
تعداد نشریات | 43 |
تعداد شمارهها | 1,705 |
تعداد مقالات | 13,967 |
تعداد مشاهده مقاله | 33,490,700 |
تعداد دریافت فایل اصل مقاله | 13,273,475 |
التهکم في مقامات الهمذاني والحريري | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
بحوث في اللغة العربية | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقاله 2، دوره 2، شماره 2، تیر 2010، صفحه 7-16 اصل مقاله (440 K) | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نوع مقاله: المقالة البحثیة | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
نویسنده | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
محمود آبدانان مهدي زاده | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
استاديار گروه زبان و ادبيات عربي دانشگاه شهيد چمران اهواز | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
چکیده | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
شهد النثر العربي منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا تقلبات کثيرة تجلّت في مختلف الأساليب والفنون، وخلّف نتاجات أدبية قيّمة. ولقد ظهر في القرن الرابع الهجري نوع أدبي جديد يدعى«مقامات»، يمکن القول أن جوهرها القصص والحکايات التي ترددت علىألسنة العرب، إلا أن مبدعيها تعمدوا التصنيع والتأنيق فيها. وهذه المقامات تضم الحکايات والنوادر والمطايبات، بينما لاتخلومن جوانب تاريخية وحکمية وأدبية. هذا البحث نتناول فيه التهکم في فن المقامات عند الهمذاني والحريري. والتهکم هونوع من الحديث الذي لا تعکس فيه الکلمات ـ سواء بقصد أو بغير قصد ـ المعنى الحقيقي المقصود منها. ولما کانت المقامات تعتبر ثوره على المجتمع ورفضاً لمثالبه بأسلوب غير مباشر، فإن أصحاب المقامات اعتمدوا على التهکم أساساً لذلک الهدف؛ فاتخذوا صورة الخطإ ليصبح في ظاهره معبراً عن معنى، بينما يريد المتحدث عکس ذلک. للتهکم صور متعدده تطرقنا إليها في هذه الدراسة، وجئنا بنماذج من المقامات لتبيينها. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
کلیدواژهها | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المقامات؛ التهکم؛ الهمذانی؛ الحریری | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اصل مقاله | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التمهید القصة أو الحکایة من أقدم الأنواع الأدبیة التی ربما سبقت الشعر، وتحتل مکاناً واسعاً بین آداب الشعوب. ولم یکن العرب منذ أقدم العصور إلا کغیرهم من الأمم، یردّدون الحکایات، ویتمتعون فی مجالسهم بسماعها. ولا شک أن القصص تصور العادات والتقالید والآراء والمعتقدات للذین یقصّون تلک القصص أو الذین یحکونها، ناهیک عمّا یعتریها من دقائق خاصة قلّما توجد فی باقی الأنواع الأدبیة. ولقد ظهر فی القرن الرابع الهجری نوع أدبی جدید یدعى «مقامات»، یمکن القول أن جوهرها تلک القصص والحکایات، إلا أن مبدعیها تعمدوا التصنیع والتأنیق فیها. وهذه المقامات تضم الحکایات والنوادر والمطایبات، بینما لا تخلومن جوانب تاریخیة وحکمیة وأدبیة. المقامات فی اللغة جمع المقامة؛ والمقامة هی المجلس. والمقصود بالمقامة فی الأدب «قصة تدورحوادثها فی مجلس واحد» (البستانی، 1989م، ص 389). وهذه القصة قصیرة مبنیة على الکدیة (الاستعطاء)، وعناصرها ثلاثة: 1) راویة ینقلها عن مجلس تحدث فیه؛ 2) مکدٍّ (بطل) تدور القصة حوله وتنتهی بانتصاره فی کل مرة؛ 3) ملحة (نکتة)، (عقدة) تُحاک حولها المقامة؛ وقد تکون هذه الملحة بعیدة عن الأخلاق الکریمة، وأحیاناً تکون غثّة أو سمحة. وتبنی المقامة على الإغراق فی الصناعات لا سیما الفظیة منها.
روّاد المقامات کان بدیع الزمان الهمذانی (357 ـ 398 هـ) والحریری (446 ـ 516هـ) من أبرز کتّاب المقامات فی العصر العباسی، وتتناول السطور القادمة أهم السمات الأدبیة لدى الأدیبین بإیجاز بالغ: 1ــ بدیع الزمان الهمذانی ومقاماته: إن مقامات بدیع الزمان قصار فی الأغلب، وفیها فصاحة وسهولة ووضوح، إلى جانب الدعابة والمرح والتهکم. وبدیع الزمان حسن الابتکار قلّ أن تجد له مقامتین فی معنى واحد، وهو یجید فی مقاماته السرد والوصف الحسّی والتحلیل، ویحسن دراسة الطبائع وتصویر المعائب وعرض مساوئ المجتمع، غیر أنّه لا یقصد إصلاح هذه المساوئ بنصح أو بردع، وإنمّا غایته التهکم بأصحابها وإطراف الآخرین بتصویرها واستعراضها، وهو کثیر الاحتقار للناس. وأسلوب بدیع الزمان فی مقاماته خاصة، حلو الألفاظ سائغ الترکیب جمیل الوصف کثیر الصناعة المعنویة (فی الاستعارات والکنایات والتوریات خاصة) من غیر تکلّف ولا إغراق فی السجع. وللمقامات الخمسین التی بدأ بدیع الزمان کتابتها منذ عام 375 هـ راویة واحد هو عیسى بن هشام، ومکدّ (بطل) واحد هو أبوالفتح الإسکندری (نسبة إلى الإسکندریة التی هی قرب الکوفة على الفرات)، وهما شخصیتان تاریخیتان. 2ــ أبوالقاسم الحریری ومقاماته:یبدأ الحریری مقاماته بإسناد الکلام إلى راویتها الحارث بن همّام، ولکنه لا یقتصر کالبدیع على قوله: «حدثنا»، بل یمیل إلى التغییر فی بدء کل مقامة، فینتقل بین «حدّث» و«روى» و«حکى» و«أخبر» و«قال». وکان مکدّی (بطل) مقاماته هو أبو زید السّروجی (البستانی، 1982م، ص 428). والحریری فی مقاماته أکثر تعلقاً بالحواضر من بدیع الزمان. فلا یکاد یخرج إلى البادیة إلا فی واحدة منها أو اثنتین، ومقاماته فی الغالب أطول من مقامات أستاذه، بیدَ أن طولها لا یعود على اتساع الفن القصصی فیها، وإنما على اجتماع خبرین فی مقامة واحدة، أو على فیض الألفاظ، وکثرة المترادفات، ومعاقبة الجمل على المعانی، أو على الإکثار من الشعر. وفیه القصائد التی یشرح بها أبوزید أحواله، ویقصّ أخباره. وللحریری لغة متینة، قصیرة الجمل، یقطعّها تقطیعاً موسیقیاً، فما تتعدى جملته الکلمتین أو الثلاث، قلّما زادت فبلغت الخمسَ أو السّتّ، وهو فی إنشائه بادئ الصنعة، ظاهر التکلّف، یتعمد الغریب، ویسرف فی استعماله، ویفرط فی اصطناع المجاز والتزیین حتى تجف عبارته، ویقل ماؤها، ویعسر مساغها.
التهکم هو استخدام الکلام للتعبیر عن معنى مغایر للمعنى الحرفی بقصد السخریة. والتهکم لیس مجرد أداة أدبیة وفنیة لصیاغة القصص لدى أصحاب المقامات، بل یمکن أن نقول: إنه بمثابه منهج استطاع أن یشکّل رؤیتهم للحیاة ذاتها، وبالتالی فإن استخدامهم للأدوات الفنیة المتعددة للتهکم یخضع لهذه الرؤیة. فالتهکم یتحکم فی کل من الشکل والمضمون، ویمثل رکیزة أساسیة تنهض علیها أعمالهم (راغب،1997م،ص 45). والتهکم مزج بالشفقة والعطف؛ أی: إنه لا تعنی القسوة والإجحاف؛ لأن الإنسان یمیل بطبیعته إلى التسامح والتعاطف مهما بدأ موضوعیاً فی قسوته التی لا یمکن أن تصل إلى حد التجریح (السابق، ص 46).
أنواع التهکم للتهکم أنواع متعددة قد جمعها الدکتور أحمد الحوفی (2001م) فی کتابه القیّم الفکاهة فی الأدب. أولها: التهکم بالعیوب الخُلقیة والنفسیة؛ ثانیها: التهکم بالعیوب الجسدیة؛ ثالثها: التهکم السیاسی؛ رابعها: التهکم الاجتماعی (ص 177).
التهکم عند الهمذانی 1ــ التهکم بالعیوب الجسدیة: ففی المقامة الفزاریة تهکم بصورة شخصیة أبی الفتح ومهنته، وهی التجوال:
(بوملحم،1993م، ص 65) فهنا یتهکم بعدم شجاعته؛ لأنه یلبس السیف للافتخار ولیس للمبارزه، ودخول «إذا لم تک قتّالاً» تهکّمٌ منه بأن یبدل سیفه خلخالاً مثل النساء للتزیّن به. ثم فی المقامة النهیدیة یتهکم صورة الرجل وشکله:«مِلتُ مع نفر من أصحابی إلى فِناء خیمة ألتمس القِرى من أهلها. فخرج إلینا رجل حُزُقَّةٌ. فقال: من أنتم؟ فقلنا: أضیافٌ لم یذوقوا منذ ثلاث عَذوفاً» (السابق، ص 144). فهو هنا یتهکم بشکله أنه رجل قصیر وسمین جدّاً . کذلک یتهکم بشکل القضاة وهیئتهم، وأن ظاهرهم دائماً یخالف باطنهم، لیوهم الآخرین باستقامتهم وتقواهم. وقد أوضح ذلک جورج سالم (1997م) فی کتابه دراسات فی الأدب. فقال: «ألحّ الهمذانی أکثر ما ألحّ على عنایة القاضی بمظهره الخارجی وأثوابه وکلامه، لیظهر التناقض الشاسع بین ظاهره وباطنه، وأنه إنما یلجأ إلى ذلک کله لیتمکّن من إیهام الآخرین بصلاحه واستقامته وتُقاه، فیسهل علیه اقتناصهم» (ص 45). وقد أوضح الهمذانی ذلک فی المقامة النیسابوریة: «قد لبس دنیّته، وخلع دینیّته، وسوّى طیلسانه، وحرّف یده ولسانه، وقصّر سِباله، وأطال حباله، وأبدى شقاشقه، وغطّى مخارقه، وبیّض لحیته، وسوّد صحیفته، وأظهر ورعه، وستر طمعه» (بوملحم،1993م، ص 165). أیضا نجد فی المقامة الأصفهانیة أنه یتهکم بإمام یطیل الصلاة، وکان یخشى الاعتراض، فینقضّ الناس علیه، ویتخذ من الدّین مطیة للوصول إلى أهدافه، وهی خداع الناس، وابتزاز أموالهم. ثم ینفّرنا من هذا الامام الذی لا یحترم الصلاة وقدسیتها، ویطیل فیها؛ و یقف خطیباً ساعة. ثم یوزّع دعاءً، ویوهم الناس أن الرسول أوصاه أن یعلّمهم ذلک. فکیف له من الرسول حتى یعلّمه ذلک وهو بهذه الصفات؟! وهو یفعل کل ذلک لیربح القلیل من الدراهم من الناس، ولا یرید الثواب والخیر من الله بتقربه وورعه، وباحترامه للصلاة وخشوعه فیها. ثم یبرّر فعلته الدنیئة، ویتهکم بسذاجة الناس وجهلهم، ویرى أنّ الناس جهلاءُ وسذّج وحَمقى، ومن السهل اقتیادهم واقتناعهم ـ مثل الحُمُر ـ بالکلمات، ثم بالأموال. ویصف ذلک فی قوله :
(السابق،ص 52) 2ــ التهکم بالعیوب النفسیة والأخلاقیة البخل: جاء فی المقامة الوصیة: إنه المال ـ عافاک الله! ـ فلا تُنفقنّ إلا من الرِّبح، وعلیک بالخبز والملح، ولک فی الخَلّ والبصل رخصةٌ ما لم تضمّهما، ولم تجمع بینهما، واللّحم لحمک، وما أراک تأکله، والحلو طعامُ من لا یبالی على أی جَنبَیه یقع، والوجبات عیش الصالحین، والأکل على الجوع واقیة الفوت، وعلى الشَّبع داعیة الموت (السابق، ص 170). فهو یحثّه على عدم أکل اللحم، وفی المقابل على أکل الخَلّ والبصل شریطة أن لا یجمع بینهما، وینصحه بالجوع؛ لأنه واق له من الشبع الذی یؤدی إلى الموت. والجوع سمة من سمات الصالحین. فنرى الهمذانی یتهکم بصفة البخل، ویبالغ فی وصفها وذمّها حتى ینفّرنا من أصحاب هذه الصفة الذمیمة. السذاجة والجهل: یصوّر الهمذانی سذاجة الناس وجهلهم وبدعهم وانخداعهم لبساطتهم فی التفکیر. وذلک کما فی المقامة النهیدیة: حدثنا عیسى بن هشام قال: مِلتُ مع نفر من أصحابی إلى فِناء خیمة ألتمس القرى من أهلها. فخرج إلینا رجل حُزُقَّةٌ. فقال: من أنتم؟ فقلنا: أضیاف لم یذوقوا منذ ثلاث عَذوفاً. قال: فتنحنح، ثم قال: فما رأیکم یا فتیانُ فی نهیدة فرق کهامة الأصلع، فی جفنة رَوحاء، مکلّلة بعجوة خیبرَ من أکتار جبّارٍ رَبوضٍ الواحدة منها تملأ الفم، من جماعة خُمص عُطش خُمس، یغیب فیها الضِّرس؛ کأن نواها ألسنُ الطَّیر، یَجحفون فیها النَّهیدة مع... » (السابق، ص 145). فهو یواصل تهکّمه بسذاجة الناس الذین یصدّقون الإنسان المراوغ المخادع المخلفَ للوعد، الذی یمنّی دون أن یفعل شیئاً. ویسخر من المجتمع؛ لأن به سذّجاً کثیرین یصدّقون الرجال المخادعین، وهو یصف الشخص الذی یمنّیهم بأشیاء. ثم یُخلف ما وعدهم به، ویُکثر من الکلام بدون عمل شیء یُذکر کالسراب، وهو یَعدهم ثلاث مرّات بأکلات، ویستطرد فی وصف هذه الأکلات وصفاً دقیقاً، ویمنّیهم، وحین یتلهّفون، یعدهم بأخر، ثم یستهزئ بهم، ویسخر ثلاث مرات، وهو یسخر من سذاجتهم بأنهم یسهل الضحک علیهم ثلاث مرات، رغم أن هذا الشخص خدعهم قبل ذلک مرتین. ثم یتنبهون ثالث مرة، ویهمّون بضربه لولا ظهور ابنته التی أکرمتهم بعکس والدها.
3ــ التهکم الاجتماعی والسیاسی منه التهکم بالفقر المدقع والحالة البائسة التی یعجّ بها مجتمع البصرة خاصة، وذلک کما فی المقامة البصریة.فالهمذانی یتحدث فیها عن رجل کان غنیاً، ثم أذلّه الفقر، وأصبح فقیراً : «أنا رجلٌ من أهل الإسکندریة من الثغور الأمویة. قد وطّأ لی الفضلُ کنفَه، ورحّب بی عیشٌ، ونمانی بیت، ثم جعجع بی الدّهرُ عن ثَمِّه ورَمِّه» (السابق، ص60). ثم یصف حالة الفقر المدقع والجوع الشدید لأولاده، وعدم وجود أموال أو دار لهم لیطعمهم بها، وتعرّضهم للیال مهلکة باردة أو شدیدة الحرارة، وکذلک لسنین مجدبة وفقر شدید، حیث لم یجدوا إلا الخبز الذی یزورهم مرة فی کل حین. «وأتلانی زغالیلَ حُمر الحواصل:
ونشزتْ علینا البیض، وشمستْ بنا الصُّفر، وأکلتْنا السّود، وحطّمتْنا الحُمر، وانتابنا أبو مالک. فما یلقانا أبوجابر إلا عن عُفْر» ( السابق، ص61). ثم یصف الظروف العصیبة للحیاة فی البصرة وما فیها من ظلم، فیقول:«وهذه البصرة ماؤها هَضوم، وفقیرها مهضوم، والمرء من ضرسه فی شغل، ومن نفسه فی کَلّ» (السابق، ص 61)، فیصفها بأن الأغنیاء یأکلون خیرات الفقراء، والفقراء لیس لهم شیء من حق العیش الکریم. ثم یتهکم بالفقر الشدید فی هذه البلدة؛ حیث إنهم یبحثون عن طعام، فلا یجدون شیئاً، وهم شدیدو الاتساخ غُبْر؛ لأنهم لا یجدون من یرعاهم، ویحافظ علیهم، ویهتمّ بهم. فهو یُظهر حالتهم السیئة البائسة، وأن مَعِدتهم أصبحت فارغة، وبطونهم ملتصقة بظهورهم من شدة جوعهم، وأصبحوا کالمیت من البؤس الشدید. ویُظهر کذلک الحالة السیئة فی هذه البلاد، ویصف فقر أولاده الشدید، ودموعهم الکثیره لحاجتهم، فیقول:
ولقد أصبحنَ الیوم، وسرّحنَ الطَّرفَ فی حیّ کَمَیْت، وبَیت کَلا بیتٍ، وقلّبن الأکفَّ على لیتَ، فقضضْنَ عُقَدَ الضُّلوع، وأفَضْنَ ماءَ الدُّموع، وتَداعَیْنَ باسم الجوعِ:
(السابق، ص61) وهو یتهکم بالأغنیاء الأدنیاء، وضعاف النفوس الذین یسودون ویرتفع شأنهم على الفقراء، وهذه من علامات قیام الساعة. وفی مکان آخر من المقامة نفسها یسأل الناس، ویرجو منهم الخیر والمال لإطعام الأولاد الجیاع: «ولقد اُختِرتم یا سادةُ، ودلّتْنی علیکم السّعادةُ، وقلتُ: قسماً! إن فیهم لَدَسَماً. فهل من فتىً یُعشّیهنّ أو یغشّیهنّ؟ وهل من حرّ یغدّیهنّ أو یُردّیهنّ؟» ( السابق، ص 61). فهو یسأل الناس ویرجو منهم الخیر والمال لإطعام الأولاد الجیاع. والهمذانی یتهکم بالمکر والاحتیال والخدع السائدة فی عصره، کما فی المقامه الأرمنیّة، فیقول:
(السابق، ص 156) وکذلک المقامة الموصلیّة:
(السابق، ص 88) وکذلک فی المقامة المارستانیّة:
(السابق،ص 104) هو یتهکم کذلک بحرفة التّجوال. قال: «أجوب جُیوب البلاد، حتى أقعَ على جَفنة جواد، ولی فؤاد یخدمه لسان، وبیان یرقُمه بنان ... فقلت: شحّاذٌ ـ وربِّ الکعبة! ـ أخّاذٌ، له فی الصنعة نَفاذ، بل هو فیها أستاذ، ولابدّ من أن تَرْشحَ له وتسحّ علیه» (السابق، ص63). کذلک فی المقامة المَضیریّة یتهکم بالتجار الذین لا یرحمون مدیناً أو جائعاً أو محروماً، بل یستغلونهم أسوأ استغلال، ویتهکم بالتجار الذین ینتهزون فرصة موت أحد أصدقائهم التجار، ویشترون ما یترکه من بیوت وغیره نتیجةَ اضطرار ورثته، وعدم سداد ما علیهم من دیون للتجار. فیبدأ التجار فی مساومتهم وتهدیدهم بالأموال والدَّین، ویشترون منه بدلاً من متاعهم بثمن بخس، ویبدؤون فی التحایل بکافة الصور؛ إما بالتهدید، أو الانتظار، أو کتابة الدَّین، أو الرهن، لیکون حجة علیهم لتقاضیهم؛ وغیره من الصور حتى یُضطرّوا إلى البیع سریعاً بأقلّ الأثمان، ویکون التاجر سعیداً بحصوله على هذه المرابحة الحرام (السابق، ص89 ـ 97).
التهکم عند الحریری 1ــ التهکم بالعیوب الجسدیة: یتهکم الحریری نفسه؛ لأنه کان بخیلاً زری الهیئة، وفی المقابل یبرّر سوء منظره، مؤکداً أن المهم هو المخبر؛ فیقول فی المقامة الشیرازیة:«فازدراه القوم لِطَمْرَیه، ونسوا أن المرء بأصغرَیه» (سابا، 1985م، ص 286). وفی المقامة المرویة یقول:
(السابق، ص 312) وفی المقامة الرازیة یتهکم بالشیخ ویذمه:«شیخ قد تقوّس واقعنسس، وتقلْنس وتطلّس، وهو یصدع بوعظ یشفی الصدور، ویلین الصخور» (السابق،ص 168). فهو یصف الشیخ بانحنائه واحدیداب ظهره، ویتهکم شکلَه، ولُبسَه الطیلسانَ الذی یلبسه الخواصّ، وکذلک القلنسوه. ثم یتهکم الحریری بعد ذلک بالعیوب الجسمیة للأشخاص؛ فیتهکم الأعرج والأعمى. ففی المقامة الدیناریة یقول:«إذ وقف بنا شخص علیه سَمَل، وفی مِشیته قَزَل» (السابق،ص 28). کما یتهکم على مدعی العَرَج فیقول:
(السابق ، ص32) فهو یتهکم مدعیَ العرج؛ لأنه یستجدی الناس بهذا الشکل، ویقول: أفعل ما أشاء؛ وإذا لامنی القوم، قلت: لیس على الأعرج حرج فی فعل ما یشاء. ثم یتهکم بمدعی العمى فی المقامة البَرقعیدیة، فیقول:«طلع شیخ فی شَمْلتین، محجوب المقلتین، وقد اعتضد شِبهَ المِخلاة، واستقاد لِعجوز کالسِّعلاة» (السابق،ص 57). وکذلک یتهکم بالعمیان فی المقامة نفسها قائلاً:
(السابق،ص62) 2ــ التهکم بالعیوب الخُلقیة والنفسیة یتهکم الحریری بصفات ذمیمة کالبخل والنمیمة والجهل والغباء. ففی ذم البخل یقول فی المقامة المرویّة:
(السابق، ص 313) فهنا یذم الحریری البخیل ویصفه بصاحب الضّبّ أو الحوت، ویذمه ویرى کراهیة الناس للبخیل والشحیح. ثم لا یقصر فی الحثّ على الجود والکرم وعدم الاحتفاظ بالمال لجمعه فحسب، بل یشجّع على التنعم به، وبذله على من یستحقه حتى لا یتحول إلى نقمة؛ لأن الزمان لا یبقى على حال واحد. وکذلک التهکم بمدعی الجهل والغباء؛ فیقول فی المقامة الدمیاطیة:
(السابق،ص 37) وأیضاً یذم النمّام ویتهکم به؛ فیقول فی المقامة السِّنجاریة:
(السابق، ص151) فهو یتحدث عن النّمام والخلق الذمیم الذی یتصف به؛فیعده لعیناً ورجیماً ولئیماً .
3ــ التهکم الاجتماعی والسیاسی یتهکم الحریری بفئة القضاه تهکماً شدیداً استغرق الکثیر من المقامات، وهذا دلیل على الظلم السائد بین القضاة فی عصر الحریری، وعدم إصدارهم الأحکام إلا تبعاً للأهواء الشخصیة. ویتهکم تسریعهم فی إصدار الأحکام قبل معرفة الموضوع کاملاً. فیقول متهکماً بفساد الدهر وظلم القضاة فی المقامة الواسطیة: «قال: ما الذی نابک حتى زایلتَ جَنابک؟ فقالت: دهرٌ هاضً، وجورٌ فاض. فقال: والذی أنزل المطر من الغمام، وأخرج الثمر من الأکمام، لقد فسد الزمان، وعمّ العدوان، وعُدِم المعوان، والله المستعان» (السابق، ص 230). ثم یتهکم بشکل القاضی وتسرعه فی الحکم بدون سماع الدعوى؛ کما فی المقامة الصعدیة: «قال: فعبس الشیخ واکفهرّ، واندرأ على ابنه وهرّ، وقال له صه، یا عقق! یا من هو الشَّجى والشَّرَق! ویک! أ تعلّم أمّک البضاعَ، وظِئرَک الإرضاع؟ لقد تحکّکَتِ العقربُ بالأفعى، واستنّت الفِصال حتى القرعى!» (السابق، ص 305). نجد أیضا التهکم الاجتماعی بمدعی الفقر الذی یحتال على الناس بملابسه وشکله؛ کما فی المقامة الکرَجیّة:«شیخ عاری الجِلدة، بادی الجُردة، وقد اعْتمّ برَیطة، واستثفر بفُویطة، وحوله جمع کثیفُ الحواشی» (السابق، ص 199). فهنا یُظهر فقره الشدید بعد الغنى والوفر، وانقلاب حاله إلى الفقر؛ حیث أصبح جائعاً وعاریاً لا یستطیع أن یسد رمقه، ویظهر ضیق حاله وعدم وجود ثیاب یرتدیها لتقیه البرد، ولم یجد سوى الشمس أو الجلوس أمام النار للوقایة من البرد، ویطلب من الکریم المِعطاء أن یعطیه ثوباً لیدفئه. وکذلک فی المقامة الزّبیدیة یُظهر الفقر فی المجتمع، حتى أن رجلاً اضطُرّ إلى بیع غلامه؛ فیقول:
فهو یعدد مزایاه، ثم یعلل السبب لبیعه وهو الفقر:
ما بعتُه بمُلک کِسرى أجمعا (السابق، ص 277) وفی المقامة التبریزیة یوضح نزاع زوج زوجتَه أمام القاضی، فیرد الزوج بأنه فقیر؛ فیقول:
(السابق، ص 327) فالزوج هذا یوضح أن سبب صراعه مع زوجته فقره الشدید، وأنّه لا یستطیع أن یفی باحتیاجاته الضروریة. أیضا یتحدث الحریری عن صفة الاحتیال والخداع والمکر السائده فی المجتمع وما فیه من أفراد؛ حیث یخدعون الناس، ویتفننون فی المکر والادعاء خاصة ادعاء الفقر، وذلک بالتسول والملابس الخَرِقة والاحتیال على الناس؛ کما فی المقامة السمرقندیة:
(السابق، ص 226) نلاحظ تکرار کلمة «دارا» بمعانیها المختلفة، وکلها بهدف الخداع والمکر والاحتیال . کذلک کان الحریری یتهکم بمن یمتهن مهنة الأدب (الادیب)؛ فیقول فی المقامة الإسکندریة:
(السابق، ص 75) وکذلک فی المقامة المرویّة یقول:
فالوالی أُعجب بکلامه وفضله، فقرّبه لبیانه الفاتن؛ ثم مشى سعیداً، وقال: «تعساً لمن جدب الأدبَ! وطوبى لمن جدّ فیه ودأب!» (السابق، ص 314). أیضاًیتهکم الحریری حاکمَ تبریز بأنه حاکم ظالم، ویقف بجانب الخصم، ویُهمل الآخر وقسمته غیر عادلة:
(السابق، ص 328) الخاتمة: لا شک أن الحیاة الاجتماعیة مرتبطة ارتباطاً وثیقاً بالحیاتین السیاسیة والأدبیة، بل هی تنعکس دائماً على أدب العصر وتتفاعل معه؛ وذلک نتیجة للحیاة التی یحیاها الشعب والتأثیرات التی یتأثر بها الناس. ومن الظواهر الاجتماعیة الجدیرة بالاهتمام التی تزامنت مع عصر الهمذانی والحریری هی ذیوع المجون والخلاعة، وأیضاً الفقر . فاعتنى الهمذانی والحریری کلاهما بموضوع الکتابة فی الشؤون العامة، وتناولا الثغرات الاجتماعیة الموجودة بلسان لاذع، ولم یستثنیا أحداً أو طبقة؛ فلهذا نرى التهکم فی المقامات کان بالأفراد، والفئات، والحاکم والقاضی. وأیضا نرى اتفاقاً بین الهمذانی والحریری على السخریة من المعتقدات التی کانت سائدة فی عصرهما، وکلا الکاتبین کان یتمتع بقناعة تامة فی إبراز ما وجداه ظلماً یُفرض على الناس. وکان لدى الکاتبین اهتمام بتهکم العیوب الخلقیة والجسدیة؛ مثل: الجَهالة والبخل والسذاجة والمنظر الکریه، وإن کان الهمذانی أشدّ قساوة فی تبیین هذه العیوب. کما رأینا إبراز الهمذانی الکثیر من الفئات فی المجتمع کالشیوخ، والقضاة، والتجار، والقرادین وغیرهم من الطبقات الکادحة، وأشار إلى الإباحة الأخلاقیة لدیهم. أما الحریری، فلم یُبرز إلا فئة القضاة، وذلک لشیوع الفساد والظلم والتحیز الواضح لدیهم، وإصدار الحکم مقابل أخذ المال لصالح شخص غنی ضد فقیر. وفیما یتعلق بالفقر الذی کان سائداً حینذاک، برع الهمذانی والحریری فی تصویره، کما فی تصویر المشاکل الاقتصادیة والطبقیة الناجمة عنه. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مراجع | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
1ــ البستانی، بطرس . (1989م). أدباء العرب فی الأعصر العباسیة. بیروت: دار الجیل. 2ــ بوملحم، علی. (1993م). مقامات الهمذانی. بیروت: دار الهلال. 3ــ الحوفی، أحمد.(2001م). الفکاهة فی الأدب. القاهرة: نهضة مصر. 4ــ راغب، نبیل. (1998م). الأدب الساخر. القاهرة: الهیئة المصریة للکتاب. 5ــ سابا، عیسى. (1985م). مقامات الحریری. بیروت: دار بیروت. 6ــ سالم، جورج.(1997م). دراسات فی الأدب. بیروت: دار الکتاب اللبنانی. 7ــ عبدالحمید، محمد محیی الدین. (بی تا). شرح مقامات بدیع الزمان الهمذانی. بیروت: دار الکتب العلمیة.
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آمار تعداد مشاهده مقاله: 829 تعداد دریافت فایل اصل مقاله: 888 |