابیر من المفسرین I أبعاد القصة القرآنیة عن أهدافها الرئیسیة النبیلة المنشودة.
النتیجة: إن الله # یذکّر فی قصة أصحاب الفیل قریشاً بنعمه ومننه، وبأنه کیف دفع الجیوش الجرّارة عن بیته عند ما ضعفوا هم عن مواجهتهم، لیرتدعوا عن غفلتهم وجهلهم، وإلّا حلّ بهم العذاب والعقاب؛ وأذاقهم الجوع والخوف بسبب إنکار النعم التی أنعمها علیهم، ولکنهم لم یشکروا له نعمته، بل قابلوها بالعصیان، کما قابلوا نبیّه بالعداوة والخذلان.
قصة موسى مع العبد الصالح وردت هذه القصة فی سورة الکهف، وهى من القصص المثیرة التی کثر الأخذ والرد فیها وفی تبیین مغزاها وما حملته من أسرار وإشارات. ونعتذر من نقل الآیات لطولها؛ فمن شاء، یراجع سورة الکهف آیات 60 إلى 82 . و ملخّص القصة من القرآن الکریم: أن موسىU عزم أن یلتقی بعبد من عباد الله. وبعد مسافة من الطریق وردح من الزمن، وجد هذا العبد الصالح. فطلب منه أن یرافقه لیتعلّم من علوم هذا العبد رشداً. فاعتذر العبد إلى موسى وقال له: إنک لا تستطیع الصبر على ما أفعل؛ لأنک لا تفهم مغزاه وباطنه. لکنّ موسى ألحّ حتى قبل هذا العبد بعد ما أخذ على موسى المواثیق الصارمة أن لا یسأل عمّا یری. فانطلقا حتى رکبا سفینة. فقام العبد وخرقها. فصاح به موسى ــ خلافاً لما وعد ــ : أ خَرقت السفینة لتغرق أهلها؟! لقد جئتَ شیئاً إِمراً! فقال له: ألم أقل إنک لا تستطیع معی صبراً؟! فاعتذر موسى وقبل العبد عذرَه وانطلقا حتى لقیا غلاماً؛ فقتله هذا العبد. فثارت ثائرة موسى قائلاً: أ قتلتَ نفساً زکیة بغیر نفس؟! لقد جئتَ شیئاً نُکراً! فذکّر العبدُ موسى بمواعیده. فأخذ موسى یعتذر إلى العبد على أن ما صدر منه کان نتیجة النسیان. فقبل هذا العبد عذره مرةً أخرى. ثم انطلقا حتى أتیا قریةً طلبا الطعام من أهلها، فأبوا أن یضیّفوهما؛ فوجدا فیها جداراً یرید أن ینقضّ، فأقاماه. فاحتجّ موسى علیه وقال: لو شئت لاتّخذت علیه أجراً! فقال العبد لموسى: هذا فراق بینی وبینَک. سأنبّئک بتأویل ما لم تستطع علیه صبراً. أمّا السفینة، فکانت لمساکین یعملون فی البحر؛ فعیّبتها لأن هناک ملکاً یغصب کل سفینة صحیحة. فأردت أن أعیبها حتى لایرغب الملک فی أخذها. أمّا الغلام، فکان کافراً وأبواه مؤمنان، وإنّ الله عرف أنه سوف یُرهقهما بکفره وطغیانه؛ فقتلتُه، وإنّ الله سوف یُبدلهما بغلام خیرٍ منه زکوةً وأقربَ رُحماً. أمّا الجدار، فکان لیتیمین وکان تحته کنز لهما؛ فأقمته لئلا یسقط الجدار على هذا الکنز، ویفقدانه.
الهدف الأساسی من القصة: نقلنا ملخص ما حدث وملخص ما بیّنه العبد لموسى فی تأویله الحوادث وبیان بواطنها وأسرارها، ولکنّ السؤال الأساس: ما هو الهدف من نزول هذه القصة؟ یقول المفسرون فی شأن نزولها: إنّ موسى قام خطیباً یوماً فی بنی إسرائیل. فسُئل: أی الناس أعلم؟ قال: أنا. فعاتبه الله فی هذه القصة؛ إذ لم یَردّ العلم إلیه. فأوحى الله إلیه إنّ لی عبداً بمجمع البحرین هو أعلم منک (الطبری، ب 2001م، ص 742). فإن الله " أرسله إلى هذا العبد حتى یعرف أن هناک مَن هو أعلم منه. وبعد أن وجده، دارت الأحداث الآنفة الذکر بین موسى وبین هذا العبد الصالح، ولکنّ کثیراً من المفسرین طاش سهمهم فی تبیین الهدف الرئیسی من القصة، وفکّروا أنها نزلت تدعو الناس للتواضع ونبذ الکبر، والاهتمام بالعلم و نفی الجهل و ... . قال البیضاوی (1990م): ومن فوائد هذه القصة أَن لا یُعجب المرء بعلمه، ولا یبادر إلى انکار ما لم یستحسنه. فلعلّ فیه سراً لا یعرفه. وأن یداوم على التعلیم، ویتذلّل للمعلِّم، ویراعی الأدب فی المقابل. وأن ینبّه المجرم على جرمه، ویعفو عنه حتى یتحقق إصراره، ثم یهاجر عنه (ص 34). و قال السیوطی فی الإکلیل: فی هذه الآیات أنه لا بأس باستخدام واتخاذ الرفیق والخادم فی السفر، واستحباب الرحلة فی طلب العلم، واستزادة العالِم من العلم، واتخاذ الزاد للسفر؛ وأنّه لا ینافی التوکل ونسبة النسیان ونحوه من الأمور المکروهة إلى الشیطان مجازاً وتأدباً عن نسبتها إلى الله تعالى؛ وتواضُع المتعلم لمن یتعلم منه ولوکان دونه فی المرتبة؛ واعتذار العالم إلى من یرید الأخذ عنه فی عدم تعلیمه مما لا یحتمله طبعه؛ وتقدیم المشیئة فی الأمر، واشتراط المتبوع على التابع، وأنه یلزم الوفاء بالشروط، وأن النسیان غیر مؤاخَذٍ به(القاسمی، آ د. ت، ص 4084). قال وهبة الزحیلی (1998م) فی تفسیره المنیر: هذه هی القصة الثالثة التی ذکرها الله تعالى فی هذه السورة بعد قصة أصحاب الکهف، وصاحب الجنتین والأموال، وهی تلتقی أیضاً مع ما ذکره الله تعالى من تشبیه الحیاة الدنیا بماء السماء، وتفاخر الناس بالمال وبالبنین، کما تلتقی معها فی نبذ الافتخار والتکبر والتعالی على الآخرین، لیکون ذلک درساً بلیغاً وعظةً لرؤساء قریش الذین طلبوا تخصیص مجلس لهم، وطرد الفقراء والمستضعفین من الجلوس معهم فی مجلس النبیّ أنَفَة وکبریاء واستعلاء (ص 291). و مثل هؤلاء قال الرازیّ (ب 1985م): أمّا نفع هذه القصة فی الردّ على الکفار الذین افتخروا على فقراء المسلمین بکثرة الأموال والأمصار، فهو أنّ موسى 4 مع کثرة علمه وعمله وعلوّ منصبه واستجماع موجبات الشرف التام فی حقّه، ذهب إلى الخضر لطلب العلم، وتواضع له؛ وذلک یدلّ على أنّ التواضع خیر من التکبّر (ص 144). کل هذه الأقوال فی بیان مغزى القصة لیس مما رامته الآیات، وأظنّ أن ما قیل: إنّ هذه السورة تدعونا إلى نبذ التکبّر والافتخار، والتمسک بالتواضع والانکسار، أو جاءت لِتُهاجم کبریاء قریش واستعلاءهم على فقراء المسلمین،کل هذا لیس بشیء، ونعتبره إبعاداً للقصة القرآنیة عن مرماها ومقاصدها النبیلة؛ لأن هذه السورة مکیة والاهتمام بالعلم وآداب المتعلمین لیس من اهتمامات هذه السور، وإنّ هذا یتنافى مع الظروف التأریخیة التی عاشها رسول الله وصحبُه. نعم، من الممکن أن نتعلم هذه الدروس من هذه القصة، ولکنّ الأهداف الرئیسیة غیر ما نتعلمه من القصة، والاهتمام بمثل هذه الأمور والترکیز علیها یؤدّی إلى السطحیة فی فهم قصص القرآن، ویسبّب تهمیش الأهداف الرئیسیة أو استئصالها. أمّا الهدف الرئیسی الذی نزلت القصة من أجله حسب اعتقادنا: أنّ فی هذه القصة أسراراً تکشف عن أسرارٍ فی حیاة الناس تحیّرت العقول فی درکها واستیعابها، ولا یدرک غوامضها، ولا یفهم بواطنها إلا المؤمن الصدوق. إنّ حیاة الناس امتزج یُسرها بعسرها، سرّاؤها بضّرائها، رَخاؤها بشدّتها، وهذا العسر وهذه الشدة والضرّاء فی الحیاة تؤلم الإنسان، وربّما تؤدّی إلى التشاؤم أو الیأس أو الکفر. فبعض الناس عند ما تحلّ بهم الحالّة، وتنزل بهم النازلة یتشائمون أو ینهالون على قضاء الله وقدَرِه بالسّباب غافلین عن أسرار هذه المصائب، وأنّ لله فیها حکمةً لا تدرک أغوارها بالنظرة السطحیة الظاهریة. فهده القصة تقول لنا: «قضیة باطن الأشیاء تختلف عن ظاهرها. فهذه القصة تعلّمنا أن لا نستعجل فی الحکم على الحوادث المسیئة التی تقع فی حیاتنا. فکثیراً من الحوادث التی نراها سیئةً ومؤلمةً فی حیاتنا، هی من ألطاف الله الخفیة» (مکارم الشیرازى،ب1399هـ، ص 517). فهذه القصة درسٌ للنبیّ ــ صلى الله علیه وآله وصحبه ــ ولجیمع المسلمین. فکثیر من الحوادث التی وقعت فی حیاة الأنبیاء ــ فی الظاهر ــ کانت مصائب وخسائر، ولکنّ لله فیها حکمة، وأن الله جعل فی باطنها ألطافاً ورحمة. على سبیل المثال: إن صلح الحدیبیة کان فی الظاهر استسلاماً للذل وخضوعاً لأوامر قریش؛ فلهذا احتجّ بعض الصحابة على رسول الله لإبرامه مثل هذه المعاهدة، ولکنه طلب منهم أن یصبروا؛ لأن وراء ظواهر هذه المعاهدة ألطافاً خفیة لا یعلمها إلا الله، والمؤمن هو الذی خرق ظواهر الأمور وفاز ببواطنها. وکشفت الأیام فیما بعد للمسلمین عن هذه الحقیقة؛ لأنّ رسول الله ــ صلى الله علیه وآله وصحبه ــ أرجع بعض المسلمین إلى قریش وفاءً بعهده، ولکنّ من أُرجعوا خلقوا لقریش مشاکلَ، وقطعوا لهم الطریق، حیث ضاقت قریش بهؤلاء ذرعاً؛ فکتبوا إلى رسول الله أن یُؤوی هؤلاء المسلمین؛ لأن قریش لا یحتاجون إلیهم؛ فآواهم رسول الله (ابن هشام ، ب 2001م، ص 298). ومثل هذه الأحداث الغامضة تقع فی حیاه کل إنسان ــ مؤمناً کان أو غیر مؤمن، مسلماً کان أو غیر مسلم ــ ولکنّ المؤمن بالله وبحکمته یصبر على ما یحلّ به معترفاً بعلم الله وحکمته، وأنّ العبد مهما کانت مکانته من العلم، لا یستطیع أن یعرف غوامض حکمة ربّه. إنّ المفسرین مع جلالتهم ومکانتهم فی العلم أخذوا یرکّزون على أمورٍ لیست مقصودة من القصة؛ لأن القصة لم تنزل لمعالجتها،و لا نؤاخذ المفسرین بذکرهم مثل هذه الدروس والعبر فی تفاسیرهم، وإنّما نأخذ علیهم تهمیش الهدف الرئیسی للقصص. والعجیب أنّ کثیراً منهم لم یشیروا إلى هذا الهدف السامی حتى إشارة عابرة، مما یعنی غیاب الهدف الرئیسی عندهم ].
النتائج 1 ـ کل قصة من القرآن لها هدف أصیل ورئیسیّ، ویجب على الدارس لهذه القصص أن یکشف هذا الهدف حتى لا یبتعد عن الصواب فی تفسیره؛ 2 ـ فی تبیین هذه الأهداف یجب الاعتماد على القرآن نفسه، ویلزم الابتعاد عن الروایات الضعیفة وعن الإسرائیلیات؛ 3 ـ معرفة الظروف التاریخیة تساعدنا على کشف هذه الأهداف؛ 4 ـ الأهداف الرئیسیة هى غیر العبر والدروس المستفادة من القصص؛ 5 ـ متابعة العبر والدروس یجب أن لا تؤدّی إلى إهمال الأهداف الرئیسیة. | ||||||||||||||||
مراجع | ||||||||||||||||
أ) العربیة • القرآن الکریم. 1 ـ ابن إسحاق ،محمد. سیرة ابن إسحاق. قم: مکتب الدراسات التاریخیة والمعارف الإسلامیة. 2 ـ ابن کثیر. (آ 1998م). تفسیر القرآن العظیم. (ج1). (ط 3). دمشق: مکتبة دار الفیحاء ومکتبة دار السلام. 3 ـ ابن کثیر. (ب 1998م). تفسیر القرآن العظیم. (ج4). (ط 3). دمشق: مکتبة دار الفیحاء ومکتبة دار السلام. 4 ـ ابن هشام، عبدالملک. (آ 2001م). السیرة النبویة. (ج1). بیروت: المکتبة العصریة. 5 ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . (ب 2001م). السیرة النبویة. (ج3). بیروت: المکتبة العصریة. 6 ـ البستانی، محمود. (1989م). (ط1). بیروت: دارالبلاغة. 7 ـ البیضاوی، عبدالله بن عمر. (1990م). أنوار التنزیل وأسرار التأویل المشهور بـتفسیر البیضاوی. (ج3). بیروت: مؤسسة الأعلمی. 8 ـ الخالدی، صلاح عبد الفتاح. (2002م). مفاتیح للتعامل مع القرآن. (ط3). دمشق: دار القلم. 9 ـ رضا، محمد رشید. (د. ت). تفسیر المنار.(ج 1). (ط3). دمشق: دار الفکر. 10ـ الزحیلی، وهبة. (1998م). التفسیر المنیر. (ج15). (ط 2). دمشق: دار الفکر. 11 ـ قطب، سید. (آ 2005م). فی ظلال القرآن. (ج 1). (ط 35). القاهرة: دار الشروق. 12 ـ ــــــــــــــــــــــ . (ب 2005م). فی ظلال القرآن. (ج 6). (ط 35). القاهرة: دار الشروق. 13ـ الطباطبائی، سیدمحمد حسین. (آ 1421هـ). المیزان فی تفسیر القرآن. (ج 1). قم: منشورات جامعة المدرسین فی الحوزة العلمّیة. 14ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (ب 1421هـ). المیزان فی تفسیر القرآن. (ج 20). قم: منشورات جامعة المدرسین فی الحوزة العلمّیة. 15ـ الطبرسی، الفضل بن الحسن. (1986). مجمع البیان فی تفسیر القرآن. (ج 1). (ط 1). بیروت: دار المعرفة. 16ـ الطبری، محمد بن جریر. (آ 2001م). جامع البیان عن تأویل آى القرآن. (ج 1). (ط 1). بیروت: دار إحیاء التراث العربی. 17ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. (ب2001م). جامع البیان عن تأویل آى القرآن. (ج 2). (ط 1). بیروت: دار إحیاء التراث العربی. 18 ـ الطنطاوی، محمد. (1997م). القصة فی القرآن الکریم. (ج1). (ط1). القاهرة: دار نهضة. 19 ـ الرازی، محمد بن عمر (الفخر الرازی). (آ 1985م). التفسیر الکبیر. (ج 9). (ط 3). بیروت: دار الفکر. 20 ـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . (ب 1985م). التفسیر الکبیر. (ج 11). (ط 3). بیروت: دار الفکر. 21 ـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . (ج 1985م). التفسیر الکبیر. (ج 16). (ط 3). بیروت: دار الفکر. 22 ـ القاسمی، محمد جمال الدین. (آ د. ت). محاسن التأویل المشهور بـتفسیر القاسمی. (ج 11). بیروت: دار إحیاء الکتب العربیة. 23 ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . (ب د. ت). محاسن التأویل المشهور بـتفسیر القاسمی. (ج 17). بیروت: دار إحیاء الکتب العربیة. 24ــ مغنیة، محمد جواد. (1969م). التفسیر الکاشف. (ج 4). (ط 3). بیروت: دار الجواد. 25 ـ یوسف نصیر، إبراهیم، ومحمد رجب. عبر من قصص القرآن الکریم. (ط 1). بیروت: مکتبة العبیکان.
ب) الفارسیة 26ــ جوادى آملى، عبد الله. (1379 هـ. ش). تسنیم. (ج5). چاپ دوم. قم: مرکز نشر اسراء. 27ــ انصارى، عبد الله (منسوب). تفسیر ادبى و عرفانى قرآن کریم. (تلخیص حبیب الله آموزگار). (چاپ هشتم). تهران: اقبال. 28ـ مکارم شیرازى، ناصر و دیگران. (آ 1399 هـ. ق). تفسیر نمونه. (ج1). (چاپ چهارم). تهران: دار الکتب الإسلامیة. 29ـ مکارم شیرازى، ناصر و دیگران. (ب 1399 هـ. ق). تفسیر نمونه. (ج12). (چاپ چهارم). تهران: دار الکتب الإسلامیة. 30ــ میبدى، ابوالفضل رشید الدین (منسوب به خواجه عبدالله انصارى). تفسیر ادبى و عرفانى قرآن کریم. (تلخیص حبیب الله آموزگار). (ج1). (چاپ هشتم). تهران: اقبال. | ||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 948 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 755 |