
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,705 |
تعداد مقالات | 13,964 |
تعداد مشاهده مقاله | 33,472,917 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,271,658 |
دعائم تأثير الخطيب على المخاطبين | ||
بحوث في اللغة العربية | ||
مقاله 4، دوره 2، شماره 2، تیر 2010، صفحه 69-80 اصل مقاله (326.15 K) | ||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||
نویسندگان | ||
نصرالله شاملي* 1؛ فريبا حسيني2 | ||
1دانشيار گروه زبان و ادبيات عربي دانشگاه اصفهان | ||
2دانشجوي مرحلة کارشناسي ارشد دانشگاه اصفهان | ||
چکیده | ||
يتمحور هذا البحث على أربعة مواضيع: 1ـ ظاهر الخطيب: أعالج في هذا القسم ظاهر الخطيب؛ أي مظهره الخارجي، وجمال وجهه، وقوّة صوته، وحرکاته وإشاراته باليد والعصا والحاجب و...، وثيابه الجميلة والنظيفة، وقامته الرشيقة والمعتدلة و... وسـأفــصل القــول في هذا الموضــــوع فيما بعد تحت عنوان «ظاهر الخطيب». وأقول: إنّ جمال وجه الخطيب واعتدال قامته وقـوّة صوته و... يؤثّر على اجتذاب أنظار المخاطبين، مع أنّ الخطيب القبيح المنظر أيضاً قد يأسر الألباب ببلاغته وفصاحته، مما يغطّي على قبح صورته ودمامة خلقته. 2ـ باطن الخطيب: أدرس فيه أخلاق الخطيب،وتقواه، ونيّته، ومعرفته لنفسيّات السامعين وعاداتهم وأهوائهم وانفعالاتهم، وعلمه، وثقافته، وسرعة تذکّره. 3ـ ظاهر الخطابة: أشير في هذا القسم إلى طريقة إلقاء الألفاظ والعبارات بحيث کانت هذه الألفاظ والعبارات واضحة، وصحيحة، وممزوجة بالأمثال والحکم والآيات القرآنية، وملائمة بمعانيها. کما أعالج هذه المعاني تحت أربعة عناوين هي: حسن البيان والإلقاء، وفصاحة الکلام، وامتزاج الکلام بالآيات القرآنية و...، والملائمة بين العبارات ومعانيها. 4ـ باطن الخطابة: أشير في هذا القسم إلى موضوع الخطابة وأقول: إنّ الخطابة يجب أن يکون موضوعها متناسباً مع عقول المخاطبين، موافقاً لمقتضى الحال؛ ثمّ أقول: إنّ الخطابة إذا کان موضوعها ابتکارياً وجديدًا، فهى تؤثّر أکثر فأکثر على المخاطبين. | ||
کلیدواژهها | ||
الخطیب؛ فنّ الخطابة؛ سحر البیان؛ تأثیر الکلام | ||
اصل مقاله | ||
المقدمة: الحمد لله الذی یسّر لنا من العلم والعمل ما لم نکن علیه بقادرین، وهیّأ لنا من الجدّ والصبر ما لم نکن له بحاملین. والصلاة والسلام على محمد النبیّ الأمین % وعلى آله الطیبین الطاهرین المعصومین7، ومن أخلص لله فی علمه وعمله إلى یوم الدین. و بعد، فلمّا نظرت نظرة عابرة فی المؤلّفات التی تکون حول فنّ الخطابة، رأیتُ فیها فراغاً، وهو خلوّها من أیّ عمل مرتّب للّذی یرید أن یقوم بالخطابة فی المستقبل، فعزمت أن أکتب مقالة حول هذا الموضوع. وقبل کتابة هذه المقالة، درست الکتب المختلفة ــ باللغتین العربیة والفارسیة ــ حول الخطابة والبیان، من أهمّها: البیان والتبیین للجاحظ، الخطابة لأرسطو، الخطب والمواعظ لمحمد عبدالغنی حسن، سخن وسخنوری لـمحمد تقی فلسفی، اصول ومبادى سخنوری لـمحمد باقر شریعتی سبزواری، و.... وتوصلت إلىأنالکتب الفارسیة فی موضوع الخطابة فی مستوى عال یساعد من یرید أن یقوم بالخطابة أحسن مساعدة، لکن الکتب العربیة ما وجدت فیها کتاباً مفیداً فی هذا المجال؛ لأنّ موضوعاتها لیست مرتّبة، کما لیس أسلوبها مما یلفت النظر. فکلام مؤلّفی هذه الکتب حسن، لکن أحسن الکلام ما زانه حسن النظام. مثلاً کتاب البیان والتبیین للجاحظ أول کتاب یعالج الخطابة فی الأدب العربی، إلّا أنها معالجة غیر مستقلة ولا قائمة بذاتها؛ لأن الکتاب عبارة عن مسائل منثورة متفرقة جمعت من هنا وهناک، مع أنه لا یخلو من التطرق إلى فنون القول من الخطابة والشعر والرجز والقصص وغیرها. ولهذا أعددت هذا البحث، ورتّبتُ مادّتها ترتیباً جدیداً مفیداً بحیث تکشف للقارئین سرّ نجاح بعض المتکلمین، وأیضاً تکشف لهم أسرار تأثیر الکلام. وکلّ من یقرأ هذه المقالة، یعرف فی زمن قلیل عوامل تأثیر الخطیب على المخاطبین، ویستطیع أن یستخدم هذه العوامل فی خطاباته فی منتهى البساطة والسهولة. ولا یتعرض بحثنا هذا لتاریخ الخطابة وتطوّرها فی الأدب العربی بالتفصیل، کما لا یتحدث عن أنواع الخطابة، بل یتطرق إلى قواعد الخطابة وأصولها.
مدخل إلى معنى الخطابة: تعریف صناعة الخطابة عند المنطقیین: «إنها صناعة علمیة بسببها یمکن إقناع الجمهور فی الأمر الذی یتوقع حصول التصدیق به بقدر الإمکان» (المظفر، 1968 م، ص 415).
الخطابة وتطوّرها فی العصر الجاهلی: إن الخطیب الجاهلی هو الذی یؤلّب جموع القبائل على أعدائه، ویدعو إلى الصّلح، ویمثـــِّل القبیلة فی مجالس الاحتکام والشورى، کما أنه ــ بالإضافة إلى ذلک ــ یحرّض على الحرب أو ینهى عنها. وهکذا کانت الخطابة فی نشأتها الأولى فی الجاهلیة تـــَصحب المقاتلین فی غمار المعارک، وتُسهم فی ملاحم البطولة إلى جانب السیف، وتساعد فی وضع أکالیل الفخر على رؤوس الأبطال، کما تُلحق الذل والعار بالمنکسرین المخذولین. فازدهرت الخطابة وشاعت فی العصر الجاهلی بإلزام من واقع ذلک العصر الفروسی، وطبیعة الصحراء، حیث کان الإنسان یکسب عیشه بالغزو والقتال. وإذا أضفنا تعصّب العربی لقبیلته دون سائر القبائل وفخره بنفسه وبقومه، یتبین لنا إلى أی مدى کانت الخطابة تسهم فی الحیاة الجاهلیة العامة. الخطابة وتطوّرها فی العصر الإسلامی: إن العصر الاسلامی کان فی مجمله عصر التنازع الفکری ــ الاجتماعی إلى جانب التنازع السیاسی، وذلک بین القُرَشیین والرسول فی مستهلّ الدعوة، ثم بین المسلمین والمشرکین بعد موت النبی. ذلک، جمیعًا، یعطی الخطابة دوراً هاماً ومؤثراً فی ذلک المجتمع المضطرب بتیّاراته الفکریة المختلفة. فالخطابة کادت تکون الوسیلة الوحیدة لبثّ الأفکار والدعوات؛ لأن الکتابة لم تکن شائعة.
الخطابة وتطوّرها فی العصر العباسی: إن العصر العباسی کان عصر العقل؛ حیث برز النثر العلمی کأداة للإیضاح والتفسیر، وازدهرت الفلسفة وولجت حتى إطار الشعر. وإذا کانت الخطابة فی شتى أنواعها لم تــنعدم فی ذلک العصر، فإنها لم تعد تشغل الحیّز الفکری الذی شغلته فیما تقدم من العصور؛ إذ حلّ الجدل العقلی محلها، کما تضاءل شأنها فی الحیاة العامة الواقعة تحت وطأة العقل وأبحاثه وتحلیلاته. وهکذا، فإنّ تحضّر العقل واقتضاءه الأسالیب النثریة التی تخدم أغراضه، وتقدّم الحضارة واشتغاله بالتنظیم والتجرید والفلسفة أضعفَ من شأن الخطابة، دون أن یزیل آثارها. (الحاوی، 1973م).
أنواع الخطب: لقد کان أرسطو أول من عنی بتقسیم الخطابة إلى أنواع، حیث جعلها ثلاثة أقسام: الاستشاریة، والقضائیة، والاستدلالیة. وهو یعتمد فی هذا التقسیم على عناصر ثلاثة أیضاً، هی: الخطیب والسّامع والموضوع. أما الخطب الاستشاریة، فتبتغی النُّصح والإرشاد والتحذیر؛ والخطب القضائیة، فغایتها الاتهام والدفاع، بینما تهدف الخطبة الاستدلالیة إلى المدح والذمّ (السابق،ص 161). و امّا إیلیا الحاوی، فیعتقد بأن تقسیم الأنواع الخطابیة ــ کما هو مألوفٌ فی عصرنا ــ یتناول الخطب السیاسیة، والخطب القضائیة، والخطب الدینیة، وخطب المحافل. أمّا الخطب السیاسیة،فتتناول الموضوعات التی تتعلَّق بتنظیم الجماعة وإقامة الحکم فیها، أ کان ذلک فی المجالس النیابیة، أم فی الاجتماعات الانتخابیة، فضلاً عن الندوات العامة والمحافل الدولیة. ویمکن أن نضیف إلى هذه الخطب السیاسیة الخطب العسکریة، وهی تعتمد على الحماسة کسائر الخطب، لکنها فی الآن ذاته تبدو أکثر دقّة وانضباطاً. وأمّا الخطب القضائیة، فهی الخطب التی تُلقى فی دور المحاکم. والخطب الدینیة هی الخطب التی تُلقى فی المساجد والکنائس، متعمِّدة التأثیر على السامعین، وحضّهم على الفضیلة وترک متاع الدنیا. وخطب المحافل هی الخطب التی دعاها أرسطو الخطبَ الاستدلالیة،حیث تعتمد على التکریم والتأبین معالِجةً موضوعًا مما یجری فی الحاضر( السابق، ص 23 ــ25). و أمّا الموضوع الأصلی فی هذا البحث فلیس بحثاً فی تاریخ الخطابة وتطوّرها فی الأدب العربی، ولیس بحثاً فی أنواع الخطب، بل فی قواعد الخطابة وأصولها. وإنّما بحثــنا إجمالًا حول تاریخ الخطابة وتطوّرها فی الأدب العربی، وأیضًا حول أنواع الخطب کمقدمة لهدایة القارئین إلى الموضوع الأصلی. و الآن نبحث حول الموضوع الرئیس وهو «قواعد الخطابة وأصولها»، ونعالج هذا الموضوع عبر أربعة مباحث: 1ــ ظاهر الخطیب؛ 2ــ باطن الخطیب؛ 3ــ ظاهر الخطابة؛ 4ــ باطن الخطابة.
1ــ ظاهر الخطیب: نعالج فی هذا القسم ثلاثاً من المواصفات المرئیة والظاهریة التی تؤثّر على المخاطبین: أ. مظهره الخارجی؛ إذا کان ظاهر الخطیب جمیلاً، فهو أروح للعین وأمتع للنفس؛ لأن الناس یحبّون الجمال، ولا شک أن ّ لشکل الخطیب ومظهره الخارجی أثراً کبیراً فی سامعیه؛ لأن الجمال یجتذب أنظار الناس بطبیعة الحال. هذا، وإن الخطیب القبیح الوجه أیضاً قد یأسر القلوب ببلاغته وفصاحته وقوّة صوته و... مما یغطی على قبح صورته ودمامة خلقته؛ کما یقول الجاحظ: «قال العبّاس بن عبد المطّلب للنبیّ %: یا رسول الله! فیم الجمال؟ قال: فی اللسان» (الجاحظ، آ 1423هـ. ق، ص 102). و یقول الجاحظ أیضاً: نظر النعمان بن المنذر إلى ضمرة بن ضمرة. فلمّا رأى دمامته وقلّته قال: «تسمع بالمعیدی لا أن تراه» ــ هکذا تقوله العرب ــ. قال ضمرة: «أبیت اللعن! إن الرجال لا تُکال بالقفزان، ولا توزن فی المیزان، وإنما المرء بأصغریه قلبه ولسانه». وکان ضمرة خطیباً، وکان فارساً شاعراً شریفاً سیّداً (السابق، ص 264). ثمّ یأتی الجاحظ بروایة أخرى ویقول: روى الهیثم بن عدی عن أبی یعقوب الثقفی، عن عبد الملک بن عمیر، قال: قدم علینا الأحنف بن قیس الکوفةَ مع مصعب بن الزبیر. فما رأیت خصلة تُذمّ فی رجل إلّا وقد رأیتها فیه: کان صعْل الرأس، أحجن الأنف، أغضف الأذن، متراکب الأسنان، أشدق، مائل الذقن، ناتئ الوجنة، باخق العین، خفیف العارضین، أحنف الرِّجلین، ولکنه إذا تکلم جلّى عن نفسه(السابق، ص 64). ب. قوّة صوته؛ لقوّة صوت الخطیب واهتمامه بإبانة الحروف وأدائها من مخارجها أثر کبیر فی اجتذاب المخاطبین؛ فإن الصوت القوی المرن ممّا یعین الخطیب فی کثیر من المواقف؛ کما یمتاز بعض الخطباء ــ على رغم عیوبهم الکثیرة ــ بجهارة صوتهم وقوّته. «والصوت هو آلة اللفظ، والجوهر الذی یقوم به التقطیع، وبه یوجد التألیف. ولن تکون حرکات اللسان لفظاً ولا کلاماً موزوناً ولا منثوراً إلّا بظهور الصوت؛ ولا تکون الحروف کلاماً إلّا بالتقطیع والتألیف» (السابق، ص 90). فإذا کان الخطیب قویّاً ومبیناً فی صوته، اجتذب آذان المخاطبین بطبیعة الحال؛ کما یقول الخطیب الشهیر المرحوم الشیخ فلسفی (1410 هـ. ق) ما ترجمته: «إن الخطیب إذا أراد أن یقول أمراً هامّاً، فینبغی أن یرفع صوته؛ وإذا أراد أن ینصح الناس، فیحسن به أن یبیّنه بصوت منخفض» (ص 152). و«کان رسول الله % إذا خطب، قال فی خطبته: " أمّا بعد". فإذا ذکر الساعة، اشتدّ صوته واحمرّت وجنتاه» (المجلسی، 1335 هـ. ش، ص 301). و قد یکون سقوط بعض الأسنان آفة لقوّة صوت الخطباء وجهارته؛ کما ذکره محمّد عبد الغنی حسن (1990م): «قد یکون سقوط الأسنان آفة الخطباء، ولکنه لا یمنعهم من إبانة الحروف وتوضیح مخارجها» (ص 31). ونستنتج أن إبانة الحروف وأدائها من مخارجها من الفصاحة، والخطیب الفصیح هو الذی یبین الحروف ویوضح مخارجها، ویوقظ الناس من نوم الغفلة بصوته القوی والمحکم وبکلماته القویة ومعانیه القیّمة. وهذا المهم لا یحصل له إلّا بعد الممارسات الکثیرة. ت. حرکاته وإشاراته بالید أو بغیر الید؛ لا شک أن الجوارح والعصا و... تعین اللسان على البیان؛ فینبغی للخطباء والمتکلمین أن یستعینوا على تصریف وجوه القول والتعبیر عن المعانی بالإشارة بأیدیهم وأعناقهم وحواجبهم. فإذا أشاروا بالعصا فی أثناء خطبهم، فکأنّهم أضافوا إلى أیدیهم یداً أخرى. ویعتبر الجاحظ (آ 1423هـ. ق) الإشارة شیئاً من أصناف الدلالات على المعانی، ویقول: فأما الإشارة، فبالید وبالرأس وبالعین والحاجب والمنکب إذا تباعد الشخصان؛ وبالثوب وبالسیف. وقد یتهدد رافع السیف والسوط، فیکون ذلک زاجراً، ومانعاً رادعاً، ویکون وعیداً وتحذیراً. والإشارة واللفظ شریکان. ونعم العون هی له، ونعم الترجمان هی عنه. وما أکثر ما تنوب عن اللفظ، وما تُغنی عن الخط. وبعْدُ، فهل تعدو الإشارة أن تکون ذات صورة معروفة، وحلیة موصوفة على اختلافها فی طبقاتها ودلالاتها؟ وفی الإشارة بالطرف والحاجب وغیر ذلک من الجوارح مرفق کبیر ومعونة حاضرة فی أمور یستُرها بعض الناس من بعض، ویُخفونها من الجلیس وغیر الجلیس (ص 89). ثمّ یأتی الجاحظ (ب 1423هـ. ق) بذکر العصا وأخبارها وفوائدها و... فی فصل فتحه تحت عنوان «کتاب العصا». فیقول فی هذا الفصل: الدلیل على أنّ أخذ العصا مأخوذ من أصل کریم، ومعدن شریف، ومن المواضع التی لا یعیبها إلّا جاهل، ولایعترض علیها إلّا المعاند اتخاذ سلیمان بن داود 6 العصا لخطبته، وموعظته ولمقاماته وطول صلاته، ولطول التلاوة والانتصاب؛ فجعلها لتلک الخصال جامعة (ص 29). فالإشارات بالید أو بغیر الید تثیر السامعین، وتوجّه عواطفهم نحو الخطیب، وتجعلهم أکثر استجابة لرأیه: فکان " أبو شمر" إذا خطب، لم یحرّک یداً ولا منکباً، ولم یقلِّب عینیه، ولم یحرّک رأسه، حتّى کأنما کلامه یخرج من صدع صخرة. ورأیه أن صاحب المنطق لا ینبغی له أن یستعین علیه بغیره من وسائل الإشارة والحرکة. وما زال کذلک حتى أقنعه إبراهیم النظام[1] بضرورة ذلک للخطیب. وکان «أیّوب بن جعفر» العباسی حاضراً ذلک؛ فتحوّل منذ ذلک الیوم من عدم الحرکة إلى الاستعانة على الخطابة بالحرکات والإشارات (حسن، 1990م، ص 13). و نحن نعتقد أنّ إلقاء الکلام دون أیّ إشارة بالید أو بغیر الید لیس ممکناً؛ لأننا نستفید عند التکلم من أسماء الإشارة کثیراً، واستخدامها لا یمکن إلا بالإشارة بالید أو الحاجب أو...؛ کما یقول الدکتور فاروق سعد (1987م): «لا یُتصور نطق اسم من أسماء الإشارة دون أن یقترن هذا النطق بإشارة الید» (ص 111). وهناک صفات أخرى إضافة إلى هذه الصفات الظاهریة؛ منها: الثیاب الجمیلة للخطیب، وأیضا قامته الرشیقة والمعتدلة. وینقل الجاحظ (آ 1955م) من محمد بن یسیر الشاعر: «قیل لأعرابی: ما الجمال؟ قال: طول القامة وضخم الهامة، ورحب الشدق، وبعد الصوت» (ص 139). و أیضا، تقسیم لحظات الخطیب بین المخاطبین بالسّویّة. «عن أبی عبد الله 8 قال: کان رسول الله -یقسم لحظاته بین أصحابه، فینظر إلى ذا وینظر إلى ذا بالسّویّة» (الکلینی، ب 1344 هـ. ش، ص496). و کلّ هذه العوامل لها أثر کبیر فی اجتذاب أنظار المخاطبین. فعلى الخطیب أن یهتم بظاهره کما یهتمّ بباطنه؛ لأن الخطابة هی فنّ هدفها الإقناع والاستمالة. فالخطیب إذا أراد أن یقنع الناس بکلامه، فعلیه أن یهتمّ بجماله الظاهری والمعنوی على السواء.
باطن الخطیب: 1ــ أخلاقه وتقواه ونیّته؛ إن الخطیب لا یصل إلى الدرجات الرفیعة دون أخذ الأخلاق والسلوک الحسن مأخذ الاعتبار. فعلیه أن یتحلّى بالتقوى وبالفضائل الأخلاقیة، وأن تکون بین قوله وعمله ملائمة. «أحسن الکلام ما کان قلیله یغنیک عن کثیره، ومعناه فی ظاهر لفظه، وکان الله $ قد ألبسه من الجلالة، وغشّاه من نور الحکمة على حسب نیة صاحبه وتقوى قائله» (الجاحظ، آ 1955م، ص 95). ونعتقد أن الخطیب إذا انفصل عن التقوى والإیمان والفضائل، انفصل کلامه عن قلوب الناس؛ فنحن نؤمن بأن دمامة الکلام ودماثته بقدر دمامة الأخلاق ودماثته. فإذا نصح الخطیب جمهور الناس بالورع والتقوى والصدق والعدالة، وهو نفسه أهل الظلم والکذب، فکلامه لا یؤثّر فی الناس، بل یضلّهم عن طریق الحقیقة. و إذا کانت نیّة الخطیب التقرّب إلى الله تعالى، اعتلى مکانه عند الله تعالى وعند الناس. و یقول الجاحظ (آ 1955م): «لأیاد وتمیم فی الخطب خصلة لیست لأحد من العرب؛ لأن رسول الله 0 هو الذی روى کلام قس بن ساعدة «ثمّ یقول». إنّما وفق الله ذلک الکلام لقس بن ساعدة لاحتجاجه للتوحید، ولإظهاره معنى الإخلاص، وإیمانه بالبعث» (ص 60). «وعن أبی عبدالله % قال: إنّ العالم إذا لم یعمل بعلمه، زلّت موعظته عن القلوب، کما یزلّ المطر عن الصّفا» (الکلینی، آ 1344 هـ. ش، ص 56). فعلى الخطیب أن یلزم الصدق والورع و... ثمّ یخاطب أمام الجمهور وینصحهم. یقول اللهوقد قال عامر بن قیس: الکلمة إذا خرجت من القلب وقعت فی القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان» (الجاحظ، آ 1955م، ص 95). و إذا کان لسان الخطیب وقلبه متلائمین فی القول والنیّة، صنع فی القلوب صنیع الغیث فی التربة الکریمة. 2ــ تعرّفه على نفسیّات السامعین؛ فمعرفة الخطیب نفسیّات السامعین وعاداتهم وأهوائهم وإنفعالاتهم ذات أثر کبیر فی نجاحه. ففی کتاب الخطابة لأرسطو (فی المقالة الثانیة، فصول 2 ــ11) تحلیل نفسی دقیق الغور لنفسیّة السامعین والقضاة و...؛ لأن قیمة الخطبة تکمن فی اجتذاب نفوس هؤلاء، وهذا یقتضی بالضرورة العلم بالطبیعة الإنسانیة، فی ذاتها وفی مجتمعها، ومعرفة طباع الناس وعاداتهم وأهوائهم وانفعالاتهم. و هذه الفصول تشتمل ــ فی الحقیقة ــ على دراسة الانفعالات الإنسانیّة. بعبارة أخرى، دراسة الحجج النفسیة أو الأخلاقیة القائمة على معرفة الانفعالات الإنسانیة وأسبابها وأنواع الأخلاق؛ فإن بین علم النفس وفنّ الخطابة صلة وثیقة. و یقول د. عبد الرحمن بدوی فی مقدمة کتاب الخطابة: الخطیب مثل الطبیب، لا یستطیع أداء مهمته إلا بالعلم: الأول بحال النفس، والثانی (الطبیب) بحال الجسم. ومن هنا فإنّ فنّ الإقناع، وهو مهمة الخطابة، یستلزم معرفة علمیة عمیقة بالنفس الإنسانیة، وأی نوع من الکلام یؤثّر فی أحوالها وأمزجتها. ولهذا ینبغی على الخطیب أن یکون قادرا على تشخیص أحوال السامعین النفسیّة، مثل قدرة الطبیب على تشخیص أحوال الجسم المَرَضیّة (أرسطو، 1980م، ص 16). و قد نرى فی الکتب التی تعنى بعلم النفس أبحاثًا عن مصالح الجماعات البشریة، وآمال الناس ومخاوفهم، ومطامحهم وتقلّباتهم. فإذا أراد الخطیب أن ینجح فی عمله، فعلیه أن یعرف علم النفس بحدّ کافٍ. فبین علم النفس وفنّ الخطابة ــ کما قلنا ــ صلة وثیقة. فهنا نأتی بمثال لیستنتج القارئ أن معرفة الخطیب لنفسیّات السامعین ذات أثر کبیر فی نجاح الخطیب: لقد کان معاویة بن أبی سفیان من أخبر خطباء العرب بالنفسیّات التی یخطب فیها، وکان له فی استلال سخائم النفوس طریقة بارعة یترضى بها الغضاب، ویهدئ بها الثورات، حتى تلین له مقادة الرجال. فحینما بایع لابنه یزید وکتب ببیعته إلى الآفاق، أبى مروان بن الحکم ــ عامله على المدینة ــ أن یقر بالبیعة. فعزله معاویة وولى مکانه سعید بن العاص. فجاء مروان مغاضباً من المدینة إلى دمشق، ودخل على معاویة یخطب هادراً کالسیل، ویهدد ویتوعد، ویقول فیما یقول: «فأقم الأمر یا ابن أبی سفیان، واعدل عن تأمیرک الصبیان، واعلم أن لک فی قومک نظراء، وأن لهم على مناوأتک وزراء». فغضب معاویة من هذا الکلام غضباً شدیداً، لکنه کظم غیظه، وکتم غضبه، وأخذ بید مروان أمام الجمع الحاشد وهو یخطب قائلاً: «إن الله قد جعل لکل شیء أصلاً، وجعل لکل خیر أهلاً. ثمّ جعلک فی الکرم منی محتداً، والعزیز منی والداً. اخترت من قُرومٍ قادة، ثم استللت سیّد سادة. فأنت ابن ینابیع الکرم... فمرحباً بک وأهلاً من ابن عمّ ! ذکرتَ خلفاء مفقودین، شهداء صدیقین، کانوا کما نعتّ، وکنت لهم کما ذکرت، وقد أصبحنا فی أمور مستحیرة، ذات وجوه مستدیرة، وبک والله یا ابن العمّ! نرجو استقامة أوَدها، وذلولة صعوبتها، وسفور ظلمتها، حتى یتطأطأ جسیمها، ویرکب بک عظیمها. فأنت نظیر أمیر المؤمنین، وعُدّته فی کل شدیدة وعضده، والثانی بعد ولی عهده ! فقد ولّیتک قومک، وأعظمت فی الخراج سهمک ! وأنا مجیز وفدک، ومحسن رفدک، وعلى أمیر المؤمنین غناک، والنزول عند رضاک !». ولقد سکنت بالطبع ثائرة مروان بعد هذه الخطبة البارعة، وبعد هذا المدح الذی خلعه الخلیفة الحلیم على والٍ ثائر، وبعد هذا الوعد بالخلافة بعد ولیّ عهده یزید، وبعد هذا العطاء الجزل والنائل الضخم الذی أضفاه معاویة على مروان وعلى وفده وأهله الذین حضروا بباب الخلیفة معه !! (حسن، 1990م، ص 21 ــ 22). نعم، إنّ الخطیب الناجح هو الذی یسعى أن یلقی کلامه بوجه ذی أثر کبیر فی إقناع السامعین واستمالتهم. فیبحث عن أیّة وسیلة للوصول إلى هذا الهدف. ونعتقد أن معرفة نفسیّات السامعین، أهمّ وسیلة للخطیب فی إلقاء کلمته. فإذا کشف الخطیب هذا السرّ، وصل إلى عمدة هدفه. ویمکن للخطیب أن یستغلّ هذه المعرفة عن طریق قراءة کتب علم النفس وعلم الإجتماع، أو عن طریق تعاملاته الکثیرة مع الناس. فنستنتج ممّا تقدم أن الخطیب إذا عرف نفسیة السامعین، یستطیع أن یضرب على الوتر الحساس الذی یهزهم؛ کما یصبح قادراً على أن یصل إلى مواضع التأثیر من نفوسهم، ویحملهم على الهدف الذی ینشده، فی غیر عسرة علیه ولاجماح منهم. إنه متى کان عارفاً وعالما بالنفوس، یستطیع أن یلعب بمشاعرهم، وأن یستخدم أهدى السبل فی إقناعهم أو استمالتهم، وأن یتخیر الکلمة الملائمة لإثارتهم، أو یُبرز الحدث المثیر لعواطفهم، أو یطامن من غرورهم وغُلَوائهم، ویُسکّن من ثائرة نفوسهم. 3 ــ علمه وثقافته؛ إن الخطیب الذی یتحدّث فی موضوع ما، ینبغی علیه أن یکون على علم حول ذلک الموضوع، بحیث لو نسی شیء، أمکنت إضافته؛ وإذا کان شیء غیر کاف، زید فی مقداره؛ وإذا سأله سائل، کان قادراً على جوابه. و قد جاء فی کتاب الخطابة: فإن الخطیب الذی ینصح فی أمورِ الطرق والوسائل ینبغی علیه أن یکون على علم بطبیعة ومدى موارد الدولة، بحیث لو نسی شیء أمکنت إضافته؛ وإذا کان شیء غیر کاف زید فی مقداره. وأیضاً علیه أن یعرف کل نفقات الدولة، بحیث لو کان منها ما هو زائد استبعد، وإذا أفرطت فی الکبر اختزلت؛ لأن الناس یصبحون أکثر ثراء لیس فقط بأن یضیفوا إلى ما یملکون، بل أیضاً باقتطاع النفقات، ولکن تحصیل نظرة عامة عن هذه الأمور لیس فقط من التجربة الفردیة، بل لابد من أجل إسداء المشورة بشأنها من العلم الجیّد بما اکتشفه الآخرون (أرسطو، 1980م، ص 41) . فالخطیب الذی لا یعلم حقیقة کلامه، لا یتحدّث حوله. وإذا ألقى کلاماً مع عدم العلم به، فیمکن أن یتّهمه الناس بإخباره بما لا یعلم وحتى بما یعلم. و فضلاً عن ذلک فإن الخطیب ــ فیما یتعلق بموضوعه ــ ینبغی أن یتقن لیس علماً واحداً فحسب، بل وأیضا أن یعرف العلوم التی تکون فی صلة وثیقة مع موضوعه، ولابدّ للخطیب أن یکون عالماً فی کلّ هذه المسائل إلى حدّ ما، ولکن فهم أصل الموضوع، أمر ذو أهمیّة خاصّة؛ لأن نجاح الخطیب یقوم على علمه بلا شک. و قال الله تعالى فی کتابه العزیز: «وَلا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً» (الإسراء 17: 36). هناک نقطة وهی: أنّ لعلم الخطیب وثقافته صلة بنوع الخطبة وثقافة الذین یسمعونه. فمثلاً خطبة الزواج أو خطبة تبحث حول نصیحة الناس لا تحتاج إلى کثیر من الثقافة والعلم قدر ما تحتاج إلیه خطبة سیاسیة أو خطبة قضائیة، إلّا أن الخطیب على کل حال یجب أن یکون عنده من اتساع الثقافة وامتداد آفاق المعرفة ما یمکنه من إجادة الموضوع الذی یخطب فیه، حتى یضاف عنصر العلم والمعرفة إلى مجموع العناصر التی تتکون منها شخصیته، والتی یؤثر مجموعها فی نفسیة السامعین، فیستولی على مشاعرهم وعقولهم. 4ــ سرعة تذکّره؛ وممّا اشترطوه فی الخطیب أن یکون سریع التذکر، وأن یکون ذَکیراً لأوّل خطبته، وهذا أمر هامّ. فإذا شغب علیه شاغب، أو حدث من الأمور ما یضطرّ به إلى قطع کلامه، فإنه یستطیع بما له من قوّة التذکر أن یوصل آخر الکلام بأوّله، وعجُزه بصدره، حتى لا تنقطع أوصال فکرته، وحتى لا یکون أحد کلامیه أجود من الآخر. على سبیل المثال، إذا واجه الخطیب مشکلاً فی کلامه، ینبغی أن یخرج من هذه الورطة بنکتة لطیفة، ویخلص من الخطإ بطریقة سریعة. و الخطیب الناجح هو الذی یمتاز بقوّة التذکر والحفظ لکلّ شیء سلف من منطقه، والذکر لأوّل کلامه. و قد أتى محمد عبد الغنی حسن (1990م) بروایة من تاریخ الخطابة العربیة ویقول: إن بعض خلفاء العبّاسیین ارتقى المنبر لیخطب. فسقطت على وجهه ذبابة، فطردها. فرجعت ثانیة فطردها إلى أن ضایقه ذلک بما انقطع معه خیط تفکیره وتعبیره. فأدرکه الحصر والإرتاج، فلم یجد غیر آیة من القرآن یستنقذ بها الموقف. فقال: «أعوذ بالله السمیع العلیم، یا أَیُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذینَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لَن یَخْلُقُوا ذُبابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ یَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَیْئًا لا یَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ» (الحج22: 73). ثمّ نزل. فاستحسن الناس منه ذلک التخلص (ص 16). فسرعة التذکر أمر هامّ، و قطع خیط التفکیر على الخطباء أمر طبیعی؛ لأنّ الخطیب فرد واحد أمام کثرة وجماعة، وإذا أخذته هذه الفکرة،قطع علیه خیط تفکیره؛ لهذا فإن الخطیب الناجح هو الذی یتغلب على هذه المواقف بشکل جمیل وطریق لطیف.
ظاهر الخطابة: وهناک عناصر عدیدة تعین الخطیب کثیراً؛ مثل: حسن الإلقاء، وفصاحة الکلام، وامتزاج الکلام بالآیات القرآنیة و...، والملائمة بین العبارات ومعانیها، نتطرق فیما یلی إلى بعضها: 1ــ حسن البیان والإلقاء؛ إن البیان نعمة عظیمة من الله # کما قال: «اَلرَّحْمنُ µ عَلَّمَ الْقُرْآنَ µ خَلَقَ الْإِنسانَ µ عَلَّمَهُ الْبَیانَ» (الرّحمن55: 1ــ4). والإلقاء ذو أثر کبیر فی استمالة السامعین؛ فمن الخطباء من یکون فاتر الإلقاء ضعیف التأثیر، فتضیع أدلته الکثیرة المقنعة. ومنهم من یأتی بأدلة أقل أو أضعف، لکن یثیر عواطف السامعین ویلهب مشاعرهم؛ فیتحمسون لتنفیذ فکرته، ویحاول کلّ واحد منهم أن یعمل على تحقیق شیء منها بقدر طاقته. فالخطیب الناجح هو الذی یسعى أن یلقی کلامه بأحسن وجه ممکن، وهو یستعین بکلّ شىء یمکن أن یعینه فی استمالة المخاطبین وإقناعهم. «وقال إسماعیل بن غزوان: الأصوات الحسنة والعقول الحسان کثیرة، والبیان الجیّد والجمال البارع قلیل» (الجاحظ، ب 1955م، 342). وإذا أراد الخطیب أن یقنع المخاطبین ویجتذب قلوبهم بکلامه، فعلیه أن یهتمّ ببعض الأمور: أوّلاً. عدم التسرّع فی النطق؛ فإن النطق السریع یؤدّی إلى تشویه مخارج الحروف وخلط بعضها ببعض؛ لأن عضلات الفم واللسان لا یتیسر لها ما یکفی من الوقت لتنتقل من لفظ إلى آخر. یقول أبو هلال العسکری (1952م): «علامة سکون نفس الخطیب ورباطة جأشه هدوؤه فی کلامه وتمهّله فی منطقه. وقال ثمامة: کان جعفر بن یحیى أنطق الناس، قد جمع الهدوء والتمهّل، والجزالة والحلاوة. ولو کان فی الأرض ناطق یستغنی عن الإشارة لکانه» (ص 22). و بعدم التسرّع فی النطق یسری الصوت إلى جمیع المستمعین بیسر وسهولة. ثانیاً. إلقاء الشعر بشکل بعید عن النثر؛ فإن الخطیب الذی یأتی بأمثلة من الأشعار یجب أن یضع الصوت بعیداً عن النثر، بحیث یکون الموسیقى واضحاً فی أشعاره. یقول الدکتور فاروق سعد (1987م): وإن أنس لا أنس إلقاء الشاعر ناظم حکمت، فلقد سمعته فی سنة 1960 یلقی قصیدة بالترکیة فی الندوة اللبنانیة. ورغم جهلی والحضورِ اللغةَ الترکیة، فقد حدسنا من إلقاء الشاعر الترکی ــ صوتاً وحرکة ــ أن موضوع القصیدة یتعلق بالبحر؛ وکان هذا فعلاً (ص 363). فإذا کان إلقاء الشعر جمیلاً، صوتاً وحرکة، یمکن أن یفهم الناس موضوع الشعر مع عدم تعرّفهم على لغة ذلک الشعر. و یقول أرسطو(1980م): «لا یکفی أن یعرف المرء ما یجب علیه أن یقوله، بل علیه أیضاً أن یعرف کیف یقوله، وهذا یسهم کثیراً فی جعل الکلام یظهر ذا طابع معین» (ص 193). ثالثاً. عدم التناقض فی الکلام. یعنی أنّ الخطیب یقول فی آخر کلامه شیئاً یتناقض مع ما قاله فی أول الکلام. وهذا من البواعث التی تضلّ المخاطبین عن الحقیقة. رابعاً. القول اللیّن. فالقول اللیّن یؤثّر جدّاً فی قلوب المخاطبین. قال الله # إلى موسى وهارون: «اِذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى µ فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَیِّناً لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ أَوْ یَخْشى» (طه 20: 43ــ44). و أیضا یقول إلى محمّد النبیّ Q: «فَبما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنتَ فَظًّا غَلیظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ» (آل عمران 3: 159). 2ــ فصاحة الکلام؛ والفصاحة فی الکلام فنّ، بحیث قال موسى U فی هارون: «هُوَ أَفْصَحُ مِنّی لِسانًا» (القصص 28: 34). و من فصاحة الکلام وضوح المعنى، سهولة اللفظ، جودة السبک و... فیجب أن تکون کلّ کلمة فی الخطبة جاریة على القیاس الصرفی، بیّنة فی معناها، مفهومة عذبة سلسة، بعیدة من الغرابة وتنافر الحروف و.... و یجب أن تسلم العبارات من ضعف التألیف، وتنافر الکلمات، والتعقیدین الفظی والمعنوی، وتتابع الإضافات، وکثرة التکرار و... فإذا أراد الخطیب أن یکون کلامه فصیحاً، فعلیه أن یعرف علم الصرف والنحو. یقول الجاحظ (ب 1955م): «وکان أیوب السختیانی یقول: تعلّموا النحو؛ فإنّه جمال للوضیع وترکه هُجنة للشریف» (ص 249). أما الفصاحة فی الخطابة، فمن أهمّ مزایاه ما یمکن أن یسمّى «الوضوح». ویتبیّن ذلک من أن الکلام إذا لم یجعل المعنى واضحاً، فإنه لایؤدی وظیفته الخاصّة، کذلک ینبغی أن لا یکون وضیعاً، ولا فوق مکانة الموضوع، بل مناسب له. وسبیل الوضوح هو التعبیر فی سهولة. أما الخطیب، فحین یُغمض ویُبهم، فلیس عند السامعین من الوسائل ما یمکنهم من استدراک ما فاتهم من المعنى. فیضیع قصد الخطیب ومراده. ومن هنا کان الوضوح للخطیب ضرورة لازمة. 3ــ امتزاج الکلام بالآیات القرآنیة و... ؛ قال الجاحظ (آ 1955م): قال الهیثم بن عدی: قال عمران بن حطان: إن أوّل خطبة خطبتها عند زیاد ــ أو عند ابن زیاد ــ . فأُعجب بها الناس، وشهدها أبی وعمی. فظننت أنی لم أقصر فیها عن غایة، ولم أدع لطاعن علة. ثمّ إنی مررت ببعض المجالس، فسمعت رجلاً یقول لبعضهم: هذا الفتى أخطب العرب لو کان فی خطبته شیء من القرآن! (ص 137). فخُلوّ الخطبة العربیة من بعض آی القرآن، ینقص من قدرها، مهما کان حظّها من البلاغة وقوّة الحجة، وتزیینها بالقرآن مما یستحسن فی الخطب. و قد یستشهد الخطیب بالأمثال فی خطبته، فیذکر مثلاً أو حکمة معروفة، یزیّن بها الکلام ویزخرفه؛ فإنّ للمثل میزة مفیدة فی استمالة السامعین وإثارة شعورهم. وربما یؤثر المثل فی الخطبة ما لا تفعل الخطبة بأجمعها. و أیضا من عوامل تأثیر الخطیب على المخاطبین امتزاج الکلام بالعبارات المسجعة. ومع أن علماء البیان لم یشرطوا التزام السجع فی الخطب، لکنهم استحسنوه فیها. 4ــ الملائمة بین العبارات ومعانیها؛ ونجد آثار هذه الملائمة بین اللفظ والمعنى فی الأغراض الشعریة؛ مثلاً: أحد مقوّمات الوصف أن تکون العبارات والترکیب ملائمة لما یوصف؛ کما قال الله " فی وصف القیامة: «بسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحیمِ µ الْقارِعَةُ µ مَا الْقارِعَةُ µ وَما أَدْراک مَا الْقارِعَةُ µ یَوْمَ یَکونُ النّاسُ کَالْفَراشِ الْمَبْثوثِ µ وَتَکونُ الْجبالُ کالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ µ فَاَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازینُهُ µ فَهُوَ فی عیشَةٍ راضیةٍ µ وَأَمّا مَنْ خَفَّتْ مَوازینُهُ µ فَأُمُّهُ هاوِیةٌ µ وَما أَدْراک ما هیَهْ µ نارٌ حامیةٌ» (القارعة 101: 1ــ11). فالعبارات هنا جزلة قویّة تلائم مشاهد هذا الیوم المرعب. أو مثلاً یصف مقام أهل الجنّة: «إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفی نَعیمٍ µ عَلَى الْأَرائِکِ یَنْظُرُونَ µ تَعْرِفُ فی وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعیمِ µ یُسْقَوْنَ مِن رَحیقٍ مَخْتُومٍ µ خِتامُهُ مِسْکٌ وَفی ذلِکَ فَلْیَتَنَافَسِ الْمُتَنافِسُونَ µ وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنیمٍ µ عَیْنًا یَشْرَبُ بهَا الْمُقَرَّبُونَ» (المطففین 83: 22 ــ28). فالعبارات هنا جاءت رقیقة لطیفة تناسب مقام الجنّة ونعیمها وسعادة أهلها. و الخطیب الناجح هو الذی یهتمّ بظاهر خطابته (حسن التعبیر) کاهتمامه بباطن الخطابة (جمال المعنى).
باطن الخطابة: یلزم أن یکون موضوع الخطابة متناسباً مع عقول المخاطبین، وأیضاً یجب أن یکون معناه موافقاً لمقتضى الحال، کما ینبغی أن یکون موضوعه مبتکَراً وجدیداً، لتؤثّر أکثر فأکثر على المخاطبین. وإلیک تفصیل ما قلنا: 1ــ التناسب بین الموضوع وعقول المخاطبین؛ قال الله 4: « وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِیُبَیِّنَ لَهُمْ...» (إبراهیم 14: 4)؛ لأنّ مدار الأمر على البیان والتبیین، والإفهام والتفهیم. وکلّما کان الکلام أبین، کان أفضل. فالخطیب الناجح هو الذی یتحدث مع الناس بقدر عقولهم: «روی عن الصادق 8 أن عیسى قام خطیباً فی بنی إسرائیل. فقال: یا بنی إسرائیل! لا تکلّموا بالحکمة عند الجهّال فتظلموها، ولاتمنعوها أهلها فتظلموهم» (الحرّانی،1373هـ.ش، ص 28). و قال رسول الله 2: «إنّا معاشرَ الأنبیاء أُمرنا أن نکلّم النّاسَ على قدر عقولهم» (السابق، ص 36). وأیضا عن أبی عبد الله جعفر الصادق 8 قال:«ما کلّم رسولُ الله العبادَ بکنه عقله قطُّ» (الکلینی، آ 1344 هـ. ش، ص27). و أحسن الکلام ما زانه حسن البیان. 2ــ البلاغة؛ «أمّا البلاغة، فتأدیة المعنى الجلیل واضحاً بعبارة صحیحة فصیحة، لها فی النفس أثر خلّاب، مع ملائمة کلّ کلام للموطن الذی یقال فیه، والأشخاص الذین یخاطَبون» (الجارم، 1379هـ. ش، ص 16). فالبلیغ إذا أراد أن ینشئ خطبة، فکّر فی أجزائها، ثمّ دعا إلیه من الألفاظ والأسالیب أخفّها على السمع، وأکثرها اتصالاً بموضوعه، ثمّ أقواها أثراً فی نفوس سامعیه، وأروعها جمالا. فینبغی لکلّ خطیب أن یعلم بأنّ لکلّ مقال مقام. فعلى سبیل المثال عندما یتکلّم فی مجلس الزواج، لا ینبغی أن یتکلّم حول الموت ویوم القیامة، وکذلک ینبغی له فی الخطب الدینیة أو مثلاً الاجتماعیة أن یطنب کلامه، ولکن الإطناب فی الخطب العسکریة یخرج الکلام عن حدّ البلاغة، ویجعله غرضاً لسهام الناقدین. فالخطیب الناجح ذو دقة فی اختیار الکلمات والأسالیب على حسب مواطن الکلام ومواقعه وموضوعاته، وحال السامعین والنزعة النفسیة التی تغلب علیهم؛ لأنه یمکن أن یکون کلام حسناً خلّاباً فی موضع ومستکرهاً فی موضع آخر. إذن لابدّ للخطیب أوّلاً من التفکیر فی المعانی التی تجیش فی نفسه، وثانیاً استخدام الکلام فی مواطنه. فالخطیب الناجح هو الذی یدرک المقام وما یقتضیه من المقال. فإذا اقتضى المقام إطالة الکلام یطنبه، وإذا اقتضى اختصار الکلام یوجزه، وإذا اقتضى المقام إثارة الحزن، لا یتکلّم بالفرح والسرور، وإذا اقتضى المقام الفرح والسرور، لا یتکلّم حول الهموم والغموم، و إذا خاطب الأطفال، لا یتکلّم حول الشیخوخة والموت و...، وإذا خاطب الشیوخ، لا یتکلّم حول ألعاب الطفولة.
الخاتمة: ممّا تقدم یمکن القول أن الخطابة هی فی الأصل فنّ أدبی یعتمد على القول الشفوی فی الاتصال بالناس لإبلاغهم رأیاً حول مشکلة ذات طابع جماعی. وبمعنى أشمل، هی فنّ المخاطبة بطریقة إلقائیة تشتمل على الإقناع والاستمالة، وتوجیه السامعین نحو ما یقصده الخطیب. و الخطیب إذا أراد أن یجتذب قلوب المخاطبین، وأن یثیر الانفعال المطلوب فی نفوسهم، وأن ینعش ذاکرتهم، وأن یجعلهم مائلین إلیه، وأن یثیر مشاعرهم، فعلیه أن یکون کلامه بوجه أحسن، وبلفظ أحلى، وبمعنى أجمل، وببیان أکمل. فعلیه أن یهتمّ بظاهره وبباطنه، وأیضا بظاهر خطابته وباطنها. کما علیه أن یهتمّ بجمال وجهه وقوّة صوته وإشاراته وحرکاته، وأن یتحلّى بالتقوى والفضائل الأخلاقیة، والعلم والثقافة والمعرفة وغیر ذلک. وعلیه أن یهتمّ بظاهر خطابته؛ بحیث کانت ألفاظها وعباراتها واضحة صحیحة ممزوجة بالأمثال والحکم والآیات القرآنیة و... وعلیه أن یهتمّ بباطن خطابته؛ بحیث یکون معناه جدیداً موافقاً لمقتضى الحال، متناسباً مع عقول المخاطبین. وإقناع المخاطبین واستمالتهم واجتذاب قلوبهم أمر صعب جدّاً؛ لأن المخاطبین لا یتخلون عن عقائدهم بسهولة؛ و لهذا قال بعض الخطباء: لقد شیّبنی ارتقاء المنابر. 1ــ أبو إسحاق النظّام إبراهیم بن سیار بن هانئ البصری من أئمة المعتزلة. قال الجاحظ: «الأوائل یقولون: فی کل ألف سنة رجل لا نظیر له؛ فإن صح ذلک، فأبو إسحاق من أولئک». تبحّر فی علوم الفلسفة، واطلع على أکثر ما کتبه رجالها من طبیعیین وإلهیین، وانفرد بآراء خاصة تابعته فیها فرقة من المعتزلة سمیت « النظامیة»، نسبة إلیه . و... (الزرکلی، الأعلام، ص 36). | ||
مراجع | ||
أ) العربیة • القرآن الکریم. 1ــ أرسطو. (1980م ). الخطابة. (ترجمة وشرح عبدالرحمن بدوی). بغداد:دار الرشید. 2ــ البخاری، محمد بن إسماعیل. (1407هـ). الجامع الصحیح. (ج7). بیروت: دار إحیاء التراث العربی. 3ــ الجاحظ، عثمان بن بحر. (آ 1955م). البیان والتبیین. (ج1). بیروت:دار الفکر. 4ــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . (ب 1955م). البیان والتبیین. (ج2). بیروت:دار الفکر. 5ـ الجارم، علی. ( 1379هـ . ش). البلاغة الواضحة. (ط1). طهران: إلهام. 6ــ الحاوی، إیلیا. (د. ت ). فنّ الخطابة و تطوّره عند العرب. بیروت: دار الثقافة. 7ــ حسن، محمّد عبدالغنی. (1990م ). الخطب والمواعظ. (ط2). مصر:دار المعارف. 8ــ الزرکلی، خیرالدین. (1969 م ). الأعلام. (ج1). (ط3). بیروت: دار الکتب العربیة. 9ــ سعد، فاروق. (1987م). فنّ الإلقاء العربی. (ط1). بیروت: دار الکتاب اللبنانی. 10ــ العسکری، الحسن بن عبدالله. (1952). الصناعتین. (تحقیق علی محمد البجاوی ومحمد أبوالفضل إبراهیم). (ط1). بیروت: دار إحیاء الکتب العربیة. 11ــ المجلسی، محمّدباقر بن محمدتقی. (1335هـ. ش). بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار. (ج2). تهران: دارالکتب الإسلامیة. 12ــ المظفر، محمّدرضا. (1968 م ). المنطق. (ط3). النجف الأشرف: مطبعة النعمان.
ب) الفارسیة 13ــ الحرّانی، حسین بن شعبة. (1373 هـ. ش). تحف العقول عن آل الرسول. (ترجمة وتصحیح آیة الله کمره ای وعلی أکبر غفاری). تهران: سازمان چاپ دریا. 14ــ شریعتی سبزواری، محمّدباقر. (1373 هـ. ش). اصول ومبادی سخنوری. (چ1). قم: دفتر تبلیغات اسلامی. 15ــ فلسفی، محمّدتقی. (1410 هـ). سخن و سخنوری از نظر بیان و فنّ خطابه. (چ1). تهران: الحدیث. 16ــ الکلینی، محمّد بن یعقوب. (آ 1344 هـ. ش). الکافی. (ترجمه و شرح سیّد هاشم رسولی محلاتی). (ج1). تهران: دفتر نشر فرهنگ اهل بیت. 17ــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . (ب 1344 هـ. ش). الکافی. (ترجمه و شرح سیّد هاشم رسولی محلاتی). (ج4). تهران: دفتر نشر فرهنگ اهل بیت. | ||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 1,050 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 330 |